اطرح سؤالك

27 جمادی الاول 1434 الساعة 19:31

کنت سابقاً أدخل علی موقعکم کثیراً، وأسأل، ولکني حدیثاً، لا یهمني شيء أبداً، وأنا لا أعلم أصبحت هکذا؟ فأنا لا أشعر بالارتیاح جراء ما یحصل لي من ذلك، ولکنني أشعر بأن من یجهل، لم یفعل ذلك؟ فهو طبقاً لما قیل لهم فقط إنهم یعصون ویذنبون: هم حمقی! وأنا لا أعلم لماذا یکون الشيء الواحد لشخص جید ولآخر سیئ؟ و مالحکمة في أن أکون أنا هنا؟ والآخر في مکان آخر؟ و لماذا قد وجدنا أصلاً؟ هل أن الله محتاج لوجودنا؟ فإذا کان کذلك، فإن وجود الله حینئذ سیکون معرضاً للسؤال والمناقشة إذاً؟ وهل نحن خلقنا للعبادة فقط؟ ألم یکون الملائکة کذلك؟ و لماذا أن شخصاً یموت من الفقر والآخر یعیش شبعاناً مبطاناً؟ علینا إذا أن ننتظر إلی أن یحل یوم الجزاء؟ فلأي شيء خلقت هذه الدنیا إذاً؟ فإذا تقرر أن یتعذب الکثیر هنا، فلأي شيء هذه الدنیا إذاً؟ ولماذا نحن موجودون أصلاً؟

الجواب :




سؤالکم بحاجة إلی بحث مفصل. و خلاصة‌‌ الجواب: إننا نعتقد بأن الله عالم حکيم . والحکيم هو من لا یفعل شیئاً بلا هدف،أو یکون فعله عار عن العبث، و أن ما ینجز بید صنعه وقدرته کان لغرض وهدف.
و یرکّز القرآن الکريم علی نقطتین:

الأولی: أن الله عزوجل خلق کل شيء للبشر يعني أن الخلقة بهذه العظمة و ما فیها من مجرات سماویة کبری و کواکب و شهب (لم یتوصل البشر إلی معرفة و لو جزء صغیر من هذا البحر اللامتناهي و الخلقة بهذه العظمة) أو أصغر الکائنات و المخلوقات، خلقت کلها للبشر و وظّفت لخدمته، ویمکن فهم هذا المطلب من آيات مختلفة في القرآن الکریم.

فعلی سبیل المثال، قال الله سبحانه وتعالی: «خلق لکم ما في الارض جميعاً»، ومن الواضح جداً أن الأرض تسبح في المنظومة الشمسية، متأثرة بفعل و انفعالات المجرات والکرات السماویة الأخری، و منها الشمس، فهي  مع امتلاکها تلک الخلقة العظيمة، لو لم یکن نورها ودفئها وحرارتها مثلاً، لم تکن الحیاة أبداً .

وعلی أي حال خلق الله لنا ما في الأرض جمیعاً. هذا من جهة ومن جهة أخری اختار الله عزوجل الانسان لیکون خليفته في الأرض، وعندما سألته الملائکة عن السبب، أجابهم قائلاً: «إني أعلم ما لا تعلمون»، و لهذا أسباب و جذور في بحث قابلية البشر و خلافة الإنسان عن اللّه، و أن البشر المتکاملون هم نتيجة هذه الخلقة.

الثاني: بین الله عزوجل بنفسه الهدف من الخلقة، وقال: «و ما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون»، وقد فسّر المفسرون  کلمة «يعبدون» ب «يعرفون» يعني الهدف؛ هو تحصيل المعرفة الالهية، و في کلام واحد؛ «معرفة الله». و علی أي حال، خلق الله البشر، ووضع في تصرفه واختیاره نعمة الارتقاء و التعالي و الوصول إلی المعرفة و السعادة مضافاً إلی نعمة الخلقة، لأن هناك کائن له هذه القابلیة یدعی «الانسان». و إن لم یفعل الله عزوجل کذلك، کان هذا جدلاً وإثارة للسؤال أن لماذا الله فیاض القدرة، قد حرم أشخاصاً من ذوي القابليات والاستعداد؟!

