تصريحات آية الله محمد جواد فاضل اللنكراني(دامت بركاته) في القناة الرابعة للتلفزيون بشأن خاتمية نبي الاسلام بتاريخ 94/10/15
10 جمادی الاول 1437
12:33
۷,۰۱۸
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
خاتمية النبي الاكرم(ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد و آله الطاهرين ولعنة الله على أعداهم اجمعين
أهنأ جميع المسلمين والشيعة بميلاد النبي الاكرم خاتم الانبياء محمد(صلى الله عليه واله وسلم) وهكذا ميلاد امام المذهب الشيعي الامام جعفر الصادق(عليه السلام) كما اتمنى ان يستفيد جميع المسلمين لا سيما الشيعة في مثل هذه الظروف التي يعيشها العالم اليوم من بركات هذين المولدين المباركين حتى نشاهد تطبيق الاهداف الاسلامية القيمة المتمثلة بمذهب اهل البيت(عليهم السلام).
الكلام حول مسالة خاتمية النبي الاكرم(ص) التي هي من المواضيع المهمة جداً في المعارف والعقائد لا سيما العصر الحاضر والتي ينبغي ان تبحث ابعادها من قبل اهل التحقيق والنظر من الحوزويين والجامعيين واصحاب الفكر، ونعتقد ان دين الاسلام هو اكمل الاديان وان نبينا هو اخر الانبياء قد بعث من قبل الله تعالى الى البشرية ولا يبعث بعده نبي من قبل الله تعالى الى يوم القيامة.
مفهوم الخاتمية
هناك عند بحوث مطروحة في مسالة الخاتمية
البحث الاول: ما هو معنى الخاتمية وهل هي من ضروريات الاسلام؟ فهل الخاتمية تعني ان الانسان قد وصل من ناحية التكامل العقلي الى حد يستغني به عن ارسال الرسول والنبي الجديد من قبل الله تعالى؟ ويستفاد من بعض المؤلفات انها تؤمن بهذه الفكرة وهي: ان الامم السالفة لم يتكامل العقل البشري عندها بالمستوى المطلوب الذي يحقق لديها استعداد لتقبل الدين الكامل، لكن الامة في اخر الزمان لديها هذا الاستعداد( وان الناس واهل العلم يعلمون ان اخر الزمان قد بدأ من صدر الاسلام وان هذه الامة هي امة اخر الزمان).
فهل ان الخاتمية حقيقة بهذا المعنى وان الله تعالى قد لاحظ ان البشرية على مرحلتين من العقلانية وان الامة الثانية لا تحتاج الى الرسول؟ او ان الخاتمية لا بد من تحليلها ونفسرها بقطع النظر النمو العقلي للبشرية؟ وطبعا مما لا سبيل الى انكاره هو ان الناس قد تغير فهمهم وعلمهم وثقافتهم بمرور الزمن، وهم في تطور دائم وقد ازداد تدبيرهم وعقلانيتهم واتسع ذلك.
ولا يمكن ان نقبل النظرية الاولى وهي انه بما ان الله تعالى رأى ان عقل البشرية وتكامله في مرحلتين وان المرحلة الثانية عقلها متكامل فلا حاجة الى ارسال نبي جديد. فمن يؤمن بهذا ويفسر الخاتمية بهذا المعنى فلا ريب انه سيبتعد بالتدريج عن محتوى النصوص الدينية وما جاء به الوحي، وسيأول به الامر الى ان يقول ان الله تعالى قد رأى البشرية على مستويين من العقل وانها في المستوى الثاني لا تحتاج الى نبي جديد، والان قد وصل عقل البشرية بعد الف واربعمائة سنة الى حد انه يمكن ان يفسر الظواهر بنفسه بلا حاجة الى الوحي ومن المعلوم ان هذا الكلام باطل، اذن فليس هذا معنى الخاتمية بل الخاتمية التي تعد من ضروريات الاسلام هي ان دين الاسلام هو اكمل الاديان اي ان الله تعالى لم يجعل احكاما غير الاحكام التي جعلها في الاسلام، وان الله قد ذكر في القران الكريم كل ما يكون في مصلحة البشرية الى يوم القيامة من القوانين والاصول حيث قال: «اليوم اکملت لکم دينکم و اتممت عليکم نعمتی و رضيت لکم الاسلام دينا»، اي ان الخاتمية يجب ان ندرسها في هذا المجال وهو ما فرق دين الاسلام عن الاديان السابقة؟
ان الاديان السابقة لم تكن اديان وشرائع كاملة، هناك كثيرة من الاحكام الموجودة في الاسلام لم تكن موجودة في الشرائع السابقة من جملة اسباب ذلك ان البشرية في ذلك الوقت لم يكن لها استعداد فكري لتقبل هذه الاحكام وهناك موانع ومسائل اخرى ايضا.
