حوار أجراه مراسل صحیفة «حریم الامام» مع سماحة آیة الله الشيخ محمدجواد الفاضل اللنکراني(دامت برکاته) حول مسألة الانتظار

23 شوال 1433

21:08

۵,۷۸۰

خلاصة الخبر :
یعتبر بحث الانتظار من البحوث الهامة والرئیسیة في المعرفة، ومن الخطأ جداً أن نستعرضها علی أنها من الأبحاث المتوسطة والمتداولة، فنجعل بحث الانتظار في عداد سائر المستحبات، فنقول مثلاً: کما أن لدینا أعمالا أخری مستحبة، فمسألة الانتظار هي أحد تلک المستحبات
آخرین رویداد ها


نشکرکم بدایة علی تشرفکم معنا في هذا اللقاء ونبارک لکم هذه الأعیاد الشعبانیة المبارکة لو تفضلتم مشکورین ببیان مسألة الانتظار، ومدی تأثیره في حیاة الانسان المعاصر، لیطبقه علی واقعه بشکل عملي؟


بسم الله الرّحمن الرّحیم

أنا بدوري أیضاً أشکرکم علی إتاحة هذه الفرصة لي لأسعد بلقائکم، وأبارک لکم هذه الأعیاد الشعبانیة، وعلی ما تحملتم من عناء المجيء إلی هنا، وأبارک لمجلتکم الأسبوعیة «حریم الانتظار» أیضاً. ینبغي حقیقة منح الأولویة والاهتمام ببعض المجلات والنشریات التي تتعلق بالامام و بیت الامام و حرم الامام و حریم الامام، لیتعرف الناس وبشکل مباشر و واضح جداً علی آثار وأفکار الإمام من هذا الطریق، ونحن نعتقد بأن أحد أهم المراکز والمصادر والتي لها دور الصدارة في نشر الأفکار الصحیحة وبدقة عالیة هو بیت الامام(رضوان الله تعالی علیه).

أما السؤال الذي تفضلتم به حول الانتظار فأقول: یعتبر بحث الانتظار من البحوث الهامة والرئیسیة في المعرفة، ومن الخطأ جداً أن نستعرضها علی أنها من الأبحاث المتوسطة والمتداولة، فنجعل بحث الانتظار في عداد سائر المستحبات، فنقول مثلاً: کما أن لدینا أعمالا أخری مستحبة، فمسألة الانتظار هي أحد تلک المستحبات. مع أننا لو التفتنا في مصادرنا المعرفتیة إلی المفهوم الواقعي والحقیقي للانتظار، ودققنا في الآیات و الروایات و سیرة الائمة علیهم السلام، فسنشاهد أن فکرة الانتظار تعد من الضرورات واللوازم الایمانیة لکل مؤمن علی مر التاریخ، فلاحظوا هذه الآیة المبارکة مثلاً:« وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ» فهل أن هذا یدل علی أن المعنی کما في الآیة «من بعد الذکر» یفسّر بالتوراة فقط؟ یعني أنا کتبنا في التوراة والزبور أیضاً أن الأرض یرثها عبادي الصالحون؟ یعني أن الله تبارک وتعالی قد أخبر عن ذلک کخبره في القرآن الکریم أم لا؟

إننا یمکن أن ندعي ونقول: إن الأنبیاء کلهم وعدوا بظهور المخلص والمنجي، وظهور مصلح عالمي علی الأرض، وستتحقق غایة الخلق یوماً ما علی الأرض، فبعث الله الانبیاء والرسل لیبین کل منهم جزءاً من الدین، إلا أنهم قالوا لقومهم: إن ما نقوله لکم، إن عملتم به کله، فلیس هذا غایة الخلقة والخلق، ولا المطلوب الأخیر لله تبارک و تعالی، بل إن المطلوب الأخیر لله تبارک و تعالی سیتحقق یوماً ما علی الأرض.

ونحن قد نذکر هذه الآیة الشریفة أیضاً وهي قوله تعالی :«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ». لیظهر دینه «کله» علی البشر، وأما الضمیر في «کله» هل المراد به البشر أم الدین؟ فقد وقع فیه اختلاف بین المفسرین، لکن کلا الرأیین مرادان، یعني کل الدین لکل البشر، وهذا ما لم یقع في زمان أي نبي من الأنبیاء، بل لم یقع حتی في زمان الرسول أیضاً، ولا في زمان الأئمة علیهم السلام کذلک، لکن کافة الأنبیاء تابعوا هذا الهدف، فنستنتج إذاً أن هذا هو هدف کل الأنبیاء، فهم منذ البدایة کانوا قد ساروا علی هذا النهج، وأن کافة الأنبیاء هم جزء من المنتظرین، وکذلک الأئمة علیهم السلام.

وکما أن أنبیاء السلف قد بشّروا بنبوة نبینا خاتم الأنبیاء والمرسلین (علیه وعلیهم السلام)، وفکرته الأصلیة هي الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف، وأن سیظهر من النبي الخاتم من ذریته ذلک المصلح العام. فتکون النتیجة أن قضیة الانتظار هي من أعمق مفاهیمنا الدینیة، ولا نقدر أن نقول: إن هذا الانتظار هو مثل انتظار الفرج عبادة، أو افضل العبادة انتظار الفرج، ونقول: یستحب إذاً الصلاة رکعتین، وهذا هو عمل مستحب إلی جانب المستحبات أیضاً.

وما أعتقده هنا هو أن الإیمان بلا انتظار ناقص، فالمؤمن من دون انتظار لیس له فهم والتفات عمیق بإیمانه، ولأرفع ستاراً آخر أیضاً، إذ قد یقول الإنسان أحیاناً: أرید الاحتفاظ بإیماني، فعليّ أن أراعي الواجبات والمحرمات، وأقول أحیاناً: کلا، لکوني مسلماً ومؤمناً، عليّ أن أتابع تطبیق قصد الله تبارک وتعالی من خلق السماوات والأرض وارسال الرسل و انزال الکتب، لتتحقق هذه کلها، وستتحقق، فأنا أری تحقق مثل هذا الیوم؟

فإذا حصل عند الانسان هذا النوع من التفکیر والتصور، فهذا الانتظار لو تلاحظون سوف لن یترک الإنسان أصلاً یهنأ بالراحة والهدوء، والانتظار الذي تحدث عنه الإمام الخمیني رضوان الله تعالی علیه کما هو، لا الانتظار الذي یجعل الإنسان یعیش حالة من العزلة والإنزواء، أو یعیش حالة من الغفلة لما یدور حوله، وما یتعرض له الدین، فلیس هذا انتظار، ولهذا السبب یقال: «افضل العبادة انتظار الفرج». لاحظوا هذا التعبیر الوارد في کلام امیرالمؤمنین علیه السلام القائل: «انتظروا الفرج»، وقال أیضاًً: «ولا تیأسوا من رَوح الله»، إذ نفس الفرج هو روح الله فإذاً یمکن أن نطلق «روح الله» علی الإمام الحجة علیه السلام نفسه، وهذا ما یقوله الکثیرون، ویقولون: هذا هو المشهور أیضاً، لکن نفس الفرج والظهور هو روح الله، یعني تلک الحقیقة الاصلیة والهدف الاصلي لله تبارک و تعالی هو زمان الظهور.

 «فان أحب الأعمال الی الله عزوجل، انتظار الفرج»، فهذه الروایة مثلاً أو الروایة المرویة عن الامام الصادق علیه السلام: «من مات منتظراً لهذا الامر کان کمن کان مع القائم فی فسطاطه» وأضاف أیضاً:«لا، بل کان بمنزلة الضارب بین یدي رسول الله بالسیف» فما هذا الانتظار إذاً؟ هل الانتظار الذي أجلس في زاویة من زوایا البیت واعتزل کل شيء؟ ولأ أعیر أي أهمیة لما یجري علی الإسلام؟ فهذا لیس انتظار قطعاً، وهل الانتظار أن لا أدري بما یعصف بالمسلمین؟ أم الانتظار الذي أکون فیه غریباً أصلاً، عما یرتکبه الأعداء من جرائم وما یقوموا به من تحرکات ضد الإسلام؟فهذا لا یسمی انتظار أصلاً، بل ذلک الانتظار الذي له هذا القدر من الثواب، هو أن یتبع الإنسان تطبیق البشریة للدین بشکل کامل، فهذا الانتظار هو الذي یقود الإنسان نحو الحکومة الاسلامیة.

وعندنا جماعة کانت تعتقد قبل الثورة أن انتظار الفرج معناه أن نکثر الفساد، لیظهر الإمام علیه السلام، فهذا الکلام في اعتقادي لیس کلاماً سطحیاً فحسب، بل هو کلام یصدر من أعداء الدین في صفوف المسلمین، فمن المؤامرات التي خطط لها أعداء الإسلام، هي: تحریف هذه المفاهیم العمیقة والمتجذرة الانتظار هو الذي سعی إلی تحقیقه الأنبیاء والرسل جمیعاً، فکانوا من المنتظرین، ونبیّنا وأئمتنا أیضاً، کانوا ینتظرون انتشار ذلک الدین کله وبسطه في کل المعمورة وفي کل أرض، الانتظار هو هدایة البشریة جمعاء، ووصول المجتمع من جهة العقل إلی غایته، والانتظار هو أن تسود الفضائل الاخلاقیة في المجتمع، ومن الشئون المهمة التي یمکن أن أقولها طبقاً لما لدینا من بیانات للانتظار، هو أن للمنتظر مراتب ودرجات، فالمنتظر مرة هو نفس رسول الاکرم صلی الله علیه و آله وسلم، فهو ینتظر أن تؤتی رسالات الأنبیاء أکلها،وتقتطف ثمارها، والمنتظر مرة هم الائمة المعصومون علیهم السلام،حتی نصل إلی المرحلة التي تتلو مرحلة ما بعد الامام الخمیني الکبیر (رضوان الله تعالی علیه)، فهو أحد المنتظرین أیضاً،وکذلک مراجع التقلید العظام،حتی یصل الأمر إلی رجل الدین العادي مثلنا،أو من هم أقل طبقات المجتمع والقواعد الشعبیة .

إذاً المعنی الواسع هنا هو أن دیننا دین جامع وشامل، لتتحقق کافة أبعاده الأخلاقیة في المجتمع، لاحظوا مثلاً لماذا یقول الإنسان في عصر الظهور أن امرأة لو أرادت أن تسافر شرقاً  إلی الغرب، لا یتعرض لها أحد بسوء، فلماذا لا تکون تلک النزاعات والمشاحات وهذه القضایا في ذلک الزمان أصلاً؟ الجواب هو: لأن ذلک الزمان هو زمن التکامل الاخلاقي والعقلاني والسیاسي، ولماذا تنمو کل الکائنات فيه علی الأرض؟ رالجواب هو: لأن الذنوب والمعاصي تقلّ آنذاک، وقد وصل البشر إلی حد لا یسمح لنفسه بینه وبین الله أن یعصي ویذنب، نعم لدینا موارد أیضاً یذنب فیها الإنسان ویعصي ربه، لکن نوع البشر وصلوا إلی هذه المرحلة، فإذا لا یذنب البشر، فسیبرز تکوین فعلیته، وإذا تواجدت الیوم کثیراً من المشاکل في عالم التکوین، فالمسبب الوحید لذلک هم البشر، وهذا هو معنی الانتظار، ونصطلح علیه تسمیته«بالمدینة الفاضلة»، أو «المجتمع المليء بالقسط والعدل»مثلاً، وقد ورد هذا في اعتقادي في کثیر من الروایات والأخبار، «یملأ الله الارض قسطا و عدلاً کما ملئت ظلما و جورا» ،هذه ورقة من زمان الظهور، إذ العدالة و القسط  ورقة کبیرة، فلا یحصل تعدّ وظلم علی أحد بعد ذلک، ولا یمکن أن یظلم أحد أحداً أبداً.

حوار أجراه مراسل صحیفة «حریم الامام» مع سماحة آیة الله الشيخ محمدجواد الفاضل اللنکراني(دامت برکاته) حول مسألة الانتظار

الموارد التي تعرضتم لذکرها هي النمو الأخلاقي والعقلاني، فهل من وجهة نظرکم هناک نمو عبادي أیضاً؟

إمکاننا أن نقول: إن البشر غیر قادرین علی عبادة الله أصلاً إلی قبل زمان الظهور، فلاحظوا أن أحد المتغیرات علی مر العصور والأزمنة ومراحل التاریخ، حتی وصل إلی عصر الرسول صلی الله علیه وآله: هو بحث عبادة الله، فلیس هناک قوم بإمکانهم عبادة الله کالمسلمین، وأکمل نوع للعبادة هو ما یقع في عصر الظهور، فیکون کل شيء في أعلی وأکمل مراحله، وهذا هو الذي اتجه الدین نحوه، ومن عرّفوا الدین في معنی شخصي وفردي، هم غیر مطلعین حقیقة علی هذه المفاهیم، ولا علم لهم بذلک. فهل الانتظار الذي اتجه الیه الأنبیاء والأولیاء والمتدینین علی مر التاریخ هو أن یظهر امام العصر علیه السلام فقط؟ وأصلي أنا رکعتین أخریین أیضاً أو لا؟ أم لیتسع نطاق الدین وحدوده وأبعاده،ویطبق بشکل عملي،فهذا الانتظار یدعو الانسان إلی الحرکة والتغییر بشکل حقیقي،وإلی التفکر و التدبر في آیات القرآن الکریم،والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر،وفتح أعلی القلل العقلانیة والعلمیة،فهذا الانتظار هو الذي تحدث عنه الإسلام وقال به، ولو وجدنا هذا البعد حقیقة لنتحدث به للناس،وما یعتقده الإسلام للانتظار،فسیجذب الناس من أقطاب الأرض نحوه ونحو الدین.

من خلال تواجد هذه المؤهلات، ماهي الخصائص والسمات التي یتمثل بها الشخص المنتظر من وجهة نظرکم؟

أذکر الإجابة عن هذا السؤال في قالب ما روي عن الإمام الرضا علیه السلام، وهي روایة طویلة ومفصلة، لکنني أوجزها بذکر عدة مقاطع منها قال علیه السلام: «انتظار الفرج بالصبر» فالصبر مهم جداً، لا تیأسوا بسرعة، ولا تستعجلوا القول: لقد صودرت کافة جهود الأنبیاء، وذهبت أتعابهم ادراج الریاح، فلا فائدة منها، إذ لم تثمر عن شيء ولم تحقق أي نتیجة، فکل هذا الظلم الموجود، ومن ثم ینبغي الصبر أیضاً، وکذلک «حسن الصحبة» و«حسن الجوار»، في معاشرة الناس بالمعروف، لاحظوا: لماذا یستعرض الإمام الرضا علیه السلام ذلک؟ وما علاقة بحث حسن الصحبة بالانتظار؟ الجواب هو: لیکون الإنسان جراء هذا الارتباط قادراً علی حل المشاکل العالقة، وإیجاد الاتجاه الصحیح، فیکون مؤثراً في إیجاد المکارم الأخلاقیة والقضاء علی الرذائل، و«بذل المعروف و کفّ الاذی».

لکن یأتي هؤلاء لیقولوا للناس: ینبغي أن ینتشر الفسق والفجور، ویزداد الظلم والجور علی الأرض، فکیف یفسروا هذا مع ما رويناه عن الإمام الرضا علیه السلام هنا؟ و«کف الأذی» معناه أن لا یتعرض أي منتظر حقیقي إلی امرأة وأبنائها بسوء أبداً، ولا إلی ذویها وأرحامها، أو ما یبت لهم بصلة، ولا إلی المواطنین الذین یتعایشون معه، ولا إلی من هم علی شاکلته ومن بني صنفه، فلا یقول: «کف الأذی عن المسلمین» فقط، بل حتی عن أهل الکفر والکفار، و« بسط الوجه و النصیحة»، وهذا طبعاً زاویة من تلک الخصائص ذکرت أن للانتظار مراتب ودرجات، وهذه الخصائص ذکروها لعامة الناس.

ولکني ومن هذا المنبر أرید أن أشیر إلی هذه النقطة وهي: أن في بحث الانتظار ینبغي تحقق الغایة والهدف من الخلقة، فالعقل یقول: ینبغي عرض الدین بشکله الکامل والأتم علی کافة البشر، لاحظوا هذا السؤال الذي نردده دائماً وهو: لقد أرسل الله کل هؤلاء الأنبیاء والرسل، ولکن أکثر الناس لم یؤمنوا بهم، ولم یسلموا، ولو رفض أکثر الناس ذلک، وانتهی العالم بما فیه، فنقول: یلزم من کل ذلک اللغو، إذ علی الله أن یقول: إن هناک زمان یکون الهدف من التشریع هو هذا، وکذلک الهدف من إرسال الرسل، وقد أردت أن تصلوا أیها الأخوة إلی هذه النتیجة، فما یقوله العقل: إن علیکم أن تصلوا الی المرحلة الفلانیة أمر واضح الدلالة تماماً، وأما غیر هذا، فإنه مستفاد من  آیات القران الکریم في ما یتعلق بالمهدویة بشکل جید.

لقد بحثت تقریباً ما یقارب ثلاثین حلقة حول آیات المهدویة، ففي القرآن الکریم آیات عدیدة یمکن أن نستفید منها المهدویة، وإن لم یکن هناک روایات في هذا الشأن، مضافاً إلی أن هناک ما یقارب ستة آلاف حدیث عند الشیعة والسنة حول المهدویة، یعني احادیث مرتبطة بالإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وهي احادیث متواترة، بل وصلت حد الاستفاضة، وادعی سبعة عشر من علماء أهل السنة التواتر في هذه الأحادیث، یعني أنها لیست حکراً علی الشیعة تحدیداً. فالشوکاني مثلاً أدعی تواتر الروایات الواردة حول الإمام المهدي علیه السلام في کتابه «التوضیح فی تواتر ما جاء فی المنتظَر»، وقد قبل في کافة الروایات أن المهدي علیه السلام هو المصلح، وبقیة الله، وأنه من ذریة النبي صلی الله علیه وآله وسلالته، ویقول ابن أبي الحدید في شرح نهج البلاغة: «وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمین اجمعین: علی ان الدنیا و التکلیف لا ینقضی الا علیه»، یعني أن علیه أن یظهر، فکان حینذاک ثابتاً بین المؤرخین، ولیس بین أهل الحدیث فقط، لیقول ابن خلدون مثلاً في مقدمته: «الأحادیث الواردة حول الإمام المهدي علیه السلام في سندها مناقشة»، مع أنه یعترف في بدایة کلامه: «اتفق المسلمون أن سیظهر رجل من نسل رسول الله في آخر الزمان، اسمه المهدي، یظهر بعده الدجال، ونزول عیسی»، فهو یقبل کل هذا، ثم یقول بعد ذلک: «لقد ذکر اسم المهدي في کتب حدیثنا کثیراً، ولکن ورد في أسناد بعضها رجال اتهموا بالنسیان، أو الغفلة، و...».  وجوابه هو: أن الروایة المتواترة لا حاجة بعدئذ إلی تحلیل سندها، لکي یجيء ابن خلدون ویتکلم بهذا الکلام، وهذا مؤشر إلی ضعفه في الدرایة، فمسألة السند تطرح عندما تکون الروایة خبراً واحداً، فنحلل سندها، أما الروایة المتواترة فلا حاجة إلی تحلیل سندها أصلاً، فاعتمادنا إلی ما یعود الیه علیه السلام هو الاعتقاد بتواجد عدة أخبار غیر ضعیفة، بل هو أمر اتفق علیه کافة المسلمین.

النقطة التي تطرح هنا هي: أن ما توفر لدینا من أخبار هائلة هي دلائل وعلامات الظهور، وأن البعض یقول: بتحقق کل العلامات أو بعضها، فما هو تعلیقکم علی هذا؟ وهل یمکن لأحد أن یدعي ویقول: إن العلامة الفلانیة تحققت؟ وهل أن الیقین بتحقق العلامة الفلانیة بحاجة إلی علم خاص؟

إن لدینا قسمین من علامات الظهور: العلامات الحتمیة، والعلامات غیر الحتمیة.

ویستفاد من المصادر أن بعض العلامات التي لا تقع حتماً، فظهورها غیر محقق أصلاً، لکن بعض العلامات تطرح علی أنها عنواناً لعلامات غیر حتمیة، لکن الذي یبدو في نظري أن البحث حالیاً هو حول العلامات، ولو أنها اختصت بزماننا، کالثورات التي تحدث في عصرنا تحدیداً، والأحداث التي تحصل حالیاً في سوریا مثلاً، أو بعض الأشیاء الموجودة في روایاتنا، والمذکورة في مصادرنا التاریخیة أیضاً، المسألة هي السید الحسني، والمسألة هي الأمور التي هي علامات للظهور، هذه العلامات هي علامات حتمیة، فعندما تتحقق، ففي بدایة تحققها، ستکون محرزة لکثیر من الأفراد، وهذه في رأیي أحد القرائن علی تلک العلامات، العلامات التي نفرض مثلاً أن السید الحسني أو السید الخراساني، هذان معاً واحد أم اثنان؟ وهذا بنفسه محل بحث أیضاً. وأساساً هل أن أدلتها هي أدلة معتبرة أم لا؟ فالبعض یقول: إن أدلة السید الحسني ضعیفة جداً أیضاً، ولیست قویة أصلاً.

ولکني أرید أن أبین ما یلي، لاحظوا، إن عندنا قاعدة عامة حول ظهور الإمام علیه السلام، وأذکر مثالاً لتقریب المعنی إلی الأذهان، فکما أننا نقدر أن نقول حول کل مورد: إن لهذا البحث محکمات ومتشابهات وفروع في ما یخص مسألة الظهور، وتلک القواعد العامة الواردة في الروایات، هو ظهور الإمام علیه السلام بغتة مثل یوم القیامة، فهو یقع بغتة أیضاً، وهذا في الحقیقة أصلاً مسلماً به ومقبولاً لدی الجمیع.

وبعد التسلیم بهذا الأصل، فقد یبکر الناس مصبحون وقد ظهر الإمام المهدي علیه السلام وقد لا یطّلع الناس علی بعض العلامات أصلاً، وقد یحصل البداء في بعض العلامات أصلاً، حسب مقتضی قاعدة «یمحو الله ما یشاء و یثبت»، أما بعض العلامات التي ندعي أنها حتمیة، فلا دلیل لنا علی أنها لو وقعت، فستقع بعد خمسین عاماً أو مائة عام مباشرة حتماً، یعني أحد الأصول المتوفرة لدینا، هو بحث«کذب الوقاتون»، لاحظوا:عندنا مطلبان، أحدهما: أنه«یأتي بغتة»، مثل یوم القیامة، وثانیهما: «کذب الوقاتون»، فلو انتبهنا إلی کلا الأمرین، ونقول: یمکن أن تکون هناک علامات إن تحققت، فسیحصل ظن لدی الإنسان أن الظهور لیس بعید جداً بل قریب، فلا یمکنه أن یقول أنه سیقع بعد سنتین، ولا عشر سنوات، ولا خمسین سنة أخری، فقد تقع العلامة، ویتحقق الظهور بعد مائتي عام، یعني لا ینبغي أن نقول: لو کانت هذه الأحداث تحصل الآن، وکانت مصادیق لتلک العلامات، فبعد هذا یتحقق الظهور، کلا إذ لا یستفاد هذا من ذلک.

ومن الأمور التي تلفت نظري وقد یکون ذلک منسوباً للمرحوم الفیض أیضاً هو هذا المطلب وهو: أن أحد علل عدم معرفة وقت الظهور هو عدم تحدید الزمان، وذلک بسبب «یمحو الله ما یشاء و یثبت»، فقد تتعلق به إرادة الله، ولکن جزءاً من عالم المحو والإثبات، قد یمحی ویتغیر، فهذا شيء، لذا ینبغي وضع کل منها إلی جانب الآخر، أرید أن أبین ذلک بشکل عام، أننا لا یمکننا الاستفادة من کافة الأدلة المذکورة ومجموعها أن نقول: أن الظهور سیتحقق بعد وقوع تلک العلامة مباشرة، ولا یمکن أن نستفید مثلاً أن له زمان معین، ففي هذا الباب عموم مثل«کذب الوقاتون»، أو«یأتي بغتة»، قد لا ینسجم مع هذا الإدعاء.

وقد یتبادر إلی ذهني أحیاناً أننا لو جئنا وقررنا «یأتي بغتة» علی أنها أصل، فأي دلیل أن نأتي ونقول إن الله قد وضع لها علامة؟ أولاً:إن بعض العلامات التي حقق فیها المحققون هي من الإسرائیلیات، یعني أن جماعة ادعوا المهدویة علی مر التاریخ، فوضعوا کذباً وبهتاناً تلک العلامات الموضوعة، ونحن نقول الآن: حسناً، فلنتمسک بهذه العمومات، وکما ذکرت لکم طبعاً، أن بحث العلامات هو بحث طویل ومفصل، ینبغي البحث عنه في موضعه المناسب.

ما دام أننا وصلنا إلی بحث الإسرائیلیات، فلا بأس في أن نسلط الضوء علی منشأ ظهور الخرافات في باب المهدویة وطریقة معالجتها، ومواجهتها أیضاً؟

اسمحوا لي أن أطرح السؤال بشکل أوسع وأعم، البعض ادعوا المهدویة کذباً وزوراً، فعلی مر التاریخ کان هناک أشخاص ادعوا المهدویة، ولم یکونوا بالعدد القلیل، کالمنصور الدوانیقي ادعی المهدویة لابنه المهدي العباسي، بأنه هو المهدي الموعود، هؤلاء هم فریق، وهناک فریق آخر لم یکونوا قد اتجهوا إلی الإساءة لما اعتقده کافة المسلمین، أو یستغلوا هذا الأمر لصالحهم، فهذا فریق آخر کان کذلک، وهناک فریق کما سمعتم من التاریخ، قد یکونوا من الیهود أساساً، قد صنعوا ذلک، لیوجهوا ضربة للمسلمین، صنعوا أشخاصاً ادعوا المهدویة أصلاً، فقاموا بتربیة «محمد الباب»، فکان عاقبة أمره أن کتب عهداً بالتوبة قبل إعدامه، ثم تم تنفیذ حکم الإعدام به، ولکن أنصاره ومؤیدیه لم یتخلوا عنه، إذ سبب البابیة والبهائیة هو هذه المسألة إن أساس مفهوم المهدویة کما تلاحظون هو مفهوم مقدس جداً وقوي، بل مفهوم یمتلک جذوراً ومقومات عالیة، فمن الطبیعي أن یستغل بهذا النحو، ویمکن تشبیهه بالفاکهة الحلوة الطعم جداً، تتکاثر علیها الحشرات، ومن الطبیعي أن یسيء العدو لمفاهیمنا المتأصلة والأساسیة، ومن الطبیعي أن تتشکل الخرافات و تزداد حوله، ویمکن عدّ بعض الأسباب لذلک، أحدها: أن یکون السبب في ذلک هم العلماء ورجال الدین، والمبینین له أنفسهم، إذ لم یفسروا للناس حقیقة المهدویة بصورة صحیحة، بل أشاروا في ضمن کلماتهم إلی معنی إجمالي لها، وهذا خطأ کبیر جداً.

فإذا أردتم أن تشیروا إلی شخص الطریق بشکل موجز، فسیضل الطریق ویتیه ویمضي من هنا وهناک، ولا یسیر في الاتجاه الصحیح، فقد ذکر کبار علمائنا ولو في الوقت الحاضر کافة الجزئیات في کتبهم، ولکنهم لم یبینوا هذه المطالب ویفهموها  للناس ولا لأهل النظر والفکر بشکل صحیح، فالتلقي الحالي عن الإمام المهدي علیه السلام هو أنه سیظهر ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وقد یقع أحیاناً الدور والخطأ بأنه إذا ظهر، فکم من الناس سیقتل ویهرق دماءهم؟ وکل هذا کذب وغیر صحیح طبعاً، ولیس مثل هذا موجود في نصوصنا لاحظوا، أنه في زماننا، في هذا العقد الأخیر، کم من المشاکل التي حصلت في البلاد، بسبب عدم الإدراک والفهم الصحیح للمهدویة، فمن الناحیة المعرفتیة مثلا، کم تغیر المستوی المعرفي للشباب؟ ومستواهم الفکري، ولهذا أیضاً آثاره التخریبیة، فیوصل عدم التلقي الصحیح للمهدویة أحیاناً إلی أن یقول الإنسان: إنني قادر علی فهم کل شيء من القرآن والروایات، ولا حاجة لي إلی مرجع التقلید، ولا إلی رجال الدین، وهذا التلقي والتفکیر موجود حالیاً مع الأسف، لأننا إذا لم نفهم المهدویة للناس بشکلها الصحیح، فلا تلتف الخرافات وحدها بمعنی الکلمة حولها فحسب، بل سیضاف إلی هذا التلقي والتفکیر  آثاراً سیئة أیضاً.

وأشیر الآن إلی بعض آخر منها أیضاً، لاحظوا: إننا عجزنا حقیقة عن توجیه الناس بصورة صحیحة، وعلینا أن نقرّ بهذا، إذ علی وسائل إعلامنا، وإذاعاتنا وتلفزیوننا، وإعلامنا، والحوزات العلمیة، أن یدخلوا إلی الساحة، وقد شاهدتم أن القرص المدبلج الذي ظهر أخیراً، یحتوي من أوله إلی آخره علی الأکاذیب  والمطالب الباطلة.

وأنا أتذکر فبل أن یظهر هذا القرص المدبلج في الأسواق، أن أحد المعلمین في أحد الثانویات في العاصمة طهران أرسل لي بریداً ألکترونیاً: أن ظهر في الأسواق قرصاً مدبلجاً بهذه المواصفات، وهو یوزع علی الطلاب مجاناً، فقلت سأشاهده وأبدي عن رأیي، فشاهدته وکتبت أن کثیراً من المواضیع التي یطرحها هذا القرص مختلقة وکاذبة، لا أساس لها من الصحة، وباطلة، ولا یمکن بأي وجه من الوجوه تأییدها، هذه الاقراص وزعت، وهي متوفرة في الأسواق بکثرة، لکن ماذا حصل؟ وماذا کان؟ کان المجتمع یسیر باتجاه آخر.

وأنا أقول بهذا النحو: من هو السید الخراساني؟ ومن هو السید الحسني؟ ومن له هذا العنوان؟ ومن له ذاک العنوان؟ وأن الملک الفلاني هو الذي ورد ذکر اسمه في الروایات فالکثیر من هذا غلط وخطأ، فعدم التلقي الصحیح هذا، یعني أننا عجزنا عن تفکیک علامات الظهور، العلامات القطعیة واللاقطعیة، أما  القطعیة منها فهي محکومة بتلک الأصول والعمومات المتوفرة عندنا، فهذه یمکن أن تتغیر، إذ عندما نعجز عن تفهیمها، أو أن نقول أن الآخرین عاجزین عن فهمها بصورة صحیحة أیضاً، فسیؤدي ذلک إلی هذه المسألة إذاً، لاحظوا أن منشأ ظهور الخرافات في رأیي هو هذا، مضافاً إلی الاستخدام السیئ للمال العام، والمقام والقدرة، فالأشخاص الذین یجرون وراء القدرة، یجرون أیضاً خلف السلطة، ویحبون الجاه والمقام، فلهؤلاء طبعاً دور في تشکیل الخرافات.

وأشیر هنا أیضاً إلی أن بدایة زمان الغیبة، کان هناک أشخاص أدعوا الوکالة في عصر الغیبة الصغری، فلاحظوا کم واجههم الأئمة علیهم السلام، ولاحقوهم في عقر دارهم، وکذبوهم، وحصلت بینهم مواجهات ومناوشات کلامیة حادة وعنیفة، وصدرت تواقیع منه (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في خصوص البعض منهم، کاحمد بن هلال الکرخي، وقصته معروفة جدا. فقد توفي احمد بن هلال الکرخي وعمره سبع وثمانون عاماً، عاصر کل من الامام الرضا(علیه السلام)، الامام الجواد(علیه السلام)، الامام الهادي(علیه السلام)، الامام العسکري(علیه السلام)، وسبع سنوات من مراحل الغیبة الصغری للإمام المهدي(علیه السلام)، حج أربعاًً وخمسین مرة، مشی عشرین منها علی قدمیه، ادعی هذا الشخص النیابة الخاصة، لکن لاحظوا، خرج توقیع منه (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لسفیره الحسین بن روح یقول فیه: «قد کان امرنا نفذ الیک فی المتصنع ابن هلال، لا رحمه الله، لا غفر الله ذنبه، ولا اقال عثرته»، وخرج في حقه ذم کثیر، لم یکن الناس یتصوروا صدور مثل هذا في حقه من الامام(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، فقالوا للقاسم بن العلاء وکیل الحسین بن روح، فکتب رسالة لامام العصر(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وأجابه (عجل الله تعالی فرجه الشریف)بهذا الجواب.

أما في عصرنا هذا، فشاهدوا أن هناک ومع الأسف من ادعی الارتباط به (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وادعوا الرؤیة، وقد نفي هذا الأمر بشکل واضح وصریح جدا في أمر المهدویة، إذ یوجد الیوم من یدعي ذلک وهم في النقطة المقابلة بشکل دقیق.

بعد الغیبة الکبری، هل یمکن المشاهدة أم لا؟

أشیر من هنا إلی التوقیع الأخیر الصادر إلی سفیره(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، یعني علي بن محمد السَمُري، وهل یمکن الرؤیة في زماننا أم لا؟ فأنا أعتقد وجود أربع نظریات في ذلک.

أحدها: عدم تحقق الرؤیة في زماننا أصلاً، یعني بعد البدأ بالغیبة الکبری، فلا إمکان للرؤیة أصلاً، وقد قال بهذه النظریة کل من المرحوم الفیض في الوافي، المرحوم کاشف الغطاء في رسالة حق المبین، یقولون: بعدم إمکان الرؤیة والمشاهدة في زماننا، فباب الرؤیة والمشاهدة مسدود تماماً.

الثانیة: أنها لیست ممکنة للجمیع، الفاسق وغیر الفاسق، العادل وغیر العادل، المسلم وغیر المسلم، فللبعض هذه النظرة أیضاً.

الثالثة:اختار البعض حالة وسطی، وقالوا: یمکن المشاهدة والرؤیة للصلحاء والمطهرون، والزهاد، والنساک والعباد.

الرابعة: ویقول أصحاب هذه النظریة بعدم تحقق الرؤیة الاختیاریة، وعدم إمکانها، أما الرؤیة الاضطراریة وعن غیر اختیار فهي ممکنة هذه هي أربع نظریات موجودة في باب دعوی الرؤیة والمشاهدة، وأقام المستدلون بها أدلة وشواهد علی کل منها، ولهم فیها کلام.

ولکنني أرید أن أشیر إلی التوقیع الصادر منه علیه السلام إلی علی بن محمد السَمُري، کان المرحوم والدي (رضوان الله تعالی علیه)قد تمسک بهذا التوقیع، وکانت وجهة نظره عدم إمکان الرؤیة والمشاهدة أبداً، وعدم حصول الرؤیة الاختیاریة لبعض الأشخاص في زمان الغیبة الکبری، ثم نأتي بعد ذلک ونقول: إن المرجع الفلاني یرید أن یتشرف الیوم برؤیة ومشاهدة إمام العصر، فهذا لا صحة له أبداً، وکان استدلاله بهذا التوقیع الشریف، قیل: إن الشیخ قراءتي حفظه الله سجلوا له شریطاً مصوراً یتعلق ببحث المهدویة، ولم نعثر علی هذا الشریط بعد ذلک، وقد تناول سماحته فیه بحوثاً جیدة. أما هذا التوقیع الصادر منه (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، لسفیره الرابع السمري، فهو:

«بسم الله الرحمن الرحیم: یاعلي بن محمد السمري اعظم الله اجر اخوانک» ویشم منه رائحة اقتراب موت سفیره علي بن محمد السمري من الآن بقوله: «اعظم الله اجر اخوانک». وقال(عجل الله تعالی فرجه الشریف): «فانک میت، ما بینک و بین ستة ایام فاجمع امرک، ولا توص الی احد یقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغیبة الثانیة، فلا ظهور الا بعد اذن الله، وذلک بعد طول الامد، وقسوة القلوب، وامتلاء الارض جوراً، وسیأتی مَن یدعي المشاهدة، الا فمن ادعی المشاهدة قبل از خروج السفیاني و الصیحة، فهو کذاب مفتر، ولا حول ولا قوه الا بالله العلی العظیم»

أقول: روی هذا التوقیع کل من الصدوق في کمال الدین، الشیخ الطوسي في الغیبة، القطب الراوندي في الخرائج و الجرائح، السید ابن طاووس في ربیع الشیعة، إلی أن یصل إلی المرحوم المجلسي في البحار، وله سند معتبر  وأراد البعض أن یقولوا بإرسال الحدیث أو الاعراض عنه، فهذا الکلام لا وجه له من الصحة.

لاحظوا الروایة، هي توقیع معتبر لا بحث فیه من جهة السند، إذ لامعنی لبحث الإعراض عنه هنا أصلاً، أي الإعراض في المسائل العملیة والفتوائیة وغیرها، فجاء البعض وقالوا: أعرض العلماء عن هذا الحدیث، فالإعراض وإن کان في نظر البحث الرجالي: إذا جاء البعض وقالوا: إعراض المشهور عن الروایة قادح في تلک الروایة، فلم تقید الروایة أن تلک الروایة في باب الأحکام حتماً، ولکن بیاننا هو في أن مثل
هذا، کیف یمکنکم أن تقولوا في هذا المورد: إنه أعرض عن هذا أصلاً؟ فالإعراض یتم فیما لو اطلعنا علی کتب الفقهاء، لنری أنهم لم یعملوا طبقاً لهذا الروایة، فأنتم تریدون أن تتفضلوا لتقولوا: إن الفقهاء لم یعملوا بهذه الروایة، وقالوا بخلافها؟ فأین هذا؟ إذ أن بحث مسألة أن رؤیة ومشاهدة إمام العصر ممکنة أم غیر ممکنة، لم تطرح کثیراً في الکتب، لکي نأتي نحن ونقول أن أعداد من رفض العمل بهذه الروایة تتراوح من الثمانمائة إلی الألف، قالوا: لایمکن تحقق الرؤیة والمشاهدة، ولهذا لم یقع بحث مثل هذا أصلاً، ولا أرید أن أقول: إن هذا الرجالي مختص ببحث الأحکام، غایة الأمر أن للأحکام ظهور، تصدر الفتاوی طبقه، فیفهم الإنسان إنهم عملوا بالفتوی أم لم یعملوا، أما هنا فلیس هكذا.

