نخبة الأنظار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار

تأليف: الأستاذ المحقّق آية الله الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنکراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدللّه‏ الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته، وجاء بالنهار مبصراً برحمته وأرسل رسوله محمّداً هادياً لأُمّته واُصلّي واُسلّم عليه وعلى عترته.

أمّا بعد فإنّ الفقه من أعظم العلوم شأناً وأوسعها نطاقاً في حياة البشر، فإنّا لم نجد موضوعاً لا يتعلّق به حكم من الأحكام الشرعية التكليفية أو الوضعية، فللفقيه حقّ عظيم في إرشاد الاُمّة الإسلاميّة إلى وظائفهم الإلهيّة ولم يصل أحد إلى هذه المنزلة إلاّ إذا خالف الهوى واتّبع أمر مولاه، فإذا كان هكذا، أحبّه اللّه‏ وإذا أحبّه فقّهه في الدين ويستطيع أن ينظر بنور اللّه‏ في الأحكام الإلهيّة التي أوحى بها إلى سيّد المرسلين وكان ممّن اجتهد في هذا الميدان، المجتهد البارع الاُستاذ المعظّم لدروس الخارج في الحوزة العلميّة بقم، الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنكراني دامت افاضاته فقد جدّ كمال الجدّ حتّى بلغ بحمد اللّه‏ مرتبة الإجتهاد والإستنباط في شباب عمره

بحيث صار مجلس درسه مورداً لتوجّه الفضلاء ووقعت كتبه محلاًّ للبحث بين العلماء وهذا الكتاب حصيلة لمجموعة من أبحاثه في شهر رمضان سنة 1430ه . ق في موضوع إرث الزوجة من العقار والأبنية ألقاها لعدّة من الفضلاء وهذا الموضوع من المباحث الهامّة في هذا العصر فإنّه من المسائل الغامضة من حيث الدليل والاستدلال وكثرة الروايات الواردة فيه وتعدّد العناوين المذكورة فيها من جانب ومن المباحث التي تكون نتيجتها مهمّة للثقافيين من جانب آخر وهذا الكتاب تحقيق جامع استدلالي قد روعي فيه ضوابط الاجتهاد عن دقّة عميقة جدّاً ونحن نهضنا بنشره في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الذي هو من جهود المرجع الأعلى آية اللّه‏ العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (قدس سره) إجابة لدعوة جمع من الأعزّاء الكرام وتعميماً لفائدته للفضلاء العظام، وفي الختام نشكر من سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ جعفر الطبسي وحجّة الإسلام السيّد جواد حسينيخواه دامت إفاضاتهما حيث بذلا جهدهما لمراجعة مصادر الكتاب ونسئل اللّه‏ تعالى أن يوفّقنا لمرضاته إنّه قريب مجيب.

مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
محمدرضا الفاضل الكاشاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه‏ ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا إبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين ولعنة اللّه‏ على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد فلا شكّ بين المسلمين جميعاً في أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته المرأة، ولكن الخلاف وقع في أنّ الزوجة هل ترث من جميع ما تركه الزوج أم لا، بل كانت محرومة من بعض الأشياء؟

ذهب العامّة إلى أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة؛ فكما يرث الزوج من جميع ما تركته زوجته، فكذلك ترث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، فلا فرق بينهما في الإرث من هذه الجهة.

ولكن الإماميّة وفقهائهم ذهبوا إلى أنّه لا شكّ في أصل وجود الحرمان للزوجة بالنسبة إلى شيء ممّا تركه الزوج، ولا خلاف بينهم في هذا المعنى. وإنّما النزاع في موردين:

الأوّل: فيما تحرم الزوجة منه.

الثاني: فيمن تحرم من الزوجات.


خلفيّة البحث

وقبل الورود في البحث لا بأس بالإشارة إلى خلفيّة البحث، فنقول: إنّ البحث حول إرث الزوجة كان من قديم الأيّام متداولاً بين علماء الإماميّة، كما أنّه يعدّ من المسائل المهمّة التي قد وقعت الشيعة مورداً للطعن من المخالفين، وربما اتّهموهم بأنّهم قد خالفوا القرآن وعمومه وخرجوا عن إجماع الاُمّة، ففي زمن الشيخ المفيد (قدس سره) قد أرسل إليه وكيله في صاغان(1) شبهات وأسئلة من قِبل أبي العبّاس وهو الفقيه الحنفي المعاصر المقيم في نيسابور وقد ذكر فيها سؤالاً حول هذا الموضوع وصرّح بأنّ القول بحرمان الزوجة من بعض ما تركه الزوج مخالف لعموم القرآن حيث قال اللّه‏ تبارك وتعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ»<،(2) فهذه الآية عامّة تدلّ على أنّ الزوجة ترث من جميع ما تركه الزوج، وصرّح أيضاً بأنّ هذه الفتوى موجبة للخروج عن


1. صاغانُ بالغين المعجمة، وآخره نون: قرية بمرو وقد تسمّى جاغان كوه، عن السمعاني، والصغانيان: بلاد بماوراء النهر، وقد تشبه النسبة فيهما وتُذكر في موضعها. معجم البلدان 3: 441 .

2. سورة النساء: 12.

إجماع الاُمّة.

وقد أجاب الشيخ المفيد بأنّه لا إشكال في مخالفة العموم وتخصيصه بالخبر المتواتر، وهذا متّفقٌ عليه بين العامّة والخاصّة، وفيما نحن فيه تكون الروايات فوق حدّ التواتر، ثمّ اعترض عليهم بأنّكم تخصّصون الكتاب بالخبر الواحد الشاذّ وأيضاً أنتم ترفعون اليد عن عموم القرآن بالخبر المرسل أو بالقياس!.

وأيضاً أجابهم بجواب نقضي وهو أنّ قوله تعالى: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ»(1) عامّ، مع أنّكم خصّصتموها بحديثٍ مجعول وهو «إنّا نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة»(2)، وبعد هذا التخصيص منعتم الصدِّيقة الطاهرة سلام اللّه‏ عليها من حقّها، أليس هذا مخالفة للكتاب وتخصيصاً للعموم بمخصّص غير صحيح؟!

وبهذا الحديث المجعول قد خصّصتموا نفس هذه الآية «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»(3).

وقال: أيّها الشيخ قد خصّصت وأئمّتك من قبلك عموم هذه الآية بل رفعتم حكمها في أزواج النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وحرمتموهنّ من استحقاق


1. سورة النساء: 7 .

2. الموطأ 2: 993 / 27، صحيح مسلم 3: 1379 / 51، سنن أبي داود 3: 139 / 2963.

3. سورة النساء: 12.

بركات ميراثه جملةً وحرّمتموهنّ شيئاً منها بخبر واحد ينقضه القرآن.

وقال أيضاً في جوابه: من أين زعمت أنّ الشيعة قد خالفت الاُمّة في منعها النساء من ملك الرباع على وجه الميراث من أزواجهنّ وكافّة آل محمّد (صلى الله عليه و‏آله) يروون ذلك عن رسول اللّه‏ ويعملون به وراثةً لسنّته فيه، فأيّ إجماع تخرج منه العترة وشيعتهم لولا عنادك وعصبيّتك. انتهى كلامه(1).

وسيأتي الكلام حول هذه الآية الشريفة من حيث العموم والإطلاق إن شاء اللّه‏ تعالى.

وبعد مراجعة الروايات التي هي الأساس الوحيد في هذا البحث يتّضح لنا أنّ الأئمّة المعصومين (صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين) قد أكّدوا على هذا الرأي ولم يتنازلوا عن هذه الحقيقة، وحينما اعترضوا عليهم بأنّ الناس لم يقبلوا هذا الحكم أجابوا: «بأنّا إذا ولّيناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلاّ ضربناهم عليه بالسيف»(2).

وهذا التعبير كناية عن شدّة اهتمامهم ولزوم إجراء هذا الحكم في المجتمع الإسلامي، وإنّما صلاحهم ونفعهم في هذا ومع عدمه ربما كان


1. المسائل الصاغانيّة: 97 .

2. الكافي 7: 129، كتاب المواريث، باب أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح8 .

مورداً للخلاف والنزاع وموجباً لمفاسد مهمّة. انتهى ما أردنا ذكره في المقدّمة، وحينئذٍ نشرع البحث:


النزاع الأوّل: فيما تحرم الزوجة منه

أمّا المورد الأوّل فقد وقع الخلاف فيما تُحرم منه، والأقوال فيه متعدّدة، والظاهر أنّه لا شكّ في أصل وجود الحرمان بمعنى أنّه لم يقل أحدٌ من علمائنا بما يقوله العامّة إلاّ ابن الجنيد بناءً على ما نقل عنه العلاّمة في المختلف(1) عن كتابه المختصر الأحمدي في الفقه المحمّدي، وتبعه قاضي نعمان المصري في دعائم الإسلام(2).

قال الشهيد: المشهور بين علمائنا حرمان الزوجة عن شيء من ميراث الزوج في الجملة، وقال الشهيد في النكت: فإنّ أهل البيت أجمعوا على حرمانها من شيء ما ولم يخالف في هذا علماؤنا الإماميّة إلاّ ابن الجنيد وقد سبقه الإجماع وتأخّر عنه(3).

ومع غضّ النظر عن قول الشهيد تكون الأقوال ثلاثة على المشهور وأربعة بناءً على ما فهمه الشهيد الثاني في رسائله، فاللاّزم ذكرها:


1. المختلف 9: 53 .

2. دعائم الإسلام، كتاب الفرائض 2، الفصل 8: 392.

3. غاية المراد 3: 583.

القول الأوّل ـ وهو المشهور بينهم: حرمانها عيناً وقيمةً من جميع الأراضي سواء كانت أرض رباع أم بستان أم ضياع، وسواء كانت بياضاً أم مشغولة ببناء أو زرع، وأيضاً حرمانها من عين الآلات والأبنية لا من قيمتها، ذهب إليه جمعٌ من المتقدّمين كالشيخ في النهاية(1) والمبسوط(2) وابن البرّاج(3) وأبو الصلاح التقي(4) وابن حمزة(5)، والمحقق الحلّي في الشرائع(6)، والعلاّمة في القواعد(7) والإرشاد(8)، وولده فخر المحقّقين في الإيضاح(9) والشهيد في غاية المراد(10) والفاضل المقداد في التنقيح الرائع(11).

وقد ذهب الشهيد الثاني في رسائله(12) إلى الفرق بين قول الشيخ ومن تبعه من المتقدّمين، وبين قول العلاّمة ومَن تبعه من المتأخّرين.


1. النهاية: 642.

2. المبسوط 4: 126.

3. المهذّب 2: 140.

4. الكافي في الفقه: 374.

5. الوسيلة: 391.

6. شرائع الاسلام 4: 29 .

7. قواعد الأحكام 3: 376 .

8. ارشاد الأذهان 2: 125 .

9. الإيضاح 4: 240.

10. غاية المراد 3: 587.

11. التنقيح الرائع 4: 192.

12. رسائل الشهيد الثاني 1: 466 .

وتوضيح ذلك: أنّ المتأخّرين قد صرّحوا بأنّ النخل والشجر في حكم الآلات والأبنية فتعطى قيمتهما، ولكن الشيخ ومن تبعه لم يذكرهما بل المستفاد من عبارات الشيخ وابن البرّاج وأبي الصلاح وابن حمزة أنّ المرأة ترث عين النخل والشجر.

قال الشيخ في النهاية: المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل، بل يقوّم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصّتها منه ولا تعطى من نفس الأرض شيئاً(1). وقد ذكر نظير هذه العبارة في المبسوط(2) وتبعه ابن البرّاج(3).

فهذه العبارة لا تدلّ على إرثها من قيمة النخل والشجر، وقوله: غير ذلك من الآلات، لا يشملها فإنّ الآلة غير صادقة على النخل والشجر.

وأيضاً عبارة أبي الصلاح الحلبي في الكافي، فإنّه قال: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرض شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث(4).


1. النهاية: 642.

2. المبسوط في فقه الإماميّة 4: 126 .

3. المهذّب 2: 141 .

4. الكافي في الفقه: 374 .

فقد صرّح فيها بآلات الرباع وفسّرها بالخشب والآجر فلم يذكر النخل والشجر.

والمستفاد من عبارة ابن حمزة في الوسيلة ذلك ، فراجع(1).

فبالنتيجة لا يستفاد من هذه الكلمات أنّ النخل والشجر في حكم آلات الأبنية، بل المستفاد منها إرثها من عينها، فيتحقّق الفرق بين قول القدماء والمتأخّرين من هذه الجهة فإنّ المتأخّرين عطفوا النخل والشجر إلى الآلات، ولأجل ذلك قد صرّح الشهيد الثاني بالفرق بين قول المتقدّمين والمتأخّرين(2)، مضافاً إلى أنّ لفظ الآلة لغةً وعرفاً لا يشمل النخل والشجر.

نعم، ذهب السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) إلى أنّ لفظ الآلة لغةً شامل لهما، واستشهد بما ذكره في القاموس(3) من أنّ الآل الخشب والشخص وعمد الخيمة والشخص سواء الإنسان وغيره(4).

ونلاحظ فيه أنّنا لسنا بصدد تفسير لفظ الآلة حتّى نرجع إلى اللغة. وبعبارة اُخرى الرجوع إلى اللّغة إنّما يكون إذا كنّا بصدد تبيين لفظ الآلة الواردة في الروايات، مع أنّنا بصدد تفسيرها في كلمات


1. الوسيلة: 391 .

2. رسائل الشهيد الثاني 1: 461 .

3. القاموس المحيط 3: 331 .

4. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الارث، مجلة فقه اهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 185 .

القوم، والظاهر أنّهم لم يريدوا منها النخل والشجر.

ومع ذلك كلّه فلا يمكن لنا أيضاً قبول ما قاله الشهيد الثاني؛ وذلك من جهة أنّ مستند القدماء والمتأخّرين في القول الأوّل مشترك وبعد الرجوع إليه يتّضح أنّ النخل والشجر في حكم سائر الآلات، ففي صحيح الأحول عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يرثنّ النساء من العقار شيئاً ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل(1).

فهذه الرواية صريحة في اشتراك الحكم بين النخل والشجر والآلات.

وبالجملة: لا نوافق الشهيد الثاني في ذلك وليس القول الأوّل منحلاًّ إلى قولين، وهذا القول هو المشهور بين المتقدِّمين والمتأخّرين.

نعم، الشهيد الثاني قد اختار هذا القول في رسائله وذهب إلى إرثها من عين الشجر والنخل، وقال: إنّ هذا القول أمتن الأقوال دليلاً وأظهرها من جهة الرواية(2).

فهذا هو القول الثاني في المسألة وهو مختار الشهيد الثاني.

القول الثالث: حرمانها من الرباع وهي الدور والمساكن دون البساتين والضياع، وتُعطى قيمة الآلات والأبنية من الدور؛ ذهب إليه جمعٌ من القدماء كالشيخ المفيد وابن إدريس والمحقّق في النافع، مع


1. من لا يحضره الفقيه 4: 348؛ وسائل الشيعة 26: 211، باب 6، ح 32851.

2. رسائل الشهيد الثاني 1: 465 .

أنّه في الشرائع من القائلين بالقول الأوّل، والفاضل الآبي في كشف الرموز، وإليك بعض عباراتهم:

قال المفيد (رحمه الله): ولا ترث الزوجة شيئاً ممّا يخلفه الزوج من الرباع وتُعطى قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات، وهذا هو منصوص عليه عن نبيّ الهدى عليه وآله السلام وعن الأئمّة من عترته (عليهم السلام). والرباع هي الدور والمساكن دون البساتين والضياع(1).

وقال ابن إدريس: والإجماع على أنّها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شيئاً سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن، وهو ظاهر قول شيخنا المفيد في مقنعته والسيّد المرتضى في الانتصار(2).

ولا يخفى أنّ ما ذكره في ذيل كلامه من أنّ السيّد المرتضى موافق للمفيد غير تامّ كما سيأتي ذلك، وقد التبس الأمر على صاحب الجواهر فزعم أنّه موافق للمفيد.

وقال العلاّمة في المختلف: وقول السيّد المرتضى حسن ثمّ قول شيخنا المفيد جيّد... وبعد هذا كلّه فالفتوى على ما قاله الشيخ(3).

القول الرابع: حرمانها من عين الرباع خاصّة لا من قيمتها،


1. المقنعة: 687.

2. السرائر 3: 259.

3. مختلف الشيعة 9: 35 .

فالحرمان إنّما هو في دائرة الرباع خاصّة ولا يشمل البساتين والضياع وفي الرباع أيضاً محرومة من عينها لا من قيمتها. ذهب إليه السيّد المرتضى فإنّه قال:

ممّا انفردت به الإماميّة أنّ الزوجة لا ترث من رباع المتوفّى شيئاً، بل تعطى بقيمة حقّها من البناء والآلات دون قيمة العراص، ثمّ قال في آخر كلامه: وأنّ الرباع وإن لم تسلّم إلى الزوجات فقيمتها محسوبة لها(1).

والظاهر أنّ ابن إدريس لم يلتفت إلى ذيل كلامه وإنّما توجّه إلى صدر كلامه، وهو ظاهر في مذهب المفيد.

والظاهر أنّه لم يوافق عليه أحدٌ من الأصحاب كما صرّح به السيّد الحكيم(2). والعجب من بعض الاعاظم من المعاصرين حيث إنّه صرّح بموافقة الصدوق وأبي الصلاح الحلبي مع السيّد(3)، وهذا غير تامّ؛ فإنّ الصدوق في الفقيه(4) بعد أن تعرّض للروايات، ذكر رواية ابن أبي يعفور الدالّة على إرثها من جميع ما تركه الزوج، وقال في ذيل الرواية:


1. جوابات المسائل الموصليّات في ضمن رسائله 1: 259، والانتصار: 585.

2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 185 .

3. ميراث الزوجة من العقار، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 14 ، السيّد محمود الهاشمي.

4. من لا يحضره الفقيه 4: 252.

هذا إذا كان لها ولد، أمّا إذا لم يكن لها ولد فلا ترث من الاُصول إلاّ قيمتها.

ثمّ أيّد ذلك بمقطوعة ابن اُذينة الدالّة على أنّ النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع.

والظاهر من هذه العبارة بل صريحها إرثها من جميع قيمة الاُصول، والمراد منها الأراضي لا الآلات والتأييد بالمقطوعة، إنّما هو بالنسبة إلى التفصيل لا إلى خصوص الرباع، فتدبّر.

وقال أبو الصلاح الحلبي:

ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث(1).

وهذه العبارة صريحة في حرمانها من الرباع وجميع الأراضي عيناً وقيمةً، ولكن ترث من قيمة آلات الرباع كالخشب والآجر، وقد سبق أنّه من القائلين بالقول الأوّل.


النتيجة في النزاع الأوّل

إنّ حرمان الزوجة من جميع الأراضي وإن لم يكن إجماعيّاً لمخالفة جمع من القدماء كالمفيد وابن إدريس والمحقّق وكاشف الرموز والسيّد، ولا ريب في أنّ هذا القول هو المشهور بين المتقدّمين، كما أنّه


1. الكافي في الفقه: 341.

المشهور بين المتأخّرين أيضاً.

إن قلت: إنّ الشيخ في الخلاف قد ادّعى الإجماع على ذلك.

قلت: الظاهر أنّ هذا الإجماع في قبال الخلاف مع العامّة وبالنسبة إلى أصل الخلاف.

إن قلت: إنّ ابن الجنيد الإسكافي(1) وقاضي نعمان المصري(2) قد خالفا أصل الحرمان وذهبا إلى عدم حرمانها من تركة الزوج لا من العقار ولا من شيء آخر حتّى إنّ القاضي قد ادّعى إجماع الاُمّة والأئمّة على ذلك فليس أصل الحرمان إجماعيّاً، ويؤيّد ذلك اُمور أربعة:

الأوّل: خلوّ جملة من كتب أصحابنا المتقدّمين كالمقنع والهداية والمراسم والإيجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع والفرائض النصيريّة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها.

الثاني: قد استظهر صاحب الجواهر، عدم تعرّض علي بن بابويه وابن أبي عقيل لذلك أيضاً وإلاّ في صورة التعرّض لنقل إلينا ولكان شايعاً واضحاً عند الجميع لاعتنائهم بأقوالهما.

الثالث: خلوّ الفقه الرضوي الذي هو الأصل والأساس عند عليّ


1. حكى عنه في مختلف الشيعة 9: 53 .

2. دعائم الإسلام 2: 396 .

بن بابويه وكان معتمده، لعلّه يؤيّد ذلك.

الرابع: الظاهر أنّ مذهب الراوي إنّما يفهم من الرواية التي نقلها، وعلى هذا يمكن أن يُقال إنّ مذهب جميع رواة الصحيح الذي هو مستند ابن الجنيد ـ وهو ما ذكره ابن أبي يعفور وأبان وفضل بن عبد الملك، من أنّ الزوجة ترث من جميع ما تركه الزوج ـ موافق لمذهب ابن الجنيد.

ولأجل هذه الاُمور الأربعة قد تأمّل صاحب الجواهر (رحمه الله) في سبق الإجماع ولحوقه.

قلت: الجواب هو ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) فإنّه عدل عن ما ذكره وقال بعد ذكر كلام دعائم الإسلام:

وهو كما ترى من غرائب الكلام، بل هو كلامٌ بعيد عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات وإنّما نقلناه ليقضي العجب منه وإلاّ فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه المستفاد ذلك من تسالم النصوص عليه التي هي فوق رتبة التواتر والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرّض بعض الكتب للمسألة ولعلّه لوضوحه وظهوره، بل العامّة تعرف ذلك من الإماميّة. ومن هنا اتّجه حمل الصحيح على التقيّة(1). انتهى كلامه.

وما ذكره متين جدّاً، وعليه لا يصحّ أن يقال بموافقة فقيه من


1. جواهر الكلام 39: 207. 210.

الفقهاء الإماميّة مع ابن الجنيد والقاضي نعمان، فأصل الحرمان لا ريب فيه وهو إجماعي من دون ترديد. نعم، قد مرّ أنّ الحرمان من جميع الأراضي ليس إجماعيّاً بل هو المشهور بين القدماء.


النزاع الثاني: فيمن تحرم من الزوجات

المورد الثاني: النزاع والخلاف في الزوجة الممنوعة وفي من تحرم من الزوجات، فهل الزوجة الممنوعة مطلقة من غير فرق بين ذات الولد وغيره، أم لا بل الممنوعة مختصّة بغير ذات الولد، وأمّا ذات الولد فترث من جميع ما تركه الزوج.

قال الشهيد في رسائله:

وقد اختلف الأصحاب فيه؛ فذهب المفيد(1) والمرتضى(2) والشيخ في الاستبصار(3) وأبو الصلاح(4) وابن إدريس(5) والمحقّق في النافع(6) وتلميذه الشارح(7)، إلى أنّ هذا المنع عامّ في كلّ


1. المقنعة: 687.

2. الانتصار: 585.

3. الاستبصار 4: 154.

4. الكافي في الفقه: 374.

5. السرائر 3: 259.

6. المختصر النافع: 264.

7. كشف الرموز 2: 464.

زوجة سواء كان لها ولد من الميّت أم لا. وقد ادّعى ابن إدريس(1) وصاحب الرياض(2) وأيضاً النراقي(3) الإجماع على ذلك.

وذهب الصدوق(4) والشيخ في النهاية(5) وابن البرّاج(6) وابن حمزة(7) والمحقّق في الشرايع(8) وابن عمّه يحيى في الجامع(9) والعلاّمة(10) والشهيد(11) وباقي المتأخّرين إلى أنّ ذلك مخصوص بغير ذات الولد منه(12).


التحقيق حول رأي الشيخ في المقام

قد مرّ أنّ الشيخ الطوسي قد صرّح في النهاية والمبسوط بوجود الفرق بين ذات الولد وغيرها، ولكنّه عدل عن ذلك في الاستبصار،


1. السرائر 3: 259 .