البحث الثاني: في فهم معنى الخاتمية هي انه حينما نقول انه لا يأتي نبي بعد هذا النبي من باب ان الله تعالى شرع للبشرية دينا كاملا وجامعاً و وضع من يبينه الى يوم القيامة ومن هنا فالخاتمية لا يمكن ادراكها من دون قضية الامامة فلو فصلت الامامة عن مسألة الخاتمية فلا يكون للخاتمية معنى واضح..
الخاتمية مستبطنة في وصية رسول الله(ص): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي» فان القران الكريم هو الدستور والقانون الجامع وعترة النبي الاكرم(ص) هي المفسر الواقعي للقران الكريم حيث ان العترة مطلعة على جميع تعاليم و اوامر الله تعالى وجميع تفاصيل الدين اذن فلا حاجة مع وجود هذين الثقلين الى ارسال رسول جديد. وبعبارة اخرى: اولا:ً ان الشريعة في الاديان السابقة لم تكن كاملة وثانياً: لم يكن لديها حجج واوصياء كما للنبي الاكرم(ص)، ومن هنا يجب ارسال نبي اخر في الامم السالفة، الا ان هذين الامرين غير موجودين في الدين الاسلامي فكما ان الدين كامل كذلك يوجد من يبين الدين بصورة دقيقة وكاملة فلا حاجة الى ارسال نبي اخر.
بناء على هذا فان مسألة ان الناس في اخر الزمان قد وصلوا الى التكامل العقلي لا يمكن قبولها نعم هناك روايات بشأن زمن الظهور تدل على هذا المعنى حيث ورد: «إذا قام قائمنا وضع الله يده علی رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وکملت به احلامهم»[1]، فان الله تعالى يكمل عقول البشرية وينميها بمقدار بحيث لا يمكن ان نقارنها بزمننا.
ولكن هذا يختلف عما يقال بما ان الامة في اخر الزمان قد تكاملت من الناحية الثقافية والفكرية والعقلية فهي لا تحتاج الى نبي، فان هذا التعبير في معنى الخاتمية غير صحيح. بل الخاتمية تعني ان الله تبارك وتعالى القى الحجة على الناس من خلال ركنين الاول: هو القانون والتشريع والثاني: هو المفسر والمبين لهذا التشريع والقانون فان هذين الركنين باقيان الى يوم القيامة وهذه الخصوصية غير موجودة في اي شريعة واي دين فلم يكن دينهم كاملا ولم يجعل لهم الامام المعصوم المفسر لدينهم.
الخاتمية والبرهان العقلي
من جملة المسائل التي تبحث في مسألة الخاتمية هي انه هل يوجد للخاتمية برهان عقل؟ فان اكثر المباحث العقائدية مثل التوحيد والنبوة والامامة لها براهين عقلية كثيرة الا ان الخاتمية هي مسألة لا نستطيع ان نستدل عليها بالبرهان بقطع النظر عن القران الكريم والروايات، وطبعا قد قيل في بيان وتوضيح مفهوم الخاتمية وحقيقتها ان الانسان حينما يتصور هذا المعنى فيمكنه ان يقول بهذه النتيجة وهي ان الخاتمية تتحقق في امرين: الف: ان الدين والقانون الالهية كامل. ب: ان هذا القانون الكامل يفسره الامام المعصوم من الخطأ والاشتباه الذي يكون علمه متصل بالعلم الالهي.
ومن الممكن بطبيعة الحال ان يطرح السؤال التالي: فكيف تتصور الخاتمية في زمن الغيبة؟ والجواب ان أئمتنا في زمن الغيبة قد جعلوا لنا مراجع وهم الفقهاء الجامعين للشرائط فأذا كان كذلك فلا حاجة الى ارسال الرسول من قبل الله تعالى.
نحن نعتقد ان القران الكريم هو المعجزة الخالدة فما هو المقصود من ذلك؟ المقصود ان المعجزة الخالدة لرسول الله(ص) هي عبارة عن القران الكريم، وهذا من جملة نقاط افتراق الاسلام مع سائر الاديان فانه وان كان في سائر الاديان كتاب وقانون الا ان ذلك الكتاب الالهي لم ينزل بعنوان انه معجزة فان التوراة نزلت من قبل الله تعالى ولكن ليس بعنوان انها معجزة النبي موسى(ع) وكذا الانجيل والزبور فانهما لم ينزلا بعنوان انهما معجزة.
واما القران الكريم فانه نزل بعنوان انه معجزة خالدة، وقد كان للانبياء معاجز كثيرة ولكنها مؤقتة وتختص بزمانهم فان تحول العصى الى الثعبان او احياء الموتى وشفاء المرضى كلها معاجز وقتية للاديان السابقة واما الدين الاسلامي فمعجزة النبي الاكرم(ص) هي عبارة عن القران الكريم وهي لا تختص بزمانه بل هي معجزة خالدة ودائمة فهي معجزة في صدر الاسلام وفي زماننا هذا وفي كل زمان الى يوم القيامة. ونعتقد ان القران الكريم يتحدى الناس اجمعين في كل لحظة كما كان يتحدى في صدر الاسلام حيث قال «فاتوا بسورة مثله» ولم يتمكنوا ان يأتوا بمثله.
والان لم يتمكنوا من الاتيان بمثله ولا يتمكنون الى يوم القيامة اذن فالبرهان على خاتمية النبي الاكرم(ص) هو الكتاب الذي هو المعجزة الخالدة. والى جانب هذه المعجزة الخالدة حجة الهية بالغة اخرى وهو وجود المعصومين(ع) بعد رسول الله(ص) وقد تبين التكليف ايضا في زمن الغيبة وهو الرجوع الى رواة الحديث والنتيجة انه لا حاجة الى بعث رسول جديد من قبل الله تعالى.
اذن فانه وان لم يوجد برهان عقلي على الخاتمية الا ما ذكرناه من الادلة يغني عن البرهان العقلي.
الخاتمية في القران الكريم
هناك ايات كثيرة في القران الكريم تدل على خاتمية النبي الاكرم(ص) من جملة تلك الايات هي الاية الشريفة 40 من سورة الاحزاب المباركة: «ما کان محمدٌ أبا أحد من رجالکم ولکن رسول الله و خاتم النبیین» ولعل هذه الاية هي اهم الايات التي تصرح بخاتمية النبي الاكرم(ص) وطبعاً ان شأن نزول الاية هو عبارة عن زواج رسول الله(ص) من امرأة زيد الذي هو تبناه الرسول(ص) ومن هنا تشير الاية الى نفي ابوة النبي النسبية لاحد من الناس، حيث تقول «وما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين».
وقال البعض ان خاتم النبيين يعني زينة النبيين، وحيث ان ما يلبس في اصبع اليد زينة سمي خاتماً، فلعل المراد من الخاتم هنا يعني زينة الانبياء والجواب على ذلك: اولاً: ما هي المناسبة التي تربط الزينة بشأن نزول الاية الكريمة؟ وثانياً: لم يرد في اي كتاب لغوي ان معنى الخاتم الزينة فان جميع كتب اللغة العربية تطلق الخاتم على ما يلبس بالاصبع ولكن ليس من باب الزينة بل من باب ان الملوك والعظماء كانوا يختمون الرسائل والكتب التي يرسلونها بالختم الموجود في خاتمهم.