فعمدة دلالة هذه الروایة: هو أنه(عجل الله تعالی فرجه الشریف) یقول: «وسیأتي من یدّعی المشاهدة»، فما معنی یدعي المشاهدة؟ یعني أن یأتي بعد ذلک ویقول: لقد تشرفت في یوم أمس بمشاهدة الإمام، لکنه (عجل الله تعالی فرجه الشریف)قال: «الا فمن ادعی المشاهدة قبل خروج السفیاني و الصیحة فهو کذّاب مفترٍ»، وقد قال بعض کبار العلماء حول هذا التوقیع: المراد«بمن ادعی المشاهدة»، یعني أن یدعي شخص النیابة الخاصة، ویکون جوابنا علی هؤلاء هو: أنه علیه السلام مهّد لذلک بذکر مقدمات، منها قوله:«فقد وقعت غیبة الثانیة»، وکذلک قوله: «لا ظهور الا بعد اذن الله»، إذ قد انتهی الظهور، فلن یراني بعد هذا أحد، ولا یعرفني، بعنوان أنني حجة الله، ثم یقول علیه السلام بعد ذلک: «من یدعی المشاهدة»، فأي المشاهدة فیها من یدعي النیابة؟ وکیف یرتکب خلاف الظاهر کهذا؟ بأن نفسر المشاهدة بالنیابة ونقول: من یدعي النیابة ولهذا، فإن إسناد هذه الروایة في غایة الاعتبار، وکذلک دلالته في غایة الوضوح.

وقد ذکرت أن المرحوم والدي کان من أشد المتمسکین في دلالة هذه الروایة. والآن تفضلوا وقولوا: إذاً کیف تحصل تلک اللقاءات والزیارات وغیرها؟ فنقول:إن کل ذلک من باب الاحتمال ،ولا یمکن القطع بذلک، لو کنا ننظر إلی هذه الروایة، وإذا کان هناک أدلة أخری تذکر فیها تلک اللقاءات والزیارات، فأنا لا أعلم بذلک حالیاً، ولا معنی لأن یکون هناک دلیلاً آخر أصلاً، وإذا وجد مثل هذا البیان القوي مثل قوله(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وانسد باب النیابة الخاصة، فسیبدأ حینئذ باب ادعاء الرؤیة، فاستعد(عجل الله تعالی فرجه الشریف) منذ البدایة لمواجهة تلک الفتنة، وقد ظهر في زماننا أیضاً من ادعی أنه تشرف بزیارة الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

وقد کشفنا نفس ما حدث في زمان المرحوم والدنا، وقصة«عرفانیان» طهران، حیث قدم هنا جماعة من متمولي سوق طهران ورافقهم بعض العلماء، فقالوا لي: إن السید «عرفانیان» یصلي صلاة الصبح و الظهر واللیل مقتدیاً بالإمام. وهکذا شوهوا أفکار الناس، وصنعوا لأنفسهم اعتبارات ومقامات کاذبة وموهومة، وعلینا نحن أن نقول للناس: إن الله قد أغلق هذا الباب حقیقة. فإذا حان وقت الظهور إن شاء الله، سنعمل حینئذ بالوظائف التي حددها الاسلام لنا في عصر الغیبة وأشیر أیضاً أیها الأخوة مرة أخری إلی هذه النقطة وقد أشرت إلیها من قبل بنحو الإجمال وهي: قد یقول البعض أحیاناً أن زمان الظهور هوعام 1414مثلاً، أو عام 2000، أو 2014 الآن، لکنهم رفعوا أیدیهم عن عام 1414،وصار حالیاً 2014،ف یاسیدي، ما ورد في الروایة أنه یظهر «بغتة» و«کذب الوقاتون»، وما روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال ثلاث مرات: «کذب الوقاتون کذب الوقاتون کذب الوقاتون»، یتضح منه: أن الأئمة علیهم السلام قد ابتلوا أیضاً بمثل هؤلاء الجهلاء الخبثاء الذین کانوا یوقتون للظهور، فلا یحق لنا أن نحدد وقت الظهور، ولا یحق لنا أیضاً أن نقول إن وقت الظهور قریب، فلا یمکننا فعل ذلک والقول به.

بناء علی ما تفضلتم به، لا صحة إذاً لما تتناقله الکتب من قصص الزیارات واللقاءات مع الإمام المهدي علیه السلام والکرامات أخیراً؟

أنتم شاهدتم طبعاً الکتاب الذي ألفه السید أبطحي حول اللقاء بوليّ العصر علیه السلام، حیث أقر هذا الرجل في التحقیقات التي أجریت معه، وأنا لا شأن لي بما أجري معه من تحقیقات قضائیة، لکن دلیلي هو ما أفاده السید «سیدان» والمرحوم الشیخ «الفلسفي»ومجموعة من کبار علماء «مشهد» وقد نقل أحد الثقاة عنهما أنهما قالا: طلبوا من السید «أبطحي» الحضور، فسألوه: ما هذا الذي کتبته وألفته؟ فقال:أنا ألفت هذا کذباً لأستهوي أنظار الشباب نحو إمام العصر، هذه هي حالة تتعلق بما ذکرته، فلاحظوا ما یروی في موارد أخری أیضاً ومن ثم أقول: إننا لو أردنا أن نقول: یاسیدي، افرض أننا نقول: إن السید الفلاني تشرف بزیارة الإمام ولي العصر علیه السلام، فربما یکون کذلک، أننا لو أضفنا«لعل»، فقد نقبل ذلک، ولکننا لا نقطع به ونقبله في أي وجه من الوجوه 

إذاً،أنتم تعتقدون ینبغي أن یفرض حظر علی مثل هذه الکتب أو توزیعها، ونشر مثل هذه الأقوال؟

إن التمسک والالتزام بها یعني توجیه ضربة للدین، وحرف الناس عن القضیة الأصلیة وهي الانتظار وحقیقته. والسؤال أصلاً هو: ألم یتشرف المنافقون في عصر حضور رسول الله صلی الله علیه وآله، والأئمة علیهم السلام بزیارتهم ولقائهم. فلو جئنا وقلنا: إن هذا الرجل تشرف بلقاء وزیارة الإمام المهدي علیه السلام، فهل یکون هذا دلیلاً علی حسن سیرة هذا الرجل وکونه إنساناً صالحاً، فهذا لیس هذا دلیلاً علی ذلک، وکم نحن قد أفرغنا هذا البحث المليء بالمحتوی، أفرغناه حتی وصلنا إلی غلافه، ثم نقول للناس: انتبهوا أیها الناس إلی هذا الغلاف یضاً.
 
