فقه الشيعة، المزایا والمناهج
30 جمادی الاول 1442
00:24
۳,۳۶۷
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
بسم الله الرحمن الرحیم
في بداية الحوار ، كما ترون تم التركيز في جزء كبير من نشاطات الحوزات العلمية الشيعية منذ عصر الموضوعية حتى الآن على مقولة الفقه. جنابكم الكريم ماذا تعرف عن انجازات هذه الجهود؟
للفقه الشيعي مزايا خاصة على جميع قوانين المذاهب الأخرى، السنية وغير السنية، حتى بالمقارنة مع الفقه الغربي، الذي يُعبر عنه بالفقه الوضعي، سأذكر بعضًا منه في هذه الحوار.
الميزة الاولى: إن أول ما يميز الفقه الشيعي أنه يتمتع بشمولية خاصة ، ويمكن طرحه في كل المجالات وفي جميع الأوقات ولجميع الأجيال ، وفي كل أبعاد الحياة البشرية ، في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، له رأي في كل منها ويقدم الحلول المناسبة في ما يتعلق بها. في الفقه الشيعي تعليمات للبشر من ما قبل الولادة حتى الموت وما بعده. على سبيل المثال ، قبل ولادة الإنسان أو حتى قبل أن يتم إنعقاد نطفته، أعطى فقه أهل البيت تعليمات واضحة ومفصلة.
لا يقتصر على بعد من أبعاد الإنسان ، وله تعليمات واضحة للإنسان في كل مجال ، على سبيل المثال ، حكومة إسلامية صحيحة متوافقة مع الكتاب والسنة ، لا يمكن تنظيمها وإقامتها إلا بمبادئ الفقه الشيعي وفقه آل البيت(ع)؟ بالفقه السني لا يمكن إقامة حكومة صحيحة على أساس الإسلام الصحيح ، لذلك من المعلوم أنهم يبنون الامر على "أُلو الأمر" و "الحق لمن غلب" يعتقدون من يصبح حاكما فيجب عليهم اتباعه. لكن في الفقه الشيعي ، تم رسم مسار دقيق ودقيق للغاية للحكومة ، وهو أحد خصائص فقه أهل البيت(ع).
في الأمور المتعلقة بالأسرة ، لدينا تعليمات شاملة للغاية وليس لدينا أسئلة بلا إجابة ، وبطبيعة الحال قد نقول إنه ليس لدينا نظام اقتصادي واضح المعالم في فقه أهل البيت ، ولكننا ندعي أيضًا أن هناك قواعد ومعايير في الفقه مع هذه المعايير والضوابط ، يمكن رسم نظام اقتصادي صحيح. كما أنه مع القواعد والضوابط الموجودة في الفقه يمكننا استنباط النظام السياسي الديني الصحيح ، لذا فإن الخصلة الأولى التي تسبق كل الخصال هي شمولية فقه أهل البيت (ع) ، أي جميع المسائل التي حدثت وتحدث ، وجميع الأمور التي ستحدث إلى يوم القيامة ، في البعدين العرضي والطولي ، موجودة في فقه أهل البيت.
الميزة الثانية: التي يمكن أن نأخذها في الاعتبار في فقه أهل البيت(عليهم السلام) هي الاهتمام بالعقل والقواعد العقلية الدقيقة والقطعية. ولله الحمد ، فإن اجتهادنا مبني على مبادئ واصول قوية جداً ، ونرى في ابحاث الاصول أن هناك ملازمات عقلانية في كثير من المباحث هي أساس الاجتهاد واستدلال الفقيه. وفي قاعدة الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ، التي ترجع في الحقيقة الى السؤال عن وجود ملازمة عقلية او لا؟! فالعقل السليم هو المعيار عندنا في فقهنا في كل وقت وفي أي موقف، وقواعد العقل القطعية مهمة للغاية بالنسبة لنا. نتيجة لذلك ، هناك العديد من النتائج التي تترتب على هذه المسألة. في بعض الحالات ، نقدم القاعدة العقلية القطعية على الحكم المستفادة من الرواية التي لا يبدو أنها متوافقة مع العقل السليم.
