المنتظر الحقيقي هو الذي يسعى لتحقيق اهداف الامام صاحب الزمان عج

10 ربیع الاول 1447

00:48

۱۱۳

خلاصة الخبر :
تصريحات سماحة آية الله فاضل لنكراني (حفظه الله) في لقاء جمع من علماء حوزة الإمام الخميني في بندر محافظة خوزستان بمدينة مشهد المقدسة
آخرین رویداد ها
بسم الله الرحمن الرحيم

يصادف اليوم ذكرى بدء إمامة الحجة بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، ونعيش أيضًا على أعتاب المولد المبارك للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام).

لا شك أن حقيقة الحوزة العلمية مرتبطة بالمهدي، وهذا فخر لنا جميعًا. لو سألونا: "من أنتم؟" لقلنا بجملة واحدة: "جنود الإمام صاحب الزمان (عليه السلام)". ولكن، يجب أن نتأمل في معنى هذه الكلمة؛ فإذا تأمل كل طالب وكل معلم وكل عالم هذا المعنى، كان أقرب إلى النجاح الحقيقي.

وهذا النجاح لا يقتصر على الطلاب فحسب، بل يشمل جميع البشر. لأن نجاح كل إنسان يتوقف على مدى ارتباطه بحجة الله.

يقول الصدوق رحمة الله عليه في كمال الدين إن أحمد بن إسحاق القمي سأل الإمام العسكري (عليه السلام).: "من الإمام والحجة بعدك؟" لكن قبل أن ينطق، قال  علیه السلام: "لا يترك الله الأرض إلا بحجته". منذ خلق آدم (عليه السلام) إلى الآن، لم تخلُ الأرض من حجة ولن تخلو أبدًا.

إذا تأملنا هذه القاعدة العامة قليلًا، سيتضح لنا مدى قبولها. لماذا لم يترك الله تبارك وتعالى الأرض إلا بحجته؟ الجواب في الرواية نفسها: "برفع البلاء عن أهل الأرض، وإنزال الغيث، وإخراج بركاتها". حجة الله هي سبب دفع البلاء عن أهل الأرض، وسبب نزول المطر وظهور البركات. لولا حجة الله، لما أمطرت السماء، ولما أنبتت الأرض شيئًا. وحسب الرواية: "لولا الحجة، لساخت الأرض بأهلها"، أي أن أساس الخلق يستمد قوته وثباته من وجود الحجة.

هذا موضع تأمل عميق. تُظهر هذه العظمة أن الله تعالى ربط الخلق بالإمامة. فالإمامة ليست مُخصصة لتشريع الأحكام وبيانها وبيان الدين والكتاب فحسب، بل لها دور أساسي في نظام الخلق.

أحيانًا يُطرح السؤال: ما هو الدليل القرآني على الإمامة؟ ما هي الآية التي تُشير إلى وجود الإمام وضرورته؟ يرى الشيعة أن هناك آيات كثيرة تُشير إلى هذا الأمر. من بينها الآية 44 من سورة النحل، حيث يقول الله تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِنُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ".

أي أن الله أنزل هذه المعجزة الخالدة والخاتمة، القرآن الكريم، على النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليُبَيِّنَه للناس. تجدر الإشارة إلى أن الآية لا تقول: "ليُتْلَى عَلَى النَّاسِ" لأن القرآن ليس مُجرَّد تلاوة، بل يحتاج إلى تفسير، والتفسير يحتاج إلى مُفسِّر.

غالبًا ما كانت معجزات الأنبياء الآخرين مؤقتة وعابرة. على سبيل المثال، كان شفاء عيسى (عليه السلام) للأعمى حدثًا استثنائيًا في عصره، ولكن مع تقدم العلم اليوم، قد لا يكون بنفس القدر من الإعجاز. ومع ذلك، فإن القرآن الكريم معجزة باقية إلى يوم القيامة. السؤال الآن: من هو مفسّر القرآن بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ من البديهي أنه لا بد من وجود شخص معصوم يتولى مهمة التفسير.

ويمكن الاستناد إلى هذا المعيار لإثبات ضرورة الرجوع إلى الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى. فنقول إنه في غياب الإمام المعصوم، فإن من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، أي الفقهاء والمجتهدين، هم المسؤولون عن تفسير أحكام الدين وبيانها.

لذا فإن السنّة الإلهية هي أن العالم لا يبقى بغير حُجّة. هذه القاعدة "لولا الحُجّة لساخت الأرض بأهلها" لا تقتصر على الأرض، بل تشمل السماء أيضاً. بل إن الكون بأسره يقوم على وجود حُجّة الله. وقد ورد في الروايات أن "الإمام أمانٌ لأهل الأرض"، وهذا التعبير لا يعني أن الإمام هو مصدر أمان الناس فحسب، بل هو أيضاً سبب بقاء الأرض والسماء. وبعبارة أخرى، لو لم تكن حُجّة الله موجودة، لما وُجدت أرضٌ ولا سماءٌ أصلاً.

