هناك اختلاف في الروايات بشان الحوادث الجزئية لتاريخ كربلاء كما ان هذا الاختلاف موجود بالنسبة الى سائر الوقائع التاريخية. فأصل واقعة كربلاء وشهادة الامام الحسين واصحابه وايضا سبي اهل البيت وذهابهم الى الشام من المسلمات. واما جزئيات بعض وقائع كربلاء في يوم عاشوراء، وما بعده قد رويت بروايات مختلفة وللاسف، ومن الممكن ان يروي كل مؤرخ من جهة معينة وهذا يكون سببا للاخلاف، ومن الممكن ان يكون سبب الاختلاف فهم المؤرخين او الاخطاء في النسخ، ومن الممكن ايضاً يحصل خطأ عند النسخ ويتم تغيير في بعض هذه الاسماء وهذا الاختلاف التاريخي امر ممكن خصوصاً مع مضي الزمان، ولكنه لا يضر في اصل المسألة.
وعلى هذا الاساس:
1ـ ان اصل شهادة طفل للامام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء امر قطعي و مسلم سواء كانت ولادة الطفل في نفس تلك اللحظة واما المخيم او كان عمره ستة اشهر وامام الجيش، وسواء كان اسمه عبد الله او علي الاصغر، ورواية كل من هذين الامرين طبقاً لمصدر تاريخ لا اشكال فيه. وهذا هو التاريخ فانه يروى برويات مختلفة. وروي في بعض الرويات عن الامام الحسين: انه قال: سميت جميع اولادي باسم علي الذي هو اسم ابيه امير المؤمنين. ومن هذه الرواية يمكن ايضا ان يستنتج ان الاسم الاخر لعبد الله الرضيع هو علي الاصغر.
وقضية وقوف الامام مقابل جيش الاعداء وطلب الماء منهم ليست مستحيلة لا عقلاً ولا شراعاً، وهذا لا يعني التوسل والرجاء، وذلك لانه من الممكن ان يكون طلب الامام من باب اقامة الحجة عليهم، كما القى الحجة عليهم مرات عديدة في يوم عاشوراء ودعاهم الى الحق، كما روى ابو مخنف في مقتله: (قال: يا قوم، قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري، وما بقي غير هذا الطفل، وهو يتلظى عطشا، فاسقوه شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم، وهو حرملة بن كاهل الأسدي، فذبح الطفل من الوريد إلى الوريد، أو من الأذن إلى الأذن). وروى اليعقوبي في تاريخه ايضاً(ج2، ص245: (فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة، فأذن في أذنه، وجعل يحنكه إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبي فذبحه).
فطلب الماء للطفل الرضيع في ذلك اليوم ليس توسلاً ورجاء، بل هو من جهة اقامة للحجة على الناس، ومن جهة اخرى يثبت بذلك احقية الحسين وقساوة قلوب الاعداء وبهذا سيثبت احقية ثورة الامام الحسين (عليه السلام).
وبناء على هذا نسبة التسنن الى ملا حسين الكاشفي والاعتقاد بان هذه الامور من موضوعاته غير صحيح، وهذه تهمة يجب عليك ان تتوب منها. وطبعاً نحن لا نقول ان جميع ما في كتاب روضة الشهداء صحيح، ولكن الاعتقاد بان جميع مطالب الكتاب موضوعة خطأ ايضاً. اذن اصل شهادة الطفل الرضيع في ذلك اليوم من المسلمات، الا ان الاختلاف في رواة التاريخ، ولا اشكال في ان يروي المرء الحادثة طبقاً لما هو موجود في احد كتب التاريخ ومصادره ويعتمد على ذلك.
2ـ اما بالنسبة الى قضية خربة الشام، ان اصل قضية وجود طفل من اهل البيت مات هناك ودفن مظلوما من المسلمات، وان اختلف التاريخ في اسم ذلك الطفل، و ما ذكرتموه من ان قبر رقية متعلق برقية بنت امير المؤمنين(عليه السلام)غير صحيح ايضاً، فان الامام امير المؤمنين لم يسكن الشام اصلاً، وان قلتم انها من اهل البيت (عليهم السلام) فهذا صحيح، ولكن وان امكن نسبتها الى امير المؤمنين، وان قلتم انها بنت امير المؤمنين واخت السيدة زينب وهذا الامر من الاسرار وتوفيت هناك فهذا الاحتمال بعيد ايضاً.
