تساؤلات حول مقولة الحجاب في النظام الإسلامي
20 ربیع الثانی 1434
16:28
۱۰,۶۵۳
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
نشکر فضیلتکم علی هذه المشارکة في هذه اللقاء، وکما تعلمون أن موضوع حدیثنا یدور بطرح بعض التساؤلات والاستفسارات حول مقولة الحجاب في النظام الإسلامي، فعلینا أن ننظر إلی هذه المورد من زاویة قرآنیة طبعاً، و نحن في خدمتکم.
بسم الله الرّحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلی الله علی محمد و آله الطاهرين
الحمد لله رب العالمين وصلی الله علی محمد و آله الطاهرين
وأنا بدوري أقدم شکري لما تبدوه وصحیفتکم الموقرة من اهتمام حول قضیة مهمة جداً هي قضیة الحجاب، التي تعتبر أحد الأحکام الضروریة في الإسلام، وهناک أبعاد عدیدة حول مسألة الحجاب قد طرحت في مجتمعنا، وبحوث نظریة وعملیة لهذا الحکم.
وسؤال هام یمکن أن یطرح في هذه الأیام وهو: هل أن الحکومة أصلاً إسلامیة کانت أو غیر إسلامیة وتحدیداً الحکومة الإسلامیة لها مسئولیة تجاه مسألة حجاب النساء أم لا؟ وإن کانت،فما هي تلک المسئولیة؟
وینبغي أن أذکر بدایة أن کافة من یبدون اهتماماً في الاستمرار بمثل هذه المباحث، علیهم أولاً أن ینتبهوا في الدرجة الأولی إلی المباني والأسس العمیقة والنظریة لهذا الموضوع، وقبل أن تؤید وتقبل کافة هذه المباني والأسس النظریة العمیقة لهذا المورد، فلیس هناک أدنی شک أو تردید في ذلک، وسنسلط الضوء هنا علی الجوانب العملیة والتطبیقیة فیها، ونحن نعتقد أیضاً أن لهذا البحث جوانب مختلفة أیضاً، ینبغي الاهتمام والتأکید علیها کلها.
ویتسائل الکثیر من الأفراد وخاصة شرائحنا النسویة : هل للقرآن الکریم أساساً دستور وأمر حول مسألة الحجاب أم لا؟
أنني أطرح مثل هذا السؤال لهذا السبب وهو: أن کافة الفقهاء والمفسرین أو أغلبهم استدلوا ببعض الآیات حول مسألة الحجاب، کما ورد ذلک في بعض المواقع الالکترونیة والکتابات، ودلالاتها واضحة جداً أیضاً، وقد عرضت إشکالات ضعیفة جداً تجاهها، وتردیدات لا أساس لها أصلاً، وطالبوا بإیراد الخدشة فیها.
لقد وردت آیات الحجاب في القرآن الکریم في سورتیین هامتین هما سورة الاحزاب و النور: ففي سورة الاحزاب وردت الآیات 53، 55 و 59 و في و سورة النور وردت الآیات 95 وحتی 102، فعلی رغم تقدم سورة النور علی سورة الأحزاب في القرآن الکریم، لکن تاریخ نزول آیات الحجاب في سورة الاحزاب متقدمة علی تاریخ نزول آیات الحجاب في سورة النور. وأهمِ آیات الحجاب في سورة الاحزاب، هي الآیة 59.
قال الله عزوجل في محکم کتابه الکریم : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَ بَنَاتِكَ وَ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا».
هذه الآیة الشریفة من الآیات المحکمة جداً في بحث الحجاب، إذ توجد فیها نقاطاً هامة جداً، وتفسیرها: قل یا نبینا لأزواجک وبناتک ونساء المؤمنین - یشمل الخطاب نساء المؤمنین إلی یوم القیامة – وهذا تکلیف مسلّم به لا بعنوان حق، قل: «يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ»، والنقطة التي تحوز الأهمیة للکثیر، وقد شاهدت لمرات عدیدة في الرسائل التي تتحدث عن الحجاب، أن لفظة «یدني» إذا جاءت مع لفظة«علی»، فلها معنی، وإن جاءت مع لفظة «إلی» کان لها معنی آخر، إذ هي مع کلمة «إلی» تکون بمعنی «القرب».
وقد لاحظت في الکثیر من الکتب التي تحدثت عن الحجاب، أنها تفسر بمعنی «القرب»، ومن الطبیعي أن یفسروها تفسیراً خاطئاً إلی آخر الآیة، بحیث إن کلمة «یدنین» لو جاءت مع لفظة «علی»، فسیکون معناها أدبیاً وعربیاً بمعنی«التعلیق»، لا بمعنی«القرب»، فالستار الذي یعلق علی الحائط أو الجدار ویغطی به یقولون «يُدْنِينَ عَلَیه» او «يُدْنِي عَلَیه»، وعلی ضوء هذه الآیة: الحجاب تکلیف مسلّم ولاضیر به، لا أنه «حقّ» الذي هو أمر اختیاري.
لکن الأمر الهام جداً في هذه الآیة هو کلمة «الجلباب»، فقد فسرت في اللغة والروایات عن صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله و في نهج البلاغة أیضاً وتعابیر الشعراء وکلام المفسرین، أنها غالباً وکثیراً تعني: الستر بأکمله. «فالجلباب»: ستر وغطاء یستر ویغطی به البدن من أعلاه إلی أسفله، مضافاً إلی أن الخصوصیة الثانیة فیه هي: أن یکون هذا الستر والغطاء فوقي، یعني أن یکون ستراً وغطاء فوق ستر وغطاء.
فهل في ذلک العصر یطلق لفظة «الجلباب» علی نوع خاص من الستر والغطاء؟ أم أنه قابل للتعمیم علی مطلق الجلباب؟
وأشیر هنا إلی بعض المعاني التي بیّنها بعض اللغویین، ویتحدد المراد بسهولة بمعنی «الجلباب». فقد فسر صاحب «مقاییس اللغة» لفظة «الجلباب»: بأنه «شیء یغشی شیئا»، یعني أن خاصیة «الجلباب» هي أنه شيء یغشي شیئاً بشکل کامل، لا ناقص، وهذه نقطة ینبغي الالتفات لها.
