فهم حقيقة زيارة الامام الحسين (ع) واقامة العزاء عليه

16 صفر 1441

19:10

۷۲۷

خلاصة الخبر :
تصریحات آية ا لله الشيخ فاضل اللنكراني دامت بركاته حول حقيقة زيارة الامام الحسين (ع) واقامة العزاء عليه.
آخرین رویداد ها

شهر المحرم يوافق بداية السنة القمرية ووقع في هذا الشهر أهم حادثة في تاريخ البشرية و أعظم مصيبة في عالم البشرية، ويبدو بحلول كل شهر محرم يستطيع الانسان بسبب العلاقة بحقيقة هذه الحادثة والتفاته الى عمقها وابعادها واثارها ودروسها يكون قد فتح صفحة جديدة في حياته، كما ان شهر رمضان يعد اهم شهر يمكن ان يوجد تغيير لدى الانسان نتيجة العبادات والتقرب الى الله، ففي شهر محرم كذلك فانه بسبب الارتباط بهذه الحادثة فينبغي ان يحصل لدى الانسان تغيير عميقا. وتجدر الاشارة الى ان جميع حقائق واقعة  عاشوراء لم تتضح لحد الان حقا ولا يمكن ان ندعي ان لدينا ادراك جامع وعميق لحادثة عاشوراء. 
لعله يمكن ان يقال ان حادثة عاشوراء كبقية عباداتنا تشتمل على ظاهر وباطن كما ان الصلاة والصيام والحج له ظاهر وهو عبارة عن هذه الحركات الظاهرية مثل الطهارة والافعال التي نقوم بها والالفاظ التي نقرأها في الصلاة ولكن هذه الصلاة والصيام والحج لها باطن وأسرار يجب علينا الاهتمام بباطن وحقيقة العبادة.

حادثة عاشوراء لها ظاهر وهي حصولها في وقت معين وأما باطن واسرار هذه الحادثة فتتضح بمرور الزمن وعليه فإن من ينعى الإمام الحسين (ع) فإن النوح هو المظهر الخارجي لهذا الأمر. البكاء والضرب على صدره، وكل أنواع النوح التي جرت العادة في يومناها، كلها مظاهر للشيء الذي يجب أن يصل إليه عزاء الإمام الحسين(ع) إلى الداخل وحقيقة الأمر في ضوء هذا الظهور(عج) إلى الاقتراب.
هل نشعر في كل محرم بعد يوم عاشوراء أن المسافة بيننا وبين الإمام الحسين(ع) قد تناقصت؟! هل نشعر بازدياد الحقائق عن الإمامة في قلوبنا؟ هل نشعر أن استعدادنا قد ازاداد بشكل اكبر مما كان عليه في السنوات الماضية لتحقيق الفكر والهدف الذي كان لدى الإمام(ع) ؟ فلو ركزنا في قضية الامام الحسين (ع) فقط على اقامة العزاء الظاهري فهذا أشبه بالاهتمام فقط بظاهر العبادة، وهذه خسارة لنا، لأن هذا الظاهر هو الوصول إلى الباطن.
يجب في كل محرم حينما نذرف الدموع من عيوننا وحينما تتألم قلوبنا وحينما نلطم على صدورنا ونقيم العزاء ان نرى كم اقتربنا من واقع وحقيقة عاشوراء وباطن وحقيقة كربلاء. فان باطن عاشوراء هو فهم الدين، والاقتراب من الامامة، والتقرب الى الله، باطن عاشوراء قمة التوجه نحو الله تبارك وتعالى وهي القمة الحقيقة والقمة الحقيقية هي ان الانسان يتعلم درس الصمود والمقاومة والتضحية من عاشوراء، فباطن وحقيقة عاشوراء هي ان الانسان يضحي بنفسه وروحه وماله وعرضه وابناءه وكل شيء فهذا هو باطن وحقيقة عاشوراء.