2. رياض المسائل 12: 589.

3. مستند الشيعة 19: 359.

4. الفقيه 4: 252.

5. النهاية: 642.

6. المهذّب 2: 140.

7. الوسيلة: 391.

8. شرائع الإسلام 4: 28 و 29 .

9. الجامع للشرائع: 508 و 509 .

10. مختلف الشيعة 9: 52.

11. الدروس الشرعيّة 2: 358.

12. رسائل الشهيد الثاني 1: 467 و 468 .

وقد صرّح بذلك ابن إدريس في سرائره وقال:

فأمّا إذا كان لها منه ولد اُعطيت سهمها من نفس جميع ذلك على قول بعض أصحابنا وهو اختيار محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه تمسّكاً برواية شاذّة وخبر الواحد لا يوجب علماً ولا عملاً، وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)في نهايته إلاّ أنّه رجع عنه في استبصاره وهو الذي يقوى عندي(1).

وفي الاستبصار بعد أن ذكر الأحاديث التي دلّت على حرمان الزوجة عن جميع الأراضي قال: فأمّا رواية ابن أبي يعفور فلا تنافي الأخبار الأوّلة من وجهين: أحدهما أن نحمله على التقيّة؛ لأنّ جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة وليس يوافقنا عليها أحد من العامّة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقيّة فيه. والوجه الآخر أنّ لهنّ ميراثهن من كلّ شيء ترك ما عدا تربة الأرض من القرايا والأرضين والرباع والمنازل، فنخصّ الخبر بالأخبار المتقدّمة.

ثمّ قال: وكان أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) يتأوّل هذا الخبر(2) ويقول: ليس لهنّ شيء مع عدم الأولاد من هذه الأشياء المذكورة، فإذا كان هناك ولد يرثن من كلّ شيء.


1. السرائر 3: 259.

2. من لا يحضره الفقيه 4: 349 .

ثمّ قال: إنّ الشيخ الصدوق استدلّ على هذا التوجيه بما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن اُذينة في النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع(1). انتهى كلامه.

والظاهر أنّ ما فهمه ابن إدريس من كلامه تامّ، ويؤيّد ذلك أنّ العلاّمة في المختلف بعد نقل عبارة الشيخ قال: وهذا القول من الشيخ في الاستبصار يشعر بأنّه لا يرتضيه وإلاّ لكان يقول في رحبة المتأوّل: ثلاثة أوجه ثمّ يسند الثالث إلى ابن بابويه، لكنّه لمّا جمع بوجهين ثمّ قال: وكان ابن بابويه يجمع بكذا، فهذا يدلّ على أنّه غير قائل به(2).

وسيأتي أنّ صاحب الرياض قد فهم من كلامه ما فهمه ابن إدريس والعلاّمة.

اعتراض بعض المعاصرين على كلام ابن ادريس والمناقشة فيه

ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرين قد اعترض على ابن إدريس وقال:

إنّ ما ذكره من رجوع الشيخ في الاستبصار عمّا ذكره في


1. الاستبصار 4: 155.

2. مختلف الشيعة 9: 56 .

النهاية غير تامّ، فإنّ عبارته في الاستبصار لا دلالة فيها على ذلك... بل تعبيره بأنّ الصدوق كان يتأوّل الخبر الدالّ على إرث الزوجة من كلّ ما تركه الزوج بحمله على ذات ولد، قد يشعر بأنّه بهذا التأويل يرتفع التعارض والتنافي.

وفيه: أنّه إذا كان تأويل الصدوق مرضيّاً عنده فلماذا قد فكّك بين التوجيهين وبين ما ذكره الصدوق.

وبعبارة اُخرى: بناءً على ذلك لما كان وجهاً للتفكيك، مع أنّ الظاهر من كلامه أنّه قد ذكر التوجيه الذي ذهب إليه الصدوق بعنوان إحدى طرق التخلّص عن التنافي لا بعنوان أنّ ذلك مختاره، بل يمكن أن يُقال: الظاهر أنّه قد اعتمد على التوجيه الأوّل وهو الحمل على التقيّة. فالحقّ ما ذكره ابن إدريس وأيّده العلاّمة من عدم ارتضاء الشيخ لما ذهب إليه الصدوق.

والعجب أنّ المعترض عقّب كلامه بقوله: وممّا يشهد على ذلك أنّ الشيخ بنفسه ذكر هذا التأويل واختاره في التهذيب، وأيضاً... أنّ المدار والمعيار لاقتناص فتاوى الشيخ الأعظم إنّما هو كتاباه النهاية والمبسوط، كما أنّ تهذيبه الذي هو شرح لمقنعة المفيد هو الكتاب الحديثي الأهمّ والمعتمد لديه، فكيف لا ينظر إلى ما أفتى به في هذه الكتب المعتمدة والتي قد صرّح فيها بالتفصيل بين

ذات الولد وغير ذات الولد، ثمّ يتشبّث بعبارة الاستبصار الذي ألّفه للجمع بين الأخبار ورفع التعارض بينها لا للإفتاء(1).

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ الاستبصار متأخّر عن التهذيب ولا يكون المتقدّم مؤيّداً للمتأخّر.

ثانياً: أنّ ما ذكره من عدم كون المدار للاقتناص للفتوى على المراجعة إلى الاستبصار، بل المدار للفتوى هو الرجوع إلى النهاية والمبسوط، غير مطابق لما ذكره الشيخ نفسه في مقدّمة الاستبصار حيث قال:

أبتدأ في كلّ باب بإيراد ما اعتمده من الفتوى والأحاديث فيه، ثمّ أعقب بما يخالفها من الأخبار وأبين وجه الجمع بينها(2).

فهذا الكلام صريح في أنّ الشيخ في استبصاره الذي هو متأخّر عن جميع كتبه، يذكر ابتداءً مذهبه ومعتمده في الفتوى وينقل الأخبار التي اعتمد عليها في الفتوى، ثمّ يذكر ثانياً الأخبار المتعارضة.

لا يقال: إنّ التعبير بـ «ما اعتمده من الفتوى» شيء وكون المصنّف بصدد الفتوى شيئاً آخر.


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 17، السيّد محمود الهاشمي.

2. الاستبصار 1: 3 .

لأنّا نقول: إنّ هذا التفكيك مكابرة جدّاً خصوصاً التعبير بأنّ الأخبار المتعارضة يذكرها ثانياً، فما هو الوجه لذكرها، أليس ذلك إلاّ لتثبيت الفتوى؟

فظهر من جميع ذلك أنّ مذهب الشيخ في الاستبصار عدم الفرق في الحرمان بين ذات الولد وغيرها.

ولعلّ ما ذكره في الخلاف يستظهر منه الإجماع على ذلك أيضاً، قال في الخلاف: لا ترث المرأة من الرباع والدور والأرضين شيئاً، بل يقوّم الطوب والخشب فتعطى حقّها منه وخالف جميع الفقهاء في ذلك.(1) انتهى كلامه، وهذا ظاهر في عدم التفصيل.

وما مرّ منّا آنفاً من أنّ الإجماع هو الإجماع على أصل الحرمان في قبال العامّة، مجرّد احتمال لا يساعده الظاهر، بل صاحب الرياض قد استظهر منه الإجماع على ذلك، فتدبّر.

كلام صاحب الرياض

ثمّ إنّه قد صرّح بأنّ عدم الفرق مطابق لقول كثير من المتقدّمين وقال: واعلم أنّ مقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ممّا اُطلق فيه الزوجة عدم الفرق فيها بين كونها ذات ولد من زوجها أم لا، وفاقاً لكثير من أصحابنا كالكليني والمرتضى


1. الخلاف 4: 116، مسألة 131.

والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة ظاهراً والحلّي وجماعة من المتأخّرين صريحاً وفي السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه وهو الحجّة(1).

ثمّ إنّه أيّد ذلك باُمور أربعة، فقال: هذا مضافاً إلى إطلاق الأخبار السابقة بل عمومها الثابت من صيغة الجمع في جملة منها وترك الاستفصال في اُخرى وعموم التعليل ووجه الحكمة في ثالثة(2).

النتيجة في النزاع الثاني

إنّ المستفاد من إطلاق كلام المفيد في المقنعة والسيّد المرتضى في الانتصار والشيخ الطوسي في الاستبصار وأبو الصلاح الحلبي في الكافي وتصريح ابن إدريس في السرائر والمحقّق في المختصر النافع، عدم الفرق في الزوجة الممنوعة بين ذات الولد وغيرها. والمخالف لهم من المتقدّمين هو الشيخ الصدوق في الفقيه وابن حمزة في الوسيلة والمحقّق في الشرائع وابن عمّه يحيى في الجامع، ومن المتأخّرين أكثرهم.

وقد مرّ أنّه لا يصحّ أن نجعل الشيخ الطوسي من الموافقين للتفصيل، كما أنّ المحقّق أيضاً له قولان في المسألة، فعلى هذا يصحّ أن



1. رياض المسائل 14: 385 .

2. رياض المسائل 14: 386 .

يقال: إنّ المشهور بين القدماء عدم التفصيل في الزوجة الممنوعة، فما ذكره بعض الفقهاء(1) من أنّ الأشهر بل المشهور بين الفقهاء اختصاص الحكم بغير ذات الولد، قريب جدّاً، غريب واقعاً لأنّ التتبّع في كلمات القوم يدلّ بوضوح على أنّ المشهور لا يفرّقون في الزوجة الممنوعة.

إن قلت: التحقيق يقتضي أن لا يستفاد الإطلاق ونفي هذا التفصيل من عبارات الشيخ المفيد والسيّد حيث لم يفصّلوا بين الشقّين أيضاً؛ لقوّة احتمال أنّهم غير ناظرين فيها إلاّ إلى أصل المسألة وليس نظرهم إلى تفاصيل المسألة المختَلف فيها، فهي ساكتة عن التفصيل وليست دالّة على عدم ارتضائهم له، وهذا نظير جملة من كتب القدماء التي لم تذكر أصل المسألة في إرث الزوجة كالهداية والمقنع والمراسم وفقه القرآن للراوندي وغيرها، فإنّ سكوتها عن ذلك قد لا يدلّ على نفيهم لأصل حرمان الزوجة. وقد صرّح بهذا بعض أهل النظر من المعاصرين(2).

قلت: كيف لا يقتضي، مع أنّهم في مقام الإفتاء والفتوى سيّما أنّ فتوى الصدوق كان بأيديهم ومع ذلك لم يلتفتوا إليه، فهذا يكشف عن


1. صيانة الابانة: 196.

2. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 18، السيّد محمود الهاشمي.

عدم ارتضائهم لهذا التفصيل.

هذا مضافاً إلى أنّ تنظير كلماتهم بكلمات مثل الصدوق في المقنع والهداية في غاية البُعد، فتدبّر.

فالحقّ أنّ عدم التفصيل هو المشهور بين القدماء، بل لا يبعد وجود الإجماع فيه لقلّة المخالف بينهم ومدّعى الإجماع فيه متعدّد كالشيخ في الخلاف(1) وصاحب الرياض(2) والنراقي(3) وصاحب الجواهر(4).

وعليه يظهر الضعف في ما ذكره بعض أهل النظر من المعاصرين فإنّه قال:

والذي تحصّل من مراجعة كلمات الأصحاب أنّ المقدار الممكن دعوى الإجماع فيه إنّما هو أصل حرمان الزوجة غير ذات الولد من أعيان الرباع لا من قيمتها، فإنّ المسألة لو كانت إجماعيّة فكيف يحمل السيّد والصدوق والحلبي الروايات على أنّ المراد منها حرمان الزوجة من عين الرباع لا من قيمتها، فإنّ المسألة إذا كانت إجماعيّة وقطعيّة لم يكن وجه لمثل هذا الحمل ولا لغيره


1. الخلاف 4: 117 .

2. رياض المسائل 14: 386 .

3. مستند الشيعة 19: 379 .

4. جواهر الكلام 39: 207 .

من المحامل(1).

والعجب أنّه كيف جعل الحمل منافياً للإجماع؟ فنحن نرى في كثير من موارد الإجماع، مخالفة بعض الفقهاء مع المجمعين ومع ذلك نقول: بأنّ مخالفة هؤلاء لا يكون مضرّاً بالإجماع.

دراسة الروايات

إلى هنا اتّضح للقارى دراسة الأقوال في المسألة، واللاّزم صرف الكلام إلى ذكر الروايات المتعدّدة في المقام، وقبل التعرّض لها نذكر اُموراً خمسة:

الأوّل: أنّ أكثر الروايات الواردة نقلها المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة، وهذا يوجب الوثوق والاطمينان بصدور هذه الروايات عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام).

الثاني: أنّ كثيراً منها من الصحاح، وهي أيضاً بمقدار التواتر. نعم، بعض منها موثّق والقسم الثالث منها ضعيف.

الثالث: يمكن بعد التأمّل، أن يحصل الوثوق باتّحاد بعض منها مع بعض آخر، ونتيجة ذلك أن نجعل بعضاً منها مفسّراً ومؤيّداً لما هي متّحدة معه.


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّد فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 18 .

الرابع: قد يوجد في كلمات بعض أهل النظر من المعاصرين(1) تقسيم الروايات الواردة إلى طوائف، فقال: وهي بحسب اختلاف دلالتها يمكن تقسيمها إلى عدّة طوائف:

الطائفة الاُولى: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والأراضي مطلقاً من دون تعرّض لكيفيّة إرثها من البناء.

الطائفة الثانية: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والضياع وإرثها من نفس البناء.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على التفصيل في إرث الزوجة، فلا ترث من الدور والعقار والأراضي ولكن ترث من قيمة البناء والآلات. انتهى كلامه.

وسيأتي بعد ذكر الروايات أنّ هذا التقسيم ليس صناعيّاً ولا يترتّب عليه أثرٌ صحيح جدّاً، وإن استفاد منه أمراً في مختاره وهو مردود على ما سيأتي إن شاء اللّه‏.

ثمّ إنّ بعض الفقهاء قد ذكر تقسيماً آخر في المقام وهو أنّ الروايات في المقام على قسمين:

الأوّل: ما لا يستفاد منه العموم، إمّا لأنّه خاصّ، أو لأنّه ساكت عن حكم غير أراضي الدور أو مجمل.


1. راجع مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 19.

الثاني: ما يمكن استفادة العموم منه مع قطع النظر عن غيره، ولكن لاحتمال اتّحاده مع غيره، ممّا لا يستفاد منه ذلك إن لم نقل باستفادة خلافه يسقط الاستدلال به(1).

وهذا التقسيم أحسن من التقسيم السابق وسيظهر لك وجهه.

الخامس: إنّ التعابير الواردة في الروايات متعدّدة جدّاً، واللاّزم البحث حولها، كما أنّ التقسيم الثاني كان لأجل هذا.

وهذه الروايات قد ذكرها صاحب الوسائل في باب أنّ الزوجة إذا لم يكن لها منه ولد لا ترث من العقار والدور والسلاح والدوابّ شيئاً ولها من قيمة ما عدا الأرض من الجذوع والأبواب والنقض والقصب والخشب والطوب والبناء والشجر والنخل، وأنّ البنات يرثن من كلّ شيء.

ونلاحظ فيه أنّ الروايات المذكورة في هذا الباب لا يستفاد منها التفصيل في الزوجة الممنوعة بين ذات ولد وغيرها، فتدبّر.

ثمّ اعلم أنّ الروايات المرتبطة بحرمان الزوجة أو عدم حرمانها على طوائف ثلاث:

الطائفة الاُولى: وهي كثيرة، تدلّ على حرمان الزوجة من خصوص عقار الدور والرباع أو من جميع الأراضي كأرض البستان والزرع وغيرهما.


1. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة: 178.

الطائفة الثانية: وهي روايات قليلة تدلّ على عدم حرمانها وأنّها ترث من جميع ما تركه الزوج، كما أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته الزوجة.

الطائفة الثالثة: وهي منحصرة بواحدة تدلّ على حرمان الزوجة غير ذات الولد، وأمّا ذات الولد فتعطى من الرباع.

أمّا الطائفة الاُولى:

1 ـ وهو ما ذكره الكليني بطرق ثلاثة:

ألف: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة؛

ب : وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن زرارة؛

ج : وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة؛

عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ممّا ترك وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقّها منه(1).

والطرق الثلاثة المذكورة عن طريق الكليني موثّقة فإنّ محمّد بن


1. الكافي 7: 127، ح2.

يحيى موثّق على ما صرّح به النجاشي(1) فإنّه قال في حقّه: شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث، وأيضاً حميد بن زياد وثّقه النجاشي(2)، كما أنّ ما ذكره الشيخ الطوسي(3) بسند آخر صحيح أيضاً. نعم، ما ذكر بسند رواه طربال بن رجاء مجهول، ولا يذهب عليك أنّ التعدّد في الطريق لا يوجب التعدّد في الرواية.

وفي هذه الرواية إشكال من جهة الدلالة على الحرمان من السلاح والدوابّ مع أنّه لم يفت أحدٌ من الفقهاء بحرمان الزوجة منها. وقد أجاب الأعاظم عن هذا الإشكال.

الجواب الأوّل: ما ذكره الشهيد الثاني في رسائله فإنّه قال: وأمّا ما تضمّنه الخبر من السلاح والدوابّ فلا يسقط عدم القول به بالاحتجاج بالخبر أصلاً، بل يُردّ ما ذكر من حيث إجماع الأصحاب على ترك العمل به لا من حيث إنّه مروي، ويعمل بالباقي، ومثله كثير خصوصاً في روايات الحبوة(4).

الجواب الثاني: ما ذكره فخر المحقّقين فقد أجاب عن هذا الإشكال وحمل السلاح على ما يحبى به الولد منه كالسيف ـ فإنّها


1. رجال النجاشي: 353، الرقم 946 .

2. رجال النجاشي: 132، الرقم 339.

3. استبصار 4: 153 .

4. رسائل الشهيد الثاني 1: 452 .

5. إيضاح الفوائد 4: 241.

لا ترث منه شيئاً ـ والدوابّ على ما أوصى به منها أو وقفه أو عمل به ما يمنع من الإرث.

وأنت ترى أنّ الجواب الأوّل أحسن من هذا الجواب.

ثمّ اعلم أنّ القرية لغةً مستعملة في الضياع والعقار.

قال ابن الأثير في النهاية: القرية من المساكن والأبنية والضياع(1).

وقال ابن منظور في لسان العرب: القرية من المساكن والأبنية والضياع وقد تُطلق على المدن(2).

فالرواية شاملة للحرمان من الدور والضياع وغيرهما.

ولا يخفى أنّ الرواية ظاهرة في الحرمان من القرى والدور عيناً وقيمةً، كما أنّ الإرث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ظاهر في العين والقيمة، والشاهد على ذلك قوله (عليه السلام): (وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب)(3)، فتدبّر.

2 ـ محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (وعن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري) عن عليّ بن الحكم، عن علاء، عن محمّد بن مسلم، قال:


1. النهاية في غريب الحديث 4: 56 .

2. لسان العرب 15: 177 .

3. وسائل الشيعة 26: 206 .

قال أبو عبد اللّه‏ (عليه السلام): ترث المرأة من الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً، قال: قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع (الأصل) شيئاً؟ فقال: ليس لها منه نسب ترث به وإنّما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها(1).

وهذه الرواية معتبرة وقد أثبتنا في محلّه اعتبار سهل بن زياد والاعتماد على رواياته، نعم علي بن الحكم لم يرد فيه مدحٌ ولا ذمّ ولكن عمل المشهور يجبرها، ولا يبعد أن يكون المراد من الرباع مطلق الأرض والعقار لا خصوص المنزل والدار كما يؤيّد ذلك التعبير بالأصل في النقل الآخر.

كما أنّها أيضاً ظاهرة في الحرمان من العين والقيمة والتعليل يناسب ذلك أيضاً سيّما التعليل بأنّه ليس لها نسب ترث به.

3 ـ محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان الأحمر، قال: لا أعلمه إلاّ عن مُيَسرٍ بَيّاع الزُطّي عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: سألته عن النساء ما لهنّ من


1. الكافي 7: 129، ح5 .

2. والظاهر أنّ المراد أنّه لا أنقله.

3. في تاج العروس 19: 322: الزط جيلٌ من الناس كما في الصحاح... واختلف فيهم فقيل هم السبابِجَة: قومٌ من السند بالبصرة.... ونقل الأزهري عن الليث أنّهم جيلٌ من الهند إليهم تُنسب الثياب الزطيّة.

الميراث؟ قال: لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأمّا الأرض والعقارات فلا ميراث لهنّ فيه، قال: قلت: فالبنات؟ قال: البنات لهنّ نصيبهنّ منه، قال قلت: كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمّى؟ قال: لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنّما هي دخيل عليهم، إنّما صار هذا كذا لئلاّ تتزوّج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم(1).

وفيه أنّ ميسّر لم يرد فيه توثيق، فالرواية غير معتبرة سنداً وإن كانت موثوقة صدوراً أو مجبورة بشهرة العمل بها، وهذا يكفي في الحجّية، وتدلّ على الحرمان من جميع الأراضي سواء كان منزلاً أم ضيعة سيّما بملاحظة الجمع في العقار، فتدبّر.

وقال السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره) : وهذه الرواية كما تحتمل أن يُراد بها مطلق الأرض، كذلك تحتمل أن يُراد بها خصوص أرض المساكن بقرينة ذكر القيمة لأشياء مخصوصة بأرض المساكن والدور(2).

ولا يخفى ما فيه؛ لأنّ ذكر القيمة بالنسبة إلى الأشياء المخصوصة إنّما ذكر في صدر الرواية والحال أنّ الضابط في الحرمان جاء في ذيل الرواية. نعم، إذا قلنا بأنّ الألف واللاّم في الأرض يكون للعهد فيصحّ


1. الكافي 7: 130، ح11 .

2. تقريرات ثلاثة: 115.

ما ذكره واحتمله، ولكن هذا بعيد جدّاً وسيأتي.

ثمّ إنّ هذه الرواية أيضاً ظاهرة، بل كالصريح في الحرمان من العين والعقار، فلو كان المراد خصوص الحرمان عن العين لما كان وجه للتفكيك والفرق بين الطوب والبناء والخشب والقصب وبين الأرض والعقارات.

4 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً(1).

والرواية صحيحة وهي صريحة في الحرمان من الأرض والعقار، ولا يتوهّم أنّ الأرض هي الأرض المعهودة وهي الدار، وأمّا العقار فهو عطف تفسيري لها، فتدلّ الرواية على الحرمان عن الدور فقط، فإنّ هذا التوهّم لا مجال له أصلاً وليس بين الإمام (عليه السلام) والمخاطب شيء معهود.

والمراد بالنساء فيها هي الزوجات وذلك بقرينة بعض الروايات الآتية.

والظاهر أنّ هذه الرواية أيضاً دالّة على الحرمان من العين والقيمة سيّما من جهة وقوع النكرة في سياق النفي.


1. الكافي 7: 127 ح 1.

5 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن زرارة وبكير وفضيل وبريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه‏ (عليهماالسلام)، ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهماالسلام): إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلاّ أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتُعطى ربعها أو ثُمنها .(1)

وهذه الرواية المعروفة بصحيحة الفضلاء الخمسة ليست روايات متعدّدة، بل غايتها أنّها حديثان أحدهما عن الباقر (عليه السلام)، والثاني عن الصادق (عليه السلام)، وقد مرّ أنّ تعدّد الراوي لا يوجب تعدّد الرواية. فالمروي عنه إذا كان واحداً والمضمون أيضاً كان مشتركاً يكون الحديث متّحداً والتعدّد في الراوي في هذا الفرض، لا يوجب التعدّد في الرواية.

وقال صاحب الوسائل في ذيل الحديث: لا تصريح فيه بأنّ الولد منها، فيحمل على وجود ولد للميّت من غيرها(2).

