مقاله ارائه شده توسط حضرت آیت الله فاضل لنکرانی(دامت برکاته) در كنگره «امام مهدی(عجل الله تعالی فرجه الشریف) و آینده جهان»
۰۱ خرداد ۱۳۹۲
۱۰:۵۵
۳,۲۶۵
خلاصه خبر :
حضرت آیت الله فاضل لنکرانی(دامت برکاته) نیز با نگارش مقالهای در این کنگره شرکت کردند.
آخرین رویداد ها
در کنگره بین المللی «امام مهدی(عج) و آینده جهان» که از تاریخ 31 اردیبهشت تا 2 خرداد 1392 با حضور شخصیتهای بارز دینی در دانشگاه کوفه عراق برگزار شد، بیش از 600 اندیشمند دینی از ایران، عراق، مصر، کویت، لبنان و سوریه شرکت کردند و طی سه روز، مقالات تخصصی خود را درباره مهدویت ارائه دادند.
یکی ازا ین مقالات، مقالهای است که توسط حضرت آیت الله حاج شیخ محمد جواد فاضل لنکرانی(دامت برکاته) با موضوع «دراسة في الآية الشريفة 41 من سورة الحجّ حول الدلالة علی المهدويّة» ارائه شده است.
متن این مقاله در ذیل تقدیم میشود:
«دراسة في الآية الشريفة 41 من سورة الحجّ حول الدلالة علی المهدويّة»
آية الله الحاج الشيخ محمّدجواد فاضل اللنكراني(مدّ ظلّه)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين و صلّى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
تعتبر آية 41 من سورة الحج المباركة من الآيات الدالّة علی قضيّة المهدويّة وعصر الظهور، جاء في الذكر الحكيم:
«الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»
ملخص الآية: إنّ الله يقول بأنّ الذين مكّناهم في الأرض يقومون بأربعة أعمال. و هي إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
على هذا هناك شرط ورد في الآية: «إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ» و أربعة أمور تأتي بعده و تترتّب عليه كما ذكرناها في السطر السابق.
لكن و قبل الولوج في ثنايا تفاصيل و مفردات الآية، من الضروري ذكر ثلاث نقاط هامة:
الأولى: يذهب جلّ المفسرين من أهل السنة بان هذه الآية تتحدث عن الخلفاء الراشدين فقط و ينسبون بعض النظريات الوهمية إلى قدماء الشيعة و يشددون عليها.
يذهب أغلبية أهل السنة في تفسيرهم الآية إلى أنّها تختص الخلفاء الراشدين و يدعون بأنّ الخلفاء الأربعة بعد وفاة النبي(ص) هم المتمكّنون في الأرض و أصبحوا أصحاب قوّة و قاموا كلّهم بأربعة أمور المذكورة في الآية ثم يشدّدون على أنّ القدماء من الشيعة ذهبوا إلى أنّ هذه الآية تختصّ بفترة حكم أمير المؤمنين(ع) لكنّهم يبدون عدم قبولهم هذا الأمر. و غني عن القول بأنّ مثل هذا القول ليس له أثر في تفاسير الشيعة. على هذا فإنّ أهل السنة من أمثال فخر الرازي و ابن كثير و الآلوسي يريدون بأن يعتبروا هذه الآية كدليل على أحقّية الخلفاء الراشدين و إمامتهم ويقول فخر الرازي: فدلّت الآية على إمامة الأربعة(1). و نحن في ضمن البحث عن الآية نثبت بطلان هذه الدعوی.
النقطة الثانية: قد يخرج من طيات هذه الآية بحث فقهي حول وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر للولاة و الحكّام:
هناك بحث فقهي أساسه في هذه الآية مفاده بأنّ من يقول بأنّه لو استنبطنا وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من هذه الآية فإنّ هذا الوجوب يختصّ بالحكّام و الولاة المتمكّنين و ليس لكافّة الناس. قد يصل شخص ما إلى نتيجة تفيد بأنّه لو استنبطنا من هذه الآية بأنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب فإنّه واجب للحكّام و ليس لعامة الناس و هذه هي نقطة هامّة، و سنبحث عنها.
النقطة الثالثة: دراسة بحثين حول دلالة الآية من منظار مفسّرين الإمامية:
وهي علينا أن نرى بأنّه هل تدلّ هذه الآية الشريفة على ادّعائنا و ما قال به الكبار من المحدّثين و مفسّرين الإمامية أم لا؟ ففي دلالة هذه الآية على ادّعائنا لا بدّ من بحث قضيتين:
الأولى: هل تدلّ هذه الآية بنفسها على قضيّة المهدويّة و إمام الزمان(ع) أم لا؟
الثانية: هل إنّنا نطبق الآية على إمام الزمان بالروايات و من دون ذلك لا يمكن التطبيق؟
دراسة ثلاث قضايا كمقدّمات حول مفردات الآية
علينا التدقيق في دراسة سورة الحج آية 41 في موضوعين حول المفردات الواردة فيها و هما:
الموضوع الأوّل: دراسة ثلاث احتمالات أدبية حول مفردة «الذين» في الآية الشريفة و الإفصاح عن رأينا:
الموضوع الأوّل ما هي مكانة «الذين» أدبياً؟ و هنا تطرح ثلاثة احتمالات و هنّ:
الاحتمال الأول: «الذين» محلاً منصوب و بدل من «من ينصره».
فهل «الذين» في هذه الآية في موضع نصب أي بدل من «من ينصره» في الآية السابقة حيث جاء: «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ» و يليها: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ» فالموصول و ما يليه في موضع النصب و بدل من: «مَن يَنصُرُهُ».
الاحتمال الثاني: «الذين» هو وصف للآية السابقة و بدل من «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ».
قال الله تعالى: «إنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ».
على هذا فإنّ «الذين» في هذه الآية هي وصف لـ «الذين» الواردة في الآية السابقة، هذان الاحتمالان ذكرا في الكثير من التفاسير.
الاحتمال الثالث: «الذين» صفة للمقاتلين و المجاهدين في سبيل الله
إنّ هذه الاحتمال قريب إلى الأول إلى حد ما، لأنّ قول الله سبحانه و تعالى عمن يقاتلون في سبيل الله: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ». فأين تكمن المشكلة بأنّ «مَن يَنصُرُهُ» يكون عنوان عام و يرجع إلى «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم» لكنّه نصرة خاصة ، بمعنى إنّ «الذين» هي صفة للمجاهدين في سبيل الله عن الذين يدافعون و يقاتلون في سبيل الله و هذا هو مقصد الآية الـ 39 بأنّ: «اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ و يليها: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ»، فمفردة الذين تعني المقاتلين و المدافعين فإذا انتصروا و تمكّنوا في الأرض فلا يكونوا كالذي يريد استغلال القوّة لعالمه و لتلبية الأهواء النفسية: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ...»
التعبير عن رأينا في الاحتمالات المذكورة آنفا:
إنّنا نرى بأنّ الاحتمال الثالث هو الأقرب بأن يكون بدل لـ «مَن يَنصُرُهُ». أي إنّ الأقرب معنی من بين تلك الاحتمالات الثلاثة هو الاحتمال الثالث الذي أتينا على ذكرها.