إذا فسرنا حقيقة عاشوراء على أنها محاربة للظلم فقط، فقد ارتكبنا تقصيراً وخطأً، فلم يكن الأمر كأن نقول إن الإمام الحسين(ع) بدأ هذه الحركة لمجرد مواجهة يزيد ومعارضته عدم بيعته. كان هناك طرق أخرى ايضاً لمواجهة يزيد ومعارضته. لا ينبغي اختزال حادثة عاشوراء فقط في عنوان  محاربة الظلم ومكافحته. حقيقة عاشوراء وحقيقة كربلاء هي الدفاع عن الدين، وحقيقة عاشوراء هي أنه لا يوجد شيء في هذا العالم أكثر قيمة من الدين، دين الله يعني أوامر الله وارادة الله. ماذا يريد الله تبارك وتعالى من البشرية؟. كل ما أراده الله الله هو تحت عنوان دين الله، في المعتقدات والأحكام والأخلاق والسياسية، كل هذه  الامور منظومة الدين. عاشوراء هي مظهر من مظاهر دين الله، فلماذا كل هذه الاهمية التي تتمتع بها نهضة الإمام الحسين(ع) وكل عام تزداد مجدا وعظمة في العالم؟ إذا حصرنا هذه النهضة فقط في دائرة محاربة الظلم، فهذا جفاء بحق عاشوراء. إذا فسرنا نهضة عاشوراء الإمام الحسين (ع) كمهمة شخصية، فيبدو أنه تفسير غير دقيق لحادثة عاشوراء.

عندما نتأمل في كلام الإمام الحسين (ع) نرى أنه يشير إلى كلام النبي (صلى الله عليه واله) حيث إنَّ النبي قال: «من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله».
ما أصبح سائدًا هو البدع والخرافات، بمعنى آخر كل فلسفة نبوة الأنبياء والرسل السماويين هي سيادة الدين على الناس، ونهضة الإمام الحسين(ع) حفظت جميع جهود الأنبياء عبر التاريخ. واعادت لها الحياة. لم يكتف الإمام الحسين (ص) بحفظ دين الإسلام فحسب، بل أعطى الدين بمعناه الشامل والعام، أي حاكمية ما أراد الله على البشرية، وأفهم البشرية انا ما ينبغي ان يحكمكم هو الأحكام الإلهية وليست القوانين التي يقننها البشرية.
حقيقة عاشوراء احياء جميع جهود وخدمات انبياء الله ولا سيما النبي الاكرم(صلى الله عليه واله).
 على المعزين للإمام الحسين(عليه السلام) أن يروا بعد مضي عقد او شهرين من اقامة العزاء ما مدى استعدادهم لفهم الدين؟ وعليهم ان ينظروا عند حضورهم المجالس والمحاضرات ما مدى اقترابهم لفهم الدين واستعدادهم للعمل بالدين؟
كم يصبح الانسان مستعدا للجهاد بعد عاشرواء؟ ما مدى استعداد الانسان للتخلي عن حياته وماله ودنياه وأُسرته من أجل بقاء دين الله، فهذه مسألة مهمة للغاية يجب أن ننتبه إليها جميعًا نحن مقيمو العزاء.
يوجد مقولتان مهمتان لدى الشيعة: 1ـ الزيارة، 2ـ العزاء. وهاتان المقولتان لا يوجدان في اي مذهب من المذاهب الأُخرى وهذان العنوانان يعدان من الثروات الكبيرة لدى الشيعة. وبحسب اعتقاداتنا ان مسألة زيارة الائمة المعصومين(عليهم السلام) وعلى رأسها زيارة أبي عبدالله الحسين (ع) فقد تم التأكيد عليها كثيراً وذكر لها آثار عظيمة من قبيل ما روي عن الامام الصادق عليه السلام:  «لو تعلمون ما فی زیارته من الخیر ويعلم ذلك الناس لا قتتلوا علي زيارته بالسيوف» .