أقول: لا وجه لهذا الحمل ولا تعرّض في الرواية بالنسبة إلى الولد إلاّ بقرينة ثمنها، وكيف كان لا وجه لحمل الرواية والحرمان الموجود فيها على صورة وجود ولد للميّت.

وبعبارة اُخرى: التعبير بالثمن قرينة على وجود الولد، ولكن هذا


1. الكافي 7: 128، ح 3 .

2. وسائل الشيعة 26: 208 .

لا يوجب حمل الرواية والحرمان على ذلك، فتدبّر.

نعم قد اُضيفت في بعض نسخ الكافي عبارة في ذيل الرواية وهي: إن كان لها ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب(1) وأيضاً جاء في التهذيب(2) هكذا: فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب وقد علّق عليها المعلّق المرحوم الغفاري (رحمه الله) بأن في الكافي «إن كان لها ولد من... الخ» وقال وهو الأصوب وذهب في مفتاح الكرامة(3) إلى عدم وجود هذه الإضافة فيالنسخ الصحيحة من الكافي.

أقول: أوّلاً: الظاهر أنّ الزيادة من تفسير الراوي وليست في الرواية ولا من كلام الإمام (عليه السلام) وهذا واضح، سيّما إذا قلنا بأنّ الرواية منقولة بالمعنى وكيف كان هذه الإضافة تكرار لما سبق وتوضيح لمورد الثمن ولا يوجب التغيير في المعنى.

ثانياً: قد مرّ أنّ كلمة الثمن قرينة على فرض وجود الولد ولكن قلنا إنّ هذا الفرض لا يوجب التصرّف في الصدر ولا يجعل الحرمان منحصراً بفرض وجود الولد فإنّ الاعتبار يناسب هذا، بمعنى أنّ وجود الولد يناسب عدم الحرمان لا الحرمان.


1. الكافي 7: 128 طبع دار الكتب الاسلامية.

2. التهذيب 9: 343 طبع مكتبة الصدوق.

3. مفتاح الكرامة 8: 193 .

ثالثاً: إذا شككنا في وجود هذه العبارة وعدمه فلا مجال لأصالة عدم الزيادة لتعارضها مع أصالة عدم النقيصة وعليه نشكّ في وجودها فلا مجال للاستناد إليها.

وكيف كان فهذه الرواية أيضاً ظاهرة في الحرمان من العين والقيمة، فما ذكره بعض المعاصرين(1) من أنّها ظاهرة في الحرمان عن العين فقط غير صحيح، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك.

6 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام).

وأيضاً محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً(2).

والرواية صحيحة والعقار بالفتح بمعنى الأرض والضياع والنخل كما في الصحاح، ومنه قولهم: ما له دار ولا عقار، ويُقال أيضاً: في البيت عقار حسن أي متاع.

وقال ابن منظور في لسان العرب: العَقر والعقار المنزل والضيعة... وخصّ بعضهم العقار بالنخل... وفي الحديث: من باع


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 11.

2. الكافي 7: 128 ح4 .

داراً أو عقاراً... العقار: الضيعة والأرض والنخل ونحو ذلك.

وقالت اُمّ سلمة لعائشة عند خروجها إلى البصرة: «سكّن اللّه‏ عُقيراك فلا تصحريها»(1)، أي أسكنك اللّه‏ بيتك وعقارك وسترك فيه فلا تبرزيها... عقار البيت أي متاعه ونضده الذي لا يبتذل إلاّ في الأعياد والحقوق الكبار... وقيل عقار المتاع خياره(2).

وقال في مجمع البحرين: وعقر الدار أصلها وتضمّ العين وتفتح في الحجاز، وعن ابن فارس، العقر أصل كلّ شيء... (3).

فالعقر يُقال على كلّ شيء له أصل، فهو بمنزلة الفرع... وعليه فلا يُقال في الأرض الخالية عقر بل يُقال عقر الدار.

وقد صرّح بعض الفقهاء: أنّ الأصل في استعمال العقر والعقار استعمالها في كلّ شيء له أصل كالدار وقد استعمل في خصوص الدار وفي العقر الذي يكون معتمداً لأهل القرية، فلو لم يكن ظاهراً في خصوص الأراضي المشغولة هنا وخصوص أرض الدار في ما وقع مقابلاً للبناء والطوب والخشب ولم نقل بأنّ العقار اسم للأرض والبناء أو الأرض والشجر، ليس ظاهراً في مطلق


1. بلاغات النساء: 16 .

2. لسان العرب 4: 597 .

3. مجمع البحرين: 1247 .

الأراضي أيضاً(1).

وقال أيضاً: ويظهر من بعض اللّغويّين كالراغب في مفردات القرآن: إنّ العقر يقال على كلّ شيء له أصل، فالعقر بمنزلة الفرع فلا يقال في الأرض الخالية عقر ولكن يُقال عقر الدار وعقر الحوض وعقر الروضة وعقر البستان(2).

ولا يخفى ما فيه، فإنّ هذا الكلام من قبيل الاجتهاد في اللغة وهو ممنوع جدّاً، وقد عرفت أنّ أساطين اللغة قد صرّحوا باستعمال العقار في مطلق الأرض سواء كانت مشغولة أم خالية، كما أنّ استعمال هذا اللّفظ في الروايات يدلّ على أنّ العقار أعمّ من الدور، فجاء في بعض الأحاديث: من باع داراً أو عقاراً.

وأمّا ما ذكره الراغب فالظاهر أنّ المراد أنّ إطلاق العقار على الفرع إنّما هو باعتبار الأصل فيطلق على الدار باعتبار أرضه التي هي أصله ويطلق على الضيعة باعتبار أرضها، فلا تدلّ على أنّه لو لم يكن لها فرع فلا يطلق عليها عقار، ويؤيّد ذلك ما قاله الهروي : العقار: الأصل، يُقال لفلان عقار أي أصل مال، ومنه الحديث: من باع داراً


1. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 189. والظاهر أنّ هذه الرسالة تقريرٌ لما أفاده السيّد المحقّق البروجردي (قدس سرّه)، وقد أخبرني دام ظلّه أنّ هذه الرسالة تقريرٌ لبحثه الشريف إلى أوّل النزاع الثاني .

2. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 179.

أو عقاراً أي أصل مال(1).

وبالجملة: لا ريب في أنّه إذا استعمل من غير إضافة إلى شيء فقد استعمل في مطلق الأراضي. نعم، إذا اُضيف إلى الدور مثلاً فيدلّ على أرض الدور خاصّة.

وقد اعترف الفاضل الهندي(2) بأنّ العقار في غير مورد إضافته إلى الدور يكون بمعنى الضيعة وجعله الأشهر في معناه.

والنتيجة أنّ العقار هو الأرض والضيعة.

والنقطة المهمّة في الرواية حول إضافة العقار إلى الأرض فهل الإضافة بيانيّة بتقدير كلمة من فكأنّما قال: لا ترث الأرض أو تكون الإضافة بتقدير كلمة (في) يعني عقار في الأرض، وعلى هذا تكون محدودة بنوع خاصّ من العقار، ولكن الظاهر والراجح هو الاحتمال الأوّل.

فهذه الرواية عامّة دالّة على الحرمان من جميع الأراضي عيناً وقيمةً.

ولا يخفى عليك أنّ الرواية ليست روايتين لأنّ المروي عنه هو الإمام الباقر (عليه السلام)، والظاهر أنّ زرارة ومحمّد بن مسلم في مجلس واحد قد أخذا الرواية من الإمام (عليه السلام).


1. الغريبين 4: 1308.

2. كشف اللثام 9: 467 .

7 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام): لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: وإنّما ذلك لئلاّ يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم(1).

والرواية صحيحة ولكن مختصّة بالحرمان عن عقار الدور.

8 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يحيى الحلبي، عن شعيب، عن يزيد الصائغ، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام)، قال: سألته عن النساء، هل يرثن من الأرض؟ فقال: لا، ولكن يرثن قيمة البناء، قال: قلت: إنّ الناس لا يرضون بذا، قال: إذا ولّينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف(2).

والرواية ضعيفة من جهة أنّ يزيد الصائغ من الكذّابين(3).

9 ـ محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن ابن علي، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام)، قال: إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلاّ يتزوّجن فيدخل


1. الكافي 7: 129؛ وسائل الشيعة 26: 208 .

2. الكافي 7: 129 ح8 .

3. راجع معجم رجال الحديث 20: 121 .

عليهم ـ يعني أهل المواريث ـ من يفسد مواريثهم(1).

والرواية ضعيفة لأنّ في طريق الكليني معلّى بن محمّد وهو ضعيف مضطرب الحديث والمذهب على ما صرّح به النجاشي(2)، مضافاً إلى أنّ معلى بن محمّد ينقل عن الحسن بن علي وهو مشترك بين موثّق ومجهول وضعيف، كما أنّ في طريق الصدوق محمّد بن الوليد الكرماني وهو مجهول.

ولا يبعد اتّحادها مع الرواية السابقة من جهة اتّحاد المروي عنه الذي هو الإمام الصادق (عليه السلام) واتّحاد المضمون، مضافاً إلى اتّحاد الراوي الذي هو حمّاد ابن عثمان. نعم، في الرواية السابعة قد صرّح بالضابطة من أنّ النساء لا ترث من عقار الدور شيئاً، وفي هذه الرواية قد ذكر الراوي قسماً آخر من كلام الإمام (عليه السلام)، فالجامع ما ورد في الرواية السابعة، فتدبّر.

10 ـ محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن عمّه جعفر بن سماعة، عن مثنّى، عن عبد الملك بن أعين، عن أحدهما (عليهماالسلام)، قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء .(3)


1. الكافي 7: 129 ح7 .

2. رجال النجاشي: 418، الرقم 1117 .

3. الكافي 7: 129 ح9 .

والرواية موثّقة سنداً وعامّة دلالة وليست مختصّة بالحرمان من الدور فقط.

11 ـ محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن أبي عبداللّه‏، عن معاوية بن حكيم، عن علي بن الحسن بن رباط، عن مثنّى عن يزيد الصائغ، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً ولكن لهنّ قيمة الطوب والخشب، قال: فقلت له: إنّ الناس لا يأخذون بهذا، فقال: إذا ولّيناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلاّ ضربناهم بالسيف عليه(1).

والرواية ضعيفة، والظاهر اتّحادها مع الرواية الثامنة، ولا يبعد أن يُقال إنّ إضافة الرباع إلى الأرض بيانيّة بمعنى أنّه لا ترث من الأرض فإنّ الرباع جمع ربع وهو المنزل والدار بعينها، والظاهر أنّ الربع لا يطلق بنفسه على الأرض إلاّ إذا اُضيف إلى الأرض.

12 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن الحسن بن محبوب وهو ينقل تارةً عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وتارةً عن خطّاب أبي محمّد الهمداني عن طربال، عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدوابّ شيئاً وترث من المال والرقيق والثياب


1. الكافي 7: 129 ح10 .

ومتاع البيت ممّا ترك ويقوّم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقّها منه(1).

والرواية بسندها الأوّل صحيحة وبسندها الثاني ضعيفة، والظاهر اتّحادها مع الرواية الاُولى فإنّ المضمون مشترك والمروي عنه هو الإمام الباقر (عليه السلام).

13 ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد ابن زياد، عن محمّد بن حُمران، عن محمّد بن مسلم وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئاً إلاّ أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء(2).

والرواية موثّقة، والظاهر اتّحادها مع الرواية الرابعة، فإنّ اشتراك الراوي الذي هو محمّد بن مسلم والمروي عنه الذي هو الإمام الباقر (عليه السلام) يدلّ على وحدة الرواية، ولا يقال إنّ الموجود في الرواية الرابعة هو العقار، والمذكور هنا هو الضياع.

فإنّا نقول: العقار يستعمل في الضياع، كما أنّ الضياع أيضاً يستعمل في العقار.

قال الفيّومي في المصباح المنير: الضيعة العقار، وكذلك في المنجد، فلا شكّ في استعمال الضيعة في العقار والأرض الغلّة


1. الكافي 7: 127 و 128 ح2 .

2. الاستبصار 4: 153 ح10، تهذيب الأحكام 9: 300 ح1073.

والمنازل. قال الليث: الضياع المنازل سمّيت ضياعاً لأنّها إذا ترك تعهّدها وعمارتها تضيع(1).

قال ابن منظور في لسان العرب: الضيعة العقار والضيعة الأرض المُغلّة(2).

وإلى هنا قد اتّضح اتّحاد معنى كلمة العقار والضيعة والقرية والأرض، فتدبّر.

14 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن سنان: إنّ الرضا (عليه السلام)كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً إلاّ قيمة الطوب والنقض، لأنّ العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك، لأنّه لا يمكن التفصّي منهما، والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا أشبهه وكان الثابت المقيم على حاله كمَن كان مثله في الثبات والقيام(3).

والظاهر أنّ الرواية ضعيفة من جهات:

الاُولى: أنّها مكاتبة واحتمال التقيّة فيها جارية.


1. مصباح المنير 1: 366 .

2. لسان العرب 8: 230 .

3. تهذيب الأحكام 9: 300 ح1074 .

الثانية: محمّد بن سنان مختلفٌ فيه، وقيل في حقّه: إنّه غال، وقد نقل عن صفوان أنّ ابن سنان قد همَّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّى ثبت معنا، وربما هذا يدلّ على اضطراب كان وزال.

وفي رجال الكشّي عن أحمد بن محمّد بن عيسى قال: كنّا عند صفوان بن يحيى فذكر محمّد بن سنان فقال: إنّ محمّد بن سنان كان من الطيّارة فقصصناه(1).

وقد ضعّفه النجاشي وقال: ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به(2).

وضعّفه ابن الغضائري وذكر أنّه من أهل الغلوّ والجهل(3).

وقال الشيخ الطوسي: له كتب وقد طعن عليه وضعّف(4).

وروى الكشّي عن حمدويه أنّه قال: لا استحلّ أن أروي أحاديث محمّد بن سنان لأنّه قال قبل موته: كلّما اُحدّثكم به لم يكن لي سماعاً ولا رواية إنّما وجدته(5).

وقد روى الكشّي عن الفضل بن شاذان: أنّ من الكذّابين


1. اختيار معرفة الرجال 2: 795 .

2. رجال النجاشي: 328 .

3. رجال ابن غضائري: 99.

4. الفهرست: 219 .

5. اختيار معرفة الرجال 2: 687 .

المشهورين محمّد بن سنان(1).

وقال الشيخ المفيد في رسالته العدديّة: مطعونٌ فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه(2).

وفي قِبال ذلك فقد عدّه في الإرشاد(3) من أهل الورع والعلم والفقه ومن خاصّة الإمام (عليه السلام) وثقاته، وله توثيق عامّ ومن رجال كامل الزيارات(4) وتفسير علي بن إبراهيم القمّي ووثّقه صاحب الوسائل(5) وابن طاووس(6).

والظاهر أنّ توثيق صاحب الوسائل لا يقبل لأن يعارض مع تضعيف النجاشي والشيخ، كما أنّ التوثيق العامّ كاف إذا لم يكن معارضاً بالجرح الخاصّ، وعليه لا يمكن أن يعتمد عليه.

ثمّ إنّه قد ذكر الشيخ الطوسي في الاستبصار هذا الحديث من تتمّة الحديث السابق ولم يذكره مستقلاًّ فقد جاء في الاستبصار: عنه (حسن بن محمّد بن سماعة) عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم، وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): أنّ النساء لا يرثن من الدور ولا من


1. اختيار معرفة الرجال 2: 805 .

2. جوابات اهل الموصول: 20 .

3. الإرشاد 2: 248 .

4. كامل الزيارات: الباب 1، في ثواب زيارة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ح3 .

5. وسائل الشيعة الاسلامية 20: 329 رقم 1049 .

6. التحرير الطاووسي: 508، رقم 372 .

الضياع شيئاً إلاّ أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء.

وكتب الرضا (عليه السلام) إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أن لا ترث من العقار شيئاً... (1).

وعليه فالراوي عن محمّد بن سنان هو حسن بن محمّد بن سماعة عن طريقه إليه، مع أنّ الحديث على ما أورده في الوسائل، يكون الراوي هو الشيخ الطوسي، وليس في المشيخة طريق إلى محمّد بن سنان فراجع، ولكن مع ذلك فقد ذكر في التهذيب على نحو الاستقلال، والظاهر هو التعدّد وإن كان الراوي عنه ليس الشيخ الطوسي، بل هو حسن بن محمّد بن سماعة، فتدبّر.

الثالثة: أنّ في طريق الصدوق إلى محمّد بن سنان بعضاً من الضعفاء كعلي بن عبّاس(2).

وقال السيّد المحقّق البروجردي: وهذه الرواية تنادي بأعلى صوتها أنّها ليست بهذه الألفاظ من الإمام (عليه السلام) كما يعرف ذلك من كان له أدنى بصيرة في ألفاظ الأحاديث المنقولة عنهم (عليهم السلام) (3).

أقول: لا يبعد هذا الكلام بالنسبة إلى التعليل الذي ذكره، وأمّا


1. الاستبصار 4: 153 .

2. قال النجاشي: رمى بالغلو وغمز عليه ضعيف جدّاً . رجال النجاشي: 255 .

3. تقريرات ثلاثة: 111.

المعلّل فالظاهر أنّه من الإمام (عليه السلام) والرواية ظاهرة في الحرمان عن جميع الأراضي.

15 ـ محمّد بن الحسن بإسناده، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن عبد اللّه‏ بن المغيرة، عن موسى بن بكر الواسطي، قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ النساء لا ترث امرأة ممّا ترك زوجها من ترثة دار ولا أرض، إلاّ أن يقوّم البناء والجذوع والخشب فتُعطى نصيبها من قيمة البناء، فأمّا التربة فلا تُعطى شيئاً من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: هذا لا شكّ فيه(1).

والرواية معتبرة من باب أنّ سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن الفضّال معتبر من باب تبديل السند. نعم، بالنسبة إلى موسى بن بكر إشكال حيث لم يوثّق في كتب الرجال. والظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الخامسة.

16 ـ محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً، ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل ـ يعني من البناء الدور وإنّما عنى من النساء الزوجة(2).


1. الاستبصار 4: 154 ح580 11، تهذيب الأحكام 9: 301 ح (1077) 37 .

2. من لا يحضره الفقيه 4: 348 ح 5750 .

والرواية غير معتبرة لأنّ طريق الصدوق إلى حسن بن محبوب ضعيف من جهة وجود محمّد بن موسى بن المتوكّل فإنّه لم يرد فيه توثيق. هذا مضافاً إلى أنّ أحول لقب جمعٍ من أصحاب الصادق (عليه السلام) والموثّق من بينهم واحد منهم وهو محمّد بن علي بن النعمان المكنّى بأبي جعفر والملقّب بـ «مؤمن الطاق» والباقون: بكر بن عيسى وحبيب الخثعمي والحسين بن عبد الملك الذين هم من المجاهيل والمهملين، هذا مضافاً إلى أنّ السيّد البروجردي على حسب الطبقات التي اخترعها وابتكرها في الرجال قد أورد اشكالاً في السند وقال: إنّ حسن بن محبوب من الطبقة السادسة، والأحول من الطبقة الرابعة، وعليه يحتمل الإرسال في السند، ولكن هذا لا يضرّ من جهة انجبار الضعف بعمل الأصحاب.

وكيف كان فلا ريب في أنّ المراد من العقار جميع الأراضي خصوصاً مع كون المراد من البناء الدور، فتدبّر.

17 ـ محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير (عن الحسين بن أبي مخلّد، والظاهر أنّ هذا العنوان محرّف والمراد حسين بن أبي العلاء الخفّاف عن أبي مخلّد السرّاج)، عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب عليّ (عليه السلام)فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويّاً، فإذا فيه: إنّ النساء ليس لهنّ

من عقار الرجل (إذا توفّى عنهن) شيء، فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا واللّه‏ خطّ عليّ (عليه السلام)بيده وإملاء رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله)(1).

وعبدالملك مشترك بين الثقة وغيره، وعليه فالرواية ضعيفة ولكن منجبرة بعمل الأصحاب، أو يقال باتّحاد هذه الرواية مع السابعة، والمراد عبد الملك بن أعين وهو ثقة.

والنقطة المهمّة في هذه الرواية أنّ المستفاد من ظاهرها أنّ الراوي قد رأى كتاب عليّ (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام) قد حلف على أنّ هذا خطّ عليّ (عليه السلام) وإملاء الرسول (صلى‏الله‏عليه‏و‏آله)‏.

أيّها القارئ والمتأمّل في هذا الحديث انظر كيف أصبحت الظروف في زمن الإمام (عليه السلام)، وإلى أيّ حدّ وصلت حتّى احتاج الإمام (عليه السلام)ـ الذي هو من أبرز مصاديق العدول وموثّق عند الجميع ـ إلى الحلف والقسم وإلى إرائة مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى إثبات أنّ ما يقوله ليس بكلامه فقط، بل هو المستفاد من النبيّ (صلى الله عليه و‏آله). وأنا عندما قرأت الحديث زاد تأسّفى وانتابني الحزن، والأسف يغمر صدري، لما رأيت من وقع الظلم عليهم (عليهم السلام) من قِبل المعاندين إلى حدّ كان يوجد الشكّ عند بعض الأصحاب، ولأجل هذا اضطرّ الإمام إلى أن يكشف مصحف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).


1. بصائر الدرجات: 185، وسائل الشيعة 26: 212، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، ح 11 .

18 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت(1).

والرواية صحيحة ولكنّها تدلّ على إرث الزوجة من جميع ما تركه الزوج. ويمكن أن يُقال بأنّها مخصّصة بما دلّ على عدم إرثها من العقار، أو يكون محمولاً على التقيّة كما حمله الشيخ عليها، أو يكون محمولاً على ما إذا كان للمرأة ولد كما ذكره الصدوق والشيخ وغيرهما. وقال صاحب الوسائل(2): يمكن حمله على رضا الوارث إعطاء العين فيما عدا الأرض وبإعطاء العين أو القيمة من الأرض.

19 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن أحمد بن عمران الأشعري، عن يعقوب بن زيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة في النساء إذا كان لهنّ ولد أعطين من الرباع(3). ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير(4)، والرواية مقطوعة وسيأتي الكلام حولها إن شاء اللّه‏ تعالى.


1. الاستبصار 4: 154 .

2. وسائل الشيعة 26: 213.

3. الاستبصار 4: 155 ح 582 13، تهذيب الأحكام 9: 301 ح (1076) 36 .

4. من لا يحضره الفقيه 4: 349 ح5754 .

هذه الروايات المذكورة في الوسائل من ميراث الأزواج، وقد استدلّ أيضاً ببعض الروايات التي ذكرت في مباحث المهور من النكاح.

20 ـ محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة وفضل بن عبد الملك أبو العبّاس البقباق، قالا: قلنا لأبي عبداللّه‏ (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء وإن ماتت فهو كذلك(1).

والرواية بهذا السند صحيحة، والحديث له طريق آخر وهو صحيح أيضاً وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إسماعيل، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) .(2)

ونظير هذه الرواية هي الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة من هذا الباب والراوي عن الإمام (عليه السلام) هو عبيد بن زرارة، والظاهر اتّحادها مع الرواية العاشرة وقد صرّح فيها بأنّها ترثه.

والظاهر أنّ الإمام (عليه السلام) كان في مقام بيان الفرق بين الصداق والإرث، فبالنسبة إلى الأوّل لها نصف الصداق، وأمّا بالنسبة إلى


1. وسائل الشيعة 21: 329، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 58، ح9.

2. الاستبصار 3: 342 ح 1221 10 .

الثاني فلها الإرث من كلّ شيء.