فيقال لما يلبس بالاصبع خاتم لان الخاتم يعني النهائي ومن هنا يعلم بطلان كلام البهائية الذين فسروا الخاتم بالزينة وانكروا الخاتمية وهو من انكار الضرورية في الاسلام فان القران ضرورة من ضرورات الاسلام فكلامهم باطل لانهم لم يفسروا الخاتم بالمعنى الصحيح له.
قال بعضهم انه قد ذكر في هذه الاية خاتم النبيين فما هو الاشكال لو لم يرسل نبي وانما يرسل رسول؟ والجواب ان كل ما يصدق عليه رسول فهو نبي وان كان هناك اختلاف بين النبي والرسول من حيث المفهوم ولذا فان كان النبي خاتم النبيين فهو خاتم الرسل ايضاً وعليه فهذه الايات لها دلالة واضحة على خاتمة النبي الاكرم(ص).
الاية الاخرى التي تدل على الخاتمية هي الاية الثالثة من سورة المائدة: «اليوم اکملت لکم دينکم و اتممت عليکم نعمتی و رضيت لکم الاسلام دينا»، بالشكل الذي تقدم لمعنى الخاتمية فان الدين هو دين جامع وكامل ونعتقد ان الله تعالى قد علم بواسطة علمه المطلق جميع المصالح والمفاسد وما يحتاجه البشرية الى يوم القيامة ثم شرع على طبق ذلك دين الاسلام.
وهناك ملاحظة مهمة ممكن ان تخطر في ذهب البعض وهي ان الدين الذي قد مضى عليه 1400 سنة ونزل على العرب في ارض الحجاز و يوجد فيه بعض الثقافات العربية كيف يمكن ان ينفعنا اليوم؟
فمن يعتقد هذا فمن المعلوم ان الدين الذي هو خاص بمنطقة معينة ولسان معين وثقافة معينة فلا ينفع المناطق الاخرى في نفس ذلك الزمان فان الاسلام في ذلك الزمان كان لجميع الناس في مختلف بقاع الارض فهل كانت الحجاز هي الوحيدة على الارض في ذلك الحين.؟ افلم تكن ايران والروم في ذلك الحين؟! كل هذه المناطق كانت موجودة اذن فلا يمكن لاحد ان يدعي ان الاسلام جاء لاهل الحجاز فحسب.
فان الله تبارك وتعالى لم يجعل الاسلام لجميع الناس في ذلك الزمان فحسب بل نعتقد ان الله تعالى قد لاحظ جميع احتياجات البشر الى يوم القيامة وشرع الاسلام ليلبي جميع مطلبات واحتياجات البشرية الى يوم القيامة، فالله تعالى حينما يقول في الاية الكريمة: {اليوم اكملت لكم} فهو يشير الى معنى دقيق وهو الامامة وقد ذكرنا ذلك في مباحثنا التفسيرية، فالامامة حقيقة الدين ونعتقد ان البشرية لا يمكن ان تقف ولا يمكن ان ينسد عليها الطريق في اي مسالة سواء كانت فردية او اجتماعية سياسية او اقتصادية عرفانية او اخلاقية معنوية او مادية مادامت تتمسك بالامامة.
ان كمال الدين هو ان الله تعالى قد جعل في حقيقة الدين ثقلا وهو ثقل الامامة بحيث يمكن الحفاظ عليه الى يوم القيامة من خلال الامامة وهذه الاية من جملة الايات التي تدل على هذا المعنى بشكل واضح.
ومن جملة الايات الاخرى التي تدل على ذلك هي الاية الكريمة 30 من سورة الروم حيث قال الله تعالى: «فأقم وجهک للدين حنيفاً فطرة الله التی فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلک الدين القيّم»
فان من جملة خصائص الاسلام هو ان جميع قوانينه مطابقة للفطرة الانسان فلا يوجد في الاسلام قانون او حكم ليس فيه منبه عقلي او عقلائي واحيانا لا يتمكن العقل ان يتعرف على ملاكات وفلسفة الاحكام والقانون الالهي ولكن حينما نرجع الى الاحكام بشكل عام نجد انها تنسجم مع فطرة الانسان.
