التوفيق بين علم الإمام الحسين (علیه السلام) بشهادته وتخطيطه للمعركة (القسم الأول)
12 ذیقعده 1440
20:33
۳,۲۰۲
خلاصة الخبر :
وقد تناول سماحته القسم الاول من هذا الموضوع في ندوة علمية تحت عنوان(التوفيق بين علم الإمام الحسين (علیه السلام) بشهادته وتخطيطه للمعركة) بتاريخ 95/7/12 وتفاصيل هذه الندوة كالتالي:
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمين و صلی الله علی سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علی اعدائهم اجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
الحمدلله رب العالمين و صلی الله علی سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علی اعدائهم اجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
«علم الإمام بالغيب»
أوّلاً: البحث القرآني في علم الإمام بالغيب
استعرض الآيات في علم الغيب، وهي على ثلاث طوائف:الآيات الدالّة على انحصار علم الغيب بالله تعالى.
الآيات الدالّة على أنّ الأنبياء والرسل يعلمون الغيب بإذنه تعالى.
الآيات النافية لعلم الغيب عن الأنبياء والرسل وحتّى النبي (صلّى الله عليه وآله).
الطائفة الأُولى: وهي الآيات الدالّة على انحصار علم الغيب بالله تعالى، كقوله تعالى: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله»، هذا التركيب يدلّ على نفي الغيب بنحو مطلق عن غير الله تعالى، حيث حصرت علم الغيب بالله (عزّ وجلّ).
وقوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ».
وقوله تعالى: «فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لله»، حيث حصرت الغيب بالله تعالى بأداة الحصر.
وقوله تعالى: «وَلله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ».
وقوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ».
وقوله تعالى في عدّة مواضع: «لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».
قد فسّر بعضهم مفاتح الغيب بالخزّان، ولكن لا بدّ من تفسيره بمعنى أدقّ، وأنّ مفاتح الغيب وعلّام الغيوب ينحصران بالله تعالى.
وهذه الآيات غير قابلة للتخصيص والتقييد، وسيتضح كيفية الجمع بعد ذكر طوائف الآيات.
الطائفة الثانية: وهي الآيات الدالّة على أنّ الأنبياء والرسل يعلمون الغيب بإذنه تعالى، أو النبيّ (صلّى عليه وآله) يعلم الغيب.
أوّلاً: الآيات الدالّة على أنّ الأنبياء والرسل يعلمون الغيب بإذنه تعالى:
كقوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا...».
فهل الرسول في الآية الكريمة يختصّ بالرسول، أو يعمّ الرسول والنبي؟
يظهر من بعض المفسّرين اختصاصه بالرسول، ولا سيّما في قوله تعالى: «وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ»، حيث يُستفاد منها أنّ مقام الرسالة أعلى من مقام النبوة، وعليه يُعطى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) علم الغيب.
وقال آخرون: يختلف معنى الرسول والنبي لو ذكرا معاً، ولو ذُكر أحدهما خاصّة فيشمل الآخر، وعليه الرسول في الآية يشمل النبيّ أيضاً.
وقوله تعالى في الآية المتقدّمة: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»، لا تدلّ على أنّه يُطلع رسوله بكلّ الغيب، بل هي مبهمة من هذه الجهة، وتدلّ بنحو الموجبة الجزئية على اطّلاع الرسول على غيبه.
ثانياً: الآيات الدالّة باطّلاع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على الغيب
كقوله تعالى: «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ».
وقوله تعالى: «تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ».
ولا تدلّ هذه الآيات باطّلاع النبي بكلّ غيبه ليقابل الطائفة الأُولى: «وَلله غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، و «لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا الله».
الطائفة الثالثة: الآيات النافية لعلم الغيب عن الأنبياء والرسل، وحتّى النبي (صلّى الله عليه وآله).
كقوله تعالى: «لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ»، فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ينفي عن نفسه العلم الذي استأثره الله، فإنّ علم الغيب على نحوين: علم مستأثر، وعلم اطلعه رسله، كما ذكره العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ولا ينفي عن نفسه مطلق علم الغيب؛ وعليه يبطل ما استدلّ بعضهم في مقدّمة كتابه في عاشوراء أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لا يعلم الغيب، فكيف بالإمام الحسين (عليه السلام)، فهو لم يفهم الآية ولا فهم عاشوراء، فإنّ الآيات على ثلاث طوائف، الطائفة الأُولى: تدلّ أنّ جنس علم الغيب وذاته يختصّ بالله تعالى، والثانية: تدلّ على أنّ بعض علم الغيب وبنحو الموجبة الجزئية عند الأنبياء والنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بإذنه تعالى، والطائفة الثالثة: وهي النافية لعلم الغيب عن الأنبياء، فكيف نجمع بينها؟
فطائفة تدلّ على أنّ علم الغيب في جميع الموارد في اختيار الله (عزّ وجلّ) ولا يعلم الغيب غير الله، والطائفة الأخرى تدلّ على أنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) يعلمون الغيب بنحو الموجبة الجزئية على اختلاف، فمنهم مَن يقول: إنّ الأئمة (عليهم السلام) يعلمون بالأحكام خاصّة، ومنهم من يقول بعلمهم بما كان، وما يكون، وما هو كائن؛ وهو بالنسبة لعلم الله موجبة جزئية.