والروايات الدالّة على حرمانها من عقار الدور أو من مطلق العقار منقسمة إلى الصحاح والموثّقة والضعاف، والظاهر أنّها قد بلغت إلى حدّ التواتر، بل فوق التواتر، وقد صرّح بذلك بعض من الفقهاء المتقدّمين، والروايات الضعيفة منجبرة بعمل الأصحاب، وعليه فلا شكّ في صدور هذه الروايات عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

في اتّحاد بعض الروايات مع بعضها الآخر

هل الروايات متعدّدة بمعنى أنّ كلاًّ منها مستقلٌّ عن الآخر أو يرجع بعضها إلى بعض، وقد ذكرنا حين نقلها ثبوت الاتّحاد بينها، فمثلاً ستّة من هذه الروايات وهي رقم 4، 5، 6، 7، 13، 15 متّحدة وليست متعدّدة، وقد سبق أنّ الملاك في الاتّحاد هو الاتّحاد في المضمون والمروي عنه، والتعدّد في الراوي لا يكون موجباً لتعدّد الرواية؛ فمثلاً حديث الغدير وإن كان متواتراً ولكن يكون خبراً لا أخباراً متعدّدة، مع أنّ الراوي فيه تجاوز عن المئات، ولا يذهب عليك أنّ الخبر مع كونه متواتراً ولكن يكون خبراً لا أخبارً، فتدبّر.

وأيضاً الحديث 1 و 12 وأيضاً الحديث 8 و 11، ولا يبعد اتّحاد 7 و 9، كما لا يبعد وحدة 10 و 17 من حيث إنّ الراوي فيهما هو عبد الملك.

وسيأتي ثمرة الفرق بين الاتّحاد وعدمه فانتظر.

العناوين الموجودة في الروايات

فبعد الإحصاء يوجد فيها أحد عشر عنواناً:

1 ـ الحرمان من القرى والدور: الحديث 1 و 12.

2 ـ الحرمان من الرباع: الحديث 2.

3 ـ الحرمان من الأرض والعقارات: الحديث 3 و 4.

4 ـ الحرمان من تربة دار أو أرض: الحديث 5 و 15.

5 ـ الحرمان من عقار الأرض: الحديث 6.

6 ـ الحرمان من عقار الدور: الحديث 7.

7 ـ الحرمان من الأرض: الحديث 8 .

8 ـ الحرمان من الدور والعقار: الحديث 10 .

9 ـ الحرمان من رباع الأرض: الحديث 11.

10 ـ الحرمان من الدور والضياع: الحديث 13.

11 ـ الحرمان من العقار: الحديث 14، 16، 17.

توضيح الألفاظ المذكورة في الروايات

العقار: قال ابن منظور في لسان العرب: العقر والعقار المنزل والضيعة، يقال ما له دار ولا عقار. وخصّ بعضهم العقار بالنخل...

وقالت اُمّ سلمة لعائشة حينما أرادت الخروج إلى البصرة: سكن اللّه‏ عقيراك فلا تصحريها، أي أسكنك اللّه‏ بيتك وعقارك وسترك فيه فلا تبرزيه(1).

عقار البيت: متاعه ونضده الذي لا يبتذل إلاّ في الأعياد والحقوق الكبار، وقيل عقار المتاع، خياره وشبيه هذا جاء في الصحاح وقال: العقار الأرض والضياع والنخل(2).

وقد ذكر بعض الفقهاء: أنّ الأصل في استعمال العقر والعقار استعمالهما في كلّ شيء له أصل كالدار، وقد استعمل في خصوص الدار وفي العقر الذي يكون معتمداً للقرية... ثمّ قال: فلو لم يكن ظاهراً في خصوص الأراضي المشغولة... ليس ظاهراً في مطلق الأراضي(3).

وقد ذكر الراغب في مفرداته: أنّ العقر يُقال على كلّ شيء له أصل، فالعقر بمنزلة الفرع فلا يقال في الأرض الخالية عقر ولكن يُقال عقر الدار، عقر الحوض، عقر الروضة، عقر البستان(4).

والحاصل: أنّه بعد أن تأمّل في معنى كلمة العقر قد استفاد من اللغة


1. لسان العرب 4: 597 .

2. الصحاح 2: 754 .

3. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 189 .

4. مفردات غريب القرآن: 341.

أنّ هذه الكلمة منحصرة بالأرض المشغولة وفي النتيجة أفتى بالحرمان عن خصوص عقار الدور فقط.

ونلاحظ فيه:

أوّلاً: قد مرّ أنّ لفظ العقار إذا استعمل بنحو مطلق من دون إضافة إلى البيت، يستعمل في مطلق الأرض. نعم، إذا اُضيف إلى البيت يدلّ على المتاع، وبالنتيجة يوجد الفرق بين الاستعمال على نحو الإطلاق والاستعمال على نحو الإضافة إلى خصوص الدور أو البيت، وأمّا إذا اُضيفَ إلى الأرض أو إلى الرجل كما في بعض الروايات فيدلّ على المعنى المطلق.

ثانياً: الظاهر سوء الفهم من عبارة الراغب وغيرها وليس مرادهم من أنّ العقار يستعمل في كلّ شيء له أصل، أنّه إذا لم يكن في البين أصلٌ وفرع لم يصحّ استعمال لفظ العقار، بل المراد أنّ إطلاق العقار على الفرع إنّما هو باعتبار الأصل فيُقال للبناء والدار والزرع والنخل، عقار باعتبار الأصل وهو الأرض. وبعبارة اُخرى: لفظ العقار عامّ شامل للأرض الخالية والأرض المشغولة، ولكن في الثاني قد يطلق على الفرع: عقار باعتبار الأصل، فتدبّر.

ويؤيّد ذلك ما ذكره الهروي في الغريبين: العقار الأصل، ولم يذكر الأرض بل قال: هو الأصل ويقال لفلان عقار أي أصل مال، وفسّر حديث من باع داراً أو عقاراً بأنّه من باع داراً أو أصل مال.

وبالنتيجة لا يجب في استعمال هذه الكلمة أن يكون الفرع موجوداً في الأصل، فلا فرق في الاستعمال بين وجود الفرع وعدمه.

الرباع: جمع ربع بمعنى المنزل والوطن كما في العين(1)، وقال الأصمعي: الربع الدار بعينها(2)، وقال الفيّومي في مصباح المنير: الربع محلّة القوم(3).

ولا يبعد أن يُقال: إنّ كلمة الرباع إذا اُضيفت إلى الأرض بأن يقال رباع الأرض، تدلّ على مطلق الأرض لا خصوص المنزل والدار، وبعبارة اُخرى الإضافة بيانيّة.

الضياع: جمع ضيعة بمعنى العقار والأرض المغلّة، قال الفيّومي: الضيعة العقار.

القرى: جمع قرية، المصر الجامع، أو كلّ مكان اتّصلت به الأبنية واتّحد قراراً وتقع على المدن.

قال ابن الأثير في النهاية: القرية من المساكن والأبنية الضياع(4).

فتحصّل: أنّ هذه الألفاظ الأربعة تعود إلى معنى واحد، فالعقار والرباع والضياع والقرى تستعمل في مطلق الأرض وليس بينها تفاوت من حيث المعنى.


1. العين 2: 133 .

2. حكى عنه في تهذيب اللغة 2: 369 .

3. مصباح المنير: 216 .

4. النهاية في غريب الحديث 4: 56 .

تقسيم الروايات إلى طائفتين

الطائفة الاُولى: ما دلّ على حرمان الزوجة عن خصوص أرض الدور، وهي ثلاث روايات:

1 ـ الحديث 2: ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع، وقد ذكرنا أنّ لفظ الرباع من دون إضافة إلى الأرض يستعمل في خصوص الدور.

2 ـ الحديث 7: لا ترث النساء من عقار الدور.

3 ـ الحديث 11: إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض. هذا إذا لم تكن الإضافة بيانيّة وإلاّ يدخل الحديث في الطائفة الثانية.

الطائفة الثانية: ما دلّ على حرمان الزوجة من مطلق العقار من دون فرق بين عقار الدور وسائر العقارات:

1 ـ الحديث 1 و 12: لا ترث من القرى والدور، فإنّ العطف من قبيل عطف الخاصّ على العامّ، وقد مرّ أنّ المراد من القرية هي الضيعة التي هي الأرض، فكأنّما قال: لا ترث من الأرض والدور.

2 ـ الحديث 3 و 4: لا ترث المرأة من الأرض والعقارات، والجمع في العقار يستفاد منه التأكيد على العموم ولا يصحّ أن يتوهّم أنّ الألف واللاّم في الأرض جاء للعهد والشاهد على ذلك أيضاً هو الجمع في العقار.

وأمّا ما تقدّم من السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره) من احتمال أن يُراد بها خصوص أرض المساكن بقرينة ذكر القيمة لأشياء مخصوصة بأرض المساكن والدور، فغير تامّ جدّاً؛ لأنّ الموضوع للآلات في غير أرض الدار منتف، وفي أرض الدار لا يمكن للشارع بيان آخر في ما ترث الزوجة منها وفي ما لا ترث، وفي نظير هذه الموارد التي لا يمكن للشارع لها طريق آخر، لا يصحّ أن نجعلها قرينة على شيء، وقد مرّ أنّ جعل العبارة السابقة قرينة على العبارة الآتية مناف للفصاحة والبلاغة.

3 ـ الحديث 5 و 15: لا ترث ممّا ترك زوجها من تربة دار أو أرض، وكلمة أوليست للترديد بل هي للتنويع والتعميم.

4 ـ الحديث 6: لا ترث من عقار الأرض شيئاً.

5 ـ الحديث 8: سألته عن النساء هل يرثن من الأرض شيئاً؟ فقال: لا. فقد جاء فيه لفظ الأرض على نحو الإطلاق.

6 ـ الحديث 10: لا ترث من الدور والعقار.

7 ـ الحديث 13: لا ترث من الدور والضياع.

8 ـ الحديث 14، 16، 17: لا ترث من العقار.

فتبيّن من ذلك أنّ ثلاثة من الروايات تدلّ على خصوص عقار


1. تقريرات ثلاثة: 107 .

الدور وثلاث عشر منها تدلّ على الحرمان عن جميع الأراضي، وحينئذٍ فالبحث يقع في فروض ثلاثة:

الفرض الأوّل: أن نقول بتعدّد الروايات ولم يكن بين بعضها مع البعض الآخر اتّحاد، فهل يمكن أن يقال بجريان قاعدة حمل المطلق على المقيّد بمعنى أن نحمل الطائفة الثانية التي دلّت على الحرمان عن جميع الأراضي، على خصوص الحرمان عن الدار ؟

قد يُقال: إنّ الطائفة الاُولى التي تدلّ على الخصوص، فقد تدلّ بالمفهوم على عدم الحرمان عن بقيّة الأراضي فإنّ قوله (عليه السلام)؛ لا ترث المرأة من الرباع، يدلّ على إرثها من غير الرباع، وبهذا المفهوم نقيّد الروايات في الطائفة الثانية.

ونلاحظ فيه أنّ هذا المفهوم من قبيل مفهوم اللقب ولا يقول به أحد، إلاّ إذا كان المتكلّم في مقام بيان المفهوم ولم يثبت ذلك، فإنّ الغالب في الأسئلة في هذه الروايات هو السؤال عن الدار المسكونة، وقد أجاب الإمام (عليه السلام) بالنسبة إلى مورد السؤال بأنّها لا ترث من الرباع وترث من قيمة البناء والخشب، فلا يحرز أنّه في مقام إفادة المفهوم، كيف وقد صرّح بعض بأنّ ذكر الخشب والقصب في الرواية الثالثة قرينة على أنّ المراد بالعنوان العام فيه أي الأرض والعقارات، هو خصوص عقار الدور كما صرّح بذلك السيّد البروجردي(1) وهو


1. تقريرات ثلاثة: 122 .

وإن اختار فتوى المشهور في هذه الرسالة ولكن قد نقل عنه أنّه قد عدل عن ذلك في أواخر حياته وأفتى بخلافه(1)، وكيف كان إذا احتملنا قرينيّة الموجود فلا يمكن لنا إحراز كونه في مقام بيان المفهوم.

إن قلت: يمكن حمل الطائفة الثانية على الخصوص من طريق حمل المطلق على المقيّد وقد ثبت في محلّه أنّ حمل المطلق على المقيّد لا يتوقّف على ثبوت المفهوم، فنقول: لو فرضنا عدم المفهوم ولكن مع ذلك يجب حمل المطلق على المقيّد وحمل الأرض في الروايات على الرباع.

قلت: إنّ حمل المطلق على المقيّد يصحّ فيما إذا كان بينهما تناف عند العرف، ومع عدم وجود التنافي لا يصحّ الحمل، وفي المقام لا تنافي بين قوله: إنّ المرأة لا ترث من الرباع، وقوله (عليه السلام): إنّ المرأة لا ترث من الأرض والعقارات. كما أنّه لا تنافي بين قول القائل لا تضرب زيداً، وبين قوله لا تضرب أحداً. نعم، إذا كان بينهما تناف فيجب


1. لايخفى عليك وجود الاختلاف بين رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة. الذي قسم منه من تقريرات بحث السيّد البروجردي والقسم الآخر من إفاضات المؤلّف المعظّم. دام ظلّه. حسب تصريحه لي وكتاب تقريرات ثلاثة والمستفاد من الأوّل أنّ‏السيّد (قدس سرّه) كان من الأوّل مخالفاً للمشهور، مع أنّ المستفاد من الثاني موافقته لهم، وقد ذكر بعض تلامذته في شرحه على المهذّب ما هذا نصّه: «وكان سيّدنا الاستاذ العلاّمة البروجردي (قدس سرّه) مائلاً إلى قول المفيد بدعوى أنّه مقتضى الجمع بين النصوص بعد ارجاع بعضها إلى بعض لاجل اتحاد الراوي لكن يظهر منه في بعض محاضراته المطبوعة انّه عدل أخيراً عن هذا الرأي إلى قول الأكثر». شرح المهذب 1: 350.

الحمل من دون فرق بين المتوافقين والمتخالفين كما حقّقناه في مباحثنا الاُصوليّة، فراجع.

الفرض الثاني: أن نقول باتّحاد الروايات ورجوع بعضها إلى بعض آخر (فإنّ أحاديث 4، 5، 6، 7، 13، 15 ترجع إلى حديث واحد، كما أنّ حديث 8 و 11 أيضاً يرجعان إلى واحد وكذلك حديث 1، 12) ونلتزم بتغاير العناوين وعدم الوحدة بين المعاني.

وبعبارة اُخرى: نلتزم بالاضطراب بين التعابير الأربعة أي العقار والقرى والضياع والأرض.

والمراد من الاضطراب أنّ بعضاً منها يدلّ على معنى خاصّ وهو خصوص أرض الدور، والبعض الآخر يدلّ على جميع الأراضي والعقارات، أو يُقال إنّ قسماً منها يدلّ على خصوص الأرض المشغولة سواء كانت دوراً أم غيرها، والقسم الآخر يدلّ على الأعمّ من الأرض المشغولة وغيرها.

ولا ريب أنّه في هذا الفرض لابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها، ولكن الكلام في العنوان المتيقّن فما هو القدر المتيقّن في المقام؟

قد يُقال: بأنّ القدر المتيقّن هو أرض الدور، وبالنتيجة المستفاد من الروايات عدم إرث الزوجة من الأرض المسكونة.

ويؤيّد ذلك:

أوّلاً: ذكر الخشب والقصب والبناء والطوب في كثير من

الروايات، والمستفاد من هذه العناوين عدم تعرّض الإمام (عليه السلام)بالنسبة إلى أرض الزرع وأرض البستان، وأيضاً عدم تعرّضه للأرض الخالية.

ثانياً: ذكر العلّة أو الحكمة في الروايات، فالمستفاد من الحكمة ـ وهي عدم جواز مزاحمة الآخر لأهل المواريث ـ إنّ الممنوع هي أرض الدور فإنّ المزاحمة فيها تتحقّق لا في الأرض الخالية.

ولكن مع ذلك كلّه نقول: لولا وجود روايات 14، 16، 17 لقلنا بذلك في هذا الفرض.

وبعبارة اُخرى: بناءً على الاتّحاد بين الروايات والتغاير بين التعابير نلتزم بأخذ القدر المتيقّن، ولكن هذا الأخذ صحيح إذا لم نتوجّه إلى هذه الروايات الثلاث، وأمّا مع التنبّه إليها فلا يبقى للقدر المتيقّن مجال؛ وذلك لعدم عود هذه الثلاثة إلى بقيّة الروايات ولم يكن واحد منها متّحداً مع سائر الروايات حتّى يقال بالقدر المتيقّن، فقال الإمام (عليه السلام) في الرواية 14: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً. فهذا التعبير عامّ ولا يختصّ بأرض الدور.

وهكذا في الرواية 16: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً. وفي هذه الرواية وإن جاء التعبير بالبناء ولكن ليس هذا قرينة على أنّ المراد من العقار هو أرض الدور وذلك لوجود التعبير بالنخل والشجر أيضاً وهما لا يناسبان أرض الدور، فتدبّر جدّاً.

وهكذا جاء في الرواية 17: النساء ليس لهنّ من عقار الرجل. وهذا التعبير أيضاً عامّ.

هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّ الاستدلال للقدر المتيقّن بالحكمة الواردة في الروايات، غير تامّ جدّاً لإمكان تحقّق المزاحمة في أرض الزرع والشجر أيضاً، ولا يختصّ ذلك بأرض الدور فقط.

هذا مضافاً إلى عدم انحصار الحكمة بذلك في الروايات، بل قد ذكر فيها عنوان أنّها ليس لها نسب ترث به، كما جاء في الحديث 3: لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به وإنّما هي دخيل عليهم.

كما أنّه جاء فيها عنوان أنّها لا ترث لأنّها في معرض التغيير والتبديل، وما كان قابلاً للتبديل فالمناسب الإرث عمّا يكون قابلاً للتبديل وهو غير الأرض كما جاء في الحديث 14: لأنّ العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والزوجة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك؛ لأنّه لا يمكن التفصّي منهما، والزوجة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره.

وقد ذكرنا سابقاً أنّ الشيخ في الاستبصار قد ذكرها متّصلة بالرواية الثالثة عشر، فراجع.

مقتضى الحِكَم الثلاثة

وهنا بحث وهو أنّه هل المستفاد من الحِكَم الثلاثة أنّ الزوجة لا ترث من أرض الدور فقط أم لا؟

يمكن أن يقال إنّه إذا كنّا نحن ومسألة المزاحمة فقط لقلنا بأنّه لا يبعد اختصاصها بأرض الدور، ولكن مقتضى الحكمة الثانية والثالثة عدم الإرث من جميع الأراضي.

الفرق بين العلّة والحكمة

الظاهر أنّ التعبير بالعلّة والحكمة في الروايات لا يدلّ على وجود الاختلاف بينهما من جهة علم الحديث، وقد يعبّر كثيراً عن الحكمة بالعلّة وبالعكس، ولكن بينهما فرق في اصطلاح الفقهاء والاُصوليّين.

وبيان الفرق الحقيقي الدقيق بينهما أيضاً ليس بسهل ولكن نحن نذكر ما يمكن أن يشير إلى الفوارق الموجودة بينهما:

الفرق الأوّل

إنّ العلّة يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً؛ بمعنى أنّه مع وجود العلّة يكون الحكم موجوداً ومع عدمها يكون الحكم منتفياً بخلاف الحكمة فإنّ الحكم يدور عليها وجوداً ولكن لا يدور عليها عدماً.

وبعبارة اُخرى: تكون العلّة مطّردة بخلاف الحكمة.

فإنّ الإسكار إذا قلنا بأنّه علّة لحرمة الخمر يكون وجوده موجباً لوجود الحكم، وعدمه موجباً لعدم الحكم، بخلاف النهي عن الفحشاء في الصلاة فهو مع عدمه لا يكون موجباً لانتفاء الوجوب في الصلاة. وأيضاً اختلاط المياه في العدّة في باب الطلاق من مصاديق الحكمة، بمعنى أنّه مع عدمه لا يكون لزوم العدّة منتفياً.

الفرق الثاني

إنّ العلّة عنوان دائمي ولا أقلّ غالبي بخلاف الحكمة فلا يعتبر فيها أن تكون عنواناً غالبيّاً فإنّ الشارع قد اعتمد عليها ولو بالفرد النادر منها؛ فمثلاً في حرمة الزنا قد اعتمد الشارع على مسألة اختلاط المياه، وهذه وإن كانت قليلة وفرضنا واحداً بين المأة ولكن الشارع قد اهتمّ بها.

الفرق الثالث

إنّ العلّة واحدة غالباً والحكمة متعدّدة غالباً، فقد ذكر لحرمة الزنا حكماً متعدّدة، كما أنّه ذكر لوجوب الصلاة والصيام حكماً عديدة.

ومع الالتفات إلى هذه الفروق(1) يصحّ أن يُقال إنّ المزاحمة في


1. وقد ذكرنا بعض هذه الفوارق في رسالتنا حول التلقيح الصناعي فراجع، ولعلّ المراجع يجد الاختلاف بينها وبين ما ذكرناه في المقام فليتدبّر.

المقام من قبيل الحكمة وليست علّة لحرمان الزوجة عن العقار(1)، وعليه فلو فرضنا عدم تزويج المرأة المتوفّى عنها زوجها ثانياً أو تزويجها ولكن وعدت بعدم إتيان الزوج إلى الدار لما كان الحكم بالحرمان منتفياً.

وبناءً عليه لا يرد ما أورده المحقّق الأردبيلي من أنّ هذه الحكمة إنّما تقتضي الحرمان من عين تلك الاُمور لا قيمتها(2).

فإنّ الحكمة ليست قابلةً للاستدلال والنقض من جهة أنّها ليست دخيلة في الحكم وليست جزءاً من موضوع الحكم.

الفرض الثالث: أن يُقال باتّحاد الروايات وعدم وجود الاضطراب بين التعابير بمعنى أنّ الأرض والعقار والضياع والقرى كلّها ترجع إلى معنى واحد وقد أثبتنا واخترنا ذلك.

فالنتيجة في هذا الفرض واضحة وهي أنّ الإمام (عليه السلام) كأنّه قال: لا ترث الزوجة من جميع الأراضي، فتدبّر.

والنتيجة إلى هنا أنّ روايات الطائفة الاُولى وهي السبعة عشر دالّة على حرمان الزوجة من جميع الأراضي.


1. قد صرّح بذلك كثير من الأعاظم كالشهيد الثاني في رسائله 1: 482 حيث قال: المطلب الخامس في بيان الحكمة في هذا الحرمان، وأيضاً السيّد المحقّق البروجردي في تقريرات ثلاثة، فراجع.

2. مجمع الفائدة والبرهان 11: 450.

الطائفة الثانية: ما يكون ظاهرها عدم حرمان الزوجة مطلقاً، وتدلّ على أنّها ترث من كلّ شيء تركه الزوج، وهي:

1 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن أبان.

والرواية موثّقة؛ لأنّ سند الشيخ إلى حسين بن سعيد صحيح على ما ذكره الأردبيلي في جامع الرواة. وأمّا فضالة فالمراد منه فضالة بن أيّوب الأزدي، قال النجاشي: عربي صميم سكن الأهواز روى عن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) وكان ثقة في حديثه مستقيماً في دينه(2)، ووثّقه أيضاً الشيخ الطوسي(3). وأبان مشترك بين أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهما ثقتان، كما أنّ فضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور كليهما من الثقات.


1. الاستبصار 4: 154 ح581 12، وسائل الشيعة 26: 212، الباب 7، باب أنّ الزوج يرث من كلّ ما تركت زوجته وكذا جميع الورّاث، ح1.

2. رجال النجاشي: 310 .

3. رجال الطوسي: 342 .

ودلالتها على إرثها من جميع ما تركه الزوج واضحة.

2 ـ بالاسناد عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس قالا: قلنا لأبي عبداللّه‏ (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء وإن ماتت فهو كذلك(1).

