بیان أبعاد شخصیة آیة الله العظمی الفاضل اللنکراني (قدس سره) في لقاء خاص أجري مع سماحة آية الله الحاج الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني (دامت بركاته)
16 جمادی الثانی 1433
21:15
۸,۰۵۲
خلاصة الخبر :
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
أشکرکم بدایة علی اهتمام هذا الموقع بعرض المسائل الدینیة، وتحدیداً المعارف المتعلقة بالمعارف الشیعیة، والسیرة العملیة والعلمیة لکبار الشخصیات والمراجع العظام،والعلاقة والارتباط بین الأدیان، والتي نعبر عنه «بحوار الأدیان»، وهي موجودة طبعاً في سیرة وتعامل الائمة الطاهرين(عليهم السلام) أیضاً، کمناظرات الامام الرضا(عليه السلام) مع قادة و رؤساء سائر الأديان. وکذلك عرض البحوث الفقهية و الحقوقية، ومعرفة ما یجري من أحداث وأخبار في العالم الإسلامي والشیعي تحدیداً.
نأمل أن تقدموا أفضل الخدمات للدین ومذهب أهل البیت علیهم السلام عبر هذا الطریق. أما الموضوعات التي طلبتم مني التحدث عنها، فکل محور منه له بحث طویل ومفصل، لا یمکنني مثلاً أن أتکلم عن المرحوم الفقید والدي آية الله العظمی فاضل لنكراني(رضوان الله تعالی عليه) في بضع دقائق،ونحن نطل علی الذکری الخامسة لارتحاله، یعني الخامس من أردیبهشت الموافق لاوائل شهر جمادی الثاني، الذي یصادف ذکراه السنویة أیضاً. کتب عن سماحته کتباً عدیدة، وسنبذل جهدا متواصلاً لجمع کلماته التي ألقاها وخطبه واللقاءات التي أجریت مع سماحته إن شاء الله، ونعرضها في موسوعة کاملة للراغبین ولمقلدیه الذین قدموا لنا طلبات کثیرة في ذلك.
وسأتحدث عن سماحته الآن وهذا یستغرق بحثاً مفصلاً.
بدأت حیاته العلمیة في الثالث عشر من العمر زامل فیها المرحوم الشهيد آية الله الحاج السید مصطفی الخميني في بدایة الانتماء والدخول إلی الحوزة العلمية، وکانا یشترکان في کثیر من الأبحاث الحوزویة، وله نبوغ وتفوق عال مع المرحوم آية الله الحاج السید مصطفی. أنقل لکم هذه القصة التي ربما تسمعونها لأول مرة، وأنا سمعتها من لسان أحد الأساطین الأعاظم الساکن حالیاً في طهران، دار بحث بین المرحوم الشهيد آية الله الحاج السید مصطفی الخميني وبین أحد الأساطین الأعاظم في النجف الأشرف حول أحد المسائل الفقهیة، وبعد ذلک قال المرحوم الحاج السید مصطفی: عندما کنا في قم المقدسة، کان الشيخ محمد فاضل قویاً في البحث والاستدلال والحجة والمحجة، وکنت آنس بالبحث معه، لکن عندما أتینا حالیاً إلی النجف الأشرف، ترکت تلک الأبحاث التي کنا نعقدها معاً سویة في مدینة قم المقدسة، وهذا مما یؤسف له کثیراً علی فوات تلک المباحثة. لقد کانا زملاء یتشاطران البحث العلمي والفقهي معاً، وکان بینهما زمالة وذهاب وإیاب، وصداقة طویلة في بیت الإمام الخمیني «قدس سره».