لذلك فإن هذه القضية هي إحدى الخصال والمزايا التي لا توجد في مدارس الفقه الأخرى ، وفي هذه المدارس لا يتم الاعتماد على العقل صراحة لدرجة أنه يضع العقل كحجة باطنية إلى جانب الحجة الظاهرة التي هي الرسول. . أحيانًا يتم ذكر بعض القضايا العقلية في بعض المدارس الفكرية ، ولكن كحجة باطنية لا يتم وضعها بجانب الحجة الظاهرة وهي النبي. بالطبع هناك العديد من الابحاث الفنية هنا حول ما إذا كنا طبقًا لنظرية المرحوم المحقق الأصفهاني ، ينبغي أن ننظر إلى العقل فقط على أنه قوة مدركة ، وأن نقول إن العقل ليس له صلاحية الحكم ، والحكم مرتبط بمولوية المولى والشارع والله عزوجل ، أو كما يعتقد المشهور أن العقل كما هو يدرك كذلك يحكم وينبغي ان نتعرض اى هذه المسائل في محلها.
الميزة الثالثة: لذلك ، فان الخصلة والمزية المهمة الأخرى لمدرسة أهل البيت الفقهية وهي أن هذه الأحكام مبنية على أحكام عقلية قطعية أي: لا يوجد بينها وبين الاحكام الصادرة عن ائمة الهدى اي تفاوت واختلاف.
الخصلة الثالثة التي تنشأ من هذه الخصلة الثانية أننا في الفقه نعطي في الفقه مصالح والمفاسد اعتبارا خاصًا ، أي أننا نؤمن بأن كل حكم يخضع لمعيار وملاك وأن أحكام الشريعة مبنية على معايير وملاكات وبتغيير المعيار والملاك يتغير الحكم. كما أنه يتغير ، بالطبع ، من المهم جدًا كيف يتغير المعيار وكيف يمكن للفقيه أن يكتشف المعيار وان مسألة ان الملاكات ظنية لا اعتبار لها.
ان هذه الابحاث مذكورة في محلها بشكل مفصل لكن المسألة المهمة هي ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد حتى بالنسبة الى الاحكام المباحة الاقتضائية والا اقتضائية حيث ان الاباحة الاقتضائية الحكم هو الاباحة اي ان هذا العمل مباح وهو تابع لمقتضى موجود في العمل يقتضي الاباحة.
الميزة الرابعة: في فقه أهل البيت (عليهم السلام) في الوقت الذي نسير طبقا للعقل على وفق المصالح والمفاسد كذلك التعبد بالاحكام الشرعية وظواهر الادلة دائما يبقى على حاله، وهذا يعني اننا نرى الفقهاء يستفيدون من ظواهر الروايات بشكل واضح وكذلك بالنسبة الى ظواهر القران الكريم في قسم من آيات الاحكام ويتعبدون بها، وهذا يعني ان الفقيه في الدرجة الاولى يسير وفق الظواهر وان كانت حجية الظواهر حجية عقلائية، ولكن حينما نرى روايات الائمة المعصومين (ع) ولكن حينما نتتبع روايات الائمة المعصومين(عليهم السلام) نرى ان هناك موارد كثيرة الائمة المعصومين عليهم السلام يبينون الاحكام ويستندون في ذلك الى ظواهر القران الكريم. وهذا الامر يدل على انه ليس فحسب ارادوا ان يفهموا اصحابهم وفقهائهم بل حتى غيرهم ان الظاهر حجة لان هذا الامر امر عقلائي يتبعه العقلاء ويقولون ( ان كل ظاهر حجة).
النقطة الاخرى ان الائمة عليهم السلام مادام هناك ظاهر واضح في كلام الشارع فيجب ان نسير على وفق ذلك الظاهر فاذا جاء حكم العقل على خلاف الظاهر فتلك مسألة اخرى. الا انه ما دام ليس لدينا حكما عقليا مخالفا لذلك الظاهر ولم نعلم بملاك الحكم ففقهاؤنا يسيرون على وفق ذلك الظاهر تأسياً بالائمة المعصومين (عليهم السلام) ويقولون بحجية ذلك الظاهر.
