اعتبار الأجهزة الحديثة في رؤية الهلال
12 شوال 1432
18:05
۵,۰۲۷
الخلاصة :
مقدّمة
من المسائل المطروحة للبحث اليوم مسألة اعتبار أو عدم اعتبار الأجهزة والوسائل الحديثة في رؤية الهلال ، فمع ظهور هذه الأجهزة الجديدة من قبيل الناظور والمرصد الفلکي طرح هذا البحث في مدى إمكانية الاجتزاء بها لرؤية الهلال ، وجرى الكلام في أنّه هل تكفي مثل هذه الوسائل لإثبات الرؤية كما تكفي فيها الرؤية بالعين المجردة أو لا ؟ وبعبارة اُخرى : هل تجزي الرؤية بالعين المسلّحة أم لا ؟
وقد ورد استفتاء على سماحة آية الله العظمى الشيخ الفاضل اللنكراني ـ قدّس سرّه ـ في 24 رمضان 1425 بخصوص الاستفادة من الوسائل الفلكية ( كالناظور والتلّسكوب وغيرها ) لرؤية الهلال ، فكان جواب سماحته ما يلي :
« لا فرق في رؤية الهلال بين كونها بالعين المسلّحة أو غير المسلّحة ، فتكفي الرؤية بالتلّسكوب كما تكفي بالمنظار والنظّارات المستخدمة في الصيد ونحوه» .
وقد تركت هذه الفتوى انعكاساً وصدى واسعاً في الخارج والداخل ، سيما بين العلماء والأكابر ، ولعلّه يمكن أن يقال بأنّه لا نجد نظيراً لهذه الفتوى بين المراجع العظام بهذه الصراحة والوضوح قبل هذا ، وقد طلب منّي جمع من الأفاضل على إثر ذلك بيان وتوضيح هذه الفتوى .
وحالفني التوفيق ـ ولله الحمد ـ لبحث هذه المسألة التي هي في عداد المسائل المستحدثة بحثاً استدلالياً بحسب ما سنحت به الفرصة وفي حدود الإمكان ، راجياً من ذوي الرأي ملاحظتها بعين الإنصاف .
تحريرمحلّ النزاع
قبل الخوض في الآراء واستعراض الأدلّة يلزم أولاً تحرير محلّ النزاع فنقول : إنّ للهلال من الناحية التكوينية والواقعية حالتين :
الاُولى : المقارنة ، وهي عندما يكون الهلال واقعاً تحت ضوء الشمس بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة إطلاقاً .
الثانية : الولادة ، وهي عندما يخرج القمر من المحاق ومن تحت ضوء الشمس ، ويبدأ بذلك شهر جديد ، وهو ما يعبّر عنّه في اللغة والعرف بالهلال .
وبعبارة أخرى : إنّ أول زمان الولادة هو أوّل زمان الهلال .
والوارد في لسان الأخبار كملاك للمسألة عبارة عن عنوان مركّب هو : « رؤية الهلال » ، وهو مكوّن من « الرؤية والهلال » ، ولابدّ من البحث في كلّ منهما . وسوف نتناول فيما يلي من البحث عند تعريف الرؤية كيفية أخذها في الأخبار وأنّه هل بنحو الموضوعية أو الطريقية ؟ وهل إنّ لها إطلاقاً من جهة السبب أو لا ؟ إنّما المهم الآن البحث عن تحديد معنى « الهلال » بمعنى « الشهر الجديد » أي ولادة القمر وإن كان المستفاد من بعض العبائر إمكانية أن يكون ثمّة فاصل زمني يتخلّل بين زمان الولادة وتحقق الهلال ، فلكي يتحقق الهلال لابدّ من مضي مدّة بعد ولادته لشدّة ضعف نوره ، إلاّ أنّ الظاهر تحقق بداية الشهر بمجرّد ولادة الهلال .
والهلال لغة هو الشهر الجديد وإن كان يطلق عليه لليلة أو ليلتين هلالاً أيضاً عند البعض أو إلى سبعة عند آخر (1) .قال في لسان العرب : « الهلال غرّة القمر حين يهلّه الناس في غرّة الشهر . وقيل : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ثمّ لا يسمّى به إلى أن يعود في الشهر الثاني . وقيل يسمّى به ثلاث ليال ثمّ يسمّى قمراً » (2) .ويتضح من هذا النصّ أنّ الهلال يصدق على الشهر من أول ليلة ومنذ الولادة ; لأنّ ابن ليلتين يعني الليلة الأولى والثانية ، والنتيجة هي صدق الهلال عليه بخروجه من المحاق ولو لم يره الناس والتعبير بـ « حتى يهلّه الناس » ليس مقوّماً لمعناه ، بل هو من آثاره الغالبة ، والشاهد على ذلك ما ورد في القاموس المحيط من تفسيره الهلال بغرّة القمر (3) ولم يتضمن عبارة « حين يهلّه الناس » ثمّ قال : « قال أبو إسحاق : والذي عندي وما عليه الأكثر أن يسمّى هلالاً ابن ليلتين ; فإنّه في الثالثة يتبين ضوؤه » (4) . وعليه فإنّ الهلال صادق على بداية ضوء القمر الضعيف ، في حين أنّه لا يغلب على ظلمة السماء . قال في صحاح اللغة : « الهلال أوّل ليلة والثانية والثالثة ، ثم هو قمر » (5) . حيث اعتبر أول ليلة هلالاً ويصدق عليها عنوان الهلال ، وليس فيها « حين يهلّه الناس » .
وعلى هذا فإنّ للهلال معنى لغوياً بيّناً ، وإن كان ثمّة مقولة معروفة عن ابن الأعرابي كما في لسان العرب أنّ الهلال إنّما سُمّي هلالاً لأنّ الناس يصيحون عند رؤيته ، إلاّ أنّه لا يمكن اعتبار مثل هذا في الهلال مورد البحث ، أي الموضوع للحكم الشرعي ، بعبارة اخرى : لا يمكن عدّ ذلك ـ صيحة الناس ـ ملاكاً في الهلال ، وإن كان هو الغالب فيه .
نعم ، ورد في صحاح اللغة كما يلي : « ويقال أيضاً استهل هو بمعنى تبيّن ولا يقال أهلّ (6) » حيث فسّر الاستهلال بمعنى التبين والظهور ، والسبب في ذلك هو أنه لو استهلّ شخص ولم ير الهلال فلا يصدق على ذلك الاستهلال ، والنقطة الجديرة بالإشارة هي أنّ الاستهلال في الروايات ليس ملاكاً للحكم وأنّ الملاك هو نفس الهلال ورؤيتة .
النقطة الاُخرى الجديرة بالاهتمام هي أنّه لو فرضنا القبول بمدخلية الظهور ورؤية الناس وصيحتهم لذلك في تحقق الهلال ، إلاّ أنّه قد ثبت في محلّه أنّه لا مدخلية تامة لوجه التسمية في صدق العنوان ، بمعنى إمكانية أن يصدق العنوان في بعض الحالات من دون صدق وجه التسمية .
والنتيجة هي أنّ الهلال يتحقق بمجرّد ولادته ، وقوله تعالى : ( يَسْألونَكَ عَنِ الاَْهِلَّةِ . . .) (7)شامل أيضاً لمثل هذا الهلال قطعاً .
وللفلكيين أن يسلكوا لتعيين ولادة الهلال طريق الحساب الدقيق كما يسلكوه في المقارنة ، إلاّ أنّ المشكلة عدم حجية مثل هذه الحسابات بنفسها ومع غضّ النظر عن إمكان إفادتها الاطمئنان وعدمه ، هذا أولاً ، وثانياً إنّ الأدلّة نصّت على اعتبار أنّ الرؤية هي الملاك ، ولذا لايمكن الاعتماد على الحسابات الفلكية ، فالملاك إذاً بحسب ظاهر الأدلّة هو رؤية الهلال .
وقد وقع البحث في أنّه لو كان الهلال ـ وهو ما كان في زمن الولادة ـ قابلاً للرؤية بالتلّسكوب بنحو لا تستوجب الرؤية به تغييراً في الواقع ولا تعكس إلاّ الهلال الواقعي فهل مثل هذه الرؤية حجّة أو لا ؟
والوارد في كلمات بعض الأعاظم كالمرحوم المحقق الخوئي (قدس سره) فيما يرتبط بالهلال محلّ البحث هو أنّ « الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلاً للرؤية ولو في الجملة » (8) .فهو يشترط في تعريف الهلال مضافاً إلى خروجه من تحت الشعاع ـ أن ينفصل قليلاً عن الشمس وأن يخرج من تحت شعاعها حتى يكون قابلاً للرؤية ولو في بعض المناطق .
ولكنّا لا نرى وجهاً لإضافة مثل هذا القيد في تعريف الهلال ، بل يلزم على ذلك ألاّ تكون هناك ضابطة معيّنة ، ولو أردنا تعريف الهلال كذلك فإنّه يمكن اعتبار النزاع حينئذ لفظياً . توضيح ذلك : إنّا لو التزمنا بهذا التعريف أي خروج الهلال من تحت شعاع الشمس بحيث لا يكون قابلاً للرؤية بالعين الطبيعية فعلاً لشدة ضعف نوره ولكنه قابل للرؤية من الناحية العلمية ، فيرى بالتلسكوب أو الكاميرات فلابدّ أن يفتي الجميع في هذه الصورة بكفاية ذلك وصحته .