وعلي أي حال ان قضية وفاة بنت في خربة الشام مسلم والشيخ المطهري رحمه الله ايضا من المؤيدين لهذا الاصل واما الاختلاف حول الاسم والتسمية فهو غير مهم.
3ـ واما بالنسبة الى شهادة طفلي مسلم فان هذه الحادث ايضاً كذلك واصل قضية شهادة طفلين من اهل البيت على يد جماعة ابن زياد مسلمة. الا ان هذين الطفلين هل هما طفلي مسلم او من اولاد سائر اهل البيت وهل انهما كانا بيد الحارث او شخص آخر، ايضا محل خلاف تاريخي، والمعروف والمروي عن بعض المصادر التاريخية انهما اولاد مسلم وما ذكره في روضة الشهداء لا يكون دليلاً على كذبه وليس كتاب روضة الشهداء هو المصدر الوحيد.
والنتيجة: ان التاريخ وللاسف فيه اختلاف الجزئيات ولكن رواية تاريخية معينة لا تدل على كذب الرواية التاريخة الاخرى، وقد نقلت هذه المصائب بروايات مختلفة، والمهم هو اصل المصيبة التي جرت على اهل البيت(عليهم السلام) في كربلاء و ما بعدها.
شبهات حول وقائع عاشوراء
11 ذیقعده 1433 الساعة 19:15
سلام عليكم: ان اسكن في مدينة زاهدان من محافظة سيتستان وبلوجستان. انا شيعي، ومع الالتفات الى حساسية مسئلة الشيعة والسنة في هذه المدينة، أريد منكم ان تجيبوا على سؤالي: اني ارسلت عن طريق البريد الالكتروني نظرية احد الاخوة من اهل السنة، ونظراً الى انه هؤلاء الاشخاص متمسكون جدا بنظريتهم، وانا ليس لدي معلومات كافية لاجابتهم، رجاءً ارسلوا الي الاجابة الوافية على هذه النظرية كي تنحل المسألة لي على الاقل، وانا انتظر جوابكم. مأساة الاطفال وقراءة قصة علي الاصغر، ورقية وطفلا مسلم، اليوم نواجه كثير من الدارسين الذين هم في المسائل المذهبية اكثر تعصباً من واكثر عامي وخرافية من اهل السوق وعامة الناس، ان الناس في العصر الماض مع انهم كانوا اميين ولكنهم بسبب حضورهم المجالس المختلفة وسماعهم المحاضرات المختلفة فهذا في حد نفسه اعطاهم القدرة على التحليل والتفكير، فهم لا يقبلون أي كلام. الا انه ومع الاسف بعض الدارسين الذين لا يمتلكون حتى هذا المقدار من الفهم ياتون ومن دون دراسة علمية ومنطقية اما ان ينكروا كل شيء، ويتصورون انهم كلما تعاملوا مع الامور بخرافية ومن دون حساب وبتطفل سيكون بذلك اكثر ديانة، وواضح يعتقد هؤلاء كل امر خارج عن دراستهم التخصصية فلا يحتاج في قبوله او رده الى أي دراسة تخصصية او رؤية حكيمة. وتزداد هذه القضية تاسفاً حينما يكون مبلغينا اشبه بالعوام ويبيعون مسؤولياتهم الاجتماعية و امكانية الدولة للتظاهر والتصنع، ويقومون بتغذية الخرافات التي يرغب بها الكثير. الكاتب بصدد الانجاز هذه الايام كي يتم مراجعة ملف ثلاثة قصص حزينة لقضية كربلاء التي يشار اليه غالباً في مجالس العزاء ووسائل التبليغ. كي يتم التعرف على الحقيقة من التحريف والاسطورة والخرافة. يرى المؤرخون لاجل قبول حقيقة تاريخية لا بد ان يكون زمان تنظيم سند تلك الحادثة قريباً جداً، وكلما طال الفاصل الزمني عن تلك الواقعة سيكون الشك بصحة ذلك السند اكثر، ولا وجه للاعتماد على الاسناد البعيدة مع وجود اسناد قريبة. 