الهدف الأساسي من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هو الدفاع عن دين الله تعالى، وفي الفقه في كتاب الجهاد يقسم فقهاءنا العظام الجهاد عادة إلى قسمين: الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي. تشير الكثير من آيات القرآن الكريم إلى هذين النوعين من الجهاد. الامر الاساسي في الجهاد الدفاعي هو الدفاع عن النفس، والمال، والعرض، ووطن الانسان. إذا تعرض المسلمون للهجوم، فعليهم القتال والجهاد للدفاع عن أنفسهم. ولكن بالتأمل، في الروايات وكلمات الفقهاء نجد ان هناك نوعاً ثالثاً من الجهاد يسمى جهاد الذَّبِّي. والذب يعني الدفاع غاية الامر هذا الجهاد الذبي دفاع خاص، هو الدفاع عن أصل الاسلام، وهذا يعني لو ان مسلما احس في زمنه ان كيان الاسلام في خطر، وهذا يعني انه ليس البحث بحث عن الاحكام والفروع والاخلاقيات فان العدو بصدد القضاء على اصل الاسلام، لا يريد ان يكون هناك شيء باسم الاسلام وحينئذ يجب عليه محاربة العدو والدفاع عن الاسلام.
وقد فصلنا الكلام حول الجهاد الذبي في رسالة وحللنا نهضة الامام الحسين عليه السلام على هذا اساس هذا الامر. 
ونرى في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قدم ابنه البالغ من العمر ستة أشهر الى الاسلام، فهل يوجد تكليف على طفل عمره ستة أشهر؟ ألم يكن يعلم الإمام (عليه السلام) أنه إذا أحضر هذا الطفل البالغ من العمر ستة أشهر إلى الميدان، فلن يرحم به هذا العدو المتعطش للدماء وسيقتل هذا الطفل؟
كل هذا كان واضحا والعلم به لا يتطلب مقام الإمامة، وهذه المسألة واضحة في ساحة المعركة، ألم يكن الإمام يعلم أن أهل بيته ونسائه وأطفاله سيتم اسرهم بعد استشهاده؟ لماذا أصطحبهم معه؟ كل هذا يمكن تفسيره وتحليله على اساس الجهاد الذبي. ونفس هذا الاساس تستند نهضة الامام الخميني(قدس سره) اي في ذلك الوقت الذي نهض فيه الامام لم يكن الغرض الاساسي بحسب الظاهر مسالة الانتصار النجاح ولكن الامام قال لو لم يكن الا انا في مقابل الطاغوت لوقفت امامه، الاسلام يتم القضاء عليه ولا يمكن السكوت. 
يجب أن يعلم مقيمو العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) أن كل حقيقة نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) تكمن في هذه القضية، ولا ينبغي لنا حينما نقول هذا الكلام ان الامام الحسين استشد لكي ينجو المذنبين من امته، ونعكس هذه الواقعة المهمة كواقعة قليلة القيمة، بالرغم من ان كثيرا من المذنبين ستغفر ذنوبهم ببركة اقامة العزاء وهذا امر مسلم في الروايات.
لا ينبغي التقليل من قيمة هذه النهضة العظيمة، فكل كائنات العالم، ابتداء بالله تعالى وملائكته وانتهاء بجميع كائنات العالم التكوينية وغير التكونية فان جميعها كان لها رد فعل تجاه شهادة الامام الحسين (ع) والجميع في عزاء ايضا. وان جميع انبياء الله اذرفوا الدموع وبكوا وضجت السماوات والارضين على المصيبة«ضجت السماوات والارض وما فيهما». فليست هذه القضية قضية عادية ولذا وردت هذه الجملة «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله»  التي قالها الامام الحسن(ع) بحق الحسين (ع) وهي تعني ان ليس كيوم الحسين يوم لا قبله ولا بعده.  ولا يحدث في التاريخ مثله. لان حقيقته الدفاع عن الدين لا الدفاع عن نفسه واهل بيته وقبيلته و... .
ان مقيمي العزاء على الامام الحسين عليه السلام الذين حضوا بهذه الكرامة العظيمة وهي إقامة العزاء وخدمة أبي عبد الله عليه السلام ينبغي لهم ان يستفيدوا من هذه الثروة القيمة للوصول الى الدرجات العالية عند الله تبارك وتعالى ولا ينبغي لهذه لهم التفريط بهذه الثروة. 
من بواعث الفخر لدى الشيعة ان يكون لديهم مثل هذه الثروة القيمة والثمينة، وبعد شهرين من اقامة العزاء يجب أن نرى هل ازدادت محبتنا لدين الله او قلّت؟ او لم تتغير ابدا؟ يجب بعد كل محرم ان يزداد استعدادنا للعمل بدين الله.
فماذا يريد منا الله تعالى؟ الصدق، والامانة، والوفاء بالعهد، وأداء التكاليف الالهية، ترك المحرمات والوقوف بوجه الظالم، والصمود، والمقاومة التي هي أحد المؤشرات والمعايير الكبيرة لدين الاسلام (إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ)  من لا يصمد من أجل دينه فليس بمؤمن، ويجب على الانسان دائمًا الوقوف ضد الظالمين الذين يريدون أخذ الدين من المجتمع.
إن الخطة الرئيسية لأعداء ثورتنا اليوم ليست فقط القضاء على هذا النظام والثورة، ولكن خطتهم الرئيسية هي القضاء على دين الإسلام ومحو مذهب أهل بيت(ع) يقولون إنه لا ينبغي أن يكون هناك شيء اسمه الإسلام ويخططون بطرق مختلفة، واحد تلك الطرق سلب اقامة العزاء منَّا.
ويشوهون من خلال ما يغرسونه في الاذهان من طرق خرافية الصورة العقلائية للعزاء، فينبغي الحذر واقامة العزاء بتلك الطريقة والنمط الموافق لوصايا السيد الامام الخميني قدس سره والسيد قائد الثورة والمراجع العظام، فينبغي اقامة العزاء بهذه الطريقة والنمط كي نستطيع ان نصل الى حقيقة اقامة العزاء، فهذه النقطة ينبغي لنا الاهتمام بها. إذا عززنا هذه العزاء يومًا بعد يوم بالنظر إلى حقيقته، فصيبح الاسلام اكثر تجذرا وعمقا، ونضمن بقاء الاسلام وتجذره وتعميقه يكون من خلال اقترابنا من حقيقة العزاء. 
ويوجد لدى الشيعة ببركة أهل البيت علهم السلام أمران مهمان جداً وهما الزيارة والآخر اقامة العزاء، وينبغي لنا الاهتمام بهذين العنوانين. وفيما يتعلق بزيارة الامام الحسين(عليه السلام) قد وردت روايات كثيرة فوق حد حد التواتر ومعظم مقيمي العزاء والزوار والشيعة على دراية  بمضامين ومحتوى هذه الروايات. 
قال الامام الصادق (عليه السلام): «لو تعلمون ما فی زيارته من الخير و یعلم ذلک الناس لاقتتلوا علی زيارته بالسيوف»  وهذا كناية عن التنافس من اجل الزيارة. فهم مستعدون لبيع جميع اموالهم ليحظوا بزيارة الامام الحسين عليه السلام: «ولا تزهدوا فی اتيانه فان الخير في اتيانه اکثر من أن يحصي»  لا ينبغي الزهد في زيارة الإمام الحسين، ولا نقول إنه يكفي الذهاب مرة واحدة. هناك آثار كثيرة في زيارة الإمام الحسين(ع) لا يمكن احصاؤها.

