رسالة في شرطية الابتلاء

12 شوال 1432

18:09

۱۱,۴۸۳

الخلاصة :
ذهب المشهور إلى وجوب الموافقة القطعيّة في العلم الإجمالي. وهي تحصل بالإجتناب عن جميع الأطراف، لكنّ الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) قد اشترط(1) في منجزيّة العلم الإجمالي كون التكليف فعليّاً بالنسبة إلى جميع الأطراف; على تقدير كون الحرام كلّ واحد من الأطراف. واحترز بهذا الشرط عن اُمور: ثالثها ما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الإبتلاء فلا يجب الإجتناب عن الطرف الآخر الذي هو داخل في محلّ الإبتلاء.
نشست های علمی

تأليف: سماحة آية الله الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنكراني «دام عزه»
نجل سماحة آية الله العظمى الفاضل اللنكراني «دام ظله»

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع البحث

ذهب المشهور إلى وجوب الموافقة القطعيّة في العلم الإجمالي. وهي تحصل بالإجتناب عن جميع الأطراف، لكنّ الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) قد اشترط(1) في منجزيّة العلم الإجمالي كون التكليف فعليّاً بالنسبة إلى جميع الأطراف; على تقدير كون الحرام كلّ واحد من الأطراف. واحترز بهذا الشرط عن اُمور: ثالثها ما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الإبتلاء فلا يجب الإجتناب عن الطرف الآخر الذي هو داخل في محلّ الإبتلاء.

وهذا البحث ـ أي شرطيّة الإبتلاء ـ ممّا اخترعه الشيخ الأعظم، ولم يسبقه إليه أحدٌ قبله، كما صرّح به المحشّي التبريزي في كتابه(2)، وصرّح به أيضاً المحقّق الآشتياني حيث قال(3): ثمّ إنّ شرطيّة الإبتلاء... وإن لم نقف على التصريح به في كلماتهم، بل المترائى منها في قصر شرائط التكليف، وحصرها في أربعة، عدم اشتراطه. ومن هنا كان بعض مشايخنا كثيراً ما يطعن على شيخنا الاُستاذ بكونه منفرداً في تأسيس هذا الأصل. ثمّ قال في تأييد هذا المبنى: إلاّ أنّه يجده المصنّف المتأمّل; ألا ترى(4) فتوى الفقيه بوجوب تعلّم مسائل الحيض، والنفاس مثلا على العامّي غير المزوّج؟ وكذا بوجوب تعلّم مسائل الجهاد على العوام مع أنّه لا يمتنع عقلا تحقّق الحاجة إليه؟ بالنسبة إلى هذه المسائل؟ حاشا ثمّ حاشا، مع أنّه يجب تعلّمها واستنباطها على المستنبط.

وبعد هذا فينبغي لنا أن نبحث عن ذلك الأصل، فإنّه أصلٌ مهمّ ذو ثمرات متعدّدة في كثير من أبواب الفقه، ويترتّب عليه فوائد جليلة، وباب واسع ينحلّ منه الإشكال عمّا علم من عدم وجوب الإجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع على حسب إعتقاد الشيخ(5). فإنّ هنا أمثلة موجودة من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب الإحتياط، بل وجواز المخالفة القطعيّة فيها، فربّما يتوهّم خروجها من حكم الشبهة المحصورة لدليل خاصّ في كلّ مورد، مع إنتفائه قطعاً، مضافاً إلى أنّ حرمة المخالفة القطعيّة وقبحها أمر عقلي لا يقبل التخصيص.

ومن هنا ذهب بعض إلى أنّ عدم وجوب الإحتياط في هذه الأمثلة دليل على البرائة في الشبهة المحصورة، ولكن الشيخ(قدس سره)اعتقد أنّ الطريق الصحيح لحلّ هذه الأمثلة; ما ذهب إليه من أنّه في جميع هذه الموارد يكون بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الإبتلاء. وإليك بعض الأمثلة التي ذكرها الشيخ وغيره:

منها: ما إذا علم الإجمالا بوقوع النجاسة في إنائه، أو في موضع من الأرض التي لا يبتلي بها المكلّف عادةً.

ومنها: ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في ثوبه، أو ثوب غيره الذي لا يكون مورداً لإبتلائه، فإنّ الثوبين من باب الشبهة المحصورة قطعاً، مع عدم وجوب الإجتناب عن شيء منها ـ حتّى ثوب نفسه الذي هو طرف للعلم الإجمالي بالنجاسة ـ .

ومنها: أنّ زوجة شخص لو شكّت في أنّة هي المطلّقة أو غيرها من ضرّاتها، لم يجب عليها الإحتياط، وجاز لها ترتيب أحكام الزوجيّة على نفسها، مع أنّ الشبهة محصورة، لكن غيرها من الضرّات خارجة عن محلّ إبتلائها. نعم، يجب على الزوج الإجتناب عن الجميع لو شكّ في المطلّقة، ودار أمرها بين كلّ واحدة من زوجاته.

ومنها: ما ذكره المحقّق الآشتياني في حاشيته(6) وهو وقوع طين السوق في الشتاء، أو طين الطريق على لباس الشخص أو بدنه مع حصول العلم الإجمالي بنجاسة بعض ما فيها على وجه ينتهي إلى الشبهة المحصورة قطعاً، فإنّ محلّ إبتلاء المكلّف خصوص ما وقع في لباسه، أو بدنه. وأمّا الموجود في أرض السوق والطريق، فهو خارج عن محلّ إبتلائه، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة بالنسبة إلى ما وقع في بدنه ولباسه; فيجوز له الصلاة في تلك الحال من دون إزالة الطين فضلا عن تطهير البدن.

ومنها: ما ذكره أيضاً، وهو أنّه لو علم الزوج بحيض بعض زوجاته، مع عدم إبتلاء بعضهنّ به، كما إذا كانت غائبة عنه، وأراد مقاربة الحاضرة، فإنّه يجوز له ذلك.

ومنها: ما لو علم الزوج بارتداد بعض زوجاته مع غيبة بعضهنّ، فإنّه يجوز إجراء الاستصحاب بالنسبة إلى الحاضرة.

ومن الأمثلة التي لم تُذكر في الكتب لكنّه يصحّ أن يكون مثالا للبحث، وهو مهمّ جدّاً، أنّه: إذا فرضنا فرضاً بعيداً أنّ شخصاً قد علم إجمالا بوقوع التحريف في مجموع القرآن، فبما أنّ المتشابهات خارجة عن باب الإستدلال لعدم وجود الظاهر لها، صحّ التمسّك بالمحكمات. وبعبارة اُخرى المتشابهات خارجة عن محلّ الإبتلاء، فلذا يكون العلم الإجمالي منجّزاً. فصحّ التمسّك بالمحكمات التي هي داخلة في محلّ الإبتلاء. إلى غير ذلك من الأمثلة التي يجدها المتتّبع.