الموضوع الثاني: دراسة نقطتين حول مفردة «مكنّاهم»
المفردة التالية هي «مكنّاهم» فهناك نقاط عدّة في هذه المفردة، قد نستفيد من هذه المفردة «مكنّاهم» و ما تتضمّنها من نقاط، بعض من الشروط المترتبة على قضية وجوب النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف. فلماذا عبر الله سبحانه و تعالى عن «مكناهم» و ماذا يعني التمكين؟ و هل تسمّى امتلاك القوة بكافة إشكالها التمكين؟ ما هي سمات التمكين؟
النقطة الأولى: دراسة مفردة «مكن» لغوياً:
نبدأ بكتب اللغة في دراسة المفردة كي نصل إلى النتيجة المبتغاة:
ألف. مصباح المنير:
يقول الفيومي في مصباح المنير: «مكن فلان عند السلطان مكانة و زان ضخم ضخامة عظم عنده و ارتفع»(2). بمعني إن من له مكانة عند السلطان فهو مكين. و يضيف و مكنته من الشئ تمكينا. و جعلت له عليه سلطانا و قدرة. النتيجة لا يطلق على القدرة بكافة إشكالها التمكين بل تلك التي يكون الشخص عند السلطان.
ب. صحاح اللغة: التمكّن تعني الحضور المرافق بالاستقرار و الثبات؛ يقول الجوهري في صحاح اللغة: «و المكن بيض الضب»(3). فالضب يحفر جحراً له ليضع بيضه فيه و يغطيه بالتراب و كما قيل يراقبها لأربعين يوما. السؤال لماذا يقال لـ بيض الضب، مكن؟ لأنّه استقر في مكان ما بمعنى أن مكن فيها الاستقرار و الثبات.
ج. مجمع البحرين:
يقول الطريحي في مجمع البحرين: «الناس على مكانتهم أي على استقامتهم وعلى استقرارهم»(4).
النقطة الثانية: دراسة مادة «مكن» في القرآن
إذا درسنا مادة مكن في الآيات القرآنية نرى بأن هناك معان مماثلة في هذا المجال على سبيل المثال:
آية 13 سورة المؤمنون: مکان الاستقرار
«ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ»: أي مستقر في قوة في حفظها. و إن في قرار مكين يعني الرحم لامتلاكه القوة في حفظ النطفة.
آية 54 سورة يوسف: الحكم القوّي و المستقر
«إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ». قال ملك مصر للنبي يوسف انك لدينا مكين أمين يعني لديك قوة ثابتة ففي التمكين الثبات.
آية 20 سورة التكوير: مكان مستقر و ثابت
«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ». أي المكان المستقر و الثابت.
كما وردت في آيات أخرى مفردة مكين و مادّة مكن. فإنّ القاسم المشترك بينها ولا سيّما عندما تكون من باب تفعيل أي مكّنته أو أمكنه أي الاستقرار المرافق للقوّة، فضرورة الاستقرار القوة. فإذا كان للإنسان الاستقرار لا يمكن لأيّ مخلوق أن يخلّ باستقراره فله القوّة في حفظ الاستقرار و
هذه يعني السلطنة.
رأينا في مفردة مكن في الاستعمال القرآني لها: التمكين يعني الاستقرار و القوّة و ضرورة تكوينه السلطنة.
على هذا قد يمكننا القول بأنّ تفسير التمكين بأنّه السلطنة هو التفسير باللازم بمعنى إنّ المعنى الرئيسي لمفردة التمكين ليس السلطنة و إنّ من ضروريات التمكين هي السلطنة و عندما اتضح معنى هذه المادة بأنّه فيها ميزة الاستقرار المرافق للقوة و ضرورة وجوده هي السلطنة، فضرورته الاشتداد في بعض الحالات، فعندها يتضح معنى مكناهم إلى حدّ ما.
الموضوع الثالث: دراسة الآراء حول عبارة «في الأرض»:
فالسؤال هنا ما هو نوع «أل» في کلمة «الأرض» و هنا يأتي احتمالان:
الأوّل: إن «أل» في «الأرض» يکون للعهد، أي نمكنّهم في أرض محدّدة معيّنة.
الثاني: إن «أل» في «الأرض» يکون للجنس، أي في جنس الأرض، ولا في أرض معيّنة.
و من الواضح، أن المقصود من «أل» هنا جنس الأرض التي تكون في أيّ نقطة من الأرض وما يصدق عليه الأرض كانت جميع الأرض لا بعض الأرض.
ثمّ إنّ التمكين له نتائج: «أقاموا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ». في السطور التالية سنتحدّث عن المعروف و المنكر و هل هو مطلق المعروف أو مطلق المنكر؟ فإنّ المقصود من الصلاة و الزكاة و هما من الواجبات المعينة، واضح و جلي.
الاحتمالات السبعة حول «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ» من منظار مفسّرين أهل السنّة:
بعدما اتضحت المفردات السابقة إلى حدّ ما، فمن الضروري بأن نبحث في القضايا التي طرحها أهل السنة لنرى بأنّه هل يمكن استنباط تلك القضايا منها أم لا؟ ففي الواقع فإنّه كلما ارتبط الانسان بتفسير فخر الرازي الشهير بالعلمية و درس الأدلة التي يقدمها يعرف ضعفه. و الاحتمالات هي:
الأولی: المقصود من الموصول الخلفاء الأربعة فقط
يقول القرطبي في المجلد الـ 12 صفحة 72: أربعة من أصحاب رسول الله(ص) لم يكن في الأرض غيرهم. أي أنه يحصر الآية بالأربعة ثم إنّ هؤلاء الأربعة ذهبوا و ماتوا، و النتيجة أن الآية ليس لها مصداق في زماننا هذا و انتهى مصداقه.
و في سورة النور آية 55: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا». إنّ أهل السنة يصرون إصراراً كبيراً منهم فخر الرازي(5) بأنّ المراد من قوله تعالی «الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» هم الأربعة!!! بمعنى أنّ الله وعد في هذه الآية الهامة أربعة أشخاص بأن يحكموا ، لكن الإشكال هنا أنه قتلوا عمر و عثمان و أمير المؤمنين(ع) فما هو مفهوم: «وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»؟ لم يتمتع أي منهم بالأمن و كلهم قتلوا واستشهد أمير المؤمنين، و من المدهش بأنهم يصرون على قولهم في هذه الآية كما كانوا يصرون على قولهم في تلك الآية. يذهب القرطبي بمثل هذا القول.
يقول البيضاوي في المجلد الثالث من تفسيره في صفحة 146: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين. فبما أنهم لم يروا بأنّ الأمويين و العباسيين و من تولى الأمر قاموا بالأعمال الأربعة : «أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ» فقالوا بأنّ هذه الآية تتحدّث عن الأربعة فقط.
ذهب إلی هذا الاحتمال کثير منهم.
الاحتمال الثاني: المقصود من الموصول هم المهاجرين و الأنصار و التابعين(6)
الاحتمال الثالث: المراد منهم کافّة أصحاب النبي(ص)
يقول بها ابن عباس حيث قال بأن المقصود هو كافة أصحاب النبي و ليس أمّة النبي كما قال قتادة بأن المقصود هو أصحاب النبي(7).
الاحتمال الرابع: هو أهل الصلوات الخمس
قال بها عكرمة(8).
الاحتمال الخامس: هو أمّة الرسول عند قوّتهم
نقل أبو العالية(9) أنّ المقصود من الموصول هذه الأمّة بشرط القوّة بمعنی أنّه إذا فتح عليهم أي إذا انتصروا فإذا كانت امة لا تحقق النصر ليس لها حكم، فتکون فتح الله عليهم كناية من حكومتهم و قدرتهم.
الاحتمال السادس: المقصود هو مطلق حکّام المسلمين
قال ابن أبي نجيح: إنّ المراد هو الولاة(10)، بمعنى أنّه يحصرها في حكّام المسلمين.