وفي «صحاح اللغة» للجوهري، وهو من الکتب المعتبرة في اللغة، عرّف «الجلباب» «بالملحفة»، ونصطلح علیها في عرفنا «باللحاف»، إذ یغطي ویستر البدن کله أثناء النوم.
وفسرها لسان العرب أیضاً: «الجلباب ثوب اوسع من الخمار»، والخمار هو: المقنعة،. جاء في بعض الآیات القرآنیة أن علی النساء: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، والخمار: مقنعة تغطي به المرأة الرأس والرقبة. وقال: الجلباب لکونه أوسع منه، فیقول أخیراً: الجلباب هو الملحفة، هذه ثلاث کتب ذکرناها تعتبر من أرکان معرفة اللغة العربیة تقریباً، یعني أنه لا یستطیع أحد أن یناقش في دورها وأهمیتها، ویقول: إنها لیست ملاکاً مثلاً.
ولو راجعنا کتب اللغة: سیکون معنی الجلباب: هو العباءة التي تلبسها المرأة في عصرنا الحالي ونوصي المرأة بها، والجلباب هو ستر کامل، فإن غطی قسماً ولم یغط القسم الآخر، فلا یسمی بالجلباب، بل الجلباب هو الذي یغطي ویستر کل البدن، وبعبارة أخری: کما یستفاد من مجموع کتب اللغة، أن المعنی الحقيقي و الاولي و الاصلي للجلباب هو الستر والغطاء الکامل.
إن لغات العرب لها معنی حقیقي، و تستعمل في بعض الاوقات مجازاً. فقد یستعمل «الجلباب» أحیاناً بمعنی «الخمار أو المقنعة» أیضاً، ولکن «الجلباب» بمعناه الاصلي عند مراجعة کتب اللغة العربیة، هو الشيء الذي یغطي ویستر کل البدن.
ولنذهب الآن إلی کتبنا باللغة الفارسیة، فقد جاء في قاموس مقامات الحریري :«أن الجلباب هو العباءة أو الستر والغطاء الفوقي الذي یلف به البدن»، فلا شک ولا تردید إذاً في اللغة بأن اللغویین عرفوا «الجلباب» «بالعباءة» أو ال« چادر »باللغة الفارسیة.
ولنراجع هنا کلمات المفسرین، ومنهم ابنعباس، من أهل السنة، إذ یعتمد کبار المفسرین علی کلامه کثیراً، فقد فسّر «الجلباب»: «الذي یَستُر مِنَ الفَوق الِی الاَسفل»، أما نهج البلاغة لامیرالمؤمنین(ع)، فهو عدا المعاني العالیة التي فیه، فقد اعتبره الکثیر علی أنه کتاب في اللغة المرجع أیضاً...
يعني مضافاً إلی المفاهيم، فقد لوحظ فیه جوانبه البلاغیة أیضاً...
لاقی الجانب البلاغي لطرف، توجهاً أکثر من الجانب اللفظي الذي استعمله أمیرالمؤمنین(ع) أیضاً. فمن کلامه علیه السلام أنه قال: «مَن اَحَبنَّا اهل البیَت فَلیَسَتعَد للِفقر جِلبابا»، فقد أضیف إلی هذه المفاهیم، جوانبها البلاغیة أیضاً... فالجانب البلاغي لطرف، لا إشکال في غیابه عن الجانب اللفظي الذي استعمله أمیر المؤمنیمن علیه السلام بمعنی الحیاء، ومن الواضح أن الحیاء یعم کافة الوجود و الاعضاء و الجوارح، وقد ذکر «الجلباب» في اشعار العرب أیضاً بمعنی الثوب الذي یستر کافة البدن من الأعلی إلی الأسفل.
وهناک شواهد و مؤیدات غیر هذه أیضاً سنبینها من التاریخ. فقد ورد في القضیة المعروفة من خطبة السیدة الزهراء علیها السلام: أنها عندما أرادت أن تخطب في مسجد النبي صلی الله علیه وآله : «لاثت خِمارها علی رأسها و اشتَملت بجلبابها»، فهو مضافاً إلی استخدام لفظة «الجلباب» في اللغة الذي هو ستر وغطاء کامل، فقد أضیف إلیها: أنها «لاثت بخمارها علی رأسها» فیکون ستر علی ستر.
الثوب الفوقي ...
نعم، لذا یعبر عنه صاحب مقامات الحریري: بستر وتغطیة فوق البدن. روي في الجزء الخامس من کتاب الدر المنثور للسیوطي، الصفحة 221، أن ام سلمة روت عن عائشة: عندما نزلت هذه الآیة الشریفة: «یدنین علیهن من جلابیبهن» خرج نساء الأنصار کأن على رؤوسهن الغربان من أکسیة». بل حتی ورد ذکر لون الکساء علی رؤسهن بأنه أسود «الغربان من اکسیة»، فالاکسیة جمع کساء، والکساء بمعنی قطعة الثوب السوداء اللاتي یتقنعن بها، یعني أن نساء الأنصار خرجن وعلى رؤوسهن الأکسیة السوداء. والشاهد والمؤید الآخر:
هو ما روي عن النبي صلی الله علیه وآله أنه قال: «لغير ذي محرم اربعة اثواب: درع، خمار، جلباب، ازار»، فالدرع هو الثوب، والخِمار هو المقنعة، و أما الجلباب فهو شيء اعتبره غیر الخِمار، وهذه الروایة اعتبرت ذلک شيء غیر الخمار أو المقنعة. وذکر ابن عربي المالکي في احکام القرآن: «اختلف الناس في الجلباب علی الفاظ متقاربة، عمادها: انه الثوب الذی یستتر به البدن»، وقد النسفي في تفسیره، وابو الفتوح في تفسیره أیضاً، واللاهیجي في تفسیره الشریف و عدة تفاسیر أخری صرح بها أیضاً: أن الجلباب هو العباءة.
