اطرح سؤالك

26 جمادی الاول 1434 الساعة 17:40

أعتذر مسبقاً إذا كان مضمون الرسالة، على خلاف الأدب «لکني أريد حقا أن تتعرف علی أفكاري لتعطیني أجوبة كاملة». لقد شغلت خاطري العديد من الأسئلة حتی أصبحت الأمور المهمة والأساسیة لا تعني لي شیئاً وليست مهمة بالنسبة لي. (على سبيل المثال، لا یهمني أبداً حقیقة أن الله راض عني لي أم لا)؟ وذلك لأني أتصور أن لا أحد یعرني أي اهتمام یذکر أبداً . أرید أن أعرف لماذا وجدت؟ لماذا يجب أن آتحمل الكثير من المعاناة؟ و لماذا ینبغي أن أعذب وأحترق في جهنم؟ و لماذا يجب أن أعیش حزيناَ (حتى لو كنت مذنبا وكانت ذنوبي سبباَ في حزني)؟ یقولون: إننا جئنا إلى الوجود لإظهار صفة الإبداع والخالقیة لله، ثم نعبد الله. ولكن لماذا یرید الله أن یثبت إبداعه وخالقیته؟ فهل الله محتاج لذلك؟ ولنفترض على سبيل المثال، أنه يجب إثبات ذلك، ولكن لماذا يجب أن أوجد؟ ألم یقم الأنبياء والأئمة بما فيه الكفاية؟ لماذا علینا أن نعبد الله أصلاً؟ فما الذي حدث؟ ولنفترض أن هذا مهماً، فلماذا ينبغي أكون؟ إنني إنسان مذنب، وعلی قول أنني علی شکل حيوان، أليس صحيحا أن الإمام علي و الباقي أي الملايين من الناس يصلون مثلي؟ فلماذا إذاً يجب أن أكون؟ وعندما یعلم الله أني أذنب، وأنا في نهاية المطاف في الجحيم، فلماذا خلقني إذاً؟ والله يعلم أني لا أستحق الجنة؟ فلنفترض أصلا أنني أستطيع أن أکون إنساناً طيباً، مثل أولیاء الله (وهذا من المستحیل طبعاً) ولا يعجبني ذلك أصلاً، لأني لا أرید أن یکون لي وجود، ولا أريد أن أکون، سواء دخلت جهنم أو الجنة، فهل أنا مهم بالنسبة لله أنني أريد أن أعبده؟ (سیقول بالتأكيد: نعم، فهو یحس و یهمه أمر جميع البشر). لقد سألته أکثر من 100 مرة وقلت له: إنني علی ثقة أنني أذنب في المستقبل أیضاً، وأنا واثق من ذلك، فما دمت أشعر بأنني إنسان، بيّن لي شيئاً في هذه الأيام التي أعیشها؟ و إذا أردتم الحقیقة، أني أری في المنام رؤیا في بعض الأوقات «100 عاما مرة واحدة» ولا أدري من هو الذي في منامي؟ ولا أفهم أصلاً ماذا یرید مني؟ فأحاول تهدئة نفسي بالبکاء؟ فأجهش بالبکاء، إلا أنه لا یعیرني أهمیة و لو مرة واحدة إلی الآن؟ أحيانا أعتقد (على الرغم من أنني أعرف أنني مخطئا، ولكن أحيانا لا يمکن منع التفكیر حقا)،أن الله راض منعم علی أولیائه، لکنني لا أساوي شیئاً عنده، الرجاء مساعدتي. فمع أني أحب الله کثیراً، لکني الآن بهذه الأفكار التي تدور بي من کل حدب وصوب، لا أستطيع حتى التفكير به أصلاً. في الواقع مشكلتي الرئيسية (وأقول لک هذا لعلّك تستطیع مساعدتي)هناک فتاة أحببتها، و أنا لدي المال الكثير، وأنا قادر على التقدم لخطبة تلک الفتاة وعقد قرانها أو أن أتزوج، ولكنني أريد أن أدرس وأسافر إلی الخارج لإکمال دراستي، ولا أدري كيف يمكن أن أذهب وأسافر مع زوجة؟ اقبلوا أن الدراسة في الخارج أفضل وأحسن لتطویر وتقدم الإنسان في المستقبل؟

الجواب :



1ـ سؤالکم بحاجة إلی إجابة مفصلة، ولکن ملخص الجواب هو، کلنا یعلم أن الله العالم حکیم، ومعنی الحکیم هو عدم القیام بعمل من دون هدف أو یکون عبثاً، وأن کل فعل یقوم به عزوجل فهو نافع، مفید، وهادف، و له جهة.