1ـ كلنا يعلم بان ابا عبد الله الحسين (عليه السلام) كان عنده طفل رضيع عمره ستة اشهر اسمه علي الاصغر، ولما علم الامام الحسين بعطش ذلك الطفل الرضيع جاء به أمام جيش الاعداء وقال: ان لم ترحموني فلا اقل ارحموا هذا الطفل فانه يتلضى من العطش فاسقوه شربة من الماء، وفي هذا الاثناء سدد حرملة سهما ذي ثلاث شعب في رقبة علي الاصغر. وهذا القصة بهذا النحو لا يوجد عليها أي دليل تاريخي صحيح، والظاهر انه من وضع الملا حسين الكاشفي الذي هو من اهل السنة، في كتابه (روضة الشهداء) وقد توفي 910 هجري، وقد كتب الكاشفي هذا الكتاب بوصية من الحاكم وقام بانجازه إرضاءً للحاكم. وهذا الكتاب او مقتل فارسي كتب باسلوب لطيف وببيان فارسي سهل، وقد عرف المبلغين بقراءتهم لهذا الكتاب بـ( الخطباء) واطلقوا على هذه المجالس بمجالس( الخطابة)، والدليل على قولنا ان هذه القصة من تلفيقه هو: انه روى مصيبة علي الاصغر على خلاف الروايات والقصص الاخرى لكتابه فانه يروي تلك الرويات والقصص عن مصدر معين، بخلاف مصيبة علي الاصغر فانه روايها من دون ان يسندها الى أي مصدر(روضة الشهداء) ص753. يقول الشيخ المفيد الذي توفي سنة 413 هجري قبل الكاشفي بما يقرب من خمسمائة سنة في كتابه الارشاد وهو من اكثر الكتب الشيعية اعتباراً في مجال تاريخ الائمة الاطهار(عليهم السلام): ان ابناء الامام الحسين(عليه السلام) هم جعفر، وعلي الاصغر، وعلي الاكبر، وعبد الله، وتوفي جعفر في حياة الامام الحسين(عليه السلام) الارشاد، (ص126) واولاده الثلاثة الاخرون الذين حضروا في كربلاء احدهم علي الاصغر وامه ليلى بن مسعود الثقفي وقاتل في كربلاء وكان اول شهداء بني هاشم(تاريخ الطبري، ج7، ص3052) (وهو المعروف عندنا بعلي الاكبر) والاخر علي الاكبر (الارشاد، ص127) وبحسب نظرا لشيخ المفيد (رحمه الله) ان علي الاكبر هذا هو زين العابدين(عليه السلام)، واما عبد الله الذي هو اصغر ابناء الامام فقد استشهد في كربلاء كاخيه، (نفس المصدر ص129) واما كيفية شهادة عبد الله بن الحسين (عليه السلام) فهي: لما كان الامام الحسين جالساً امام المخيم جيء بولده عبد الله فاخذه الامام ووضعه علي يده، فرماه رجل من بني اسد بسهم فوقع السهم في نحره فاستشهد، فملأ الامام الحسين يده من دمه ورماه على الارض ثم قال: رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين (تاريخ الطبري، ج7، ص3055) ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله (الارشاد، ص112). وقد ذكر ابو الفرج الاصفهاني المتوفي 356 هجري في كتابه (مقاتل الطالبيين) يتحدث حول قتلى آل ابي طالب وذكر كيفية شهادة عبد الله بن الحسين بما يقرب من كلام الشيخ المفيد (رحمه الله) ولكن مع هذا الاختلاف حيث قال نقلا عن احد الرواة: فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره فيرمى به إلى السماء فما يرجع منه شئ، ويقول : اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل (ناقة صالح) ويرى ابو الفرج ان ام عبد الله بن الحسين هي الرباب بنت امرئ القيس، وقد روى ابو الفرج عن الامام الباقر (عليه السلام) ان حرملة هو الذي قتل عبد الله بن الحسن(عليه السلام) في كربلاء (نفس المصدر ص109) و من المحتمل ان المؤرخين قد خلطوا بين عبد الله بن الحسن وبين عبد الله بن الحسين. هذا وذكر اليعقوبي المتوفي سنة 284 هجري في تاريخه: فإن الإمام عليه السلام لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة، فأذن في أذنه، وجعل يحنكه، إذ أتاه سهم، فوقع في حلق الصبي، فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطخه بدمه ويقول: والله لأنت أكرم على الله من الناقة، ولمحمد أكرم على الله من صالح.