الاحتمال السابع: المقصود هو حکّام المسلمين الذين لهم شرعيّة
قال ضحاك: هو شرط شرطه الله عزّ وجل على من آتاه الملك(11). أي: «إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ». إنّ هذا الاحتمال قريب إلی الاحتمال السادس. بمعنى أن هذا الاحتمال يقول من آتاه الله الملك كما قال ضحاك، ولكن وفقاً لما قاله ابن نجيح تکون النتيجة أنّ المراد منهم هم الولاة سواء كان الله آتاهم الملك أم هم استلموا الحكم بالقوّة.
بعبارة أجل، فإنّ ما يفرق الاحتمال السادس و السابع هو أن الأول عام إلى حد ما و يقصد من تولّى الأمر التولّي بالقوة أو بالحقّ، أما في السابع يتحدّث ضحاك فقط عن الولاة بالحقّ أي من لهم الحقّ و المشروعية.
إيضاح نظرات مفسّرين أهل السنة في الاحتمال الأوّل حول «الذين إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ» و دراستها:
من الضروري بأن نرى هل هذه الآية تدلّ على الخلفاء الأربعة طبقاً لکلام أهل السنّة أم لا؟ و نرى ما هو الدليل؟
قلت سابقاً بأنّه في بعض الأحيان يتطلب ترتيب القضايا بأن يتمّ إيراد ما قاله مفسرون الشيعة ثمّ يذكر کلمات مفسّرين أهل السنة لكن و بما أنهم لديهم مطالب لا بدّ من الاهتمام بها، «فنحن غيرنا منهجية البحث» فإنّنا عندما نراجع تفاسير أهل السنة نرى بأنهم ذکروا مطلباً في سورة النور لا يمکن الالتزام به أبداً، فقد جاء في سورة النور آية 55: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» فإنّهم حصروها في الأزمنة الأولى بعد ظهور الإسلام!!! فانتهت تلك الفترة فمن منظارهم انتهى تاريخ تلك الآية ففي الواقع أنهم ظلموا القرآن كثيراً.
ألف. إيضاح نظرية فخر الرازي الذي يقول: مكن الله الخلفاء الأربعة فكان من الواجب بأن يقوموا بالأعمال الأربعة.
نبدأ بما قاله فخر الرازي، يقول في المجلد 23 صفحة 231:
إن الله تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض و أعطاهم السلطنة، فإنّهم أتوا بالأمور الأربعة، و هي إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
هذا ما لا نقبل به و قلنا بأن "الذين" هي وصف للمقاتلين و المدافعين عن الإسلام.
يقول فخر الرازي: فان الله تعالى قال في هذه الآية إذا مكنا المهاجرين فعليهم أن يأتوا أربعة أمور: و هي إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قد ثبت أنّ الله تعالی مكّن الأئمة الأربعة من الأرض و أعطاهم السلطنة عليها. فوجب كونهم آتين بهذه الأمور الأربعة. و «إذا كانوا آمرين بكلّ معروف و ناهين عن كلّ منكر وجب أن يكونوا على الحق، فمن هذا الوجه دلّت الآية على إمامة الأربعة و لا يجوز حمل هذه الآية على علي(ع) وحده. لأن الآية دالّة على الجمع»(12) و تقول «الذين إن مكّناهم».
ب. تبيين نظرية ابن كثير الذي يقول: الآية دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين
كان يعيش ابن كثير قبل فخر الرازي و في القرن الثامن و كان هذا القول شهيراً في الآية حيث قال: الآية دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين.
ج. تبيين نظرية الآلوسي الذي يقول: إذا كانت الآية مخصوصة بالمهاجرين فيكون الممكنون في الأرض مخصوصة بهم و التمكين كان في زمن الخلفاء الأربعة.
يقول شهاب الدين الآلوسي في تفسير روح المعاني المجلد التاسع صفحة 164:
قالوا: و فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين... لان الآية مخصوصة بالمهاجرين لأنهم المخرجون بغير حق و الممكنون في الأرض منهم الخلفاء دون غيرهم. فلو لم تثبت الأوصاف الباقية لزم الخلف في المقال، تعالى الله سبحانه عنه، لدلالته على أن كل ممكن منهم يلزمه التوالي لعموم اللفظ [ويقصد المهاجرين]، و لما كان التمكين واقعاً [أي حکم الأربعة] تم الاستدلال دون نظر إلى استدعاء الشرطية الوقوع [فإن نذهب إلی القول کما قيل في النحو بأنّها جملة شرطية في موضع التقدير ولا يتحتم بأنّها وقعت بالفعل، بل إنّها ممکن الوقوع] ... فإن لزوم التالي مقتضى اللفظ لا محالة و لمّا وقع المقدم [وهو تمکن الأربعة] لزم وقوعه [أي التالي] أيضاً [يعني أنّ الأربعة عملوا بالأمور الأربعة]، و في ثبوت التالي ثبوت حقّية الخلافة البتة و هي واردة على صيغة الجمع المنافية للتخصيص بعليّ وحده رضي اللّه تعالى عنه.
الايرادات:
هناك إشكالات في هذا الاستدلال يمكن ذكرها ردّاً على ادّعاء أهل السنّة وهي كالتالي:
الإشكال الأول: إنّ تمكن الخلفاء الأربعة في الأرض من ناحية الله أوّل الكلام، لأنّ بعضاً منهم حكموا بالخدعة و التزوير.
نحن لا نقبل بأنّ تمکّنهم في الأرض إنّما کان من ناحية الله وظاهر الآية الشرطية من هذه الجهة، و بعبارة أخری: تكون على نحو يقول كافة المسلمين بأنّ الله مكّن هؤلاء في الأرض، فهذا الاستدلال يکون على نحو المصادرة على المطلوب، و لم يتّضح بأنّ جميعهم ممكّنون من الأرض من جانب الله. بل بإجماع المسلمين لم يحدث هذا الأمر بل وقع زوراً و خدعة و تزويراً.
الإشكال الثاني وهو أهمّ من الأوّل: إنّ التعبير بـ«إنْ مكّناهم» هي توصيف لمجموعة و ليس لأشخاص معيّنين. توضيح ذلک:
إنّ الله تعالى وصف مجموعة، فإنّ الله تعالى يقول «إِنْ مَكَّنَّاهُمْ» يعني هناك مجموعة. يقول الله بأنّه تعالی مكّن مجموعة في الأرض و إنّكم تقولون بأنّه في عهد الخليفة الأول كان أبو بكر متمكّناً فهنا لا يمكن التعبير بـ«مكّناهم». بعد وفاة النبيّ الأكرم(ص) جعلوا أبو بكر حاكماً بالحديث المزور و تخويف الناس. فهو صار متمکّناً بعد سقيفة بني ساعدة.. فمن منظار صحيح و مختار ان الآية لا تخاطب شخصاً ما أو الأفراد كل واحد واحد. هذا و انه عند الحديث عن الإمام علي(ع) بالقول: «وَ هُمْ راكِعُونَ» فإنّ مصداقها واضح و عنوانها شامل. فتطبيقها حسب التاريخ ينحصر على شخص واحد و إن کان مفهومها عاماً. أريد القول بان في البحث عن الآية: «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ»، لاحظوا بأن: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ»، فإذا خرج شخص واحد من مكّة هل كان من الصحيح القول «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ». الجواب سلبي جدّاً، لان ضمائر الآية جمع، فهناك مجموعة و تلك هي أوصافهم.
هذا الإشكال وارد في «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ و وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» عند الحديث عن فخر الرازي و أمثاله فكانوا شخصاً واحداً في عصرهم و هذا يعارض الظاهر، هذا و لا أريد القول بأنّ استخدام الجمع في الفرد خطأ. لأنّ في آية: «وَ هُمْ راكِعُونَ» ورد بصيغة الجمع، لكن هنا توجد قرينة، و إذا لم تكن قرينة علينا أن نستخدمها في صيغتها الجمع. بمعنى أنّ الله لم يمكّن واحداً في زمن معيّن، و الآية تقول بأنّ هناك مجموعة مكّنهم الله على الأرض.