عندما سمع أحمد بن إسحاق هذه القاعدة الكلية من الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: "إذن، بناءً على هذه القاعدة، فمن هو الخليفة والوارث الإلهي من بعدك؟". نهض الإمام وذهب إلى غرفة أخرى، ثم عاد ومعه طفلٌ نوراني، يُشبه البدر ليلة تمامه. فقال الإمام العسكري (عليه السلام): "هذا ولدي وخليفتي وحُجّة الله من بعدي". وسيكون اسمه وكنيته مثل اسم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). ثم شبّهه بالخضر وذي القرنين؛ وذلك لأن الخضر عاش عمراً طويلاً وغاب عن أنظار الناس، أما ذو القرنين فقد جاب المشرق والمغرب ونازل يأجوج ومأجوج. وهكذا اتضحت أوجه الشبه بين الحُجّة (عليه السلام) وهاتين الشخصيتين القرآنيتين.

النقطة المهمة التي يجب علينا نحن كطلاب وعلماء دين أن نوليها اهتماماً أكبر من ذي قبل هي قضية الحكومة العالمية لحضرة ولي العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف). هذه الحقيقة لها جذور قرآنية، وتدل عليها آيات متعددة. لقد وُفقتُ في العام أو العامين الماضيين لأن أقدّم بحثاً مفصلاً في باب آيات المهدوية. إن القرآن الكريم يدل بوضوح وصراحة على تحقق هذه الحكومة العالمية.

مثال ذلك، الآية الكريمة: «هو الذی أرسل رسوله بالهدی و دین الحق لیظهره علی الدین کله و لو کره المشرکون».

هذه الآية وغيرها من آيات القرآن تُظهر أن الغاية النهائية من إرسال الرسل وإنزال الكتب هي تحقيق حكومة دينية عالمية. أي أنه سيأتي يوم يحكم فيه الدين الحق العالم بأسره.

والآن، مع وجود كل هذه الآيات والروايات الكثيرة التي نستنتج منها بوضوح حكومة حضرة ولي العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، هل يمكن لشخص أن يدّعي أنه من أنصاره ومنتظر لظهوره، وفي نفس الوقت يقول إن الإسلام لا يملك نظام حكم؟ من المؤكد أن هذا الفهم باطل ولا أساس له.

إن الامام الحُجّة (عليه السلام) سيجعل من الإسلام، ومن القرآن، ومن سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وسيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أساساً لحكومته؛ بالطبع مع إضافات خاصة بعصر الظهور. مثل بعض الأحكام والمعارف التي سكت الله تعالى عن بيانها في هذا الزمان، لا عن نسيان، بل لأنها مدخرة لأيام الظهور. كما ورد في الحديث: «إن الله سکت عن أشیاء لم یسکت عنها نسیانا».


يجب أن تكون هذه النقطة واضحة جداً بالنسبة لنا، نحن طلاب وفضلاء الحوزة. لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في هذه المسألة. للأسف، في المشهد الحالي، يُسمع أحياناً في الحوزات أو المحافل العلمية أشخاص يثيرون الشكوك حول حقيقة أن "هل للدين أساساً علاقة بالحكم أم لا؟". يقولون إن الدين لا علاقة له بالسياسة، وإن السياسة أمر خارج عن الدين. ولهذا السبب، عندما يتوفى عالم، يكتب البعض في مدحه: "إنه لم يتدخل في السياسة". هذا في الحقيقة قدحٌ وليس مدحاً! هل يعقل أن يكون عالمٌ شيعيٌ ولا يتدخل في السياسة؟

أو هل كان لدينا بين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إمامٌ غير مبالٍ بالسياسة؟ لو لم يكونوا يتدخلون في السياسة، لما تحققت تلك السنّة المريرة: "ما منّا إلا مقتولٌ أو مسموم".

بالطبع، اختلفت طريقة تدخل كل إمام في السياسة وأسلوب مواجهته للحكومات الجائرة. فبعضهم واجه بالثورة والسيف، وبعضهم بالمواجهة الثقافية، وبعضهم بالتقية والصبر، ولكن على أي حال، لم يكن أي منهم غير مبالٍ بالسياسة وإدارة المجتمع.

في هذا الصدد، توجد روايات تقول: "إذا رُفعت راية قبل ظهور حضرة الحُجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، فصاحبها طاغوت". هذه الروايات إما أنها تتعلق بظروف زمانية معينة، أو أنها تشير إلى أشخاص كانوا يدعون الناس إلى أنفسهم لا إلى الله والإمام المعصوم. حتى أن بعض الروايات تقول إن أولئك الذين يدّعون إقامة حكومة عالمية قبل الظهور هم منحرفون، لأن الله قد حدد وقتاً معيناً لظهور وحكومة الإمام المهدي.

لذلك، يجب أن نكون دقيقين في فهم هذه الروايات. المنتظر الحقيقي ليس من يكتفي بالدعاء والتمني، بل هو من يرى ما يحدث في العالم ويتحرك في سبيل تحقيق أهداف إمام الزمان (عليه السلام).

المنتظر الحقيقي هو من يرى ما يحل بالإسلام وما هو وضع المسلمين، ويتصرف قدر استطاعته في مواجهة المشاكل والانحرافات. هذا هو الشخص الذي يُعدّ حقاً في عداد المنتظرين لحضرة ولي العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).

الملصقات :

المنتظر المنتظر الحقیقی الامام الحجه عج صاحب الزمان عج