شارک أحد عشر عاماً في دروس فقه واصول الامام الخمیني «قدس سره»، فمنذ کان تلمیذاً للإمام«قدس سره»، قال له یوماً: «أنا الذي ربیتک». وهذا طبعاً من وجهة کون المرحوم الوالد تلمیذاً للإمام «قدس سره»، فیربي الأستاذ تلمیذه، والجانب الآخر هو علاقته بالمرحوم الحاج السیدمصطفی، ومن هذه الناحیة عدّ سماحة الوالد المغفور له جزءاً من بيت الامام«قدس سره»، وبضعاً من حیاته أیضاً. کان والدي یقول أحیاناً: کان السید الإمام یسألني في بعض الأحوال عن الحاج السید مصطفی، أین هو؟ فأنني لم أره منذ عدة أیام؟ومن جهة أخری، امتلک سماحته هذا النبوغ، مع وجود الاستاذ الکبیر الامام الخمیني«قدس سره»، والمرحوم آية الله العظمی البروجردي، والمرحوم العلامة الطباطبائي، هذا من جهة.
ومن جهة أخری: کان أبوه من کبار العلماء والمجتهدین المعروفین ومن تلامذة المرحوم آية الله العظمی الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري، وهو جدنا. کتب حاشیة علی كتاب صلاة المرحوم الحاج الشيخ، لکنها لم تطبع، وکان هناک شخصیات کالمرحوم آية الله المشكيني، والمرحوم السید مجتهدي الطهراني، وعدد آخر من کبار العلماء والأعاظم، هم تلامیذ جدنا. تربی والدنا المغفور له في هذه المجامیع وحلقات الدرس، فربی له تلامذة بهذا النبوغ الذاتي والمستوی العلمي المتفوق، والشهرة في السلوک والثقافة والعلم .
ینتهي نسب سماحته من الأم إلی موسی المبرقع من أحفاد الامام الجواد(ع)، يعني والدته علویة من سادات السید المبرقع الذین یسکنون في قم المقدسة،وهي من الأسر العریقة والمشهورة والمحترمة في هذه المدینة. برز من هذه الاسرة رجال دین مشهورین وأخصائیین، کانوا ولا یزالوا في هذه الدرجة من الفطنة والنباهة، وبیدهم مقالید کثیر من الأمور، فکان سماحته معطاء في حیاته الثریة الملیئة بالعلم، وناجحاً متفوقاً بدرجة امتیازعلی نظرائه في کافة المجالات، والمتقدم علیهم.
أما من جهة التدريس فقد کان ناجحاً ومتفوقاً کذلک،فعندما کان المرحوم آية الله العظمی البروجردي یدرّس في مسجد الاعظم في قم المقدسة، في داخل القاعة الشتویة تحت القبة الشریفة، کان المرحوم الوالد یدرّس کتاب المکاسب بعد درس السید البروجردي في نفس المکان، في تلک القاعة تحت القبة، وکانت تغص بطلاب العلوم الدینیة تقریباً. قال أحد کبار علماء النجف الذین یسکنون حالیاً في طهران: جئت حدیثاً من النجف الی قم،وشارکت في درس المرحوم السید البروجردي، وشاهدت تحت القبة شیخاً شاباً یدرس المکاسب بعده، ویحضر درسه عدد جم من رجال الدین وطلاب العلوم الدینیة، قال: ذهبت وشارکت في درسه، ثم سألت عنه؟ فقالوا لي: هو الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني.
کان سماحته قویاً في المحجة والاستدلال، و یعد الکثیر ممن یدرسون دروس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية في قم المقدسة من تلامذته، وقد نعثر بندرة علی أستاذ في الوقت الحاضر یدرس خارج الفقه أو الأصول وهو لیس من طلابه وتلامذته!. لقد ربی أساتذة في أعلی المستویات والکفاءات العلمیة، فتخرج من بینهم مجتهدون أقویاء جیدون، بعد أن درّس سماحته طوال عمره الشریف أي ما یقرب من ستین عاماً، ثم عطّل درسه بعد إصابته بمرض ووعکة صحیة حالت دون استمراره في التدریس، زاره أحد المسئولین في البلاد وسأله لماذا لا تدرسون؟ فأجابه: لقد درست خمسین عاماً،فإذا کانت لله، فکفی! وقال المرحوم آية الله العظمی الشیخ الاراكي في أحد اللقاءات: أنه عندما یتذکر شیئاً عن والدي في ما مضی، کان یطلق علیه لفظة «االسید محمد المدرّس»، یعني أنه کان قویا في التدریس في تلک الفترة.
