من يعتقد انه لا اساس للعزاء فهو موضع عذاب الله

07 محرم 1439

14:05

۲۲۱

خلاصة الخبر :
فلسفة إقامة العزاء وتحليل نهضة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) من منظور فقهي حوار اية الله الحاج الشيخ محمد جواد فاضل اللنكراني (دامت بركاته) مع وكالة انباء شفقنا 96/7/1
آخرین رویداد ها
بسم الله الرحمن الرحيم 

فلسفة إقامة العزاء على أهل البيت (عليهم السلام) 
والدروس الدينية في كلام الامام الحسين (ع)

أ) قتل الانسان الكامل الذي هو الواسطة بين الفيض الإلهي والبشر
أقدم التعازي للشيعة وأتباع أبي عبد الله الحسين (عليهم السلام) في أيام حزن وآلام أهل البيت عليهم السلام.

*واليوم يمكن أن نرى على مواقع الانترنيت أن بعض الناس يثيرون الشبهات حول إقامة العزاء، احدى الشبهات التي كانت منذ فترة طويلة ولا زالت هي أن الناس الذين نالوا درجة الشهادة منذ حوالي 1400 عام، ماهي الضرورة والحاجة لاقامة العزاء عليهم في هذا الزمان!؟ أو من قبيل قول البعض: إذا كان الناس يقيمون العزاء على أمير المؤمنين(ع)، فلماذا لا يحزنون على بعض الخلفاء الآخرين الذين قتلوا، فما معنى إقامة العزاء على الإمام الحسين (ع) ولماذا تستمر إقامة العزاء على مدى السنين.

والجواب إنَّ في كربلاء استشهد إنسان كامل به ينزل الله نعمه وبركاته، واستشهد معه أصحابه، فلسنا نحزن على انسان مجاهد عادي، فقد استشهد في كربلاء شخصية عظيمة بها ينزل الله تعالى نعمه وبركاته والطافه وعناياته وهو الحجية بين الله عز وجل والناس. ولو دققنا في هذه النقطة فقط وقطع النظر عن الروايات التي وردت بشان إقامة العزاء، فنحن وهذه النقطة وهي تصور شهادة إنسان كامل به تنزل نعم الله وبركاته وعناياته على العباد فسيتضح جواب هذا السؤال. 

ب) الوساطة في نزول البركات والنعم لا يختص بزمان حياة الإنسان الكامل 
نحن نؤمن أن البشر المثاليين ليسوا فقط وسطاء في النعم خلال حياتهم، ولكنهم أيضًا وسطاء للنعمة بعد الموت، لأن هذه الوساطة لا تتعلق بأجسادهم. إن الأدلة التي يتم تقديمها في بحث الزيارة تقوم على نفس هذا الأساس، الآن مجموعة من الناس، عصابة من أهل الدنيا، مفتونة بالمنصب والسلطة، جماعة متعلقة بكل زخارف الدنيا، ارتكبت مثل هذه الجريمة الكبرى ، تفعل هذا. ألا تخبر الناس أنها خيانة للبشرية جمعاء عبر التاريخ حتى يوم القيامة؟ ألا يعني هذا أن هذه الجريمة قد ارتكبت بحق الناس في ذلك الوقت والقادمين من جميع أنحاء العالم؟ أي باستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكتف يزيد الظلم بأهل زمانه ، بل استمرت آثار ذلك القهر حتى الآن ، لذا فإن الحداد له نفس المعنى ، فهو لا يعمل.

ب) الوساطة في نزول البركات والنعم لا تختص بزمان حياة الإنسان الكامل 

نحن نعتقد أن الناس الكمل ليسوا فقط وسطاء في نزول النعم في زمن حياتهم، ولكنهم أيضًا وسطاء في نزول النعمة بعد الموت، لأن هذه الوساطة لا تتعلق بأجسادهم. إن الأدلة التي تم تقديمها في بحث الزيارة تقوم على نفس هذا الأساس، الآن مجموعة من الناس، عصابة من أهل الدنيا، مفتونة بالمنصب والسلطة، جماعة متعلقة بكل زخارف الدنيا، ارتكبت مثل هذه الجريمة الكبرى، فهذا الامر الا يخبر الانسان بأن ذلك خيانة للبشرية جمعاء على مدى التاريخ إلى يوم القيامة؟ ألا يعني هذا أن هذه الجريمة قد ارتكبت بحق الناس في ذلك الوقت وبحق الناس في جميع الأزمنة؟ أي ان يزيد بقتله الامام الحسين(ع) لم يظلم الناس في زمنه فحسب، بل استمرت اثار ظلمه وجوره حتى الان. لذا فإن إقامة العزاء بهذا المعنى، وأحيانا يطرحون قضية العرب والعجم وهذا الكلام غير نافع.

الشباب الأعزاء المهتمين بالبحث ينبغي الانتباه إلى هذه النقطة، فهذه هي النقطة الأساسية في إقامة العزاء يأتي شخص يسكن في الخارج ويقول إن علي بن أبي طالب كان خليفة رسول الله ص فإذا أقمنا العزاء على استشهاده فلماذا لا نقيم العزاء على خليفتي رسول الله الآخرين اللذين قتلا؟ الانسان حينما يسمع هذا الكلام يتعجب، فاين أمير المؤمنين وأين سائر الناس؟ امير المؤمنين (ع) حجة الله ووصي رسول الله، وهو الانسان الكامل الواسطة في نعم الله وبركاته.

كيف لم يفكر هذا الرجل وقاس هذا القياس، وقال هذا الشيء الكلام الذي لا صلة له بالموضوع؟ خاصة أنه ادعى ذات مرة شرح نهج البلاغة.

كيف لم يفكر هذا الرجل وقاس هذا القياس، وقال هذا الشيء الكلام الذي لا صلة له بالموضوع؟ خاصة أنه ادعى ذات مرة شرح نهج البلاغة.
شخصية الائمة الاطهار (ع) على مدى التاريخ
وانطلاقاً من إيماننا نقول إن أئمتنا هم وسطاء في نعم الله تبارك وتعالى، فإذا تنزلنا مرتبة واحدة أقل من ذلك، فلا نظير في التاريخ، لا قبلهم ولا بعدهم. وهل تظهر لنا البشرية شخصية مثل رسول الله(ص) وأمير المؤمنين والأئمة الاطهار(ع) ولو أقل منهم بمائة مرتبة؟ وبغض النظر عن موضوع الإمامة، الذي يثار اليوم شخصيتهم الاستثنائية، بحيث يعتبر وجودهم يجسد جميع القيم الإنسانية.