الإشكال الثالث: الآية لا تريد القول بأنّ فاعلين الأمور الأربعة متمكّنين في الأرض من جانب الله بل إنّ الأوصاف تلك تحدّد واجب المتمكّنين.
نقول ردّاً على كلام أهل السنة من أمثال فخر الرازي و الآلوسي و الآخرين بأنّه: إذا قالت الآية بأن من يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر هل هو من مصاديق المتمكّنين من الله في الأرض، على أهل السنة إثبات هذا الأمر من هذه الآية كي يثبتوا ادّعائهم، بمعنى أنّه عليهم القول بأنّه إذا جاءت مجموعة أو فئة أو أشخاص و قامت بهذه الأعمال فإنّهم من المتمكّنين من قبل الله تبارك تعالى في الأرض؟ بينما يقول الله تعالى بأنّنا مكّنا أشخاصاً في الأرض و إنّ واجبهم يتلخص في إقامة الأمور الأربعة، فتختلف المعنيان بينهما وبينهما فرق واضح.
المعنی الأوّل يقول: بأنّ من يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر هو من المتمكّنين من الله في الأرض.
والمعنی الثاني يقول: إنّ المتمكّن من الله عليه القيام بهذه الأعمال. فإذا دلّت الآية على المعنی الأول فهناك مجال لما يقوله أهل السنة، بينما أنّ الآية تدلّ على المعنی الثاني. فعلى المتمكّنين في الأرض القيام بأمور أربعة، و هذه هي نقطة أخرى في الردّ عليهم.
الإشكال الرابع: كما أنّ الاستخلاف يكون في مجموع الأرض فإنّ التمكّن ظاهر في أن يكون في كلّ الأرض و ليس جزءاً من الأرض. توضيح ذلک:
نقول: بأنّ الأرض في الآية هي مجموع الأرض. قال الآلوسي في روح المعاني في تفسير «الأرض»: إنّ المراد هو جنس الأرض و أنها تنطبق على مكة لوحدها أو المدينة أو العراق أو بلد صغير لوحدهم. نحن نريد القول بأنّ الأرض في الآية هي تلك الأرض بأكملها كما الاستخلاف في الأرض هکذا، فإنّ الأرض هنا هي جميع الأرض أو أكثر الأرض، و هذا هو المقصود. فإنّ ظاهر الآية يقول في الأرض أي في جميع الأرض حتى لو لم نقل بالجميع فإنّ المقصود أغلبية الأرض. بمعنى إنّنا لا نريد القول بأنّها تشتمل على حكومة الإمام علي(ع) طوال حكمه، لكن الآية تخبر عن المستقبل عن الجماعة الذين يمکّنهم الله في الأرض، أي في جميع الأرض على هذا، فإنّه ليس لدينا قرينة بحصر الأرض في منطقة خاصّة أو حكومة الخلفاء من الأوّل حتى الثالث أو نطبقها على حكومة الإمام علي(ع)، بل أنّها الحكومة في جميع الأرض.
الإشكال الخامس: المقصود من الأمور الأربعة هو إقامتها في كافّة أنحاء المعمورة و ليست مختصّة بمنطقة خاصّة.
هل معنی «أقاموا الصلاة » هي إقامة الصلاة في مسجد خاص أو بلد صغيرة أو مدينة صغيرة أو محدودة؟ ظاهر الآية هو إقامة الصلاة أينما كانت و الزكاة في كلّ مكان و في كافّة أنحاء الأرض و هکذا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. وهذا مطابق للأخبار الإلهيّة في هذه القضية. و هنا يطرح سؤال: وهو أنّه أ لم تقم في عصر النبي نفس الصلاة؟ عندما كان المهاجرون في المدينة، فإنّها النقطة الأقرب إلى الذهن في الرد على أهل السنة و أ لم تؤتى الزكاة في المدينة قبل وفاة النبي الأكرم(ص) باعتباره حاكم المسلمين؟ أ لم يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر؟ هل من الصحيح القول بأنّ الله تعالى لا يهتمّ بعصر النبي(ص) و لکن يقول بأنّكم أيّها المهاجرون من أجل طردکم من بيوتكم إنّني أوعدكم بأن تتمكّنوا في الأرض لبرهة من الزمن و تحكموا!!! کلاّ إنّ هذه الأمور تدلّ علی أنّ: «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض» ليس لها علاقة بالخلفاء الأربعة و فترة بعد النبي أي فترة حكم الخلفاء الثلاثة القصيرة.
الإشكال السادس: كيف يمكن للآية تتحدّث عن عصر الخليفة الأوّل حتى الثالث بينما قد ترك الكثير من المعروفات و تحقّق الكثير من المنكرات في زمانهم؟
هناك أدلّة و شواهد كثيرة في عصر الخليفة الأوّل حتى الثالث للدلالة علی ترك الكثير من المعروفات و لم يؤمر بها و حدّثت الكثير من المنكرات و يثبت التاريخ هذا الأمر كما صرّح الخليفة الأول و الثاني بأنّهما ارتكبا أخطاء، فكيف يمكن لنا القول بأنّ هذه الآية تتعلّق بتلك البرهة من الزمن؟
الإشكال السابع: إنّ الضمير في «مكّناهم» يعود إلى الناس في الآية السابقة و هم جماعة يقف على رأسهم الإمام المهدي.
النقطة الأخرى أنّه في: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ »، يعود ضمير هم إلى الناس في الآية السابقة التي تقول: « وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ». أي نمکّن هؤلاء الناس. فإنّ الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإمام الزمان تطبيقاً أو تأويلاً فهي تتحدّث عن الجماعة لكن الجماعة التي يقف على رأسها الإمام الزمان و حتى لا يأتي شخص و يقول بأنّ الآية خاصة بي. و أنّها تدلّ على هذا الشخص.
لهذا عند المراجعة إلی تفاسيرهم، نری بأنّهم قد ظلموا القرآن، نعم قال الزمخشري في الكشّاف الجلد الثالث حول هذه الآية: إخبار من الله عزّ وجل يظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين حتى يقومون بأمر الدين.(13)
النظرية الصحيحة حول الآية في النقاط الأربعة
النقطة الأولى: إنّ التمكن يتمّ و يوجد على يد الله و ليس بالقوّة أو التزوير و قد سبق ان تحدّثنا عن مادة «مكن».
النقطة الثانية: التمكّن في جميع الأرض؛ بمعنى أنّه لو أصبح شخص في مكان ما متمكّناً فلا يقال له إنّه متمكّن في الأرض.
النقطة الثالثة: إنّ إقامة الصلاة و... تعني نشرها و تبليغها بشكل صحيح و ليس مجرّد القيام بها. إنّ الجماعة تقوم بالأمور الأربعة في فترة واحدة فلا تقول أقيموا الصلاة اليوم وآتوا الزكاة بعد عشرين عام. ويقول بعض: بأنّ إقامة الصلاة تختلف عن أداء الصلاة لأنّها تعني نشر الصلاة و إحياءها في المجتمع، ولکن هذا غير صحيح. فإنّ إقامة الصلاة تعني أداء الصلاة بكافة شروطها و ميزاتها. فلو تمّ مراعاة شروط الصلاة كالطهارة و المكان و... هل يمكننا القول بأنّ الصلاة أقيمت؟. إنّ إقامة الصلاة ليس المراد منها النداء والخطاب إلی الناس بقولنا «أيّها الناس صلّوا» .