أما في أبعاد التألیف، فهو یعد من أنجح المراجع في التألیف، وله آثار خالدة وكتب عدیدة في الفقه والأصول، یستفید منها کثیر من المراجع في أبحاثهم الیوم کمصادر موثقة. کتب سماحته شرحاً علی تحرير الوسيله للامام الخمیني «قدس سره » في 28 مجلداً، وقد تبنی المركز الفقهي للأئمة الاطهار علیه السلام طبعها ونشرها، وقرر مکتب نشر آثار الامام الخمیني رضوان الله تعالی عليه إعادة طبعها بحلّة أخری من جدید، لکونه من أکثر الشروح تفصیلاً لکتاب تحرير الوسیلة، وقد کان شرحاً لوالدنا المغفور له، کان قد بدأ العمل بتألیفها وکتابتها قبل انتصار الثورة الاسلامیة في إیران، ولم یکن یعلم آنذاک أن الثورة الاسلامیة ستنتصر أم لا؟ أو یأتي أساتذة یقررون نصوص دروس خارج العروة، ویعتبروه کتاباً دراسیاً في الحوزات العلمیة، فجاء سماحته وقرر متن تحریر الوسیلة، ومستفیداً منه أیضاً في أبحاثه ودروسه في خارج الفقه، فتحدثوا عن الاجتهاد والتقلید في العروة، ودونوه، ثم اتخذ بعد ذلک قراراً آخر وقال: أرید أن أحیي هذا الأثر العلمي للإمام الخمیني«قدس سره»وأخلده، ولم یحتمل أن الثورة الاسلامیة ستنتصر في إیران في تلک الفترة، لکنه بدأ العمل في شرح تحریر الوسیلة منذ عام 50، وهو حالیاً في 28مجلداً، ویعتبر موسوعة جیدة جداً في الفقه الاستدلالي والفقه المقارن، وقد شرح تقريباً اكثر مباحث تحرير الوسيله غير بحث البيع و الخيارات و مقداراً من بحث الصلاة. أوصاني في الشهر الأخیرة من عمره الشریف أن أکمل هذه الموسوعة الفقهیة، ولذلک أنا أطرح بحث البیع بعد مضي أربع أو خمس سنوات علی وفاته، وقد کتب مجلداً واحداً فقط من الکتاب، وهو بحاجة إلی تقویم النص ودراسة من جدید.
کان علی رغم کونه فقیهاً، له اهتمامات عدیدة جدا بالفقه، وإشراف وعرفان في الفلسفة أیضاً. قرأ الفلسفة جیداً، وفهمها جیداً، ولو عدنا إلی بحوثه الأصولیة، لشهدنا أنه فهم الفلسفة جیداً، أتصور أن سماحته کان یحضر في دروس تفسیر المرحوم العلامة الطباطبائي أیضاً، وقد مولعاً بالبحوث التفسیریة، فبدأ تدریس دورة کاملة في التفسیر، وله بحوث مقدماتیة وکتاباً في تفسیر القرآن، تحت عنوان«مدخل التفسير»، تم طبعه له، وکتب شیئاً قلیلاً عن سورة الحمد، لکنه بقي ناقصاً لم یکتمل، ولم یستمر في کتابته!