ومن الآيات النافية لعلم الغيب عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قوله تعالى: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون».
وقوله تعالى: «قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا».
وقوله تعالى: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ».
سؤال: لماذا نفى النبي (صلّى الله عليه وآله) الغيب عن نفسه في قوله تعالى: «لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ»؟
الجواب: كان النبي (صلّى الله عليه وآله) مأموراً بنفي الغيب عن نفسه؛ لأنّ الله أعطى حرفين من ثمانية وعشرين حرفاً من حروف الاسم الأعظم لعيسى (عليه السلام) بإذنه، يُحيي الموتى، ويُبرئ الاكمه والأبرص بهما، وأعطى موسى (عليه السلام) أربعة أحرف، وأعطى النبي (صلى الله عليه وآله) وأئمّتنا (عليهم السلام) أكثر من ذلك، كما أُعطي أنبياء آخرون عدداً آخر من الاسم الأعظم.
ووجدت في كتاب المرحوم والدي (قدّس سرّه) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) نفوا علم العيب عن أنفسهم؛ لأنّ المجتمع لا يستوعب ذلك.
سؤال: بعد أن ثبت علم الغيب للرسول - بأحد المعنيين المتقدّمين للرسول - فهل يختصّ به، أو يعمّ غير الرسول ولو بنحو الموجبة الجزئية؟
الجواب: تارة نقول باختصاص علم الغيب بمَن يُوحى إليه، والآيات تدلّ بهذا المقدار «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ»، و «تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ»، ولا تشمل الأئمّة (عليهم السلام).
وأُخرى نقول: بالتعميم؛ فيشمل الأئمة، ويدلّ عليه مجموعة آيات:
الآية الأُولى: قوله تعالى: «وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».
بقرينة قوله تعالى: « اجْتَبَاكُمْ » من بين الناس نعرف أنّ المخاطب بـ «وَجَاهِدُوا» هو بعض الناس لا كلّهم، وهناك طائفة وجماعة غير الناس، والرسول شاهد على هذه الجماعة، وهذه الجماعة شاهدة على جميع أعمال الناس، ولا يراد الشهادة على خلقهم ولا الشهادة على وجودهم، بل الشهادة على أعمالهم، وإيمانهم، وكفرهم، وحبّهم، بغضهم، وصفاتهم، وما يرتبط بأعمال الناس، ولا سيّما في الأُمور الدينية، والآية مطلقة «شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» بالنسبة إلى جميع أعمال الناس، حتى الأعمال الشخصية، لذا ورد في الروايات: «نحن الشهداء على الناس».
والشهادة فرع العلم، فلا بدّ من العلم، وعليه فالشهداء - وهم الأئمة (عليهم السلام) - عالمون بجميع أعمال الناس، مَن تقدّم منهم ومَن يأتي لاحقاً، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) شاهد على الشهداء، لا فقط في حياته، بل بعد مماته، وكذا الأئمة شهداء في حياتهم وبعد مماتهم.
و هذه الآية أقوى الآيات بالنسبة إلى إثبات الإمامة وخصائصها.
وقد صرّح بعض مَن ينتسب للعلم في الآونة الأخيرة بأنّه لا توجد في القرآن الكريم آية تدلّ على حقيقة الإمامة، نسأله: ما تقول في هذه الآية: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ»؟ مَن المخاطب بقوله تعالى: «وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»؟ الآية ظاهرةٌ بل صريحة في الرسول والأئمة (عليهم السلام) حسب عقيدة الشيعة الإمامية.
الآية الثانية: الدالّة على علم الإمام بالغيب قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا».
والآية السابقة عنها: «وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ»، تدلّ على الوحي بالنسبة إلى الرسول، «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا»، أورثنا لا يشمل النبي (صلّى الله عليه وآله) فقط، بل يشمل جماعةً بعده «الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا»، يعني قوم بين الناس بعد النبي اصطفيناهم لوراثة الكتاب.
