اطرح سؤالك

24 ذیقعده 1433 الساعة 15:31

استقللت سيارة أجرة یوم أمس، و سئل مني أسئلة لم أستطع الإجابة علیها، آمل أن تتمكن من مساعدتي: ألف) لماذا خلقنا الله؟ فلله كل هذه القدرة، و جميع هذه الملائكة، يعبدونه من دون تعب، فما الضرورة من أن نخلق نحن أیضاً؟ أو حتی لماذا خلق الله کل هؤلاء الملائکة؟ فالله لا یضجر، لیلهي نفسه في التسلیة مثلاً، فما الحاجة إلی عبادتي وعبادتک؟ ب) یولد شخص في عائلة و أسرة متدینة و ملتزمة، فیکون بنفسه موحداً، و یولد آخر في بلد کذا في عائلة و أسرة بعیدة عن الله و منحرفة، فلا یعرف أصلاً أن الله الذي نقول ما هو؟ فکیف یحاسبهما الله عز و جل؟ ج) علی الرغم من وجود هذا کله، هل یمکن القول أن هناک إله؟ و إذا کان، فهو غني تماماً؟ یرجی منکم أن تثبوا لي وجود الله، و غناه و عدله؟ لأکون قادراً أنا أیضاً علی القیام بذلک للآخرین؟

الجواب :



الف: أصل السؤال: أن لماذا خلقنا الله! هو سؤال لا معنی له، لأن أمر الخلقة لیس بأیدینا، لنطرح له لماذا و لیس لنا الحق أیضاً في الاعتراض علی الله: أن لماذا خلقنا؟ فمع علمنا بأن الله حکیم، و لا یصدر عنه فعله من دون حکمة، یمکننا أن نطرح هذا السؤال: ما الغرض من خلق الإنسان؟ ولماذا خلقنا؟

یمکن الإجابة علی هذا السؤال من خلال مشاهدة الآیات و الروایات: أن الغرض من خلق الإنسان هو وصول الإنسان إلی کمال الخلق، فقد خلق الله الإنسان لیصل إلى الكمال. و الغرض من خلق الإنسان هو أن الوصول إلى كامل نفس الإنسان.

توضيح: الهدف من أي فعل هو أحد المعاني الثلاث:

1. توخي الربح و الحد من الضرر: یشاهد الانسان في نفسه احتیاجات و نواقص تحفزه للعمل،و رفع العیوب عنه و تلبیة الرغبات.

2. إرباح الآخرین: إذا أراد الإنسان القیام بفعل، فإن هدفه الأول هو إرباح الآخرین، لکن الغرض من ذلک العمل في الواقع: هو التکامل الروحي و التوازن والاستقرار النفسي والباطني. فعلی سبیل المثال: الأب الذي یسهر علی تربیة و تعلیم ابنه، تراه یتعب نفسه و یتعذب، و یقول: أن لیس له غرض و هدف سوی مصلحة الابن، لیکون ابناً نموذجیاً و مثالیاً، و هو یعلم جیداً أن امتلاک الابن البار الجید هو من أعظم الشرف و أعلی الکمال، وفي مثل هذه الغایات و الأهداف أیضاً، فإن هدف الانسان هو تکامل النفس، ولکن لوصوله إلی هذا الهدف، یسعی إلی تکامل الآخر.

3. إذا لم یراع الفاعل مصالحه الذاتیة، بل یرعی مصلحة الآخر و إیصال المنفعة له، حاله حال الأم التي تنسی نفسها، وتعشق ابنها، لتکون کالفراشة، تحترق و تطیر، إذ هي لا تفکر بنفسها ومصلحتها. والمثال الآخر المشابه لهذا المورد: الانسان المغرم، الذي یغفل عن نفسه بالتضرع و العبودیة لله، قال علي(ع): «الهي ما عبدتک خوفاً من نارک ولا طمعاً في جنتک و لکن وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک»، فلیس في هذا الهدف: ذاته و مصلحته الشخصیة، بل ینسی نفسه، فیظهر من خلال هذه المقاصد و الأهداف الثلاث، علینا أن ننظر أياً من هذه الأهداف الثلاثة هي مورد اهتمام الله عز و جل في خلق الإنسان والعالم؟ أما النوع الأول و الثاني فلیس هما المراد بالتأكيد، لأن الله غني، فإذا عرفنا الله کذلک، وعلمنا أن الله وجود لا نهایة له و غني، ولا مجال للنقص والحاجة في ذاته، یتضح حینئذ أن الهدف في فعل الله هو المعنی الثالث فقط، و هو عبارة عن: إیصال المنافع إلی مخلوقاته، و التکامل من کل جانب، و ورفع نواقصهم واحتیاجهم.