(تاریخ الیعقوبی، ج۲، ص۱۸۲-۱۸۱). وهكذا قد لاحظنا ان قضية ترجي الامام الحسين من الاعداء في طلب الماء له ولولده الرضيع باسم علي الاصغر لم تذكر في أي مصدر تاريخي معتبر. 2ـ المصيبة الاخرى الذي رواها (ملا حسين الكاشفي) في كتابه نقلاً عن كتاب (كنز الغرائب) وهذا الكتاب غير موجود حالياً هي قصة ابنة للامام الحسين عمرها اربع سنين تطلب ابيها الامام الحسين فيامر يزيد بان يبعث اليها راس ابيها، وعندما ترى راس ابيها يغشى عليها ثم تموت(روضة الشهداء، ص845). وتعرف هذه البنت بين الخطباء باسم (رقية) وعمرها ثلاثة سنين ولكن لا يوجد في شيء من مصادر الشيعة القديمة المعتبرة بنت للامام الحسين بهذا الاسم، ولم ينقل احد هذه القصة. وبناء على ما رواه الشيخ المفيد (رحمه الله) انه لم يكن للامام الحسين (عليه السلام) الا ابنتين احداهما (سكينة) وامها ليلى والبنت الاخرى اسمها (فاطمة) وامها (ام اسحاق بنت (طلحة بن عبيد الله)(روضة الشهداء، ص 137). وقبر رقية المعروف في الشام يحتمل قوياً انه قبر رقية بنت امير المؤمنين(عليه السلام) لان علي ابن ابي طالب لديه ابنتان باسم رقية احداهما بنت (ام حبيب) بنت (ربيعة) والاخرى رقية الصغرى وامها (جمانة) وكنيتها (ام جعفر) (ارشاد المفید، ج۱،ص۳۵۵) وهذا الكلام ينسجم مع من قال انه الى جنب قبر الشام حجر مكتوب عليه (هذا قبر رقية بنت امير المؤمنين(عليه السلام). وطبعاً ان الامام الحسين له بنت تسمى رقية ايضاً. (نفس المصدر، ج2، ص16). ولو فرضنا ان قصة رقية مرتبطة ببنت الامام الحسن وكانت هذه البنت قد ولدت في آخر حياة الامام الحسن فلا بد ان يكون عمرها 11 سنة، وبناء على هذا فقصة خربة الشام و بنت الامام الحسين (عليه السلام) التي عمرها 4 سنين لا يوجد لها اي اصل ومبنى تاريخي. 3ـ المصيبة الطفلية الاخرى تتعلق بـ(طفلي مسلم) وهذه القصة ايضا ذكرها (ملا حسين الكاشفي) في كتاب (روضة الشهداء) من دون ان يسندها على كتاب ويحتمل قويا ان هذه القصة الحزينة والطويلة وبهذا الكيفية لم تذكر في أي كتاب تاريخي وهي من القصص التي صنعها نفس الكاشفي. والقصة بناء على نقله بهذا الشكل: ان مسلم قد اودع طفلاه محمد وابراهيم عند شريح القاضي في الكوفة، وبعد ان استشهد مسلم دلهما شريح القاضي الطريق الى المدينة، ولكنهما قد قبض عليهما في الطريق و وقعا في السجن، فهربا من السجن علي يد السجان (مشكور) ولكن اضلا الطريق ايضا، وضيفتهما امراة كان زوجها يبحث عن الطفلين لاجل ان ياخذ الجائزة، فلما علم زوجها بالامر اخذ الطفلين الى جنب النهر ليقتلهما و يبعث برأسهما الى ابن زياد وحيث منعته زوجته وابنه وغلامه من هذا العمل قام بقتل ابنه والغلام ثم قتل الطفلين، رمى بجسدهما في الماء واخذ رأسيهما الى ابن زياد، فلما رأى ابن زياد ذلك بكى وامر بقتل الحارث واوكل قتله الى شخص اسمه (مقاتل) من محبي اهل البيت (عليهم السلام) فاخذ الحارث الى نفس المكان الذي قتل الطفلان فيه والقي جسدهما في الماء، فقطع مقاتل الحارث اربا اربا ورماه في النهر، فقذ النهر جسده المقطع فرماه مقاتل في البئر فقذفه البئر ايضا فاظطر الى حرق جسده وذراه في الهواء. (روضة الشهداء ص522ـ503). وينبغي الالتفات الى ان لا يوجد في الكتب المعتبرة القديمة ابن لمسلم بن عقيل باسم ابراهيم بن مسلم بن عقيل، فان اسم ولدي مسلم بن عقيل محمد وعبدالله وقد ورد هذان الاسمان في الكتب