وإن كان ظاهر الفتاوى عدم كفاية ذلك في مثل الفرض ما لم تتحقق الرؤية بالعين المجرّدة ، إلاّ أنّ الواقع هو أنّه مع حصول الاطمئنان بخروج الهلال من تحت الشعاع لعدّة ساعات ـ بمعنى مضي ساعات على الهلال ـ فإنّ تلك الليلة هي أول ليلة للشهر القمري بما لا يقبل التأمّل والتردّد .
ولو لم يوافق على مثل هذه الدعوى وقيل بأنّ هذه الصورة المفروضة داخلة في محل النزاع أيضاً ، فلابدّ حينئذ من البحث بصورة أوسع بما يشمل صورتين :
الصورة الأولى : أن يولد الهلال ولكن بنحو لا تمكن رؤيته ـ حسب الحسابات الفلكية ـ بالعين المجرّدة ، وذلك حين خروجه في اللحظات الاُولى من تحت الشعاع .
الصورة الثانية : أن يخرج من تحت شعاع الشمس بمقدار
تكون إمكانية الرؤية بالعين المجرّدة من حيث الحسابات الفلكية ضعيفة جدّاً ،
ولكن مع ذلك لا تستحيل الرؤية وإن كانت بالفعل غير متحقّقة . ففي هاتين
الصورتين لم يفكك
بينهما من تعرّض لبحث المسألة مع أنّ الصورة الثانية كما أسلفنا يمكن إخراجها
عن محل النزاع ، هل يمكن التعويل على الرؤية بالوسائل والتلسكوب أو لا ؟
نُسب إلى المشهور من الفقهاء عدم كفاية الرؤية بالعين المسلّحة ، والحال أنّ المسألة هي من المسائل المستحدثة التي لا يرجع تأريخها إلى فترة قديمة ، بل يمكن القول بشكل أدّق ـ كما ورد ذلك في بعض الكلمات ـ أنّ فترة الاستخدام المنضبط والمقنن لهذه الأجهزة والوسائل لرؤية الهلال لا تتجاوز بضعة عقود . وعليه فلا يمكن دعوى الشهرة المعتبرة بين الفقهاء والتي هي عبارة عن الشهرة بين المتقدّمين ، نعم الحكم مشهور بين المتأخرين ، ولكن الشهرة بينهم ليست حجّة كما هو معلوم .
وقد تمسك القائلون بكفاية الرؤية بالعين المسلّحة بأصالة الإطلاق في المقام ، وأنّه لم يرد أيُّ دليل أو قرينة تقيّد الرؤية بغير المسلّحة ، وإن كانت أصل الرؤية عندهم معتبرة ، والحسابات الفلكية والأمور الظنّية غير معتبرة عندهم ، ولكنهم يرون أنّ الرؤية لمّا كانت مجزية بالوسائل كالنظّارات ـ مثلاً ـ فإنّها مجزية أيضاً إذا كانت بوسائل أقوى وأفضل إذا لم تحدث تغييراً في الواقع المرئي ، فالمهم من الناحية الصناعية هو صدق استناد الرؤية إلى الرائي ، ومن يرى بالتلسكوب تُسند إليه الرؤية قطعاً ، وهذا الاستناد حقيقي . وبعبارة ثانية : إنّ صدق الرؤية محرز ومسلّم في الرؤية بالتلسكوب ، والشاهد على ذلك هو إمكانية الشهادة بالقتل إذا شوهد بالتلسكوب وعلى القاضي ترتيب الأثر عليه ، مع أنه يشترط في باب الشهادات أن تكون مستندة إلى الرؤية أيضاً .
وشاهد آخر على هذا القول هو أنّه يشترط في حليّة أكل السمك أن يكون ذا فلس ، فقد اعتبرت النصوص والفتاوى الملاك في حلّية أكل السمك هو وجود الفلس ، فلو تعذّرت رؤية الفلس في بعض أنواع السمك ـ مثلاً ـ بالعين المجرّدة وأمكنت بمثل الناظور أو لم يتمكّن عامة الناس من تشخيصه الفلس وتمكّن اُهل الخبرة من ذلك فالظاهر كفاية هذا المقدار في حليّة أكله ولا يمكن القول باشتراط كون الرؤية بالعين المجرّدة فقط.
وبعبارة ثانية : إنّ جواز الأكل منوط بوجود الفلس واقعاً ، وفيما نحن فيه وإن ذكرت الرؤية في الروايات إلاّ أنّ المستفاد من الأدلّة هو الوجود الواقعي للهلال .
وبشكل عام فإنّه ـ مضافاً إلى هذين الشاهدين ـ يمكن إجمال استدلال هذا الفريق بثلاثة أدلّة ومؤيّد واحد :
1 ـ إجراء أصالة الإطلاق بالنسبة لسبب الرؤية وعدم وجود قرينة على الانصراف .
2 ـ استناد الرؤية حقيقة إلى من يستخدم هذه الوسائل في الرؤية .
3 ـ شمول لفظ الأهلّة في قوله ( يَسْألونَكَ عَنِ الاَْهِلَّةِ . . . ) (9) ، حيث يشمل بإطلاقه الهلال الذي لا يراه الناس بالعين غير المسلّحة ولكنّهم يرونه بالعين المسلّحة .
ومن المؤيدات لهذا الرأي بالإضافة إلى هذه الأدلّة الثلاثة هو أنّه لو لم تمكن الرؤية العادية في الليلة الاُولى وتمّت رؤيته بالتلسكوب فإذا لم نعتبر نهار تلك الليلة اليوم الأول من الشهر واعتبرنا اليوم الذي بعده أول الشهر ، فإذا كان ذلك الشهر ثمانية وعشرين يوماً فإنّه يجب قضاء يوم واحد طبقاً لبعض الروايات وفتوى جميع الفقهاء ، وهذا يكشف عن أنّ ذلك اليوم هو الأول للشهر ولو لم تتمّ فيه الرؤية بالعين الطبيعية .
وهذا خير شاهد على أنّه لا موضوعية للرؤية بالعين العادية .
إن قلت : إنّه في مثل الفرض المذكور نستكشف أنّ الرؤية بالعين المجرّدة في الليلة الاُولى كانت ممكنة إلاّ أنّها تعذّرت لبعض الموانع .
وبعبارة ثانية : إنّه قد يدّعى وجود ملازمة بين هذين الأمرين ، أي بين رؤية الهلال في الليلة الثلاثين بالعين المجرّدة وبين إمكانية رؤيته كذلك في الليلة الاُولى .
قلت : إنّه لم يقم أيُّ دليل لا من الناحية الفلكيّة ولا غيرها من الطرق الاُخرى على وجود هكذا ملازمة ، بل إنّا لو لاحظنا حالات الرؤية لوجدنا في بعض الموارد منها أنّ الفلكيين يدّعون فيها عدم قابلية الرؤية في الليلة الاُولى بالعين المجرّدة ، ثم يأتون ويدّعون بعد مضيّ تسعة وعشرين يوماً إمكانية رؤية الهلال الجديد بالعين المجرّدة ، بل يمكن القول مع غضّ النظر عن هذا المطلب إنّه لا دليل أساساً في علم الفلك على وجود مثل هذا الأمر .
وأمّا من استدلّ على عدم كفاية الرؤية بالعين المسلّحة فمجموع ما استدلّ به عبارة عن دعويين :
الدعوى الاُولى : دعوى انصراف الرؤية إلى الرؤية بالعين الطبيعية ، قال بعض الأعلام :
« لا تكفي الرؤية بعين ذات البصر الحادّ كما لا تكفي الرؤية بالآلات الرصدية ، وما هذا إلاّ للانصراف » (10) .الدعوى الثانية : دعوى أخذ الرؤية بنحو الطريقية لا الموضوعية ، على توضيح سيأتي .
الدعوى الاُولى : الانصراف
قال بعض الأعاظم : عندما تطلق الرؤية فإنّ المنصرف هو الرؤية المتعارفة وهي
الرؤية بالعين غير المسلّحة ; لأنّ الفقهاء يصرفون الإطلاقات في جميع
أبواب الفقه إلى الأفراد المتعارفة (11) .ولكن ثمّة أمور جديرة بالملاحظة في هذا النص ، وهي كما يلي :
أولاً : لابدّ من ملاحظة ما هو المنشأ في الانصراف ؟ قد ثبت في علم الأصول صحة الانصراف لو كان منشأه غلبة الاستعمال لا ما إذا كان من غلبة الوجود ، وكما تستعمل الرؤية في الرؤية بالعين غير المسلّحة فإنّها تستعمل ـ حقيقة ـ في الرؤية بالنظّارات أو المكبّرات أو المنظار .
ثانياً : إنّ ما ذكر دليلاً على هذا المدّعى حقيق بالتأمل ; لأنّ ما ذكر ـ من أنّ الفقهاء يصرفون الإطلاقات في جميع الأبواب الفقهية إلى المصاديق المتعارفة ـ على فرض صحته لكن هل يمكن اعتبار عمل الفقهاء دليلاً وحجة في المقام ؟ فإذا كان الفقهاء إلى ما قبل العلاّمة الحلّي يفتون بلزوم نزح المقدّرات في البئر فهل يكون هذا حجّة على سائر الفقهاء ؟ ! فإنّه من الواضح لزوم البحث في أدلة الأقوال في مثل هذه المسألة ، وكذا الأمر فيما نحن فيه .