فلو إن البشرية يقيمون العزاء على هؤلاء الأشخاص إلى يوم القيامة فهو قليل. واذا ضممنا الى هذه الشخصية اعتقاداتنا نقول إن هؤلاء المجرمين قتلوا وسائط نعم الله، فقتل الإمام ليس كقتل الإنسان الاعتيادي، ولذا يكون الإمام هو ثار الله والذي ينتقم لدمه هو الله. وهذه هي النقطة المهمة التي لو دقق الانسان فيها يفهم انه يجب ان يزداد العزاء على مصاب هذه الشخصية في كل عام، لأن هذه الحادثة كانت جريمة كبيرة للغاية لا مثيل لها. وقد ورد في الأحاديث والزيارات ان هذه الواقعة لا يضاهيها حادثة، ولم يحدث مصيبة اعظم من هذه المصيبة في السماوات والأرض لن يحدث مثلها ابداًً .
ما هو العزاء؟ يمكن ان نلخص العزاء في هذه الجمل:

1ـ العزاء ليس فقط دموع وبكاء، بل هو أيضًا موجب لتقدم الإنسان وتكامله، وهذه نقطة الكثير من الناس يجلها. الانسان حينما يذهب الى مجلس العزاء تتكامل روحه، اساساً يوجد تكامل قهري في إقامة العزاء على أهل البيت (عليهم السلام)، حتى لو لم ينتبه إليه الإنسان. قال الامام (عليه السلام): «يا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّکَ أَنْ تَکُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَي مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَ افْرَحْ لِفَرَحِنَا» . اذا اردنا ان نكون مع الائمة عليهم السلام وفي درجتهم، يجب ان نحزن لحزنهم ونفرح لفرحهم، وان طريق تكامل الانسان هو هذا. وبطبيعة الحال ان الجنة هي الأثر الظاهري لذلك ولكن طريق التكامل هو هذا. 

2- ان إقامة العزاء هو احياء لامر الائمة (عليهم السلام) وقد ورد هذا الامر في الروايات كثيرا مثل الرواية المروية عن الامام الصادق عليه السلام حث قال لفضيل : «رَحِمَ اللهُ مَن اَحْيا أمْرَنا» .

3ـ إقامة العزاء توجب غفران الذنوب العظام. 

4ـ إقامة العزاء يلهم الانسان السكينة والاطمئان فظاهره الدموع ولكن باطنه هو الاتصال بحقائق في هذا العالم تبعث الاطمئنان للإنسان. 

5ـ إقامة العزاء يوجب عناية والطاف أهل البيت عليهم السلام، لعلنا قليلا ما نسمع، جاء في احدى الروايات ان من يخرج من عينه قطرة دمع في رثاء الحسين عليه السلام فان الامام الحسين عليه السلام ينظر اليه ويطلب من الله ان يغفر له ويسأل اباءه ان يطلبوا من الله تعالى الرحمة والغفران له، حيث جاء: «وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه (عليهم السلام) أن يستغفروا له».

عقوبة مخالفي العزاء والمضعفين له
ويمكن أيضا بيان هذه النقطة. وكل من يعارض هذه المآتم ويسعى إلى الحط منها ويقول إنها تعود إلى العهد القاجارية أو العهد الحجري ويريد من خلال هذه التعابير ان يقلل من قيمة ممارسات العزاء، ووفقا لرواية عن النبي الاكرم (ص) ان أمثال هؤلاء محط غضب الله.

الذي يعيش في الخارج ويتحدث حول إقامة العزاء ويظن انه من خلال كلامه الباطل ستقل محبة الشيعة للامام الحسين(ع) فهو مخطأ. نحن نرى في كل عام ان هذا العزاء يزداد في جميع انحاء العالم، وليعلم اولائك ان كلامهم الباطل يوجب غضب الله وسخطه. ويجب علينا نحن محبي اهل البيت(ع) بكل جدية ان نبذل قصارى جهودنا في هذا الوقت وفي المستقبل الى يوم القيامة لدعوة الناس الى إقامة المزيد من العزاء.

قال الامام الرضا عليه السلام: «إِنَّ يوْمَ الْحُسَينِ(ع) أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ کَرْبٍ وَ بَلَاءٍ وَ أَوْرَثَتْنَا الْکَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يوْمِ الاِنقِضَاءِ» . فالامام الرضا عليه السلام يقول نحن نقيم العزاء الى يوم القيامة ويجب ان نذرف الدموع على مصيبة جدنا، ونفس الامام الرضا عليه السلام انسان كامل، وهو يقول هذا الكلام فكيف بنا نحن. ولذا فيجب ان نضاعف العزاء كل عام، واذا لم نقم العزاء فان السموات والأرض تقيم العزاء على الحسين دائما، وانما المقصود عسى وان نقترب من هذا الانسان الكامل ببركة إقامة هذا العزاء. 

أمر الأئمة بإقامة العزاء

* نسمع في هذه الأيام اعتراضات، فمنهم من يقول: لا داعي الى البكاء على الحسين(ع)، ومن ناحية أخرى يرى البعض أنه لا ينبغي ان يكون البكاء بصوت عال ومن جانب اخر يعتقد البعض ان البكاء على الحسين ينبغي ان يكون عالياً. وذلك لعظم هذه المصيبة. أحيانا يُسأل: ما هذا الصراخ عند إقامة العزاء؟
الجواب: 
اولاً: ان دليل ذلك نفس ما ذكرتموه. فالجريمة التي ارتكبت ليس لها مثيل قبلها أو بعدها. ثانياً: هذا ما أمر به أئمتنا في الروايات. انظروا إلى العناوين الواردة في الروايات: نوحوا على الحسين(ع)  فالعرب يقولون للبكاء الشديد نوح. وفي بعض الروايات ورد مطلوبية «الجزع والصيحة» . والصيحة هو ذلك الصوت العالي، وهذا يعني لا بد من الصيحة بحيث يقول الناس ما الذي حدث؟ الطفل والمرأة وغير المسلم يقول ما الذي حدث وما هي القضية؟ «فليصرخ الصارخون». والصرخة اشد من الصحية.