من المناسب المقارنة  والمقايسة بين مسألة الزيارة وإقامة العزاء وبيان الفرق بينهما، قد يطرح هذا السؤال التالي هل الزيارة أهم ام العزاء؟ وبالطبع التوفيق لاداء الامرين جيد جداً، لكن يمكن بيان الفرق بينهما في عدة نقاط: 
1ـ الزيارة هي الاقتران الحضوري والعزاء هو الاقتران العملي مع الامام المعصوم(ع)
بالرغم من ان كل من العزاء والزيارة يجعلان الانسان في الدنيا والاخرة مع الامام المعصوم (عليه السلام) طبقا للاية الكريمة: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقينَ) ، والكون مع الامام واجب على جميع المؤمنين، وكل من اقامة العزاء والزيارة يجعلان الانسان مع الامام المعصوم(ع). قال الامام الرضا(ع): «مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا وَ بَكَى لِمَا ارْتُكِبَ مِنَّا كَانَ مَعَنَا فِي دَرَجَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَة» ، من الغريب جداً ان اقامة العزاء هي معية الائمة المعصومين وتلك المعية ايضا في درجتهم يوم القيامة.
لكن معية الإمام المعصوم لها مراتب. اولاً: الزيارة معية حضورية فان الزائر يكون بين يدي الامام (ع) واما اقامة العزاء فهو معية عملية اي ان المعزي يجعل نفسه شريكا من الناحية العملية في غم الامام ومصيبة الامام وفي المصائب التي نزلت بالامام عليه السلام، ولذا هذا وجه يبين اقوائية اقامة العزاء على الزيارة بمراتب، فالعزاء معية عملية والزيارة معية حضورية.
ثانياً: الزيارة بيان للاعتقاد اي اننا نشهد عند زيارة الامام (عليه السلام) بالايمان به ونعتقد بانه ينظر إلى اعمالنا وهو شفيعنا، فهذه الامور تصبح بيان للاعتقاد. فنقول: «سلمٌ لمن سالکم حرب لمن حاربکم»، فهذه التعبيرات بيان للاعتقاد، لكن اقامة العزاء هي عمل بالاعتقاد، وتجسيد عملي للاعتقاد. ففي اقامة العزاء يجسد الانسان اعتقاده في مرتبة العمل، لذلك يمكن القول إن اقامة العزاء بهذين الوجهين الانفي الذكر أعلى من الزيارة، وللزيارة آثارها الخاصة، ولكن اقامة العزاء بهذين الوجهين أقوى من الزيارة.