من الواضح أنّه كما يجب في أمثال هذا المورد البحث والفحص عن الدليل ، فكذا يجب في هذا المورد الرجوع إلى أدلّة المسألة لكي يتمّ بحثها .
ثالثاً : عدم تمامية مثل هذه النسبة إلى الفقهاء بمجردّ إحصاء موارد قليلة ، حيث توجد ثمّة موارد على خلاف ذلك ـ سنشير إليها ـ تؤكد عدم صحة مثل هذه الدعوى على إطلاقها ونسبتها إلى جميع الفقهاء .
ولكن نشير قبل التعرّض للموارد ـ سواء قبل الفقهاء بالانصراف فيها أو لم يقبلوا ـ إلى بعض النقاط التي ينبغي تدقيقها وتمحيصها من جهة صناعية :
النقطة الاُولى : من الواضح إنّ أصالة الإطلاق من
الاُصول اللفظية العقلائية ، والأصل الأوّلي في الألفاظ هو الإطلاق بمقتضى
مقدّمات الحكمة ما لم يتوفّر دليل أو تقم قرينة على التقييد . وبعبارة اُخرى :
إنّ رفع اليد عن
الإطلاق ودعوى الانصراف بحاجة إلى قرينة دائماً ، وبدونها لا يمكن دعوى
الانصراف ، بل لو أردنا حمل المطلقات في جميع الموارد على الفرد المتعارف لفقد
الاجتهاد حيويته وفاعليته ، فالاجتهاد حيٌ وفاعل ببركة هذه الإطلاقات
والعمومات .
ولا توجد أيّة قرينة صارفة في الروايات الواردة في رؤية الهلال أو غيرها من الأدلّة ، والرؤية مطلقة من جهة السبب « إذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر » أو « صم للرؤية وافطر للرؤية » .
لقد وردت « الرؤية » في هذه الروايات إمّا بصيغة الخطاب أو بغير صيغة الخطاب ، والخطاب إمّا بصورة المفرد أو بصورة الجمع ، إلاّ أنّه لم يرد في جميع هذه الروايات الثمانية والعشرين ( في الباب الثالث من أبواب شهر رمضان من المجلد العاشر من الوسائل ) أية قرينة دالّة على الانصراف ، وبذلك نثبت الاكتفاء بالرؤية بكلّ طريقة ، بمعنى أنّ الملاك هو صدق الرؤية بأيّ طريق اتّفق ، ومن جهة اُخرى فإنّ من الواضح إنّه وفي حالات كثيرة بل في جميع موارد الإطلاق عندما يتمّ الانصراف إلى الأفراد المتعارفة فإنّ مقتضى القاعدة والصناعة توقف دعوى الانصراف على وجود القرينة ، وبدونها لا يمكن القبول بدعوى الانصراف البتة .
تحليل الروايات
المستفاد من دراسة الروايات الواردة أنّ الرؤية طريق وكاشف عن ثبوت الهلال ، لكنها طريق إلى اليقين والاطمئنان بتحقق الهلال في السماء بعد خروجه عن المقارنة .
إنّ الرؤية الواردة في الروايات قد وردت كمقدمة لليقين ، كما أنّ مفادها أيضاً أنّ شهر رمضان لا يكون بالرأي والتظنّي :
1 ـ محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن مهزيار عن محمّد بن أبي عمير ، عن أيّوب وحمّاد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، وليس بالرأي ولا بالتّظنّي ولكن بالرؤية» (12) .2 ـ محمد بن الحسن عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : «صيام شهر رمضان بالرؤية ، وليس بالظّن» (13) .3 ـ محمد بن الحسن عن فضالة عن سيف بن عميرة عن اسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : في كتاب علي (عليه السلام) «صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظنّ . . . »(14) .4 ـ محمد بن الحسن عن العباس بن موسى ، عن يونس بن عبدالرحمن عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظنّي» (15) .والمستفاد بشكل واضح من هذه النصوص هو :
أولاً ـ إنّ المقصود بالرؤية في الروايات نفي الرأي والظنّ والتأكيد على لزوم حصول اليقين بالهلال في وجوب الصوم .
ومن الواضح جدّاً أنّ تحصيل هذا اليقين غير مختص بالرؤية المجرّدة ، بل يحصل من طريق الوسائل والأجهزة أيضاً .
وثانياً ـ إنّ الملاك في شروع شهر رمضان هو نفس الهلال لا أصل وجود القمر وإذا تيقنا من الهلال فلابدّ من الصوم ومع تجدّد الهلال يبدأ الشهر ، ومع التيقن من تحقق الهلال يبدأ الشهر القمري .
روى محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي جميعاً عن أبي عبد الله أنّه سُئل عن الأهلّة فقال : هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فافطر » (16) . فالمستفاد من هذا الحديث أنّ الملاك في بداية الشهر القمري هو الهلال والرؤية طريق لليقين بحصول الهلال . ومن جهة اُخرى فإنّ الهلال غير مشروط بالرؤية الطبيعية ، وإلاّ لزم أن يكون هناك أهلّة متعدّدة بتعدّد الأفراد واختلاف البلاد ، وهو واضح البطلان .
ومن الشواهد والمؤيّدات على اعتبار الرؤية طريقاً لليقين بحصول الهلال ما ورد في بعض الروايات الواردة من أنّه لو استُهل صباحاً في جهة المشرق ولم ير الهلال فهو هلال جديد في ليلة ذلك اليوم ، سواء رُئي أم لم ير :
محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن زكريا بن يحيى الكندي الرقّي عن داود الرقّي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو ههنا هلال جديد رُئي أم لم ير » (17) .وإن كان صاحب الوسائل قد حمل هذه الرواية على الغالب أو التقية ، ولكن وجود ما يوافقها من الروايات يمنع من حملها على التقية . وبشكل عام فإنّ المستفاد أنّ الرؤية طريق لليقين بحصول الهلال ، وأنّها لا موضوعية لها .
إنّ المستفاد من تحليل الروايات بطلان القول باحتمال أنّ الشارع الأقدس جعل الخروج عن المحاق بمقدار يراه الناس موضوعاً لوجوب الصوم ، فلا شاهد ولا دليل على مثل هذا الاحتمال ، بل الرؤية ـ مسلّحة كانت أو غير مسلّحة ـ طريق للعلم بثبوت الهلال . والمتلخّص هو أنّه لا ترديد في أنّ الرؤية الواردة في الروايات لها دور الطريقية ، ولا فرق بين أسباب حصول ذلك ، بل الملاك هو اليقين بحصول الهلال وتحقّقه .
وقد ذكر بعض الأعاظم (18) أنّ لرؤية الهلال موضوعية بمعنى أنّه لا بدّ في احتساب بداية الشهر القمري من إمكانية الرؤية بالعين غير المسلّحة وإن كانت الرؤية متعذّرة بالفعل بسبب المانع .
ولكن يظهر ممّا تقدّم بطلان هذه الدعوى ; وذلك : لخلو الروايات من أيّة قرينة دالّة على الإمكان . نعم ، قد يقال بعدم اعتبار الرؤية بالفعل إذا كان هناك ما يمنع منها إلاّ أنّ هذا لا يلازم القول بأنّ لإمكانية الرؤية بالعين غير المسلّحة موضوعية في المقام .
بل المستفاد من الروايات بشكل واضح ـ كما أسلفنا ـ عدم اعتماد التظنّي في بداية الهلال بل لا بدّ من حصول اليقين ، فإنّ الطريق الوحيد في ذلك الزمان لحصول اليقين هو الرؤية فقط ، وعليه فإنّ للرؤية طريقية لاثبات الهلال ، وهذا الطريق هو طريق لحصول اليقين ، ولا تطرّق في الروايات للإمكان أو عدمه ، بل إنّ المراد بالرؤية هي الرؤية الفعلية كما هو مقرّر في محلّه من أنّ العناوين ظاهرة في الفعلية .
وليس من المستبعد استفادة هذا المطلب من مجموع الروايات الواردة في المقام ، وهو : إنّ طريق تحصيل اليقين في الأزمنة السابقة كان ينحصر بالرؤية ، ولم تكن الحسابات الفلكية موجبةً لحصول اليقين حتى للفلكي نفسه فضلاً عن غيره ، وقد نفت الروايات اعتماد الظنّ . وأمّا في عصرنا الحاضر فحيث إنّ الحسابات الفلكية الدقيقة تورث الاطمئنان والوثوق فهي قابلة للاعتماد أكثر ممّا سبق . فإذا ثبت بالحسابات الفلكية الدقيقة في غروب يوم من الأيام خروج الهلال من تحت الشعاع فإنّه يمكن اعتبار تلك الليلة أول الشهر القمري ; ولأجل هذا يقول الفقهاء بكفاية الاطمئنان ببداية الشهر الجديد إذا كان من طريق الحسابات المفيدة لمثل هذا الاطمئنان .
وممّا يجدر ذكره أنّ الشارع لم يتعبّدنا البتة بخصوص ثبوت الشهر القمري ، بحيث يكون فرق بين الشهر القمري والشهر الشرعي ، وإنّما اشترط شيئاً واحداً ـ طبعاً هذا في وجوب الصوم لا لبداية الشهر ـ وهو عدم الاعتماد على الظنّ والرأي ، ولم يتعبّدنا بما سوى ذلك البتة .
النقطة الثانية : ما هو المراد بالمتعارف ؟ والمتعارف في أيّ زمان هو المقصود ؟ نقل صاحب الجواهر عن الشيخ البهائي وعن اللّوامع أنّه يلزم حمل المتعارف على ما كان متعارفاً في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن لم يكن متعارفاً في زمان الأئمة (عليهم السلام) ثم استدلّ قائلاً : « لأنّ أحكامهم متلقّاة منه » (19) .إذاً ، لا يمكن دعوى الانصراف إلى المتعارف ; لأن مسألة الرؤية بالعين المسلّحة لم تكن مطروحة للبحث أساساً في زمن صدور الأحاديث ، وإذا كان في الزمان الحالي ثمّة عنوان غير متعارف فهذا لا يبرّر انصراف الروايات السابقة عن هذا المورد والعنوان ، كما أنّه لا يمكن اعتبار الرؤية بالعين المسلّحة من الموارد غير المتعارفة . نعم ، لمّا كانت مثل هذه الوسائل ليست في متناول أيدي الجميع فلا يتيسر الإفادة منها واستخدامها من قبل الجميع ، ولكن هذا غير مسألة أنّها غير متعارفة .
وأمّا إذا كان المراد من غير المتعارف هو الندرة كما هو كذلك في جميع الأزمنة فيمكن أن يكون لذلك وجه مقبول ، أمّا إذا كان نادراً في زماننا ـ مثلاً ـ غير نادر في الأزمنة الآتية فلا وجه حينئذ لذلك ; لأنّ مثل هذا الانصراف سيستلزم انسداد باب الإطلاق في الفقه وهدم كثير من الأحكام الفقهية .
النقطة الثالثة : إنّ حقيقة الإطلاق كما يقتضيه التحقيق هي رفض القيود لا جمعها ، فإذا كان الاطلاق كذلك فلا وجه حينئذ لهذه الدعوى إطلاقاً ، نعم لو قلنا إنّه عبارة عن جمع القيود كان وجه لهذه الدعوى ثبوتاً ، وأمّا إثباتاً فهي بحاجة إلى دليل أو قرينة تدلّ عليه .
وتوضيح ذلك أن يقال : إذا كان الإطلاق هو رفض القيود فلابدّ من الالتزام
بأنّ الشارع اعتبر تمام الملاك في الرؤية دون أن يلحظ أيّ قيد آخر ، بل لم
يلتفت أساساً إلى الأفراد والمصاديق ليقال بالانصراف عن بعض وعدم الانصراف عن
الآخر ، وأمّا إذا كان الإطلاق هو جمع القيود فإنّه يمكن القول
بأنّ الشارع أخذ جميع الأفراد والمصاديق والقيود بنظر الاعتبار وقد أراد المعنى
المطلق منها جميعاً ، فهنا يمكن دعوى الانصراف بحق البعض منها .
وبعبارة أخرى : إنّه بناءً على هذا المبنى لا يمكن دعوى الانصراف في أيّ مورد من الموارد ، ولا يمكن أن ينصرف اللفظ المطلق بذاته إلى فرد خاص بعينه ، وإن كان يمكن تشخيص ذلك الفرد بقيام القرينة عليه ، إلاّ أنّ هذا بحث آخر غير الانصراف .
النقطة الرابعة : والتي هي في غاية الأهمية وهي عبارة عن أنّ الألفاظ يجب حملها على معانيها المتعارفة لا على المعاني النادرة وغير المشهورة ، ولكن ثمّة فرق بين المعنى المتعارف وبين المصداق المتعارف ، وفي بحث رؤية الهلال ينطبق على الوسائل الجديدة أنّها من المصاديق غير المتعارفة لا أنّها معنى غير متعارف ، فالعلاقة بين اللفظ والمعنى أمر واضح وصحيح ، ولكن العلاقة بين اللفظ والفرد أو المصداق هو أنّه لا يمكن تعيين المصداق فيها من خلال الوضع واللغة ; لأنّ المصداق والفرد يرتبطان بمقام التطبيق ، والتطبيق أمر عقلي لا علاقة له بالواضع أو العرف . وتأسيساً على ذلك فإنّ الخلط بين المعنى المتعارف والمصداق المتعارف هو الذي سبّب الخلط عند البعض .
ونشير فيما يلي إلى بعض النماذج في المقام :
النموذج الأول : قوله : « الطواف بالبيت صلاة » فإنّ المعنى المتعارف هو الصلاة الفعلية ، بينما معناها النادر هو الدعاء ، ولذا لا يمكن القول بأنّ المراد بالصلاة هنا الدعاء ، بل لابدّ من تنزيلها على معناها المتعارف ، قال صاحب الجواهر : « والألفاظ إنّما تُحمل على المعنى المتعارف ، لا النادر غير المشهور » (20) .النموذج الثاني : في وضوء ذي الوجه الطويل الخارج عن المتعارف ، قال صاحب الجواهر : « ويجب عليه الغسل من القصاص إلى الذقن وإن طال وجهه بحيث خرج عن المتعارف ; لصدق اسم الوجه » (21) .فيعلم من ذلك أنّ الموارد التي تكون ذات معنى واضح لا تأثير للمصداق فيها ، ولا توجب المصاديق غير المتعارفة تغييراً في معنى اللفظ . نعم ، بالنسبة إلى معنى الوجه وأنّه هل المراد منه المتعارف يمكن أن يُدّعى ذلك ; ولذا قال في الجواهر : « لا عبرة بالأنزع . . . ولا بالأغمّ » (22) . ثم قال : « فيرجع كلّ منهما إلى الغالب في أكثر الناس » (23) ، لكن هذا من جهة أنّ المقصود بالوجه هو الوجه المتعارف ، فيجب غسله ما دام يصدق عليه عنوان الوجه ولو لم يكن من المصاديق المتعارفة .
النموذج الثالث : ممّا يدلَ على أنّه إذا كان عام ومطلق لغوي فجميع الأفراد يتساوون بالنسبة إليه ، ولا فرق بين الأفراد الغالبة وغير الغالبة ، ما تعرّض له صاحب الجواهر في غسل الوجه في الوضوء بعد أن ذكر عدم وجوب غسل المسترسل من اللحية ولا تخليله ، ثم نقل كلاماً عن الشهيد في الدروس قال فيه : « يستحب التخليل وإن كثف الشعر » ثم عقّب عليه معترضاً بأنّه لم نجد دليلاً على ذلك وأنّ الأدلّة على خلافه : « وحيث اشتملت الرواية على العموم اللغوي الذي يتساوى جميع الأفراد بالنسبة إليه لم يختلف الحال في الموافق للغالب وعدمه ، فالأغم ـ مثلاً ـ إن كان كثيف الشعر اجتزى بغسله » (24) .فيظهر من ذلك انتفاء الفرق بين الفرد الغالب وغير الغالب .
النقطة الخامسة : حتى في صورة ما إذا كان الانصراف مع القرينة فإنّ المستفاد مع ذلك من منهجية صاحب الجواهر عدم إمكان التعويل عليه لوحده لدى الفقيه ، بل يجب ألاّ يكون معارضاً لفهم الأصحاب أولاً ، وأن يُدعم بالمؤيدات ثانياً ، ونشير هنا إلى نموذجين :
النموذج الأول : مسألة التطهير بالماء القليل وأنّه
هل يشترط ورود الماء على النجاسة أو لا ؟ خلاف في ذلك . وقد عالج صاحب الجواهر
المسألة من
خلال الانصراف إلى المتعارف والمعهود بين الناس حيث يعتبرون ورود الماء
مطهراً ، لكن قد أيّد قبل وبعد هذا الحكم بالإجماع والسيرة المستمرة .
النموذج الثاني : ما ذكره أيضاً (قدس سره) في صورة تكبيرة الإحرام حيث قال : « فصورتها أن يقول : الله أكبر » وقد عدّ من أدلّتها أنّها هي المتعارفة والمعهودة من صاحب الشرع ، لكن أورد شواهد اُخرى أيضاً (25) .
والمتحصّل :
أولاً ـ إنّه بعد أن اتضح أنّ الرؤية بالآلات من مصاديق الرؤية عرفاً وأنّه لا ترديد في صدق الرؤية عليها عرفاً فلابدّ من القول بأنّ الرؤية الواردة في الروايات مطلقة من جهة السبب .
ثانياً ـ إنّه لا قرينة على الانصراف ، وعليه فلا يمكن التعويل عليه كدليل يعتمده الفقيه . وقد ذكر البعض أنّ القرينة هي عبارة عن مناسبات الحكم والموضوع . ولكن الصحيح عدم إمكان اعتبار ذلك قرينة ; لأنّ الهلال كما يناسب رؤيته بالعين غير المسلّحة يناسب أيضاً رؤيته بالعين المسلّحة .
موارد من عدم حمل الفقهاء المطلقات على الفرد المتعارف في الفقه
من خلال ملاحظة موارد عديدة من الحالات التي لم يحمل فيها الفقهاء المطلقات على الفرد المتعارف مع وجوده نصل إلى هذه النتيجة وهي أنّ الفقهاء لا يحملون المطلق على الفرد المتعارف في جميع الموارد ما لم تكن هناك قرينة في المقام :
1 ـ قال صاحب الذخيرة في مسألة جواز تطهير المخرج من الغائط إذا تعدّى بالماء فقط أو بالأحجار أيضاً : « ولا يخفى أنّ الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالأحجار مطلقة من غير تفصيل بالمتعدي وغيره » ثم قال : « فإن لم يكن إجماع على الحكم المذكور كان للتأمل مجال » (26) .فمع أنّ المتعارف هو موضع الغائط حتى أنّ بعض الفقهاء كصاحب الجواهر قد عللّه بقوله : « لبناء الشرعية على المتعارف دون النادر » (27) إلاّ أنّ صاحب المدارك استند إلى الإطلاق ، فلو كان الحمل دائمياً في جميع الموارد على المتعارف حتى المصداق المتعارف لما كان ثمّة مجال للنزاع إذاً !
2 ـ نقل صاحب الجواهر في مسألة الوضوء للمرأة ذات اللحية وأنّه لا يجب تخليلها ونقل عن بعض العامّة حمله دليل غسل الشعر أو التخليل على الغالب المتعارف وهو الرجل دون المرأة ، ولكنّه (قدس سره) ضعّف ذلك معلّلاً بقوله : « لما عرفت من العموم اللغوي فيه » (28) وعليه فمع وجود العموم اللغوي لا مجال للانصراف .
3 ـ ذكر صاحب الجواهر في مسألة اشتراط كون المسح على الرأس باليد اليمنى كما هو المتعارف أو لا ؟ أنّ مقتضى إطلاق الكتاب والسنّة وبعض الفتاوى عدم ذلك ، وإن كان الظاهر من حسنة زرارة الوجوب « وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك » إلاّ أنّ هذه الرواية ولو كانت صحيحة السند لا تصلح لتقييد تلك المطلقات ، خصوصاً مع احتمال إعراض الأصحاب عنها . ثم قال : « فاحتمال صرف إطلاق النصّ والفتوى إلى المسح باليد اليمنى لكونه الفرد المتعارف بعيد جدّاً » (29) .إذاً لا يمكن في مثل هذه الموارد تقييد الإطلاق مع وجود الفرد المتعارف فيها .
4 ـ اختلف الفقهاء في حكم خروج المنيّ وأنّ المراد هو الخروج من الموضع المتعارف أو الملاك مطلق الخروج ولا فرق بين الموضع المعتاد وغيره .
استظهر صاحب الجواهر من كلام المحقق الحلّي الاطلاق . والمشهور في الحدث
الأصغر هو الخروج من الموضع المعتاد ، وقد استبعد صاحب الجواهر
تنزيل ما نحن فيه على الحدث الأصغر . قال العلاّمة في المنتهى : « لو خرج المني
من ثقبة في الاحليل غير المعتاد أو في خصيته أو في صلبه فالأقرب وجوب الغسل » (30) .وقال في التذكرة : « لو خرج المني من ثقبة في الذكر أو الاُنثيين أو الصلب
وجب الغسل » (31)
وثمّة تردد في وجود إطلاق شامل لما فوق الصُلب . قال المحقق الثاني : « لو خرج
من غير الثلاثة المذكورة في المنتهى فاعتبار الاعتياد حقيق بأن يكون مقطوعاً
به » (32)
ثم قال صاحب الجواهر : « ولعل الوجه خلافه ; وذلك لاشتراك الدليل بالنسبة
للمجموع وهو الإطلاق كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّما الماء من
الماء » (33) .
ثم قوّى في النهاية القول الثاني القائل بالإطلاق مستضعفاً دليل القول الأول
وهو انصراف المطلقات إلى المتعارف المعهود .
فهذا شاهد آخر على عدم إمكان رفع اليد عن العمومات والإطلاقات حتى مع وجود الفرد المتعارف .
5 ـ ذكر الفقهاء وجوهاً في مسألة وجوب الغسل لو كان الدخول في الدبر ولم يتحقق الإنزال ، منها ما ذكره في الجواهر قال : « إطلاق قولهم إذا أدخله وأولجه أو غيّب الحشفة فقد وجب الغسل الشامل للدبر » ، ثم قال : « وما يقال إنّ المطلق ينصرف إلى المتعارف يدفعه بعد تسليم كون ذلك من المتعارف الذي يكون سبباً لحمل اللّفظ عليه ، أنّه كذلك ما لم يعارضه فهم الأصحاب ; لانقلاب الظن حينئذ بخلافه » (34) .والمتحصّل من هذه العبارة : أولاً ـ أنّ كلّ فرد متعارف ومعهود لا يمكن أن يكون سبباً ـ برأيه (قدس سره) ـ لحمل اللفظ عليه . وثانياً ـ إنّ المتعارف لو كان صالحاً للتقييد فهو مشروط بعدم معارضته لفهم الأصحاب . وفي مقامنا بالرغم من دعوى وجود الفرد المتعارف إلاّ أنّه (قدس سره) يرى الإطلاق هو المحكّم في المقام .
6 ـ في بحث العصير العنبي وأفراده نجد أنّ صاحب الجواهر وإن كان قد ذهب في بداية البحث إلى تنزيل العموم على المتعارف وقال : « إن لم نقل بتنزيل عموم الصحيح على المتعارف من أفراد العصير » .
إلاّ أنّه ذهب في الأخير إلى ترجيح العمل بالعموم ، قال (قدس سره) : « ومع ذا فهو ليس بأولى من حمله على إرادة العموم بالنظر إلى أفراد العنب وأقسامه وإلى ما ظهر إسكاره أو اتُخذ له وعدمه وإلى ما اتُخذ من كافر أو مسلم مستحلّ لما دون الثلثين وعدمه » (35) .فيستنتج منه أن لا وجه لدعوى الانصراف مع وجود العموم اللغوي في البين .
7 ـ قال (قدس سره) في بحث حرمة التغطية من محرمات الإحرام : « ثم لا فرق بين جميع أفرادها كالثوب والطين والدواء والحنّاء وحمل المتاع أو نحوه كما صرّح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافاً بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا .
نعم ، في المدارك وهو غير واضح ; لأنّ المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لا مطلق الستر مع أنّ النهي لو تعلّق به لوجب حمله على المتعارف منه وهو الستر بالمعتاد وتبعه في الذخيرة » .
ثم ناقشه في الجواهر وقال : « مضافاً إلى قوله (عليه السلام) : « إحرام الرجل في رأسه » وغيره من الإطلاقات واستثناء عصام القربة وغير ذلك » (36) .والنتيجة هي أنّه قدّم العمل بالإطلاق وردّ الانصراف إلى المتعارف .
8 ـ لا شك أنّ من الأسباب المتعارفة والبيّنة للكسوف هو حيلولة القمر بين الأرض والشمس أو حيلولة الأرض بين القمر والشمس ، وهذا السبب موجب لصلاة الآيات ، ولكن الخلاف فيما لو سببت بعض الكواكب للبعض الآخر كسوفاً ، أو فيما لو حصل خسوف أو كسوف للشمس أو القمر بالنسبة إلى الكواكب الاخرى ، بحيث يكون ذلك سبباً غير متعارف وغير معهود ، فهل تجب صلاة الآيات حينئذ ؟
ذكر صاحب الجواهر أولاً أنّ الملاك في تحقق وجوب صلاة الآيات هو تحقق الكسوف ، ولا موضوعية لأيّ سبب من قبيل حيلولة الأرض ، واستدل لذلك بإطلاق النصوص والفتاوى ، قال (قدس سره) : « فالمدار في الوجوب تحقق المصداق المزبور ( الكسوف ) من غير مدخلية لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب وغيرها ; لاطلاق النصوص والفتاوى وعدم مدخلية شيء من ذلك في المفهوم لغةً وعرفاً وشرعاً . نعم ، قد يتوقّف في غير المنساق منه عرفاً كانكساف الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلاّ لبعض الناس لضعف الانطماس فيه ، فالاُصول حينئذ بحالها » ثم نقل رأي صاحب كشف اللثام الموافق لرأيه « فما في كشف اللثام من أنّه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما وإن كان لحيلولة بعض الكواكب جيد إن كان الحاصل والمتعارف ممّا يتحقق به صدق الانكساف عرفاً » (37) .ثم ذكر أنّ الملاك في وجوب صلاة الآيات هو إحساس الانطماس ، فكلّ من شاهد الكسوف وجبت عليه الصلاة سواء رآه الغير أو لم يره ، وسواء كان الانطماس ثابتاً بقول أهل الهيئة أو غيرهم . نعم ، لو أخبر المنجمون بالانطماس ولم يره المكلّف لم تجب عليه الصلاة ; لعدم الوثوق حينئذ بقولهم .