تقول الرواية حينما تقوم القيامة يعرض على السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) ادخلي الجنة فتقول لا ادخل الجنة حتى يأتي ولدي. وهنا تعابير الروايات مختلفة بعضها يقول فترى ولدها جثة بلا رأس: «فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما وليس عليه رأس فتصرخ صرخة» وهذا يعني ان السيدة تصرخ صرخة عالية وموجعة بحيث يصرخ النبي الأكرم (ص) لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها وعند يحل غضب الله وانتقامه على قتلة الحسين (عليه السلام)«فيغضب الله عز وجل عند ذلك».

والتعبير الاخر الوارد في الروايات «العويل» والعويل هو البكاء بصوت مرتفع، فلا ينبغي ان يقال لماذا المواكب والهيئات يبكون ويعولون بصوت مرتفع جاء في زيارة الناحية المقدسة: لما رأى اهل بيت الامام الحسين عليه السلام جواده: «فلما رأين النساء جوادك مخزيا وأبصرن سرجك ملويا ، برزن من الخدور للشعور ناشرات ، وللخدود لاطمات، وللوجوه سافرات» ثم يقول في الفقرة الأخيرة « وبالعويل داعيات» وتوجد تعبيرات أخرى من قبيل عجة وضجة وزفرة وشهقة ولطمة وغيرها. 

فهذه التعبيرات في كيفية إقامة العزاء، بالطبع لا ينبغي ان تفهموا اننا نختزل العزاء في هذه الأمور! كلا، ولكن ينبغي ان يضم الى ذلك ابيات شعرية غزيرة المعاني وتحمل الرسائل الأساسية للامام الحسين عليه السلام، فلا نقول لا حاجة الى البكاء والجميع يلقي محاضرات عن واقعة عاشوراء فان هذا العمل غير صحيح. 

* قال الامام الحسين عليه السلام: «النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون» ما معنى ومفهوم كلام الامام عليه السلام وكيف يمكن ان نفسره في واقع اليوم؟

من الامر الضرورية التي يجب ان يتم الايتان به بالنسبة الى قضية كربلاء وعاشوراء هو ان ينظر اليها بنظرة اجتهادية هي عبارة عن هذه القضية والعمل الذي لم يتم حتى الان وللاسف.

*ما هو مقصودكم من النظرة الاجتهادية فاي نظرة واي نظر؟

المقصود من النظرة الاجتهادية هي ان نرى اين قال الامام عليه السلام وفي أي فترة؟ ومع من قال هذا الكلام؟ وبهذه النظرة سيكون لتحليل كلمات الامام الحسين عليه السلام مظهر اخر.
مثلا هذا الكلام الذي قاله الامام عليه السلام: «إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَ الدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون‏»، في اي فترة زمنية قاله؟

قد وصل الإمام عليه السلام في يوم الخميس الثاني من شهر محرم لسنة 61 الى ارض كربلاء، وبعد ان وصل الى الحر كتاب من عبيد الله بن زياد ورد فيه: «فَجَعجِع بِالحُسَینِ»، اي حاصر الحسين عليه السلام وضيق عليه الطريق، وقد امتثل الحر هذا الامر كاملا، فالحر في اليوم الماضي صلى هو وجيشه خلف الامام(ع)، فالحر الذي كان يعلم من هو الامام الحسين عليه السلام ولكنه في نفس الوقت كان تابعا لاميره وحاكمه، قال له الامام عليه السلام «دَعنَا»، اي اتركنا نذهب الى مكان اخر، فقال لا ادعكم فاني مأمور بان اوقفكم ولا اسمح لكم بالذهاب الى مكان اخر، فهنا قال الامام عليه السلام قولته: «الناس عبید الدنیا»، فما ذكرته لكم من النظرة الاجتهادية بمعنى اننا نرى ان هذا الكلام متى قاله الامام الحسين عليه السلام ولمن قال ذلك؟ فاذا لم ننظر بهذه النظرة الاجتهادية لا نستطيع ان نحللها بصورة صحيحة. 

كيف يكون الدين لقلقة على لسان الانسان؟ 
* قال الامام الحسين(ع): «إنَّ النَّاس عبيدُ الدُّنيا والدّينُ لَعْقٌ عَلي اَلْسِنَتِهِمْ يَحوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَائِشُهُمْ فَاِذا مُحِّصوا بِالْبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانونَ»
كيف يكون الدين لقلقة على لسان الانسان؟
* قال الامام الحسين(ع): «إنَّ النَّاس عبيدُ الدُّنيا والدّينُ لَعْقٌ عَلي اَلْسِنَتِهِمْ يَحوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَائِشُهُمْ فَاِذا مُحِّصوا بِالْبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانونَ»  بين الامام عليه السلام في هذا الكلام عدة أمور أساسية منها ان الدين لعق على عدة من المتدينين، فمن هم الذين يجعلون الدين لقلقة على اللسان؟ فهل ان هذا الامر بختلف بحسب الأديان والقوميات المختلفة او يشمل الجميع؟
سؤال جيد جداً هذه الجملة هي خطاب للمسلمين، الذين يدعون الإسلام ويقيمون الصلاة بحسب الظاهر ويصومون ويحجون ويلتزمون بالظواهر الدينية، غاية الامر قال الامام (ع) اذا التزم الانسان بالظواهر الدينية وترك باطن الدين الذي هو الولاية واتباع حجة الله فسيكون دينه دينا صوريا وليس الا لقلقة لسان.
عندما يكون الدين في خطر، حتى لو لم يكن حجة الله حاضراً، فعلى المسلم ان يبدي دوره، فاذا رأى الإنسان إن الدين في خطر، فلا يحدث في نفسه أي تغيير، فإذا رأى أن إسرائيل اليوم قد خلقت جماعة إجرامية تسمى داعش و يبحثون عن تخويف وإرعاب الإسلام في العالم ليتم القضاء على الدين، جاؤوا وأخذوا سوريا لكي يهدموا بزعمهم الباطل مرقد السيدة زينب (عليها السلام) ثم كربلاء ثم العتبات، ثم يقول المسلم ما علاقة ذلك بي، لم تتعرض إيران للهجوم بعد؟! هذا كلام من التزم بظاهر الدين وترك باطن الدين.
وأما وجهة نظر الاجتهاد في قضية كربلاء، فأحد خصائص الاجتهاد أن ينظر المجتهد أولاً: أين صدر هذا الكلام؟ وما علاقته ببقية كلمات الإمام الحسين(ع). هذه الجملة قالها الإمام الحسين (عليه السلام) عندما خرج من المدينة أو عندما كان في مكة، وكتب رسالة إلى زعماء الشيعة مثل سليمان بن صرد الخزاعي وغيره، وهذه الجملة التي نقلها عن النبي (ص) غريبة جداً: قال الإمام (عليه السلام) في الكتاب الذي أخذه قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة:
«مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَ لَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَه‏» .