وقد تتحقق اقامة العزاء على الامام الحسين (عليه السلام) بان ينشد بيتا من الشعر، بهذا المقدار. قال الامام الصادق عليه السلام لابي عمارة: « يَا أَبَا عَمَّارٍ أَنْشِدْنِي فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ فَأَنْشَدْتُهُ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ فَبَكَى قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا زِلْتُ أُنْشِدُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى سَمِعْتُ الْبُكَاءَ مِنَ الدَّارِ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَبَا عَمَّارٍ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَأَبْكَى خَمْسِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ شِعْراً فَأَبْكَى ثَلَاثِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ فَأَبْكَى عِشْرِينَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ فَأَبْكَى عَشَرَةً فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ فَأَبْكَى وَاحِداً فَلَهُ‏ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ فَبَكَى فَلَهُ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَنْشَدَ فِي الْحُسَيْنِ فَتَبَاكَى فَلَهُ الْجَنَّة» .

وهنا يطرح بحث مهم جدا وينبغي التأمل فيه كثيراً. لماذا ذكرت كل هذه الاثار لدمعة تذرف على الامام الحسين(ع)؟ فهل لهذا الامر جنبة عاطفية فحسب؟ فهل ان القضية هي ان تسيل الدموع ويسكن قلب النبي الاكرم (ص) وقلب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سلام الله عليها، او ان هذه الدموع لها ارتباط وثيق بايمان الباكي؟ وهذا الاخير هو المستفاد من الروايات. على المعزين من الاخوة والاخوات الانتباه جيدا الى ان كل قطرة ودمعة تخرج من الانسان في عزاء الامام الحسين(ع) يكشف ذلك عن شدة محبته وايمانه.
روايات الكباء هذه غريبة. فتارة ننظر الى هذه الروايات من منظار الاجر والثواب ومقدار الثواب المترتب عليها وموجبة للغفران الذنوب واطفاء نار جهنم فهذا المنظار صحيح جداً، وأخرى ننظر الى اليها بنظرة اعمق فان هذه الدمعة تزيد من درجة ايمان المعزي بالله تعالى وتجعله اكثر شدة.