ثم نقل فتوى الشيخ في النهاية والعلاّمة في التذكرة حيث ذهبا في مثل هذه
الحالات غير المتعارفة إلى عدم وجود النصّ وجريان أصالة البراءة أولاً ، وإلى
خفاء مثل هذا الأمر وعدم دلالة الحسّ عليه ولا طريق هنا سوى الاعتماد على من لا
يورث إخبارهم الوثوق كالمنجمين . هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى نلاحظ صدق الآية
المخوفة على ذلك ، وقد استشكل على ذلك كاشف اللثام
قائلاً : « النصوص كلّها تشمله ، والكلام في الوجوب لما يحس به لا ما يستند فيه
إلى قول من لا يوثق به » (38) .وقال الشهيد في الذكرى : « منع كونه مخوفاً ; فإنّ المراد بالخوف ما خافه
العامّة غالباً وهم لا يشعرون بذلك » (39) .
فالكسوف مورد النزاع لا يحس به الناس ; ولذا لا يصدق عليه الآية المخوفة . قال
الشهيد : « والأقرب الوجوب فيه أيضاً ; لكونه من الأخاويف لمن يحسّ به ،
والمخوف ما يخافه معظم من يحسّ به لا معظم الناس مطلقاً » (40) .وقال صاحب المدارك ـ بعد نقل كلام العلاّمة والشهيد في الذكرى ـ : « والأجود
إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية » (41) .إنّ صاحب الجواهر برغم قبوله الإطلاق أولاً بعد نقل جميع هذه الكلمات إلاّ
أنّه استشكل على كاشف اللثام وقال : « لما عرفت من انصراف إطلاق أدلّة الكسوف
إلى ما هو المتعارف منه كائناً ما كان سببه ، أمّا غيره فلا يدخل تحت الإطلاق
المزبور ، بل ربما يشك في صدق الاسم على بعض أفراده فضلاً عن انصراف الاطلاق
إليه » (42) .والمتحصّل هو أنّ صاحب الجواهر لا يرى انحصار سبب وجوب صلاة الآيات بسبب خاص
وهو الحيلولة ، بل إنّه يوسّع من دائرة ذلك إلى أسباب اُخرى في الكسوف توجب
صلاة الآيات إذا كانت أسباباً متعارفة ، بل إنّ كاشف اللثام قد توسّع إلى
الأسباب غير المتعارفة استناداً إلى الإطلاقات ، فتجب صلاة الآيات مشترطاً
استناد الرؤية إلى المكلّف نفسه .
ومن الملفت هنا هو أنّ الملاك في الكسوف في الروايات والنصوص هو الرؤية أيضاً ، كما هو الأمر في تحديد بداية الشهر القمري على ما بيّناه في تحرير محل النزاع :
روي عن الصادقين (عليهما السلام) : « إنّ الله إذا أراد تخويف عباده
وتجديد الزجر
لخلقه كسف الشمس وخسف القمر ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة » (43) .وكذا في خبر عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) : « إنّ الزلازل
والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة ، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكروا
قيام الساعة وافزعوا إلى مساجدكم » (44) .فالمستخلص من المورد الثامن هو أنّه لو كان الانصراف إلى الفرد المتعارف
أمراً متسالماً عليه بين الفقهاء لما كان هذا الاختلاف بينهم في ذلك ، ولكان
الملاك في الكسوف ووجوب صلاة الآيات هو الحيلولة لا غير ، والحال إنّ صاحب
الجواهر وغيره من الأكابر لم يوافقوا على انصراف الاطلاق إلى الفرد المتعارف في
المورد المذكور . طبعاً ، نعم ثمّة تردّد من جهة اُخرى في صدق عنوان الكسوف .
9 ـ ما تمسّك به بعض الأعاظم ـ كالمحقق الخوئي ـ من إطلاق قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (45) لإثبات وجوب النفقة على الصغيرة مع وضوح انصرافه إلى الكبيرة ، بمعنى أنّه لا اعتبار عندهم لهذا الانصراف .
10 ـ التمسّك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْراً ) (46) لإثبات العدّة على الزوجة الصغيرة إذا مات عنها زوجها ، مع أنّ الإطلاق في الأزواج منصرف إلى الكبيرة .
11 ـ تمسّك الفقهاء بشكل جلي بإطلاق قوله : ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (47)في موارد البيع كافّة حتى في المصاديق التي لم تكن في السابق كإنشاء البيع بالتلفون والإنترنيت ، فلم يدّع فقيه إلى الآن أنّ البيع ينصرف إلى خصوص البيع المتعارف الموجود بين غالب الناس ، بل قد تمسّك البعض بإطلاقها لإثبات صدق البيع فيما يشك في صدقه (48) .12 ـ من الواضح إنّه لم يتمسّك أحد بحمل قوله : ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الاَْرْضِ ) (49)على الفرد المتعارف للضرب الذي هو بمعنى المشي المعروف أو المشي مع الحيوانات كالخيل ـ وإن كان هناك شبهات قد طرحت أخيراً في هذا المجال ـ إلاّ أنّ أكابر الفقهاء قد تمسّكوا بإطلاقها لكل أفراد الضرب وإن لم تكن من أفراده المتعارفة .
13 ـ فسّر المشهور ـ ومنهم الشيخ الأنصاري ـ الباطل في قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) (50) بالباطل العرفي ، وقد طبّق ذلك على مصاديق للباطل سيما في عصرنا هذا استناداً إلى الآية الكريمة كالمعاملات المعبرّ عنها بالمعاملات الهرمية ، فهي وإن كانت قد لا تُعدّ باطلاً بحسب الظاهر لدى العرف ، ولكن حقيقتها باطلة ، ولو كان العرف يقف على حقيقتها واقعاً لحكم بكونها باطلاً .
14 ـ النظر للأجنبية حرام مطلقاً من غير تقييد بالعين مباشرة ، ولم يذهب فقيه واحد إلى تقييده بذلك ، فلو تمّ النظر إلى الأجنبية على بعد عدّة كيلومترات بواسطة الكاميرات القوية لكان مصداقاً للنظر المحرّم .
15 ـ لقد ورد في بعض الروايات في نفس مقامنا ( مسألة الهلال ) أنّه لو رُئي الهلال قبل الزوال نهاراً فذاك هو أول شوال وإن كان بعده فهو من رمضان (51)مع أنّ القائلين بالانصراف ينبغي أن يصرفوا الرؤية للرؤية ليلاً ، والحال أنّ الرؤية نهاراً قد اعتبرت جزءً من الرؤية أيضاً .
16 ـ تمسّك الفقهاء باطلاق « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (52) في تحريم النظر إلى عورة الصغير والكبير ، فانظر مثلاً النراقي في مستنده (53)حين حرّم النظر إلى عورة الصغير لذلك ، ولم يصرف الحديث إلى خصوص البالغ .
فالمتحصّل من جميع هذه الموارد عدم صحة ما ذكره البعض من : إنّا لا
يمكننا الأخذ بالأفراد المتعارفة في سائر المطلقات في الفقه ولكن عندما نصل إلى
رؤية الهلال نرجع إلى الأفراد غير المتعارفة (54) .ولعلّ المتتبع يظفر بالمزيد من الموارد الاُخرى التي لم يرتّب فيها الفقهاء
الحكم على الفرد المتعارف .
وقد ورد في كتاب « إثارات هامة حول رؤية الهلال » بعض الموارد التي حمل فيها الفقهاء المطلقات على الفرد المتعارف ، إلاّ أنّ العجيب أنّ في تلك الموارد ما لا علاقة له بالمطلوب إطلاقاً . فمثلاً جاء في المورد الرابع : « أنّ الكثير من الفقهاء يجعلون الملاك في المناطق القطبية أو القريبة من القطب والتي يكون فيها الليل أو النهار قصيراً جداً وخارجاً عن المتعارف هو المناطق المتعارفة » .
ولكن أيّة علاقة لهذا المورد بالمدّعى ؟ فهل أنّ كلمة « المتعارف » كلّما وردت في الفقه فهي ترتبط بمحل الكلام ؟ وهل ثمّة إطلاق في هذا المورد حتى يحمل على الفرد المتعارف ؟ إنّ المراد بالمتعارف هنا هو ما كان جهة اشتراك المكلّفين في أصل التكليف في أيّة منطقة ومكان كانوا ، فلابدّ أن يأتوا بأعمالهم العبادية كسائر المكلّفين ، فالمناسب أداء أعمالهم في الأوقات الخمسة كالمناطق المتعارفة الأخرى ، وإلاّ لم يلتزم فقيه بأنّ قوله : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (55)يجب حمله على الطلوع أو الغروب المتعارف للشمس !
وهكذا الكلام ذكره في المورد السادس حيث ذكر أنّ المتعارف في موارد الجلد بالسوط المتعارف منه ; إذ من الواضح عدم استفادة ذلك من الإطلاق ، بل من القرائن المتوفّرة الدالّة على الفرد المتعارف .
نتائج البحث
أولاً : إنّ الأصل الأولي هو أصالة الاطلاق فيجب التمسك بها .
ثانياً : إنّ الانصراف إلى فرد معيّن بحاجة إلى قرينة خاصة ، وقد لوحظ أنّ الفقهاء يتمسكون في موارد عديدة من الفقه بالاطلاق فيما لو فُقدت هذه القرينة ، ولا قرينة فيما نحن فيه على الانصراف ، ومناسبات الحكم والموضوع لا تصلح للقرينية هنا .