علامات التدين الحقيقي
الف) الاهتمام بحفظ الدين
هذه الكلام هو قانون وامر وهو أمر أساسي جدًا قاله النبي(ص) والإمام الحسين(ع) بينه أيضًا. ونتيجة كلامه أنه حتى لو لم تكن هناك مسألة ولاية، فإن أول مؤشر على التدين في الفرد المتدين هو الحفاظ على الدين. فالذي لديه علاقة بأمواله وأولاده وحياته الا يحافظ عليهم بكل كيانه؟!
الإنسان الذي لديه علاقة بدينه، إذا كان يعلم أن هذا الدين سيغير مصيره في الدنيا والآخرة، إذا علم أن هذا الدين سيحدث تحولاً في نسله، فهل يستطيع أن يجلس مطمئناً؟ فإذا رأى مسلمين ميانمار يقتلون بهذه الوحشية ويجلس غير مكترث، على الأقل يجب ان يحزن في داخله ويقول: يا إلهي، ماذا أستطيع أن أفعل؟! الهمني وافهمني.
و لذلك فإن علامة لقلة اللسان هي أن الإنسان جعل الدين غطاءً ومظهراً لعمله ولم يتغلغل في أعماق نفسه.
 انظروا إلى قضية الشهيد حججي إنها حقا غريبة جدا، شخص يأخذ والديه إلى مدينة (مشهد) ويناشد الإمام الرضا(ع)، ويتجاوز كل تلك المراحل لينال هذه المرتبة العالية ألا وهي الشهادة، ليس هذا إلا لان الأصل الأولي عنده هو دينه لا حياته؟ طلاب الدنيا، وإن كانوا في الظاهر يصلون ويصومون، لكن مبدأهم الأول ليس هو الدين. يجب ان يكون المبدأ الأول بالنسبة لنا هو الدين، الإمام الحسين (عليه السلام) قال في هذه العبارة، >يحوطونه ما درت معايشهم<، ولكن عندما يأتي الامتحان والاختبار والتمحيص يصبح المتدينون قليلين بل يعدون بالاصابع «فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون‏» .
ب) التعبد بجميع الاحكام الالهية
* في عالمنا اليوم، ما هي التغييرات التي تحدث في طبيعة الناس الذين يرون انفسهم متدينين، عندما يصبح الدين لعق على السنتهم ومجرد لقلقة لسان؟
العلامة الاخرى في التدين الحقيقي هي التعبد بالاحكام الدينية. فاذا سمع الانسان ان الله يامر بالحجاب وقال ان اقبل كل شيء من الدين الا الحجاب فهذا يكون مصداق قوله تعالى: { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} ، كما انه أحد علامات لقلقة اللسان ما كان من الدين يعجبني أقبله فالدين قال الكذب حرام فهو جيد والدين قال لا تسرق فهو حسن، لكن فيما اذا لم ينسجم الدين مع ذوقي فلا أقبله. فالمتدين الواقعي هو ذلك الشخص الذي يقول ان أؤمن بكل ما جاء به القرآن والسنة النبوية دون استثناء.
نحن المسلمون لم نولي هذه النقطة اهتماما كثيراً. وبحسب معتقداتنا فإن المؤمن هو من يؤمن ليس فقط بكل ما جاء به النبي(ص)، بل بكل ما جاء به الأنبياء السابقون ايضاً، أي أن الإنسان يكون مؤمناً حقيقياً إذا آمن بكل ما جاء به موسى في التوراة غير المحرفة. وبكل ما جاء به عيسى في الإنجيل غير المحرف. وقد جاء ذلك في عدة آيات من القرآن الكريم . وكلامنا لليهود والمسيحيين هو أننا نقبل كل ما قاله أنباؤكم، ولكن ليس ما حرفتموه، بل ما جاء به أنبياؤكم. وهذه علامة جيدة، ومعيار جيد.
وعلى من أراد أن يعرف هل ان دينه لعق على لسانه أن ينظر الى نفسه هل انه يقبل كل شيء في الإسلام، ولكنه لا يقبل خمسه، أو لا يقبل جهاده، أو لا يقبل حجابه، أو لا ذلك الحكم الذي ورد في باب الأرث؟ فاذا كان كذلك فهذا الانسان يدخل ضمن > الدين لعق على ألسنتهم<.
اثار وتبعات التدين الظاهري
1ـ الرياء
ومن آثار التدين الظاهري، وكون الدين لقلقة لسان أن هؤلاء الناس يصبحون من المرائين في المجتمع. أي إذا أراد الإنسان أن يعرف المرائين عليه أن ينظر إلى هؤلاء، الناس الذين ليس لديهم دين يقولون أننا لا دين لنا وحياتنا كلها باطنها وظاهرها كما ترون لا دين فيها، ولكن الشخص الذي اصبح الدين لعق على لسانه فله شكل أمام الناس، و يعمل في الخفاء بشكل آخر، يصلي أمام الناس، وبالخفاء يختلس آلاف المليارات، أمام الناس يقول: > اللهم عجل لوليك الفرج< ولكن في باطنه لا يقبل ما يأمر به الامام صاحب الزمان (عليه السلام). فالامام صاحب الزمان يقول يجب الرجوع في عصر الغيبة الى الفقهاء والمراجع فهم نوابني لكن هؤلاء في باطنهم لا يقبلون ذلك.
هذا هو الرياء! وينبغي للمرء في عصر الغيبة أن يرجع إلى ولي الفقيه العالم ونحن اليوم بحمد الله وبفضل الثورة نتمتع بهذه النعمة في نظامنا، ولكن نشعر بمقدار عظمة هذه النعمة؟
إنها حقا نعمة عظيمة ولا نعرف قيمة هذه النعمة، وإذا قال الإمام صاحب الزمان يجب في عصر الغيبة الرجوع إلى الفقهاء وولاية الفقيه، وقلنا سمعا وطاعة فهذا هو الدين الحق. كان هناك بعض الفئات في بداية الثورة وبعدها ولازال اليوم بعض من لهم عداوة مع المرجعية حينما يجلسون معك قد يقرأون الكثير من الآيات والأحاديث ويتحدثون عن الإمام صاحب الزمان(عليه السلام) كلام حسن جداً يعجبك لكن ما الفائدة؟ عندما يقولون أننا نقبل الدين كله الا هذا الامر فهذا يعني ان الرياء يظهر بأبعاد مختلفة. لماذا يوجد الكذب في مجتمعنا؟، لأن الدين لعق على الستنا، لماذا يسمح المسؤول لنفسه أن يهدر حقوق الناس، لأن الدين لعق على لسانه.
2- التقليل من القيم الدينية وضربها
ومن آثار كون الدين لقلقة اللسان ضرب القيم الإنسانية والدينية. أنا الطالب إذا كان الدين لعق على لساني فإن كلامي وسلوكي سيصبح بشكل تلقائي وبالتدريج مهدماً للقيم الدينية والإنسانية.
وعندما يصبح الدين لقلقة لسان فانه ستنمحق جميع القيم الدينية ولا يفرق سواء كان هذا الفرد ذا منصب او لا وسواء كان رجل دين او لا، فالأمر لا يقتصر على فئة معينة.
3ـ إيجاد البدع
من آثار كون الدين مجرد لقلقة لسان، هو ايجاد البدع، وهذا يعني اذا لم يتم ترسيخ الدين في أعماق وجود الانسان يمكن أن يصبح مبتدعاً في الدين، فلو قلنا إنَّ الإسلام هو دين رحمة لا غير وتحدثنا مع الشباب بطريقة فيها تساهل وكأن الله لا يوجد في قاموسه جهنم وعذاب فهذا نحو من انحاء البدعة في الدين، ومنشأ ذلك يعود الى كون الدين مجرد لقلقة لسان.

