دور العسر والحرج في الاحكام القضائية
25 جمادی الاول 1441
20:34
۳,۲۳۲
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع البحث دور الحرج والعسر في الاحكام وهو من المواضيع المهمة والاساسية في الفقه والابتلائية عند المجامع الطبية والقانونية، وعند القضاة والمحاكم، لا سيما ان هذا الموضوع هو مادة واحدة قانوية حول مسألة الاسقاط وقد طرح حول هذا الموضوع 62 سؤلا في اذهان المتصدين لهذه القضية.
وانا مضطر لان اتحدث بشكل سريع حول بعض المطالب والعناوين المهمة التي يمكن من خلالها الاجابة على كثير من التساؤلات.
الملاحظة الاولى كالتالي ان الحرج في القانون يعد احد العناوين والامور المجوزة لاسقاط الجنين وذلك القانون كالتالي: ( الجهاظ الطبي من خلال التشخص القطعي من قبل ثلاثة اطباء متخصصين بالاضافة الى تأييد الطب القانوني المبتني على اساس مرض الجنين وتشوهات خلقية فيه توجب ايقاع الام في الحرج او يكون الجنين موجبا لمرض المرأة ويهدد حياتها فان كل هذه العناوين تكون مسوغا لاسقاط الجنين).
وينبغي التأكيد على هذا الامر وهو ان الحرج في اللغة يستعمل في مطلق الضيق والصعوبة لا الصعوبة التي لا تتحمل. وان ورد في بعض كلمات الفقهاء ( لا يتحمل عادة) يعني الصعوبة التي لا تتحمل عادة، لكن لم يرد في اي قاموس لغوي معتبر هذا القيد ( مشقة لا تتحمل عادة) .
وفي الوقت الحاضر ان الفقهاء بناء على الاحتياط او التوجيه قد ذكر هذا القيد، فالحرج اي الضيق والمشقة لا المشقة التي تقرب الانسان من الموت قال ابن الاثير في كتاب النهاية: «الحرج فی الاصل الضیق» ويطلق على معان اخرى مثل الذنب او الحرام ثم قال: «و قیل الحرج اضیق الضیق» فيطلق على الضيق والصعوبة الشديدة، وقد عبر بقيل مما يدل على تضعيف هذا القول.
قد ورد كثيرا في فتاوى الفقهاء قيد لا تتحمل عادة ولكن السيد الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه قد افتى في احد المواضع على اساس معنى مطلق الضيق وذكر انه لو كان في يد الانسان الذي يريد ان يتوضع تشققات جلدية واذا توضأ بالماء سيضر الماء بتلك الشققات بحيث يكون صب الماء عليه فيه مشقة وصعوبة فان هذا المقدار يصدق عليه عنوان الحرج والمعنى الاصلي للحرج هو هذا المعنى وينبغي الالتفات الى هذه الملاحظة وهي لا ينبغي التشكيك كثيرا في هذا الامر هل وصل الامر الى الحرج او لا.
ان العسر والحرج له معنى واحد في الفقه من جملة الادلة التي تدل على قاعدة الحرج قوله تعالى «یرید الله بکم الیسر و لا یرید بکم العسر» ولا يوجد لدينا قاعدتان في الفقه مثلا قاعدة العسر والاخرى قاعدة الحرج وانما هي قاعدة واحدة.
وبناء على فاذا اصبحت الحياة الزوجية للمرأة حرجية فكيف يمكن توضيح هذا المعنى؟ هل معنى هذا ان الزوج يضربها الى حد توشك ان تموت؟ او يشل حياته؟ لا لا يشترط كل هذا بل يكفي ان تكون في حياتها مشقة عرفية وهذا الامر كاف.
وطبعا كما هو مذكور في الفقه ان الحرج لا بد ان يكون له عنوان زائد عن الصعوبات الطبيعية فان هناك مشقات طبيعية يمر بها كل انسان خلال حياته اليومية من قبيل تقلبات الحياة والفقر والمرض وغيرها من الامور فان الانسان يوما يكون بوضع وحالة جيدة ويوم يواجه صعوبات وتحديات فان هذه الامور لا يطلق عليها الحرج ولكن لو ازداد عن الحد الطبيعي بحيث لا تستطيع المرأة ان تتحمل زوجها فان هذا يكون من مصاديق الحرج ويخطر في ذهني ان المرحوم السيد كان يقول لو ان الرجل لم يعط الزوجة نفقتها فان للمراة الحق في الطلاق.
اذن فمهوم الحرج في الشريعة هكذا، حينما يقال ديننا هو الشريعة السمحة والسهلة فلا يستطيع القاضي ان يقول لا بد ان ارى ما هو الحرج؟ هل لا بد ان يوشك الانسان على الموت؟ الحرج عرفي فحينما توجد المشقة يأتي الخطاب لنفس هذا المشقة ويقول( ما جعل عليكم في الدين من حرج) فيجب الحفاظ على الجنين غاية الامر ان هذا الحفاظ على الجنين يكون حرجيا في بعض الموارد ويرافق بعض الصعوبات. وبالطبع ان المشقة الزائدة على المقدار الطبيعي والا فان نفس الحمل لمدة تسعة اشهر او تربية ذلك الطفل وما يتحمله الانسان تجاه ذلك من نفقة ومصاريف فيه صعوبات لكن هذه المشقة لا تعد حرجا لانها مشقة وتعب متعارف.
وقد ورد في هذه التساؤلات ان امرأة لديه ستة اطفال وهي حامل، والرجل ليس لديه مخارج هذا الطفل فهل يعد هذا حرج؟ ابدا ليس هذا من الحرج الحرج يعني المشقة الخارجة عن الحد الطبيعي والرزق بيد الله عز وجل ولاجل هذه المسائل الاقتصادية او هذا الكلام الذي انتشر اليوم ان تربية الطفل اصبحت من الامور الصعبة فلا اعلم هل سينحرف في المستقبل او لا؟ فهذا لا يصدق عليه عنوان الحرج.
يجب ان تستفيدوا من الواقت وتزيدوا من معلوماتكم وينبغي ان تستفيدوا من طاقات المجتمع والنظام، فان هذه المشاكل الاقتصادية والمسائل التربوية والصعوبات المتعارفة للانجاب الطفل وطبيعة الزواج والاطفال تزداد بها نفقات الانسان وتكون تربية الطفل على عاتقه فيجب ان يصرف الوقت في تربيته من الناحية المادية والمعنوية ومن جملة التساؤلات ان يكون للمرأة اعمال اجتماعية ومجيء هذا الطفل يؤدي الى عرقلة اكثر اعمالها. فلا بأس ان عرقلة تلك الاعمال لا يعني صدق الحرج.
اذن فلا ينبغي ان ندرج اي شيء تحت عنوان الحرج بكل سهولة بل يجب ان ندقق ونلاحظ الحد الطبيعي للامور فاذا اتجتازت هذا الحد الطبيعي وصدق عليها الحرج حينئذ لا يلزم ان يكون الحرج والمشقة كبيرة جدا كان يقال مثلا ان الحرج انما يكون في حالة يوشك الانسان فيها على ان يموت او يلزم ان يعيش كل عمره في مشقة فلا يلزم ان يكون الحرج بهذا المقدار.
والامر الاخر هل ان الحرج يجب ان يكون شخصيا او يكفي الحرج النوعي. ان فتوى الكبار والمراجع قائمة على اساس انه ينبغي ان يكون الحرج شخصيا ونحن في كتاب قاعدة لا حرج عند بيان الادلة صرحنا بان المستفاد من الادلة والروايات الحرج الشخصي والنوعي ففي الحرج الشخصي فالمحور نفس الشخص، ان هذا الجنين الذي ينبغي الحفاظ عليه ان كان ناقص الخلقة فتكون حياته حرجية ومن المسلم يصدق عليه عنوان الحرج الشخصي، والمهم لدينا هو بيان الفرق بين الحرج الشخصي والنوعي فما هو الفرق بينهما؟ فهل المراد من الحرج النوعي الحرج الذي يكون على الاخرين ممن حولنا بمعنى ان الطفل اذا كان ناقص الخلقة فان الحفاظ عليه بالنسبة الى الام والاب يكون امرا حرجياً؟
ومن الممكن ان يكون هذا الطفل الذي يكون مشوهاً لا حرج فيه عليه الا ان في ذلك حرج على الاخرين الذين يربونه فهل هذا هو الحرج النوعي؟ او المراد من الحرج النوعي صعوبة تحمل ذلك لنوع البشر ؟ فهذا يحتاج الى دراسة وفي اعتقادي انه يجب ان يقوم بذلك احد ورشاة هذا الاجتماع ويبين الفرق والحد الفاصل بين الحرج الشخصي والحرج النوعي؟ فالمقصود من الحرج النوعي في الفقه هو ان يكون نوع البشر في حرج وان لم يكن هناك حرج على شخص معين، مثلا لو لم يكن هناك ماء للوضوء فاذا اراد الانسان ان يحصل على الماء يجب عليه ان يقطع مسافة 2كيلو متر. فمن الممكن ان تكون هذه المسافة لشخص معين لا حرج فيها، الا ان هذا من الناحية العرفية يعد حرج على نوع البشرية.
وعلى اي حال كيف يمكن ان نفسر الحرج النوعي؟ بالنسبة الى التشوه الخلقي للجنين فهل ان ملاك الحرج هو شخص هذا الجنين الذي سيولد ويأتي الى هذه الدنيا؟ او المقصود الحرج النوعي الذي يختلف بحسب الاطراف او نوع البشر، لا يوجد اي دليل في الفقه على جواز اسقاط الجنين اذا لم يكن في تشوهه الخلقي حرج عليه بل كان الحرج يقع على الاخرين فان الطفل اذا ولد لقائل ان يقول انه يستطيع ان يتحمل تشوهه الخلقي ولا يوجد فيه عليه مشقة كما نلاحظ ان كثير من الناس لديه تشوه خلقي ويمارس حياته بشكل طبيعي، نعم في بعض الحالات يكون لدينا يقين بوجود الحرج وفي هذه الحالة يكون حرجه شخصياً وتكون قاعدة لا حرج جارية غاية الامر ان الحرج النوعي له معنيان.
احد المعاني ان النوع هم الوالدين والاقرباء بان نقول ان هذا الطفل اذا جاء الى الدنيا فانه يجعل حياة الاب والام والاقارب حرجيا، وفي هذا الحالة فلاجل ان لا يقعوا في الحرج فلا يجوز لهم ان يميتوا هذا الجنين فان الوالدين اذا وقعوا في الحرج انذاك يمكن يقال انه يقع على عاتقهم واجب اخر فمن الممكن ان يقال ان نفقة هذا الطفل غير واجبة عليهما.
وللاسف احيانا يقع الخلط بين هذا المعنى والحرج النوعي الذي يستفاد من الادلة فان الحرج النوعي الذي في الفقه هو الحرج الذي لا يتحمل عادة لنوع البشرية، مثلا امرأة لديها رجل سيء الخلق وفحاش، من الممكن ان يقال ان هذه المرأة تحملها كثير جدا ففي هذه الحالة لا يوجد حرج على شخص هذه المرأة ولكن في ذلك حرج نوعي اي على نوع المرأة والنساء فاي امرأة غير هذه المرأة لو كانت في محلها لما استطاعت عن تعيش مع هذا الرجل.
ويوجد في الايات والروايات التي تتعرض الى الحرج امثلة يستفاد منها جيدا الحرج النوعي ويمكن ان تفتح لنا الطريق لتفسير الحرج.
الامر الثالث : لو تعارض الفقه والقانون فماذا ينبغي ان نعمل؟ لا ريب ان القضاة قد ابتلوا بهذه المسألة فان بعض الناس يقلدون مرجعا يقول بعدم جواز اجهاض الجنين في هذه الحالة لكن القانون يقول يجوز الاسقاط وهذا التعارض يحصل في موارد كثيرة وهذه القضية من جملة الابحاث التي فيها ملاحظات كثيرة ودقيقة.
مثلا المرأة تقلد مرجع يقول ان المرأة لا ترث من العقار والارض الا ان القانون يقول انها ترث غاية الامر من قيمة الارض وحينئذ فهذا الوارث يمضي على طبق القانون او على طبق فتوى مرجع التقليد؟ فالقاضي تكليفه واضح هنا فهو يجب ان يحكم طبقا للقانون لان القضاء يمضون على اساس وحدة الطريقة التي ينبغي ان تكو لديهم فاذا كان القانون يصرح بامر لا يستطيع القاضي مخالفة ذلك حتى لو كان القاضي مجتهدا فلا يمكنه ان يمضي على طبق اجتهاده ونظره بل يجب ان يمضي على طبق القانون.
وحينئذ ففي ما نحن فيه فان المحكمة اصدرت بحق هذا الشخص جواز الاسقاط، غاية الامر انه يقلد مرجعا يرى انه لا يجوز اسقاط الجنين. فهنا توجد صور وطرق مختلفة لكن مع الاسف لا يوجد مجال ان نتعرض للجميع ولكن يوجد لهذا الشخص طريق لان يتبع القانون. فانا نقول له ان هذا القانون قد تم تقنينه على اساس وجهات نظر عدة مجتهدين الا ان يقول الشخص انا اعلم انه لا يوجد مجتهد قد أفتى على طبق هذا القانون وان جميع الفقهاء قد افتوا بخلاف ذلك.
ففي هذه الحالة لا يمكن العمل بالقانون، لانه حصل العلم ببطلان هذه النظرية والرأي، وبالرغم من ان القاضي حكم بذلك والقانون قابل للتطبيق لكن حيث حصل لنا العلم ببطلان الحكم فلا يمكن العمل به من قبيل ما اذا كان الانسان قد جاء بشاهدين كاذبين لاثبات مدعاه في المحكمة ويشهدون كذبا وزورا والقاضي يحكم بصالحه ولكن نفس المدعي يعلم ان هذا الحكم باطل ومن هنا لا يمكن ان يمضي على طبق الحكم.
اما اذا كان يحتمل بهذا المقدار ان هناك مرجعا قد حكم بهذا الحكم وهو مساوي من حيث العلمية لمن يقلده فهذا المقدار يكفي لان يمضي على طبق القانون، وان كان هنا يأتي بحث الاعلمية المرحوم والدنا رضوان الله عليه يشترط الاعلمية وفي هذه الصورة ينبغي تقديم رأي الاعلم.
اما فيما يتعلق ببحث الاجتهاد والتقليد فقد اثبتنا ان مسألة التقليد والاعلمية غير معتبرة وعلى الانسان ان يقلد مجتهدا يراه بينه وما بين الله تعالى حجة ومعذر ولو كان هناك من يكون علمه اكثر منه، وبناء على هذا المبنى او بناء على المبنى الذي يرى تساوي المراجع من حيث العلم فالمسألة تكون واضحة جدا فنقول بما ان القانون يتم تقنينه طبقا لفتواى واحد او عدة مجتهدين وكان مرجع تقليد ذلك الانسان يختلف نظره مع القانون، والاعليمة ليست شرطاً اذن فلا اشكال في العمل بالقانون.
وقد قلت ان نفس بحث التعارض بين الفقه والقانون يحتاج الى اجتماع مفصل وندوات متعددة. واني اطلب من رؤساء المحاكم الموقرين والقضاة المحترمين ان يجمعوا الاسئلة المتعلقة بتعارض الفقه والقانون ولا اتصور انها قليلة ويمكن اختصارها ثم عرضها على الحوزات العلمية والمحققين والفقهاء كي يتم دراستها وبحثها بحثا عميقا.
الامر الرابع: من الذي يجب عليه تشخيص الحرج؟ بما في ذلك الحرج الشخصي والحرج النوعي؟ فهل ان ذلك تكليف المرجع او نفس الشخص؟ فيي محل بحثنا هو تكليف الشخص فان الجنين في بطن الام فلا يمكن ان يقال ان تشخيص ذلك هل يكون عليه حرجيا اولا؟ فهل يجب تشخيص ان ذلك حرجيا على الاب والام ام يجب على الطبيب؟
ان مرجع تشخيص الالفاظ في علم الاصول هو العرف فيجب مراجعة العرف في تشخيص الالفاظ فلا بد من معرفة ماذا تشخص العرف؟ واما تشخيص غير المفاهيم فهل للعرف دور في ذلك او لا؟ من جملة النقاط المختلفة فيها هي هذه المسألة، فالعرف يرى ان الحرج هو الصعوبة والحرج في العرف واللغة هو مطلق الضيق لا اضيق الضيق! وحينئذ فالى من يرجع تطبيق ذلك فما هو الصعب وما هو الذي ليس بصعب ؟ ويرى المرحوم الاخوند الخراساني وجماعة من فحول الاصوليين ان تطبيق ذلك هو العقل لا العرف.
فالعقل هو الذي يطبق المفهوم على المصداق الخارجي ويقول ان هذا المصداق الخراجي هو يدخل تحت الحرج او لا؟ فيجب على العقل ان يقول ان هذا الموجود مصداق للحيوان الناطق والانسان موجود او لا؟ ولكن في مقابل ذلك يقول بعض العلماء كالسيد الامام الخميني قدس سره ولعله من وجهة نظري هو اول من قال بهذا الامر وتبعه تلامذته على ذلك مثل المرحوم والدنا رضوان الله تعالى عليه حيث قالوا بان تطبيق ذلك بيد العرف، وقد فصلنا هذا البحث في الاصول وقد توصلنا الى نفس هذه النتيجة وهي ان الحرج تشخيصه يرجع الى العرف.
وحينئذ فيجب هنا ان يعطي الاطباء المتخصصين اراءهم ويبينوا هل ان حياة هذا الجنين تعد حرجية بهذه الظروف ؟ هذا الاحتمال الاول والاحتمال الثاني ان يقال ان تشخيص ذلك يرجع الاب والام لانهما الاعرف بوضع وحالات ذلك الجنين والاحتمال الثالث ان يقال لا بد من مراجعة العرف العام لنرى ما يقول؟ فهل ان نوع الناس يقول ان الجنين اذا ولد من دون يد او رجل هل تعد حياته حرجية او لا؟ فالملاك هو العرف العام، وما جاء في المادة القانوينة من ان ذلك يرجع الى تشخيص الطبيب القطعي الذي يحصل بثلاثة اطباء متخصصين وتأييد الطب العدلي يبتني على ان مرض الجنين هو عبارة عن التشوهات الخلقية.
لحد الان هذا ما يرتبط بتشخيص التشوه الخلقي وهو بصلاحية العرف الطبي اي ان العرف العام لا يمكنه ان يشخص ان هذا الجنين ناقص الخلقة وكذلك الام والاب لا يمكنهما تشخيص ذلك وهذا الاحتياط جيد جدا فثلاثة اطباء ثم تأييد العدل الطبي بان هذا الجنين ناقص الخلقة واما بالنسبة الى تشخيص الحرج وهل ان التشوه الخلقي للطفل يؤدي الى الحرج او لا فهذا يرجع الى العرف العام، فلو ان الطبيب شخص ان هذا الطفل فيه تشوه خلقي وهو ان كل يد فيها اصبعين فقط فهنا من الذي يشخص ان في ذلك حرج او لا ؟ فهل العرف العام هو الذي يشخص ان هذا حرجي او لا ؟ فقد يقال ان هذا الانسان لعله يسعى ويصبح من خلال هذه اليد الناقصة افضل كاتب وافضل خطاط او رسام فان تشخيص هذا الأمر يرجع الى العرف العام.
اذن فالطب يمكنه ان يشخص التشوه من الناحية الطبية وان الطب القانوني ايضا يؤيد ذلك وما تشخيص ان هذا يعد من الحرج او لا فهذا يرجع الى العرف، وينبغي الالتفات كما قيل ان الحرج هوالضيق، الا ان كل تشوه ونقصان في الخلاقة قد لا يؤدي الى الضيق فلو كان الانسان ناقص الخلقة كمن نقصت احد اعضاؤه كاليد او الرجل، لكن ليس كل نقصان يوجد الضيق كما ليس كل تشوه خلقي يوجب الضيق ان الطبيب المتخصص يقول ان هذا من حيث الادراك ضعيف جدا وان معدل ذكائه قليل جداً فاذا كان غير ذكيا فليس هذا عيب.
ومن هنا يطرح الفرع الفقهي لو قال المتخصص الطبي ان هذا الجنين فاقد العقل فهل يجوز اسقاطه؟ اولا يجب ان ننظر هل يمكن من الناحية الطبية تشخيص ذلك؟ ولو شخصوا ذلك فماذا ينبغي ان يفعل؟ ولا ادري ان القضاة المحترمين والطب القانوني ما يقول في هذا الامر. فان الطفل الذي يولد بما انه لا فاقد للعقل فلا يعرف ما هو الحرج والضيق. اتذكر ان هناك دكتور متخصص قال للمرحوم والدنا ان اردتم ان تكونوا سالمين فحاولوا ان تهدؤوا اعصابكم، فقال له اذن قولوا لي اترك عقلي جانباً! ان الانسان العاقل لا يمكن ان يمتلك اعصابه؟ ولا بد ان تكون لديه ردة فعل.
فهل ان الجنين الفاقد للعقل يجوز اسقاطه؟ الجواب كلا فانه اولا بالنسبة الى الطفل فانه لا يمكن ان يتصور الحرج لانه لا يدرك شيئا وثانيا لو قال من حوله ان تربية هذا الطفل حرجية لمن يعيش الى جانبه فان هذه الدعوى لا تجوز اسقاط الجنين لانه بد مجي الطفل الى الدنيا فان كانت المحافظة عليه وترتبيته صعبة عليهم وحرجية فان وجوب تربتيه تسقط منهم ويجب على الحاكم الاسلامي ان ينشأ مراكز تحافظ على هكذا اشخاص من بيت المال.
وبناء على هذا إتضح ان الاطباء يمكنهم ان يشخصوا التشوه الخلقي او نقصان الخلقة ولكن كون هذا التشوه حرجيا او غير حرجي ؟ فهذا ما لا بد اما ان يكون امرا قطعيا او نرجع فيه الى تشخيص العرف وفرزه لمصداق الحرج من غيره.
وقد تطرح في بحث الحرج اسئلة اخرى مثل هل ان قاعدة الحرج امتنانية؟ وهل يسوغ الحرج والاكراه اراقة الدماء؟
فهل ان لا حرج تنفي الحكم فحسب او انها تثبت حكما ؟ وتوضيح ذلك هل ان قاعدة لا حرج ترفع الوجوب وتقول مثلا اذا كان الوضوء حرجيا لك فالوضوء غير واجب عليكم واما ما هو الذي يجيب عليكم هل التيمم او شيء اخر فهذا لا تثبته القاعدة.
ومن جملة الابحاث التي تطرح حول لا حرج ان لا حرج هل تجري فقط في الواجبات او انها تشمل المحرمات ايضا؟ وهذه من المسائل المهمة ايضا فهل ان لا حرج نافية او مثبة ايضا؟ وقد اوردنا في كتاب لا حرج بعض النماذج من فتاوى الفقهاء يستفاد منها ان القاعدة يمكن استخدامها لاثبات الحكم فاذا قال الفقيه لا حرج ولا ضرر يرفع الوجوب فحسب فاذا كان الجنين مصاب بتشوه خلقي وكانت الحياة له حرجية فلا يجب حفظ هذا الجنين اما بالنسبة الى اسقاطه فلا يستفاد ذلك من لا حرج فلا بد من وجود دليل اخر على الاسقاط.
اما لو قال الفقيه ان قاعدة لا حرج ايضا تثبت الحكم اي انها تحكم بالجواز ايضا ففي هذه الحالة فبالاضافة الى ان حفظ الجنين غير واجب يجوز اسقاطه، وعليه فهذه المسالة مبنائية ومن الانسب ان تكون محط نظر القانون وقد اوردنا في كتاب قاعدة لا حرج عدة موارد من فتاوى الفقهاء وهي تبتني على ان قاعدة لا حرج تثبت الحكم ايضا وان كان المشهور يذهب الى الوجه الاخر ويقول انها نافية للحكم فحسب.
اما بعض الروايات ورد فيها ان الائمة عليهم السلام يستدلون بقوله تعالى: «ما جعل علیکم فی الدین من حرج» ولذا استفدنا ان القاعدة مثبتة للحكم ايضا والامر المهم الاخر هو ان المشهور يقول لا حرج يختص جريانها بالواجبات اي انه اذا كان لدينا حكم واجب وهو حرجي فان لا حرج ترفع ذلك الوجوب الحرجي واما في المحرمات فلا تجري القاعدة وقد اورد المرحوم الوالد (رضوان الله عليه ) مثالا اذا لم يتزوج الانسان واصبح ذلك عليه حرجي فلا يمكن ان يقال ان الحرج هنا يرفع الحرمة وبالطبع لم يتعرض اغلب الفقهاء الى هذا البحث ولكنا استفدنا هذا الامر من موارد متعددة لفتاوى بعض الفقهاء.
لا سيما في باب محرمات الاحرام حيث قال الاستظلال والتظليل من المحرمات فان الرجال لا يحق لهم حال الاحرام وعندالسير ان يستظلوا فاذا كان عدم استظلال احد المحرمين حرجيا فان مجموعة من الفقهاء افتوا بعدم الحرمة. وان هذه القاعدة تجري في جميع شؤون القضاة والطب العدلي وان موضوع تمكن لا حرج من رفع حرمة محرمات الاحرام من المسائل التي ينبغي ان تنقح والا سنصل الى طريق مسدود في كثير من المجالات.
نحن نقول ان لا حرج يمكن ان ترفع الحرام غاية الامر على اساس ضابطة وهذه الضابطة قد طرحناها في نفس هذا الكتاب وينبغي ان يطرح بحث المهم والاهم وينبغي تشخيص ملاك الاهم والمهم ويجب تقديم الاهم على المهم.
ويطرح هنا سؤال وهو ان لا حرج هل ترتبط بقاعدة تقديم الاهم على المهم او لا؟ فان هذين الامرين من وجهة نظر الفقه عبارة عن بابين وقد يشتركان في بعض المواضع.
ان هذه الامور التي ذكرناها هي عبارة عن خطوط كلية بشأن قاعدة الحرج ويبدو لي ان الدورات التعليمية القضائية قطعا لا بد ان تكون هذه القواعد كثيرة في باب القضاء وهي ابتلائية ومن جملة تلك الابحاث هي عبارة عن قاعدة لا حرج التي لا بد على كل قاضي ان يبحثها بشكل مفصل، فان الاطلاع والاجتهاد في هذا البحث مهم جدا بالنسبة له، وبالتالي بحمد الله اصبح الفقه في الميدان ببركة النظام الاسلامي.
ونحن نتوقع ان تكون جميع الجوانب الفقهية في باب القضة واضحة وبينة بعد مضي ما يقرب من 40 عاما على الثورة الاسلاية وعلى الحوزات مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بهذا الامر والمسؤولية بالدرجة الاولى تقع على عاتق الحوزات وينبغي ان تكون قواعد القضاء منقحة حاليا ونجيب على جميع الاسئلة بالرغم من انه حتى الان تم طرح مباحث كثيرا في هذا المجال.
ويوجد لدينا اليوم في قسم فقه القضاء مركزا فقهيا والعمل جار فيه على الابحاث القضائية ولكن الى الان توجد مسافة كبيرة ونتوقع ان يكون هناك ارتباطا مناسبا وواسعا وعلميا بين السطلة القضائية والحوزات العلمية، ولا يكفي ان نقتصر على وجود مركز تعليمي يأوي القضاة ويتعلمون فيه وينبغي ان نستفيد بشكل اكبر من كبار الفقهاء واصحاب النظر في المباحث القضائية.
واتمنى ان يكون هذه الاجتماع فيه فوائد علمية كبيرة لجميع الحضور.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهم النقاط:
1ـ الحرج في اللغة يعني مطلق الضيق والصعوبة لا الصعوبة التي لا تتحمل عادة.
2ـ العسر والحرج في الفقه بمعنى واحد، واحدة من الادلة على قاعدة لا حرج الاية الكريمة: «یرید الله بکم الیسر و لا یرید بکم العسر».
3ـ كما طرح في الفقه ان الحرج ينبغي ان يكون فيه امرا زائدا على الصعوبات المتعارفة.
4ـ لا ينبغي ان نجعل اي شيء في صعوبة تحت عنوان الحرج بل ينبغي التدقيق والتعرف على الحد الطبيعي للامور، فاذا زاد الضيق والصعوبة على ذلك الحد الطبعي فيصدق عليه الحرج ولا يلزم ان تكون الصعوبة والمشقة باعلى مراتبها.
5ـ لا يوجد اي دليل في الفقه لى جواز اسقاط الجنين فيما لو لم يكن فيه اي حرج على الجنين وانما الحرج على الوالدين.
6ـ ان الحرج النوعي في الفقه هو ان يكون غير متحمل عادة لنوع الناس.
7ـ ان المرجع في تشخيص مفاهيم الالفاظ هو العرف ولك لفظ لم نمتكن من معرفة حدوده لا بد ان نرجع الى العرف ونسأل منه ما هو حدود هذا المعنى؟ واما بالنسبة الى غير تشخيص المفهوم فهل للعرف شان في ذلك او لا؟ فيه بحث.
8 ـ المرحوم الاخوند الخراساني وجماعة من فحول الاصوليين يرون ان التطبيق هو من وظائف العقل لا العرف.
9ـ في مقابل ذلك ان هناك علماء كبار مثل الامام الخميني (قدس سره) ولعله هو اول من قال بذلك وبعده تلامذته كالمرحوم والدنا رضوان الله تعالی علیه حيث يقولون بان تطبيق المفهوم من صلاحيات العرف.
10ـ ان تشخيص وجود تشوه خلقي او نقصان عضو واما اشبه انما يرجع الى الاطباء وتأييد الطب العدلي واما تشخيص ان هذا يبلغ حد الحرج او لا فهو بيد العرف العام.
11ـ هل ان لا حرج نافية للحكم او هي نافية لحكم ومثبتة لحكم اخر؟ قد وجدنا في كتاب لا حرج بعض المواضع التي افتى فيها الفقهاء على اساس ان هذا القاعدة مثبتة للحكم.
12ـ لو قال الفقيه ان قاعدة لا حرج ايضا تثبت الحكم اي انها تثبت حكم جواز الاسقاط ففي هذه الحالة بالاضافة الى انه لا يجب الحفاظ على الجنين يجوز اسقاطه.
13ـ ان قاعدة لا حرج لا تختص بالواجبات ويمكن ان ترفع الحرمة ايضا لا بضوابط وشروط.
14ـ اننا نتوقع ونأمل بعد مضي اربعين عاما على الثورة الاسلامية ان تتضح الزوايا الفقهية في باب القضاء وان المسؤولية في هذا المجال تقع على عاتق الحوزات العلمية وهي وظيفتها بالدرجة الاولى.