وبناء على هذا ففي فقهنا يوجد الى جانب حجية العقل حجية السيرة العقلائية والى جانب هذه المباني يوجد مسألة التعبد بالظاهر.
المزية الخامسة: يوجد في فقه أهل البيت (عليهم السلام) قواعد فقهية فلعلمائنا الماضين مثل الشهيد الاول قواعد فقهية تحت عنوان(القواعد والفوائد) حيث دونوا في هذه الكتب قواعد فقهية، ومن جملتها كتاب القواعد الفقهية الذي يعتبر وأهم الكتب المفصلة في هذا المجال وقد الفه المرحوم البجنوردي، وقد الف والدنا المعظم كتاب القواعد الفقهية وقد كتبت لهذا الكتاب مقدمة.
وبالطب ان المدارس الفقهية الاخرى لديهم قواعد ولكن يوجد بون واسع بين قواعدنا الفقهية وبين قواعدهم الفقهية، حيث يوجد نظام منطقي وهيكلية محكمة بين الاحكام الشرعية على جميع المستويات، وهذا يعني ان كل مدرسة تستطيع ان تقدم قواعد فقهية مفصلة ودقيقة فهذا يدل على ان احكامها تقوم على نظم خاص وبطبيعة الحال ان بعض قواعدنا الفقهية مستقة من القران الكريم .
ولكن الكثير من القواعد الفقهية مستقة من روايات أهل البيت عليهم السلام وان بعض هذه القواعد لا توجد في فقه اهل البيت عليهم السلام، على سبيل المثال: قاعدة الالزام فهي قاعدة قد تسربت الينا من أهل السنة ولكن بعض فقهائنا الكبار مثل والدنا كان يعتقد ان هذه القاعدة اي قاعدة الإلزام تجري بحق بقية الافراد والمذاهب بل وتجري على الكفار ايضاً، وفي كثير من الاحيان نطبقها عليهم، ومن هنا فوجود قواعد فقهية في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام احد الصفات والمزايا والخصوصيات المهمة وقد اغنت فقهنا وجعلتهم رصينا.
المزية السادسة: وهي مستقة من المزية الثانية وهي جامعية وشمولية الفقه وتطوره ومواكبته للحياة ولو لاحظنا هذا البعد نرى ان فقه الشيعة في طريق التكامل من حيث الصناعة العلمية، فلا نستطيع القول ان أحكامنا الفقهية محدودة في هذا المجال ولا يوجد لدينا حكم اخر، بل ان فقهنا يواكب تطور الحياة وكلما تطورت الحياة بمقتضى احتياجات الانسان على مر الزمن يستطيع فقهنا بيان الاحكام في مختلف المجالات، واليوم لدينا مسائل مستحدثة كثيرة قد اجاب عنها فقهاؤنا في العقود الاخيرة من قبيل البنوك، وعقود التأمين، والاستنساخ البشري، والتشابيه والمسائل المستحدثة الطبية حيث ان الفقه قد اجاب عليها الفقه وقدم لها حلولاً.
المقصود من الحل الجديد ليس هو حكم مخالف للحكم السابق بل ان خصوصيات تلك القواعد الفقهية تقتضي حكما خاصا متناسبا مع القيود والظروف الخاصة للفعل، وبناء على هذا فلدينا اجتهاد متجدد على انه في كل زمان يجب ان يكون الانسان مقلدا لمجتهد حي يرجع اليه، ومن هنا فالاجتهاد دائما في حالة نمو وتكامل، ان بعض المثقفين قليلي المعرفة يقولون ان علومنا علوم اكل الدهر عليها وشرب وانتهى دورها.
من الواضح ان هؤلاء ليس لديهم اطلاع عن حقيقة علم الفقه، مع اننا بتلك الملاكات والقواعد والضوابط المتوفرة لدينا منذ عصر التشريع حتى الان يمكننا من خلالها ان نطبقها في كل مجال وفي كل موضوع ونبين الحكم الشرعي في الموارد الخاصة للناس وهذا يعني حياة الاجتهاد وقابلية المواكبة المتوفرة في علم الفقه لذا يمكن ان يقال ان علم الفقه عندنا يتمتع بتطور وتكامل لا يقل عن تطور سائر العلوم فنحن في القرن الثاني والثالث لدينا كتب فقهية كانت بحجم مائة صفحة او مائتين صفحة قد طرح فيها جميع الفقه واما الان فلدينا كتب فقهية تصل الى 40 مجلدا وحتى 50 مجلدا.
ان كتاب تفصيل الشريعة قد الفه والدنا بعنوانه شرحا على كتاب تحرير الوسيلة ولعله يصل الى 50 مجلدا وهذا يدل على ان فقهنا في حالة من النمو. وانا اشير هنا الى هذه النقطة وهي انه في البداية كانت الشيعة لا تحتاج الى اصول الفقه لان الامام المعصوم (ع) كان الى جنبهم
الا ان اهل السنة بعد رحلة النبي الاكرم (ص) احتاجوا الى علم الاصول وبناء على هذا فكان من الطبيعي ان يكون علم اصولهم اوسع بكثير من علم اصولنا ولكن نفس هذا الامر قابل للمناقشة لاننا لو قارنا علم اصول فقه الشيعة بعلم اصولهم لوجدنا انه من حيث الشمولية والعمل لا يمكن ان نقارنه بعلم اصولهم.
على سبيل المثال في باب ترتب الوجود الجذور الاساسية لـ ( نظرية الترتب) طرحها المرحوم المحقق الثاني في كتاب( جامع المقاصد) في كتب الدين الا ان بحث الترتب والخطاب الترتبي لا وجود له اصلا في اصول فقه اهل السنة وبقية المدارس ولكن المرحوم المحقق النائيني لديه خمسة مقدمات لتحكيم نظيرة الترتب واثبت ان الخطاب الترتبي ومسألة الترتب من ضروريات الفقه، بالرغم من وجود المخالف لنظرية الترتب والمرحوم الخراساني من المخالفين لنظرية الترتب في كتابه كفاية الاصول.
اما المرحوم العلامة في كتاب القواعد والمرحوم كاشف الغطاء فانهم يقولون كالمحقق الثاني لو لم يكن لدينا بحث الترتب فلا بد ان تبطل كثير من العبادات، ويبدأ بحث الترتب من مسالة ان شخصا لديه دين في ذمته وقد حان وقته ويريد ان يصلي، فهذا الشخص لديه خطاب اداء الدين الذي على ذمته، واذا اراد ان يصلي فقد عصى هذا الخطاب ان قلنا ان صلاته صحيحة.
والحال انه دين لم يؤده فيجب ان نقول بالخطاب الترتبي اي يجب ان نقول ان هذا لخطاب وهو وجوب الصلاة يتعلق بالشخص بنحو الترتب، وان كان قد عصى الخطاب الترتبي لاداء الدين وعصى وجوب اداء الدين، واني حنما كنت اتتبع هذا الموضوع التفت الى انه لا يوجد في علم اصول اهل السنة اثر حول الخطاب الترتبي وبحث الترتب.
التحقيقيات التي ذكرها الاصوليون في الواجب المعلق والمشروط هي من ابتكارات صاحب الفصول ان نفس بحث مقدمة الواجب التي قد تكون من الابحاث الزائدة في علم الاصول ولكن هذه الرؤية خاطبة من وجهة نظري فصحيح ان نفس بحث مقدمة الواجب قد تكون غير مهمة الا ان التفاصيل الموجودة في تقسيماتها لها اثار مهمة في الفقه من قبيل بحث الواجب المعلق والواجب المشروط والمقدمات المفوتة في الفقه وهذه الابحاث غير موجودة في علم الاصول عند السنة، وان فقهاءنا ببركة اهل البيت عليهم السلام قد سجلوا نتائج كثيرة وبعض هذه النتائج نلمسها في الاحكام الشرعية وهذا يعني انهم درسوا صدور حكمين عن الامام المعصوم (ع) لا يمكن الجمع بينهما وتوصلوا انه لا يوجد طريق للجمع بينهما الا القول بالترتب، وفي هذا المجال امثلة كثيرة فبحث الاستصحاب يستند الى الروايات وبحث البراءة والاحتياط يستند على خبر الواحد فان كل هذا من بركات اهل البيت (ع).
إنَّ الأبحاث الأُصولية توجب الغنى الفقهي فكلما كان الفقه مبانيه الاصولية اقوى وقواعده الفقهية اكثر رصانة فسيكون اقوى اكثر رصانة، وهذه الأمر لم نلاحظه الا في فقه أهل البيت عليهم السلام فكثير من نظرياتنا مثل الشيخ الانصاري في الاصول نجد انها مستخرجة من باطن الفقه ثم قام العلماء بتهذيبها وترقيتها حتى اصبحت لدينا مباحث اصولية معمقة في علم الاصول وبالرغم من كل هذا الاتساع في علم الاصول نجد فراغات كثيرة في هذا العلم.
على سبيل المثال هل ان منشأ اعتبار القدرة هو الخطاب( ان المرحوم النائيني قائل بهذه المسألة) او منشأ اعتبار الحكم هو حكم العقل كما هو مسلك كثير من العلماء في هذه المسألة.
فنحن يجب ان نطرح بعض العناوين في علم الاصول كـ (هل ان القدرة دخيلة في الاحكام التكليفة او الاحكام الوضعية؟ ) بصورة كاملة، وكذا ان الاصوليين في بحث نظرية الحكم المهمة جدا والتي لها مدخلية في جميع اجزاء بحث مقدمة الواجب لم ينقحوه بشكل مستقل، فهذا يعد فراغا في ابحاث علم الاصول وكلما حققنا ودرسنا هذا الموضوع بصورة اكثر سيصبح اصولنا اكثر حيوية واكثر تأثيرا واقوى من ذي قبل وبالتبع يكون فقهنا اكثر حيوية وقوة وتطورا.
الميزة السابعة: ان علم فقهنا يتصل بزمن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وهذا من افتخاراتنا لأن الائمة المعصومين عليهم السلام يقولون كلما نقوله انما هو عن جدنا رسول الله(ص) في حين ان فقه اهل السنة ليس فيه هذه المزية لان هناك فاصلة كبيرة بين ائمتهم الاربعة وبين النبي الاكرم (ص) الا ان فقهنا يتصل بالنبي الاكرم(ص) فان ما يذكره المثقفون لتهديم الفقه وان الفقهاء يذكرون اراءهم الشخصية فهو خطأ فاحش جداً.
ان فقهنا مأخوذ من مصادر الوحي وهو متصل بالوحي وان المطالب التي يذكرها ائمتنا عن الوحي ولا يوجد فيها اي خطأ او خلل وهي مأخوذة من كلمات النبي (صلى الله عليه واله) وهذه الاحكام والمطالب بعينها انتقلت الى فقهائنا وهذا يعني ان الفقيه حينما يحكم على واقعة مستندا في ذلك الى روايات المعصومين (ع) والائمة المعصومين (ع) قد اخذوها من رسول الله (ص). واذا وجد تعارض بين روايتين فان ائمتنا ايضا ذكروا لنا طرقا ومعايير وضوابط لحل التعارض.
نظرًا لأنك درست دورات في الحوزة العلمية على مستويات مختلفة وتقوم حاليًا بالتدريس في مرحلة البحث الخارج ، وأنك أنشأت مركزًا بحثيًا لسنوات عديدة ، فكيف تقيم الثغرات في الابحاث العلمية في الحوزة العلمية ، خاصة في مجال الفقه والأصول؟
حوزتنا الحمد لله كانت ولا زالت في وادي البحث والاستقصاء منذ البداية ، وهذه الأبحاث الفقهية الموجودة اليوم في كتب المتقدمين والمتأخرين دليل واضح على هذا الادعاء. بعد الثورة الاسلامية ، تم إيلاء اهتمام خاص لموضوع البحث في جميع الأبعاد العلمية وفي جميع التخصصات في حوزة قم المقدسة ، بما في ذلك التخصصات التي اهتمت بها المرجعيات والشيوخ ولا سيَّما الفقه والأصول. كما قلت من قبل ، ندعي أن فقهنا هو فقه شامل ، ولازم هذا الكلام هو اننا ندعي ان ديننا كامل وهذا يعني أن يكون فقه هذا الدين أيضًا فقهًا كاملاً ، والفقه الكامل هو فقه يمكن أن يكون موجودًا في جميع الأبعاد. ويجب على جميع التسائلات ويلبي جميع احتياجات الناس في مختلف الاعصار والازمان.
على سبيل المثال: يوجد في فقهنا بحث تحت عنوان معاملة الفضولي وهي من المسائل المشهورة في فقهنا حيث يتم تصحيح معاملة الفضولي ، وحينئذ اذا تم تأسيس حكومة فهل للحكومة ان تصحح المعاملات الفضولية ؟ وبالطبع اني لست الان في مقام اعطاء وجهة نظري ولكن من الممكن يقول احد ان الموارد الموجودة في الروايات والضوابط الموجودة لتصحيح بيع الفضولي يمكن ان نستفيد منها هي موارد محدودة ولا يمكن ان نجعلها اصلا في المجتمع لانه يفضي الى ان اي شخص يذهب ليبيع اموال الغير وينتظر اجازتهم لان هذا يؤدي الى الوقوع بمشاكل عديدة.
واما في باب فقه القضاء الذي هو من افخارات الشيعة توجد مباحث وقواعد في كتاب القضاء والمباحث الجنائية والمسائل الجزائية كثيرة. وان الاسئلة التي تطرح في هذا المجال بعد تشكيل الحكومة الاسلامية ضاعفت المباحث والفروعات التي كانت مطروحة في السابق. وكان لوالدنا في قسم الاستفتاءات كتابا تحت عنوان جامع المسائل القضائية يشتمل على استفتاءات قضائية ولعله يصل الى مجلدين يشتمل على اكثر من الف مسألة قضائية ونحن نجد في باب القضاء فجوات بحثية كثيرة وان الباحثين المتخصصين في هذا المجال يفهمون اهمية وضرورة هذا الامر.
واليوم نستطيع القول ان ظاهر المسائل الاقتصادية قد اختلفت كثيرا عن اي وقت مضى، وان المعاملات التي كانت سابقا تطرح اليوم بشكل اخر ومن هذه الجهة يجب الاهتمام بهذه الفجوات البحثية والحمد الله هناك اهتمام خاص بهذا الامر.
ان تأسيس الحكومة الاسلامية جعل الحوزة والفقهاء يلتفتون الى الحاجة الماسية لهذه الأبحاث في الفقه والاصول وبحمد الله تقدموا خطوات جيدة في هذا المجال، وان كان البعض يدعي ان هذه الابحاث لا تتمتع بالدقة المطلوبة التي كانت موجودة عند فقهائنا الماضين، ولكن من جانب اخر لدينا طلاب فضلاء بارزين يببذلون جهودا في ميدان البحث العلمي ولديهم التسلط العلمي المناسب وهم يتمتعون بمستوى علمي جيد يجعلهم اجتياز هذه العقبات العلمية.
وبناء على هذا الاساس تأسيس الحكومة الاسلامية اوجد هذا البعد من المسائل والمباحث العلمية، واما البعد الاخر من المسائل والابحاث العلمية الذي تحتاجه الحوزة العلمية هو عبارة المسائل المستحدثة التي تمثل حياة الفقه فالفقه يجب ان يجيب على جميع المسائل المستحدثة، وقد كانت هذه المسائل المستحدثة في العصر الماضي تعد بالاصابع لكن كلما تطور علم الصناعة تنمو وتزداد المسائل المستحدثة.
وتوجد في المسائل المستحدثة عدة نظريات النظرية الاولى هي ان المسائل المستحدثة هي عبارة عن مواضيع جديدة يجب ان تدخل ضمن الضوابط والقواعد العامة التوفرة لدينا في الفقه، ولكن من وجهة نظرنا ان تلك القواعد والضوابط يمكنها ان تحل لنا قسما من المسائل المستحدثة وكما ذكرنا توجد قواعد في فقهنا بحاجة الى التوسيع والبسط وحتى الان لم تزدهر القواعد الفقيهة فينبغي توسيعها وبسطها .
وباعتقادي توجد في الفقه ومصادرنا الفقهية بعض القواعد والضوابط التي لم تطرح في الكتب الفقهية ومن هذه الناحية فيجب مراجعة الضوابط والقواعد الاساسية في الفقه لدراسة هذه المسائل المستحدثة.