کان له ذهناً وقادتاً وقویاً جداً في البحوث القرآنية، وذوقاً وطبعاً جیداً جداً، واستخدامات بدیعة وجدیدة في آیات القرآن الکریم، لم نکن نشاهدها في کلمات الآخرین، أتذکر أنه قال یوماً في بحث فقهي له في مباحث الحج: لقد استخرجت من هذه الآیة المبارکة «و اتموا الحج و العمرة لله» أکثر من مائة مسألة فقهية، یعني من هذه الآیة القصیرة!، وکان سماحته یهتم جداً بالمسائل المستحدثة، یمکن مشاهدتها في آرائه الموجودة حالیاً، کبحث رؤية الهلال مثلاً، فهو أول مرجع من مراجع التقلید في قم المقدسة أفتی بإجزاء رؤیة الهلال بالتلسكوب، ومسألة استخراج رحم المرأة بعملیة جراحیة وهي
في مرحلة الشباب، فیما لو طلقها زوجا، هل علیها العدة أم لا؟ فهذه من المسائل المستحدثة، وکتب سماحته في هذا المجال، مستدلاً بآیات القرآن الکریم،أن علی هذه المرأة أن تعتدّ، ولیس المسألة بهذا النحو أن نقول أن رحم المرأة إذا أستخرج بعملیة جراحیة، فلا حاجة إلی العدة.
کان مهتما جداً بأمر الوحدة بین المسلمین، طبعاً في دائرته السیاسیة تحدیداً، لا في أصولنا واعتقاداتنا الحقة الخاصة، وقد کان سماحته یکرر ذلک في خطاباته ونداءاته باستمرار، فوحدتنا مع السنة فیما لو داهمنا العدو المشترک، الذي یرصد للاسلام ویرید به الوقیعة، وأخذ یحیک له المؤمرات والدسائس، فیلزم الوقوف أمامه ومواجهته، في هذا المقدار فقط، لا أن نرفع أیدینا عن الحقائق المذکورة في مدرسة التشیع، أو نتناسی المصائب والویلات التي جرت علی السیدة الزهراء سلام الله عليها، فهذه حقائق تاریخیة مسلم بها، لا ینبغي التنازل عنها أو التسامح فیها.
أما بالنسبة إلی القرآن، فأشیر إلی هذه القصة: دخل علیه الشیخ قراءتي یوماً من الأیام، فقال له المرحوم والدي: هذه الدروس التي تلقیها «دروس في القرآن» جیدة جداً، وبعد أن ثمن جهوده وشکره علیها، قال: هذا الاسلوب من العرض القرآني یفید الناس حقیقة، وهو جید جداً، ثم قال سماحته: أما الآن فسنناقش مسألة تناسب شأننا نحن الطلبة، هل یمکنک أن تثبت لي الإمامة من نفس آيات القرآن دون الاستعانة بالرواية و الحديث؟ فأجابه الشیخ قراءتي:أن کل ما یتبادر إلی ذهني أنني عاجز عن ذلک دون الاستعانة بروایة، ووجدته غیر قادر علی التطبیق لتلک المسألة علی الإمامة!. قرأ عدة آيات من آخر سورة آل عمران، ربما قارب النصف ساعة، وأثبت والدي المغفور له الامامة من نفس القرآن
الکریم بدون الاستعانة ولو بروایة واحدة! فتعجب الشیخ قراءتي کثیرا في ذلک الیوم، مع ما عنده من سعة اطلاع وذهن قوي في التفسیر. ولما خرج بعد ختام لقائه، طلبت من والدي أن یکتب لي هذه المطالب، لتبقی خالدة، فکتب سماحته هذا المطلب في آخر كتاب الخمس من شرح التحرير في عدة صفحات. ویشیر هذا إلی أنسه بالقرآن، ورغبته في التفسير. حتی إنني شاهدت في بعض المطالب التي یکتبها أن بدأ بکتابة مطالب سماها «حقائق قرآنيّة » وهي بعض الآيات و الحقائق الموجودة في القرآن الکریم ،کبحث الامامة أو أبحاث أخری مثل: خلق آدم علیه السلام و ... . وهي مع الأسف أیضاً بقیت ناقصة ومحدودة، ولم یتمکن أحد علی متابعتها والاستمرار بها.