ثالثاً : عدم كفاية القرينة الدالّة على الانصراف لو كانت لوحدها ، بل لابدّ من توفّر القرائن والشواهد الاُخرى التي يمكن أن يستند إليها الفقيه .
رابعاً : إنّه لو كان الشارع الأقدس يعتبر الرؤية بالعين غير المسلّحة لوحدها شرطاً في ثبوت الهلال لأكّد ذلك ببيان أوضح وأجلى ممّا هو عليه . وبعبارة أخرى : إنّه لا يمكن الالتزام بأنّ الشارع قد اكتفى بالانصراف في مثل هذا الأمر المهم الذي هو مورد ابتلاء المسلمين في كل سنة بل وفي كل شهر من الشهور القمرية .
خامساً : إنّه لو قلنا بالانصراف لوجب الالتزام بأنّ الرؤية المعتبرة هي خصوص ما كان على سطح الأرض المستوي دون ما كان منه على رأس جبل أو بناية شاهقة ، مع أنّه ممّا لا يمكن الالتزام به . نعم ، قد ورد النهي في بعض الروايات من الصعود على الجبل لرؤية غروب الشمس ، إلاّ أنّه خارج عمّا نحن فيه ; لاختلاف الموضوع بين المقامين .
وعليه ، فإنّه يمكن المصير إلى جواز رؤية الهلال بالعين المسلّحة كالعين غير المسلّحة تماماً ، والأدلّة والضوابط الشرعية تساعد على إثبات ذلك .
الدعوى الثانية : الطريقية والموضوعية
طرح البعض في بعض بحوثه حول هذه المسألة مسألة الطريقية والموضوعية وأنّ الرؤية في باب الهلال ذات عنوان طريقي وفي باب النظر للأجنبية ذات عنوان موضوعي ولذا حاولوا حل الإشكال عن هذا الطريق ، أي بما أنّ الرؤية في باب النظر إلى الأجنبية مأخوذة على نحو الموضوعية ، فلذا لا فرق حينئذ بين أقسامها وأسبابها .
وهذا الكلام في غاية الإشكال ، حيث يرد عليه :
أولاً : لا شكّ أنّ الرؤية في أول الشهر القمري قد أخذت على نحو الطريقية وأنّ البيّنة أو العلم الشخصي يمكن أن تقوم مقامها ، إلاّ أنّ نزاعنا ليس في أنّ الرؤية مأخوذة بنحو الطريقية أو الموضوعية ; لأنّه يمكن بناء النزاع على كلا القولين ( الطريقية والموضوعية ) ، بل النزاع في أنّ هل مطلق الرؤية طريق أو الطريق خصوص الرؤية الاعتيادية ؟ وهل أنّ مطلق الرؤية مأخوذة على نحو الموضوعية أو خصوص الرؤية الاعتيادية ، وبعبارة ثانية : إنّه لا يمكن إثبات انحصار الرؤية بالاعتيادية من خلال نفي الموضوعية . فما ورد في بعض المقالات (56) من أنّه بناءً على التفريق بين موارد الطريقية والموضوعية يمكن القول بأنّ الملاك ليس هو إلاّ الرؤية الاعتيادية في غاية الغرابة ; إذ كيف يمكن للتمييز بين الموضوعية والطريقية أن ينتج القول بأنّ مجرّد نفي الموضوعية يثبت أصالة الطريقية وأنّ مجرّد نفي الطريقية يثبت أصالة الموضوعية ، وأمّا الاطلاق وعدم الاطلاق فلا ربط لأحدهما بالآخر ؟ !
وذهب بعض آخر ـ في بعض المقالات (57) ـ إلى أنّه كلّما ورد السمع أو النظر في الروايات في تحديد شيء معيّن فإنّهما مأخوذان على نحو الطريقية ولا يمكن أن يقوم مقامهما شيء آخر حتى لو كان النظر والسمع حادّين وخارقين للعادة لا خصوص الرؤية والسماع بالوسائل والأجهزة الحديثة .
ويرد عليه :
أولاً ـ إنّ الطريقية لا تعني عدم قيام شيء مقامها ، بل يراد بها العكس ، أي إمكانية قيام شيء مقامها .
ثانياً ـ إنّ التأمل فيما تقدّم من البحث يكشف وقوع خلط بين أن يؤخذ عنوان
ما طريقاً وبين أن يؤخذ ملاكاً وموضوعاً للحكم . ومن الممكن القول
في مثل هذه الموارد أنّ رؤية الموضوع وسماعه إنّما هو للتحديد وقرينيّة مناسبات
الحكم والموضوع تقتضي عدم إمكانية أن يقوم مقامهما أيُّ بديل آخر ، بل الذي
يقوم هو خصوص ما كان متناسباً مع التحديد دون ما كان منافياً له .
ثالثاً ـ ذكر كاتب المقال أنّ رؤية الهلال تشبه مسألة حدّ الترخّص ، فكما أنّ الشارع في حدّ الترخص هو في مقام التحديد فكذلك هنا .
إلاّ أنّ هذه مجرّد دعوى لا دليل عليها ; وذلك أنّا لا نجيز استعمال الوسائل بدل الرؤية في حدّ الترخّص ، لتوفّر قرينية مناسبات الحكم والموضوع ; وذلك باعتبار أنّ الملاك هو الابتعاد عن البلد بحيث لا يسمع أذانه ، في حين أنّ مقامنا هو في قيام الوسائل مقام الرؤية الاعتيادية ، وذلك لا ينافي بداية الشهر القمري وتحديده .
وأخيراً ، فالمهم عند من يناقش في كفاية الرؤية بالوسائل هو دفع جميع الأقوال المقابلة حتى القول بأنّ بداية الشهر هي بخروج الهلال من المحاق ، فهل يمكن أن ندّعي في قبال من يرى أنّ بداية الشهر بالخروج من المحاق أنّ هذا الرأي يتنافى مع كون المسألة في مقام التحديد ؟ وإذا أجابكم صاحب هذا القول بأنّ الرؤية المأخوذة في النصوص هي على نحو الطريقية لإثبات خروج الهلال من المحاق لا لإثبات إمكانية الرؤية الاعتيادية ، فما هو الجواب على ذلك ؟ ! إنّ دعوى كون الرؤية هي خصوص الرؤية الاعتيادية ليس إلاّ مصادرة واضحة على المطلوب ، حيث أخذ القائل بذلك في ذهنه مسبقاً هذا المعنى ثم حمل الرؤية الواردة في الأخبار عليها بما يشبه أن تكون قضية ضرورية بشرط المحمول .
وبعبارة أوضح إنّ لمسألة حدّ الترخّص خصوصيات ، وهي عبارة عن :
1 ـ إنّ العرف يرى أنّ ثمّة حدّ معيّن يسمّى بحدّ الترخّص وما ذكره الشارع يمكن أن يكون طريقاً لإحراز ذلك الحدّ العرفي ليس إلاّ .
2 ـ إنّ كل شيء يراد له أن يكون طريقاً إلى حدّ الترخّص لابّد أن يكون موائماً ومنسجماً مع عنوان التحديد ، وأمّا في مقامنا فالتحديد تكويني وواقعي ، فالشهر له بداية ونهاية محدّدة تستغرق فترة من 29 إلى 30 يوماً ، وهذا أمر تكويني وليس عنواناً عرفياً ، فالحدّ إذن في مسألة حدّ الترخّص له عنوان عرفي بينما في مقامنا له عنوان واقعي . وعليه فبعد أن اعتبر الشارع الرؤية طريقاً يُطرح التساؤل في أنّه طريق لأيّ شيء ؟ إذا قلنا إنّه طريق للهلال في حال خروجه من المحاق حيث لا تتيسر رؤيته بالعين الاعتيادية فهذا إضافة إلى بعده فهو عين المدّعى . وعليه ، فما يقتضيه البحث العلمي ليس التركيز على كون الرؤية بنحو الطريقية أو لا ، بل لابدّ من البحث عن نفس الشيء الذي تقع الرؤية موضوعاً له ، فهل هو صرف الخروج من المحاق ليُجاب بأنّ الخروج من المحاق أمر عقلي دقيق خارج عن الفهم العرفي ؟ احتمال في المسألة .
الاحتمال الآخر : هو أن يخرج من المحاق بمقدار معيّن وأن يخرج من تحت شعاع الشمس ولا تمكن رؤيته إلاّ بالعين المسلّحة .
الاحتمال الثالث : هو أن يخرج وتمكن رؤيته بالعين الإعتيادية .
ويقع البحث في الصحيح من هذين الاحتمالين الثاني أو الثالث وفي الدليل على ذلك ؟ وصرف الادّعاء بأنّ الرؤية مأخذوة بنحو الطريقية لا يعيّن الصحيح منهما . وبعبارة بديلة : الطريقية تنسجم مع كلا الاحتمالين . نعم ، يمكن إثبات أحدهما أو نفيه بواسطة الإطلاق وعدمه .