وقد ذكر الشيخ الطوسي في استبصاره توجيهين للرواية الاُولى:

الأوّل: الحمل على التقيّة.

والثاني: تخصيصها بسائر الروايات الدالّة على الحرمان. والجمع مهما أمكن أولى من الطرح(2).

ولا يخفى أنّ التوجيه الثاني غير صحيح جدّاً؛ فإنّ السؤال الموجود في الرواية يكون عن دائرة الحرمان، والجواب ظاهر في عدم الحرمان أصلاً، فمع وجود هذا السؤال كيف يمكن التخصيص في الجواب؟

اللَّهُمَّ إلاّ أن يُقال: إنّ الملاك هو الجواب وخصوصيّات السؤال لا دخل لها في ظهور الجواب في العموميّة، فإنّ كلام الإمام (عليه السلام) دالّ على إرثها من جميع ما تركه الزوج.

وقد ذكر الشيخ طريقاً ثالثاً وهو حمل موثّقة ابن أبي يعفور على ما


1. الكافي 6: 119 ح7، الاستبصار 3: 342 ح 1221 10، وسائل الشيعة 21: 329 ح9 من أبواب المهور.

2. الاستبصار 4: 155 .

إذا كان لها ولد من الزوج، والروايات الدالّة على الحرمان تحمل على ما إذا لم يكن لها ولد منه وذلك بقرينة مقطوعة ابن أبي اُذينة، وسيأتي البحث حولها إن شاء اللّه‏ تعالى.

وبالجملة: موثّقة ابن أبي يعفور أو ما دلّ على عدم الحرمان يحمل على التقيّة كما ذهب إليها جمعٌ كثير من الأعاظم، قال الشهيد في رسائله: ورواية ابن أبي يعفور الدالّة على عموم الإرث ظاهرة في التقيّة لأنّها موافقة لمذاهب جميع من خالفنا(1).

ومع عدم الحمل على التقيّة نقول إنّها لا يقاوم الروايات المتواترة الدالّة على الحرمان.

وقد يُقال: إنّ رواية ابن أبي يعفور تعارض الروايات الدالّة على الحرمان، وفي فرض التعارض نرى وجود مرجّح في كلّ منهما؛ فإنّ الاُولى موافقة لظاهر القرآن الكريم: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»(2) ، والثانية مخالفة للعامّة، وفي هذا المورد وقع الاختلاف بين الاُصوليّين فذكر بعضهم تقديم المرجّح المضموني على المرجّح الجهتي وعليه تقدّم الاُولى، وذهب بعضٌ آخر إلى عكس ذلك وعليه تقدّم الثانية أي ما دلّ على الحرمان، وقد ذكر بعض كالمحقّق الخراساني(3) بأنّه


1. رسائل الشهيد الثاني 1: 468 و 469 .

2. سورة النساء: 12.

3. كفاية الاصول: 453 .

لا ترتيب بين المرجّحات.

والتحقيق تقديم المرجّح المضموني على المرجّح الجهتي وذلك للرواية الواردة في المقام وهي:

ما ذكره الراوندي في رسالته التي ألّفها في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحّتها، عن محمّد، وعلي ابني علي بن عبد الصمد، عن أبيهما، عن أبي البركات علي بن الحسين، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه‏، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه‏، قال: قال الصادق (عليه السلام): إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه‏ فما وافق كتاب اللّه‏ فخذوه وما خالف كتاب اللّه‏ فردّوه فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه‏ فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه(1).

وقد اختاره المحقّق الخوئي والمحقّق الوالد استناداً إلى هذه الرواية.

ثمّ إنّه قد احتمل أنّ هذه الرواية من باب قاعدة الالزام فتكون في


1. وسائل الشيعة 27: 118 ح29، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفيّة العمل بها.

2. مصباح الاصول 3: 419 .

3. في موارد كثيرة، منها: تفصيل الشريعة، كتاب الطهارة 4: 331 .

مورد تكون الزوجة من الفرقة الإماميّة والميّت من المخالفين وبناء على جريان القاعدة ترث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، ثمّ قال إنّ هذا الحمل خلاف الإطلاق، وفيه: إنّ هذا الاحتمال بعيد جدّاً، فإنّ المفروض عند السائل أنّ المرأة محرومة من العقار وهو يسأل عن الرجل هل هو مثل المرأة أم لا؟ فلا يرتبط سؤاله بمسئلة الالزام.

كلام حول الآية الشريفة 12 من سورة النساء

والظاهر من كلمات من تعرّض لهذه الآية الشريفة أنّ الإطلاق أو العموم فيها مسلّم، بمعنى أنّ الآية ظاهرة في أنّ إرث الزوجة ربعاً أو ثمناً إنّما هو من جميع ما تركه الزوج.

قال الفاضل الجواد: ومقتضى العموم أنّ لها الربع أو الثمن من جميع ما تركه الزوج(1).

وقال بعض الفقهاء: إنّ الموصول موضوع لإيجاد الإشارة، وبهذا امتازت ما الموصولة عن الموصوفة؛ لأنّ معنى ما الموصولة ما يعبّر عنه بالفارسيّة (آن چيزى) بخلاف الموصوفة فإذا كان في البين شيء معهود رجعت الإشارة إليه وإلاّ فالموصول يشمل جميع ما يمكن أن يشار إليه؛ لأنّ القول باختصاص الإشارة ببعض دون بعض ترجيحٌ بلا مرجّح، فعلى هذا يكون مفاد الآية


1. مسالك الافهام 4: 175.

الكريمة عموم إرث الزوجة من أعيان التركة(1).

ولا يخفى ما فيه من أنّه اجتهاد محض في اللغة وهو غير صحيح جدّاً.

ونقول: إنّ في دلالة الآية على العموم تأمّلاً جدّاً، ووجهه .

أوّلاً: أنّ كلمة ما الموصولة ليست من ألفاظ العموم، واستفادة الشمول من لفظ ـ تركتم ـ متوقّفة على الإطلاق وهو مشروط بكون المتكلّم في مقام البيان من هذه الجهة.

ثانياً: أنّ الظاهر أنّ اللّه‏ تبارك وتعالى ليس في مقام البيان بالنسبة إلى ما ترك، بل في مقام بيان مقدار السهام من الربع والثمن ولكن لايعيّن ولا يبيّن أنّ السهم هل هو من جميع ما تركه الزوج أو من بعض ما تركه الزوج، كما أنّ قوله تعالى: «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ»(2) إنّما هو في مقام بيان موارد الجواز للنكاح ولا يدلّ على عموم (ما طاب لكم) حتّى يقال بأنّ قوله تعالى: «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» مخصّص للعموم.

وكذلك قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّه‏ُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ»(1) ليس في مقام بيان ما تركه الميّت، بل إنّما هو في مقام


1. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 168 و 169 .

2. سورة النساء: 3 .

3. سورة النساء: 11 .

وجود الفرق بين الذكر والاُنثى في الورثة.

وبالجملة: في دلالة الآية الشريفة على إرثها من جميع ما تركه الزوج تأمّل جدّاً، والآية من هذه الجهة مجملة، واللّه‏ أعلم.

وعليه فلا يصغى إلى ما تخيّله بعض من عدم اعتناء فقهاء الشيعة في استنباطاتهم الفقهيّة إلى القرآن الكريم، كيف وهم من أدق الباحثين في القرآن الكريم سيّما في آيات الأحكام ولا يناسب أن نعترض على صاحب الجواهر وأمثاله بأنّهم تركوا القرآن واعتمدوا على الروايات المخالفة. وليست هذه النسبة إلاّ وفي الواقع اعتراضاً على الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) حيث إنّهم صرّحوا بحرمان الزوجة من العقار، كما أنّهم صرّحوا باختصاص الحبوة بالولد الأكبر، وفقهاء الشيعة تبعهم بما أنّ كلامهم حجّة على حسب كلام الرسول الأعظم الوارد في حديث الثقلين(1) والذي مفاده أنّ العترة الطاهرة هم المرجع الديني والعلمي في جنب القرآن الكريم.

وبالجملة: إمّا أن لا يكون للآية إطلاق كما اخترناه، وإمّا أن يكون له إطلاق، وكلامهم مخصّص أو مقيّد له.

ويؤيّد الأوّل أنّه ما اعترض عليهم أحدٌ من أصحابهم (عليهم السلام)، ولم يناقشوهم بأنّ كلامهم في حرمان الزوجة مخالف للقرآن العزيز، مع


1. وسائل الشيعة 27: 34؛ بحارالأنوار 2: 100 .

أنّهم في الموارد الاُخرى إذا كان في أذهانهم شيء من توهّم المخالفة للقرآن ذكروه وطلبوا الجواب من الإمام (عليه السلام)، فراجع الروايات.

وعليه فلا يصحّ أن يُقال بترجيح موثّقة ابن أبي يعفور على سائر الروايات الدالّة على الحرمان من جهة أنّها موافقة للقرآن الكريم، هذا أوّلاً.

وثانياً: إنّ المراد من المخالفة ولزوم ترك المخالف للقرآن هي المخالفة الكلّيّة ولا تشمل المخالفة بالعموم والخصوص كما هو واضح.

وثالثاً: إنّ رواية عبد الرحمن وإن صرّح الشيخ بأنّها صحيحة ولكن الظاهر أنّها ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، وبناءً على ذلك نقول بتساقط المرجّحين ونذهب إلى أنّ موثّقة ابن أبي يعفور وبعض ما دلّ على عدم الحرمان لا يقاومانِ الروايات المتواترة الدالّة على الحرمان كما هو واضح جدّاً.

الطائفة الثالثة: وهي منحصرة بمقطوعة عمر بن اُذينة وهي ما ذكره الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة في النساء، إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع(1).


1. الاستبصار 4: 155 ح 582 13، وسائل الشيعة 26: 213، الباب 7 ح2، كتاب الفرائض، أبواب ميراث الأزواج.

والمستفاد من هذه الرواية أمران:

الأوّل: أنّها شاهدة للجمع بين الطائفة الاُولى والثانية؛ بمعنى أن نحمل الاُولى على ما إذا لم يكن للزوجة ولد من الزوج، والثانية على ما إذا كان لها ولد.

الثاني: لو فرضنا عدم صلاحيّة تعارض الثانية مع الاُولى وقلنا بلزوم حملها على التقيّة أو الإعراض أو شيء آخر، فهذه الثالثة قرينة على تقييد الاُولى بما إذا لم يكن لها ولد.

والظاهر أنّ فتوى كثير من المتأخّرين وجمع من المتقدّمين، بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها مستندة إلى هذه المقطوعة وإن كان للقول بالتفصيل طرقٌ اُخرى نذكرها إن شاء اللّه‏ تعالى.

والكلام حول هذه الطائفة في مطلبين:

المطلب الأوّل: هل هذه رواية صادرة عن المعصوم (عليه السلام) أم لا، بل يحتمل أنّها من فتاوى ابن اُذينة من جهة أنّها مقطوعة غير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) وقد ثبت في محلّه كبرويّاً عدم اعتبار المقطوعة كالمضمرة والمرسلة.

والظاهر أنّ التعبير بالمقطوعة في كلمات الفقهاء هو الأعمّ ممّا إذا لم يذكر اسم الإمام لا صراحة ولا إشارة، وممّا إذا ذكر اسمه الشريف إشارة. نعم، قد خصّ أهل الدراية هذا الاصطلاح

بالمعنى الأوّل(1).

وكيف كان، فقد اختلفوا في أنّ المقطوعة هل تجبر بالشهرة ـ بناءً على أنّ الشهرة جابرة لضعف السند أم لا، كما أنّ الأحاديث المرسلة والضعيفة تجبران بعمل المشهور أم لا، بل الفرق موجود بين المقطوعة وغيرها؟

فقد صرّح المحقّق السبزواري في كفايته(2) وتبعه صاحب الجواهر(3) بأنّ عمل المشهور لا يكون جابراً لضعف المقطوعة من جهة أنّ الجبران إنّما هو فيما إذا كان الكلام منقولاً عن الإمام (عليه السلام)، وأمّا فيما إذا لم يكن منقولاً فلا معنى ولا موضوع للجبران.

وبعبارة اُخرى: عمل المشهور إذا كان مستنداً إلى الرواية الضعيفة يكون جابراً لضعفها، وفي المقطوعة من جهة أنّه لم يحرز أنّها كلام الإمام (عليه السلام) أو كلام غيره فلا يحرز استناد المشهور، بل لا موضوع ولا معنى لاستناد المشهور.

نعم، ذهب بعض المحقّقين كالشعراني إلى عدم الفرق في المقام، فقال: وليس وجه الفرق ظاهراً عندي بل كلاهما (المقطوعة والمضمرة) يجبران بالشهرة إن قيل بالانجبار، ولا فرق بينهما


1. راجع مقباس الهداية 1: 330 و 331 .

2. كفاية الفقه 2: 515 .

3. جواهر الكلام 39: 211 .

وبين سائر الضعاف؛ لأنّ مناط جبر الشهرة قوّة الظنّ بكون الحديث أو مضمونه صادراً من المعصوم، وهذا حاصل في المقطوعة أيضاً(1)، انتهى كلامه.

وقد تبعه بعض الفقهاء وقال: لا فرق بين المقطوع والمرسل إذا حصل الاطمئنان بصدور المتن أو المضمون من المعصوم وعمل المشهور وفتوى الأصحاب وتخريجه في الكتب المعدّة يوجب الاطمئنان بالصدور(2).

وفيه: أنّ حصول العلم أو الاطمينان متوقّف على استناد المشهور إلى الرواية بما أنّها كلام المعصوم (عليه السلام)، وموضوع الاستناد في المقام منتفٍ جدّاً فتدبّر.

هذا، مضافاً إلى أنّا قد أثبتنا في بيان الأقوال أنّ القول بالتفصيل ليس مشهوراً عند القدماء لو لم يكن القول بالإطلاق مشهوراً، وقد صرّح السيّد بحر العلوم في بلغة الفقيه بأنّ القولين متكافئان(3).

وبعد ذلك نقول: قد صرّح جمع بكونها رواية عن المعصوم وذلك من جهة القرائن الموجودة؛ ذهب إليه صاحب مفتاح الكرامة(4)


1. الوافي 13: 787 .

2. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة: 197 .

3. بلغة الفقيه 3: 97 .

4. مفتاح الكرامة 8: 191.

والشعراني وبعض المعاصرين، ولكن صرّح الكثير منهم بأنّها غير محرزة الرواية ويحتمل أن تكون من فتاوى ابن اُذينة:

قال الأردبيلي (قدس سره):

بل ظاهرها أنّه فتواه حيث ما أسند إلى أحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه وليست هي مثل سائر المقطوعات والمرسلات حتّى يقال الظاهر أنّ نقل مثله إنّما يكون عن الإمام (عليه السلام)(1).

وقال السبزواري (قدس سره):

بل الظاهر أنّه كلام ابن اُذينة وفتواه وليس شأنه شأن سائر المرسلات والمقطوعات والمضمرات التي يقال فيها: إنّ الظاهر أنّ نقل مثلها إنّما هو عن الإمام(2).

وقال الشهيد الثاني (قدس سره):

وأمّا رواية ابن اُذينة فهي مقطوعة لأنّه لم يسند القول إلى الإمام فسقط الاحتجاج بها رأساً(3).

وذكر الشيخ محمّد تقي البروجردي (قدس سره):

لاحتمال كونها رأياً من الراوي(4).


1. مجمع الفائدة والبرهان 11: 444.

2. كفاية الفقه 2: 86.

3. رسائل الشهيد الثاني 1: 469.

4. نخبة الأفكار: 13 و 14.

وتبعه المحقّق الأراكي (قدس سره)(1).

واللاّزم ملاحظة قرائن الطرفين:

القرائن الدالّة على أنّها رواية

1 ـ تكرّره في الجوامع العظام الثلاثة الفقيه والاستبصار والتهذيب التي ما سيقت إلاّ للرواية عن المعصوم (عليه السلام).

وفيه:

أوّلاً: قد مرّ منّا أنّ الشيخ وإن ذكرها في الاستبصار ولكن كلامه مشعر بعدم ارتضائه كما صرّح به العلاّمة في المختلف(2).

ثانياً: مجرّد كون الكلام رواية عن الصدوق والشيخ لا يدلّ ولا يوجب أن يكون كذلك عند الجميع، فربّما حصل لهما اجتهاداً أنّها رواية وهذا لا يجب اتّباعه.

ثالثاً: قد يوجد بعض الفتاوى في هذه الكتب الثلاثة فإنّ كثيراً ما يوجد فيها المقطوعات التي لم يعتمد عليها الفقهاء فلابدّ من حملها على كونها من قبيل فتاوى الرواة، وإليك بعض النماذج:

أ ـ في مسألة نجاسة الغسالة، وقد ذكرت رواية عن ابن سنان دالّة على نجاستها.


1. رسالتان في الإرث ونفقة الزوجة: 207 و 208 .

2. المختلف 9: 56 .

وقال المحقّق الخوئي: والرواية مقطوعة لا يُعتمد عليها وإنّما هو كلام من أبي بصير(1).

فهذا الكلام يحمل على أنّه من فتاوى أبي بصير.

ب ـ في مسألة كفّارة الادهان أنّها شاة إذا كان عن علم وعمد، قال المحقّق الخوئي: لكن الذي يهوّن الخطب أنّ مدلول الرواية لم يكن منقولاً عن الإمام (عليه السلام)، بل الظاهر أنّ ذلك فتوى لمعاوية بن عمّار... فتكون الرواية مقطوعة، ودعوى الجزم بأنّ معاوية بن عمّار لا يفتي إلاّ بما سمع من الإمام ولا يخبر إلاّ عنه عهدتها على مدّعيها(2).

ج ـ قد ذكر المحقّق الإمام الخميني (رضوان اللّه‏ عليه) رواية عن رفاعة وقال:

إنّها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم (عليه السلام) ولعلّه فتواه(3).

رابعاً: لو بنينا على هذه المقطوعة لكان اللاّزم قبول سائر المقطوعات أيضاً لوجودها أيضاً في الكتب الحديثيّة، مع أنّ دأب القوم ليس كذلك وقد صرّحوا في كثير من الموارد بعدم اعتبار المقطوعة، كما أنّهم صرّحوا بأنّ مجرّد الظنّ بكونها موصولة إلى


1. التنقيح 2: 375.

2. موسوعة الإمام الخوئي 28: 461.

3. كتاب الطهارة 2: 190.

الإمام (عليه السلام) غير كاف في الاعتماد عليها؛ فقد صرّح ابن أبي عقيل بأنّ مقطوعة هشام بن سالم (كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيه الدية وفي أحدهما نصف الدية) غير مُعتمد عليه(1).

وصرّح أيضاً الشيخ في الاستبصار بأنّ الرواية الواردة في المصلّي وهو يصلّي وفي قبلته نار؛ بأنّ هذه رواية شاذّة مقطوعة الإسناد(2).

وصرّح صاحب الحدائق بأنّ ما ذكره عمر بن يزيد وقال: الرمل في وادي المحسّر قدر مأة ذراع، مقطوعة غير قابلة للاعتماد(3).

فالسؤال المهمّ أنّ الفقهاء قد صرّحوا بعدم اعتبار سائر المقطوعات، فكيف ذهب بعضهم إلى جواز العمل بهذه المقطوعة؟!

2 ـ كون الراوي عن ابن اُذينة، هو ابن أبي عمير، وهذا يكشف عن أنّها رواية.

قال في مفتاح الكرامة: مضافاً إلى أنّ راويها ابن أبي عمير الذي علم حاله في التحفّظ والتحرّز فلعلّها كانت مسندة إلى معصوم عن ثقة ولمّا ذهبت كتبه نسي الثقة والمعصوم فوقف بها على ابن اُذينة وإلاّ فما كان ابن أبي عمير ليروي مذهب ابن اُذينة ومثله يعقوب بن يزيد الثقة، وكذا محمّد بن أحمد الثقة الجليل، بل ولا


1. حياة ابن أبي عقيل وفقهه: 541 .

2. الاستبصار 1: 396.

3. الحدائق 17: 5.

كان الشيخ والصدوق الذي لا يروي إلاّ ما هو عنده حجّة بينه وبين ربّه عزّ وجلّ(1).

وقال المحقّق الشعراني: وبالجملة فعمر بن اُذينة من أضبط الناس على ما يعرف من تتبّع رواياته وكان له كتاب الفرائض وما في كتابه منقول كثيراً عن جماعة من أصحاب الصادقين (عليهماالسلام) ولم يكن يكتفي بالسماع من واحد منهم، واحتمال كون الحكم استنباطاً من رأي ابن اُذينة بعيد في الغاية ومدفوع بشهرة العمل بها وليس ابن اُذينة ممّن نقل عنه قول اجتهاداً كالفضل ويونس وجعفر وسماعة، ولابدّ أن يكون علماؤنا عارفين بقرائن في كتابه تدلّ على كونه منقولاً عن الإمام (عليه السلام)(2).

وفيه:

أوّلاً: إنّا تتبّعنا أكثر الموارد التي نقل ابن أبي عمير عن ابن اُذينة، فقد ورد هكذا:

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن زرارة.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن مسلم.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن حكيم عن ميمون.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي عبد اللّه‏ (عليه السلام).


1. مفتاح الكرامة 8: 191.

2. الوافي 13: 787.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن الأحول.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بريد العجلي.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن عبداللّه‏ بن سليمان عن حمران بن أعين.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) .

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي اُسامة.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن مسلم، زرارة، معمّر بن يحيى وإسماعيل الجعفي.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن زرارة وبكير ابني أعين.

ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بعض أصحابه عن أحدهما.

وأنت ترى أنّه في جميع الموارد يذكر من نقله ابن اُذينة عنه حتّى فيما إذا كان متعدّداً يصرّح بأسمائهم، فكيف نسى في هذا المورد؟! وحتّى إذا كان الإمام مردّداً يعبّر عنه بأحدهما ولا يصرّح باسمه الشريف، فكيف في هذا المورد لم يذكر الراوي والمروي عنه؟!

هذا، ويستفاد من التتبّع أنّ ابن اُذينة قليلاً ما يذكر عن الإمام (عليه السلام)بدون واسطة، بل في أكثر الموارد يذكر مع الواسطة.

وبذلك يظهر أنّ ما ذكره في ذيل كلامه من اعتماد الأجلاّء على هذه

العبارة بعنوان الرواية غير تامّ؛ فإنّ محمّد بن أحمد بن يحيى قال النجاشي في حقّه: كان ثقة في الحديث إلاّ أنّ أصحابنا قالوا كان يروي عن بعض الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ(1).

القرائن الدالّة على أنّها فتواه ورأيه

1 ـ إنّ هذه المقطوعة كانت بمرأى ومنظر من الشيخ المفيد والسيّد المرتضى وابن إدريس والمحقّق في النافع وكاشف الرموز، فالسؤال أنّهم لِمَ لم يعتمدوا عليها ولم يستندوا إليها ؟

فهل من الممكن أن يكون عندهم بعنوان الرواية ومع ذلك لم يتعرّضوا لها؟

وبعبارة اُخرى: إذا كانت المقطوعة رواية عندهم فلا أقلّ كان اللاّزم أن يذكروها ويصرّحوا بعدم الاعتماد عليها أو لزوم الإعراض عنها، مع أنّا نرى عدم تعرّضهم لهذه المقطوعة، فهذا يقوّي كونها فتوى له ولا أقلّ من الشكّ في كونها رواية.

2 ـ إنّ الروايات النافية المطلقة كانت بصدد بيان جميع الخصوصيّات وندّعي أنّها لم تكن في حدّ الإطلاق فحسب، بل هي أقوى من الإطلاق وتكون بمنزلة المصرّحة بعدم الفرق بين ذات الولد وغيرها، فإنّ السائل حينما كان يسأل عنهم (عليهم السلام): ما لهنّ من


1. رجال النجاشي: 348، رقم 939 .