ووافق الشيخ في هذا الأصل المشهور من المتأخّرين عنه، منهم المحقّق الخراساني(7)، والمحقّق النائيني(8)، وخالفه جملة من المحقّقين كالسيّد الإمام الخميني(9)، والسيّد المحقّق الخوئي(رحمهم الله)(10). وقبل الورود في البحث يجب

التعرّض لاُمور:

الأمر الأوّل: إنّ هذا البحث لا ينحصر بمسألة العلم الإجمالي والشبهة المحصورة، وإن ذكره الشيخ في هذا المجال; لكن دائرته تشمل جميع التكاليف، وبعبارة اُخرى وقع البحث في أنّه هل من شرائط تنجّز التكليف إبتلاء المكلّف بمتعلّقه أم لا؟

الأمر الثاني: في معنى الإبتلاء والخروج عن محلّ الإبتلاء، فاعلم أنّه يظهر من بعض الكلمات أنّ المراد من الخروج هو خصوص عدم القدرة العاديّة للمكلّف فقط; كما يظهر من كلمات المحقعق النائيني في الجواب عن النقض الذي أورد على الشيخ(11)، ويظهر من المحقّق الحائري(12) أنّ المراد بالخروج أعمّ من أن يكون الفعل غير مقدور للمكلّف عادّة كما إذا كان في بعض البلاد البعيدة، أو كان مقدوراً عادةً، ولكن على نحو يكون بعض الناس معرضاً عنه عادةً، ويكون دواعيهم مصروفة عنه كذلك، والميزان استهجان العقلاء للخطاب المتعلّق به، وخلاصة كلامه ترجع إلى أنّ الإبتلاء إمّا أن يكون شخصيّاً، فمقابله أيضاً شخصي، وإمّا أن يكون نوعيّاً، فمقابله أيضاً نوعي، ونتيجة هذا خروج الأفعال التي كانت منافرة للطبع عن محلّ الإبتلاء، ويظهر هذا المعنى من عبارة الكفاية من متنه، وحاشية الماتن أيضاً. هذا.

وقد يظهر من كلام الشيخ الأعظم أنّ المراد خصوص عدم وجود القدرة العاديّة سواء كان للمكلّف، أو لنوع الناس، ولا يشمل كلامه ما إذا كان الشيء منفوراً عند الناس، فإنّ الشيخ قد فرّع الخروج عن الإبتلاء، على عدم تنجّز التكليف، بينما أنّ تنجّز التكليف فيما إذا كان الشيء منفوراً منه عند الناس واضح، فحرمة كشف العورة منجّزة، وإن كان منفوراً منه عند جميع الناس.

وهنا معنىً رابع يستفاد من صحيحة عليّ بن جعفر الآتية بناءً على التفسير الذي ذكره الشسيخ، وهو أنّ الخروج عن محلّ الإبتلاء ليس منحصراً بعدم وجود القدرة العاديّة، بل يشمل عدم الإحتياج إليه، وعدم كونه مورداً للحاجة فعلا، والظاهر أنّ المحقّق الآشتياني يميل إلى هذا المعنى كما يستفاد من أمثلته للمقام، فإنّه حكم بأنّ غيبة بعض الأزواج سبب للخروج عن محلّ الإبتلاء مع وجود القدرة العاديّة بالنسبة إليه، فتدبّر!!

فتحصّل من جميع ذلك أنّ لنا فروضاً ثلاثة:

الفرض الأوّل: كون الشيء خارجاً عن القدرة العاديّة، ولا شكّ أنّه داخلٌ في محلّ البحث.

الفرض الثاني: كون الشيء داخلا تحت القدرة العاديّة، ولكنّه لا يكون مورداً للحاجة فعلا كخارج الإناء الذي يستفاد من صحيحة علي بن جعفر; لأنّة خارج

عن محلّ الإبتلاء بناءً على التفسير الذي ذكره الشيخ. والظاهر أنّ هذا المورد داخلٌ في محلّ البحث.

الفرض الثالث: كون الشيء داخلا تحت القدرة العاديّة، ولكنّه ممّا ينفر الطبع عنه، ويعرض العقلاء عنه عادةً; والظاهر أنّه ليس داخلا في محلّ البحث لاستلزامه عدم منجزيّة أكثر النواهي، وهذا بعيد جدّاً.

الأمر الثالث: إنّ الخروج عن محلّ الإبتلاء إذا كان قبل العلم الإجمالي، أو مقارناً للعلم الإجمالي فهو مانع عن تنجّز العلم الإجمالي، وأمّا إذا كان بعد العلم الإجمالي فهو الإضطرار الطارئ لا يكون مانعاً عن التنجّز(13).

الأمر الرابع: قد وقع البحث في أنّ هذا المطلب هل يرتبط باشتراط الدخول في محلّ الإبتلاء في حصّة التكليف أم لا يرتبط؟ أي انّنا لو قلنا بأنّ الدخول في محلّ الإبتلاء شرط في صحّة التكليف لوجب أن نذهب إلى عدم منجزيّة هذا العلم الإجمالي. وإن أنكرنا اشتراط الدخول فيجب أن نعتقد بمنجزيّة هذا العلم الإجمالي كما هو مذهب السيّد المحقّق الخوئي(رضي الله عنه).

وقد أنكر الشهيد الصدر(قدس سره)(14) هذا الإرتباط فقال: «إنّ منجزيّة هذا العلم الإجمالي لا يرتبط بهذه المسألة أصلا، بل حتّى على القول بفعليّة التكليف في موارد الخروج عن محلّ الإبتلاء لا يكون هذا العلم الإجمالي منجّزاً»، وقال في توضيح هذا الكلام: إنّ الدخول في محلّ الإبتلاء لا يمكن أن يكون دخيلا في الملاك، لأنّ هذا الوصف لا يمكن أن يكون محصّصاً إلى حصّتين، حصّة داخلة في محلّ الإبتلاء، وحصّة خارجة، إذ فرض وقوعه هو فرض دخوله في محلّ الإبتلاء. والملاك محرز على كلّ حال وهو كاف في التنجيز.

وأيضاً، اشتراط الخطاب بهذا القيد غير صحيح، لعدم وجود الاستهجان عند الخروج عن محلّ الإبتلاء.

وفيه:

أوّلا: إنّ قوله(قدس سره) إنّ منجزيّة هذا العلم الإجمالي لا يرتبط بهذه المسألة أصلا، محل تأمّل، فإنّ الملازمة في جانب الإثبات، ممّا لا يقبل الإنكار، فكلّ من قال بشرطيّة الدخول في محلّ الإبتلاء في صحّة التكليف; يجب أن يقول بعدم منجزيّة هذا العلم الإجمالي; ولعلّ مراده(قدس سره) هذا وإن كانت العبارة تأبى عن ذلك.

ثانياً: إنّ نفي الملازمة في جانب النفي إنّما يصحّ بناءً على عدم جريان الأصل الترخيصي في الشيء الخارج عن الإبتلاء، وسنذكر لكم بطلانه في الجواب عن الدليل الثاني الآتي.

ثالثاً: سيأتي إن شاء الله في الدليل الأوّل أنّ الخطاب، أو التكليف، وإن لم يكن ملاكه مقيّداً بهذا القيد لرجوع الإبتلاء إلى القدرة العاديّة، وهي كالقدرة العقليّة غير

دخيلة في الملاك، إلاّأنّ فعليّة الخطاب وتنجّزه مشروط بهذا القيد.