يجب أن نرى ماذا قال القرآن الكريم قال الله تعالى:{ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} . فكما أنَّ رحمتي واسعة ففي نفس الوقت عذابي شديد فالقرآن يضع كلا الأمرين أحدهما الى جانب الآخر.
ويتساءلون لماذا يكثر الفساد في مجتمعنا المسلم اليوم؟ أحد الأسباب هو أن الدين أصبح لقلقة لسان، والسبب هو أن وسائل الإعلام لدينا لا تنشر الدين بكل أبعاده. أحد الأسباب هو أنه لا يتم الوقوف ضد البدع ومنعها. إن مسؤولي الإعلام الوطني وأصحاب النفوذ في الانترنيت على عاتقهم مسؤولية كبيرة.

عندما ترى البدع تثار في المجتمع فامنعوا عنها وقفوا ضدها واطرحوها على الناس وردوها. ما أكثر المدعين في بلادنا للإمام صاحب الزمان(ع) والمهدوية في هذين العقدين الأخيرين! وما اكثر الأديان المزيفة والمعارف المختلقة والمعنويات الكاذبة التي تم الترويج لها، نعم الانصاف أن بعض وسائل الاعلام الوطنية قد طرحت تلك البدع وبينتها، ولكننا نرى مرة أخرى أن هناك فجوة كبيرة وينبغي ملأ هذه الفجوة.
وفي رأيي أن عبارة للإمام الحسين (عليه السلام) الآنفة الذكر يجب على كل متدين ان يضعها على منضدة عمله وفي غرفته، وعلى خطبائنا ان يبلغوها الى الناس في شهر محرم. وان نضع هذه العبارة نصب أعيننا في حياتنا وهي > الناس عبيد الدنيا<، فالحر الرياحي في اليوم الماضي كان قد صلى وراء الإمام (ع)، لكن ذلك اليوم لأن أميره أمره بذلك >جعجع بالحسين< واغلق عليه الطريق، لكنه لم يقل هل الله راض بهذا العمل أم لا؟ ولذلك أصبح عبدا للدنيا والدين لقلقة على لسانه. الدين الحقيقي يحرر الإنسان من العبودية لغير الله. فالدين الحقيقي، يجعل الإنسان عبداً لله فقط، ولكن إذا أصبح الدين ظاهرياً وشكلياً فإنه ينزع تلك الهوية الدينية والباطن الديني وحينئذ يقل الديانون في الامتحان والاختبار وحين الدفاع عن الدين.

الكثير من أبناء شعبنا الثوار والورعين بحمد الله قدموا امتحاناً جيداً جداً خلال حرب الدفاع المقدس، في رأيي شهداء الدفاع عن المقدسات أكثر نجاحا في الابتلاء و الامتحان والجهاد من شهداء الدفاع المقدس. علينا أن نرى كيف سندخل الميدان عندما يأتي الامتحان.
*بعد أن أصبح الدين لقلقة لسان، فما آثار ذلك على المجتمع وما هو طريق الخلاص منه؟
الرياء يجلب الى المجتمع الفساد والبدع، ويدمر كل القيم والمبادئ، فاذا اصبح الدين لقلقة لسان، سيجلس الشيطان خلف هذا الدين الظاهري ويصنع كل ما يريده، فالكافر بفكر الباطل يتقدم خطوات قليلة، ولكن من يأتي بستار الدين سيضر اكثر في الإنسانية والمجتمع. لذا جاء في الروايات، إذا فسد العالم، فإنه يمكن أن يفسد عالماً باسره، وستأتي البدع، وتستبدل القيم والمبادئ الحسنة بالقيم السيئة. هذه هي آثار وعواقب التظاهر بالتدين.
4- استخدام الدين كوسيلة
ما دور العلماء في حل مشكلة بحيث يصبح الدين ليس مجرد لقلقة لسان وعدم اتخاذ واستخدام الدين وسيلة واداة ؟
هل تعتقد أن هناک مؤسسة ومدرسة معينة تسعى لجعل الدين مجرد لقلقة لسان او تحاول ان تستخدم الدين كوسيلة فتجعله لعق على السنتهم؟
والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أنه لا ينبغي لنا أن نستخدم الدين كوسيلة. وفي عصرنا هذا، للأسف، وفي مناسبات مختلفة، يُستخدم الدين أحيانًا كأداة، في حين أن السيد الإمام الخميني (ره) جعل الشعب الايراني مسؤولاً عن الدين وأشعرهم بالمسؤولية. أي لو سألنا الناس الذين وقفوا ضد الحكومة الظالمة، لماذا؟ لقالوا أن ديننا يأمرنا بذلك.