التاريخية المعتبرة مثل (مقاتل الطالبيين، ص113) لابي الفرج الاصفهاني. وقد ذكر الخوارزمي في مقتله والشيخ الصدوق (رحمه الله) في اماليه والطبري في تاريخه ان كل من الطفلين قد استشهد في كربلاء، وكان عبد الله بن مسلم اول من خرج الى الميدان من اهل البيت(عليهم السلام) وقد استشهد بعد ان قتل عدد من الاعداء وقد ذكر البعض كيفية شهادته انه لما كان قد وضع يده على جبهته اصابه سهم فلم يستطع ان يفصل يده عن جبهته، ثم اصابه سهم اخر فاستشهد، اذن فنلاحظ ان قصة طفلي مسلم ايضا موضوعة وطفلي مسلم قد قتلا في يوم العاشر بكربلاء. نعم قد ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) في المجلس التاسع عشر من كتابه (الامالي) هذه القصة بشأن طفلين قد فرا من عسكر ابن زياد بعد شهادة الامام الحسين (عليه السلام) (وهذان الطفلان هما لجعفر الطيار) وقد اتي بهما الى ابن زياد. امالي الصدوق (رحمه الله)(ج1، ص88ـ 82). هذا والحال ان جعفر ابن ابي طالب استشهد في معركة تبوك قبل ما يقرب من خمسين سنة و وجود طفلين لجعفر في كربلاء محال، وذكر ان الخوارزمي في كتابه(مقتل الحسين) ان الطفلين الذين فرا من عسكر ابن زياد قد ضيفتهما امرأة ثم بعد ذلك عزم زوجها على قتلهما ويبعث براسيهما الى ابن زياد. (الامالی، ج۲،ص ۵4-۵۸). قد نقلنا هذه القصص الثلاثة عن المصادر الاولية كي يعلم كيف اعتبرنا الامور التي لا اصل لها ولا يمكن ان نجد لها توجيها اعتبرناها قطعية ومسلمة، ومن هذه الجهة نطلب من طلاب الحوزة العلمية والجامعة ان لا يلوثوا اذهان الناس بالخرافات وباسم الدين من دون مطالعة او تحقيق علمي. وان لا يغرسوا في اذهان الناس هذه الامور الخاطئة بحيث لا يمكن بعد ذلك محوها. وفي هذه اليالي قد بث التلفزيون فيلماً بشان (طفلي مسلم) وقد تعرض الفلم الى تلك القصص وقد اتضح انها مصنوعة واذا كانت هذه القصة تبثها جهة دولية فكيف يمكن محوها عن الاذهان، ونحن نواجه في اقصى نقاط مناطق الشيعة جمعيات وهيئات باسم (علي الاصغر) واسم (رقية خاتون) وحتى من قبل الدارسين والمثقفين وقد لاحظنا ان وجود اولاد للامام الحسين (عليه السلام) بهذه الاسماء مشكوك جداً. وقد راى الكاتب في مدينة اصفهان ان المدينة من اولها الى اخرها تبعا لما اجري في طهران في السنين الماضية انهم مملوئة بالستور من جانب منظمة الثقافة والسياحة لبلدية اصفهان ، والمجتمع الثقافي للامام الخميني وشباب باب الحوائج علي الاصغر مكتوب عليها عنوان (باب الحوائج علي الاصغر)، ومن العجيب ان نفس الحسين ليس بابا للحوائج ولكن علي الاصغر الطفل الصغير الرضيع وقصته، هو باب حوائج بعض مسؤلي شؤون ثقافة المدينة.
الجواب :
هناك اختلاف في الروايات بشان الحوادث الجزئية لتاريخ كربلاء كما ان هذا الاختلاف موجود بالنسبة الى سائر الوقائع التاريخية. فأصل واقعة كربلاء وشهادة الامام الحسين واصحابه وايضا سبي اهل البيت وذهابهم الى الشام من المسلمات. واما جزئيات بعض وقائع كربلاء في يوم عاشوراء، وما بعده قد رويت بروايات مختلفة وللاسف، ومن الممكن ان يروي كل مؤرخ من جهة معينة وهذا يكون سببا للاخلاف، ومن الممكن ان يكون سبب الاختلاف فهم المؤرخين او الاخطاء في النسخ، ومن الممكن ايضاً يحصل خطأ عند النسخ ويتم تغيير في بعض هذه الاسماء وهذا الاختلاف التاريخي امر ممكن خصوصاً مع مضي الزمان، ولكنه لا يضر في اصل المسألة.