الميراث وكان الإمام بصدد بيان جميع الخصوصيّات ولم يتفوّه بالفرق بين ذات الولد وغيرها، يظهر أنّ الفرق غير صحيح جدّاً.

وبعبارة اُخرى الروايات تدلّ على عدم الفرق من جهة الإطلاق المقامي وهو أقوى من الإطلاق اللفظي، فتدبّر.

فكيف يتصوّر أنّ الإمام (عليه السلام) يذكر حكم الطوب والخشب والقصب ولكن لم يذكر الفرق بين ذات الولد وغيرها.

3 ـ إنّ الرواية الخامسة من الروايات السبعة عشر (صحيحة الفضلاء الخمسة) التي راويها ابن أبي عمير عن ابن اُذينة صريحة في عدم الفرق بين وجود الولد وعدمه، فإنّ الإمام يصرّح فيها بأنّها تعطى ربعها أو ثمنها، والربع في فَرض عدم وجود الولد للميّت والثمن في فرض وجوده.

ولا يخفى أنّ التفصيل في المقام فيما إذا كانت المرأة ذات ولد من الميّت ووجود الفرق بينه وبين وجود الولد للميّت واضح، فيمكن أن يكون للميّت ولد من زوجة اُخرى صارت مطلّقة ولكن بعد التزويج بامرأة اُخرى لم يكن له منها ولد، ومع وجود الفرق بينهما في نفس الأمر لكن الظاهر اتّحادهما في الرواية بمعنى وجود الولد للميّت من هذه المرأة المتوفّى عنها زوجها، فتدبّر جدّاً.

وبالنتيجة: كيف يمكن لابن اُذينة أنّه نقل عن الفضلاء الخمسة من أحدهما (عليهماالسلام) كلاماً دالاًّ على عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها، ثمّ

يذكر ثانياً وجود الفرق بينهما، وهل هذا كاشف عن كون الثاني ليس رواية بل هي فتواه ورأيه.

4 ـ يستفاد من كلمات الرواة في هذه الروايات أنّ عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها كان أمراً مسلّماً عندهم، كما أنّه يستفاد من بعض الروايات أنّ حرمان الزوجة من العقار كان مفروضاً واضحاً عندهم، فما ذكره ابن أبي يعفور من أنّ الرجل يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك يعني من العقار شيئاً.

5 ـ ما مرّ منّا من أنّه بعد التتبّع في ما ذكره ابن اُذينة نرى أنّه في كثير من الموارد يذكر عن الإمام (عليه السلام) مع الواسطة حتّى في بعض الموارد يذكر عن الإمام (عليه السلام) بالوسائط المتعدّدة، فهذا يوجب ظنّاً قويّاً لنا في أنّ المقطوعة ليست كلاماً من الإمام، وأيضاً لم تكن منقولة عن أحد من أصحابه (عليه السلام).

فبالنتيجة: القرائن الدالّة على كونها رأيه وفتواه قويّة جدّاً، ونحن لا نحتاج إلى هذه القرائن، بل يكفي عدم إثبات كونها كلاماً من المعصوم (عليه السلام) فلا يمكن الاعتماد عليها.

المطلب الثاني: وجود الإشكالات فيها من حيث الدلالة مع فرض كونها كلاماً من الإمام (عليه السلام):


1. في ص 69 .

الأوّل: إذا بنينا على كونها كلاماً من الإمام (عليه السلام) وجعلناها شاهداً على الجمع بين الروايات النافية والروايات العامّة المثبتة فيلزم من ذلك إخراج مورد بعض الروايات منها، وهذا قبيحٌ جدّاً.

توضيح ذلك: أنّ عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس قالا: قلنا لأبي عبداللّه‏ (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء .

ففي هذه الرواية من جهة أنّه صرّح (عليه السلام) بنصف الصداق، نفهم عدم وجود ولد للميّت، فلو حملنا هذه الرواية ـ بقرينة مقطوعة ابن اُذينة ـ على ما إذا لم يكن لها ولد لَلَزم إخراج مورد الرواية، وهذا قبيح.

وهذا الإشكال متين لا يمكن دفعه.

الثاني: أنّ حمل الروايات النافية على ما إذا لم يكن لها ولد، حمل على الفرد النادر فإنّ الغالب وجود الولد لها منه.

وقد اُجيب عنه بوجوه:

أوّلاً: بأنّه ليس نادراً، بل كثيراً ما لا يكون للزوجة ولد من زوجها المتوفّى.

وفساده واضح ولعلّه من سهو قلمه الشريف.

ثانياً: إنّ هذا الحكم حيث إنّه على خلاف القاعدة والأصل

والروايات الدالّة عليه بحكم التعليل الوارد فيها تناسب مع غير ذات الولد(1).

وهذا الجواب لا يرتبط بالإشكال أصلاً، مضافاً إلى أنّ الحكمة لو لم تكن أنسب مع كونها ذات ولد لما كان ظاهراً في غير ذات الولد، بل من هذه الجهة عامّ، وقد صرّح صاحب مفتاح الكرامة بأنّ نسبة الحكمة إليهما سواء وإن كان بالنسبة إلى غير ذات الولد أقوى(2).

ثالثاً: ورد التفصيل في الروايات بين قيمة البناء وعين التربة.

وهذا الجواب أيضاً غير مرتبط بالإشكال كما هو واضح.

رابعاً: عدم مركوزيّة العمل به في ذات الولد حتّى من قبل أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، بمعنى أنّ ارتكاز أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) عدم حرمان الزوجة إذا كان لها ولد.

وفيه: كيف يعتمد على هذا الارتكاز، وكيف يدّعيه مع أنّ الأصحاب نقلوا هذه الروايات المستفيضة غير المفصّلة بين ذات الولد وغيرها.

ثمّ قال: فلا يلزم من اختصاصه بخصوص الزوجة غير ذات الولد تخصيص عمومات أو مطلقات واضحة عامّة البلوى بموارد نادرة ليكون مستهجناً أو غير محتمل، بل على العكس من ذلك باعتبار

1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 28 .

2. مفتاح الكرامة 8: 191 . ط. القديمة

غموض أصل مفاد هذه الروايات وكونه على خلاف الأصل والقاعدة وظواهر القرآن والأحاديث والشهرة وعمل المتشرّعة.

أقول: لا شكّ في وضوح الإطلاق في الأخبار والروايات النافية وادّعاء الغموض فيها غير صحيح جدّاً، كما أنّ مخالفة الأصل والقاعدة غير واضحة جدّاً، فأيّ أصل أو قاعدة يدلّ على إرثها من جميع التركة!!! وأمّا ظواهر القرآن فقد مرّ الجواب عنها، كما أنّ النسبة إلى الشهرة قد مرّ بطلانها، وكذلك عمل المتشرّعة.

وبالنتيجة هذه الوجوه للجواب عن الإشكال لا يمكن الاتّكال عليها، وعليه فالجواب الصحيح أن يقال: إنّ المستهجن هو تخصيصات متعدّدة متكثّرة، وأمّا التخصيص إذا كان واحداً ولكن الأفراد التي تخرج عن دائرة العامّ كانت كثيرة لم يكن مستهجناً، فإذا قال: اعتق رقبة، ثمّ قال: لا تعتق الرقبة الكافرة، فيصحّ التقييد ولو كان أفراد المؤمن بين الرقبات قليلاً.

الثالث: إنّ ما ذكره ابن اُذينة إنّما هو بالنسبة إلى الرباع، فإنّه قال: في النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع، والاعتماد عليه موجب لعدم حرمان الزوجة عن الرباع وحرمانها عن سائر الأراضي، وهذا ممّا لم يقل به أحد.

وقد اُجيب عنه: بأنّ الرباع هي القدر المتيقّن من الحكم

بحرمان الزوجة من إرث الأرض بحيث لا يحتمل فقهيّاً ولا عرفاً ـ وبحسب لسان الروايات ومناسبة التعليل الوارد فيها ـ اختصاص الحرمان بغير الرباع من الأراضي فتكون الصحيحة دالّة على عدم حرمان الزوجة من إرث سائر الأراضي غير الرباع بطريق أولى(1).

وهذا الجواب متين جدّاً، ونضيف إليه أنّ هذا الإشكال يصحّ على القول المشهور، وأمّا بناءً على ما ذهب إليه المفيد فلا يرد كما هو واضح.

الدليل الثاني للتفصيل: انقلاب النسبة

وقد يستدلّ للتفصيل مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اُذينة، عن طريق انقلاب النسبة في المقام.

وتوضيح ذلك: أنّ النسبة بين الطائفة الاُولى والطائفة الثانية هي العموم من وجه، بمعنى أنّ الروايات الدالّة على حرمان الزوجة من العقار مباينة مع الروايات الدالّة المصرّحة بإرثها من كلّ شيء، ولكن من جهة وجود الإجماع على حرمان غير ذات الولد، تخصّص الثانية وبعد التخصيص تنقلب النسبة بين الاُولى والثانية إلى العموم والخصوص المطلق، بمعنى أنّ الثانية أخصّ مطلقاً من الاُولى فتخصّص الاُولى بها والنتيجة هي الحرمان في غير ذات الولد وعدم


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 29.

الحرمان في ذات الولد:

قال السيّد محمّد آل بحر العلوم:

ربما يتوهّم في المقام، بل قد توهّمه بعض المعاصرين، تخصيص المطلقات بغير ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اُذينة بدعوى اقتضاء الترتيب في علاج الأخبار المتعارضة وذلك بتقريب أنّ الأخبار الآمرة بإرثها مطلقاً من كلّ شيء مخصّصة ـ أوّلاً ـ بالإجماع على حرمان غير ذات الولد، الخارجة به عن عمومها، وبعده تنقلب النسبة وتكون بينها وبين المطلقات النافية للإرث نسبة العامّ والخاصّ المطلق فتخصّص تلك المطلقات بها، وهو المنتج للتفصيل بعد الحمل عليه(1).

وفيه:

أوّلاً: الظاهر أنّ النسبة بين الاُولى والثانية مع قطع النظر عن الإجماع، تكون عموماً وخصوصاً مطلقاً؛ بمعنى أنّ الاُولى خاصّ والثانية عامّ، وليست النسبة تبايناً أو من وجه حتّى تنقلب بعد جريان الإجماع.

ولا ينقضي تعجّبي كيف غفل القوم عن هذا المطلب ولم يتفطّنوا في الجواب إلى هذه الجهة. ويؤيّد ذلك أنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) في


1. بُلغة الفقيه 3: 99.

الاستبصار(1) في مقام التوجيه بالنسبة إلى الطائفة الثانية ذكر وجهين:

الأوّل: الحمل على التقيّة.

الثاني: التخصيص بالطائفة الاُولى.

وهذا لا يصحّ إلاّ إذا قلنا بأنّ النسبة بينهما من قبيل العموم والخصوص مطلقاً.

ثانياً: التحقيق بطلان انقلاب النسبة كبرويّاً، واللاّزم ملاحظة ظهور كلّ دليل مع دليلٍ آخر، بحيث لو كان الدليل الأوّل عامّاً ثمّ جاء المخصّص الأوّل والمخصّص الثاني لوجب ملاحظة كلّ مخصّص مع العامّ، مع قطع النظر عن التخصيص.

وبعبارة اُخرى: العامّ بعد التخصيص يكون ظهوره في العموم باقياً، وهذا الظهور هو الملاك في النسبة.

نعم، ذهب بعض كصاحب البلغة إلى قبول الكبرى وعدم انطباقها في المقام، فقالوا: إنّ انقلاب النسبة أمرٌ صحيح في المخصّص المتّصل ولكن لا يجري في المنفصل، وما نحن فيه يكون المخصّص هو الإجماع وهو ليس بمتّصل كما هو واضح(2).

ثالثاً: ما ذكره البلغة وتبعه الشيخ محمّد تقي البروجردي في


1. الاستبصار 4: 155 .

2. بلغة الفقيه 3: 101 .

النخبة(1) من عدم وجود إجماع على حرمان غير ذات الولد. نعم، هذا هو المتيقّن في المقام بناءً على الحرمان، ولكن بين كون شيء متيقّناً وبين دلالة الدليل وإقامة الدليل عليه فرقٌ واضح.

ونلاحظ فيه أنّ في انقلاب النسبة لا يلزم وجود الدليل الثالث، بل اللاّزم وجود شيء ثالث موجب للتصرّف في الدليل الأوّل والثاني، فلا فرق بين الإجماع على هذا المقدار من الحرمان وبين كونه قدراً متيقّناً.

رابعاً: ما ذكره السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) من أنّ الإجماع مدركي لا يكون حجّة(2).

وفيه: مرّ منّا مراراً أنّ كون الإجماع مدركيّاً لا يضرّ بحجّيته.

خامساً: ما ذكره السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) أيضاً من أنّه بعد تسليم الكبرى لا تنقلب النسبة في المقام إلى العموم والخصوص المطلق، بل تنقلب إلى عموم وخصوص من وجه؛ وذلك أنّ الأخبار المورثة تصير بعد التخصيص بالإجماع عامّاً من جهة عدم وجود الفرق بين العقار وغيرها، وخاصّةً من جهة اختصاص الحرمان بغير ذات الولد، كما أنّ الأخبار النافية الدالّة على الحرمان خاصّ من جهة الحرمان عن خصوص العقار وعامّ من


1. نخبة الأفكار: 16 .

2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 199 .

جهة عدم وجود الفرق بين ذات الولد وغيرها، فالنسبة بينهما بعد الانقلاب عموم وخصوص من وجه(1).

وفيه: ما ذكرناه سابقاً من أنّ النسبة من أوّل الأمر كانت عموماً وخصوصاً مطلقاً.

سادساً: ما ذكره أيضاً السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) من أنّا لو سلّمنا انقلاب النسبة وأيضاً سلّمنا أنّ النسبة تنقلب إلى عموم وخصوص مطلقٍ، ولكن نقول: هذا الخاصّ المطلق لم يكن صالحاً لتخصيص العامّ في المقام وإن كان الخاصّ في سائر الموارد يكون مقدّماً على العامّ(2).

توضيح ذلك: أنّه بعد التخصيص بالإجماع تكون الأخبار المورثة دالّة على إرثها من الجميع إذا كانت ذات ولد، والإجماع دالّ على حرمانها إذا كانت غير ذات ولد، فأيّ مورد يبقى للأدلّة النافية؟

ويرد عليه: أنّ مدلول الأخبار النافية إنّما هو بالنسبة إلى خصوص العقار، وهذا المدلول غير موجود في كلّ واحد من الإجماع والأخبار المورثة، فهذا الإشكال من السيّد الحكيم عجيب جدّاً.

فتبيّن من مجموع ذلك أنّ طريق انقلاب النسبة لإثبات التفصيل بين ذات الولد وغيرها، غير تامّ أيضاً كبطلان الطريق الأوّل، وبناءً


1. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 200 .

2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 201 .

على ذلك لا وجه للتفصيل، وما ذهب إليه جمعٌ من القدماء من عدم التفصيل حقيقٌ بالاعتماد.

وبالنتيجة فقول المشهور من حرمان الزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد أم لم تكن، قوى جدّاً ومطابق للتحقيق وموافق للأدلّة الموجودة والروايات المعتبرة ولا بأس هنا بذكر مؤيّد لهذا القول، وهو: أنّ بعض الروايات يدلّ على أنّ الحسن بن علي (عليهماالسلام) أوصى إلى أخيه الحسين بن علي (عليهماالسلام) بأن يدفنه مع رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله) فقد ذكر المجلسي...(1) وأن تدفنني مع رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله) فإنّي أحقّ به وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده قال اللّه‏ فيما أنزله على نبيّه (صلى الله عليه و‏آله) في كتابه: «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ»(2) فواللّه‏ ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذونون في التصرّف فيما ورثناه من بعده.

وأيضاً روى سليمان بن خالد عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: إنّ الحسين بن علي (عليهماالسلام)أراد أن يدفن الحسن بن علي (عليهماالسلام) مع رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله)وجمع جمعاً فقال رجل سمع الحسن بن علي (عليهماالسلام) يقول: قولوا للحسين أن لا يهرق فيّ دماً لولا ذلك ما انتهى الحسين (عليه السلام) حتّى


1. بحارالأنوار 44: 151.

2. سورة الأحزاب: 53 .

يدفنه مع رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله)(1).

وهاتان الروايتان تشعران أو تدلاّن على عدم ارث الزوجة من العقار وعدم حقّ لعائشة في بيت النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وإلاّ فما كان لهذه الوصيّة مجال ولما كان لازماً لعائشة أن تركب البغل وتجيء إلى المسجد لتمنع من الدفن بل مجرّد أن تعلن عدم رضايتها للدفن كان كافياً في ذلك وبعبارة اُخرى مع وضوح بطلان ما ذكره العامة من أنّ الانبياء لا يورّثون وإنّما ما تركوه صدقة ومجعولية الحديث الّذي نقلوه في هذا الأمر، إنّ هذه الوصيّة تدلّ على عدم إرث زوجات النبيّ عنه (صلى الله عليه و‏آله) ولم تكن البيوت ملكاً لاحديهنّ في زمان حياته (صلى الله عليه و‏آله) فإنّه لم يملك زوجاته بيوت سكناهنّ بل أسكنهنّ فيها فحسب وما نقل من عائشة عندما جيء بجنازة الإمام الحسن (عليه السلام) من قولها: نحوّا ولدكم عن بيتي ولا تدخلوا بيتي من لا اُحبّ، ليس بصحيح. اللهمّ إلاّ أن يراد من البيت، بيت السكنى ونقول بأنّ مدفن النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) هو بيت سكنى عائشة ولكن لم يقبله المحقّقون في التاريخ وصرّحوا بأنّ مدفن النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) إنّما هو بيت فاطمة عليهاالسلام .

نعم، قد ورد في بعض الروايات أنّ النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) حينما قال لعلي (عليه السلام) يا علي بيتي قبري، فقالت عائشة واعترضته: يا رسول اللّه‏ (صلى الله عليه و‏آله) فأين


1. بحارالأنوار 44: 155.

أسكن؟ فأجاب النبيّ (صلى الله عليه و‏آله): أسكني أنت بيتاً من البيوت وهي بيتي ليس لك فيه من الحقّ إلاّ ما لغيرك فقرّي في بيتك ولا تبرّجي تبرّج الجاهلية الاُولى ولا تقاتلي مولاك ووليّك ظالمة شاقّة وإنّك لفاعلة ... (1).

فيستفاد من هذه الرواية أنّ النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) جعل حقّ السكنى لزوجاته بعد موته سيّما مع الالتفات إلى هذا الحكم من عدم جواز الخروج عن بيوتهنّ وقد صرّح في هذا الكلام خطاباً لعائشة بأنّ لك من الحقّ ما لغيرك، فالمراد من الحقّ هو حقّ السكنى لا الملكيّة والتملّك فتدبّر.

وكيف كان: فالاستدلال بهذه القضيّة في المقام غير تامّ، وإنّما تكون على حدّ التأييد فقط، فتأمّل.

وبعد إثبات قول المشهور نشير إلى بعض الإشكالات الواردة في المقام:

الإشكال الأوّل: الإشكال الثبوتي في المقام

ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرين من المخالفين لمذهب المشهور قد أورد إشكالاً ثبوتيّاً في المقام واعتقد بلزوم صرف الروايات عن ظاهرها إلى معنى آخر، إمّا بحملها على ما ذهب إليه


1. بحارالأنوار 22: 494 .

السيّد المرتضى(1) من الحرمان من عين الرباع خاصّة لا من قيمتها ولا الحرمان من سائر الأشياء، أو حملها على ما يطبّقه عليه إمام العصر عجّل اللّه‏ تعالى فرجه الشريف؛ وذلك بتأييد ما ورد في ضمن هذه الروايات من أنّهم قالوا: إذا ولّيناهم ضربناهم بالسوط.

وتوضيح كلامه في ضمن ستِّ نقاط:

الاُولى: أنّ الروايات الواردة في الحرمان صادرة جميعاً عن الامامين الباقر والصادق (عليهماالسلام) باستثناء رواية واحدة ذكرها ابن سنان عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ولا عين ولا أثر لهذا الحكم في الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده إلى زمانهما، كما أنّه لا أثر له فيما بعدهما.

الثانية: إنّ مسائل الميراث قد صدرت فيها روايات وأحكام كثيرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لشدّة ابتلاء المسلمين بها، مع أنّ القرآن الكريم قد تعرّض لمسألة الإرث، بل أسّسها الإسلام على نظام عادل صحيح قد خالف فيه ما كان رائجاً في الجاهليّة من عدم توريث الزوجات والنساء ولا حتّى اُولوا الأرحام، بل كان الإرث للأقوياء من عصبة الرجل، فجاء الإسلام بنظام عادل جمع فيه حقّ القرابة والسبب والولاء فجعل للوالدين والأقربين نصيباً وجعل


1. الانتصار: 30 .

اُولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ومنع من التوريث على أساس التبنّي أو العصبة.

الثالثة: في بداية الأمر قد وقع الانحراف في هذا النظام المهمّ وطلعت مسألة التعصيب والعول وهما من المسائل التي قد اعترض عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت وأتباعهم فكانوا من المنادين لإبطال التعصيب والعول في الإرث واستنكروه شديداً وصدر عنهم روايات متعدّدة كثيرة في إبطال ذلك، كما أنّ مقتضى التدقيق في الآيات الشريفة إبطالهما أيضاً، فهنالك سؤال يطرح نفسه وهو أنّه مع هذا الاهتمام الشديد في أحكام الإرث والدقّة في بيانها من ناحية القرآن الكريم ومع وجود الابتلاء الشديد بمسألة الإرث، كيف لا يذكر الحرمان في كلمات النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وكلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع أنّ الحرمان في مسألة العول والتعصيب كان أقلّ بمراتب من الحرمان في ما نحن فيه.

الرابعة: أنّ هذه المسألة ليست من حقوق اللّه‏ أو الإمام (عليه السلام) كما في الخمس في أرباح المكاسب، ليُقال بأنّه قد أخّر بيانها إرفاقاً من قبل الأئمّة (عليهم السلام) بالاُمّة، بل هي من حقوق الناس والورثة الآخرين فإنّ الزوجة إذا كانت لا ترث من الأراضي شيئاً كانت للآخرين من الورثة لا محالة، فكيف يفرّط بحقوقهم طيلة تلك المدّة وفي حكومة النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) العادلة فلا يبيّن حكم اللّه‏ وفي الواقع

تعطى حقوق سائر الورثة للزوجة إلى عهد الصادقين (عليهماالسلام).

الخامسة: إنّ الوضع لم يتغيّر حتّى في زمان الصادقين (عليهماالسلام)، مع أنّ المسألة لم‏تكن سياسيّة ليكون فيها موجب للتقيّة.

السادسة: إنّ التعبير الواقع في ألسنة هذه الروايات والتعليل الوارد فيها بأنّ ذلك من أجل أن لا تُدخل المرأة أحداً على الورثة فيفسد عليهم مواريثهم، مع أنّه قد لا يكون معها وارث آخر أصلاً فضلاً عن التعابير الاُخرى من قبيل كونها غير ثابتة فلا يكون لها إلاّ ما لا يكون ثابتاً، أو ما ورد في بعضها من منعها عن إرث السلاح والدوابّ.

فهذه النقاط والخصوصيّات توجب الاستبعاد القوي في أن يكون المقصود من هذه الروايات ما هو ظاهرها الأوّلي من حرمان الزوجة من إرث العقار والأرضين والدور والقرى والضياع والبساتين كلّية إلاّ قيمة الأنقاض والخشب والشجر فيها، بل إمّا أن يكون المقصود ما ذكره السيّد المرتضى من حرمان الزوجة من عين الرباع دون قيمتها، أو يكون النظر فيها إلى حكم خاصّ سيطبّقه الإمام المعصوم (عليه السلام) بعد ظهوره، وقد يشعر به ما ورد في بعض الروايات من أنّه إذا ولّينا ضربناهم بالسوط فإن أخذوا به وإلاّ ضربناهم بالسيف، ثمّ قال: قد يطمئن الإنسان بملاحظة مجموعة الجهات أنّ المراد من هذه الروايات ليس ظاهرها الأوّلي حرمان الزوجة من العقار.