ويجب ان يتم انشاء فرع تخصصي مستقل حول المسائل المستحدثة، كما هو الحال في مركز فقه الائمة الاطهار عليهم السلام حيث ان الطالب بعد ان ينهي 4 او خمس سنوات من الدراسة التخصصية في ابحاث الفقه والاصول يجب ان يدرسوا المسائل المستحدثة لمدة سنتين، وبحسب وجهة نظري ان المسائل المستحدثة تحتاج الى مباني واصول خاصة، وبالطبع فان بقية المسائل الاصولية والفقية ايضا تحتاج الى ذلك نشير اليها بشكل اجمالي:
من جملة الموارد الموجودة في المسائل المستحدثة التي ينبغي ان تكتسب عنوان المبادئ او مقدمات الاصول هي بحث السيرة العقلائية السيرة العقلائية من جملة الابحاث التي اكتسبت اهتماما في اصولنا لا سيما بعد عصر المرحوم الشيخ الانصاري، واما قبل عصر الشيخ الانصاري لم تكتسب اهتماما ولم تبحث الا نادرا او قليلا في كلما ت الفقهاء، ومن هذه الناحية ان المرحوم الشيخ الانصاري قد اثبت كثيرا من الخيارات بالسيرة العقلائية، فان اكثر الاحكام الموجودة في باب المعاملات يمكن اثباتها بالسيرة العقلائية.
في بحث السيرة العقلائية يوجد نزاع هل ان السيرة العقلائية المتوفرة في زمن الشارع والائمة المعصومين كانت في منظر الامام المعصوم عليه السلام ولم يردع عنها تكون حجة علينا، كما اختار هذه النظرية كثير من الفقهاء المتأخرين او كما يقول البعض من ان السرة العقلائية معتبرة سواء كانت متصلة بالشارع والمعصومين او كانت سيرة حديثة غير متصل فهي حجة؟
أساس الإمام (صلى الله عليه وسلم) وكذلك أبينا الكريم أن السيرة الحادثة حجة علينا أيضًا ، فهو يعتقد أن هذا الدين هو الدين الخاتم والكامل والشريعة وقد اخبرتنا الشريعة بوجود سيرة حادثة والناس يبنون عليها ويسيرون عليها في المستقبل والناس لا يغفلون عن السيرة العقلائية ويهتمون بها. إذا لم تكن السيرة الحادثة مقبولة لدى الشارع ، كان يجب عليها في نفس ذلك الزمان إصدار بيان لا يرخص بالعمل بالسيرة الحادثة ، على سبيل المثال ، اذا لم نستطع ان نحل مشكلة عقل التأمين من خلال عموم ( اوفوا بالعقود) لدينا الآن عقود ليست تحت عنوان بيع ولا تحت عنوان إيجار ولا تحت أي من عناوين المعاملات المذكورة في فقهنا. يتم إبرام عقد بين شركتين أو حكومتين أو شخصين ، وهو ليس تحت أي من هذه العناوين ويمكن فقط أن يتم ذلك من خلال السيرة العقلانية.
يمكن حل العديد من هذه المشاكل الناشئة إذا تمكنا من تأسيس حجية السيرة العقلائية. أما إذا اكتفينا بسيرة العقلاء التي كانت في زمن المعصومين (عليهم السلام) ، فستُغلق يد الفقيه ولن يتمكن الفقيه من العمل في قضايا جديدة ومسائل مستحدثة ، طبعا لا بد من الإشارة إلى أن جميع فقهاءنا يقبلون ما اذا كانت هناك سيرة عقلائية في زمن المعصوم (عليه السلام) وفي زمن المعصوم ، كانت له حالات معينة ، ولكن الآن تغيرت حالاتها ولكن اصل السيرة العقلائية قائمة غاية الامر الحالات والمصادق مختلفة فيمكن العمل بالسيرة.