ولو تأملنا الروايات الواردة عن الامام الحسين(ع) نفسه مثل ما رواه الامام الصادق (عليه السلام) عن الامام الحسين(عليه السلام) انه قال: «أنا قتيل العبرة قتلت مکروباً و حقيقٌ علي الله أن لا يأتينی مکروبٌ قط إلا ردّه الله وأقلبه علي أهله مسرورا» ، أو قوله (ع): «أنا قتيل العبرة لا يذکرنی مؤمناً إلا استعبر» ، أو قوله(ع): «لا يذکرني مؤمن إلا بکي» ، فان الذكر مطلق في الروايات فلا يقول ذكرني في المجلس او الهيئة او الموكب الفلاني ولم يقل حينما يصبح الموكب حماسيا، بل يقول > يذكرني< وهذا يعني انه حتى لو كان لوحده وذكر اسم الحسين(عليه السلام) فانه يبكي.

امیرالمؤمنین(عليه السلام) يخاطب الامام الحسين(عليه السلام) قائلاً: «يا عبرة کل مؤمنٍ فقال الحسين أنا يا ابتاه فقال نعم يا بنی» . ومن النقاط المهمة فهم الرواية المشهورة: «أنا قتیل العبرة» 

اولا: هذه الرواية بمعنى ان ايمان الانسان منوط بالبكاء على الامام الحسين عليه السلام، فمن لا تسيل دموعه من عينيه على الامام الحسين بن علي فهو ليس بمؤمن حقاً، ولو كان قد تسمى باسم الشيعي، لان الشيعي قد امتزج اسمه بالدموع والبكاء، فعلامة الشيعي الحقيقي هو البكاء على الامام الحسين(ع). 

انتهى ذلك الزمان الذي كان يقول فيه الجهال باسم الثقافة والتحضر ما الداعي للضرب على الرس ولطم الصدر والبكاء يجب ان ننظر ما هي فلسفلة نهضة الامام الحسين(ع)؟ لنهضة الامام الحسين (ع) ظاهر وباطن ظاهرها هو البكاء، ومن دون هذا الظاهر لا يمكن الوصول الى الباطن. اذا قال الامام (ع): «لا يذکرنی مؤمنٌ إلا بکی»، فهو لا يقصد نقل حدث تاريخي او يخبرنا بان اغلب المؤمنين في المستقبل يبكون حينما يسمعون باسمي كلا! بل يريد ان يقول الايمان الواقعي منوط بالبكاء على الحسين بن علي(ع). والان ينبغي ان ننتظر لكي نرى ما هي حقيقة هذا البكاء في عالم الأخرة وماذا يصنع؟

قال الامام الصادق عليه السلام: «إذا کان يوم العاشر من المحرم تنزل الملائکة من السماء و مع کل ملک قارورةٌ من البلور الابيض» عندما يأتي يوم عاشوراء ، تنزل ملائكة خاصة من السماء، كل منهم لديه وعاء بلوري أبيض في يده. «ويدورون فی کل بيت و مجلس يبکون فيه علی الحسين عليه السلام»، وظيفة الملائكة انهم يدخلون كل بيت ومجلس يقام فيه العزاء على الحسين عليه السلام «فيجمعون دموعهم فی تلک القوارير فاذا كان يوم القيامة فتلتهب نار جهنم فيضربون من تلك الدموع علي النار فتهرب النار عن الباكي علي الحسين عليه السلام مسيرة ستين ألف فرسخ» ، نار جهنم هي نار تحرق الانسان عن بعد مائة فرسخ ولكنها بقطرة من الدمع تبتعد 60 الف فرسخ عن الباكي على الامام الحسين عليه السلام.