ثمّ استدرك في آخر هذا الإيراد وقال:

نعم، حرمانها من عين العقار والبناء في الجملة وفي أرض الدار فحسب بنحو يحفظ فيه حقّ سائر الورثة كي لا يفسد عليهم إرثهم وفي خصوص ما إذا لم تكن ذات ولد، لعلّه أمرٌ مسلّم من قبل الطائفة، إلاّ أنّ ذلك أيضاً بنحو لا ينافي استحقاقها من القيمة، كما أنّه لا ينافي النكات التي أشرنا إليها لانحفاظ سهمها من الربع والثمن من جميع التركة وصحّة إعطائها من العين أيضاً(1).

انتهى كلامه مع ترتيب قليل منّا.

ولا يخفى أنّ هذا البيان وإن كان ناشئاً عن الدقّة وفي الواقع دقّة عميقة في استنباط الأحكام المبتنية على ظواهر الروايات وينبّه الفقيه بأنّ اللاّزم عليه ملاحظة النكات المؤثّرة في فهم المراد من الروايات وعدم تسريعه للحمل على الظاهر الأوّلي.

وبعبارة اُخرى: يرجع هذا الطريق إلى ما ذكره جمعٌ من الاُصوليّين من لزوم الفحص عن وجود القرينة الصارفة عن ظاهر العبارة ولكن مع ذلك لنا ملاحظات ستِّ على هذا الإيراد.

الملاحظة الاُولى: إنّ النكات المذكورة ليست إلاّ مجرّد استبعاد كما صرّح به نفسه، وهذا لا يصلح لرفع اليد عن الظاهر فإنّه متوقّف


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 32. 36 .

على الاستحالة الثبوتيّة وإثباتها ومع عدمها لا وجه للتصرّف في الإثبات كما هو واضح.

الملاحظة الثانية: وجود التهافت في الصدر والذيل فإنّ النكات المذكورة تقتضي عدم حرمانها حتّى من عين الرباع، فما ذكرتم من عدم وجود هذا الحكم في زمن النبيّ وأمير المؤمنين إلى زمان الصادقين (عليهم السلام)، وأيضاً ما ذكرتم من أنّه حقّ الناس لا حقّ اللّه‏ وأيضاً سائر النكات تقتضي عدم حرمانها أصلاً. وبالجملة الاستدراك في الذيل ينافي النكات المذكورة، والعجب أنّه كيف يصرّح بأنّه لا ينافي؟!

الملاحظة الثالثة: إنّه قد ذكر بأنّ الروايات الواردة إنّما هي من الصادقين (عليهماالسلام)، وقد ذكر ذلك أيضاً السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره)، وما ذكره بأنّ مسائل الميراث قد صدرت فيها روايات وأحكام كثيرة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتلاحظ فيه:

أوّلاً: إنّ الروايات الواردة عن الصادقين (عليهماالسلام) في مسألة الإرث كانت أكثر بمراتب من الروايات الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى في الموارد التي كانت مورداً للابتلاء كما ورد في أنّ الكافر لا يرث المسلم ولو كان ذمّياً، فقد ذكر صاحب الوسائل في هذا الباب أربعاً وعشرين حديثاً وتكون تسعة عشر منها من الصادقين واثنتان منها من النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وواحدة منها من أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع أنّ مسألة إرث

الكافر من المسلم كانت شايعة في ذلك الزمان أيضاً.

وأيضاً بعد المراجعة إلى موسوعة مسند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) نجد في الجزء 20 ما يقارب 121 حديثاً وفي الجزء 21 ما يقارب 35 حديثاً، وفي الجزء 22 ما يقارب 25 حديثاً، وفي الجزء 25 ما يقارب 144 حديثاً، والمجموع منه (عليه السلام) ما يعادل 320 حديثاً، مع أنّ المذكور في كتاب الإرث من وسائل الشيعة ما يقرب إلى 700 حديث ليس في بينها أكثر من 50 حديثاً لأمير المؤمنين (عليه السلام)والباقي من الصادقين (عليهماالسلام).

وسرّ ذلك ما ذكره أهل التاريخ من منع تدوين الحديث بعد النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) إلى زمان يقرب إلى مائتي سنة.

ثانياً: نحن نرى أنّ أكثر خصوصيّات الحجّ والصلاة والصوم قد نقلت عن الصادقين (عليهماالسلام)، فهل يجوز التشكيك فيها، مع أنّ كثيراً منها كان مورداً لابتلاء الناس سيّما في مسائل الحجّ.

الملاحظة الرابعة: ما ذكره في آخر كلامه كما أنّه ذكره في الإيراد الثاني الذي سيأتي من عدم انحفاظ سهام الزوجة من الربع والثمن في فرض الحرمان، وانحفاظه في فرض عدم الحرمان، وتوضيح ذلك: أنّا لو قلنا بحرمان الزوجة من العقار لصار سهم الزوجة منها أقلّ من الربع أو الُثمن، ولو قلنا بعدم حرمانها لكان سهماً مساوياً للربع من جميع ما تركه الزوج أو الثمن.

لكن يرد عليه أنّ هذا الإشكال يجري في فرض الوصيّة وعدمها أيضاً، فإذا أوصى الزوج بثلث ماله، فطبعاً يقلّ سهم الزوجة، وإذا لم يوص بذلك فطبعاً لا يقلّ السهم.

والإنصاف أنّ هذا المطلب من مثله عجيب جدّاً، فتدبّر.

الملاحظة الخامسة: إنّ المستفاد من مجموع ما ذكره في الإيراد الأوّل ، إنّه من قبيل الاجتهاد في مقابل النصّ وإن جهد واجتهد جدّاً كثيراً.

الملاحظة السادسة: إنّ التعبير الوارد في أنّهم (عليهم السلام) لو ولّوا الناس لضربوهم بالسوط إنّما هو في جواب من قال بأنّ الناس لم يقبلوا، ولا ريب في أنّ المراد من الناس هو الناس في زمان السائل والمجيب لا في زمن آخر. وبعبارة اُخرى لا شكّ في أنّ المتيقّن من هذا التعبير هو الناس في زمان السائل وإن كان لا ينافي شموله للناس في سائر الأزمنة.

ولعمري كيف قال إنّ هذا التعبير يشعر بأنّ تطبيق هذا الحكم إنّما هو في زمن الإمام الحجّة (عجّل اللّه‏ تعالى فرجه الشريف).

هذه بعض من الملاحظات الواردة على كلامه، والمتأمّل في كلامه يرى مواضع اُخر للملاحظة أيضاً ونحن نكتفي بهذا المقدار، والحمد للّه‏.

الإيراد الثاني: ما ذكره أيضاً بعض أهل النظر من المعاصرين(1) ونلخّصه في اُمور:

الأوّل: إنّ النسبة بين الروايات الدالّة على الحرمان والآية الشريفة «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»(2) ليست في مستوى التخصيص والتقييد، بل من قبيل معارضة الظاهر والأظهر أو الظاهر والصريح، بمعنى أنّ الزوجة إذا كانت لا ترث من العقار شيئاً فسوف يقلّ سهمها عن الربع والثمن للتركة وتقييد ذلك بالربع والثمن ممّا ترث منه من التركة لا من كلّ التركة ـ وإن كان يحفظ عنوان الربع أو الثمن ـ إلاّ أنّ هذا عندئذٍ يكون خلاف مقام التحديد، وتعيين السهام بالنسب والفروض بمعنى أنّه يوجب اختلال الميزان للفرائض والسهام ويكون أشبه بالألغاز والتعمية حينئذٍ وليس بابه باب التقييد والتخصيص... وعلى القول بإرثها من قيمة الأرض الذي هو مختار السيّد المرتضى لا يلزم اختلال السهام والفرائض وإنّما مخالفة ظهور الخطاب في كون السهم بنحو الإشاعة من العين.

وإن شئت قلت: إنّ روايات حرمان المرأة من العقار صريحة في عدم إرثها من عين الأرض، أمّا عدم إرثها من قيمتها فهي ظاهرة في ذلك وليست صريحة فيه، والآية الشريفة صريحة في الإرث من


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 36. 39.

2. سورة النساء: 12 .

القيمة وظاهرة في الإرث من العين فيرفع اليد عن ظهور كلّ من دلالتي الآية والروايات بصراحة الاُخرى.

الثاني: إنّ التفكيك بين العين والماليّة أمرٌ عرفيّ في باب الأموال والحقوق، ويشهد له نفس الروايات الدالّة على الحرمان في البناء والطوب والخشب حيث فصّلت بين الماليّة والعين في إرث الزوجة منها.

الثالث: إنّ ذكر إعطاء قيمة البناء إليها في الروايات ليس في قبال عدم إعطائها من قيمة الأرض، بل في قبال عدم إعطائها من أعيان اُصول العقار، فيمكن إعطائها من قيمتها، ولهذا جاء بلسان الاستثناء عن عدم إعطائها من العقار، فليست روايات التفصيل صريحة في عدم إعطائها قيمة العقار.

الرابع: تخصيص الآية أو تقييدها بالروايات يكون مستلزماً للاختلال في عنوان الربع أو الثمن، ودفعاً لهذه المخالفة الشديدة العرفيّة نجعل الآية بما أنّها صريحة، قرينة على التصرّف في الروايات الظاهرة من باب التصرّف في الظاهر وحمله على النصّ كسائر موارد الجمع العرفي ونتيجة الجمع حمل الروايات المانعة على المنع عن خصوص العين في الأرض، وعليه فتعطى لها قيمة الأرض.

والشاهد لهذا الجمع ما ورد من التعليل بأنّ ذلك الحكم لأجل أن لا تدخل الزوجة على الورثة من يفسد عليهم مواريثهم فإنّ ظاهر

هذا التعليل إنّ مواريثهم نفس المواريث والنسب لا أنّه تزداد مواريثهم ويقلّ ميراثها من التركة وإلاّ كان ينبغي أن يقول ليس لها الحقّ فيها وأنّها ميراثهم لا ميراثها و...

وهذا (التعليل) يناسب حرمانها من العين فقط وإرثها من القيمة في البناء والأرض معاً، فهذا النحو من الجمع الذي صنعه السيّد المرتضى متين جدّاً ومناسب مع التعليل الوارد في أكثر هذه الروايات، فيثبت مذهب السيّد المرتضى من حرمان الزوجة من عين العقار دون القيمة إمّا مطلقاً أو في خصوص غير ذات الولد بناءً على العمل بصحيح ابن اُذينة. انتهى كلامه مع تغيير يسير منّا.

ولنا ملاحظات على هذا الإيراد:

الاُولى: كيف تكون الآية الشريفة صريحة في إرث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، وهل هذه إلاّ مكابرة؟! وقد مرّ منّا المناقشة حتّى في إطلاق الآية، فلو سلّمنا الإطلاق لكانت ظاهرة في الإرث من جميع ما تركه الميّت لا صريحة، والإنصاف أنّ الآية ظاهرة أوّلاً في العين والقيمة، وثانياً ظاهرة في جميع التركة، وليست في الآية صراحة بالنسبة إلى كلّ واحد من الأمرين، فلا صراحة في الآية لا في العين ولا في القيمة، كما أنّه لا صراحة فيها بالنسبة إلى جميع ما تركه الزوج.

وأمّا الروايات فلا شكّ في صراحتها بالنسبة إلى العقار، ومن هذه الجهة تكون مقيّدة لإطلاق الآية.

وأمّا بالنسبة إلى العين أو القيمة فلو لم نقل بأنّ دلالة الروايات أقوى من الآية فلا أقلّ نقول من هذه الجهة متساوية، وكلتاهما في مرتبة الظاهر، ولكن بما أنّ الإطلاق في الروايات بالنسبة إلى العين والقيمة مقامي بخلاف الإطلاق في الآية فإنّه لفظي فيقدّم الأوّل على الثاني خصوصاً من جهة التعبير بـ شيئاً فإنّ الظاهر القوي منه في الاُمور الماليّة هو النفي المطلق بنحو يكون استثناء القيمة منها غير مطابق للفصاحة والبلاغة، فلو قال شخص إنّك لا تأخذ شيئاً ثمّ قال تأخذ قيمة هذا المال لكان ركيكاً في الاستعمال.

وبالجملة: كيف فرّق في الروايات بين العين والقيمة وجعل الحرمان بالنسبة إلى العين صريحاً وبالنسبة إلى القيمة ظاهراً، وكيف فرّق في الآية بينهما وجعل الإرث بالنسبة إلى القيمة صريحاً وبالنسبة إلى العين ظاهراً، والإنصاف أنّه لا وجه ولا توجيه فنّياً لذلك، فتدبّر.

الثانية: قد وقع الخلط في كلامه بين أمرين:

الأوّل: أنّ الآية الشريفة في مقام التحديد والتعيين للسهام والحرمان عن العقار عيناً وقيمةً يوجب التقليل في سهامها عن الربع أو الثمن.

الثاني: ملاحظة الظهور والصراحة في كلّ من الآية والروايات.

ولا يخفى أنّه في الأمر الثاني لا دخل للتقليل وعدمه، كما أنّه في الأمر الأوّل لا وجه لتأثير الظهور والصراحة.

وكيف كان فالجواب عن الأمر الأوّل، أنّ التقليل لا ينافي كونه في مقام التحديد فإنّ سهم الزوجة عبارة عن الربع أو الثمن بالنسبة إلى ما ينطبق عليه عنوان ما تركه الزوج، فأمّا ما هو هذا المقدار وما هي دائرته فلا دلالة في الآية لأنّه بالضرورة تتغيّر بالنسبة إلى الأفراد وأموالها، كما أنّه يختلف بالنسبة إلى مورد الوصيّة بالثلث وعدمه.

فظهر أنّ التقييد بما عدا العقار ليس منافياً لكونه في مقام التحديد، هذا مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا كون التقييد منافياً فلا شكّ في أنّه بناءً على مذهب المرتضى أيضاً تكون النتيجة هكذا، ومن هذه الجهة لا فرق بين مذهب السيّد ومذهب المشهور، فكيف يقول بعدم لزوم الاختلال على قول السيّد؟ فتدبّر.

الثالثة: ما ذكره من أنّ التفكيك بين العين والقيمة عرفي، غير معروف جدّاً، بل التفصيل بين العين والماليّة في البناء والطوب أمرٌ تعبّدي مستفاد من النصّ ولولاه لا يفهم أحدٌ ذلك.

كما أنّ ما ذكره من أنّ ذكر إعطاء القيمة من البناء ليس في قبال عدم إعطائها من قيمة الأرض، بل في قبال عدم إعطائها من أعيان الاُصول غير تامّ جدّاً، فإنّ التفصيل بين الماليّة والعين في الطوب والبناء والخشب يكون قرينة واضحة على عدم التفصيل بين العين والماليّة في العقار، وهذا واضح جدّاً.

الرابعة: إنّ الجمع بين الآية والروايات بحمل الروايات على

خصوص الحرمان من العين دون القيمة ليس جمعاً عرفيّاً لما مرّ من عدم تفكيك العرف بين العين والماليّة في باب الإرث، والظاهر أنّ الجمع العرفي هو تقييد الآية بما عدا العقار وذلك لا يوجب الاختلال في السهام كما مرّ.

الخامسة: إنّ ما ذكره في آخر كلامه من أنّ التعليل بعدم إدخال الزوجة مَنْ يفسد المواريث، ظاهر في أنّ مواريثها نفس مواريثهم وجعله شاهداً على الجمع العرفي، بعيد جدّاً عن المتفاهم العرفي، كيف هو شاهد على ذلك، مع أنّ المعلّل عبارة عن القلّة والحرمان في خصوص العقار، والتعليل مناسب لحرمانها من العقار عيناً وقيمةً وإلاّ لو كان التعليل مختصّاً بالحرمان من العين لصار لغواً؛ لأنّه لو لم تكن الورثة قادرين على إعطاء القيمة لكانت النتيجة لا محالة إدخال من يفسد عليهم.

الإيراد الثالث: ما ذكره أيضاً بعض أهل النظر من المعاصرين بعنوان الإشكال الثالث على المشهور، وخلاصته ما يلي في ضمن بنود:

1 ـ إنّ جملة من الروايات ظاهرة في الحرمان عن العين فقط كصحيحة الفضلاء حيث قال الإمام (عليه السلام):

إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض (وأرض)


1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 11.

إلاّ أن يقوّم الطوب والخشب قيمةً فتُعطى ربعها أو ثمنها(1)، وأيضاً رواية الواسطي: لا ترث امرأة ممّا ترك زوجها من تربة دار ولا أرض إلاّ أن يقوّم البناء والجذوع والخشب فتُعطى نصيبها من قيمة البناء.

فأمّا التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض ولا تربة دار ، ومثلها رواية الصائغ.

فإنّ الظاهر من إضافة المنع إلى تربة الدار والأرض هو أنّ النظر إلى عين الأرض وترابها أي ذاتها لا ما قد يتولّد فيها وعليها من الأموال الإضافيّة حتّى الماليّة والقيمة نتيجة الإحياء والبناء، ولهذا استدرك بلسان الاستثناء المتّصل، مع أنّ الطوب والخشب ليسا من الأرض، فكيف استثني منها.

وقبل التعرّض للبنود الاُخرى من كلامه نلاحظ في هذا البند ونقول:

إنّ أكثر الروايات الواردة ظاهرة في الحرمان من العين والقيمة معاً إن لم نقل بجميعها، والمراجعة إلى التعابير الواردة فيها تدلّ بوضوح على ذلك.


1. الاستبصار 4: 151 ح 570 1، تهذيب الأحكام 9: 298 ح(1064) 24، وسائل الشيعة 26: 208 ح5 .

2. الاستبصار 4: 154 ح 580 11، تهذيب الأحكام 9: 301 ح (1077) 37، وسائل الشيعة 26: 211 ح15 .

وأمّا الاستدلال بإضافة المنع إلى الذات فهذا أيضاً نافع لنا حيث إنّ المنع عن الذات يدلّ على جميع ما يرتبط بالذات من العين والقيمة، وحتّى يشمل ما كان حادثاً فيه كالبناء والزرع.

ومن العجب أنّه حفظه اللّه‏ قد صرّح في موضع آخر من كلامه إنّ بعض الروايات الدالّة على المنع بظاهرها شاملة للبناء أيضاً، فراجع العدد 46 من فقه أهل البيت ص15 سطر 15 فإنّه قال: خصوصاً ما كان ظاهراً في عدم الإرث حتّى من البناء كما في رواية عبد الملك عن أحدهما (عليهماالسلام)، قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء.

فلا ريب في أنّ النهي والمنع عن شيء، شامل لجميع ما يرتبط به وظاهر في الحرمان المطلق، وبناءً على ذلك يصحّ الاستثناء المتّصل حيث إنّ المستثنى منه هو الحرمان المطلق الذي هو شامل لقيمة الخشب والطوب وغيرهما.

وأمّا ما ذكره لأجل تصحيح الاتّصال في الاستثناء، من أنّ المستثنى منه هو مطلق الإضافات حتّى يكون المستثنى هو الإضافات الحاصلة في القيمة والماليّة سواء بالنسبة إلى ذات البناء أو الأرض وما أحدث فيها وعليها، بسبب الإحياء والبناء من الماليّة، فلا يمكن المساعدة عليه، بل هو خارج عن المتفاهم العرفي جدّاً، فإنّ العرف يفهم الحرمان المطلق ويستثنى منه قيمة الطوب وغيره.

2 ـ من المظنون قويّاً أنّ قيمة الأرض وقتئذٍ كانت تحسب من خلال قيمة البناء والإحياء وأنّ ذات الأرض المجرّدة الخالية من الإحياء والبناء لم تكن ذات قيمة، بل بناء على أنّ الأرض تملك بالإحياء وأنّ المالك إنّما يملك حياتها لا ذات الرقبة، وإنّما يكون له حقّ الاختصاص بها، فتمام ماليّة الأرض إنّما كانت بماليّة البناء عليها والإحياء فيها، فاكتفت الروايات في مقام تحديد سهم الزوجة من ماليّة الأرض بذكر قيمة البناء وما على الأرض أو فيها من آثار الإحياء والبناء.

ويرد عليه: أنّ الأرض بحسب الظاهر كانت في السابق ذات قيمة ولكن كانت ذات قيمة قليلة يسيرة بالنسبة إلى البناء، مضافاً إلى أنّه لو لم تكن لها القيمة لما كان وجهاً للتعرّض لها أبداً، بل كان من اللاّزم الاقتصار من أوّل الأمر على البناء والخشب والطوب وأمثالها، فالتعرّض لخصوص الأرض في قبال الاُمور الحادثة فيها دليل على وجود القيمة لها، وأيضاً مضافاً إلى أنّ الملاك في الإرث لا يكون بحسب ثبوت القيمة والماليّة، بل يمكن تحقّق الانتفاع العقلائي أو الشخصي من شيء من دون وجود قيمة له.

وأمّا ما ذكره من أنّ المالك يملك بالإحياء حياتها لا ذات الرقبة، بل يكون له حقّ الاختصاص بها، فمضافاً إلى مخالفته لظواهر الأدلّة، نقول: إنّه لا ملازمة بين ثبوت حقّ الاختصاص للمالك وبين كون تمام

الماليّة متقوّماً بماليّة البناء والإحياء، فيمكن تصوّر وجود ماليّة للأرض مع قطع النظر عن ماليّة البناء، ولا ينافي هذا مع وجود حقّ الاختصاص، كما أنّه لا ملازمة بين ثبوت الملكيّة لنفس الأرض وبين كون ماليّتها موجودة مع قطع النظر عن ماليّة البناء.

والحاصل: أنّ ماليّة الأرض غير مرتبطة بمسألة حقّ الاختصاص للأرض والملكيّة لها، كما أنّ وجود حقّ الاختصاص لا دليل له على كون ماليّة الأرض مندكّة في ماليّة البناء، وهذا واضح جدّاً.

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو قلنا بكون المالك له حقّ اختصاص لقلنا بأنّه لا فرق من هذه الجهة بين الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ الروايات تنادي بأعلى صوتها بإرث الورثة من نفس العقار، فتدبّر.

وأمّا ما ذكره في آخر هذه العبارة من أنّ الروايات اكتفت في مقام تحديد سهم الزوجة من ماليّة الأرض بذكر قيمة البناء وما على الأرض، فخلاف الظاهر جدّاً، ونحن ندّعي عدم تعرّض في الروايات بالنسبة إلى قيمة الأرض فضلاً عن جعلها في ضمن قيمة البناء، ولا يقال هذا إنّما يكون بحسب الواقع الخارجي ولا يحتاج إلى التعرّض، لأنّا نقول مضافاً إلى عدم كونه في الخارج هكذا، لو كان كذلك لكان اللاّزم على الإمام التنبّه إليه من جهة أنّه في مقام بيان السهام والنصيب.

3 ـ التعبير بإعطائها من قيمة البناء والطوب والخشب ونحو ذلك

يمكن أن يكون المقصود منه عرفاً التفكيك بين العين والماليّة وأنّ الزوجة لا ترث من الأصل أي العين وترث من الفرع أي الماليّة والقيمة، والمراد من الأصل والفرع في الروايات أيضاً هكذا.

وهذا المطلب عجيب جدّاً، والمستفاد بوضوح من الروايات أنّ المراد من الأصل هو الأرض ومن الفرع هو البناء والطوب، وقد مرّ منّا مراراً أنّ التفكيك بين العين والماليّة ليس أمراً عرفيّاً واضحاً، بل هو تعبّدي يحتاج إلى البيان بخلاف التفكيك بين الأصل والفرع، فهذا واضح عند العرف، فالأصل هو الأرض والفرع هو البناء وما اُحدث فيها.

وأعجب من ذلك ما ذكره في سطر آخر من حمل ما ورد في رواية الأحول أي: يعني من البناء الدور. على كون قيمة الدور مشتملة على قيمة الأرض وماليّتها.