وقد ورد تعبير الاصطفاء في آيات أُخر من القرآن الكريم، كقوله تعالى: «إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»، يعني المصطفَون جماعة خاصّة، وليس جميع الناس، بل جماعة محدودة وهم الأئمة (عليهم السلام)، «أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ»، أي القرآن، ليس المراد من الكتاب التوراة أو الإنجيل، والوارث بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) هم أهل البيت (عليهم السلام) حسب الروايات في ذيل هذه الآية : «نحن الوارثون» والملازمة واضحة بين وراثة الكتاب وبين العلم به، وليست الوراثة بمعنى وجود الكتاب الظاهري عنده، الوراثة معناها الحقيقي هو العلم بالكتاب: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»، نحن نعتقد أنّ الأئمة هم العالمون بالكتاب، وعندهم علم الكتاب؛ لأنّهم الوارثون، والوارث يجب أن يكون عالماً بالكتاب.
وعلمهم بالكتاب لا ينافي انحصار علم الغيب بالله تعالى؛ لأنّ علمهم بنحو الموجبة الجزئية.
الآية الثالثة: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، والمراد بـقوله: « وَالْمُؤْمِنُونَ » حسب عقيدتنا هم الأئمة (عليهم السلام)، «فَسَيَرَى اللهُ» عبارة أُخرى عن الشهداء: {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس».
فتلخّص أنّ علم الغيب عند الله تعالى بنحو مطلق، وعند الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) بنحو الموجبة الجزئية، من خلال الآيات بغضّ النظر عن الأخبار.
ثانياً: البحث العقلي في علم الإمام بالغيب
الاستدلال العقلي في المقام حاصله أنّ الله تعالى وجودٌ غير محدود، وما سواه من الأنبياء، والأئمة (عليهم السلام)، والملائكة، فهم وجود محدود، ولا يمكن للمحدود أن يكون وعاء لغير المحدود، وإن اتهَمنا أهل السنّة بقولهم: إنّ الشيعة يرون أنّ أئمتهم يعلمون بكلّ شيء مثل علم الله بكلّ شيء، ولا يقول الفقهاء بذلك، وإن قاله بعض المفوّضة والمتصوّفة.وسيأتي أنّ حادثة عاشوراء لا تتوقّف على علم الغيب، ولكن لا بدّ من تنقيح علم الإمام بالغيب، واستفدنا من القرآن ثبوت علم الأئمة (عليهم السلام) بما يرتبط بأساس الإسلام والدين والرسالة وهداية الإنسان وسعادته وشقائه، وحادثة عاشوراء ترتبط بأساس الإسلام؛ فلا بدّ من علم الإمام الحسين (عليه السلام) بها.
وفسّر أمير المؤمنين (عليه السلام) الغيب بمعنى آخر، ففي القرآن الغيب مقابل الحضور، وكلّ ما لم يكن حاضراً في السموات والأرض يكون غيباً.
ثالثاً: البحث الروائي في علم الإمام بالغيب
يوجد في الروايات ما يقارب (25 أو 26) عنواناً من علم الإمام بالغيب، سنذكرها ونذكر شواهد على علم الإمام الحسين (عليه السلام) بما تؤول إليه قضية عاشوراء، ثمّ نتساءل: كيف نوفّق بين علمه (عليه السلام) بالنتيجة وتخطيطه للمعركة، وما هو توجيهه الشرعي والعقلائي؟سؤال: ما هي الضابطة لمقدار العلم الذي عند الأئمّة؟
الجواب: حسب حاجتهم، ففي سورة يوسف: «رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ»، والمناسبة بين قوله: «رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ»، و«عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ»، هو أنّ إعطاء الملك يقتضي إعطاء العلم الذي يحتاجه الحاكم في ملكه، فإعطاء الإمامة ملازم للعلم بما يرتبط بالإمامة، وإعطاء الرسالة ملازم للعلم بما يرتبط بالرسالة، وهذه نكتة لطيفة ودقيقة لا يمكن الغفلة عنها.
كما يدلّ على علم الإمام قوله تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا»، هداية الإمام للناس تتوقّف على العلم.
إنّ الملاك في الإيجاب الجزئي أنّ كلّ ما يرتبط بالرسالة يجب أن يكون الرسول عالمًا به، وكلّ ما يرتبط بالإمامة يجب أن يكون الإمام عالماً به، من الأحكام والاعتقادات حتّى الموضوعات المهمّة، فقد يُقال بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية الجزئية لا ضرورة في المقام أن يعلم الإمام، وإن كان يعلم ويقدر على العلم، هنا توجد روايات أنّ الإمام إذا شاء (عُلِّم) أو (أُعلِم) على اختلاف القراءة.
ويدلّ على ذلك قوله تعالى: «فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»، يعنى بعد إعطاء الكتاب والحكمة أعطيناهم ملكاً، فلا معنى للملك بلا كتاب وحكمة ، وللبحث تتمّة تأتي في ندوات لاحقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته