النظرة الفقهية للدين: دراسة نهضة الامام الحسين (ع) من منظور فقهي
24 جمادی الثانی 1441
00:21
۱,۷۱۵
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمین و صلّی الله علی سیدنا و نبینا أبی القاسم محمد و علی آله الطیبین الطاهرین المعصومین و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین من الآن إلی قیام یوم الدّین
في الاجتماعات التي عقدت قبل عدة سنين الماضية التي وفقنا ان نكون بخدمتكم حاولنا ان لا نذكر ابحاث مكررة ونطرح فكرة جديدة في اذهانكم حول حادثة عاشوراء.
ويلزم ان يكون كل شهر محرم يمر علينا يختلف عن سابقه ، إذا مر شهر المحرم على المعزي ولم يكن هناك أي مظهر جديد للإمام الحسين(ع) وحادثة عاشوراء ، فإن هذا الانسان المعزي سيتوقف عند هذه المرتبة. نحن نرتقي في عزاء الإمام الحسين (ع)، يعتقد الكثير من الناس أن البكاء وذرف الدموع هو مجرد للثواب ليس الا ، او يوجب غفران ذنوبنا فحسب ، وهذا أمر صحيح ومؤكد ، ولكن بحسب الروايات ان البكاء على الحسين (ع) باعث على التكامل ان اقامة العزاء والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) يعطي الإنسان معنوية ورقي وتكامل.
أحيانًا يكون لدى الأشخاص الذين يعيشون البعد عن هذه الحالات أو ليس لديهم أي صلة على الإطلاق يشكلون ويقولون ما فائدة هذا العمل؟ ثلة من الناس استشهدوا في صدر الاسلام، واليوم نجلس ونبكي عليهم. مثل هذا الكلام انما ينشأ من الجهل والغفلة. إن هذا البكاء وهذه الدموع فائدتها ترجع الينا، صحيح أن هذه المأساة تهز القلب، وتبكي العيون وتجعل الدموع تسيل على الخدود، لكن هذا البكاء يرقي وينمي الروح. وفقًا لروايات ان الجلوس في المساجد ، تجعل الانسان قريبا من الله تعالى وان لم يصل، على الرغم من أنه لا يصلي ولا يتعبد.
ان حضور الانسان في مجلس اهل البيت (عليم السلام) واقامة العزاء على الامام الحسين (عليه السلام) وذرف الدموع على مصائبهم يعطي الانسان رقياً ونمواً تلقائياً ويتقدم من حيث لا يشعر، لان الانسان تحت خيمة الامام الحسين (ع) يصبح قليل الزلل، وهذا واجه بعض الانحرافات فانه ستنتهي ويصان منها في بقية عمره وكل هذا ببركة هذا العزاء ومن هنا يجب ان نعرف قدر وقيمة هذا العزاء ونعلم انه يعطينا ويلهمنا رقياً ونموا وتكاملا.
ويدل على هذا الكلام قول الامام الرضا عليه السلام لابن شبيب: «يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَ افْرَحْ لِفَرَحِنَا».
هل من المعقول ان یکون الانسان غیر كامل والى جنبه الائمة المعصومين (عليهم السلام)؟ كلا ليس الامر كذلك، فانه لا يمكن ان يأتى بشخص يوم القيامة لا يحب اهل البيت عليه السلام ويسكنونه الى جانب الائمة عليهم السلام بل يجب ان يتكامل في هذه الدنيا ويصعد الى اعلى درجة بحيث يكون محزونا لحزن الائمة (ع) ومسرورا لفرح الائمة عليهم السلام، وان هذا البحث مفصل وفيه اسرار ولطائف كثيرة.
ويوجد كلام كثير ولطائف عمقية في روايات هذا الباب تجعل الانسان مبهوتا ومتحيرا.يجب ان ندعو الله تعالى ونتوسل بالامام الحسين (عليه السلام) سيدي ومولاي تلطف علينا كي نستفيد من هذه الثروة العظيمة على احسن وجه .
دعونا نرى ونعرف ما أعطاه الله لنا ببركة اسم الحسين عليه السلام وعظمته. ما هي الاشياء التي سنحصل عليها ويوهبها لنا. ماذا قدم الله تعالى للبشرية من خلال واقعة عاشوراء ؟ حقيقة أن الله لم يبرم هذه الصفقة مع البشرية في أي حادث آخر سوى حادثة عاشوراء التي لا مثيل لها لا قبلها ولا بعدها. أحد الأخطاء هو أن البعض يقارن بين الحوادث ويقول إنهم قطعوا رؤوسهم في هذه الواقعة وقطعت روؤس غيرهم في حادثة اخرى.
قد يكون حدثت وقائع اكثر فجاعة من واقعة عاشوراء او تقع في وقت لاحق ، لكن حادثة عاشوراء ، بكل معالمها وبركاتها التي أعطاها إلله الى البشرية ، لن تتكرر ابدا ، ولا يمكن تكرارها الا القضايا المرتبطة بواقعة عاشوراء فان الطاف الله تعالى ستتعلق بها ايضا.
واما البحث الذي نريد ان نتعرض له وللاسف اننا لضيق الوقت سنتكفي بالاشارة الى اصل هذا الموضوع.
يمكن دراسة نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) من وجهات نظر مختلفة. فيمكن دراستها من منظور تاريخي، ماذا حدث؟ لماذا انتقل الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة المنورة مع أهل البيت عليهم السلام بنحو فيه نوع من الخوف؟ لماذا لم يقدم أحد من المدينة المنورة لمساعدة للإمام إلا عائلته وهذا العدد المحدود من اصحابه؟ لماذا قرر يزيد قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وأحد الأسئلة التاريخية المهمة هل كان ذلك قرار يزيد أم قرار مستشاره المسيحي اووالده معاوية. أن الأدلة الواضحة تشير إلى هذا.
أحد أهم المناقشات التاريخية هو ما مقدار تفاعل المسلمين مع اليهود والنصارى في زمن الرسول؟ كيف كان تأثيرهم ونفوذهم بين المسلمين؟ كيف كان ذلك في زمن الخليفة الأول؟ كيف تم كسر الخطوط الحمر من قبل الخليفة الثاني؟ ان الآيات القرآنية التي كانت تنصح المسلمين بعدم الدخول تحت ولاية اليهود والنصارى قد تم اجتيازها في زمن الخليفة الثاني، وبلغت ذروتها في عهد عثمان ، وفي زمن معاوية، كانت علاقة الحكام باليهود والنصارى مكشوفة وعلنية. ما هي المؤامرات التي حاكوها في صدر الاسلام من السقيفة وحتى يوم عاشوراء ؟ هذه هي المناقشات التاريخية.
ويمكن دراسة واقعة عاشرواء من الناحية العاطفية والاحساسية وهذه النظرة والدراسة لها قيمتها وآثارها الخاصة بها.
وجهة النظر الأخرى هي النظرة المنطقية التي كانت واحدة من ابحاثنا التي القيناها في السنوات الماضية هي انه نظراً الى المكانة والقيمة التي يراها ديننا للعقل كيف يمكننا أن ندرس حادثة عاشوراء من منظور العقل ؟ وقد طرحنا في ذلك البحث الذي تحدثنا عنه انه كان البعض يقول بان احادثة عاشوراء تفوق العقل ولا يستطيع العقل ان يطرح امرا صحيحا بشأنها.
لكن ما نحاول قوله الآن هو النظرة الفقهية لحادثة عاشوراء ، وحقيقة أن الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) قام بهذه الخطوة من ناحية فقهية دينية لأن وجهة نظر ه كانت نظرة فقهية ، ربما لم تسمع بهذا بعد. حسنًا ، أنا أقول إنه جديد وجدير بالتفكير! وما لم يتم استخدام الضوابط الفقهية الشيعية فلا يمكن معرفة وكنه واقعة عاشوراء، فإذا نظرنا إليها بطريقة الاجتهاد والفقه الامامي، فلا بد ان نبدأ بباء بسم الله إلى آخر خطوة ، فسيكون لهذا الواقعة مبرر دقيق وصحيح.
أخيرًا ، الاستنتاج الذي أريد أن أستخلصه من هذه البحث هو أنه يجب علينا أن ننظر إلى الدين على هذا النحو. فمن يقيم العزاء على الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) ينبغي ان تكون نظرته الى الدين نظرة فقهية. قد ورد العديد من الروايات حول التفقه في الدين. القرآن الكريم نفسه يقول: «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ»، فيجب ان يذهب جماعة من كل طائفة ليدرسوا العلوم الدينية ثم يرجعوا الى قومهم ويعلموهم وقد وردت عن الائمة المعصومين احاديث تحثنا على التفقه في الدين.
واما بشأن معنى التفقه في الدين فقد يكون للدين في بعض الأحيان معنى بدائي وبسيط ، ونقول إن التفقه في الدين تعني ان تتعلم الحلال والحرام وهذا المعنى بدائي وبسيط، وهذا هو معناه الأساسي. ويبدو أن هناك الكثير من التأكيد والحث على ضرورة التفقه حتى لا يخرج المرء عن الدين مع التفقه في الدين ؛ فانا رجل الدين لا اخرج عن إطار الدين. فالطالب والسوقي والاستاذ والعسكري واي شخص اخر يجب ان يتفقهوا في الدين ويحافظوا على ان لا يخرجوا من اطار الدين فالنظرة الفقهية للدين في جاب والنظرة السطحية للدين في جانب اخر، كيف كانت نظرة بني امية للدين؟
ان جميع بني آمية الا يزيد كانوا يصلون بحسب الظاهر ويتقيدون بالاحكام وان كانوا فسقة من حيث الباطن ويعملون الفجور، وهذا هوالذي يفسر قول الامام الحسين(عليه السلام) «إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَ الدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون» فكان دين هؤلاء لقلقة لسان ولم يكنوا قد تفقهوا في الدين وانما استخدموا دينهم لاجل دنياهم ورئاستهم.
على الرغم من أنهم كانوا يصلون الصلاة على ما يبدو. إن دين بني أمية ، ودين بني العباس ، ودين الصوفية ، والأخباريين ، كانوا جميعًا دينهم من هذا القبيل لأنهم فقط يهتمون بالدين من حيث الظاهر وليس لديهم تفقه في الدين ولم يطلعوا أبدًا إلى حقيقة الدين. الرواية التي تقول أن الأمة النبوية تفترق 73 فرقة، وفرقة واحدة على حق هي في النهاية هي الناجية من الأسئلة حول ما هو المعيار الصحيح الذي يجعل الفرقة على حق؟.
نحن نعتقد أن تلك الفرقة هي فرقة تتبع أهل بيت العصمة والطهارة ، ولكن بأي معيار؟ اليوم يذهب بعض الناس إلى مكة والمدينة ويرون ظاهر أعمالهم ، وعندما يعودون يقولون إنهم مسلمون أكثر مما نحن عليه. أو يذهبون إلى أوروبا ، يرون بعض الناس يجتنبون الكذب ، لا يتدخل احدهم فيما لا يعنيه ، لا يخونون ولا يسرقون ، يقولون إنهم مسلمون أكثر منا ، وذلك لأن الذي يتكلم بهذا الكلام لا يفهم الدين.
لا يبدو الدين وكأنه لدينا خمسة قيم أخلاقية يتصف بها الانسان ويصير متدينا، فلا يمكن ان الشخص المتدين هو من لا يكذب ، ولا يغتب، ولا يأكل أموال الناس، ويصلي صلاته في وقتها. فهذا في الواقع التزام ظاهري ، فاذا لم يتحلى بالتفقه في الدين وان الانسان اذا لم يضع لنفسه ضابطة في طريقة حياته بحيث يصل من خلال فهمه وتفقه الى حقيقة الدين فمثل هذا الانسان لا يقال له متدين.
في زمن ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) قد كتب اهل الكوفة كتبا كثيرة لكن بعضهم وقفوا ليقاتلوا الحسين (ع) الى حد ان الامام الحسين (ع) يوم عاشوراء كان يناديهم واحدا تلو الاخر قائلا يا فلان يا فلان الم تكتبوا الي ؟ لكن اولئك قالوا بكل وقاحة ما ندري ما تقول.
لماذا حدث هذا الامر؟ ان الامام الحسين (ع) يقول ان المتدين هو ذلك الشخص الذي يصمد عند الامتحان، فالمتدين هو ذلك الانسان الذي حينما يهجم العدو ليقضي على الدين او المجتمع المسلم يحركه وازعه الديني ويوقظه ضميره ويقول له انهض وواجه العدو فنهضة الامام الحسن(ع) قائمة على اساس المعرفة الدينية الحقيقة والتفقه في الدين.
بالرغم من ان الامام عليه السلام: «أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي(ص) أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وابي امير المؤمنين»
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر احد اهداف الامام الحسين (عليه السلام) ولكنه ليس هو الهدف الوحيد له لانه يوجد في الفقه شروط للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن جملتها احتمال التأثير فاذا احتمل التأثير وجب الامر بالمعروف واما اذا لم يحتمل التأثير وكان عند الانسان يقين انه الامر بالمعروف لا يؤثر فلا يجب، والامام الحسين (ع) كان يعلم انه سيقتل.
لانه لما اراد الخروج من المدينة جاءته ام سلمه وقالت سمعت عن جدك ان ولدي الحسين يقتل في كربلاء يا حسين مهجة قلبي لا تذهب فاجابه الامام (عليه السلام) (يا اماه انا والله أعلم) قسما بالله اني اعلم في اي بقعة اقتل واعلم بمن يقتلني ومن يقتل اهل بيتي ومن يقتل اصحابي وحتى قال لها بامكاني ان ايريكي المكان الذي اقتل فيه فالامام كان يعلم جيد بهذا الامر.
وان بعض الناس كتبوا كتابا اثبتوا فيه ان الامام الحسين عليه السلام لم يكن يعلم بشهادته في سفره هذا وهذا الكلام قد تم الاجابة عنه وتوجد ادلة وبراهين واضحة على علم الامام الحسين عليه السلام بعاقبة امره.
ليس فقط الإمام الحسين كان يعلم بشهادته كان الكثير يعلمون ايضا بذلك ابن عباس قال له (ع) (ألا تعرف من هم أهل الكوفة؟) قال محمد بن حنفية أنه إذا كنت لا تعرف ماذا فعل أهل الكوفة بأبينا وأخينا ، فسيقتلونك أيضًا. أم سلمة ايضا قالت له واجابها باني اعلم بذلك.
ومن هنا ينبثق السؤال اذا كان سبب نهضة الامام الحسين (عليه السلام) هو الامر بالمعروف فحينما كان الامام الحسين (ع) يعلم بعدم التأثير ويعلم انه سيقتل ونساؤه تؤسر فلماذا قام بهذا العمل؟ وهذا السؤال لا يجب عليه الا الفقه ولا يستطيع ان يجيب عليه علم اخر.
فلا التاريخ يجيب عليها ولا الذوقيات والاحساسات والعواطف ولا المسائل العرفانية يمكنها ان تجيب على هذا السؤال لانه لو كان الامام الحسين عليه السلام كان يحب لقاء الله والعروج الى الله فلماذا اخذ معه الطفل الرضيع؟ فالعارف السالك الذي وصل درجات من القرب والعرفان لا يحق له ايذاء الاخرين ويوقع الاخرين في الاذى من اجل ان يعرج.
كان احد رجال الدين قد جاء الى والدي وقال اني قبل صلاة الصبح بساعة اذهب الى مرقد السيدة المعصومة(سلام الله عليها) واصطحب معي ولدي لصلاة الليل وولدي حديث عهد بالبلوغ واوقظه من النوم للصلاة الليل واصطحبه معي، فقال ابي ان هذا العمل مخالف للشريعة ولا يحق لك ان تفعل هذا ! ولو كنت والده فان لك الحق عليه بمقدار ما، واعلم ان هذا العمل قد تجعل عاقبة هذا الولد حسنة وفعلا لم تكن عاقبته كذلك.
فلا يمكن من الناحية العرفانية ان نقول ان الامام الحسين (عليه السلام) يريد بلوغ مقام الشهادة لانه ينبثق هذا السؤال اذن لماذا اخذ معه الطفل الرضيع؟ فلا التاريخ ولا العواطف ولا العرفان يستطيع ان يجيب على هذا السؤال وحتى العقل لا يستطيع ان يجيب على هذا السؤال وانما الذي يستطيع الجواب على هذا السؤال هو الفقه فحسب «أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَ الْبَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنْه ... فَإنَّ السُّنَّةَ قَد أمِيتَت، وَ إنَّ البِدعَةَ قَد أحيِيَت»، فاذا وقع الاسلام في خطر فان الجميع سيكون مسؤول ومكلف بالدفاع عن الدين ولا يفرق في ذلك سواء كان معصوما او غير معصوم رجل دين او غير رجل دين عالما او غير عالم.
فحينما لا يبقى من الاسلام شيء ويكون الاسلام في حالة من الانقراض فحتى لو لم يكن مع الانسان شخص ينصره لا بد ان يخرج منفردا، ولو ان الامام الحسين (ع) لم يخرج معه احد كان من اللازم ان يخرج هو منفردا. وان السيد الامام الخميني (رضوان الله تعالی علیه و حشره الله مع الحسین(علیهالسلام))، كانت حركته في البداية بهذا الحالة والجميع كان يقول له لا تصل الى نتيجة.
والدنا حينما تم نفيه الى يزد لم ار للسيد الأمام الخميني اسما يذكر لا في الحوزات ولا في الاماكن الاخرى ففكرت ان اقدم خدمة لهذا الفقيه المجاهد وصممت على شرح كتابه (تحرير الوسيلة) كي يبقى اسم السيد الامام الخميني في الحوزات العلمية في تلك السنين التي لم نكن نتوقع انتصار الثورة فقد بدأ السيد الامام حركته ولم يتزلزل قيد انملة لماذا؟ لانه كان يسير على اساس مبنى فقه الشيعة اذا رأى الانسان عمود الاسلام في خطر فلا بد ان يبرز الى الميدان حتى لو لزم من ذلك الحاق الضرر باهله وطفله الرضيع.
اي انه يوجد في فقهنا مرتبة اعلى من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر وهي وجوب الحفاظ على الدين، واحد الادعية التي يدعو بها الائمة عليهم السلام حيث يطلب منه في التوفيق لحفظ الدين (اللهم ارزقنا حفظ الدين) فهؤلاء شهداء الثورة الاسلامية قد وفقوا لهذا الامر ولهذه المرتبة فان همهم على اختلاف اعمالهم هو الحفاظ على الدين حيث وجدوا ان الدين بحاجة الى الدماء فقد قدموا انفسهم في حرب الدفاع المقدس واليوم ايضا قدموا انفسهم في محاربة الارهابيين، فالامام الحسين عليه السلام قد ربى الاجيال من الشباب الملتزم والمتعهد ومنهم الشاب الشهيد حججي حيث عاش في هذه الثورة فاذا عرفنا هذا لامر حينئذ نكون قد نظرنا الى واقعة عاشوراء بنظرة فقهية.
ومن خلال قراءة الاحداث التي حصلت في ليلة عاشوراء او قبل يومين من عاشوراء نجد ان الامام الحسين عليه السلام يرسل رسالة الى عمر بن سعد يطلب فيه التحدث معه فيأتي الامام الحسين عليه السلام مع ابي الفضل العباس وعلي الاكبر وياتي عمر بن سعد ومن معه فيقول له لماذا تريد ان تقتلني؟ فلم يجد جوابا فينبغي ان نتأمل في هذا الاحداث جيدا.
للاسف بعض الناس لم يفهموا مقصود السيد الامام الخميني فقد ذكر في كتبه ان الامام الحسين عليه السلام كان يسعى لان لا يقتل وعمر بن سعد قال له اذا لم اقتلك فان يزيد سيهدم داري، فقال له الامام الحسين (ع) ان اعطيك دارا افضل منها فقال يأخذ مرزعتي لي في الحجاز اموال واشتري لك منها مزرعة ولكنه تذرع بانهم سيقتلون ابنائي.
ثم تحدث الامام الحسين (ع) بكلمات ثم مضى فيجب ان ندقق في هذه هدف هذا الاجتماع، الامام الحسين عليه السلام كان قبل ستة اشهر قد قال لام سلمة في المدينة لو اردت ان اريكي المكان الذي اقتل فيه لفعلت فلماذا يطلب من عمر بن سعد ان يترك قتاله؟!
هدف الامام الحسين (ع) هو لعله يتمكن من هداية انسان في السعات الاخيرة من عمره وينجيه من الهلاك ويجب على حاكم المسلمين بشتى الوسائل منع الانسان من الاتجاه في طريق الضلال وجهنم ويجب عليه ان يوجههم الى طريق الحق وطريق الجنة، والعجب من بعض من يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي من انت حتى تأخذ بنا الى الجنة وبالطبع ان السيد قائد الثورة الاسلامية دام ظله قد واجه هذه الانحرافات، ان هذا هو طريق الامام الحسين (ع).
وبقطع النظر عن الحوار الذي جرى مع عمر بن سعد الامام الحسين (ع) يوم عشارواء قال للجيش ويسأل ضمائرهم اما تعرفونني؟ وهذا العمل يمكن ان نفسره على نحوين احدهما ان الامام يريد ان ينجي نفسه؟ فهل ان الامام عليه السلام خائف؟ اليس الامام يعلم ماذا يحدث؟
وانما غرض الامام عليه السلام لعل احد من هؤلاء المساكين يهدي الى الله تعالى ولعل احدهم قد لا يعلم من انا فمن باب القاء الحجة عليهم فقال انا ابن رسول الله انا ابن فاطمة وامير المؤمنين عليه السلام لعل هذا الكلام يجعلهم ينتبهون من نومهم العميق فالهدف من كلام الامام الحسين (ع) لا يمكن ان يكون غير هذا فالنظرة الفقهية لهذا الكلام ان الامام الحسين عليه السلام يريد ان يقول لهولاء انا ذلك الامام الذي قال عنه رسول الله(ص): ( الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، فقد خدعوكم فلا يغرنكم هؤلاء القوم واراد من خلال هذا الكلام ان يهديهم وبعضهم ايضا اهتدى
ما اجمل هذه النظرة حيث ان الامام الحسين عليه السلام يرى من اللازم ان ينجي عدوه من الضلال كان بمقدوره ان يقول هؤلاء يريدون قتلي وقد غرهم بالله الغرور اسلمهم بيد الله تعالى ولكنهم لم يفعل ذلك فالامام اعلى وانبل من ذلك فان الانسان ينبغي ان يذرف الدموع على الامام الحسين (عليه السلام) الذي يبكي على عدوه، فانه كان يقول لهم:
>أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثمّ راجعوا أنفسكم و عاتبوها، فانظروا هل يصالح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ أ لست ابن (بنت) نبيّكم، و ابن وصيّه و ابن عمّه، و أوّل مؤمن مصدّق لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما جاء به من عند ربّه؟ أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمّي؟ أ و لم يبلغكم ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لي و لأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فإن صدّقتموني بما أقول و هو الحقّ، و اللّه ما تعمّدت كذبا منذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله، و إن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم<
ولم يكتف بهذا المقدار فحسب بل كان ينصحم ويقول لهم اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتي وبعض المحللين يقولون ان خطاب الامام عليه السلام من باب انه لا يريد ان يقتل والحال ان الامام الحسين (عليه السلام ) كان يعلم بشهادته قبل ذلك.
وورد في الروايات: عن علي بن الحسين قال: خرجنا مع الحسين فما نزل منزلا وما ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال يوما: ومن هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
وهذا يدل على ان الامام الحسين عليه السلام كان يعلم بشهادته اذن فلماذا كان يقول للعسكر بهذا الكلام كان يرأف عليهم ويسعى لان يهديهم طريق الصواب عسى ان لا تتلطخ ايديهم بدمائه. لكن لم ينفع بهم فقال لهم: «لَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاكُمْ ذِكْرَ اللهِ الْعَظِيم» وما اكثر الايات الكريمة التي تلاها الامام عليه السلام عليهم عسى ان يهتدوا وينجوا من هذه الفتنة، وحتى حينما ركب الشمر على صدر الحسين (عليه السلام) نصحه الامام من هذه الجريمة العظيمة لا من باب ان لا يقتل لانه اذا لم يتقله الشمر قتله غيره ب لمن باب الحرص على الاخرين ان لا يقعوا في المهالك وما الطف هذه النظرة الدقيقة للدين.