فإذا افترضنا بأنّ هناك جماعة صلّوا معاً صلاة باطلة هل يمكن القول بأنّهم أقاموا الصلاة؟. فإذا أقام الشخص الصلاة بكافّة شروطها فعندها يمكن القول بأنّه أقيمت الصلاة، و بعد وفاة النبي(ص) لم تقام الصلاة في أغلبية الناس بمعنى أنّ هذه الجماعة ما أقاموا الصلاة بكافّة شروطها ولم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنکر في جميع موارده،بل تحقّق الصلاة بکافّة شروطها والمعروف بجميع جوانبه ومصاديقه والاجتناب عن المنکر في جميع مراتبه و موارده إنّما يکون في ذلک الزمان الذي تمکّن الناس في الأرض وهذا هو مفهوم القول بأنّ إمام العصر(ع) يأتي بدين جديد. فإنّ هذه العبارة لا يقول بأنّ الإمام يأتي بأمور جديدة خلافاً لما يعرفه الفقهاء بل إنّ هناك أموراً لا نعرف بأنّها معروفة. و يأتي الإمام الزمان(عج) و يقول بأنّها معروفة، و الحال يصدق على المنكرات. فإنّ الإمام المهدي(عج) يقول لنا: ما يصدق عليه المعروف في العقل و ما يصدق عليه المنكر ديناً و عقلاً.
فيأمر بها و ينهى عنها عندئذ. فإذا قلنا بأنّ تلك الجماعة تقوم مثلاً بعشرين معروف من مائة أو أمروا بها فهل هذا يعني أمروا بالمعروف أم يعني إن أمروا لابدّ أن تكون بكافة المعروفات أم نهوا عن جميع المنكرات أو ما يصدق عليه المنكر؟
على هذا فإنّ هناك جماعة مكّنهم الله في الأرض و أنّهم يقومون بالأمور الأربعة في زمان واحد وبشكل كامل وصحيح.
النقطة الرابعة: إنّ تنفيذ دين الله بشكل كامل هو أحد أسباب فلسفة الظهور؛
إنّ إحدى النکات الموجودة في عبارة «وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُور» من الآية هو أنّ العاقبة لله تعالى بمعنی أنّ الدين الجامع الحاکم علی مجموع الناس هو لله و أنّ الله أنزل الدين بغرض أن تنفذ 80 أو 90 بالمائة منه، فإذا لا يتمّ هذا بينما أنزل الله ديناً كاملاً و من الممكن أن لا ينفذ الناس 40 بالمائة منه. فإنّ هذه القضية تتعارض و حكمة الله. في الواقع فإنّ إحدى القضايا التي تطرح في فلسفة الظهور تتجلّى في أنّ الدين هو كامل ولابدّ أن يظهر بكامل جوانبه في مرحلة التنفيذ و عندها سيكون زمن الظهور بالتأكيد ويمكن أن نستنبط هذا الموضوع من هذه الآية بسهولة.
دراسة عدّة روايات حول آية 41 من سورة الحجّ
هناك روايات حول هذه الآية نشير إليها:
الرواية الأولی
ما جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمّي وتفسير البرهان وتفسير الصافي نقلاً عن كنز الفوائد، وهو:
ما رواه محمّد بن عباس، عن محمّد بن الحسين بن حميد، عن جعفر بن عبد الله، عن كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(ع)، في قول الله عز و جل: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ»، قال: «هذه الآية لآل محمّد المهدي(ع) و أصحابه، يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين، ويميت الله عزّ و جلّ به و بأصحابه البدع و الباطل كما أمات السفهة الحقّ، حتى لا يرى أثر من الظلم، و يأمرون بالمعروف، و ينهون عن المنكر، و لله عاقبة الأمور»(14).
دراسة سند الرواية
وردت في سند هذه الرواية أسماء الأشخاص، كـ: «أبي الجاورد أو زياد بن منذر» وإنّ الكثير من علماء الرجال كـ الشيخ الطوسي(15) و العلاّمة الحلّي(16) و ابن غضائري(17) و كتب الرجال التي بأيدينا لا يعتبرونهم ثقة كما اتّخذ البعض الصمت حيالهم غير أنّ أغلبية علماء الرجال اعتبروه ضعيفاً.(18)
كما لم يعتبر «كثير بن عياش» ثقة(19) و هناك أيضاً أشخاص آخرون في هذا السند تثار حولهم المشاكل:
«محمّد بن العباس» و هو مشترك بين عدّة أشخاص و هل أنّه محمّد بن عباس بن عيسى، فإذا كان هو ثقة أم أنّه محمّد بن عباس بن مرزوقي الذي هو غير ثقة؟.
«محمّد بن حسين» الذي نقل عنه المرحوم العلاّمة المجلسي في كتاب بحار الأنوار مجلد 24 صفحة 165 و يقول عن محمّد بن الحسين بن حميد، لكنّنا لا نجد بين الرواة محمّد بن حسين بن حميد و يمكن أن يكون هناك خطأ، ولابدّ أن يكون محمد بن الحسين عن حُمَيد و بما أنّ «عن» و «ابن» قريبتان كتابياً فإنّنا نرى بأنّها عن حميد و إنّ حميد يوضع في الطبقة الثامنة في طبقات الرجال.
«جعفر بن عبد الله» الذي ورد اسمه في السند وليس فيه جرح و تعديل.
وعليه سند الرواية غير صحيح.
دراسة فحوى الرواية
فحوى الرواية هي أنّ الباقر(ع) قال: هذه الآية لآل محمد(ص) و قال: بأنّها لآل محمد(ص) المهدي والصحابة، وقرأت في مصدر آخر: والمهدي يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين و يميت الله به و بأصحابه البدع و الباطل. إنّ هذا هو مصداق لتحقيق إحياء الدين و إنكار البدع، كما أمات السفه الحق. بمعنى أنّه قد جاءت جماعة سفهاء وأماتوا الحق وفي المصادر قيل: كما أمات الشقاة حتى لا يرى أثر للظلم. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
تبيين نقطتان هامتان حول حجية الروايات
لكن كما تلاحظون بأنّ سند الرواية لم يكن بسند تام هنا لابدّ أن أبين نقطتين:
الأولى: بيان مبدأين حول عمومية حجّية خبر الواحد حول غير الحكم الشرعي الفرعي
إنّ هذا البحث يتمّ طرحه في الأصول لكن لا يطرحه كافة الأصوليين بل يطرحه البعض لهدف ما و يسير المرحوم الطباطبائي في تفسيره على هذا الأساس، وعلى كل فإنّ هناك مبدأين حول حجّية خبر الواحد حول غير الحكم الشرعي الفرعي:
المبدأ الأول: عمومية أدلّة حجّية خبر الواحد حول غير الأحكام الشرعية الفرعية:
نحن في علم الأصول قد أثبتنا بأنّ خبر الواحد حجّة مطلقاً، ولا تنحصر الحجّية بالأخبار التي تتحدّث عن الأحكام الشرعية الفرعية. فإنّ أدلّة حجّية خبر الواحد تجعل خبر الواحد حجّة بشكل عام. يعني في الأحكام و التاريخ و التفسير، كما وصل المرحوم الخوئي و والدي، وصلت أنا إلى نتيجة بأنّ أدلّة حجّية خبر الواحد عامة. والخبر الثقة حجّة مطلقاً في الأحكام و العقائد، و لدينا أخبار كثيرة عن الأئمة في العقائد أو التوحيد أو النبوة أو المعاد أو التاريخ أو تفسير الآيات.