وبالنتيجة: فسر اکثر اللغویین: «الجلباب» بالعباءة، وهؤلاء هم اللغویون الذین قبل قولهم في الفقه والحدیث و بنحو عام في کلام العرب. وقد ذکرنا هذه الشواهد والمؤیدات التي تدل علی أن «الجلباب» هو الشيء الذي یطلق علیه حالیاً «بالعباءة».
وغیر هذه في نفس الآیة، لدینا شاهدان آخران أیضاً یمکن عن طریقهما، استنباط أن لا یطلق «الجلباب» علی الخِمار و المقنعة، وأن لیس المراد «بالجلباب» في الآیة هو الخمار، فالآیة فیها «وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ»،و في آیة أخری «يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ»، هذه النقطة مهمة جداً، فهناک جاء «بِخُمُر»، و هنا جاء «مِن جَلابِیبِهِنَّ»، ف«مِن»، هنا تبعیضیة، یعني أنهن یأتین ویتسترن ببعض جلابیبهن، لیکون کالستار الذي یغطي، أما الشاهدان:
فأحدهما: کلمة «من»، والأخری کلمة «عَلیهن»، فیقول: «علیهن»، ولا یقول: «علی وجوههن»، و ینبغي الانتباه إلی هذه النقطة وهي أن الآیة لا تقول: «علی وجوههن»، بل تقول: «علیهن»، یعني أن یغطي ویستر الجلباب کل بدنهن، والخمار يعني المقنعة، بنحو لا یمکن الاستفادة منها ببعضها، أما الجلباب فأجل ما یضم من سعة، یستفاد منه لتغطیة وستر البعض منه، فالخمار و المقنعة یغطیان ویستران الرأس، لذا قال: «بخمرهنّ»، ولم یقل: «من خمرهن».
غایة الأمر أن نقول: لو أراد البعض أن ینصف في القول، وکان محققاً باحثاً، ویبحث في اللغة العربیة حقیقة لیری أن «الجلباب» في أي معنی یمکن أن یستعمل؟ وما مفهومه؟ سوف لن یتردد في أن یکون معنی «الجلباب» هو العباءة.
نعم، استعمل أحیاناً مجازاً في «الخمار أو المقنعة»، ویمکن أن یستعمل مجازاً أیضاً في «الثوب»، «و هذا المعنی المجازي هو الذي أوقع البعض في الخطأ، فاعتقدوا أن أحد المعاني الحقيقية للجلباب هو الخمار و المقنعة، مع أنه مضافاً إلی الفارق اللغوي، فإن القرآن الکریم فرّق بين الخمار و الجلباب»، اما المعنی الاصلي الذي اعتمده اکثر اللغویین وفصحاء و شعراء العرب، نهج البلاغة، والکتب الأخری، فهو: أن الجلباب هو العباءة.
ولو شاء أحد حقیقة أن یردّ هذا الکلام، ویقول إنه لم یرد شیئاً في القرآن الکریم عن العباءة، فکیف یفسر هذه الآیة إذاً؟ فالکل قد فسر هذه الآیة بهذا الشکل، وهو أنه ینبغي أن یکون للمرأة حجاب فوقي کامل، نعبر عنه نحن بالعباءة، ولا یحتمل في هذه الآیة أبداً أن یکون الجلباب بمعنی الثوب أبداً، إذ یظهر من خلال الحکمة التي ذکرت في الآیة (ذلک ادنی ان يعرفن) عدم وجود أي تناسب بین الثوب وبین هذا التعلیل والحکمة، وبناء علی هذا، ما یصدر حالیاً من بعض الأقلام، وقالوا: إن أحد استعمالات لفظة «الجلباب» هي في الثوب أیضاً، فعلیه، فإن ما یمکن أن یلبس هو من الرقبة إلی الأسفل، وهذا هو ناتج عن التعمد من عدم الوصول إلی الواقع و الحقيقة.
ومن له قدراً من التبحر والمهارة الکافیة والفطنة في استعمالات العرب وفي الآيات القرآنیة، فبإمکانه أن یفهم جیداً أنه لا یمکن أن یفهم لفظة «الثوب» من لفظة «الجلباب» الواردة في الآیة أبداً، وذلک لأنه: أولاً: لا یتناسب هذا مع الحکمة المزبورة. وثانیاً: لا یتناسب مع «الادناء».
فالجلباب ینبغي أن یکون ثوباً یکون الأمر بالادناء بالنسبة له أمراً قابلاً للتحقق، وهذا لا یصدق في الثوب، وعلی أي حال، لا تردید في أن یکون «الجلباب» مفسراً من قبلنا بالرداء الکامل، أو هو الخمار والمقنعة، وعلی أي حال، الآية الشريفة تدل بوضوح علی وجوب ستر وتغطیة شعر الرأس للمرأة، والوجه والرقبة والصدر کذلک أیضاً.
وینبغي أن لا یغفل عن هذا المورد وهو: أن کلمة الخمار و المقنعة لا تستعمل عند العرب إلا للمرأة فقط، اما کلمة «الجلباب» فهي عامة، قد استعملت في الرجال أیضاً، وهذا المطلب قرينة جیدة علی أن «الجلباب» أوسع من المقنعة.
وبغض النظر عن دلالة الآية و خاصة الدلالة علی معنی الجلباب، ادعی جماعة أن هذه الآية مختصة بعصر الرسول الاكرم (ص) و لیس فیها اطلاق.
نعم ،ادعی البعض: أن هذه الآیة متعلقة بعصر رسول الله صلی الله علیه وآله، واستغل بعض الشباب المنحطین هذا في إیذاء النساء، رغم أن هناک نقطتان في غایة الأهمیة في هذه الآیة یردّان هذا الاحتمال أحدهما أنه وردت هنا کلمة «نساء المؤمنین»، یعنی کافة النساء المؤمنات الی یوم القیامة، و لا تقول النساء المؤمنات في عصرک، أو النساء المؤمنات اللواتي یتعرضن للإیذاء. تقول: «نساء المؤمنین»، سواء تعرضن للإیذاء في عصرک أو غیرهن، فمضافاً إلی الفرق اللغوي، هناک فرق في القرآن الکریم بین الخمار و الجلباب، أما المعنی الأصلي في الآیة: فإنه لم یقل: إنهم من یتأذین فقط، هن اللواتي علیهن أن یستفدن من الحجاب.
السؤال الآخر هنا هو: لأي شيء جاءت کلمة «قل» في الآیة الشریفة؟ هناک موارد أخری أیضاً وردت في القرآن الکریم قد بدأت ب«قل»، وبعض التکالیف بدون هذه الکلمة مثل:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ» ، اما کلمة «قل» التي وردت في بعض التکالیف،مثل:« إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ اْلآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ» أو «قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى»او«قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ.. » فهو یرید أن یبین مطلبین في مثل هذه الموارد:
أحدهما: أصل إبلاغ التکلیف، و ثانیهما: أن یا رسولنا! علیک أن تهتم بهذا الأمر وتتابعه، وما یقوله: «قل یا ایها النبی...»، لیس معناه أن قل مرة واحدة و اذهب لشغلک وعملک، فقد أثبت في مباحث التفسیر أن کلمة «قل» لأجل أن یقول لرسول الله أن علیک أن تتابع ذلک، وفي عرفنا: إن أرادوا أن یقولوا: ینبغي أن تقال هذه المسألة، فإنهم یقولون لشخص اذهب، وقل، وهذا لیس بمعنی اذهب وقل فقط، بل یعني اذهب وتابع القضیة واهتم بها، والنقاط الموجودة في الآیة توضح جیداً أن هذا الامر، تکلیف واضح و مسلم من التکالیف الالهیة، بأن یکون للنساء«جلباباً»، ولا یمکن لأحد أن یشک أو یتردد في هذا المعنی، ثم قال بعد ذلک: «ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ»، یعني «یعرفن بانهن من اهل العفة»، فلو وضعت المرأة العباءة علی رأسها، یقولون في المجتمع: إن هذه المرأة من أهل العفة والطهارة، وأنا لا أرید أن أقول: إن کل امرأة لبست العباءة هي من أهل العفة والطهارة طبعاً، فالحقیقة هي لیست کذلک تماماً، ولکن هذه هي أحد العلائم الظاهریة، ترید أن تعلن عنها في الظاهر، أنني من أهل العفة والطهارة والنزاهة، ومن الطبیعي أن المرأة لو أعلنت عن مثل ذلک، فسوف لن تکون عرضة للشباب المستهترین وذوي الشهوات بسوء، ولن یلاحقها أي منهم أبداً، وأعتقد أن وجوب لبس المرأة العباءة بالاستفادة من هذه الآیة یکفي بهذا القدر لکافة النساء إلی یوم القیامة.
إذاً علی ضوء النقاط التي تفضلتم ببیانها، فإن ما یعرض الیوم علی أنها اشكالاً للحجاب الاسلامي بغیر العباءة، لا تعتقدون أنه حجاب اسلامي
الجلباب شيء یغطي ویستر من الرأس إلی أسفل القدم، و مضافاً إلی تغطیة وستر الرأس و القسم الأعظم من البدن علی نحو یصدق علیه العفة و العفاف، فهذا في فرض أن یغطي ویستر کافة خصوصيات جسم المرأة أیضاً، یعني أن لا تکون «الجبّة» لها عنوان الجلباب أبداً. والمقنعة التي تغطي و تستر الرأس والرقبة فقط لیست جلباباً، (وقد أکدت آية الخمار تأکيداً هاماً علی تغطیة وستر الجيوب يعني الرقبة و اطرافها) والجلباب هو ذلک الغطاء الکامل الذي یغطي و یستر من أعلی الرأس إلی أسفل القدم، و هذا لا یکون سوی العباءة أو «الچادر» المتعارفة الیوم في عصرنا،ولیس شیئاً آخر.
وقد تحدد من القول الذي نقلناه عن أم سلمة عندما نزلت الآیة، أن قد خرجن نساء الأنصار کان على رؤوسهن الغربان من أکسیة، حتی قالوا: إن بعض صحابة النبي صلی الله علیه وآله قالوا: أن کساء المرأة ینبغي أن یکون بحد لا یری منه سوی عینیها، لتتمکن من مشاهدة ما هو أمامها، واستدل بعض فقهائنا بهذه الآیة: أن تغطیة وستر العین لازم أیضاً، لکن البعض قال بعدم لزوم تغطیة وستر الوجه والیدین، هذا في مورد أصل الدلالة، وینبغي التوجه إلی هذا المطلب و هو: أن البعض یعتقدون أن هذه الآیة الشریفة هي في مقام التمییز بین المرأة الحرة والأمة، وقد قال الله سبحانه وتعالی: «یدنین علیهن من جلابیبهن ذلک أدنی أن یعرفن»، وللإجابة علی هذا التفکیر الباطل ینبغي القول:
أولاً: بعد مراجعة التاریخ یتضح أنه قبل نزول هذه الآية الشريفة، أن هناک فرق بین المرأة الحرة والأمة تماماً، فقد کن النساء الإماء یرتدین ثیاباً خاصة بهن، وکان الجمیع یعلم بأنهن إماء.
ثانیاً: لبیان هذا المطلب، لا حاجة بعد ذلک أن یتوجه تکلیفاً علی العنوان العام علی نساء المؤمنين.
السؤال الآخر حول کون الحجاب اجتماعياً أو غیر اجتماعي. لأن البعض نفی أخيرا حتی هذه المسألة
نعم، السؤال المهم هو: هل أن الحجاب أمر فردي أم اجتماعي؟ وهل هو مثل صلاة الصبح یقوم الفرد بأدائها في بیته علی أنها تکلیفاً شخصیاً، أم أمراً اجتماعیا؟ ولو کان هناک آیات تدل علی وجوب الحجاب، فعلینا أن نحللها وفسرها، فقد جاء هذا التعبیر في آیات القرآن: «ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ»، وفي الآیة 53 من سورة الاحزاب المبارکة: «وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ»: أن هذا خاص بنساء النبي صلی الله علیه وآله الذین کانوا یأتون من الخارج فیدخلون إلی بیت النبي صلی الله علیه وآله، فیدخلون إلی الغرف و الحجر بغتة، فنزلت الآیة «وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب»، یعني أن یکون بینکم وبینهن حجاب وستر، لا أنتم ترونهن ولا هن یرونکم، و شاهدي علی ذلک، ما استتبعته الآیة بقوله عزوجل: «ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ»، ویستفاد من آيات الحجاب جیداً أن وجوب الحجاب یعتبرمن الاحکام الاجتماعية في الاسلام، في الوقت الذي له آثار فردية أیضاً، فالاحکام الفردية و الشخصية هي: أن تتعلق بالأشخاص والأفراد فقط، و لا تأثیر لها في المجتمع، وفي فقه الاجتماع یمکن أن نعد الحجاب هو أحد الواجبات الاجتماعية، فیکون لمفهوم و حقيقة الحجاب اساساً معنی و تفسير في العلاقات الاجتماعية.
یعني أن هناک حلقات لوجود افراد آخرین في هذه الاثناء یجعل له ماهية حكماً اجتماعياً....
إن معنی هذا هو: ان الحجاب سبب في طهارة قلوب الجماعة و المجتمع، یعني أن الله تبارک و تعالی إنما شرع الحجاب اساساً لأجل أن تبقی قلوب البشر علی طهارتها ونظافتها، لماذا؟ هذا واضح. إذ عندما یلتقي شاب وفتاة وهما في أوج و منتهی لذاتهما الجنسیة العمیاء، ستکون وسوستهما امراً طبیعياً، یعني أن الغرض الأصلي و النهائي لله تبارک و تعالی، هو طهارة قلوب الجمیع، رجالاً کانوا أم نساء، وهذا التعبیر یدل جیداً بأن الحجاب هو امر اجتماعي، جاء في سورة النور، الآیه 30: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى»، یعني أن هذه هي سبب الطهارة.و هذا مشهود وواضح تماماً بأن ...
الحدیث عن المجتمع لا الفرد...
نعم، البحث لیس عن الفرد، البحث عن المجتمع، وأن الله تبارک و تعالی، إنما شرّع الحجاب لسلامة المجتمع، وبقطع النظرطبعاً عن هذه الادلة القرآنیة، یظهر من ماهیة الحجاب أنه شرع لصیانة النساء من التعرض لهن بسوء، وهذا مفید لهذه الطائفة وللآخرین أیضاً، فالسیدة المحجبة تحفظ نفسها، وتمهد لإزالة غطاء الفساد والمعصیة الذي یمکن أن یحصل للآخر، فاتضح إذاً أن الحجاب هو امر اجتماعي. ویطرح في هذه الأیام هذا السؤال الهام وهو: هل یمکن للحکومة أن تتدخل مباشرة في مسألة الحجاب أم لا؟
یتفرع علی هذا السؤال، سؤال أهم وهو: عندما یکون حکم بهذه الدرجة من الاهمیة في الاسلام بأن یحسب من ضروریات الدین، فلماذا لم یوجب الشارع المقدس حداً أو تعزیراً للسفور أو عدم رعایة الحجاب، وإن اعتبر لهما ذلک فما هو؟
علینا أن نری بدایة أن سبب سلامة المجتمع، أننا نعبر عنه ببيان دیني: «بطهارة القلوب»، إذ لا شک في هذا الأمر، ففي المجتمع اللادیني یکون سبباً في سلامة المجتمع أیضاً، فهل أن کل حکومة دینیة و غیر دینیة لا ینبغي لها أن تلتفت أو تهتم بذلک؟ و لم تحدد له برنامجاً ومشروعاً معیناً؟ و کلامي أولاً هو هذا: أننا لو کنا نعیش في مجتمع له حکومة غیر دینية، فیلزم لطهارة و سلامة المجتمع، أن یراعی حداً من الحجاب، لیکون سبباً في تنظیم العلاقات في المجتمع.
واما في الحکومة الدینیة فضرورة هذا الامر أوضح و أکثر شفافیة، ونشیر هنا إلی آیتین من القرآن الکریم، مع ذکر هذه النقطة و هي أن هذه المطالب تبیّن لأشخاص یبحثون عن الحقیقة، لا عن الخداع والزیف أو التحایلات والتبلیغات السلبیة السیاسیة أو العلمیة المسمومة و المندسة، بل یریدون أن یعرفوا هذه المرة أيّ آیات موجودة في القرآن الکریم حول الحجاب؟
الآیة الأولی ، الآیة 13 من سورة الشوری: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا»، «وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ»، «وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى»، فما هي الغایة من هذا التشريع إذاً؟ یعني یا نبي الله کل ما شرعنا لابراهیم و موسی و عیسی، مضافاً إلی الدستور الجدید، فقد شرع لک أیضاً: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ»، یعني أن أحد مسئولیات انبیائنا المهمة: هي اقامة الدین، و هم غیر ملزمین بابلاغ الدین فقط، بأن یأتوا لیبینوا الدین...
الاقامة اعم من الابلاغ..
الاقامة مرحلة أهم من الابلاغ، یعنی التمشیة والتطبیق، فاقامة الصلاة یعني أن تحققوا الصلاة بکافة شرائطها و لوازمها، أما المعنی المترسخ في أذهان البعض: أن المراد بإقامة الصلاة، ینحصر بإقامة صلاة الجماعة! فلیس له هذا المعنی وحده، إذ إن إقامة الصلاة یعني أن یصلي بکافة خصوصیاتها وشرائطها بصورة صحیحة.
ومعنی اقامة الدین أیضاً أن یطبق الدین بشکل صحیح في المجتمع، وکما أنزل الله تبارک و تعالی، أنه لم یرسل الأنبیاء و الرسل لیبینوا الدین فقط ثم یذهبوا لقضاء أشغالهم وحوائجهم ویقولوا: هذا الدین، شأتم أن تعملوا به، و إلا لا، فنشاهد أن البعض یتمسکوا بآیات کقوله :«إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا» ،یتمسکون بها ویقولون: إن وظیفة رجال وحکام الدین الذین یبینونه للناس، إما أن یقبله الناس أو یرفضوه، «إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا»، مع أن وظیفة الحاکم الدیني هي إقامة الدین، وعلیه أن یطبق الدین في المجتمع.
الآیة الأخری: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ» یعني أن هدف الحکومة الدینیة هو إقامة الصلاة و إیتاء الزکاة و الامر بالمعروف و النهي عن المنکر، فلو کانت حکومة دینیة، لکنها لاتهتم بأمر صلاة الناس، فهل أنهم یصلون أم لا؟ یزکون أم لا؟ یامرون بالمعروف وینهون عن المنکر أم لا؟ فهذه الحکومة لیست حکومة صحیحة.
وطبقاً لهاتین الآیتین: علی الحاکم الدیني أن یعمل بمسؤلیاته و وظائفه تجاه الأحکام وخاصة ضروریات الدین، والعمل بتکالییفه بشکل کامل، أما کیف یمارس وظائفه، فهذا بحث آخر، لکن هذا التوهم باطل، وهذا التفکیر خاطئ وغیر صحیح أن نقول: لا یحق للحکومة أن تتدخل في حجاب الأفراد، وهذا لا ینسجم مع معتقداتنا و مبادئنا الدینیة. هاتان الآیتان هما الدلیل الاول لهذا المطلب.
الدلیل الثاني هو: لا شک في أن الحجاب من مصادیق المعروف، فعندما نراجع کتبنا الفقهیة في موضوع الامر بالمعروف، فإن الکثیر من الفقهاء یقولون: إن أحد مصادیق المعروف هي الواجبات، وحتی إن أحد مصادیقه هي المستحبات أیضاً، و إن المنکر یشمل الحرام وحتی المکروه أیضاً، وطبعاً هناک تعابیر أخری أیضاً حول المعروف في الکتب الفقهیة، لا أرید أن أذکرها هنا، ولکن الفقهاء قبلوها کلها کمسلمات، یقول المحقق في الشرائع: «المعروف هو کل فعل حسن»، «و المنکر کل فعل قبیح»، ویشبه هذا التعبیر ما ذکر عن المحقق في کلام سائر الفقهاء، فالامر بالمعروف و النهي عن المنکر، واجب و فرض علی الاشخاص وعلی الحکومة أیضاً...
ابتدع البعض بدعة في تعریف المعروف أیضاً،و قالوا: المعروف لزوماً لیس فعل الواجب و المستحب، بل عنصر مكمل بنفس المعنی الظاهري و اللغوي للمعروف، أي بمعنی أن هذا المعروف، هو معروف عند کل الناس، والجمیع یعرفه
أولاً: لا تنحصر ادلة الامر بالمعروف بعنوان المعروف، بل ورد في البعض عنه عنوان «الخير»، «ولتکن منکم امة يدعون الي الخير»، و لو احتمل في لفظ المعروف أن یکون معروفاً عند الأکثر، (بسبب لفظ العرف)، لکن هذه الخصوصیة غیر متوفرة في لفظ «الخير»، ولا یمکنه أن یقول شیئاً بعد ذلک، لأنه واضح، فالخیر هو ما کان في نفسه خیراً، سواء عرف الأفراد أم لم یعرفوا، وقد فسر المحقق الاردبيلي «الخير» في زبدة البيان بالدين او مطلق الامور الحسنة عقلا او شرعاً.
ثانیاً: لو راجعنا کتب اللغة، فلیس«المعروف» هو أن یکون معروفاً لزاماً عند کافة الناس، وإن کان «المعروف» یعني الشيء الذي هو حسن عند أهله، فهذا صحیح، و نحن أیضاً نقول: إن الواجبات عند المتشرعین والمتدینین تلقوها علی أنها أمر حسن، ولکن لا في کتب اللغة ولا سائر المآخذ أن یقال: إن «المعروف» هو الذي یقبله الجمیع أو الأکثر، وأن یعرفوه بعنوان «المعروف».
او حتی یعرفه الجمیع...
صحیح، إذا أردنا أن نقول هکذا، فإن الکثیر من الأفعال العقلائیة والمرضیة قد لا یقبلها البعض، و لا یفعلونها، بل یخالفونها أیضاً، فلیس الأمر کذلک أن نقول: «المعروف» هو الشيء المقبول عند الجمیع.
فمثل هذا المعروف لیس له وجود خارجي اصلاً
نعم،«المعروف» هو الشيء الحسن ذاتاً،وأشیر إلی هذه النقطة أیضاً و هي:أن علی الحکومة أن تتخذ إجراءات تجاه من یجهل حالیاً أن الحجاب هل هو واجب أم لا؟و تتخذ إجراءات بحق من یعلم أن الحجاب أمر واجب و لا یراعي ذلک و یخالف؟ لکننا نرید أن نقول: إننا لو دخلنا في مقولة الحسن والقبح العقلي، فإن من یقبل الحسن والقبح العقلي، یقول: الحسن هو الذي توجد في ذات الفعل مصلحة، إذ من الممکن أن یکون هناک الکثیر من الأفعال یوجد فیها المصلحة ولکن یجهل بها الکثیرون.
او لا یعرفونها اصلاً...
إذا قبلنا الحسن و القبح العقلي، أو قلنا بالوجوه و الاعتبارات، فهذا هو تفسیر آخر، إذ في کافة التفاسیر التي فیها الحسن والقبح العقلي، لم یأت أي متکلم أو أصولي لیعرّف «الحسن» فیقول: «الحسن» هو «حسن عند الجمیع»، والجمیع یعلم أنه حسن، فالکثیر یغفلون عن ذلک أساساً، ولا ینتبهون لهذا الحسن في الفعل.
فإذا اتضح أن «المعروف» هو مصداق بارز للواجب البتة، فسیضم في النهایة ادلة الامر بالمعروف و النهي عن المنکر بشکل کامل، و یشملها، الآیة الشریفة 104 من سوره آل عمران: «وَ لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»، إذ ینبغي أن تتواجد جماعة في المجتمع الاسلامي یامرون بالمعروف و ینهون عن المنکر. وإن ما کان یقوله الإمام الخمیني قدس سره في أوائل الثورة الإسلامیة: «أننا نطالب بتأسیس وزارة للأمر بالمعروف والنهي عن المنکر» یستمد جذوره من هذه الآیة المبارکة: أن تکون مؤسسة قویة توضع لها ضوابط دینیة قویة لتکون الجهة التنفیذیة لإقامة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر في المجتمع،ولکن مع الأسف لیس لدینا مثل هذه المؤسسة،فکما أن الامر بالمعروف و النهي عن المنکر واجب علی الافراد،فهو واجب علی الحکومة أیضاً.