وبناء علی هذا،إن لم التفتّم جیداً، فستعرفون أن الذات الاقدس الإلهیة الحقّة، غیر محتاجة لخلق الانسان، ولکنه خلق الانسان علی أنه اشرف المخلوقات والکائنات، للتوصل إلی الکمال عن طريق العبودیة الله عزوجل وطاعته. فإن لم یخلق الله الانسان، لم یکن قد أکمل  خلق الملائکة و سائر الموجودات و المخلوقات، و لم یکن للخلقة هدف، لأن الموجودات والکائنات الاخری غیر الانسان؛ إما هي عقل محض، أو لها نفس و شهوة محضة. فالملائکة؛ عقل محض، لا تمتلک قوة النفس، أما الحيوانات فلها  قوة شهویة فقط،و هي محرومة من العقل، ولهذا السبب، لیس لأي منها أرضیة التکامل.

أما الکائن الوحید الذي یتصف بکلا البعدین؛ فهو الانسان،له حریة الاختیار و التصرف في نفس الوقت .فالنفس أشبه بمحرک السیارة،تفرض علی الانسان الحرکة و السعي،فیوجه العقل هذه الحرکة و السعي،وترافق هاتین القوتین إرادة واختیار  الانسان، فتوفر له أفضل سبل التکامل،ولهذا لا یمکن المقارنة بین الانسان البدائي والانسان الحالي من زاویة الکمال والتطور في الحیاة لعدة جهات .

وأسألکم حالیاً في حال تواجد هذه الأرضیة في کیان البشر، فإن لم یخلق الانسان، ألم یکن محلاً للسؤال: لماذا لم یخلق مثل هذا الکائن لیتکامل هدف الخلقة؟

وبناء علی هذا، خلق الله البشر، فوضع الحیاة الدنیا قبل العالم الخالد، فکانت موضع وجدان ووصول الإنسان إلی الکمال، لیحصل علی نتائجها الأصلیة بعد الوصول إلی الکمال الأخیر في العالم الخالد والحیاة الأبدیة في الجنة .

الدنيا هي ميدان الاختبار والامتحان الالهي ، و للبشر مجالات  مختلفة للاختبار و الامتحان. فلو تحرک الانسان باختياره و باستخدامه للعقل الذي منحه الله إیاه،مطابقاً للأوامر التي أمره الله بها والفطرة، وأجتنب الذنب والمعصیة، وظلم الآخرین أو التعدي علیهم، وقضّی عمره في العبادة وطاعة الله، ومساعدة الآخرین والإحسان إلیهم، فهذا  هو  الانسان ناجح في الاختبار والامتحان الإلهي، و سیحصل علی نتائج عمله في العالم الآخر.  أما إذا أساء التصرف والعیاذ بالله في اختیاره، فقد ارتکب المعصیة والظلم. وسیحصل علی النتیجة الأخیرة والأصلیة في العالم الآخر أیضاً، وهذا هو الشيء الذي عبّر عنه القرآن الکریم «کل نفس بما کسبت رهينة».

و قد تطرح هذه الشبهة هنا وهي لماذا یبتلی عدد من الناس بالعذاب الالهي في عالم الآخرة؟ الجواب عن هذه الشبهة هو: إن هذه المجموعة من البشر وباختیارهم،و إساءة الاستخدام لهذا التفویض والاختیار، والإمکانات التي منحهم الله إیاهم، مضوا في طریق کانت نهایته الابتلاء بهذا العذاب، ولیس کذلك أن الله عزوجل قد أعدّ من قبل هذا العذاب، الیقودهم إلی العذاب رغماً علیهم وبالاکراه، فلو افترضنا أباً کان قد هیأ لابنه کافة الامکانات وأعدّ الخطط والبرامج له، لتکون في اختیاره وتصرفه، عطفاً وشفقة ومحبة وعشقاً منه لابنائه، فقال لابنه: استثمر کل هذه الامکانات بشکل جید وحسن، ولا تذهب في الطریق الخطأ، ولا تضیع هذه الثروة و رأس المال عبثاً، ولکن الابن أساء التصرف بها بتفویضه واختیاره، وأضاع هذه الثروة و رأس المال، وذهب بها أدراج الریاح، فأصبح فقیراً، فالمسئول عما جری له من کل ذلك هو نفسه، ولیس للأب دخل في ذلك، بل إن نتیجة عمله وسلوکه هو نفسه، ومن هذه الجهة، قال الله عزوجل: «فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شرّا يره»، يعني أن الجنة و جهنّم هما نتيجة اعمال الانسان نفسه، وأن من یضیع ثروته هدراً، أو یصنع لنفسه عاقبة سیئة، فعلیه أن یذم نفسه .