من الايات الاخرى التي يمكن ان يستدل بها على الخاتمية هي الاية التاسعة من سورة الاسراء المباركة وهذه متناسبة جدا مع هذا الموضوع. حيث قال الله تعالى: {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} اي ان الانسان اذا اراد ان يعمل عملا صالحاً ليس مشوبا بالباطل فلا بد ان يلتمس الهداية من القران الكريم فالله تعالى يقول مادام ان القران الكريم يهدي الى التي هي اقوم فلا حاجة الى ارسال نبي ولا يوجد احكام اخرى مادام ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم.
فان قلنا ان هذا الطريق هو افضل الطرق فلا معنى لان يوجد طريق اخر افضل منه؟ ولعله يمكننا ان نلتمس البرهان العقلي على الخاتمية بهذا التعبيرات وان قلنا سابقا انها لا برهان عقلي لها ولكن نقول بهذا البيان انه اذا كان الدين يبين اقوم الطرق وارصنها للبشرية فلا يمكن ان نتصور دينا يبين اخر يبين طريقا افضل منه فلا يوجد دين اخر يبين ذلك حتى يرسل الله تعالى نبياً يبشر به. وعليه فمن جملة الايات التي تدل بشكل واضح على مسألة الخاتمية هي الاية الكريمة الانفة الذكر.
والاية الاخيرة التي نشير اليها هي الاية 33 من سورة الاسراء «هو الذی أرسل رسوله بالهدی و دین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون»، وعليه فبما ان هذا الدين يكون غالبا على كل دين اذن فلا يتصور دين فوق هذا الدين وطبقا من المحتمل ان يطرح احتمال اخر في هذه الاية بالنسبة الى القضية المهدوية وذلك اذا ارجعنا الضمير في كلمة «كله» الواردة في قوله تعالى «ليظهره على الدين كله» الى الدين فيكون المعنى لا بد من ان يأتي يوم يكون الدين غالبا على جميع الاديان وذلك اليوم هو يوم ظهور الامام الحجة(عج).
على اي حال فالمستفاد من الاية الكريمة في مسألة الخاتمية هو ان الدين يتضح لجميع البشرية الى حد لا يختار الناس دينا غير دين الاسلام اي ان دين الاسلام يكون غالبا على جميع الاديان ولا يتصور دين فوق دين الاسلام فهذه الايات تدل دلالة واضحة على ان خاتمية النبي الاكرم(ص) وخاتمية الشريعة الاسلامية من المسائل المسلمة والضرورية في دين الاسلام.
الملاحظة المهمة في مسألة الخاتمية التي قد لا يلتفت اليها الكثير هي ان الدين الاسلام هو دين مبني على ان كل مسلم يؤمن بهذا الدين يجب ان يؤمن ايضا بان التوراة والانجيل الحقيقان ومن هنا جاء في الاية الكريمة: «وَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ»[2].
فالمؤمن هو من يؤمن برسول الله والانبياء السابقين وهذا يعني ان الاسلام هو الدين الجامع لكل حقائق الاديان السابقة فان ما يقال من ان الاسلام ناسخ للشرائع السابقة صحيح بمعنى ان انتهاء نبوت الانبياء السابقين وبدأ نبوة جديدة، اما لو فهم احد من هذه الكلام ان جميع احكام الاديان السابقة قد نسخت فهذا الفهم على خلاف القران الكريم فان القران الكريم فيه ايات كثيرة تدل على ان الاسلام مصدق للاديان السابقة حيث قال الله تعالى: «وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ»[3]فهو مصدق لما جاء في التوراة والانجيل اي ان الانسان المسلم يجب ان يؤمن بالتوراة الحقيقة فهو يؤمن بنبوة موسى(ع) في ذلك الزمان وبأحكامه.
نعم ان هذا المبحث دقيق جداً ففيه جنبة تفسيرية وجنبة كلامية، وقد بحثنا هذا المطلب في مباحث الاصول بشكل مفصل ويترتب عليه اثار فقهية واصولية كثيرة من جملتها انه بناء على هذا كلام لا نحتاج الى استصحاب الشرائع السابقة.