وبعد بيان هذه الاُمور يجب البحث في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّه هل يكون الإبتلاء وإمكانه شرطاً في التكليف، أم لا؟

وهل يكون شرطاً في ملاك التكليف، أو يكون شرطاً في الخطاب فعليّاً، أو تنجّزاً؟ وبعد كونه شرطاً في أصل التكليف هل يكون أيضاً من شرائط منجزيّة العلم الإجمالي أم لا؟

المقام الثاني: في أنّه بعد كونه شرطاً، إذا شككنا في أنّ الإبتلاء هل دائرة مفهومه يشمل الشيء الفلاني أم لا؟ فما هو المرجع في ذلك؟ هل المرجع إطلاقات أدلّة المحرّمات الواقعيّة كما ذهب إلية الشيخ الأنصاري وإن تردّد في آخر كلامه؟ أم المرجع أصالة البراءة عن الخطاب التنجيزي كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(15)؟

أمّا المقام الأوّل: فإنّه يستفاد من كلام الشيخ الأعظم أنّ الإبتلاء من شرائط منجزيّة العلم الإجمالي، كما أنّه من شرائط نفس التكليف، فإنّه ذهب إلى أنّ من شرائط منجزيّة العلم الإجمالي أن يكون التكليف في كلّ من طرفيه فعليّاً، بحيث لو علمنا بالتحريم في كلّ واحد من طرفيه لكان التكليف ثابتاً منجّزاً، واحترز بهذا الشرط عن اُمور منها: إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الإبتلاء وكلامه(قدس سره)، وإن كان كلّياً شاملا لجميع التكاليف أمراً ونهياً; لكنّه يظهر من دليله الأوّل الآتي: أنّ الدخول في محلّ الإبتلاء شرط لصحّة النهي، وسيأتي تفصيل ذلك في تحليل كلمات المحقّق النائيني.

واستدلّ على ذلك بأدلّة ثلاثة على ما يستفاد من مجموع كلماته(قدس سره) يختصّ بعضها بشرطيّة الإبتلاء في أصل التكليف، وبعضها الآخر بمنجزيّة العلم الإجمالي.

الدليل الأوّل: إنّ المقصود من النهي، حمل المكلّف على الترك، وهذا مختصّ بمورد الإبتلاء، لأنّ مورد الخروج عن محلّ الإبتلاء يكون الترك حاصلا بنفس عدم الإبتلاء، ويصير النهي عنه تحصيلا للحاصل.

الدليل الثاني: وهو مختصّ بشرطيّة الابتلاء في منجزيّة العلم الإجمالي; أنّه لا يجري الأصل في الشيء الخارج عن الإبتلاء، وقد ذكر لهذا تقريبان:

التقريب الأوّل: ما ذكره الشيخ الأنصاري(16)، وهو أنّه في الموارد التي يكون جميع الأطراف مورداً للإبتلاء يتحقّق التعارض بين الأصل الترخيصي الجاري في طرف، مع الأصل الترخيصي الجاري في الطرف الآخر. وبعد التعارض يجب الرجوع إلى التكليف التحريمي الثابت. ويجب الإحتياط. أمّا في ما إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الإبتلاء يكون الأصل الجاري في محلّ الإبتلاء خالياً

عن المعارض، لعدم وجود الثمرة العمليّة لجريان الأصل في المورد الخارج عن الإبتلاء بالنسبة إلى المكلّف; فيكون الأصل لغواً في مقام العمل، ولا يقع التعارض بينهما، وعلى هذا يصحّ العمل بالأصل الترخيصي الموجود في محلّ الإبتلاء، ومعنى هذا عدم منجزيّة العلم الإجمالي.

التقريب الثاني: ما ذكره الشهيد الصدر(17)، وهو أنّ الملاك في جريان الأصل وجود التزاحم الحفظي بين الأعراض اللزوميّة; والأعراض الترخيصيّة. والعرف والعقلاء لا يرون تزاحماً إذا كان الشيء خارجاً عن محلّ الإبتلاء.

الدليل الثالث: استهجان الخطاب بترك ما هو خارج عن محلّ الإبتلاء، وقد عبّر المحقّق العراقي(18) بأنّ المكلّف أجنبيّ عن المتعلّق عرفاً.

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري(قدس سره) أيّد مقصوده بما ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) الواردة في من رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً، فأصاب إناءه; هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال(عليه السلام): إنّ لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه... الخ(19).

وجه التأييد أنّ ظاهر الإناء، وباطنه من مصاديق الشبهة المحصورة. ومع ذلك حكم الإمام(عليه السلام) بعدم وجوب الإجتناب عن الإناء في صورة عدم استبانة شيء في الماء. والسرّ في هذا الحكم أنّ خارج الإناء يكون خارجاً عن محلّ الإبتلاء.

واستدلّ المحقّق النائيني بدليل رابع وهو: أنّ النهي مشروط بوجود القدرة العاديّة على الترك زائداً على القدرة العقليّة بخلاف الأمر، فإنّه مشروط بالقدرة العقليّة فقط (والمراد من القدرة العاديّة: تمكّن المكلّف عادةً من نقض العدم، وفعل المنهي عنه).

ووجهه استهجان التكليف بترك مالا يقدر عادة على فعله، لأنّ الترك حاصل بنفسه بخلاف التكليف بالفعل; لأنّ الأمر بالفعل إنّما يكون لأجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع. ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل على المصلحة بأيّ وجه أمكن; ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العاديّة وإن لم يأمر المولى تفضّلا، إلاّ أنّة أمرٌ آخر غير قبح التكليف واستهجانه، فلا يتوقّف صحّة الأمر بالفعل على أزيد من التمكّن العقلي بخلاف النهي عن الفعل. فلا يصحّ مع عدم التمكّن العادي من إيجاد المنهي عنه; فإنّ النهي مع عدم التمكّن قبيح. إنتهى ملخّص كلامه(20).

ومع التأمّل يظهر أنّ روح هذا الكلام يرجع إلى ما أفاده الشيخ في الدليل الأوّل: من أنّ النهي عن شيء خارج عن محلّ الإبتلاء يكون تحصيلا للحاصل. إلاّ أنّه أضاف شيئاً آخر لم يصرّح به الشيخ، وإن كان هو المستفاد من عبارته مع التأمّل; وهو وجود الفرق بين الأمر والنهي، فإنّ النهي مشروط بالقدرة العاديّة دون الأمر

الذي يكون مشروطاً بالقدرة العقليّة فقط.

وأجاب الشهيد الصدر عن الدليل الأوّل بوجوه(21):

الوجه الأوّل: إنّ هذا النهي لا يكون تحصيلا للحاصل، لوجود الفائدة له وهي تمكّن المكلّف من التعبّد بتركه.

الوجه الثاني: إنّ تحصيل الحاصل عبارة عن تحصيل أمر في طول حصوله، وهو المحال. وما نحن يه ليس كذلك، وإنّما هو تحصيل في عرض تحصيل آخر. فالمكلّف يوجد له زاجران عن الفعل أحدهما: الطبع، والخروج عن الإبتلاء، والآخر النهي المولوي.

الوجه الثالث: وجود الفرق بين التحصيل التشريعي، والتحصيل التكويني.

فالأوّل مجعول بسبب الخطاب بخلاف الثاني، والمراد من الخطاب هو الحصول التشريعي بخلاف الحاصل الذي هو حصول تكويني.

وهذه الوجوه غير تامّة في نظري القاصر.

أمّا الوجه الأوّل: فيمكن الجواب عنه حلاًّ ونقصاً: فالجواب الحلّي أنّ معنى التعبّد هو الفعل، أو الترك لأجل إطاعة المولى. ففي كمون معناه يوجد الاستناد الفعل، أو الترك إلى المتعبّد; وفيما إذا كان الترك حاصلا لا معنى للتعبّد بالترك، مضافاً إلى أنّ المقصود من الفائده المترتّبة على نفس الترك في نظر الشارع، مع قطع النظر عن التعبّد به. والجواب النقضي هو أنّه لو كان التعبّد بالترك كافياً فيما نحن فيه لكان التعبّد بالفعل الموجود الحاصل كافياً في صحّة الأمر به، مع وضوح فساده.

وأمّا الوجه الثاني: فإنّ الظاهر عدم الفرق في بطلان تحصيل الحاصل بين كون التحصيل في عرضه، أو في طوله. فإنّ تحصيل الشيء الذي هو حاصل محالٌ; على أنّه فيما نحن فيه يكون التحصيل في طول وجود الحاصل، فإنّ ترك الشيء غير المتبلى به متحقّق سابقاً.

وأمّا الوجه الثالث: فإنّ التحصيل التشريعي يرجع إلى التعبّد، وقلنا: إنّه لا معنى للتعبّد بالترك الحاصل. وقد ينتقض الدليل الأوّل(22)بالموارد التي لا ينقدح الداعي للمكلّف إلى فعلها دائماً، أو غالباً كالعذرة، وكشف العورة بالنسبة إلى صاحب المروّة، فإنّه بناءً على الدليل الأوّل يلزم عدم صحّة النهي عنها، لأنّ الترك حاصل مع قطع النظر عن النهي.

وأجاب المحقّق النائيني(23). بأنّ الفرق موجود بين عدم القدرة عادة على الفعل، وبين عدم إرادة الفعل عادةً. فالقدرة قيد في التكليف بخلاف الإرادة، فإنّه لا يعقل تقييد التكليف بصورة الإرادة، وفي هذه الموارد تكون القدرة موجودة; لأنّ بقاء ترك كشف العورة مثلا مستند إلى المكلّف، ولا مانع من هذا النهي بخلاف

الخروج عن محلّ الإبتلاء. لأنّ بقاء الترك مستند إلى نفس الخروج لا إلى إرادة المكلّف فلا يصحّ الخطاب به.

فتبيّن من جميع ذلك: أنّ الدليل الأوّل تامّ لا يرد عليه شيء من الوجود المذكورة. نعم هنا كلام للمحقّ الخراساني(24) إيراداً على الشيخ الأعظم، وهو أنّه لماذا ذهبتم إلى وجود الفرق بين النهي والأمر؟

فكما أنّ القدرة العاديّة معتبرة في الفعل بالنسبة إلى النواهي، فكذلك هي معتبرة في الترك بالنسبة إلى الأوامر لوحدة الملاك; فإذا كان المعلوم بالإجمالي مردّداً بين مالا يتمكّن المكلّف من تركه، وبين غيره لم يكن هذا العلم الإجمالي منجّزاً.

وأجاب عنه المحقّق النائيني(25): بأنّ المطلوب في باب النواهي مجرّد الترك، واستمرار العدم. وفي صورة عدم الإبتلاء يكون الترك حاصلا، فالخطاب لغو، بل تحصيل للحاصل، بخلاف الأوامر، فإنّ المطلوب فيها إيجاد المصلحة الموجودة في الفعل بأي وجه أمكن، ولو باسباب بعيدة خارجة عن القدرة العاديّة; وليس هذا التكليف مستهجناً عند العقلاء، ولا طلباً للحاصل.

وفي هذا الجواب نظر، لأنّ المحقّق الخراساني لا يدّعي شرطيّة القدرة العاديّة في الفعل بالنسبة إلى الواجبات; بل يدّعي شرطيّتها في الترك. ويقول: إذا كانت القدرة العاديّة على الفعل معتبرة في النهي، فاللازم إعتبار القدرة العاديّة على الترك في الأمر. والظاهر تماميّة إيراد الخراساني(قدس سره) على الشيخ الأعظم، فظهر عدم وجودب الفرق بين الأمر والنهي من هذه الجهة.

ثمّ إنّ المحقّق العراقي قد ناقش فيما أفاده المحقّق النائيني في أنّ ملاك الإستهجان ليس اعتبار القدرة العاديّة على الفعل في باب النواهي حتّى يقال بوجود الفرق بين الأمر والنهي; بل الملاك في الاستهجان. كون المكلّف أجنبيّاً عن المتعلّق، بحيث يرى العرف مثل هذا الشخص أجنبيّاً عن الفعل من دون فرق بين الأمر والنهي(26).

ولكن قلنا قبل أسطر: إنّه مع صحّة الملاك الذي ذهب إليه النائيني، لا فرق بين الأمر والنهي، وبعبارة اُخرى: لا ملازمة بين صحّة هذا الملاك، وبين وجود الفرق بين الأمر والنهي. على أنّ لنا سؤالا من المحقّق العراقي، وهو أنّه: ما هو الملاك في كون المكلّف أجنبيّاً؟ فليس له بدٌّ إلاّ الرجوع إلى ما ذهب إليه النائيني. وقلنا سابقاً إنّ هذا الملاك مستفاد من كلام الشيخ الأعظم، فراجع.

هذا كلّه بالنسبة إلى الدليل الأوّل، وأمّا الدليل الثاني فالظاهر أنّه غير تامّ بكلا تقريبيه. لأنّه عين محلّ الخلاف. يعني: لمّا أنّ الخلاف واقع في أنّ التكاليف الواقعيّة هل هي مشروطة بابتلاء المكلّف بمتعلّقاتها، فكذلك يجري الخلاف في

أنّ أحكام الظاهريّة، ومنها الاُصول العمليّة هل هي مشروطة بابتلاء المكلّف، أم لا؟

فلا يصحّ القول الجزمي بعدم جريان الأصل، فيما إذا لم يكن الشيء مورداً للإبتلاء.

وإن قلت: إنّ الغاية من جريان الاُصول العمليّة، رفع التحيّر للمكلّف في مقام العمل، ولا معنى لرفع التحيّر في الشيء الذي لا يكون مورداً للإبتلاء.

قلت: إنّ رفع التحيّر إنّما يكون في مقابل الحكم الواقعي، بمعنى أنّ الاُصول العمليّة لا تعطي حكماً واقعيّاً، وإنّما هي رافعة للتحيّر في مقام العمل، وأمّا الإبتلاء فلا يكون شرطاً، فربّما يجري الأصل العملي في الشيء الذي لا يكون مورداً للحاجة. فإذا شككنا في طهارة ثوب فأصالة الطهارة تجري وإن لم يكن الثوب مورداً للحاجة فعلا.

فما ذكره الشهيد الصدر(27) من أنّ أدلّة الاُصول العمليّة لا تجري في التكليف المحتمل في الطرف الخارج عن محلّ الإبتلاء، محلّ إشكال، بل منع، فإنّ قوله(عليه السلام): «كلّ شيء لك طاهر...» شامل للشيء المورد للإبتلاء وغيره. وما ذكره أيضاً من أنّ الأصل الترخيصي تعيين للموقف العملي تجاه التزاحم بين الأغراض اللزوميّة والترخيصيّة، والعقلاء لا يرون تزاحماً من هذا القبيل بالنسبة إلى الطرف الخارجي عن محلّ الإبتلاء، غير تامّ; لأنّ هذا التزاحم هو التزاحم الملاكي، وهو موجود في الواقع حتّى في الشيء الخارج عن الإبتلاء، فإنّه لا أقلّ داخلة في دائرة العلم الإجمالي وليس معدوماً محضاً.

وأمّا الدليل الثالث: فالاستهجان مبنيّ على إنحلال الخطاب إلى خطابات متعدّدة بتعدّد الأفراد والمكلّفين كما ذهب إليه المشهور، وأيضاً مبني على كون الإبتلاء شخصيّاً; بمعنى أنّه لو لم يكن الشيء مورداً لإبتلاء شخص، وكان الخطاب منحلاًّ إلى خطابات متعدّدة لكان مستهجناً.

وأمّا بناءً على عدم الإنحلال، وكون الخطاب واحداً; وإن كان المخاطب متعدّداً كما ذهب إليه الإمام الخميني(قدس سره)، فلا استهجان في الخطاب; إلاّ أن يكون عدم الإبتلاء نوعيّاً. ففي هذه الصورة يكون الخطاب مستهجناً، لعدم إبتلاء نوع الناس إليه.

والاستشهاد بالصحيحة غير جيّد، لأنّها خارجة عن باب العلم الإجمالي والشبهة المحصورة. فإنّ السائل قد علم تفصيلا أنّ الدم قد أصاب الإناء، ولا يعلم أنّه مع ذلك هل أصاب الماء أم لا؟ فالإصابة بالنسبة إلى الإناء قطعي تفصيلا، وبالنسبة إلى الماء مشكوكة بالشك البدوي، فيصحّ الوضوء منه.

وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الحرّ العاملي صاحب الوسائل(28). وبهذا البيان

بطل أيضاً ما ذكره الشيخ الطوسي من عدم إنفعال الماء بالأجزاء غير المستبانة من الدم، فإنّ وجود الدم في الماء ولو صغيراً مشكوك فيه.

ومن مجموع ما ذكرنا يظهر أنّ الإبتلاء من شرائط تنجّز التكليف من دون فرق بين الأمر والنهي، وإنّ الحاكم بشرطيّة الإبتلاء مختلف بإختلاف الأدلّة.

فبناء على الدليل الأوّل: يكون الحاكم هو العقل، وعلى الثالث هو العرف، فلا  يصحّ القول المطلق بأنّ الحاكم بالتقييد هو العرف كما صرّح به الشيخ الأنصاري(قدس سره) في كلماته، فراجع.

بقي هنا إشكال لا يمكن الذبّ عنه، وهو أنّه ما هو المستند في الفتوى(29)بوجوب تعلّم خصوص المسائل التي تكون مورداً للإبتلاء عند من لا يعتقد بشرطيّة الإبتلاء في التكليف؟ وبعبارة اُخرى: من أعتقد أنّه شرط في التكليف كالشيخ فيصحّ له القول بوجوب تعلّم هذا المقدار من المسائل. أمّا الذين لم يعتقدوا بشرطيّة هذا فَبِمَ أفتوا بهذه الفتوى؟ ولا فرق في هذا الإشكال بين كون الطريق إلى وجوب التعلّم وجود الروايات الموجودة، أو وجود العلم الإجمالي بتكاليف واقعيّة.

أمّا المقام الثاني فهو أنّه: بعد إثبات كون الإبتلاء شرطاً في صحّة التكليف على حسب تعبير المشهور، أو شرطاً لجريان الأصل الترخيصي على حسب تعبير الشهيد الصدر(قدس سره) إذا شككنا في الإبتلاء فهل يجب الإجتناب عنه؟ إمّا تمسّكاً بالإطلاقات كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدس سره)(30) ، وتمسّكاً بكون الشكّ فيه شكّاً في المسقط، كما صرّح به المحقّق النائيني(31)، أو لا يجب الإجتناب تمسّكاً بأصالة البرائة عن التكليف المنجّز كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(32).

هل الشبهة مفهوميّة أم مصداقيّة؟

وقبل الخوض في ذلك لابدّ من ملاحظة أنّه هل الشبهة مفهوميّة أو موضوعيّة؟

فنقول: لقد صرّح الشيخ الأنصاري بأنّ الشبهة مفهوميّة لا مصداقيّة، حيث قال(33): فمرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقيّد بقيد مشكوك التحقّق في بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه. وصرّح المحقّق الحائري أيضاً في الدرر بأنّ الشبهة مفهوميّة، حيث قال(34): إذا شككنا في كون الشيء داخلا في محلّ الإبتلاء أو خارجاً عنه لا من جهة الاُمور الخارجيّة، بل من جهة إجمال ما هو خارجي عن موارد التكليف الفعلي.

وقيل: إنّ الشبهة في المقام موضوعيّة. ولذا اعترض على الشيخ بأنّه لا مجال للتمسّك بالإطلاق في الشبهات الموضوعيّة; لكن هذا القول مدفوع بأنّ هذه الشبهة راجعة إلى عدم ضبط المفهوم من ناحية العرف.

نعم يمكن تصويرها بنحو الشبهة المصداقيّة. ببيان أنّ الشيء المعيّن، هل يكون في البلاد البعيدة الخارجة عن القدرة العاديّة، أم لا؟ لكن هذا غير محلّ البحث سيّما بالنسبة إلى كلام الشيخ.

«تصوير الشبهة المفهوميّة عند المحقّق النائيني»

ذهب المحقّق النائيني(35) إلى أنّ منشأ الشكّ عبارة عن إختلاف المراتب الموجودة في القدرة العاديّة، فبعضها ممّا يقطع بوجود القدرة العاديّة، فهو محل للإبتلاء، وبعضها الآخر ممّا يقطع بخروجه عن محلّ الإبتلاء، كالخمر الموجود في أقصى بلاد الهند مثلا، وقد يحصل الشكّ في وجود القدرة العاديّة في البعض الثالث، كالخمر الموجود بين البلاد البعيدة والقريبة. وبعبارة اُخرى هل دائرة القدرة العاديّة تشمل البلاد المتوسّطة أم لا، كقولنا: هل مهفوم الفسق شامل للصغائر أم لا؟

وعلى هذا البيان لا يصحّ إرجاع هذه الشبهة إلى الشبهة المصداقيّة كما أرجعها الشهيد الصدر(36). ببيان أنّ الخارج بالتخصيص عنوان ما يقبّح التكليف به، ومفهوم القبيح واضح، والشكّ إنّما هو في مصداقه.