لقد کان سماحته یمثل موسوعة متکاملة وجامعة في البعد المعرفي والعلمي، فلا یمکننا أن نحدد ذلک ونقول: إنه کان فقیهاً فحسب !بل کان فیلسوفاً في الوقت الذي کان فقیهاً أیضاً، فهي شخصیة جامعة ومتکاملة من کافة الزوایا والجهات العلمیة. وقد أشرت إلی أن له مؤلفات عدیدة جداً، ونحن ننظم حالیاً موسوعة تحت عنوان «موسوعة الإمام اللنكراني»، تتضمن مائة مجلد تقریباً، قام بتألیفها بنفسه أو کتبها تلامذته في الفقه، الاصول، التفسير، والبحوث الاخلاقية، کالکتاب الذي
طبع ونشر أخیراً له، فهو لیس من مؤلفاته، بل هي بحوث أخلاقیة اقتبسها أحد تلامذته من دروسه التي ألقاها علیهم، ونشیر هنا أیضاً إلی أننا ألّفنا کتابا تحت عنوان «اخلاق فاضل»«الأخلاق الفاضلة» وقد تم طبعه ونشره أیضاً في فترة قصیرة استغرقت عدة أشهر، وهو کتاب جید جداً، طبعناه ونشرناه في سلسلة أبحاث أیضاً في دورتین أو ثلاث دورات، وقد لاقت ترحیباً واستحساناً شعبیاً وجماهیریاً عاماً وعلی أوسع نطاق.
بدأ کتاباته ومؤلفاته منذ مشارکته في دروس المرحوم السید البروجردي، فکتب وهو في ال 24 عاماً تقريرات درس آية الله العظمی البروجردي، وقد تم طبعها ونشرها، فلفت في ذلک الوقت أیضاً أنظار کبار الفقهاء والعلماء، فلیس هناک فقیهاً یرید أن یقرر بحث الصلاة لا یستعین بهذا الکتاب! وأکد آیة الله العظمی اللنکراني في حیاته دائماً أن علی رجل الدین وطالب الحوزة الاعراض عن طلب الدنیا، إذ کان یعتقد بأن طلب الدنیا عائق مئة في المئة أمام رجل الدین وطالب العلوم الدینیة، بل أعلن عن حرمة طلبها والشغف بأمورها. وأضاف أستاذ ومدرس خارج الفقه و الاصول في الحوزة العلمیة بقم المقدسة بان آیة الله العظمی لنکراني کان یعیش في حد متوسط من حیاة رجال الدین وطلاب العلوم الدینیة إلی آخر عمره الشریف بل أدنی من ذلک،فقال: لم یکن سماحته في طول حیاته یمتلک بیتاً بل حتی متراً واحداً لنفسه، والبیت الذي کان یسکنه حصلنا علیه من جهة أبینا وأمنا ومن ثم انتقل الی أمنا، مع أنه تکفل ببناء مئات المشاریع الضخمة في مدینة قم المقدسة، وحصل الکثیر من رجال الدین وطلاب العلوم الدینیة والعلماء والفضلاء علی مأوی وسکن عن طریقه.
وصرح أیضاً: قبل 55عاماً تقریباً، کان آیة الله البروجردي«قدس سره»یدفع 20 هزار تومان إلی جدنا أجورالدروس التي کان یکتبها له، ویقول مثلاً: اشتر بهذا المبلغ من المال بیتاً إلی الشیخ محمد، وکان هذا المبلغ في تلک الفترة ضخماً إلی درجة أنه یمکن شراء بیت مساحته 500 أو 600متر في قم، لکن جدي قال لأبي: بإمکانک أن تستفید من هذا المال، ولکن نظراً لحاجة الکثیر من رجال الدین وطلاب العلوم الدینیة إلی مأوی وسکن، فنحن بحاجة إلی هذا المال، وفي نفس الوقت لا نحب أن تترکنا وتذهب، فکان والدي یجیبه: إن تفویض التصرف بهذا المال بیدک، فافعل به ما تشاء.