و یشیر القرآن کريم إلی مطلبین هما في غایة الأهمیة:

المطلب الاول: خلق الله کل شيء للبشر، فالخلق بهذه العظمة أکثر بکثیر من الکُریات و الأجرام السماویة، ولم یتعرف البشر ولحد الآن إلی معرفة هذه البحار اللامتناهية والخلق العظیم الواسع بهذا الحجم الکبیر، حتی یصل الأمر إلی أصغر شيء في عالم الکون والخلقة، وقد سخرت کلها للبشر، هذا ما یمکن فهمه من الآیات القرآنیة الشریفة، کقوله تعالی: «هو الذي خلق لکم ما في الأرض جميعاً».

ومن الواضح جداً أن الأرض تعد أحد المجرات في المنظومة الشمسیة، تتأثر بفعل وانفعالات الکریات والمجرات الآخری، ومنها الشمس، فهي بهذا الخلق العظیم، إن لم یکن نورها وحرارتها، لم تکن في هذا الکون حیاة إطلاقاً، فعلی أي حال، خلق الله کل شيء لخدمة البشر، هذا من جهة.

ومن جهة أخری، کرّم  الله سبحانه وتعالی هذا الانسان وجلّله، وجعله خلیفة له في الأرض، فسألته الملائکة عن السبب في ذلك، فأجابهم سبحانه وتعالی:«إني أعلم ما لا تعلمون». ولهذا جذور في مبحث قابلیة وقدرات الإنسان الذي هو خلیفة الله في الأرض، و أن الإنسان الکامل هو نتیجة هذا الخلق .

أما المطلب الثاني: فهو أن الله عزوجل بین الهدف من الخلق، فقال: «وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون»، و قد فسّر المفسّرون کلمة «يعبدون» «بيعرفون»، يعني الهدف؛ هو تحصيل المعرفة الالهية و في کلمة واحدة؛ «معرفة الله».

وعلی أي حال، خلق الله البشر، فمضافاً إلی نعمة الخلق والإیجاد و التکوین، منحه نعمة الارتقاء والتعالي، والوصول إلی المعرفة والسعادة أیضاً، لأن کائنا له تلك القابلیة یطلق علیه الإنسان، وإذا لم یفعل الله ذلك، کان محلاً للسؤال أن لماذا حرم الله الفیاض للقدرة أشخاصاً یمتلکون هذه القابلیة والقدرة؟

أما المطلب الذي من الممکن عرضه کشبهة فهو: أن عددا کبیراً من البشر ینحرفون، ویتعرضون في النهایة إلی العذاب الإلهي الألیم؟

أما الجواب علیه فهو لو کان الأب یتعامل مع أبنائه بعطف ورأفة ورحمة ومحبة، فسیضع في اختیارهم و تحت تصرفهم کافة الاحتیاجات والمتطلبات والبرامج والإمکانات، و یقول لهم: استثمروها و استفیدوا منها کلها بشکل جید و مطلوب، ولا تخالفوا فیها، ولا تهدروا هذه الأموال عبثاً. إلا أن الابن أساء الاختیار فیها والتصرف فبذر فیها وأضاعها، فأصبح فقیراً، فالمسئول الوحید والمعاقب علی ذلك هو نفسه، ولا یلوم أحداً علی ذلك سوی نفسه، إذ لم یوجد الأب له هذه الوضع المأساوي، بل کان هذا کله من صنع ید الابن، ولا دخل لأحد في ذلك.

ومن هنا، أشار القرآن الکريم الی ذلك فقال: «فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره»، يعني أن الجنة و جهنّم، هي نتيجة اعمال الانسان نفسه، وأن من أضاع وأهدر رأس ماله، أو خلق لنفسه أزمة خطیرة أودت به إلی ما لا یحمد عقباه، وکانت عاقبته سیئة، فلا یلومن إلا نفسه، ولا یلوم أحداً في ذلك، إلا إذا کان مکرهاً، ولن یعذب الله الحکیم أحداً مکرهاً علی فعله أبداً. لکن الأمر لیس کذلك، بل إن أي عمل یمارسه الانسان، کان باختیاره وتدبیره، لکونه یتمیز بنعمة العقل، ونعمة الاختیار، مضافاً إلی امتلاکه نعمة الهدایة الإلهیة بواسطة الأنبیاء والرسل والأوصیاء المعصومین علیهم السلام.