ويا للعجب كيف صرّح قريباً من أنّ الأرض المجرّدة الخالية من البناء، لم تكن ذات قيمة وهنا يصرّح بأنّ قيمة الأرض داخلة في قيمة البناء.

وكيف كان، من أيّ تعبير في رواية الأحول يستفاد اندكاك قيمة الأرض في قيمة الدور والبناء؟!!

وعليه فما ذكره السيّد البروجردي (رحمه الله) من أنّ رواية الأحول مبعدة لكلام السيّد المرتضى حيث قابل فيها بين عدم الإرث من العقار،

وبين الإرث من قيمة البناء والشجر ونحو ذلك، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنى . تامّ جدّاً، مطابق للظاهر العرفي منها، وتفسير البناء بالدور بما هي دور لا تدلّ على اشتمالها على قيمة الأرض.

4 ـ التعبير بالإعطاء ربعها أو ثمنها دالّ على كون الإمام (عليه السلام) في هذه الروايات في مقام التقسيم والإفراز لحقوق الورثة، وظاهر في أنّ حقّها من التركة ـ الربع أو الثمن ـ لا يعطى من عين الأرض والعقار، بل يعطى لها من سائر التركة، ومثل هذا بيان عرفي فإنّه إذا قال الأب لأبنائه مثلاً هذا البيت لكم إلاّ أنّ فلاناً لا تعطوه الغرفة الفلانيّة فإنّه لا يعني حرمانها من أصل الاستحقاق بل يعطى حقّها من سائر الغرف.

ويرد عليه:

أوّلاً: كيف يكون التعبير بالإعطاء ظاهراً في عدم إعطائها من العين وكونه في مقام التقسيم والإفراز لا يكون دليلاً وقرينة على ذلك. ؟

ثانياً: وجود الفرق بين المثال والممثل؛ ففي مثال الأب قد صرّح الأب بكون البيت جميعه لأبنائه لكن في مقام الإعطاء يحدّد أحد


1. تقريرات ثلاثة: 107.

أبنائه، ولكن في المقام لا تصريح بكون الزوجة متساوية مع سائر الورثة حتّى يُقال إنّ التعبير بإعطائها قرينة على عدم الإعطاء من العين فقط.

5 ـ الظاهر من التعليل الوارد بشأن هذا الحكم في جملة من الروايات كصحيح محمّد بن مسلم: لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: وإنّما ذلك لئلاّ يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم، فإنّ علّة الإفساد على سائر الورثة إنّما تنشأ من إرثها من العين دون الماليّة، ولهذا جعل هذا التعليل في أكثر الروايات المعلّلة تعليلاً لإرثها من قيمة البناء أيضاً، كما أنّ ظاهر التعليل انحفاظ نسبة المواريث لهم ولها بلحاظ أصل السهام لا تغيّرها.

ويرد عليه:

أوّلاً: لا يستفاد من التعليل أنّ علّة الإفساد ناشئة من إرث العين فقط، بل التعليل صادق بالنسبة إلى مجموع العين والقيمة، مضافاً إلى عدم كونه علّة بل تكون حكمة، ومضافاً إلى وجود العلّة الاُخرى كعدم كونها نسباً ترث به.

ثانياً: ظاهر الروايات أنّ المعلّل إنّما هو خصوص الحرمان عن العقار ولو كان ظاهر بعض الروايات عبارة عن قيمة البناء، لكان اللاّزم صرفها عن ظاهرها وإرجاعها إلى الحرمان عن العقار. وكيف

كان لا معنى للتعليل بالنسبة إلى الإرث من نفس قيمة البناء.

ثالثاً: قد مرّ مراراً أنّ القول بكون ظاهر التعليل، انحفاظ نسبة المواريث لهم ولها بلحاظ أصل النسبة؛ ليس بصحيح ولا دخل للتعليل في ذلك، وهذا واضح.

6 ـ إنّه ذكر بعنوان الحاصل للمطالب أنّ مجرّد سكوت الروايات عن التصريح بإعطائها من قيمة الأرض لا ينبغي أن يجعل دليلاً على حرمانها من الأرض عيناً وقيمةً، بل بالقرائن المذكورة الأربعة، وهي:

أ ـ ظهور الاستثناء في الاتّصال.

ب ـ ظهور التأكيد في بعض الروايات بعدم الإعطاء من تربة الأرض، في النظر إلى العين دون الماليّة.

ج ـ ظهور التعبير بإعطائها من قيمة البناء، في إعطاء قيمة البناء والدور بما هي دور قائمة وباقية على الأرض وهي التي هي قيمة الأرض في تلك الأيّام.

د ـ ظهور التعليل في إرادة حفظ عين العقار لهم لا أكثر.

ثمّ استنتج أنّ هذه القرائن إن لم توجب ظهور الروايات المفصّلة في أنّ المراد حفظ عين الدور والعقار لسائر الورثة لا حرمان الزوجة من أصل حقّها من الماليّة... فلا أقلّ من أنّها مجملة ومحتملة لهذا المعنى قويّاً بحيث لا يكون فيها ظهور في أكثر من حرمان الزوجة من عين

العقار لا أكثر، فتبقى القيمة والماليّة للدور والمساكن والعقارات بما فيها منفعة نفس الأرض باقية تحت إطلاق أدلّة التوريث.

ونلاحظ فيه:

أوّلاً: نحن لا نقبل سكوت الروايات عن إعطاء قيمة الأرض، بل ندّعي أنّها ظاهرة في الحرمان عيناً وقيمة كما مرّ.

ثانياً: هذه النتيجة قابلة للأخذ إذا اكتفينا على عقار الدور فقط كما ذهب إليه المفيد، وأمّا بناءً على مذهب المشهور من عدم الفرق بين الدور والبساتين والمزارع فلا يصحّ الأخذ بها؛ لأنّه في عقار الدور يمكن تصوير اندكاك قيمة الأرض في قيمة البناء، ولكن في أرض الزراعة لا يمكن، بل الزراعة حينما كانت قائمة لها قيمة خاصّة بالنسبة إلى الزرع وبعد الحصاد تزيد قيمتها، ومع ذلك قيمة الأرض عند العرف محفوظة في نفسها سواء كان الزرع قائماً أم لا.

ثالثاً: قد مرّ بطلان جميع القرائن الأربعة خصوصاً القرينة الاُولى وأنّ كلمة إلاّ ليست للاستثناء، بل بمعنى غير.

7 ـ ثمّ إنّه استدرك قائلاً: نعم، الروايات التي اقتصرت على ذكر أنّ المرأة لا ترث من العقار أو الأرض شيئاً من دون تفصيل واستثناء لقيمة البناء ونحوه ـ كما في صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم ـ

ظاهرة إطلاق لفظ الشيء فيها نفى الإرث من الماليّة أيضاً(1).

إلاّ أنّه من المطمأنّ به أنّ هذه الرواية تقطيع لنفس الروايات المفصّلة ـ وليست حديثاً مستقلاًّ لوحدة الرواة فيها عن المعصوم ـ بل لو استظهرنا من روايات التفصيل أنّ المقصود حرمانها من إرث العين دون الماليّة كانت بنفسها قرينة على إرادة نفس المعنى من عدم الإرث من الأرض شيئاً، خصوصاً ما كان ظاهراً في عدم الإرث حتّى من البناء كما في رواية عبدالملك عن أحدهما (عليهماالسلام) قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء(2) . فإنّه لا إشكال في إرثهنّ من قيمة بناء الدور، فيكون المقصود عدم الإرث من أعيانها، بل إنّ هذا الظهور لا يمكن أن يقاوم ظهور الكتاب الكريم في حفظ نسبة الربع والثمن للزوجة ـ بل تحمل بقرينة أقوائيّة الظهور ـ على إرادة عدم الإرث شيئاً من عين التربة والعقار فيثبت بالنتيجة مذهب السيّد المرتضى، هذا بقطع النظر عن صحيح ابن اُذينة وإلاّ كانت الزوجة ذات الولد ترث من العين أيضاً.

ويرد عليه:


1. «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»؛ الاستبصار 4: 152 ح572 3، تهذيب الأحكام 9: 298 ح26، وسائل الشيعة 26: 207 ح4.

2. الكافي 7: 129 ح9، الاستبصار 4: 152 ح7، تهذيب الأحكام 9: 299، وسائل الشيعة 26: 209 ح10 .

أوّلاً: لا فرق في المقام بين التقطيع وعدمه؛ فإنّ لفظة «شيئاً» قرينة واضحة على الحرمان عن العين والقيمة سواء كانت الرواية مقطّعة أم لا.

ثانياً: لو سلّمنا أنّ الروايات المفصّلة ظاهرة في الحرمان عن العين فقط، لكن كيف تكون قرينة على التصرّف في رواية زرارة ومحمّد بن مسلم، بل الأمر بالعكس فإنّ ظهور كلمة شيئاً في الحرمان المطلق عن العين والقيمة أقوى من ظهور روايات التفصيل لو قلنا بظهورها في الحرمان عن خصوص العين.

كلام المحقّق الشعراني

ثمّ إنّ المحقّق الشعراني (قدس سره) قد رجّح كلام السيّد المرتضى في بعض الموارد وقال:

أكثر الأراضي خصوصاً في العراق وما والاها كانت من المفتوحة عنوةً وكان ملك الناس إيّاها تبعاً لملك الآثار والحقوق، وعدم الإرث هنا، عدم الإرث من العين، ولا ينافي ثبوت القيمة بدليل آخر.

ثمّ قال: وهذا (فتوى المشهور في الحرمان عن العين والقيمة) مسلّم في الأراضي المفتوحة عنوةً. وأمّا غيرها فقول السيّد أرجح وأولى لأنّه موافق لظاهر القرآن لأنّ مفاد الآية عموم إرث الزوجة

من جميع التركة عيناً ويخصّص بمقتضى الروايات، وما شكّ في تخصيصه يبقى على العموم ولا تدلّ الروايات على محروميّتها من قيمة الأراضي إلاّ بسكوت الإمام عن ذكر قيمة الأرض مع ذكره (عليه السلام) قيمة الآلات. وهذا غير كاف في التخصيص فلعلّه لم يذكر قيمة الأرض؛ لأنّ أكثر الأراضي خصوصاً ما كان بيد الشيعة في الكوفة ونواحيها من المفتوحة عنوة وكان ملكهم لها حقّ اختصاص بسبب تملّك الآلات، وقيمة الأراضي كانت قيمة حقّ التصرّف في الأرض لقبالته من السلطان سنين معيّنة أو غير معيّنة، وكان تصرّفهم في الأرض نظير تصرّف المستأجرين لملك المنفعة، فكما أنّه إذا مات المستأجر وكان لمنفعته وتصرّفه في مورد الإجارة قيمة ورثت منها الزوجة، كذلك حقّ الاختصاص في الأراضي المفتوحة عنوة. وسكوته (عليه السلام) عن ذكر قيمة هذا الحقّ لا يدلّ على عدم إرثها؛ لأنّه (عليه السلام)ذكر ما ذكر تمثيلاً ليقاس عليه الباقي(1).

ونلاحظ فيه:

أوّلاً: الظاهر من كلامه (قدس سره) أنّ الصادقين (عليهماالسلام) كانا يقصدان أرض العراق وما والاها في مسألة الحرمان، مع أنّه لو كان


1. الوافي 13: 779 .

كذلك لما كان فرق بين الزوجة وسائر الورثة فإنّ الأراضي المفتوحة عنوة غير قابله للتملّك، بل الملكيّة متعلّقة بحقّ الاختصاص والبناء والاُمور الحادثة فيها، وعليه فلا فرق بين الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ من المسلّم والمستفاد القطعي من الأدلّة إرث سائر الورثة من العقار.

ثانياً: لم يظهر لنا وجه هذا الكلام أنّه (قدس سره) لماذا قال كلام المشهور في المفتوحة عنوة مسلّم، وفي غيرها كلام السيّد أرجح، مع أنّ كلاًّ منهما (المشهور والسيّد) لم يفرّقا بين المفتوحة عنوةً وغيرها، ولا يصحّ الفرق في المقام من هذه الجهة.

ثالثاً: أنّ دلالة الروايات على الحرمان من العين والقيمة ليست بالسكوت، بل بشيء هو كالصريح فإنّ التعبير بكلمة شيئاً كأنّه صريح في الحرمان من العين والقيمة معاً.

فظهر بذلك عدم تماميّة ما ذهب إليه الشعراني، مضافاً إلى أنّ التعبير الكلّي العامّ كتربة دار أو أرض أو التعبير الجامع كالأرض والعقارات وأيضاً التعبير بالقرى والضياع كلّها تدلّ على أنّ مقصودهم عليه السلام) ليس الأرض المفتوحة عنوة، بل كلامهم على نحو القضيّة الحقيقيّة بالنسبة إلى جميع الأراضي والعقار.

هذا تمام الكلام في المسألة ولها تنبيهات نذكرها في مجال آخر إن شاء اللّه‏، وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في شهر رمضان المبارك من سنة 1430 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف

التحيّة والثناء، ونسأل اللّه‏ تبارك وتعالى أن يجعلنا من العارفين به والمقرّبين لديه والفائزين في الدُّنيا والآخرة، ونطلب منه تعالى إعطاء ثواب هذا الجُهد العلمي إلى روح الوالد الفقيه المجاهد الذي له عليَّ حقٌّ عظيمٌ في جميع شؤون الحياة علماً وعملاً وعلى كثيرٍ من الفضلاء والأساتذة في الحوزة العلميّة في هذا العصر؛ فإنّ كثيراً منهم من تلامذته، ونسأله تعالى أن يرفع درجاته ويصعّد روحه وأن يجعله في أعلى عليّين ويجعلنا حافظين لأمانة سيّد المرسلين وحججه الطاهرين صلوات اللّه‏ وسلامه عليهم أجمعين.

فهرس المصادر

1 ـ القرآن الكريم

2 ـ إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان ، للعلاّمة أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648 ـ 726) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1410ه .

3 ـ الإنتصار ، للسيّد علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 ـ 436) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1415ه .

4 ـ إيضاح الفوائد في شرح القواعد ، لفخر المحقّقين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر (م771) المطبعة العلمية ، قم ، الطبعة الأولى ، 1387ه .

5 ـ بحار الأنوار ، للعلاّمة محمد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 ـ 1110) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1385ه .

6 ـ بلغة الفقيه، لمحمّد بن محمّد تقي بحرالعلوم، مكتبة الصادق، طهران، 1403ه .

7 ـ تاج العروس، لمحبّ الدين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي، دار الفكر، بيروت، 1414ه .

8 ـ تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها، لسماحة الفقيه آية اللّه‏ العظمى الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، المطبعة العلميّة، قم، الطبعة الاُولى ، 1368 ش .

9 ـ تقريرات ثلاثة لبحث آية اللّه‏ العظمى آقا حسين البروجردي ، للشيخ علي پناه الإشتهاردي ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1413ه .

10 ـ التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ، لجمال الدين المقداد بن عبداللّه‏ السيوري الحلّي ، المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، من منشورات مكتبة آية اللّه‏ المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1404ه .

11 ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1401ه .

12 ـ الجامع للشرائع ، لنجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي (601 ـ 690) ، مؤسسة سيّد الشهداء (عليه السلام) العلمية ، قم ، الطبعة الأولى ، 1405ه .

13 ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، للشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة السابعة .

14 ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، للشيخ المحدِّث يوسف بن أحمد البحراني (م 1186) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم [بالاُوفست عن طبعة النجف الأشرف] .

15 ـ الخلاف ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1418ه .

16 ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية ، لشمس الدين محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، المعروف بالشهيد الأوّل (م 786) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثانية ، 1417ه .

17 ـ دعائم الإسلام ، لأبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م363) ، المنارة ، بيروت .

18 ـ الرجال، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 ـ 450)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1418ه .

19 ـ الردّ على أصحاب العدد ـ جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية، لأبي عبداللّه‏ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 413)، كنگره جهانى هزاره شيخ مفيد، قم، 1413ه .

20 ـ رسائل الشهيد الثاني، لزين الدين بن علي العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911 ـ 965)، دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه قم، قم، 1421ه .

21 ـ رسالة إرث الزوجة، للشيخ لطف اللّه‏ الصافي الگلپايگاني، المطبوع في ضمن صيانة الإبانة، دار القرآن الكريم، قم، 1405ه .

22 ـ رسالة نخبة الأفكار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار، لمحمّد تقي النجفي البروجردي، مطبعة النعمان، نجف، 1378ه .

23 ـ رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث، للسيّد محسن الطباطبائي الحكيم، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد الثالث والأربعون، السنة الحادية عشرة، 1427ه .

24 ـ رسالة في «ميراث الزوجة من العقار (1 و 2)»، للسيّد محمود الهاشمي الشاهرودي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد الخامس والأربعون، السنة الثانية عشرة، 1428ه.

25 ـ رسالة في «ميراث الزوجة من العقار (3)»، للسيّد محمود الهاشمي الشاهرودي، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد السادس والأربعون، السنة الثانية عشرة، 1428ه .

26 ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثالثة ، 1390ه .

27 ـ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، لأبي جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 ـ 598) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثانية ، 1410ه .

28 ـ سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو بن عامر السجستاني (202 ـ 275) دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الاُولى، 1418هـ .

29 ـ شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ، للمحقّق الحلّي أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الهذلي (602 ـ 672) ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ، الطبعة الأولى ، 1389ه .

30 ـ الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري ، (المتوفى حدود 400) ، بيروت دار العلم للملايين ، الطبعة الثالثة ، 1404ه .

31 ـ صحيح المسلم، لمسلم بن الحجّاج، دار ابن حزم ومؤسسة ريان، بيروت، 1375ه .

32 ـ العين، لخليل بن أحمد الفراهيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420ه .

33 ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، لمحمد بن جمال الدين مكي العاملي ، المعروف بالشهيد الأوّل (م786) ، مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1414ه .

34 ـ الغريبين في القرآن والحديث، لأحمد بن محمّد الهروي، بيروت، 1419ه .

35 ـ الفهرست، لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385 ـ 460)، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الأُولى، 1417ه .

36 ـ القاموس المحيط، لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (729ـ 817)، دار الجيل، بيروت.

37 ـ قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ، للعلاّمة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648 ـ 726) ، منشورات الرضي ، قم ، 1404ه [بالاُوفست عن طبعته الحجرية] .

38 ـ الكافي ، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (م 329) ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران ، الطبعة الثالثة ، 1388ه .

39 ـ كامل الزيارات، لأبي القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمّي (م368) نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاُولى، 1417هـ .

40 ـ كتاب الضعفاء المعروف بـ «رجال ابن الغضائري»، لأحمد بن أبي عبداللّه‏ المعروف بـ «ابن الغضائري»، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1406ه .

41 ـ كتاب الطهارة، للإمام الخميني (قدس سره)، مؤسسة تنظيم ونشر آثار امام خميني، طهران، 1421ه .

42 ـ كشف الرموز ، لحسن بن أبي طالب اليوسفي ، المعروف بالفاضل الآبي (من أعلام القرن السابع) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثالثة ، 1417ه .

43 ـ كشف اللثام ، لبهاء الدين محمد بن الحسن بن محمد الاصفهاني ، المعروف بالفاضل الهندي (1062 ـ 1137) ، مكتبة آية اللّه‏ المرعشي النجفي ، قم ، 1405ه .

44 ـ كفاية الاُصول، الآخوند محمّد كاظم الخراساني (م 1329)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الرابعة، 1418 .

45 ـ لسان العرب، لجمال الدين محمّد بن مكرم رويفعي افريقي المعروف بـ «ابن منظور»، دار صادر، بيروت، 1414ه .

46 ـ المبسوط في فقه الإمامية ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، طهران .

47 ـ مجمع البحرين ومطلع النيّرين ، لفخر الدين بن محمّد الطريحي (979 ـ 1085) ، مؤسسة البعثة ، قم ، الطبعة الأولى ، 1414ه .

48 ـ مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولى أحمد بن محمّد، الشهير بالمحقّق والمقدّس الأردبيلي (م 993) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1407 ـ 1416هـ .

49 ـ المختصر النافع في فقه الإمامية ، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (م 676) ، منشورات المكتبة الأهلية ، بغداد ، 1383ه .

50 ـ مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، للعلاّمة حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648 ـ 726) ، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، قم ، الطبعة الأولى ، 1412ه .

51 ـ المسائل الصاغانية، لأبي عبداللّه‏ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 413)، كنگره جهانى هزاره شيخ مفيد، قم، 1413ه .

52 ـ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ، لزين الدين بن علي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني (911 ـ 965) ، مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم ، الطبعة الأولى .

53 ـ مستند الشيعة في أحكام الشريعة، للمولى أحمد بن المولى محمّد مهدي بن أبيذرّ، المعروف بالفاضل النراقي (1185 ـ 1245) مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ـ 1420هـ .

54 ـ مصباح الاُصول، محمّد سرور البهسودي، تقريرات بحث السيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي، مكتبة الداوري، قم، الثانية، 1412 .

55 ـ المصباح المنير ، لأحمد بن محمد بن علي الفيّومي (م 770) ، مؤسسة دار الهجرة ، قم ، الطبعة الأولى ، 1405ه .

56 ـ معجم البلدان، لفريد عبدالعزيز الجندي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1410ه .

57 ـ معجم رجال الحديث، السيّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي (م 1413)، مركز نشر آثار الشيعة، قم، الرابعة، 1410 .

58 ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة ، للسيّد محمد جواد الحسيني العاملي (المتوفى حدود 1226) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

59 ـ المفردات في غريب القرآن ، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني (م 502) المكتبة المرتضوية ، طهران .

60 ـ مقباس الهداية في علم الدراية، لعبداللّه‏ المامقاني، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1411ه .

61 ـ المقنعة ، لأبي عبداللّه‏ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ، المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 413) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثانية ، 1410ه .

62 ـ من لا يحضره الفقيه ، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المعروف بالشيخ الصدوق (م381) ، دار الكتب الإسلامية ، النجف ، 1376ه .

63 ـ المهذّب البارع في شرح المختصر النافع ، لجمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 ـ 841) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثالثة ، 1414ه .

64 ـ المهذّب ، للقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (حوالي 400 ـ 481) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1406ه .

65 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمّد

الجزري المعروف بابن الأثير (544 ـ 606) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1399ه .

66 ـ النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460) ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1390ه .

67 ـ الوافي ، لمحمّد محسن ، المشتهر بالفيض الكاشاني (1007 ـ 1091) ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين على (عليه السلام) ، إصفهان ، الطبعة الأولى ، 1412ه .

68 ـ وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) ، للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 ـ 1104) ، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الأولى ، 1409ه .

69 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (من أعلام القرن السادس) ، مكتبة آية اللّه‏ المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1408ه . الإنتصار ، للسيّد علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 ـ 436) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1415ه .

خلفيّة البحث

النزاع الأوّل: فيما تحرم الزوجة منه

النتيجة في النزاع الأوّل

النزاع الثاني: فيمن تحرم من الزوجات

التحقيق حول رأي الشيخ في المقام

كلام صاحب الرياض

النتيجة في النزاع الثاني

دراسة الروايات

في اتّحاد بعض الروايات مع بعضها الآخر

العناوين الموجودة في الروايات

توضيح الألفاظ المذكورة في الروايات

تقسيم الروايات إلى طائفتين

مقتضى الحِكَم الثلاثة

الفرق بين العلّة والحكمة

الفرق الأوّل

الفرق الثاني

الفرق الثالث

كلام حول الآية الشريفة 12 من سورة النساء

القرائن الدالّة على أنّها رواية

القرائن الدالّة على أنّها فتواه ورأيه

الدليل الثاني للتفصيل: انقلاب النسبة

الإشكال الأوّل: الإشكال الثبوتي في المقام

كلام المحقّق الشعراني

فهرس المصادر