اليوم إذا أراد مسؤول أن يستخدم الدين كوسيلة للحفاظ على نفسه، فإن الشخص الذي يريد أن يصبح رئيساً للجمهورية يستخدم الدين والمظاهر الدينية للوصول إلى المنصب والرئاسة، وليس لإجل ايفاء الحق وتحقيق العدالة، فهذا يكون نتيجة جعل الدين مجرد لقلقة لسان. عندما يصبح الدين لعقاً على الالسن، سيتحول الى وسيلة واداة لا يخلق مسؤولية ولن يقدم الإنسان. وحينئذ يصبح الدين كسائر عوامل ووسائل الحصول على القوة والسلطة فيستخدم للحفاظ على السلطة وتعزيزها.
ينبغي لمسؤولينا، وعلمائنا، وحوزاتنا الدينية، وجامعاتنا، ونخبنا، أن يلاحظوا أنه يجب علينا دائمًا  زرق حقيقة الدين في المجتمع، فإذا تمکنا من زرق حقيقة الدين في المجتمع، فلن نجد مشاكل في السياسة، ولن نجد مشاكل في الاقتصاد، المسؤول الذي يختلس آلاف المليارات ويخرجها خارج البلاد لا يمتلک فی نفسه حقيقة الدين، بينما حافظ على ظاهر الدين أفضل من كثيرين.

يجب علينا ان نجد الطريق وعلى ان الناس ان يعلموا ان كلمة رجال الدين هي كلمة الدين، فلو شعر الناس ان كلامهم يطلقونه من اجل تقوية فرقة معينة أو تضعيف فرقة أخرى فحينئذ لا تكون كلمتهم كلمة الدين. وحتى لو قلنا إن للدين سياسة فلا بد ان نرى ان الدين كيف بين هذه القضية؟ فهل ان الدين قال اذا لم يكن للمرء سياسة فلا دين له؟ لا يوجد هكذا امر في ديننا، انا لا استطيع ان أقول ان من لا يتدخل في السياسة فلا دين له، بل نقول انه لم يدرك الدين بشكل كامل، فلم يدرك ذلك الدين الجامع الذي قتل من أجله الامام الحسين(ع).

اذا كان الشخص لا يستوعب فكره ونمط تفكيره المسائل السياسية، ويؤدي صلاته وصيامه وعباداته ويؤمن بالولاية بالمقدار الذي يستوعبه عقله ولكنه لا يفهم المسائل السياسية فلا يحق لاحد ان يقول ان هذا الرجل لا دين له هذا التعبير خاطئ، نعم يمكن ان يقال ان دينه غير كامل، لان الدين الكامل مقرون وممزوج بالسياسة، والعجب من الذين يقولون هذا الكلام> انه لا دين له< ويدعون انهم خبراء بمعرفة المخاطب.

يجب ان نقول للناس ان تلك السياسة التي عجنت مع الدين سياسة مبتنية على أساس المباني الدينية لا السياسية التي نفهمها اليوم بمقتضى الزمان ونقول لا بد ان نفعل كذا وما اکثر الناس الذين يفهمون من السياسية طلب السلطة، وما اكثر الناس الذين يفهمون من السياسية النزاع والحرب، ويجب علينا ان نعرف الناس ونبين لهم ما يتعلق بهذه الكلمة.

اليوم على عاتق رجال الدين مسؤولية تبيين الدين كما هو بدون ان يضيف عليه او ينقص منه، ان الله يقول للنبي (ص) لو انقصت من الدين كلمة واحدة او اضفت  عليه لقطعت وتينك{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} . فلا يحق لنا ان نضيف او ننقص من الدين ويجب ان ندعم ما في الدين بالدليل.

واليوم نحن على أعتاب زيارة الأربعين وتلك الحركة العظيمة والفريدة من نوعها التي تتكرر منذ سنين ويتم الاتيان بها من النجف وسائر مدن العراق حتى الوصول الى كربلاء قد اوجبت للشيعة عزة وقدرة امام العالم. فاين يوجد تجمع يضم 20 مليونا وكلهم يتوجهون نحو هدف واحد بكل اخلاص واندفاع وحب.
أعتقد حسب روايات أهل البيت (عليهم السلام) أن من ذهب إلى كربلاء مشياً على الأقدام سيرى الحسين (ع) كما نعتقد أن الإمام الحسين (ع) سيراه. فهذه المسيرة العظيمة كم اجرها وثوابها وما هي اثارها في العالم؟ والآن إذا وصفت هذا التجمع الفريد وقلت إن هذا من علامات الظهور، فسؤالي هو ما هو مصدر هذا الكلام؟ ولماذا أأتي لأضيف على علامات الظهور وأقول أن واحدة من علامات الظهور هذه المسيرة.

ماذا نعرف عن زمن الظهور؟ موضوع زمن الظهور لا يعلمه إلا الله، وغير الله حتى الامام صاحب الزمان (عج) لا يعلم بذلك، وقد تم تشبيهه في الروايات بيوم القيامة، وهو من بين العلوم التي لا يعلمها أحد إلا الله، ولا يعرفها حتى النبي وأهل بيته.

وللأسف في عصرنا هذا، وخاصة في هذين العقدين، أصبح موضوع زمن الظهور جارياً على الألسن، مثل الذين يروجون ان ظهور الامام يكون في سنة 1414، لأنها هذا التاريخ يشتمل على 14 مرتين، ينتشرون في المجتمع كلاماً استحسانياً ذوقياً غير قائم على الأسس الدينية.