المبدأ الثاني: عدم عمومية أدلّة حجّية خبر الواحد حول غير الأحكام الشرعية الفرعية:
لكن هناك مفسّرين من أمثال العلاّمة الطباطبائي يرون أنّ أدلّة حجّية خبر الواحد لا تشمل الأخبار التي يريد القرآن تفسيرها بل أنّها تنحصر في الروايات التي تستوجب على المكلّف حكماً شرعياً. و السبب في أنّ العلاّمة(ره) في تفسيره قد اعتمد علی تفسير القرآن بالقرآن، و لم يعتمد في النکات التفسيرية إلی الأخبار والأحاديث، هو أنّه لا يرى بأنّ الرواية حجّة في تفسير الآية. وهناك الكثير من العلماء كـ «فيض الكاشاني و الشيخ الطوسي و المرحوم البحراني» يعتبرون الحديث و خبر الواحد حجّة في تفسير القرآن.
النقطة الثانية: بيان مبدأين في باب حجية خبر الواحد
الأوّل: الوثوق من حيث السند والثاني: الوثوق من حيث الصدور.
هناك الكثير من الكبار يرون بأنّ الرواية إذا كانت موثوقة الصدور حتى لو كان سندها ضعيفاً يكون لها حجية و بما أنّ الكثير من الروايات نقلت في كتب كثيرة و نقلها علماء كثير و لم يشكك أحد في صحتها، عليها يمكن القول بأنّ رواية أبي الجاورد أو الكثير من الروايات التي وردت في تفسير علي بن إبراهيم بأنّها من قبيل موثوق الصدور و نحلّ المشكلة، اللهم إلا كانت هناك قرينة واضحة لا يمكن لأحد أن يرفضها.
تبيين نقطتان حول الرواية الأولى
الرواية هي: «هذه الآية لآل محمّد و المهدي وأصحابه». وتطرقنا إليها سالفاً.
النقطة الأولى: هناك قرينة تقول أنّ الراوي هو محمّد بن عباس بن علي بن مروان
لابدّ من الاهتمام بهذه النقطة لأنّ هذه الرواية تتطرق إلى الآية وإنّ محمّد بن عباس بن علي بن مروان الشهير بابن الحجّام وله كتاب بعنوان «في ما نزل من القرآن في أهل البيت(ع)». إنّ روايته التي ذكرناه تقول عن الباقر(ع) هذه الآية لآل محمد(ص) و...
النقطة الثانية: اهتمام الأئمة بفحوى الآية و الردّ على مزاعم الكذابين
عند المراجعة إلى الكتب الروائية نرى بان هناك خمس أو ستّ روايات أخرى ذكرت فيها الآية قال الأئمة بأنّها نزلت فينا، هذا يبيّن بأنّ الأئمة كانوا يهتمّون بهذه الآية اهتماماً خاصاً و كان في المقابل بعض من الخلفاء في صدر الإسلام يحاولون أن ينسبوا الآية على أنفسهم.
ورد في بحار الأنوار عن صعصعة بن صوحان العبدي(ره)، قال:
دخلت على عثمان بن عفان في نفر من المصريين، فقال عثمان: قدّموا رجلاً منكم يكلّمني، فقدّموني، فقال عثمان: هذا.. !، وكأنّه استحدثني، فقلت له: إنّ العلم لو كان بالسنّ لم يكن لي ولا لك فيه سهم، ولكنّه بالتعلّم. فقال عثمان: هات!. فقلت: بسم الله الرّحمن الرّحيم «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ». فقال عثمان: فينا نزلت هذه الآية؟!. فقلت له: فمر بالمعروف وانه عن المنكر، فقال عثمان: دع ذا، وهات ما معك. بمعنى أنّه كان يقبل بأنّه لم يأمر بالمعروف و ينهی عن المنكر.(20)
ففي مثل هذه الظروف كان هناك غير صالحين يرون بأنّ الآية نزلت فيهم من أمثال عثمان، فكان من الطبيعي بأن يذكر الأئمّة(ع) أصحابهم و أتباعهم بأنّ الآية نزلت في أهل البيت(ع) حتى أقسموا بهذا بالقول والله نزلت الآية فينا.
الرواية الثانية
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ(ره) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يَوْماً فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ أَمَامَهُ وَ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَعْيَتْ عَلَيَّ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ سَأَلْتُ عَنْهَا جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ فَأَرْشَدَنِي إِلَيْكَ، فَقَالَ: وَ مَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ». فَقَالَ: أَبِي نَعَمْ فِينَا نَزَلَتْ وَ ذَاكَ لِأَنَّ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ طَائِفَةً مَعَهُمْ وَ سَمَّاهُمْ اجْتَمَعُوا إِلَى النَّبِيِّ(ص) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى مَنْ يَصِيرُ هَذَا الْأَمْرُ بَعْدَكَ فَوَ اللَّهِ لَئِنْ صَارَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ إِنَّا لَنَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا وَ لَوْ صَارَ إِلَى غَيْرِهِمْ لَعَلَّ غَيْرَهُمْ أَقْرَبُ وَ أَرْحَمُ بِنَا مِنْهُمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) مِنْ ذَلِكَ غَضَباً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ مَا أَبْغَضْتُمُوهُمْ لِأَنَّ بُغْضَهُمْ بُغْضِي وَ بُغْضِي هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ ثُمَّ نَعَيْتُمْ إِلَى نَفْسِي فَوَ اللَّهِ لَئِنْ مَكَّنَهُمْ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ لَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَ لَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ لِمَحَلِّهَا وَ لَيَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَيَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ إِنَّمَا يُرْغِمُ اللَّهُ أُنُوفَ رِجَالٍ يُبْغِضُونِّي وَ يُبْغِضُونَ أَهْلَ بَيْتِي وَ ذُرِّيَّتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» فَلَمْ يَقْبَلِ الْقَوْمُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ «وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ إِبْراهِيمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ مَدْيَنَ وَ كُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ».(21)
دراسة سند الرواية
سند الرواية ليس بصحيح، لأنّ «عيسى بن داود» ليس بثقة و له كتاب في التفسير فقط(22).
وهکذا «محمّد بن إسماعيل العلوي» ليس ثقة؛ و لا تذكر كتب الرجال «محمد بن همّام».
أما «محمّد بن عباس» فتطرقنا إليه سابقاً.
دراسة فحوى الرواية
من المهم أن نعرف بأنّ هناك من رواها عن الباقر(ع) و البعض عن الإمام موسى بن جعفر(ع) و البعض عن الإمام الصادق(ع) و هذه القضية هي قضية مهمة.
عن موسى بن جعفر(ع): كنت عند أبي يوماً في المسجد إذ أتاه رجل فوقف أمامه وقال يا ابن رسول الله أعيت علي آية في كتاب الله عزّ وجل سألت عنها جابر بن يزيد فأرشدني إليك، فقال: وما هي؟ قال: قوله عز وجل : «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ» الآية. فقال: نعم فينا نزلت وذلك أن فلاناً وفلاناً وطائفة معهم وسماهم اجتمعوا إلى النبي(ص) فقالوا يا رسول الله إلى من يصير هذا الأمر بعدك فو الله لئن صار إلى رجل من أهل بيتك إنّا لنخافهم على أنفسنا ولو صار إلى غيرهم لعلّ غيرهم أقرب وأرحم بنا منهم فغضب رسول الله(ص) من ذلك غضباً شديداً، ثمّ قال: أما والله لو آمنتم بالله ورسوله ما أبغضتموهم لأنّ بغضهم بغضي وبغضي هو الكفر بالله، ثمّ نعيتم إلي نفسي فو الله لئن مكّنهم الله في الأرض ليقيموا [ليقيمون] الصلاة لوقتها وليؤتوا [ليؤتون] الزكاة لمحلّها وليأمرنّ بالمعروف ولينهنّ عن المنكر إنّما يرغم الله أنوف رجال يبغضونني ويبغضون أهل بيتي وذريتي، فأنزل الله عزّ وجل «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ» إلى قوله «وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» فلم يقبل القوم ذلك فأنزل الله سبحانه «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ».