وهذا يعني ان جميع حركات الامام عليه السلام وسكناته في خطبه وافعاله هو عبارة عن النصحية وانما جاء بابنه الرضيع وطلب له الماء من باب وجوب انقاذ الناس من الضلال والدرس الذي نستفيده من حركة الامام (عليه السلام) هو اننا اذا رأينا ان احداً ارتكب ذنباً فلا ينبغي لنا ان نساعده على ارتكابه ولكن يجب السعي لانقاذه من ورطته لا ان نزيد عليه الطين بلة بحيث اذا ارتكب الغيبة نقول انه يتركب الغيبة والكذب وعشرات المعاصي نضيفها من عندنا يسرق فان امثال هؤلاء لا يمكن ان ننسبهم الى الحسين عليه السلام لان الذي ينتسب الى الحسين عليه السلام يسعى دائما لاحياء الناس وحتى احياء البشر والمسلم وان المعزي على الحسين عليه السلام هو ذلك الانسان الذي يحاول انقاذ الاخرين من الدخول الى جهنم. اذن فالصفة الثانية هي نجاة البشر وانقاذ الانسانية وبالطبع هناك صفات اخرى ينبغي التعرض لها.
حاولوا قدر الامكان متابعة هذه الامور وقرأوا تاريخ الامام الحسين (عليه السلام) ودرسوه من منظور فقهي فان قوله: «مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَ لَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَه»، مملوء فقه من اوله الى اخره بالفقه فان هذه النظرة الفقهية للدين هي التي جعلت الامام الحسين عليه السلام يوجد حادثة كواقعة عاشوراء
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَ عَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ عَلَيْكَ مِنِّي سَلَامُ اللهِ مَا بَقِيتُ وَ بَقِيَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ لَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ عَلَى أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ وَ عَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَام.
اهم النقاط
1ـ طبقا للروايات ان بكاء الانسان يجعله يتكامل و العزاء على الامام الحسين عليه السلام يعطي روح الانسان نوعا من الرقي والتكامل.
2ـ اكبر سلم للترقي والكمال الحزن لحزن الائمة عليه السلام والفرح لفرحهم.
3ـ لا يمكن ان نصل الى حقيقة عاشوراء ما لم نتعامل معها بالضوابط الاجتهادية المتوفرة لدى فقهاء الشيعة.
4ـ لو نظرنا الى هذه الحادثة بنظرة اجتهادية وفقهية من اليفها الى يائها فسنحصل على توجيه دقيق وصحيح لها.
5ـ ان المعزي للامام الحسين (عليه السلام) هو ذلك الانسان الذي لديه منظار ديني وفقهي.
6ـ ان كل هذا التاكيد على وجوب التفقه في الدين من اجل ان لا يخرج الانسان عن حدود الدين.
7ـ دين بني امية ودين بني العباس هو دين الصوفية ودين الاخبارية لانهم نظروا الى الدين بنظرة سطحية ولم يكن لديهم تفقه في الدين ولذا لم يحظوا بحقيقة الدين.
8ـ ما لم يكن لدى الانسان تفقه في الدين وما لم تكن لديه ضابطة في حياته كي يتمكن من خلال تلك الضابطة فهم حقيقة الدين فهو لا زال انسان غير متدين.
9ـ ان المتدين اذا هجم عليه او على شعبه العدو ليقضي على الدين ارتفعت عنده الحمية وايقظه ضميره قائلا له قم وواجه هذا العدو.
10ـ توجد ادلة واضحة وكثيرة على علم الامام الحسين عليه السلام بعاقبة امره بل حتى غير الامام الحسين (ع) كانوا يعلمون بذلك مثل ام سلمة.
11ـ اذا اصبح الاسلام في خطر يجب على الجميع ان يدافعوا عن الدين ولا فرق بين الامام المعصوم وغير المعصوم ورجل الدين وغير رجل الدين والعالم وغير العالم.
12ـ يجب على حاكم المسلمين ان لا يذر الناس ويتركهم يضلوا وينبغي له ان يأخذ بيد الناس نحو الهداية وطريق الجنة.
13ـ ان ما قام به الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من خطب او نصائح وافعال كطلب الماء لولده الرضيع كل امر محتم عليه، لانه بذلك كان يريد انقاذ الناس وارشادهم الى طريق الهداية.
14ـ ان محب الامام الحسين عليه السلام يسعى ويحاول ما امكنه لاحياء الناس وهدايتهم وان لم يهد الا بشر واحدا لكفى.