اذن فمع وجود هذا الدين المتضمن لجميع حقائق الاديان السابقة وقد جاء بهذه الحقائق بشكل اكمل وقد اعطى الله تعالى لبشرية دينا كاملاً وجعل من يفسره ويبينه لاحاجة الى ارسال نبي جديد وقانون جديد.
اخلاق رسول الله(ص) الحسنة
من اهم الابحاث وافضلها في سيرة رسول الله(ص) هي الاخلاق التي يتحلى بها رسول الله(ص) وينبغي لاهل النظر الاهتمام به بشكل دقيق.
يقول الله تبارك وتعالى بشأن اخلاق النبي الاكرم(ص){وانك لعلى خلق عظيم} وهذا الامر مهم جدا ًوهو ان جميع السماوات والارض ليست امراً عظيما ولكن خلق رسول الله(ص) عظيم. و قد اهتم القران الكريم بمسألة اخلاق رسول الله(ص) حيث جاء في سورة ال عمران: «وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»[5] وکان الناس حينما يجلسون الى جنب رسول الله(ص) يشعرون بالاطمئنان فان رسول الله(ص) كان يعيش مع الناس بقلب رحيم رؤوف يعيش معهم كالاب العطوف، الى حد ان كل من كان لديه اي مشكلة يذهب الى رسول الله(ص) من دون اي قيود حتى كانت الناس تزدحم على رسول الله(ص) فانزل الله تعالى اية في ذلك تبين شروط واداب خاصة للدخول الى رسول الله(ص) ومن هذا يعلم انه لم يكن هناك اي صعوبة في اللقاء مع رسول الله(ص).
وقد ورد في سورة المؤمنين قول الله تعالى لرسوله(ص): «ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ»[6] من جملة الملاحظات الاخلاقية المهمة جداً التي كان يهتم بها رسول الله(ص) هي انه لم يكن يرد الاساءة بالاساءة ولكنه كان يجب الاساءة بالاحسان بامر من الله تعالى وطالما كان الناس يستهزؤن برسول الله(ص) ويؤذونه ويسيئون اليه والتأريخ مليئ بهذه الامور ولكن رسول الله(ص) لم يقابل ذلك باي خشونة او عنف.
كان بعض اصحاب رسول الله(ص) يقولون لرسول الله(ص) العن هؤلاء وادعو عليهم كما كان الانبياء يلعنون امتهم ويدعون عليهم بالويل والثبور فيجيبهم رسول الله(ص) «إني لم أبعث لعّانا» اني رحمة للعالمين ولم أبعث لألعنهم، ولم يكن يلعن أحداً أبداً فاللعن معناه الطرد من رحمة الله. بينما كان رسول الله(ص) يسعى لان يقرب الناس من الله تعالى بحيث يكونوا من اهل الجنة فكانت سيرته معنوية واسلامية وانسانية.
فهذه القضية هي قمة اخلاق رسول الله(ص)، ذات يوم كان رسول الله(ص) جالساً فمرت من امامه جنازة فقام رسول الله(ص) احتراماً لتلك الجنازة فقال احد اصحاب رسول الله(ص) ان هذا الشخص الذي يشيعونه مسيحي وليس مسلماً فقال رسول الله(ص) وان لم يكن مسلماً ولكنه انسان مثلنا، فان رسول الله(ص) يحترم الانسانية، هناك اية في القران الكريم في سورة المؤمنين هي من جملة الاصول الاخلاقية المهمة وقد انزلها الله تعالى على رسوله وعمل بها وهي قوله تعالى: «إدفع بالتی هی احسن السيئة» ان رسول الله(ص) کان يعامل اعدى اعدائه بالاخلاق والمداراة ولم يكن لينتقم من احد.
فحينما نلاحظ اوامر النبي الاكرم(ص) التي كان يوجهها إلى جنوده في الحروب نجد أنه لا تصل الى قمتها ارصن القوانين الوضعية في العالم حيث يوصي النبي الاكرم(ص) قادته وجنوده ان لا يؤذوا النساء والصبيان والشيوخ والمرضى ولا يتعرضوا لهم.