العلماء والنخب والأساتذة ملزمون بشرح وبيان ما هو مبتني على النصوص الدينية، والامور الموثقة في الدين، ولا يحق لأحد أن يزيد أو ينقص في الدين، فاني لو زدت او نقصت في بيان الدين سيصبح الدين مجرد لقلقة لسان عند الناس، وسيقفون امامنا يوم القيامة قائلين انتم هكذا افهمتمونا وعلمتمونا الدين بهذه الطريقة قلتم ان الظهور بعد يومين او بعد عام فرأينا ان ذلك لم يحدث وتركنا كل شيء، فيجب علينا الحذر الشديد، فهذه هي مسؤولية العلماء والنخب.
التحليل الصحيح لكلمات الامام الحسين عليه السلام بحاجة الى التفقه

* يلوح في قضية كربلاء وفي عدة مشاهد منها الحديث عن الحرية حيث قال الامام الحسين (ع): «ألا و انّى قد اذنت لكم فانطلقوا انتم في حلّ‌ من بيعتى، ليس عليكم منّى ذمام» فباي نظرة كان الامام عليه السلام ينظر الى حرية الانسان واختياره ، فلماذا اولى الامام عليه السلام بعد الدين أهمية كبيرة لإنسانية الإنسان وحقه في الاختيار؟

ومن المعارف اللطيفة جدا في حادثة عاشوراء الامور التي قالها الامام (عليه السلام)؛ والتي ينبغي نرى من الناحية الاجتهادية متى قال تلك الجملة؟ في المدينة أو مكة، أو في الرسائل التي كتبها إلى أهل الكوفة.

فحينما روى الامام عليه السلام عن النبي قائلا: «مَنْ رَأی سُلْطاناً جايراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرُمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً علي الله أن يدخله مدخله.» وحينما دعى بعض الناس لمؤازرته واعتذروا وتذرعوا ولم يلتحقوا به قال الامام عليه السلام: « ولكن فرَّ، فلا لنا ولا علينا، فإنَّه من سمِع واعيتنا أهلَ البيت ثم لم يُجبنا، كبَّه اللهُ على وجهه في نار جهنَّم.» وفي نفس الوقت يقول في ليلة عاشوراء لاصحابه : ان القوم يطلبوني فان قتلوني ذهلوا عنكم وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي واستغلوا هذا  الليل وتفرقوا؟

ووفقا للنظرة الاجتهادية يجب اولا ان نرى اين قال الامام الحسين عليه السلام هذا الكلام؟ فان الامام عليه السلام قال هذا العبارات حيث قال قبل ذلك الكلام: «إني لَا أَعْلَمُ أَصْحَابًا أَوْفَي وَلَا خَيرًا مِنْ أَصْحَابِي، وَلَاأَهْلَ بَيتٍ أَبَرَّ وَلَا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيتِي» فيقول لهم انكم نجحتم في الامتحان ثم يدعو لهم ويقول: «أَلَا وَإنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَکمْ، فَانْطَلِقُوا جَمِيعًا فِي حِلٍّ؛ لَيسَ عَلَيکمْ مِنِّي ذِمَامٌ. هَذَا اللَيلُ قَدْ غَشِيکمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا»، على اختلاف في التعبيرات.


* كما اشرتم ان الامام الحسين(ع) قال: «مَنْ َراي سُلْطاناً جايِراً مُسْتَحِلاً لِحُرُمِ الله، ناکِثاً لِعَهْد الله»، وفي موضع آخر قال « ولكن فرَّ، فلا لنا ولا علينا، فإنَّه من سمِع واعيتنا أهلَ البيت ثم لم يُجبنا، كبَّه اللهُ على وجهه في نار جهنَّم.» او ما كتبه الى الكوفة او جوابا على محمد بن الحنفية حيث قال: و مَن تَخلَّف لم یَبْلُغ الفتحَ. فلماذا قال الامام عليه السلام للاصحاب هذا العبارات ؟

ولهذا أقول إنه ينبغي النظر إلى حادثة عاشوراء من منظور اجتهادي. وفي هذه الحالة تثار الأبحاث الفقهية. بعض الناس بايع الامام (ع) لكن الامام يقول لهم انتم في حل من بيعتي ليس عليكم مني ذمام. وهل من صلاحيات الإمام أنه إذا بايعه الناس فإنه يستطيع أن يسحب بيعته منهم أثناء الحرب؟ في تلك الليلة رفع الإمام الحسين (عليه السلام) البيعة عنهم، فهذا من صلاحيات الامام(ع) واراد الامام ان يستخدم صلاحيته لصالح اصحابه، أو كانت الظروف بحيث لا مجال للنصر الظاهري مطلقاً، وقد ورد في روايات الجهاد انه اذا لم يكن مجال للنصر الظاهري فيتوقف الجهاد لفترة ما.

ولكن من وجهة نظري انه الى جانب هذه الاحتمالات يمكن ان يقال ان الامام عليه السلام اراد ان يخلق ملحمة اخرى ويسجل اصحابه ويخلدهم في التاريخ وهذا مرتبة اعلى من حياتهم الظاهرية. لذا اخبرهم بانكم جئتم واثبتم وفاءكم حتى ليلة عاشوراء والان امامنا عدو عدتهم ثلاثون الف ولا شك في انكم لا تستطيعون ان تنتصروا من الناحية الظاهرية فانتم نجحتم في الامتحان على احسن وجه وانا اكتفي بهذا المقدار وحاليا ارفع بيعتي عنكم فانتم في حل من بيعتي ليس عليكم ذمام وهذا الليل فاغتنموا ظلمته.