شكل و نوع اداء هذه الوظيفة هو محل سؤال أو شبهة أیضاً.فدخول الحكومة بشکل عملي إلی هذا المجال:أي شيء یعني؟ و ما هو مبناه في ذلک؟
المسألة المهمة هي أن البعض یقولون: إننا نقبل المسألة إلی هذا الحد، وهو أن الحجاب واجب، وأنه من المعروف، وأن للحکومة مسؤولیة أیضاً تجاهه، غایة الأمر أن یکون ذلک علی حد الإرشاد وتقدیم النصائح.
عندنا في الفقه عدة عناوین، فأحد الموارد التي صرح به الفقهاء ـ ذکره الإمام الخمیني قدس سره في تحریر الوسیلة، وهناک من قال به من الفقهاء قبله، کالشهید الثاني في شرح اللمعة و فقهاء آخرون أیضاً ـ : إن من اختیارات وتفویضات الحاکم الاسلامي ـ سواء الامام المعصوم(ع)، أو نائبه الخاص أو العام ـ هو مراقبة تطبیق وتنفیذ احکام الدين: «کل من ترک واجباً او ارتکب حراما فللامام(ع) و نائبه تعزیره بشرط ان یکون من الکبائر»، إذ الکبائر ذنوب ومعاصي تستحق العقاب، هذا الشرط متعلق بارتکاب الفعل الحرام، أما في ترک الواجب، فلیس هناک قید، فعلی الحاکم الإسلامي أن یراقب حتی في الواجبات ذات الأهمیة القلیلة أیضاً، لکي لا تترک، فکیف به إذا وصل الأمر إلی واجبات، کالحجاب، الذي یتمیز بأهمیة خاصة، ومن الواضح طبعاً أن ترک الحجاب یعد من الذنوب الکبیرة.
وقد ورد في الروایات أن الله یعذب المرأة التي لا تلتزم بالحجاب، والملاک في الکبیرة طبعاً هو أن یذکر له عقاب في القرآن الکریم، وقد قلنا في محله أیضاً: إن الملاک في الکبیرة هو أن الشارع لو اولی اهتماماً بالنسبة لعدم ارتکاب الذنب والمعصیة، فأنه یستفاد منه أن هذا المورد هو من الذنوب والمعاصي المهمة....
ولو أنه لم یذکر في القرآن الکریم.
إنه وإن لم یذکر الوعد والوعید بالعذاب لمرتکبیه، لکن الملاک هو أن یکون ذا أهمیة کبری للشارع، فالآیة في سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَ بَنَاتِكَ وَ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ»، یعلم منه أهمیة المسألة، أن یأمر النبي صلی الله علیه وآله بمتابعة ذلک، ویقول للجمیع أن یلتزموا بالجلباب ورعایة الحجاب.
یقول الامام الخمیني قدس سره في تحریر الوسیلة: «کل من ترک واجباً او ارتکب حراما فللامام(ع) و نائبه تعزیره»، هذا «بشرط ان یکون من الکبائر» وقد جاء هذا في عبارة الامام قدس سره، لکن ورد في أحد النصوص الفقهیة، في غایة المراد: «و یعزر کل من ترک واجباً او فعل محرما قبل ان یتوب بما یراه الحاکم» یعني أنه من واضحات فقهنا أن الحاکم ـ یعني المجتهد الجامع للشرائط ـ، إذا کان لا یترک واجباً ولا یرتکب حراماً، فله صلاحیة التعزیر. قال البعض: إن التعزیر، إن کان له أثر، وقال البعض الآخر: إن کان له أثر،أو لیس له أثر، فبإمکانه أن یعزر، فما هو التعزیر؟
من مصادیق التعزیر هو حبسه، ومن مصادیقه أیضاً ضربه بالسوط، ومن مصادیقه دفعه غرامة مالیة، وتشخیص نوع المجازات هو من اختیارات الحاکم، وما یشن الیوم من هجمة شرسة ضده: أن لماذا تتدخل الحکومة في هذه المسائل؟ و أنها من المسائل الشخصیة؟ ففي اعتقادي لیس لهؤلاء أي خلفیة فقهیة بشکل جامع وکامل، إذ إن دائرة حکومة الحاکم تصل إلی المسائل الشخصیة للأفراد أیضاً.
ففي هذه الآیة التي أشیر الیها: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ»، مع أن الصلاة أمر شخصي، ولیس أمراً حکومیاً أو اجتماعیاً، إلا ما روي عن أمیر المؤمنین علي علیه السلام أنه قال: «امرنا رسول الله(ص) ان نلقي اهل المعاصي بوجوه مکفهره»، لیفهموا أن علیهم أن لا یعصوا الله.
نعم، ینبغي في حال تنفیذ هذه الأمور، أن تتحدد في إطار معین، وأنا أقول هنا إنها مباني نظریة، ولا أشیر إلی کیفیة التطبیق والتنفیذ، و من الواضح هنا أن تتخذ خطوات تخصصیة في هذا المجال. وأنا أرید أن أعلق علی کلام من یقول: أن لا دعم علمي و نظري له. فأقول: هذه المسألة من واضحات الفقه: أن من یترک واجباً أو یرتکب محرماً، فسیعزره الامام المعصوم(ع) و النائب الخاص او النائب العام، او یتخذ إجراءات بحقه، وجذور ذلک یعود إلی قوله: «کلکم راع و کلکم مسئول عن رعیته»، إننا لسنا مسئولین عن أعمالنا فقط، ونحن لا نرید أن نقول إن ولایة الفقیه او الحق الذي خصص للمجتهد، هو إمکان شرع في اختیار وتصرف الانسان، یرید من خلاله أن یستخدم نوعاً من الدکتاتوریة أو الابتزاز، بل علیه أیضاً أن یعمل لله ولإصلاح ذلک الشخص، ویکون هدفه وغایته هي هدایته وسعادته فقط.