والسرّ في عدم صحّة الإرجاع: أنّ البحث إنّما هو في نفس مفهوم الإبتلاء، وأنّه من المفاهيم غير المنضبطة عند العرف والعقل، وليس البحث في عنوان الخارج، أو الخروج على حسب تعبيره(قدس سره)على أنّ مفهوم القبيح أيضاً غير واضح، لعدم العلم بشموله بالنسبة إلى التكليف في البلاد المتوسّطة، فتدبّر!!

فتصوير الشبهة المفهوميّة بنحو ذهب إليه المحقّق النائيني صحيح، إلاّ أنّه مبنيّ على ما ذهب إليه من تفسير الإبتلاء بالقدرة العاديّة.

أمّا بناءً على تفسيره بكون الشيء ممّا يرغب إليه الناس، أو تفسيره بكون الشيء ممّا يكون مورداً للحاجة فعلا، فالظاهر عدم صحّة كون الشبهة مفهوميّة. بل هي موضوعيّة دائماً، فتأمّل.

تصوير الشبهة المفهوميّة عند الشهيد الصدر

إنّ الشهيد الصدر بعد أن ذهب إلى أنّ عدم منجزيّة العلم الإجمالي يكون

بملاك عدم جريان الأصل الترخيصي في الشيء الخارج عن محلّ الإبتلاء، قد صوّر الشبهة المفهوميّة في دائرة هذا الملاك على أنحاء ثلاثة(37):

الأوّل: شكّ العرف نفسه بما هو عرف في الإرتكاز، أعني إرتكاز عدم جريان الأصل لهذه المرتبة من الخروج عن محلّ الإبتلاء، فإنّه يعقل ذلك بالنسبة للعرف أيضاً، لكون هذه الاُمور تشكيكيّة.

الثاني: شكّ العرف في نكتة الإرتكاز، أي: إنّ العرف بما هو عرف لا يشكّ في وقوع التزاحم الحفظي بين الغرض اللزومي حتّى إذا كان في الطرف المشكوك، وبين الغرض الترخيصي، ولكن يحتمل أنّ المولى لا يهتمّ بهذا المقدار من التزاحم لضآلته، فيحتمل أنّ نكتة الإرتكاز عند المولى يختلف عن العرف.

الثالث: أنّ شخصاً يحتمل ثبوت الإرتكاز، وعدمه لدى العرف، ولا يكون واضحاً لديه، لإحتمال أنّه شذّ منهم لجهة من الجهات.

ثمّ إنّه حكم بعدم جريان الأصل في القسم الأوّل والثالث بخلاف القسم الثاني، فإنّه يجري الأصل، ويتعارض مع الأصل الجاري في محلّ الإبتلاء.

وهذا الكلام قابل للمناقشة ـ لأنّه: مضافاً إلى عدم الفرق الجوهري بين الأوّل والثالث، وإلى أنّ القسم الثاني لا يكون من الشبهة المفهوميّة; لأنّ إحتمال الإختلاف في نكتة الإرتكاز بين العرف والشرع لا يوجوب إيجاد الشبهة المفهوميّة في الإرتكاز، فإنّ عدم جريان الأصل مرتكز عند العرف، إذا كان التزاحم موجوداً بحسب نظر العرف، والتزاحم العرفي موجود حسب الفرض في القسم الثاني ـ إنّا قد أبطلنا هذا الملاك وقلنا: بأنّ الملاك في عدم منجزيّة هذا العلم الإجمالي ليس إرتكاز عدم جريان الأصل، بل الملاك شرطيّة الدخول في محلّ الإبتلاء في صحّة التكليف.

وبعد المناقشة في هذا التصوير يجب تصوير الشبهة المفهوميّة على نحو صوّرها المحقّق النائيني أي: الشكّ في كون دائرة الإبتلاء هل يشمل مفهومها عرفاً البلد الفلاني أم لا؟

إستدلال القائلين بوجوب الإجتناب عن المشكوك

بناءً على هذا التصوير قد يقال بعدم التنجيز للشكّ في فعليّة التكليف على أحد التقديرين، وعدم العلم بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير. لكن ذهب جمع إلى وجوب الإجتناب عن المشكوك، ومنجزيّة العلم الإجمالي.

إستدلال المحقّق النائيني بعدم خروج المشكوك بوجهين:

الوجه الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق النائيني(38)، فإنّه بعد أن ذكر أنّ الشكّ في القدرة يستتبع الشكّ في ثبوت التكليف قال: لمكان العلم بالملاك، وما هو المناط لإنقداح الإرادة المولويّة يجري عليه حكم الشكّ في المسقط; لأنّ القدرة عقليّة، أو عاديّة ليست من الشرائط التي لها دخل في ثبوت الملاكات النفس الأمريّة: فالملاك محفوظ في كلتا صورتي وجود القدرة، وعدمها، والعقل يستقلّ بلزوم رعاية الملاك، وعدم تفويته مهما أمكن. غايته عند العلم بعدم القدرة على استيفاء الملاك لا يلزم العقل برعاية الملاك، بخلاف الشكّ فيها، فإنّ العقل يلزم برعاية الإحتمال تخلّصاً عن الوقوع في مخالفة الواقع. فالشكّ في المقام ينتج نتيجة الشكّ في المسقط; أي في سقوط الملاك وهو مجرى الإشتغال لا البرائة. إنتهى كلامه.

وقد تأمّل في آخر كلامه وأسقط هذا الوجه عن الإعتبار بعد إيراد المحقّق الكاظمي عليه: بأنّ لازمه وجوب الإجتناب عن أحد طرفي المعلوم بالإجمال مع العلم بخروج الآخر عن مورد الإبتلاء، للعلم بتحقّق الملاك أيضاً في أحد الطرفين، ولا  دخل للإبتلاء وعدمه في الملاك، فلو كان العلم بثبوت الملاك يقتضي وجوب الإجتناب عن أحد الطرفين مع الشكّ في خروج الآخر عن مورد الإبتلاء، فليقتضي ذلك أيضاً مع العلم بخروج أحدهما عن مورد الإبتلاء.

ثمّ إنّ المحقّق العراقي(39) ذهب إلى عدم تماميّة إيراد الكاظمي على اُستاذه وقال: الفرق موجود بين الشك في القدرة في مورد وجود المصلحة، وبين الشكّ في وجود المصلحة في المقدور.

والأوّل موضوع حكم العقل بالإحتياط، والثاني ليس من باب الشكّ في القدرة; بل إمّا مقدور جزماً، وإمّا غير مقدور جزماً. وإنّما الشكّ في أنّ ظرف المناط أيّما كان، ومرجعه إلى الشكّ في أصل المناط، وقال في آخر كلامه: ليس العجب من المتوهّم (الكاظمي) اشتباه الأمر عليه، وإنّما العجب من اُستاذه كيف قنع بهذا الإشكال؟ فما ذهب إليه النائيني تامّ.