وهناك روايات كثيرة ينبغي على العالم الانساني الاطلاع عليها حتى يفهم جيداً ان نبينا نبي الرحمة وهو مظهر رحمة الله تعالى حيث ورد عن النبي(ص) هذا المضمون وهو لو ان الكفار يعيشون في منطقة ما وكان المسلمون يتمكنوا من القاء السم في مائهم ويتم القضاء على جميعهم فلا يحق لهم ذلك العمل ولذا ورد عن رسول الله(ص) انه: «نهي عن يلقي السم في بلاد المشرکين». وقد ذكر بعض الفقهاء مستدلا بهذه الرواية انه لا يجوز ذلك حتى في صورة الاظطرار.
ان سلوك النبي الاكرم(ص) مع الاطفال واهتمامه بقضاء حوائج الناس يضرب به المثل، فان نفس رسول الله(ص) كان له دور كبير في حل مشاكل الناس.
من جملة ذكريات المرجع اية الله العظمى الحاج الشيخ محد فاضل لنكراني(رضوان الله تعالى عليه) في لقائه مع احد مسؤولي الدولة هي انه قال: لدي مطالعات كثيرة في الاسلام فان تأليفات الشيغ تربو على المائة مجلد واكثرها كتب اجتهادية واستدلالية) ولكن اعلم انه يجب ان تأتي بالواجبات واترك المستحبات واخدم الناس واقض حوائجهم فان سألوك يوم القيامة فقل بكل اطمئنان وجرئة قال لي ذلك «فاضل».
ولعل في كلمات السيد الامام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) ما يشبه هذا الكلام فان والدنا كان يقول لا اظن انه يوجد في المستحبات افضل من خدمة الناس فهذا الكلام يبين اولاً عظمة الدين الاسلامي فان دين الاسلام دين قضاء حوائج الناس والاهتمام بهم وحل مشاكلهم فان رفع الغم والهم من قلب المؤمن يعدل مئات الصلوات الزيارات والمستحبة والحج المستحب ولدينا روايات كثيرة في هذا المجال.
فهذا المطالب التي ذكرها يمكن الاستدلال عليها بالنصوص والروايات الكثيرة غاية الامر انه بين هذا المطلب ببساطة وكل سهولة وقد كان هو كذلك فان اناسنا لا سيما اهالي قم الثوريين والمتدينين وبالاخص طلاب الحوزة العلمية يعلمون انه كان يحل مشاكل الناس وحتى الان لم ينس الناس مساعدة الوالد لهم، مثلا كان من عادته ان يوزع الطعام في كل شهر رمضان ويوزع عدة اطنان من الارز والدهن بين الفقراء ونشكر الله تعالى ان هذه العادة مستمرة حتى الان.
ومن جملة اعماله الحسنة انه كان يؤسس لبناء المدارس وكانت بداية هذا العمل بسبب كتابه الذي كتبه الى السيد الامام الخميني(قدس سره) حيث انه قد سمع ان هناك مدرسة ابتدائية في قضاء نيروكاه في مدينة قم يذهب اليها الطلاب في ثلاثة مراحل «صباحي عصري مسائي» تأذى من ذلك فقام بتأسيس جمعية الجهاد لتأسيس المدارس.
فهذه نبذة مختصرة جداً من الاخلاق العظيمة لرسول الله(ص) والائمة الطاهرين(ع)، فاذا كانت هذه الخصال في مراجعنا العظام فذلك لانهم اخذوا ذلك من رسول الله(ص) والائمة المعصومين(عليهم السلام) ومن الدين الاسلامي، حقيقة ان للناس قيمة وحرمة عند الدين الاسلامي الى حد انه يأمر من يساعد الناس بالسعى ان لا يري نفسه للناس حين المساعدة كي لا يرى ذل السؤال على وجوههم.
والسلام عليکم و رحمة الله و برکاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ کافي 1/25/کتاب العقل و الجهل.
[2] ـ سورة البقرة: 4.
[3] ـ سورة المائدة: 48.
[4] ـ سورة القلم: 4.
[5] ـ سورة آلعمران: 159.
[6] ـ سورة المؤمنون: 96.