وعلی أي حال، هذه هي أیضاً أحد النقاط التي جاءت في فقههنا، وقال بها أکثر الفقهاء. أما النقطة الأخری: فقد ورد في روایاتنا أن علی الناس المتدینین أن یقفوا بوجه أهل المعصیة بوجهة مکفهرة، لیفهم أولئک أن هذا خطأ وغلط، فإذا تعامل المسئول في النظام الإسلامي بوجه بشاش مع المسیئين للحجاب، عدّ هذا مخالف للأدب والوظیفة الدينية. المقصود هو أن یکون التعامل بنحو یبدي فیه نوعاً من الکراهیة والاشمئئزاز والاستیاء من هذا الفعل الحرام، روی الامام الصادق علیه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «امرنا رسول الله(ص) ان نلقي اهل المعاصي بوجوه مکفهره»، لیفهم أنه لا ینبغي أن یعصی الله عزوجل، ومن الواضح طبعاً أن المقصود باهل المعصية هم من یعصون عن علم و معرفة و قصد، أما من یجهل أنه معصیة، فلا یشمله هذا الحدیث.
والنقطة المهمة هنا: أنه لو تعامل کل واحد من أفراد المجتمع مع هذه الظاهرة السلبیة وأهل المعصیة بهذا الأسلوب: أتنتفي هذه الوظیفة والمهمة عن الحکومة؟ من الواضح أن للحکومة هذه الوظیفة والمهمة من باب أولی، بل إن قیامها بها أهم من قیام الأفراد بذلک.
حتی في حال عدم تحقق ولاية الفقيه، هل أن هناک مصداق لتطبیق وتنفیذ هذه المسألة؟
نعم، ولو توسعنا في ذلک، و قلنا: إن لم تکن حکومة، فبإمکان عدول المؤمنین القیام بذلک، و لو لم یکن محل للمجتهد الجامع الشرائط أیضاً، و استطاع الافراد حقیقة أن یشخصوا الموضوع بشکل صحیح، مراعین في ذلک کافة جوانبه، فظاهر الادلّه هو: أن المؤمنین بإمکانهم القیام بهذا التعزير. نعم، ینبغي رعایة النظم و ترک الفوضی، ورعایة قیود أخری یمکن أن تستعرض، و لکن مع غض النظر عن هذه القیود والظروف، فإن هناک وظیفة من الناحیة العلمیة والفقهیة.
في التاریخ موارد عدیدة أیضاً. نعم، هناک موارد عدیدة سابقة.
النقطة الرابعة هي أنه سبحانه و تعالی قال للنبي صلی الله علیه وآله: «قل» یعني: تابع، وعلی وسائل إعلامنا أن تتابع هذا البحث بشکل مستمر، فلو جاءوا وأنتجوا برنامجاً، ثم ذهبوا إلی شغلهم، و کأن لم یکن شیئاً مذکوراً، فهذا العمل غیر صحیح، بل ینبغي الاستمرار فیه ومتابعته، والانسان الذي یعلن عن فسقه، فإنه یضع نفسه في منزلة یحاول من خلالها الاستهانة بحرم الله، و من یستهین بحرم الله، فلیس له حرمة عند المؤمنین.
و أقول هنا هذه النقطة لکي لا یشکلون علینا بعد ذلک، أن أقول:یا سیدي أي بیان هذا للدین؟ نعم، لو قالت سیدة: لیس لي بشکل واضح إن الحجاب واجب و عندما سألت الآخرین أین ورد ذلک في القرآن؟ لم یبین لي أحد ذلک بصورة صحیحة، فلا نقدر أن نقول: إن سوء الحجاب فسق؟ و لا یجوز التعامل معه أیضاً؟ بل ینبغي في المرحلة الأولی تعلیمه.
روي أن جماعة قالوا لأمیر المؤمنین علي علیه السلام: إن شخصاً أسلم، وشرب الخمر، فهل نحده أم لا؟ فقال علیه السلام: اسألوه هل قرأ علیه أحد آیة حرمة الخمر أم لا؟ و هل سمع ذلک بأذنیه أم لا؟ فإن لم یقرأ له أحد ذلک، ولم یسمع، فلا یؤذیه أحد. إن هناک فرق بین من یجهل ذلک، وبین من یقول: أنا أعلم أن الله أوجب الحجاب، لکنني أرید أن أخالف فحساب أولئک یختلف عن حساب هؤلاء وعلی الحکومة أن تعرض علیهم برامج مختلفة في هذا الصدد.
ومن هذا المنبر أقول: لقد شاهدت برامج علمیة وفنیة جیدة بثتها القنوات التلفزیونیة والإذاعیة حول الحجاب، وإقامة ندوات بهذا الخصوص، لکن مع الأسف، ینسون أن تستمر مثل هذه البحوث والبرامج، ولهذا یقول الله سبحانه وتعالی للنبي صلی الله علیه وآله: «قل»یعني تابع، وعلی وسائل إعلامنا أن تستمر و تتابع عرض هذه البحوث، أما أن ینتجوا برنامجاً، ثم یذهبوا وراء عملهم ویترکوا الأمور علی هذا المنوال، فهو عمل غیر صحیح، بل ینبغي الاستمرار به و متابعته،لتعلم بناتنا ونساءنا أن للحجاب جذور دینیة،وإن أوجبه الله،فلماذا أوجبه؟!لتطهر بذلک قلوبهن وقلوب المجتمع،وذلک من أجل الحفاظ علی أنفسهن.
وقد اشتهرت هذه الجملة عن المرحوم الشهید مطهري: «أن الحجاب لیس محدودیة،بل صیانة»، ولهذا جذور قرآنیة أیضاً، فالقرآن یقول: إن الحجاب قد شرع لصیانة المجتمع، لحفظ المرأة، وحفظ الرجل، وینبغي بیان کافة أبعاده بصورة صحیحة و شفافة.