لکن ما حقیقة الانتظار؟ وماذا یطلب منا امام العصر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)؟ وماذا یطلب منا الله عزوجل؟ أن نحرف أذهان الناس عن هذه القضایا؟ وعلی الحوزات العلمیة وکبار مراجع التقلید أن یفکروا في وضع حلول عملیة لذلک ان شاء الله. وهذه الکتب التي تزداد یوماً بعد آخر، علیهم أن یفتشوا عنها، ویعثروا علیها. وقد سمعت أخیراً أن آیة الله السیستاني انتقد بشدة ظاهرة نشر وتوزیع هذه الکتب، وعلی رجال الحوزة والعلوم الدینیة أن ینتبهوا لذلک الخطر الحقیقي والجاد.

أنقل لکم هذه القضیة: ألّف أحد الأخوة کتاباً عن«رجب علي الخیاط»،فقدم لزیارة والدنا فقال المرحوم والدنا: بعض ما ألفته وکتبته من مطالب في هذا الکتاب هي مزاعم موهومة وکذب، واستدل له بذلک. لاحظوا، علی العلماء أن یواجهوا هذه الحالات ویعربوا عن امتعاضهم الشدید تجاهها، ونحن نرفض رفضاً باتاً ما تتناقله بعض المحافل العلمیة من نقل بعض الکرامات لبعض الأشخاص، إذ لا واقع لها وهي عاریة عن الحقیقة والصحة.

نعم لکثیر من کبار علمائنا حالات الزهد في الحیاة،والعبادة،ولهذه مراتب ودرجات عالیة جداً، فتعالوا، لننقل هذه الکرامات للناس، وکفاءاتهم العلمیة، وقابلیاتهم علی الاستیعاب والفهم شاهدوا حیاة الإمام الخمیني (رضوان الله تعالی علیه)، أشهد بیني وبین الله، وأقول بفهمي الناقص، ولا أتعصب لذلک أبداً، لکنني أقول الحقیقة: إن الإمام(رضوان الله تعالی علیه)کان أستاذاً لوالدي، وأننا نعشق الإمام الخمیني(رضوان الله تعالی علیه)، والله یشهد علی ما أقول، لکنني أعتقد أن الشخص الذي عرف حقیقة الولایة في أعلی درجاتها، هو الامام الخمیني(رضوان الله تعالی علیه)، وهذه کتبه وحیاته الشخصیة والسیاسیة تشهد علی ذلک، وکل شيء عنده یشهد بذلک، فالولایة التي یمتلکها الامام(رضوان الله تعالی علیه)ویفهمها، یعجز عن فهمها الکثیر منا، فلماذا إذاً لم یأت الامام(رضوان الله تعالی علیه) لیدعي ذلک حول مسألة الولایة؟ وهو قادر علی أن یصطنع لنفسه مثل هذه الکرامات کل یوم، ولکننا نری أن أحد الأمور التي اشتهر بها الامام الخمیني(رضوان الله تعالی علیه) هي: أنه لم یسمح لهذه القضایا أن تدخل في حیاته الشخصیة، فتضایقه وتزعجه، ولم یسمح بدخول الأوهام أبداً، لیقولوا مثلاً: لقد شاهدنا صورة الإمام الخمیني في القمر. وأنا أتذکر في بدایة الثورة، کیف تصدی بشدة لبعض المحاولات والممارسات، وماهو التعامل البنّاء الذي صدر عنه أصلاً أو أن بعض من زاره یرووا عنه حکایات وقصص بعبارات ملؤها الغلو، فکم من هذه التعاملات قد تصدی لها الإمام(رضوان الله تعالی
علیه) بکل جرأة وشجاعة؟ 

أو شاهدوا المرحوم آیة الله العظمی البروجردي مثلاً، وکل ما نمتلک من علماء وکبار رجالات الدین، أیهم کان له تلک الادعاءات؟ونسبوا لأنفسهم مثل هذه الکرامات؟ لکنني سمعت هذه القضیة، وهي أن المرحوم آیة الله البروجردي کان یأتي فیجلس في ساحة البیت، ویقام مجالس العزاء، وما أروعها من مجالس عزاء؟کان یجلس القارئ ویرفع صوته قائلاً: لأجل سلامة امام العصر و آیة الله البروجردي صلوات!فکان یتأذی ویغادر مکانه،قائلاً:من أنا لتضعوا اسمي إلی جانب اسم إمام العصر؟ ثم نأتي نحن الآن ونقول: إن السید الفلاني تناول طعام الإفطار مع إمام العصر!وعشاءه أیضاً. فهذا غیر صحیح أبداً.

فعلی کبار علمائنا أن یتصدوا لکل هذه الممارسات والعقائد الشاذة والأقاویل المنحرفة، ونحن نأمل أن تکون أعمالنا محل رضا امام العصر(جل الله تعالی فرجه الشریف)، إذ نعتقد أنه علیه السلام عارف بما تستبطنه قلوبنا، فهل هذا الاعتقاد أقل من الحضور الظاهري؟ ولو کنت أعتقد في خلواتي أنه علیه السلام ناظر لأعمالي،فهل هذا أقل من التشرف الظاهري؟أم ذاک هو المهم؟ فکم من المحتالین قد ادعوا التشرف، لکنهم لم یرحموا أموال الناس ولا أعراضهم ونوامیسهم، وإن علینا أن نعمل بما أمر
به الأئمة(علیهم السلام) قالوا علیهم السلام: نحن نشرف علیکم، وننظر أعمالکم، ونطلع علیها، وهي تعرض علینا کل یوم هذه الأشیاء هي حقائق، لها أهمیة وقیمة کبری، بأن نأتي للناس ونطلعهم علیها، ونقول:إن کنت لوحدک، وإن کنت في بیتک أیضاً، وکنت في ظلمة اللیل الحالک، فامام العصر(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ناظر ومشرف علیک،فلنأتي ولنؤسس لذلک،بدل تلک الموضوعات الکاذبة والکلام الفارغ والباطل.

الملصقات :