وعلى هذا الاساس:
1ـ ان اصل شهادة طفل للامام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء امر قطعي و مسلم سواء كانت ولادة الطفل في نفس تلك اللحظة واما المخيم او كان عمره ستة اشهر وامام الجيش، وسواء كان اسمه عبد الله او علي الاصغر، ورواية كل من هذين الامرين طبقاً لمصدر تاريخ لا اشكال فيه. وهذا هو التاريخ فانه يروى برويات مختلفة. وروي في بعض الرويات عن الامام الحسين: انه قال: سميت جميع اولادي باسم علي الذي هو اسم ابيه امير المؤمنين. ومن هذه الرواية يمكن ايضا ان يستنتج ان الاسم الاخر لعبد الله الرضيع هو علي الاصغر.
وقضية وقوف الامام مقابل جيش الاعداء وطلب الماء منهم ليست مستحيلة لا عقلاً ولا شراعاً، وهذا لا يعني التوسل والرجاء، وذلك لانه من الممكن ان يكون طلب الامام من باب اقامة الحجة عليهم، كما القى الحجة عليهم مرات عديدة في يوم عاشوراء ودعاهم الى الحق، كما روى ابو مخنف في مقتله: (قال: يا قوم، قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري، وما بقي غير هذا الطفل، وهو يتلظى عطشا، فاسقوه شربة من الماء. فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم، وهو حرملة بن كاهل الأسدي، فذبح الطفل من الوريد إلى الوريد، أو من الأذن إلى الأذن). وروى اليعقوبي في تاريخه ايضاً(ج2، ص245: (فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد له في تلك الساعة، فأذن في أذنه، وجعل يحنكه إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبي فذبحه).
فطلب الماء للطفل الرضيع في ذلك اليوم ليس توسلاً ورجاء، بل هو من جهة اقامة للحجة على الناس، ومن جهة اخرى يثبت بذلك احقية الحسين وقساوة قلوب الاعداء وبهذا سيثبت احقية ثورة الامام الحسين (عليه السلام).
وبناء على هذا نسبة التسنن الى ملا حسين الكاشفي والاعتقاد بان هذه الامور من موضوعاته غير صحيح، وهذه تهمة يجب عليك ان تتوب منها. وطبعاً نحن لا نقول ان جميع ما في كتاب روضة الشهداء صحيح، ولكن الاعتقاد بان جميع مطالب الكتاب موضوعة خطأ ايضاً. اذن اصل شهادة الطفل الرضيع في ذلك اليوم من المسلمات، الا ان الاختلاف في رواة التاريخ، ولا اشكال في ان يروي المرء الحادثة طبقاً لما هو موجود في احد كتب التاريخ ومصادره ويعتمد على ذلك.
2ـ اما بالنسبة الى قضية خربة الشام، ان اصل قضية وجود طفل من اهل البيت مات هناك ودفن مظلوما من المسلمات، وان اختلف التاريخ في اسم ذلك الطفل، و ما ذكرتموه من ان قبر رقية متعلق برقية بنت امير المؤمنين(عليه السلام)غير صحيح ايضاً، فان الامام امير المؤمنين لم يسكن الشام اصلاً، وان قلتم انها من اهل البيت (عليهم السلام) فهذا صحيح، ولكن وان امكن نسبتها الى امير المؤمنين، وان قلتم انها بنت امير المؤمنين واخت السيدة زينب وهذا الامر من الاسرار وتوفيت هناك فهذا الاحتمال بعيد ايضاً.
وعلي أي حال ان قضية وفاة بنت في خربة الشام مسلم والشيخ المطهري رحمه الله ايضا من المؤيدين لهذا الاصل واما الاختلاف حول الاسم والتسمية فهو غير مهم.
3ـ واما بالنسبة الى شهادة طفلي مسلم فان هذه الحادث ايضاً كذلك واصل قضية شهادة طفلين من اهل البيت على يد جماعة ابن زياد مسلمة. الا ان هذين الطفلين هل هما طفلي مسلم او من اولاد سائر اهل البيت وهل انهما كانا بيد الحارث او شخص آخر، ايضا محل خلاف تاريخي، والمعروف والمروي عن بعض المصادر التاريخية انهما اولاد مسلم وما ذكره في روضة الشهداء لا يكون دليلاً على كذبه وليس كتاب روضة الشهداء هو المصدر الوحيد.
والنتيجة: ان التاريخ وللاسف فيه اختلاف الجزئيات ولكن رواية تاريخية معينة لا تدل على كذب الرواية التاريخة الاخرى، وقد نقلت هذه المصائب بروايات مختلفة، والمهم هو اصل المصيبة التي جرت على اهل البيت(عليهم السلام) في كربلاء و ما بعدها.
الكلمات الرئيسية :
۱۱,۹۱۳