ومع کل هذه التفصیلات قولوا لي رجاء و انصفوا في القول: هل أن الله عزوجل مع کل هذا مدین لنا أیضاً؟ أم نحن مدینون له في الواقع؟ وهل إذا صدرت منا أفعالاً جیدة، وسلوکاً لائقاً، وحصلنا علی النعمة الإلهیة الخالدة، ألا یکفي هذا لهادفیة الخلقة؟ ومع معرفة هذه القابلیة، ألا یخلق الله البشر کذلك؟ ثم ألا یکون هذا محلاً للسؤال أن الشيء الذي یمکن أن یتوفر للإنسان، لم منعه الله ذلك؟ وحظر علیه تلك النعم؟ آمل أن تجدوا في هذه الإجابة شفاء لغلیلکم، ولما یکنّ في الصدر.

فالهدف من خلق الانسان إذا، هو وصوله إلی الکمال، و هذا الکمال قد یحصل عن طريق العبادة و الارتباط مع الله، ولهذا، ذکر الله سبحانه أن الهدف من الخلقة هي العبادة، و امتلاك حق الاختيار و الانتخاب للانسان، ویعد هذا وسيلة للوصول إلی الکمال، و إذا وصل الانسان باختياره وجهوده إلی  مقام و موقع، فهو کمال، أما إذا أوصل الله شخصاً بالاجبار والاختیار إلی موقع، فلیس في ذلك افتخاراً وکمالاً.

اما العقوبة الإلهية أیضاً لمن أساءوا في استخدام حق الاختيار و التفویض والامکانات الممنوحة من قبل الله، والحراك باتجاه الفساد و الضیاع، کانت نتيجة هذه التحرکات الانحرافية؛ الوصول إلی العذاب. إلا أن الله سبحانه و تعالی لم یخلق أحداً لیدخله في جهنم و العذاب، بل  إن الانسان المنحرف هو الذي یختار بنفسه طریق جهنم، فیوصل نفسه للابتلاء بالعذاب.

التفتوا إلی هذه النقطة وهي أن لله عزوجل توجهاً واهتماماً خاصاً بعباده کما جاء في الروایات، وأولاهم اهمية عالیة، وإن لم ینه أحد أسباب رحمة الله في نفسه، فسیثمنه الله علی ذلك، ویولیه عنایة وتوجهاً أکثر، وسیفتخر بوجوده أمام الملائکة، وکل من کان في طاعة الله، منحه الله قدرة ربانیة و إلهیة.

ألم تقرأوا في التاريخ أن علي بن ابي طالب(ع) اقتلع بيد واحدة باب خیبر و قد کان أعظم وأضخم من جدار القلعة، و قد کان یفتح ویغلق هذا الباب مجموعة من الرجال، لکن الإمام علي علیه السلام سحبه لوحده و فصله عن الجدار، وجعله درعاً له أمام الأعداء، وعندما ألقی به إلی الأرض، سحبه بشدة جماعة من المقاتلین من ذلك المکان وألقوه في مکان آخر، فقال علیه السلام: «ما قلعتها بقوة بشرية بل قلعتها بقوة الهية ».

اما بالنسبة لمسألة الزواج و الذهاب إلی الخارج، فلیس هذا مسألة شرعية، و حسن الاختيار بیدکم. نعم، إن کنتم تبحثون عن تطویر العلم، فإن جامعات الجمهورية الاسلامية الايرانیة هي الأکثر تطوراً، وهي تتحسن في الوقت الحاضر أکثر من الجامعات الأخری في الخارج، وهي لیست أقل شأنا منها.

اما إذا أردت أن تطیب نفساً ویطلق علیك أنک «طالب جامعي یدرس في الخارج »، فهذا امر آخر.

اما الزواج؛ فإن کان عدم الزواج هو وقوعك في الحرام، فیجب علیك الزواج، لکنه مستحب في غير هذه الحالة، و الأمر والاختيار إذاً بیدکم، وأنتم هم أصاحب القرار.

وإن أردتم منا نصیحة: فأنا أوصیکم: بأن تتزوجوا، وتکملوا دراستکم هنا في إیران أیضاً.



الكلمات الرئيسية :


۲,۳۸۵