وعليكم التدقيق في كلمات الاصحاب حينما اجابوا الامام عليه السلام جواباً لا نظير لها في التأريخ، فقال عد ة منهم: >لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا< ، وقال بعضهم: >والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة< من وجهة نظري ان الامام عليه السلام كان يطلب هذه الملحمة، وهذا يعني ان للامام الحسين عليه السلام اصحابا لا نظير لهم في التاريخ لا سابقا ولا لاحقا، واراد الامام ان يسجلهم التاريخ ويخلدهم. 
ومن هذا المنطلق فلا يطرح هنا البحث الفقهي للبيعة ولا بحث رفع البيعة، فصحيحان الامام عليه السلامبحسب الظاهر قال انتم في حل واختيار، وليس عليكم مني ذمام،  ولكن الامام كان يعلم انه لا يتركه احد منهم ولذا لم يترك الامام (ع) واحد منهم بعد حديثه ليلة عاشوراء.
ثم انظروا الى الملاحم التي خقلها الامام الحسين عليه السلام، حيث قال فاذا احببتم البقاء معي  فتعالوا لأريكم درجاتكم في الجنة. وهذا العمل قد رفع من معنواياتهم ودوافعهم مئة ضعف. وهذه الأمور من وجهة نظري ينبغي ان تدرس بهذا الشكل، لا ان نطرح بحث الحرية السياسية والحرية الفقهية كان نقول ان الامام أراد ان يقول اني رفعت عنكم عبء مسؤولية البيعة، ففي هذه الحالة تطرح الأبحاث الفقهية بان قول الامام هذا يتنافى مع كلماته الأخرى مثل قوله : > من رأى سلطانا جائرا<  فكيف يمكن الجمع بينهما، وحينئذ فللاجابة على هذا السؤال يجب ان نتعرض الى الأبحاث الفقهية، ولكني اعتقد ان فوق هذه المباحث الفقهية وفوق بحث الحرية والاختيار السياسي ووراء ان يتطلف عليهم ويتودد اليهم، أراد الامام ان يرفع مراتبهم الافا الدرجات، فاختبرهم مرة أخرى واعطاهم فرصة أخرى وقد اختاروا مرة ثانية افضل الطرق وهو ان يبقوا مع الامام الحسين عليه السلام  وبهذه الطريقة يخلدهم التاريخ جميعا.
*نظرا الى ما ذكرتموه أخيرا كان الامام ع يعلم انه سينال الشهادة ولكن من جانب اخر كان يعلم ان أصحابه لا يتركونه وسيدافعون عنه في ميدان قتال الأعداء فنظرا الى ما قلتموه انه لا بد من النظر الى حادثة عاشوراء من منظار اجتهادي فما هو تصوركم وفهمكم لهذه القضية؟

أراد الامام عليه السلام ان يرفع درجات أصحابه. 
*الامام حينما يطرح الامام الحسين(ع) الحرية والاختيار على أصحابه ما هي رسالته من ذلك؟ 
الرسالة التي يعطيها لنا هذه الموقف الجميل هي ألا نترك أبدًا ميدان الحفاظ على الدين وحجة الله خالياً ولو كانت المعركة بحسب الظاهر خاسرة. إذا كان دافعنا دينياً وإلهياً، فلا ينبغي أبداً ترك الميدان فارغاً. ويجب أن نكون حاضرين في الميدان ونرضى بأي نتيجة، ويجب ان نعلم انه مادام الدافع الهي فان الله تعالى سيرتب اثاره عليها.

*يرى مجموعة من المحققين أنَّ كلامات الامام(ع) الانفة الذكر تدل على أنه أعطى أهمية كبيرة للانسانية وحرية الانسان وحق اختياره بقطع النظر عن الدين، ولم يحكم عليهم ولم يأمرهم، فهل يمكن أن نتصور أن الإنسانية عند الإمام(ع) هي أساس التدين؟
لو أن الصحابة تركوا الإمام تلك الليلة فلا يرد عليهم اشكالا ابدا؛ لانهم تركوه باذنه(ع)، لكن الإمام علم أنهم لن يذهبوا، وبهذا الكلام سيخلق لهم اختباراً جديداً وسيكتب لهم مجداً وفخراً جديداً. وهذا في حد ذاته امر يفوق كل هذه الكلمات.
* قالوا إن هذا الكلام وهذا الموقف خاص بالإمام الحسين (ع)، فهل أن غيره من الأئمة (ع) له مثل هذا الكلام والموقف ايضاً؟
بداية، إن هذه القضايا والظروف التي حدثت للإمام الحسين (عليه السلام) لم تحدث لأي واحد من المعصومين(ع)، مثل قضية يزيد وشربه العلني للخمر. فبقية الحكام كانوا بحسب الظاهر يحافظون على المظاهر، لكن الظروف التي كانت في زمن الإمام الحسين (ع) لم تكن في زمن أحد من الأئمة (ع).
فهل نستطيع أن نستفيد من هذا الموضوع فائدة فقهية ؟
نعم! جانب بيعة الإمام والجانب الآخر بيعة الناس، فمتى رفع الإمام(ع) البيعة، فالظاهر أن الناس ليس عليهم أي تكليف، ولو أن شخصاً واحداً ذهب في تلك الليلة، لكان لديه حجة أمام الله ويقول إن الإمام نفسه أذن لي فذهبت، والظاهر أنَّ بعض المقاتلين أستأذن وأخذ الرخصة قبل تلك الليلة، وهذا أولا هو اختيار إمام المسلمين نفسه، بالدرجة الاولى، بعد كل تلك المراحل لقد رفع امام المسلمين حقا البيعة عنهم وثانيا: لو انهم قد تركوه لكانوا معذورين.
لكن كما ترون، ان الاصحاب كانوا مع الإمام(ع) من المدينة إلى مكة، وفي مكة لم يذهبوا إلى أداء مناسك الحج، لقد أتوا إلى العراق مع الإمام، كانوا مع الإمام في كل هذه الأماكن والمنازل، ثم سمعوا بقتل مسلم ومقتل قيس بن مسهر الصيداوي سمعوا بجميع ذلك، ورأوا ممانعة الحر من مواصلتهم الطريق، وعلموا انهم سيقتلون بتلك الارض بعد عدة أيام، وقد نحجوا في الامتحان، غالية الامر اني قلت كما ان الامام كان لديه هذه الصلاحية كذلك الاصحاب لن تكون هناك مشكلة إذا تركوه، ولكن في رأيي أن الإمام أراد أن يخلق لهم مجداً وفخراً روحياً جديداً، ويرفعهم مرة أخرى منزلتهم عند الله.  
والسلام علیکم و رحمة الله و برکاته



الملصقات :