ومع هذه التفصیل،أسألکم: هل نحن ندین لله في ذلک جراء ما فعلنا بأنفسنا؟ وهل أننا إذا أحسنا التصرف و العمل،وحصلنا علی النعم الالهیة الخالدة،ألا یکفي هذا لهادفیة الخلقة؟ وإذا لم یخلق الله البشر بهذه السعة والقابلییة، ألم یکن هناك محلاً للسؤال: أن لماذا حظر الله علی هذا الانسان هذه النعمة التي یمکن أن تجعله موجوداً،ویحقق بها السعادة؟

آمل أن تکفیکم هذه الإجابة الموجزة علی سؤالکم . أما السؤال: لماذا یموت البعض و هم یتضورون جوعاً؟ و یموت آخرون من الشبع والبطنة؟ وبکلمة واحدة: کیف یمکن أن یوجه هذا الحرمان و تلک المظالم في العالم؟ للإجابة عن هذا السؤال أیضاً أن أقول: إن الله خلق کافة البشر متساوون،وامتلکوا استعداداً للوصول إلی الکمال.

ولکن کما قلنا: وضع الله عزوجل الدنیا داراً للاختبار والامتحان، وفوض للبشر أن یختاروا بأنفسهم ممارسة عملهم بحریة کاملة في الدنیا، فکان الانسان مختاراً في القیام بالعمل الجید والرديء، وبعث الأنبیاء لهدایة البشر إلی الطریق الصحیح والعمل الجید والفعل الحسن، وخلق العقل کرسول باطني لفهم وإدراك الجید من الرديء والحسن من القبیح، ووضع کل ذلك في اختیار وتصرف البشر، هذا من جهة.

ومن جهة أخری، جعل الله سبحانه وتعالی القوانين التشريعية منسجمة مع القوانين التکوينية في العالم، و لو تحرک اکثرية البشر علی ضوء الدستور الإلهي، فسیکون النظام الطبيعي للعالم إلی صالحهم أیضاً. أما إذا عمل الانسان علی خلاف فطرته،فسیتحرک النظام الطبيعي للعالم أیضاً لضررهم، وسیختل في ذلک الوقت نظام العدالة في المجتمع البشري؛و سیحل الظلم والوحشیة،فیظلم منهم جماعة، ویعیش البعض الآخر، في الفقر والفاقة والحرمان والجوع، وستظهر مئات المشاکل الآخری أیضاً، ولا یوجد أي منها أي خلل في عدالة الله، لأنه سبحانه و تعالی حظر علی الانسان انتهاك حقوق الآخرین أو التعدي علیهم، ولکن الانسان هو وحده من یمهد لأرضیة الظلم والجور بإرادته و اختیاره، و یسبب لنفسه کل هذه الابتلاءات و المحن بمعصیته، أو یسبب له مشاکل ومصاعب جراء الامتحان والاختبار الالهي.

وعلی أي حال، هذا البحث واسع جداً، و له فروع و تشعابات عدیدة، لا یمکن حصرها في الرسالة السابقة. فالخلاصة هي: الهدف من خلق الانسان هو الوصول إلی السعادة والکمال، وأن الدنیا هي دار اختبار وامتحان، ولا علاقة لله بالظلم وتجاوز الانسان العدل في علاقته بالآخر، ولا یدخل أي ضرر علی عدالة الله بفعله، وأن الله سبحانه وتعالی أرحم و أرأف بعباده من الأم بولیدها، فکل إنسان یری نتیجة عمله في العالم الآخر، فهو و إن کان یری نتیجة عمله وسلوکه في هذه الدنیا کذلك، ولکنه یری ذلك بشکل کامل في العالم الآخر، فینبغي علیکم أن تعملوا طبقاً لأحکام الله وما تتطلبه الوظیفة الشرعیة کما ورد في الرسالة العملیة لمراجع التقلید، وأن تبتعدوا عن الذنوب والمعاصي، وستنالون حینئذ سعادة الدنیا والآخرة، والطریق الوحید لوصول الإنسان إلی العدالة، هو «العمل بأوامر الله».


الكلمات الرئيسية :


۲,۱۶۳