قال الشاعر الایراني ما معناه:
لم أخلق الخلق لأربح،بل لأفیض علیهم من جودي [1].

إنه لم یكن یرد أن یرفع حاجة عن نفسه، لأنه غني، و لم یقم بشأن الخلق، لیدفع نقصاً عن نفسه، لأنه منزه عن العیب و النقص. لقد خلق الله العالم و الإنسان لتتحرک کلها نحو الكمال، ویوصلوا القوة والقدرة الكامنة في ذواتهم  إلی الکمال و الفعلیة.

خلق العالم، لیستثمره الانسان في رفع احتیاجاته، و إداراک کمالاته منه. خلق الانسان، و منحه الإرادة، لیختار بنفسه طيّ مسیرة التکامل، و ینزه نفسه عن النقائص.

إن الغرض من خلق الكون والإنسان: هو التکامل القسري، و التکامل الإرادي، و عدم الوعي الذاتي للعالم، و الرغبة الذاتیة للإنسان، خلق ذلک کله لتکامل الإنسان، و الإنسان للقرب الإلهي، قال الشاعر الإیراني: الغیوم والریاح والشمس والقمر والنجوم  کلها مسخرات بأمره، من أجل أن تحصل علی رغیف الخبز، و لا تغفل[2].

لقد بعث الله الأنبیاء و الرسل من الخارج والعقل من الداخل لهدایة البشر، و وفر له المرافق والمستلزمات المادیة والمعنویة،وجعل خلق الکون و سائر المخلوقات وسیلة وصول الانسان إلی الکمال.

لقد خلق الله في الواقع هذا العالم بهذه العظمة و تنوعت مخلوقاته، فاختار الانسان رائداً من جمیع المخلوقات، و لو لم یخلق مخلوقاً بهذه الموهبة والقابلیة کالانسان، لکان محلاً لهذا السؤال: لماذا یخلو الکون عن وجود مثل هذا المخلوق؟ و لکي یصل إلانسان إلی الکمال، فقد بیّن طریق الوصول إلی الکمال بوضع القوانین واللوائح من قبل الأنبیاء، بالإشارة  إلی هذه المسألة، وهي: أن االقرآن الکریم یقول: «و ما خلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون»[3]، فالغرض الأصلي کمال الإنسان، وعبادة الله: هي السبیل الوحید للوصول إلی هذا الکمال، أما بشأن خلق الملائکة و سائر الکائنات أیضاً، فعلینا أن نلتفت إلی أن السنن الکونیة الإلهیة تسیّر کافة شؤون العالم عبر قنواتها الخاصة، فخلق الملائکة، لیناط بکل منهم وظائف و واجبات محددة به، فیضطلع علیها کل منهم وفقاً لسیر السنن الإلهیة.

ب: لا یدخل الله أحداً في جهنم دون أن یلقي علیه الحجة، ولا یدخل أحداً الجنة بدون استعداد وقابلیة،فإن ترعرع شخص في بیئة لا یعرف فیها ً عن الدین و التوحید شیئاً،ولم یکن له دلیل و هاد في الدنیا،و یعبر عن هذا القسم من الناس«بالمستضعف»،سیختبر ویمتحن الله هؤلاء المستضعفین بعد الموت، فإن استحقوا الجنة، أنجاهم الله من العذاب، وأدخلهم الجنة.وعلی کل حال، الإنسان مرهون بعمله صالحاً کان أو طالحاً و بسلوکه، و الجنة والنار هما أیضاً  نتیجة الفعل و السلوک البشري.

ج: مع العلم بأن الله قاهر وقادر مطلق، و أنه بمحض الإرادة یمکنه إنشاء عالم أو إبادته، وبمحض الإرادة، یمکنه إعادة عالم دمر بلمح البصر کالأول، و الله غني عن العالمین، و الکل محتاج إلیه، «يا أيُّها النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»، فلو نظر أحد بعین البصیرة لعالم الخلقة، ودقق النظر في سعة و عظمة الکون والمجرات، و قام بدراسة واسعة و عمیقة حول عجائب الخلق، فسیدرک استغناء الله عن مخلوقاته، وسیستخلص هذه النتیجة: أن الهدف هو وصول الإنسان إلی الکمال.

----------------------------------------------------------------
[1]. من نکردم خلق تا سودي کنم         بلکه تا بر بندگان جودي کنم
[2].   ابر و باد و مه و خورشيد و فلک در کارند         تا تو ناني به کف آري و به غفلت نخوري
[3]. الذاریات/56

الكلمات الرئيسية :


۵,۶۸۳