اطرح سؤالك

15 محرم 1434 الساعة 15:09

الف: لو فرضنا ان هناك شخصاً لا دين له وهو في صدد طلب الحقيقة والبحث عن الدين الحق، ولنفرض ان لديه كتباً مختلفة من اديان ومذاهب مختلفة مثل( القران، الانجيل، اوبانيشاد اوستا، وكتب الماديين وسائر الفرق والطوائف) فما هو المعيار في فهم ذلك حتى يجب عليه ان يعزم على انتخاب دينه؟ ب: وبعبارة اخرى ما هو السبيل لاثبات احقية القران الكريم؟ وعلى سبيل المثال لو سئلنا ( ما هو الدليل على ان جميع ما في القران حق؟) فماذا نجيبه لا سيما اذا لم يكن مسلماً؟

الجواب :


الف: ان الناس في فهمهم لمسائل الدين العميقة على قسمين: قسم منهم جاهلون فيجب عليهم السؤال من علمائهم والقسم الاخر هم العلماء والمحققين، فاذا كان حقاً هناك شخص يفهم القرآن والانجيل والتوراة وغيرها فيجب ان يحقق هذه الكتب من جهات مختلفة ويميزها ويقارن بينها بعقله، وهكذا يقيم قوانين الاديان الاخرى من ناحية الاخلاقيات والاعتقادات والاحكام.

ب: الدليل على احقية القران، هو اعجازه و اعجاز القران الكريم يثبت من جهات مختلفة، وهو ان القرآن ليس كلاماً للبشر ولا هو كتاب عادي، بل هو كتاب سماوي والهي يعجز الانسان من ان ياتي بسورة واحدة منه.

ان بعض جهات اعجاز القران هي عبارة عن:

1ـ الاعجاز الدبي للقرآن الذي أدهش عقول فطاحل ادباء العرب.

2ـ الاعجاز من ناحية الاخبار بالغيب، من قبيل وعد الله تعالى بغلبة الروم الذين يعبدون الله في بضع سنين على عبدة النار في (ايران) آنذاك، والتنبأ بفتح مكة وعشرات الأمثلة.

طبعاً يمكن لاشخاص ان يتنبأوا ويكون تنبؤهم صحيحاً، ولكن هذا لا يسمى معجزة، لانها غالباً كلية وتبين بتعبيرات اخرى مبهمة وغامضة ولا تكون مقرونة مع دعوة النبوة او الامامة.

3ـ الاعجاز في (القوانين الاخلاقية) يعترف العلماء حتى غير المسلمين منهم بهذا الامر وهو: ان القرآن الكريم كلام الهي وهو من أحكم القوانين، و هو كتاب شريف يتكفل سعادة البشرية، ويجب ان تؤخذ منه القوانين الموجبة لسعادة البشرية. والتاريخ الاسلامي أوضح شاهد على إثبات هذا المدعى. 

4ـ الاعجاء على مستوى (العلوم الحديثة) والاكتشافات العلمية؛ بالرغم من ان القرآن هو كتاب تربوي وهداية، ولكن في نفس الوقت هو بحر لا حد له من العلوم التجريبية، والانسانية، وقد الجأ العلماء الى تحقيقات كثيرة مما قد اضطرهم إلى الإعتراف بان القران الكريم ليس من صنع النبي محمد (صلى الله عليه واله) بل انه قد أوحي اليه من الغيب.

ان الحركة وجاذبية الارض، وحركة الشمس والمنظومة الشمسية التي تملأ العالم اليوم، وقانون الزوجية العام وعشرات الامثلة الاخرى، كلها جوانب من الاعجاز العلمي في القران الكريم.

تقول الدكتورة (لورا واكسيا) الاستاذة في جامعة نابل: ان كتاب الاسلام السماوي، هو مثال للاعجاز. فالقرآن هو كتاب لا يمكن لأحد ان ياتي بمثله، وان الطريقة والاسلوب الادبي الذي يتمتع به القرآن لا نظير له، والتأثير الروحي الذي يخلفه هذا الاسلوب ينشأ من براعته وتفوقه وامتيازه فكيف يمكن ان يكون هذا الكتاب المعجز من صنع محمد( صلى الله عليه واله) والحال انه شخص عربي لم يدرس؟ ونحن نجد في هذا الكتاب خزانة وكم هائل من العلوم التي هي فوق استعداد وقدرة اذكى الناس والفلاسفة وأقوى رجال السياسة والقانون.

5ـ خلود القران الكريم وعالميته؛ من جملة المميزات الاعجازية الاخرى للقرآن الكريم هي خلود القرآن وعموميته، وقد اجتاز القران الزمان والمكان وهو يحتل مرتبة فوق الزمان والمكان، وقد ظهر القران الكريم بهئية في بيئة الحجاز المظلمة وهو يتجلى لنا في العصر الحاضر وبعد مضي 1400 سنة بنفس تلك الهيئة، وقد اعطانا مضي الزمان و تقدم العلم فرصة الاستفادة من القرآن اكثر. ان خلود القرآن بمعنى انه ليس من اللازم ان يكون الذي جاء به خالداً ايضا، بل بمعنى ان القران يثبت حقانيته في كل حقبة وزمان.

6ـ الاعجاز الروحي: من جملة خواص القران، روحيته، ان معجزات الانبياء(عليهم السلام) وسائر معجزات النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) فيها جنبة جسمانية، من قبيل شفاء المرضى الذين لا علاج لهم، واحياء الموتى، وشق القمر، وناقة صالح ... الخ فكلها هذه المعجزات لها جانب جسمي وهي تخضع عين الانسان واذنه. ولكن الفاظ القران التي هي عبارة عن هذه الحروف والكلمات العادية المركبة لها تنفذ في اعماق روح الانسان وقلبه، فتجعل روحه مليئة بالاعجاب والحسن، و تخضع الافكار والعقول أمامها بالتعظم فهو المعجزة التي ترتبط بالعقل والفكر والروح فحسب، فأرجحية هكذا معجزة على المعجزات الجسمانية غنية عن البيان.