على سبيل المثال ، في زمن المعصوم (عليه السلام) ، كانت السيرة العقلانية قائمة على أن الشخص الذي يحوز ممتلكات يصبح مالكًا وأن الحيازة كانت مملكية ، على سبيل المثال ، كان الشخص يذهب ويستأجر أرضًا أو يبني مكانًا أو يبني او يجمع حطبًا. إنه يختار ويحضر ويمتلك ، لكن وسائل الحيازة الآن مختلفة ، ومع الأجهزة والمعدات الكهربائية المتطورة ، قد تشغل مائة هكتار.
الفقهاء الذين يقولون إن السيرة العقلائية في زمن المعصوم (عليه السلام) ثابتة، على ما يبدو لم يعد لهم في هذا خلاف، وإذا كان لهذا التقليد العقلاني في زمن المعصوم (عليه السلام) أمثلة خاصة ، لكنهم وجدوا الآن 10 حالات جديدة ، فإنهم يقولون أن نفس المعيار والتأكيد الذي كان معصوماً في ذلك الوقت وما زال قائماً ، فهي حجة وان تغير بعض المصاديق.
لذلك ، فإن أحد الأشياء التي يجب أن يعتبرها من مبادئ المسائل المستحدثة كنقطة انطلاق في الابحاث والتحقيقات الحوزوية هي الاهتمام بالسيرة العقلائية وتعميق البحث والدراسة فيها. إذا ثبتت نظرية السيد الإمام (عليه السلام) واستطعنا ترسيخها في مجال الصناعة العلمية ، فإنها ستمهد الطريق للعديد من القضايا الجديدة.
ومن جملة الابحاث في باب المسائل المستحدثة التي تعد مهمة جدا هو هل ان المسائل الواردة في الشريعة هي بعنوان القضايا الحقيقية او الخارجية؟ مثلا السيرة العقلائية قائمة على ان الانسان القاتل لا يقتص منه ولا يعدم.
ولكن يوجد في شريعتنا « و لكم في القصاص حياة يا اولى الالباب» فالفقيه حينما يعلم ان هذه القضية حقيقية وليست خارجية لا يمكنه ان يتقبل السيرة العقلائية القائمةعلى عدم القصاص من القاتل. فان هذه السيرة اصبحت محل ردع الشارع واما لو طرحنا المسألة وقلنا ان قوله ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب) هي من باب القضية الخارجية فهذه ترجع الى زمن القبائل كانوا اذا قتل من قبيلة شخصا تهجم القبيلة الثانية فتقتل 10 فجاء الاسلام وقال لهم النفس بالنفس ولا يجوز قتل اكثر من القاتل وهذه المسائل كانت متعلقة بالعرب وقبائل العرب فهذا الكلام يسقط عن الاستدلال.
من ابتكارات وفنون المرحوم المحقق النائيني هو اثبات انه قد تكون جميع ما وقع في الشريعة الاسلامية بعنوان القضايا الحقيقية فاذا اردنا ان نحكم على امر بانه قضية خارجية فلا بد من وجود القرينة الدالة على ذلك اذن فالقضية الخارجية تحتاج الى القرينة فيجب ان نفهم ان هذه المسألة قضية خارجية فنحتاج الى القرينة.
ومن جملة مباني المحقق الذي يريد ان نيدر المسائل المستحدثة فيجب اولا ان يحررها ويحللها فيجب ان يدخل في هذه المسالة بشكل مفصل ويدرس القضايا الحقيقة والخارجية ويجب ان يفرق بينهما ويعرف الفرق بينهما بحيث يعرف ان هذه قضية حقيقية وتلك قضية خارجية.
باختصار ، يجب أن أقول إن هناك ثغرات بحثية في فقهنا ، مما يخلق لنا أيضًا هذه المسائل المستحدثة. في بحث الاجتهاد والتقليد وفي الحديث عن الارتداد في الفقه ، نبحث القواعد اللازمة في موضعين. يقال في الارتداد: أن الإنسان إذا أنكر الأحكام الضرورية فهو كافر ويقتل. في بحث الاجتهاد والتقليد ، يقول جميع الفقهاء: للضرورة ، لا سبيل إلى الاجتهاد والتقليد ، وفي بحث الارتداد والاجتهاد والتقليد ، يلحقون الاجماعيات واليقينيات بالضرورات ، وهي نقطة مهمة للغاية.