إحتجاج الشيخ الأنصاري بعدم خروج المشكوك بالإطلاقات

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ الأنصاري من التمسّك بإطلاق ما دلّ على حرمة الشيء، والقدر المتيقّن خروج ما علم عدم الإبتلاء منه، فإنّ الخطاب بالنسبة إليه مستهجن فبقي الباقي، أي: ما عُلم الإبتلاء به. وما هو مشكوك الإبتلاء.

بيان النائيني للتمسّك بالإطلاق

والسرّ في ذلك على حسب تفسير المحقّق النائيني أنّ التخصيص بالمجمل مفهوماً المردّد بين الأقل والأكثر لا يمنع عن التمسّك بالعامّ فيما عدا القدر المتيقّن من التخصيص وهو الأقل، والتمسّك بالإطلاق فيما نحن فيه أولى; لأنّ المقيّد لبّي والتمسّك فيه بالإطلاق جائز حتّى في الشبهة المصداقيّة فضلا عن الشبهة المفهوميّة.

ثمّ إنّه منع أوّلا: من كون هذا القيد من الأحكام العقليّة الضروريّة حتّى ينطبق عليه حكم المخصّص المتّصل الذي يسري إجماله إلى العام، وذهب ثانياً: إلى أنّ سراية إجمال المخصّص اللفظي المتّصل، أو العقلي الضروري; إنّما هو فيما إذا كان الخارج عن العموم عنوانا واقعيّاً غير مختلف المراتب، وتردّد مفهومه بين الأقلّ والأكثر، كمفهوم الفاسق.

أمّا إذا كان عنواناً ذا مراتب مختلفة، وعلم بخروج بعض مراتبه عن العام، وشكّ في خروج بعض آخر فلا يسري إجماله إلى العامّ; لأنّ الشكّ في مثل هذا يرجع في الحقيقة إلى الشكّ في ورود مخصّص آخر للعام غير ما علم التخصيص به.

المناقشة في بعض ما ذهب إليه النائيني

وما ذهب إليه أوّلا وإن كان صحيحاً لا غبار فيه، إلاّ أنّ المطلب الثاني لا يخلو عن إشكال كما بيّنه الممحقّق العراقي، قال: كلّ من قال بحجّيّة الألفاظ من باب أصالة الظهور يلتزم بأنّه إذا أتّصل بالكلام ما يشكّ; ولو بدواً في قرينيّته يضرّ بإنعقاد الظهور. وهذا الحكم العقلي وإنّ فرضنا عدم تردّده بين الأقل، والأكثر بل كان موجباً للشكّ في التخصيص بدواً; يمنع هذا المقدار من إنعقاد أصل الظهور، من دون إحتياج إلى ضمّ عنوان واقعي كان مفهومه مردّداً بين الأقلّ والأكثر.

على أنّ هناك إشكالا آخر يرد عليه، وهو عدم وجود الفرق بين كون المفهوم ذا مراتب مختلفة، وبين كونه غير مختلف المراتب. فإنّ الشبهة في كلا القسمين مفهوميّة، ونفس إجمال المفهوم في المخصّص المتّصل اللفظي وما هو بحكمه يسري إلى العامّ; فإنّ الملاك في السراية نفس وجود الإجمال في المفهوم، سواء كان له مراتب مختلفة أم لا، فتدبّر. ولعلّ المحقّق النائيني التفت إلى هذا الإشكال وأمر بالتأمّل في آخر كلامه.

وقال الشهيد الصدر(40): كأنّه ضاع مراد المحقّق النائيني على مقرّر بحث المحقّق العراقي، فتخيّل أنّ المقصود هو أنّ مفهوم الخارج عن محلّ الإبتلاء ذو مراتب. وقد خرج عن العام بجميع مراتبه، وشكّ في أنّ مرتبته الضعيفة داخلة في محلّ الإبتلاء أم لا؟ فأورد عليه بأنّ بهذا خلف فرض سريان إجمال المخصّص المتّصل إلى العامّ في تمام الموارد.

إلاّ أنّ مقصود المحقّق النائيني لم يكن ذلك، بل المقصود أنّ بعض مراتب الخروج عن محلّ الإبتلاء يفرض خروجه عن العامّ بالمخصّص لوضوحه عند العقل وتضعف درجة الوضوح هذا إلى أن تنعدم في بعض مراتب الخروج عن محلّ الإبتلاء، فلا يحكم العقل بعدم صحّة جعل الحكم فيه، فلا يكون خارجاً بالمخصّص اللبّي المتّصل، فيتمسّك فيه بالعامّ مطلقاً، أو في خصوص الشبهة المفهوميّة حسب إختلاف المباني، إنتهى كلامه.

ثمّ قال المحقّق النائيني في آخر كلامه: إنّ الإبتلاء ليس كالعلم من القيود المتأخّرة عن التكليف وجوداً حتّى لا يصحّ التمسّك بالإطلاق في نفي ما شكّ في إعتباره; بل من الإنقسامات السابقة عليه، لأنّ القدرة العاديّة كالقدرة العقليّة من الأوصاف العارضة على المكلّف قبل توجّه التكليف إليه، وعلى فرض تسليم كون الإبتلاء من القيود المتأخّرة، لكن مجرّد هذا لا يجعله من شرائط التنجيز، فإنّه منحصر بالعلم والوصول، أو ما يقوم مقام العلم، فإنّ الملاك في شرطيّة التنجيز هو كون الشيء موجباً لوصول التكليف، وقيد الإبتلاء ليس ممّا يوجب التكليف.

ويتوجّه عليه إيرادان:

الأوّل: ما ذكره المحقّق العراقي من أنّ معنى التنجيز وصول الخطاب بمثابة يوجب استحقاقه العقوبة على مخالفته; وكما أنّ للوصول دخلا كذلك للقدرة عليه أيضاً دخل في فعليّة استحقاق العقاب، فلا معنى لحصر أسباب التنجيز بخصوص الوصول.

الثاني: ما ذكره نفسه(قدس سره) من أنّه بعد تسليم كون الإبتلاء من القيود المتأخّرة لا  مجال للتمسّك بالإطلاقات وإن لم يكن من شرائط التنجيز، ضرورة أنّه لا ملازمة بين عدم كونه شرطاً للتنجيز، وبين صحّة التمسّك بالإطلاق، إذ يكفي في المنع عن التمسّك بالإطلاقات مجرّد كونه من الإنقسامات المتأخّرة. فالأولى منع كونه من القيود المتأخّرة; ولا يذهب عليك أنّ في تفسير كلام الشيخ الأنصاري يوجد إحتمالين:

الإحتمال الأوّل: وهو الأظهر وفاقاً للمحقّق الآشتياني أنّ مقصوده(قدس سره) هو أنّ المقيّد اللبي ليس كالمقيّد المتّصل الذي يسري إجماله إلى العام ولا يجوز التمسّك فيه بالإطلاق، بل من قبيل المقيّد المنفصل الذي لا يسري إجماله إلى

العام. وعلى هذا يمكن أن يرد على الشيخ منع هذا المبنى، فإنّ الملاك في الإتّصال، أو الإنفصال هو العرف والعقلاء، وهم يرون المقيّد اللبي متّصلا.