7ـ تحدي القران الكريم: حيث لم يتمكن أحد من ان يأتي بسورة واحدة منه على مدى 14 قرن.

تاريخ التحدي في الاوساط العربية قبل القرآن

قد وصلت البلاغة في عصر نزول القران الكريم الى قمتها، ولذا كان الشعراء يقرأون شعهرهم في سوق عكاظ والشعر الافضل قد كتب بماء الذهب ويسمى بـ( المعلقات السبع) ويعلقونها على حائط الكعبة. يقول احد المفكرين في هذا المجال:
قد اعتاد شعراء العرب ان يتحدون الآخرين في قصائدهم وخطبهم، والقرآن الكريم قد اتخذ نفس هذه الطريقة وتحدآهم ان ياتوا بمثل القران او سورة منه على الأقل، ثم أخبرهم بانهم لا يستطيعوا ان يأتوا بذلك.

من أمثلة تلك التحديات ما ظهر من في شعر (تميم بن مقبل) من شعراء العرب القدامى:

اذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى  ***  لها قائلاً بعدي اطب واشعرا

(إذا تركت الاشعار، فلا تجد شخصاً بعدي يقول الشعر افضل واجمل مني ولا يوجد هناك من هو اشعر مني.) ان الوليد بن المغيرة بن الفخر المخزومي الذي هو (ريحانة العرب) مع ما يحمله من الحقد والعداء لرسول الله(صلى الله عليه واله) ورسالة الوحي اعترف عاجزاً بان هذا الكلام اعلى من مستوى كلام الانسان ويقول بشان كلام الله تعالى الذي سمعه على لسان النبي الاكرم(صلى الله عليه واله): والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، إن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمعذق وإنه ليعلو ولا يعلى وما يقول هذا بشر.

ويرى العلامة البلاغي في مقدمة تفسيره الاء الرحمن ان جانب الاعجاز الادبي من الجوانب الواضحة لاعجاز القران الكريم بالنسبة للعرب في زمان النبي الاكرم(صلى الله عليه واله).

يقول السيد قطب في هذا المجال:
ان همي الاصلي في القران الكريم هو تبيين الجوانب الفنية والخصال الادبية في القران الكريم واستخراج افكاره اللطيفة والعميقة. وفي نظري ان العرب منذ البداية لهذا السبب جعلوا للقران الكريم نوعا من الانجذاب والتعجب. و هذا اللون من البيان الجميل هو الذي نفذ الى اعماق احاسيسهم واخذ بانفسهم.

وبالتالي ان تحدي القران الكريم بان ياتوا بمثله هو تحد عالمي، ومع ان العرب كانوا قد ابدعوا في الفصاحة والبلاغية وكانوا قبل نزول القران يتحدى أحدهم الآخر في الاشعار والخطب مع ذلك كله لم يتمكنوا من منافسة ومبارزة القرآن الكريم والى الان لم يتمكن أحد من الوقوف أمام القرآن الكريم ولا يتمكنون إلى يوم القيامة.

آيات التحدي في القران الكريم:

الآيات التي طرحت التحدي بصورة كلية بحسب الترتيب النزولي عبارة عما يلي:
 
1. « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقرآن لا يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً »؛ ومعنى الاية: قل يا محمد (ص) لو اتفق الجن والانس على ان ياتوا بمثل هذا القران فلا يتمكنوا من الاتيان بمثله ولو كان يساعد بعضهم الاخر في هذا العمل.

2. « أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَة مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِين » ومعنى الاية: هل يقولون: ان محمداً قد نسب هذا الكتاب الى الله كذباً؟ فقل يا محمد (ص) ان كنتم صادقين فاتوا بسورة من مثله، و ابحثوا عمن يساعدكم في هذا الامر غير الله تعالى.

3. « أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيات وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِينَ »؛ ومعنى الاية: فهل يقولون ان محمداً(ص) كتب هذا القران ونسبه الى الله كذباً ؟ فقل يا محمد( ص): ان كنتم صادقين فاكتبوا عشر سور من مثله وادعوا لهذا الامر كل من تمكنتم من دعوته غير الله تعالى.

4. «أَمْ يقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يؤْمِنُونَ فَلْيأْتُوا بِحَدِيث مِثْلِهِ إِنْ کانُوا صادِقِينَ »؛ ومعنى الاية: فهل يقولون قد افتراه على الله ولكنهم لا يؤمنون فان صدقوا في كلامهم هذا فليأتوا بكلام مثل القران.

 5. « وَ إِنْ کُنْتُمْ فِى رَيب مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِينَ »؛ ومعنى الاية: وان كنتم تشكون فيما انزلناه على عبدنا النبي (ص) فلا اقل ان تاتوا بسورة واحدة من مثل القران الكريم واتوا بمن يشهد لكم على ذلك غير الله ان كنت صادقين، واذا لم تاتوا بسورة من مثله وانتم لا تستطيعون ان تأتوا بسروة من مثله فاتقوا النار التي حطبها اجساد الناس المذنبين والاحجار التي هي الاصنام وهذه النار قد اعدها الله للكافرين.

وعلى أي حال لم يتمكن أحد على مر التاريخ ـ وان كان يتمتع بقمة الفصاحة والبلاغة العلم والفهم ـ ان ياتي بسورة قرآنية كاملة وصحيحة من جميع الجهات وتكون فصيحة وبليغة ومليئة بالمعاني كسور القران الكريم.


الكلمات الرئيسية :


۲,۵۲۵