کان سماحته یمتلک طابع الأثرة علی النفس والعزوف عن الدنیا، والتضحیة للآخرین، وهذا ما یشاهد کثیراً في حیاته الشریفة. کان یختار طریق الله والاسلام إذا واجه مفترق طریقین یؤدي أحدهما إلی الله والآخر إلی الدنیا، وکان یعیش مع خمسة أولاده في غرفتین فقط، وکان زاهداً في حیاته ویعیش ببساطة، وحیاته محدودة جداً، لأنه طلب العلم والتقوی والعبودیة خالصة لله منذ البدایة، وهذه الآثار التي خلفها والباقیات الصالحات التي ترکها دلیل علی اتصاله بالله عزوجل.
درس آیة الله العظمی فاضل اللنکراني وتعلم العلوم الدینیة ودروس الحوزة العلمیة بعد إنهاء الصف الخامس، فکان ممتازاً ومتفوقاً والأول علی الصف، قال مدیر المدرسة لجدي: لو استمر في الدراسة، لأصبح من العلماء قطعاً، ونابغة عصره، لکنه ترک الدراسة ودخل في الحوزة العلمیة وثابر بجد في تعلم الدروس الحوزویة، حتی وصل إلی أعلی المراتب.
کان أبي یعتقد بضرورة مساعدة الناس في أعمالهم، فبعد انتصار الثورة في إیران، کان کل من یأتي إلیه ویزوره، وله حاجة،ی وصي المسئولین بقضاء حاجته، بل یکتب إلیهم ویدعوهم بالتوسعة علی الناس في معاشهم وقضاء حوائجهم، حتی أن السید الحاج أحمد اعترض علیه یوماً قائلاً: إن هذا لا یلیق بکم أن تبعثوا بالرسائل إلی الجمیع! إلا أنه یجیبه: للناس مشاکل، والشيء الوحید الذي یمکن أن أقوم به هو إرسال الرسائل والتوصیة بهم، فلو کان المسئول قادراً علی تلبیة تلک الاحتیاجات، قام بذلک، نعم إذا کانت التوصیة مخالفة للشرع والقانون، فلا یجوز ذلک، ولم یفعل سماحته ذلک، أما إذا کانت التوصیة تؤدي إلی تسریع العمل وقضاء حوائج الناس، فلا إشکال في ذلک.
وقال سماحة السید جواد في مذکراته عن آیة الله العظمی اللنکراني(ره): أوصلوا إلی أسماع أبي یوماً أن القبر الذي أسفل من قبر أبیک قد ظهرت فیه حفرة، فظهرت إحدی رجلي والدک المدفون، وقد مضت تسعة أعوام علی وفاة جدي، فقال أبي: إن بقاء هذا الجسد طریاً بعد مضي تسعة أعوام سببه: أنه کان یعین کثیراً من رجال الدین وطلاب العلوم الدینیة علی قضاء حوائجهم، وأمور معاشهم، وکان الوکیل والأمین الأول والمعتمد لدی المرحوم البروجردي، وکان المرحوم البروجردي یلبي له کل طلب یعرض علیه من قبله. وأضاف أیضاً:کان قلقاً ومتألماً عندما نتشرف بزیارته، فنسأله عن سبب ذلک، فیجیبنا: لقد ارتفع سعر البطاطا في السوق! فنقول له: ولماذا تقلق وتتألم؟! فیجیبنا: لقد قمت بمعادلة ریاضیة، أن الرجل الذي له 6أو 7 أولاد وعلیه أن یضع علی مائدة طعامه رغیفاً من الخبز والبطاطا، ولیس قادراً علی ذلک، فماذا یفعل؟ أنا متألم لذلک.