الإحتمال الثاني: أنّ المقيّد البي المنفصل المردّد بين الأقلّ والأكثر هل هو كالمقيّد اللفظي المنفصل أم لا؟

وبعد هذا الكلام نقول: قد اُورد على الشيخ إيرادات ثلاثة لا يمكن الجواب عن جميعها، وإن اُجيب عن بعضها.

الإيراد الأوّل: ما ذكره صاحب الكفاية من أنّ التمسّك بالإطلاق إثباتاً فرع إمكان ثبوته، والشكّ في المقام في إمكان ثبوته، فلا معنى للتمسّك بالإطلاق.

وأجاب عنه المحقّق النائيني حلاًّ ونقضاً.

أمّا الحلّ فلأنّ الأمر بالعكس أي: إنّ الإطلاق إثباتاً كاشف عن وجود الإطلاق ثبوتاً وفي نفس الأمر، كما إنّ الخطاب كاشف عن وجود الملاك في نفس الأمر، فمن هذا الإطلاق نستكشف عدم استهجان التكليف في مورد الشكّ، كما يستكشف من إطلاق قوله(عليه السلام): «اللّهمّ العن بني اُميّة قاطبة» عدم إيمان من شك في إيمانه من هذه الطائفة الخبيثة.

وأمّا النقض، فبأنّ هذا البيان موجب لسدّ باب التمسّك بالإطلاقات، ففي جميع موارد التمسّك يكون الشكّ موجوداً في نفس الأمر.

وقد فسّر المحقّق العراقي عبارة الكفاية بما يسلم من هذين الإيرادين، ولكن التفسير لا يستفاد من ظاهر العبارة أصلا، لأنّه راجع إلى كلتا العبارتين. فإيراد المحقّق الخراساني غير تام.

الإيراد الثاني: أنّ وجوب الإجتناب في الشبهة المحصورة لا يستفاد من مجرّد قوله: «اجتنب عن النجس» حتّى يتمسّك بالإطلاق في الموارد المشكوكة، بل يستفاد منه بضميمة حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة; ولا جريان للإطلاق في الحكم العقلي، لأنّه من الأدلّة اللبيّة، والإطلاق من أوصاف اللفظ.

واُجيب عن هذا الإيراد بأنّ المراد هو التمسّك بالإطلاق الموجود في أدلّة أخبار الإحتياط، لكن هذا الجواب مخالف لصريح عبارة الشيخ، فراجع.

الإيراد الثالث: أنّ الرجوع إلى الإطلاق إنّما يصحّ لدفع القيود التي كانت في مرتبة المقيّد، مع أنّ الإبتلاء بحكم العقل والعرف من شرائط تنجّز الخطاب. والتمسّك بالإطلاق إنّما هو في مرتبة الإنشاء، وبعد تماميّة هذين الإيرادين ينتج أنّ التمسّك بالإطلاق غير تامّ جدّاً، والصحيح هو التمسّك بما ذهب إليه النائيني من كونه شكّاً في المسقط وعدم إيراد المحقّق الكاظمي عليه كما سبق تفصيله.

فإن قلت: إذا كانت الإبتلاء من شرائط تنجّز التكليف، فما هو المعنى لوجود التكليف عند الشكّ في الشرط؟

قلت: هذا مسلّم، فإنّ المشروط ينتفي عند إنتفاء الشرط، ومشكوك عند الشك في الشرط. لكن لا ندّعي أنّ التكليف المشروط بهذا الشرط موجود، بل حكم العقل بلزوم الإحتياط موجود في فرض العلم بالملاك، وهذا غير مشروط بالتنجّز.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا في هذا المقام أنّ المرجع عند الشكّ هو الإحتياط من باب أنّ الشكّ شكٌّ في المسقط. وهو مجرى الإحتياط، ولا تصل النوبة إلى جريان البرائة.

الحمد لله أوّلا وآخراً وظاهراً وباطناً


(1) ـ راجع التبيه الثالث من تنبيهات الشبهة المحصورة: 419، من طبع جماعة المدرّسين.
(2) ـ أوثق الوسائل: 346.
(3) ـ بحر الفوائد 2: 102.
(4) ـ هكذا في النسخ التي بأيدينا، والصحيح: أترى بدل ألا ترى والإستفام إنكاري.
(5) ـ فرائد الاُصول: 420، من طبع جماعة المدرّسين.
(6) ـ بحر الفوائد 2: 103.
(7) ـ كفاية الاُصول: 361، من طبع آل البيت(عليهم السلام).
(8) ـ فوائد الاُصول 4: 57، من طبع جماعة المدرّسين.
(9) ـ في بعض التقريرات، بقلم والدنا المعظّم، المخطوط.
(10) ـ حكايةً عن تقريرات بعض تلامذته.
(11) ـ فوائد الاُصول 4: 54.
(12) ـ درر الفوائد: 464، من طبع جماعة المدرّسين.
(13) ـ درر الفوائد: 464.
(14) ـ بحوث في الاُصول 5: 286.
(15) ـ كفاية الاُصول، المقصد السابع، التنبيه الثاني: 361، طبع آل البيت.
(16) ـ فرائد الاُصول: 420، من طبع جماعة المدرّسين.
(17) ـ بحوث في علم الاُصول 5: 288.
(18) ـ حاشية المحقّق العراقي على فوائد الاُصول 4: 74.
(19) ـ وسائل الشيعة 1: 112، الكافي 3: 74.
(20) ـ فوائد الاُصول 4: 51 ـ 52، طبع جماعة المدرّسين.
(21) ـ بحوث في علم الاُصول 5: 288.
(22) ـ فوائد الاُصول 4: 52.
(23) ـ نفس المصدر: 53.
(24) ـ كفاية الاُصول، حاشية منه، الصفحة: 361، طبع آل البيت.
(25) ـ فوائد الاُصول 4: 51.
(26) ـ حاشية المحقّق العراقي على فوائد الاُصول 4: 51، من طبع جماعة المدرّسين.
(27) ـ بحوث في علم الاُصول 5: 288.
(28) ـ وسائل الشيعة 1: 112.
(29) ـ راجع العروة الوثقى، مباحث التقليد المسألة 28.
(30) ـ فرائد الاُصول: 252، طبع رحمة الله.
(31) ـ فوائد الاُصول 4: 55.
(32) ـ كفاية الاُصول: 361، طبع آل البيت.
(33) ـ رسائل: 252، طبع رحمة الله.
(34) ـ درر الفوائد: 464.
(35) ـ فوائد الاُصول، الجزء 4.
(36) ـ بحوث علم الاُصول 5: 297.
(37) ـ بحوث في علم الاُصول 5: 290.
(38) ـ فوائد الاُصول 4: 57.
(39) ـ حاشية العراقي على فوائد الاُصول 4: 56، من طبع جماعة المدرّسسين.
(40) ـ بحوث في علم الاُصول 5: 297.


الملصقات :