والحاصل من مجموع ما تقدّم : عدم صحة شيء من هاتين الدعويين في عدم حجّية
الرؤية بالعين المسلّحة ، فنستنتج أنّ الملاك لمّا كان هو ثبوت الهلال ،
والرؤية ليست إلاّ طريقاً مؤدّياً إليه لتحصيل اليقين بثبوته ، وأيضاً
ليس الملاك في بداية الشهر ووجوب الصيام إلاّ اليقين بثبوت الهلال ـ وقد سبقت
الإشارة إلى أنّ الهلال أمر واقعي تكويني يتعلق بالليلة الاُولى من الشهر ـ
فإنّ الرؤية بالوسائل والأجهزة الحديثة هي معتبرة شرعاً ومجزية في ثبوت
الهلال .
إيرادات وتوهمات
الإيراد الأول : إنّه لو كانت الرؤية بالوسائل الحديثة حجّة معتبرة شرعاً للزم ثبوت النجاسة والطهارة بالميكروسكوب ، بمعنى وجوب غسل الثوب من الذرّات التي يمكن مشاهدتها بالميكروسكوب ، مع أنّه يشكل الالتزام بذلك فقهياً ، بل هو غير صحيح .
والجواب على ذلك واضح جدّاً وهو أنّ المعيار في باب النجاسات ولزوم تطهيرها ـ كما في الأخبار ـ هو اليقين بالنجاسة ، أي يجب التطهير في صورة التيقن بالنجاسة « إن كان استبان من أثره شيء فاغسله وإلاّ لا بأس » (58) .طبعاً هذه الروايات واردة في مقام الشك ، فالشارع لا يوجب التفحّص عن الواقع في حالات الشك ، بل يجب الاجتناب والتطهير عند تيقّن النجاسة . وبعبارة ثانية : إنّه لو كان التفحّص عن النجاسة هو الأصل لقلنا بأنّ من طرق ثبوتها هو النظر بالميكروسكوب أو المكبّرة ، ولكن الشارع لمّا وسّع على المكلّفين في ذلك نستنتج عدم وجوب الفحص ، بل لو حصل القطع بالنجاسة بشكل عادي لوجب التطهير .
وقد يطرح التساؤل التالي : إنّه وإن لم يجب الفحص ولو بالآلات والوسائل ولكن لو اتفق ذلك صدفة وتمّ رؤية ذرّات النجاسة بالمكبّرة أو الميكروسكوب على الثوب فما حكم ذلك ؟
يمكن القول بأنّ هذا من مصاديق الاستبانة استناداً إلى الاطلاقات ، وبما أنّه حصل اليقين بالنجاسة فيشترك هذا المورد مع سائر الموارد في الحكم .
ولكن من المحتمل أيضاً أن يستفاد من مجموع الأدلّة الواردة في باب الطهارة والنجاسة أنّ الشارع لم يجعل هذا المقدار موضوعاً للحكم وأنّه قد تلقّى ذلك بمنزلة العدم ، ولكن هذا لا يعني إسناد ذلك إلى الانصراف .
الإيراد الثاني : قيل في حدّ الترخّص : إنّه المكان الذي يتوارى فيه الجدران ويخفى فيه الأذان . فلو قلنا إنّ المعيار هو مطلق الرؤية ومطلق السماع لكان اللازم اعتبار المكان الذي يبعد عشرين كيلو متراً حدّاً للترخّص فيما لو كان يُرى منه الجُدران بواسطة التسلكوب مثلاً ، والحال أنّ الفقهاء اعتبروا المعيار هو الحالة العادية .
والجواب :
من الواضح إنّ حدّ الترخّص لا يختلف باختلاف الأفراد ، بل هو أمر عرفي ، وتحديد الشرع له ليس تحديداً تعبّدياً محضاً ، بل هو كاشف عن ضابطة عرفية ، فالعرف يعتبر الرؤية والسماع الطبيعيين هما المقياس ، ولا يقيم اعتباراً للأجهزة والوسائل ; وذلك لأنّه لو أخذ مثل هذه الوسائل بنظر الاعتبار لاختلف حدّ الترخّص باختلاف هذه الوسائل ، ولخرج عن حقيقة الحدّ . وبعبارة ثانية : إنّ الملاك لحدّ الترخّص هو الابتعاد عن البلد بحيث تخفى الجدران ولا يسمع الأذان ، وهذا الابتعاد نفسه هو أفضل قرينة على وجود حدّ معيّن له في الواقع .
الإيراد الثالث : قيل إنّه لو شهد اثنان حادّي البصر لا تكفي شهادتهم ، فتلحق الرؤية بالوسائل بذلك في عدم الاعتبار .
والجواب :
أولاً : إن حدّة البصر في نفسها يحتمل معها قوياً وقوع الخطأ فيه ، في حال أنّ مثل هذا الخطأ في التلسكوب إمّا معدوم أو ضعيف .
ثانياً : إمكانية الرؤية بالتلسكوب أو المكبّرات لكلّ أحد ، وهذا بعكس هؤلاء ذوي البصر الحادّ فإنّ ذلك خاص بهم ، ولذا لا يمكن قياس النظر بالتلسكوب على حادّ النظر .
ثالثاً : إنّ هذا الاستدلال لا يعدو أن يكون قياساً فلا يمكن أن يقال ـ مثلاً ـ في باب النجاسات : إنّه لو رأى النجاسة شخص حادّ البصر بما لا يراها غيره لم يجب عليه الاجتناب ، بل يجب عليه الاجتناب عند التيقّن بالنجاسة وإن لم يجب على الآخرين الاجتناب .
رابعاً : المستفاد من هذه الفتوى عدم حجية مثل هذه الشهادة للغير لكن هي حجّة في حقهم ويجب عليهم ترتيب آثارها .
الإيراد الرابع : إنّ لازم اعتبار الشارع للرؤية بالعين المسلّحة معناه تخطئة المسلمين لأكثر من ألف سنة ، حيث إنّ هذه الوسائل لم تكن في السابق ، فمعناه أنّ الشهر كان يتأخّر عندهم إمّا دائماً أو غالباً .
والجواب :
أولاً : إنّ القبول بهذا الإشكال ينحصر بصورة منع الشارع الناس من هذه الوسائل ، والحال أنه لم يمنع منها .
ثانياً : إنّ تمامية هذا الإشكال تتوقّف على أن تكون الرؤية بالعين المسلّحة هي المتعيّنة والمعيار الحقيقي ، مع أنّه قد تقدّم أنّ القائلين بها يذهبون إليها على نحو مانعة الخلو .
ثالثاً : إنّه إذا تمّت رؤيته في منطقة ما بالعين غير المسلّحة فهذا لا يعني أبداً عدم إمكانية رؤيته في الليلة السابقة ، وعليه فلا يمكن مناقشة هذا الرأي من خلال الإيراد المذكور .
وبعبارة ثانية : إنّ اعتبار الرؤية بالعين المسلّحة كافية أو غير كافية لا يؤثر في الواقع شيئاً كما هو الحال في الرؤية بالعين غير المسلّحة .
الإيراد الخامس : إنّ القول بحجية الرؤية بالعين المسلّحة يستتبع إشكاليات عديدة وهو قابل للنقض ببرهان الخلف . بيان ذلك : إنّ حجية هذا القول تستلزم القول بأنّ الأحكام الشرعية والمصالح والمفاسد هي تابعة لتطور الحياة والأجهزة الحديثة ، فإذا تمّ اختراع التلسكوب مثلاً وأمكن من خلاله رؤية الهلال الذي لم يكن يُر بدونه فهذا معناه أن تتقدّم ليلة القدر وأن تعجّل الملائكة بنزولها في تلك الليلة التي رُئي فيها الهلال (59) .والجواب :
أولاً : إنّ هذه الإشكاليات يمكن أن تكون مشتركة ، بمعنى أنّه حتى لو كان
المعيار هو الرؤية بالعين الاعتيادية فإنّ مثل هذه الإشكالات موجودة أيضاً في
البلاد التي لم يُر فيها الهلال وليست قريبة الاُفق . وبعبارة أخرى : إنّ هذه
الاشكالات ليست ناشئة من استعمال الوسائل الحديثة .
ثانياً : إنّنا ندّعي أساساً أنّ اعتماد الرؤية بالعين غير المسلّحة تحول دون وقوع مثل هذه الإشكالات ، فهذا الطريق أسلم من الرؤية بالعين الطبيعية .
ثالثاً : وهو العمدة في الجواب ، وحاصله : إنّه قد ثبت في علم الاصول أنّ الأحكام الواقعية والظاهرية هي التابعة للمصالح والمفاسد ، وأمّا الأحكام الفعلية التي تحمل العنوان الظاهري فلها ملاكاتها الخاصّة بها المذكورة في علم الأصول .
رابعاً : الوارد في الروايات والفتاوى أنّه لو رأى شخص الهلال لوحده دون سواه واطمأنّ إلى رؤيته من غير شك فيها وجب عليه الصوم وحده ، وأمّا إذا كان شاكّاً صام مع سائر الناس . وعلى كل حال ، فإن وظيفته تختلف عن غيره ، فهل تلتزمون في مثل هذه الصورة بالإشكالات المذكورة ؟ أم أنّ العلاج هو طرق الجمع المذكورة في محلّها بين الحكم الواقعي والظاهري ؟
فالنتيجة هي عدم ترتب شيء من هذه التوالي الفاسدة على الرأي المختار القاضي بجواز استعمال الأجهزة الحديثة لرؤية الهلال .