وإذا زاره أحد المسئولین في الحکومة أو الجهات العلیا، کان طلبه الوحید قضاء حوائج الناس والتفکیر في حل مشاکلهم والتخفیف عن معاناتهم، ولم یکن یطلب منهم حاجة شخصیة لنفسه ولو مرة واحدة، وکان یحضّر المواد الاستهلاکیة کالسمن والرز و... منذ أربعین عاماً ویرسلها الی بیوت المحتاجین والمعوزین، کان هذا دأبه، ونحن نواصل هذه السیرة الحسنة دون انقطاع بعد وفاته «قدس سره». کان علی معرفة تامة بظروف وحالات المجتمع ومشاکل الناس واحتیاجاتهم، وما یجري في الساحة السیاسیة والبلدان الاسلامیة، وقد خصص ساعة یومیاً لسماع الأخبار. کان آية الله العظمى الفاضل اللنکراني یمتلک نظرة ثاقبة في معرفة مجریات الأمور، وقد حذر المسئولین قبل ستة أعوام من وجود خطر منحرف یهدد البلاد، فلا ترقدوا علی فراشکم تضعوا رؤوسکم علی وسائدکم وتناموا وعندما تصبحوا تجدوا کل شيء قد انتهی.
وکانت له سعة في أفق في التفکیر بالحوزة العلمیة ومستقبلها، فکثیر من البرامج والمشاریع التي تنفّذ الیوم، خطط وبرمج لها سماحته منذ السنوات الأولی لانتصار الثورة، فکان یعترض علی الشوری العلیا للحوزة العلمیة: أنه لماذا وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمن من عمر الحوزة العلمیة، لم توضع استراتیجیات واضحة وجدیدة في الحوزة؟ !فالارتقاء في الحوزة، بحاجة إلی تخطیط وبرمجة ووضع استراتیجیات واضحة وأطروحات حدیثة وتطویرها في مجالات عدیدة. ورأی رئیس المرکز الفقهي للائمة الاطهار علیهم السلام أن هذا المرکز هو أضخم تراث خلده سماحة آیة الله العظمی الفاضل اللنکراني، وقال: کان سماحته یعتقد أننا سنواجه أزمة خطیرة وحادة في شحة المجتهد، فینبغي التخطیط لإیجاد مرکز لتنشئة وتربیة کوادر من الفقهاء العارفین بالمشاکل الحادة الیوم، ومن هذا المنطلق تحدیداً تم بناء هذا المرکز والحمد لله، وافتتحت له فروعاً وشعب عدیدة في مشهد، افغانستان، سوریا، لندن، مالیزیا و اندونیسیا أیضاً.
وأضاف سماحته: إن من أهم المظاهر تجلیاً وبروزاً في حیاة أبي «قدس سره» هي إرادته وعزیمته الصلبة والقویة وولائه لاهل البیت(عليهم السلام)، فقد کان یعقد مجالس العزاء في محرم الحرام والأیام الفاطمیة وقراءة الدعاء في صبیحة کل جمعة منذ ستین عاماً، وکان یدعو الناس للحضور والمشارکة في مجالس عزاء السیدة الزهراء علیها السلام، ویؤکدعلی الناس أیضاً أن یبدلوا المناسبة الفاطمیة إلی عاشوراء ثانیة! وکان یقول في آخر حیاته: درست خمسین عاماً، ودرّست أیضاً، ولکن لا أمل لي بأي واحدة منه، سوی أملي الوحید في ذلک العالم بالسیدة فاطمة الزهراء علیها السلام، وبتلک الصرخة التي أطلقتها حرقة لها. ولهذا شیع جثمانه الطاهر في یوم استشهاد السیدة الزهراء«عليها السلام»، لقوة العلاقة والارتباط بینه وبین تلک السیدة الجلیلة.
أروي لکم من جعبة مذکراتي هذه القصة: أنکر أحد کبار العلماء في مدینة قم المقدسة في آخر حیاته في کتابه الکشکول حدیث «الدواة والقلم» ،فکتب المرحوم والدي رسالة بعثها إلیه قائلاً: لماذا تنکر وجود هذا الحدیث وقد رواه أهل السنة في کتبهم منذ مائة عام ولم یقدروا علی الإجابة عنه؟ لکنه لم یقبل هذه الإجابة. کان هذا العالم الفاضل في بعثة الحج 7-أو8 سنوات،فلما حان وقت الحج، قال
الوالد: لا أرضی أن ترسلوا هذا الشخص إلی الحج، رغم کونها شخصیة محترمة وجلیلة، وکان یحضر في مجالس العزاء أیضاً، ولکنه کلما حضر في مجلس العزاء بعد ذلک، کان والدي یطأطئ رأسه ولا ینظر الیه، ویقول: إنني متألم منه. قولوا له: أن لا یأتي إلی هنا!.