الكلام كل الكلام في ما هي حقيقة البكاء؟ حقيقة البكاء منوطة بايماننا، فحينما يحثوننا على البكاء وذرف الدموع والتباكي لكي يتوهج نور الإيمان في باطننا، فالبكاء على الإمام الحسين (ع) يزيد من قوة إيمان الإنسان، لو تسألون جميع الهيئات والمواكب وأصحاب التعزية ماذا تشعرون بعد إقامة العزاء؟ سيقولون ليس فقط يشعرون بالاطمئنان بل يشعرون بنورانية خاصة في داخلهم. ولذا فموضوع البكاء على الامام الحسين(ع) ينبغي ان يؤخذ بنظر الجد، فالبكاء على الإمام الحسين (ع) متجذر في إيمان الشيعي، وموجب لقوة الإيمان، وكلما ازداد البكاء على الإمام الحسين(ع) ازداد إيمان الإنسان قوة. 

بما أن البكاء على الحسين بن علي (عليهما السلام) يكشف عن الإيمان وسبب في تقوية إيمان الانسان، فلا ينبغي أن نعطي البكاء على الإمام الحسين(ع) الجنبة العاطفية فحسب، فهذا البكاء في روايات يعد مقدمة لسلون الانسان. وهو باب من أبواب سلوك الإمام الحسين ( عليه السلام) ، وإن كان كل أئمتنا (عليهم السلام) هم باب للتقرب إلى الله تعالى، وكلهم باب الله، لكن باب الحسين أوسع، واشمل ويحدث سلوكا خاصًا للإنسان. وبحسب هذه الروايات، فإن البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) يجعل الإنسان يجد طريقًا إلى الله ويسلك طريقا إلى القرب الالهي.
يجب التدقيق بهذه الرواية المهمَّة عن الامام الصادق عليه السلام حيث قال: «إن الحسين بن علی(عليهما السلام) عند ربّه و ينظر إلی زواره، و هو أعرف بهم و باسمائهم و اسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند الله عزوجل من أحدکم بولده»

وهذا يعني انه يعرف جميع خصوصيات زواره ولكن الأهم ان الامام الصادق عليه السلام يقول: «وإنه ليرى من يبکيه فيستغفر له»، من يبكي على الامام الحسين (عليه السلام) فان الامام (عليه السلام) يراه بالقدرة الملكوتية التي من الله بها عليه  ويطلب من الله تعالى له المغفرة وهل يمكن ان يطلب الامام الحسين عليه السلام لزواره والباكين عليه المغفرة ويرد الله تعالى دعاء الامام الحسين؟ غير ممكن ابداً. ان ذلك الامام العطوف والشفيق لا يكتفي بهذا المقدار. «و يسئل آبائه(عليهم السلام) أن يستغفروا له» ، فيسأل النبي(ص) وامير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ان يستغفروا لهذا الباكي. 

وعلى ضوء ذلك يطرح هذا السؤال: إذا كان استغفار الإمام الحسين كافياً لنجاة الإنسان، فما الحاجة لاستغفار النبي(ص) وأمير المؤمنين(ع) وفاطمة الزهراء(س)؟ والجواب: كل هذه الأمور تنفع في علو الدرجة، واستغفار الإمام الحسين يرفع درجة الانسان، واستغفار السيدة فاطمة الزهراء يرفعه درجة أخرى، واستغفار أمير المؤمنين (عليه السلام) والرسول الكريم (صلى الله عليه واله) يرفعه درجات الى ان يرتقي الإنسان إلى مستوى عالٍ جدًا. وقطرة من الدموع كم ترفع من مراتب عروج الانسان؟ وأما ما يتعلق بالاستغفار فقد ذكر في محله ليس فائدته مجرد الستر والتجاوز عن الذنب، بل الاستغفار هو ترميم لجهل الإنسان، إن الله تعالى أمر في سورة هود بعد بيان نزول القرآن بالاستغفار ويقول فاذا نزلنا القرآن الكريم فاستغفروا، ولم يطرح قضية الذنب .