بيان رأينا حول الرواية الثانية:
إنّها رواية جيدة من حيث الفحوی ولکن الرواية ليس صحيحاً سنداً.
الرواية الثالثة
يرويها محمّد بن العباس عن ابن عقدة، وهي:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ(ره) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنِ الْإِمَامِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ(ع) قَالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ»؟ قَالَ: نَحْنُ هُمْ.(23)
دراسة سند الرواية
أتينا على ذكر «محمّد بن العباس» سابقاً أنّها من الروايات التي كانت من ضمن روايات كتب التفسير، بمعنى أنّه كان هناك رواة يجمعون الروايات حول التفسير.
«ابن عقدة» في كتاب الرجال يسمى بـ «أحمد بن محمّد بن سعيد»، يقول النجاشي بأنّه ثقة(24)، و يقول الشيخ الطوسي عنه: هذا رجل جليل في أصحاب الحديث و أمره في الثقة و الجلالة و عزم الحفظ أشهر من أن يذكر.(25)
«أحمد بن الحسن عن أبيه وهو احمد بن حسن بن علي بن فضال» و هو و أبوه ثقتان، كما أنّ «أحمد بن حسن بن إسماعيل الميثمي» ثقة؛ أما «الحصين بن مخارق» فيقول النجاشي عنه: قيل فيه بعض القول وضعف بعض التضعيف. و يضيف له كتاب التفسير.
دراسة فحوى الرواية
الرواية عن الإمام موسى بن جعفر(ع) عن آبائه(ع) في قوله عزّ وجلّ: «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر» قال : نحن هم.
فالمراد من «نحن» ليسوا من حيث الأشخاص بل إنّ الذرية و الجماعة التي يمكّنها الله هم من هذا القوم ومن أهل البيت.
الرواية الرابعة
يورد ابن شهر اشوب في كتاب المناقب المجلد الرابع صفحة 47 و 431 رواية سندها ليس بصحيح يقول:
وروى حمران عن أبي جعفر(ع) وأبو الصباح عن أبي عبد الله(ع) في قوله تعالى: «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ»؛ قالا: نحن هم.
الرواية الخامسة
في كتاب تأويل الآيات الظاهرة:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أَبِيهَا [عَنْ أَبِيهِ](ع) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ» قَالَ: هَذِهِ نَزَلَتْ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ.(26)
دراسة الروايتين في كتاب تفسير فرات الكوفي حول الآية 41 و تبيين مكانة هذا الكتاب
وردت بعض الروايات في تفسير فرات الكوفي حول هذه الآية. هذا و هناك أقوال كثيرة بين الكبار حول مقبولية تفسير فرات الكوفي.
يقول السيّد محسن الأمين في كتاب أعيان الشيعة: فرات ابن إبراهيم الكوفي له تفسير كبير يروي عنه وعن كتابه علماؤنا(27)، بمعنى أنّه ثقة. يقول صاحب وسائل الشيعة بأنّني استندت في كتابي إلى 80 كتاباً و تفسير فرات الكوفي هو أحد تلك الكتب.
الرواية الأولى:
حدّثني الحسن بن علي بن بزيع، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان عن فضيل بن زبير عن زيد بن علي، قال: إذا قام القائم من آل محمّد ويقول: يا أيها الناس نحن الذين وعدكم الله في كتابه ثمّ يتلو هذه الآية «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ».(28)
الرواية الثانية:
يقول فرات حدّثني أحمد بن قاسم بن عبيد، قال: حدّثنا جعفر بن محمد الجمال، قال: حدّثنا يحيى بن هاشم، قال: حدّثنا أبو منصور عن أبي خليفة، قال: دخلت أنا و أبو عبيدة الحذاء على أبي جعفر(ع) فقال: يا جارية هلمي بمرفقة قلت بل نجلس. قال الإمام يا أبا خليفة لا ترد الكرامة لأنّ الكرامة لا يردها إلاّ حمار، قلت لأبي جعفر: كيف لنا؟ ثمّ قال: كيف لنا بصاحب هذا الأمر حتى نعرفه تلا الإمام الآية: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ» وثمّ قال: إذا رأيت هذا الرجل منّا فاتبعه فإنّه هو صاحبه.(29)
نتأكّد من مجموع الروايات بأنّ الآية 41 من سورة الحج تتحدّث عن الإمام الزمان(عج).
في المحصلة النهائية بعد دراسة الروايات يتأكّد بأنّ الأئمة كانوا يهتمون اهتماماً كبيراً بأنّ هذه الآية نزلت في الإمام المهدي(ع) و أصحابه.
والنقطة الثانية: إنّ مصداق الآية هو إمام الزمان(عج) فحسب وليس السابقين ولا اللاحقين.
كان الأئمّة يؤكّدون بأنّه لا يجوز للآخرين بأن ينسبوا الآية لأنفسهم فعلى سبيل المثال فإنّنا بإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران لا يمكننا القول بأنّ الآية فينا نزلت، فهذه الآية مختصّة بإمام المهدي(عج) وأصحابه.
والنقطة الثالثة: المبادئ التفسيرية للروايات حول الآية تختلف فيما بينها.
تطرقنا إلى هذا الموضوع عند الحديث عن أسلوب العلاّمة الطباطبائي وأسلوب الآخرين وشاهدنا بأنّها تختلف عن بعضها البعض.
إنّ النتيجة التي نخرج بها من الروايات هي: قلنا سابقاً بأنّنا نثق في الروايات بأنّها من الأئمة.
إذا أخذنا بعين الاعتبار بأنّ المعارضين كانوا يريدون القول بأنّ الآية نزلت فيهم وكان الأئمّة يعارضونهم ويجيبون عليهم. فلا يبقى مجال للشك بأنّ الآية تتحدّث عن رجل من أهل البيت يقوم في آخر الزمان ويحقّق الأمور الأربعة.
دراسة قضية هامة: إنّ من تتحدّث الآية عنهم لا يواجهون مانعاً للقيام بالأمور الأربعة في الأرض.
هناك قضية تستنبط من الآية وهي أنّه وفق ظاهر الآية فإنّ المتمكّنين في الأرض لا يواجهوا مانعاً للقيام بالأمور الأربعة. أنّها نقطة ملفتة للإنتباه بمعنى أنّ المؤمنين لو بذلوا المساعي للقيام بالأمور الأربعة قد يواجهون مانعاً لكن تقول الآية بأنّهم يتمكّنون من القيام بهذه الأعمال بحيث لا يقف في وجههم مانع.
بناءاً على هذا فإنّه هذه النقطة توضح دلالة الآية على الإمام الزمان وأصحابه. فقبل ظهور الإمام قد تظهر موانع في الطريق في الحكومة الإسلامية الناتجة عن السلطة المعارضة وجهل الناس كما توجد فرق منحرفة وضالّة لكن الآية تقول بأنّ بعد الظهور لا يبقى مانع في سبيل تنفيذ الأمور الأربعة. وعندها يتّضح مفهوم المعروف والمنكر بشكل بارز.
دراسة في نظرية العلاّمة الطباطبائي حول الآية
قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان بأنّ هذه الآية تشمل المؤمنين و المسلمين منذ نزول الوحي إلى يوم القيامة. هناك عدّة نقاط تثار حول هذه العبارة:
النقطة الأولى: إنّ الآية توصيف المجموع من حيث هو مجموع من غير نظر إلى الأشخاص. أي من حيث أنّهم مجتمعون وليس من حيث أنّهم أشخاص وأفراد بل من حيث أنّهم مجتمعون.