کان صریحاً في أمر الولایة ولا یجامل أحداً، وکان قوي الحجة والمحجة والبرهان والاستدلال في هذا المجال، لأن وجوده کله عجن بماء الولایة واختلط به. کان یکرر للعلماء دائماً: إن الوحدة بین الشیعة و السنة محل وفاق ولا غبار علیه، لکن لیست الوحدة تعني أن تتنازل الشیعة عن معتقداتها ومسلماتها، أو تتناسی المصائب التي جرت علی فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). إنما الوحدة أن نکون یداً واحدة في مواجهة العدو المشترک، وهذا هو الکلام الذي کان یقوله الامام الخمیني (رض).
نقل لنا المرحوم الوالد «قدس سره» أنه سافر في أحد السنوات إلی مدینة مشهد المقدسة، وبعد الانتهاء من قراءة زیارة الوداع، شاهدنا الناس وهم یزدحمون بشدة واشتیاق لیوصلوا أنفسهم إلی الضریح، وکنت ألوم نفسي وأتحسر لماذا لا أقدر أن أوصل نفسي إلی الضریح، خطوت عدة خطوات لأخرج من الحرم الشریف، وإذا بشخص ینادیني، هل ترید أن تکون قریباً من الضریح؟ قلت له: طبعاً. فجاء هذا الشخص وفتح لي الطریق وسهل لي المسیر، بحیث أنني قدرت أن أضع خدي علی الضریح، وأقرأ زیارة امین الله بسهولة، سألت هذا الشخص: من أین علمت أنني أرید أن أقبّل الضریح وأکون إلی جواره؟ فقال لي هذا: بینما کنت تخرج، سمعت صوتاً، فقررت أن أوصلک إلی هناک.
کل ذلک،بسبب علاقته القویة وصلته بالأئمة(عليهم السلام) ،کان یبکي في مجالس العزاء، وتهطل دموعه بغزارة فترتجف فرائصه وأکتافه من شدة البکاء، وکان معتقداً أننا ینبغي أن لا نقول: أن ائمة البقیع مظلومون بسبب عدم وجود أضرحة لهم، إنما مظلومیة البقیع لکونهم من أهل المدینة، وقد حظر علیهم الروایة، وهم ینتسبون إلی رسول الله صلي الله علیه وآله وأبناؤه وذریته، ولا یسمح لأحد أن یذکر لهم اسم.
وقال آيت الله محمدجواد الفاضل اللنكراني «دام ظله» في نقل مذکراته عن أبیه آیة الله العظمی فاضل اللنکراني«قدس سره»: جاء الشیخ أنصاریان لزیارة والدي یوماً من الأیام، وکانا لوحدهما في الغرفة، فطلب والدي منه أن یقرأ له مصیبة أهل البیت علیهم السلام، وقبل الشیخ أنصاریان بهذا العرض، لأنه کان یعشق قراءة مجالس العزاء، نقل لنا الشیخ أنصاریان: لقد وصل أبوکم إلی أعلی مراتب التوحید ونحن لا نعلمها.
من سماته وخصائصه أیضاً: تسلحه بسلاح العلم، ومعرفته الدقیقة والکاملة بالسیاسة، واتصافه بمظاهر التقوی، ومشاطرة الناس ومواساتهم، التولي، الاخلاق، التعامل الطیب مع أسر وعوائل رجال الدین وطلاب الحوزة، انفرد سماحته بهذه خصائص،وکانت خصئص متکاملة، ورثها طبعاً من جده الفاضل آیة الله البروجردي و الامام الراحل«قدس سرهما».
نرجو من الله تعالی أن یتغمدهما برحمته الواسعة، ویجعلنا أمناء صالحون في الحفاظ علی تراث کبار الدین وأساطینه.