الاستغفار ليس فحسب للتجاوز والعفو عن الذنب، بل هو لتلافي نقص الإنسان وإزالة جهل الإنسان، نحن لا نعلم بكثير من الأمور او غافلون عنها، ولو كنا عالمين أو غير غافلين لعملنا بها، وبهذا الاستغفار يعوضنا الله عنها، فالاستغفار ليس لتدارك الذنب فحسب، بل لتدارك الغفلات والزلات والجهل والتهاون والقصور والتقصير. فان استغفار النبي والأئمة يفسر بهذا المعنى، فليعلم المعزي والباكي على الإمام الحسين(عليه السلام) إن بكاؤه يتبعه استغفار الإمام الحسين (ع) واستغفار النبي وأمير المؤمنين(ع) فهل يوجد مقام أعلى من هذا؟ والان هل من الصحيح إن نختزل هذا البكاء بالجانب العاطفي؟! أو وفقاً لما يقوله الجهال نريد ان نأخذه هذا الكباء والدمعة من هذا الشعب المعزي؟ ويقول الإمام الحسين(ع) في رواية أخرى: «لو يعلم زائري ما أعدّ الله له لکان فرحه أکثر من جزعه». 

من النقاط الأخرى المهمة التي تتعلق بالعزاء هي ان مقيمي عزاء الامام  الحسين (عليه السلام) مشمولين بعناية خاصة من قبل الله تبارك وتعالى. 

وقوله تعالى { يهدي من يشاء} قد ورد كثيرا في القرآن الكريم وهذا يعني ان هناك اشخاص تتعلق بهدايتهم المشيئة الالهية، ورد في رواية عن الامام الصادق عليه السلام: «من أراد الله به الخیر قذف فی قلبه حبّ الحسین(علیه السلام) و حب زيارته» ، وهذا يعني ان الله اذا أراد بعبد خيرا واراد ان يهديه هداية خاصة، فالانسان الذي يعمل بتكاليفه الأولية والظاهرية وأراد الله تعالى أن يرفعه درجته ويمنحه رفعة يقذف في قلبه محبة الحسين عليه السلام ومحبة زيارته، «و من أراد الله به السوء قذف في قلبه بغض الحسين و بغض زيارته» . وبالعكس اذا أراد الله تعالى السوء اودع الله تعالى في قلبه بغض الحسين وبغض زيارته. قال الإمام الباقر(عليه السلام): «مَنْ‏ أَرَادَ أَنْ‏ يَعْلَمَ‏ أَنَّهُ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ الْجَنَّةِ فَليَعْرِضُ حُبَّنَا عَلَى قَلْبِهِ فَإِنْ قَبِلَهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» .

من يريد أن يعرف هل هو من الجنة أم لا؟ فليعرض حبنا على قلبه، ولينظر إلى قلبه ليرى هل يوجد في قلبه حبنا محبتنا ومحبة امير المؤمنين واولاد علي وفاطمة او لا؟ إذا قبل قلبُه حبنا فأنه مؤمن.

جميع هذه الروايات مرتبطة بعضها ببعض «لا يذکرنی مؤمنٌ إلا بکی» ثم قال الامام الباقر(ع): «وَ مَنْ كَانَ لَنَا مُحِبّاً فَلْيَرْغَبْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَمَنْ كَانَ لِلْحُسَيْنِ ع زَوَّاراً عَرَفْنَاهُ بِالْحُبِّ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحُسَيْنِ زَوَّاراً كَانَ نَاقِصَ الْإِيمَان» ، وكما قلنا فمن لا يبكي فلا ايمان له وفي قضية الزيارة قال الامام الباقر عليه السلام من لم يكن زوارا للامام الحسين عليه السلام كان ناقص الايمان، ايمانه غير صحيح.

الملصقات :

اقامة العزاء زيارة الامام الحسين (ع) اقامة العزاء على سيد الشهداء سيد الشهداء ع كربلاء