النقطة الثانية: ثم قال: «يقول تعالى إن من صفتهم أنّهم إن تمكنوا في الأرض وأوتوا الحرية في اختيار ما يستحبونه من نحو الحياة عقدوا مجتمعا صالحا تقام فيه الصلاة». ثمّ يضيف فالمراد بهم عامة المؤمنين يومئذ، بل عامة المسلمين إلى يوم القيامة والخصيصة خصيصتهم بالطبع فمن طبع المسلم بما هو مسلم الصلاح و إن كان ربما غشيته الغواشي.(30)
بحث في النقطة الثانية لكلام العلامة:
نلاحظ في کلامه بأنّه هل يمكن أن نستنتج ونقول بأنّ الآية تتعلّق بعامة المسلمين و المؤمنين يومئذ ثمّ جميع المسلمين إلى يوم القيامة، ثمّ نقول بأنّه تعالى يريد أن يبيّن إسلام الأشخاص بأنّه تعالی إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة؟.
دراسة في أدلة العلامة حول الردّ على نظرية أهل السنة في «الذين إن مكّناهم»
يقول بعض المفسرين من العامة بأنّ مفردة «الذين» هم تختصّ بالمهاجرين، وقال العلاّمة الطباطبائي: إنّ هذا القول خطأ لعدّة أسباب:
الأوّل: لمنافاته عموم الموصوف المذكور في صدر الآيات. فالآيات السابقة تعتبر صفة للذين فمنها: «اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» التي نبحث فيها لاحقاً أنّه يقول بأنّ الآية لها عمومية وأجيز للعموم بأن يجاهدوا، فإنّ الموصوف هو عام فلماذا نحصر «الذين» في عدّة أشخاص؟
الثاني: يقول: على أنّ المجتمع الصالح الذي عقد الأوّل مرّة في المدينة ثم انبسط فشمل عامة جزيرة العرب في عهد النبي وهو أفضل مجتمع متكون في تاريخ الإسلام تقام فيها الصلاة وتؤتي فيها الزكاة وتؤمر فيه بالمعروف وتنهی عن المنكر. ويضيف: بأنّ تلك الحكومة في المدينة في زمن النبي(ص) مشمولة للآية قطعاً. و إنّ «الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم» تشمل النبي(ص) وأصحابه في صدر الإسلام لأنّه كانت تقام الصلاة وتؤتي الزكاة وتؤمر بالمعروف وتنهی عن المنكر وكان سبب الأوّل ثمّ العامل الغالب فيه الأنصار دون المهاجرين.
الثالث: لم يتّفق في تاريخ الإسلام للمهاجرين خاصّة أن يعقدوا وحدهم مجتمعاً من غير شركة. ثمّ يخاطب أهل السنة بالقول بأنّه لو أردنا أن نحصر الآية بالمهاجرين ليس من الضروري أن نقول بأنّ المهاجرين كونوا مجتمعاً لم يتدخل الأنصار فيه لأنّ التاريخ لم يقل لنا هذا. وفي النهاية يقول: اللّهمّ إلا أن يقال إنّ المراد بهم أو خصوص علي(ع) على الخلاف بين أهل السنّة والشيعة. وفي ذلك إفساد معنى جميع الآيات.
الرابع: إنّ التاريخ يضبط من أعمال الصدر الأوّل و خاصّة المهاجرين منهم أموراً لا يسعنا أن يسمّيها إحياء للحقّ وإماتة للباطل. سواء قلنا بكونهم مجتهدين معذورين أم لا، فليس المراد توصيف الأشخاص بل المجموع من حيث هو مجموع.(31)
الإشكالات في نظرية العلاّمة
إنّني أرى بأنّ كلام العلامة القائل بأنّ الآية لا تتعلّق بالأشخاص هو صحيح، لكن قلت سابقاً بأنّ الآية تشير إلى العمل الجماعي و التنظيمات. أمّا الإشكالات الواردة على كلامه:
الإشكال الأول: كيف يستنبط من الآية بأنّ من طبع المسلم أن يقوم بالإصلاح؟
الإشكال الثاني: الآية الثانية تدلّ على الأثر الفعلي، بمعنی أنّ الآية تدلّ علی أنّهم لو تمكّنوا في الأرض يقومون بهذه الأعمال وليس هناك مانعاً يقف في وجههم، لكن كما يقول العلاّمة بأنّه إذا اجتمع المؤمنون في فترة ما وتمكّنوا لكن لعروض الموانع لم يستطيعوا أن يقوموا بالأعمال فهل يمكن القول بأنّ الآية نزلت فيهم؟
الإشكال الثالث: إذا كانت الآية تشير إلى المجتمع في صدر الإسلام لماذا بدأت بإن الشرطية؟
هناك عدّة نقاط حول هذه الآية الشريفة، فيما يلي أذكرها:
الأولى: إنّ الأمور الأربعة أمور هامّة من منظار الله.
النقطة الثانية: صحيح أنّ الأمور الأربعة واجبة من الجانب الشخصي، و لکن من جانب الحكومة تكتسب وجوباً مضاعفاً.
توضيح ذلک: إنّ الآية لها ظهور حول وجوب قيام الحكومة أوّلاً، و إنّ الحاكم لابدّ أن يأمر بالمعروف و ينهی عن المنكر. بمعنی أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر وإن کانا من الفرائض الشخصية ولکن إقامة الحکومة الإسلامية و تمکّن جمع من الناس في الأرض تسبّب وجوبهما مضاعفاً، فعلی الحکومة الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و لا تنفکّ الحکومة الإسلامية عنهما، فهما واجبان أساسيان علی الحکومة الإسلامية، و ربما تتغيّر الشرائط بالنسبة إليها خلاف ما هو مفروض في الأشخاص. وتوضيح ذلک موکول إلی الفقه إن شاء الله.
--------------------------------------------
1. مفاتيح الغيب: 23/231.
2. المصباح المنير: 2/577.
3. الصحاح: 6/2205.
4. مجمع البحرين: 6/317.
5. مفاتيح الغيب: 24/413.
6. الجامع لأحکام القرآن: 13/73.
7. الجامع لأحکام القرآن: 13/73.
8. الجامع لأحکام القرآن: 13/73.
9. الجامع لأحکام القرآن: 13/73: «قال الحسن و أبو العالية: هم هذه الامة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة».
10. الجامع لأحکام القرآن: 13/73؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: 9/157.
11. الجامع لأحکام القرآن: 13/73.
12. مفاتيح الغيب: 23/231.
13. الکشّاف عن حقائق غوامض التنزيل: 3/160.
14. تفسير القمّي: 2/78؛ البرهان في تفسير القرآن: 3/892.
15. الفهرست: 72 و 73.
16. خلاصة الأقوال: 223.
17. ص 61.
18. راجع معجم رجال الحديث: 8/332ـ334.
19. خلاصة الأقوال: 249؛ منتهی المقال في أحوال الرجال: 5/249؛ معجم رجال الحديث: 15/110.
20. بحار الأنوار: 31/475؛ أمالي الطوسي: 236.
21. البرهان في تفسير القرآن: 3/892؛ بحار الأنوار: 24/165.
22. معجم رجال الحديث: 14/201.
23. البرهان في تفسير القرآن: 3/891؛ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: 337.
24. رجال النجاشي: 94.
25. الفهرست: 28.
26. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: 338.
27. أعيان الشيعة:1/126.
28. تفسير فرات الکوفي: 274.
29. نفس المصدر.
30. الميزان في تفسير القرآن: 14/386.
31. الميزان في تفسير القرآن: 14/387.