اطرح سؤالك

23 ذیحجه 1433 الساعة 13:46

أنني شاب معبأ بالأسئلة والشبهات، کلما سألت أحداً قال لي: لقد خرجت من الدین، أنني أعتقد بنظریة التناسخ «عودة الأرواح في قالب الأجسام الجدیدة إلی الدنیا» وأقول: إن الله الذي خلق الروح الخبیثة سیعیدها إلی جسم المرأة ثانیة لتتعذب، فلماذا وضعت کافة المساوئ والصعاب للنساء؟ ولماذا ذکر الله نفسه بصیغة المذکر، ولماذا کان کافة الرسل والأنبیاء والائمة من الذکور؟ فهل الله مذکر؟ ویحرم علی النساء؟ ولماذا تصلي النساء وهن یتقنعن بالمقانع ویتجلببن بالجلابیب، أما الرجال فلا؟ ولماذا علی المرأة البقاء في بیتها أفضل؟ ولماذا ساوی الله في الوظائف بین الرجل والمرأة إلا أنه قال أخیراً: الرجال قوامون علی النساء؟ والآلاف من کلمة«لماذا»؟

الجواب :




 الف) نحن في غایة السرور والبهجة لما بعثتم لنا من رسائل، ولیس السؤال هو خروج عن الدین.

أما نظریة القول «بالتناسخ» فهي باطلة، وقد صرح القرآن الکریم في آیات عدیدة ومختلفة ببطلانها، فوجود روح واحدة في عدة أجسام باطل، بل إن لکل روح جسم مستقل عن الآخر، وإلا، فستقع مشکلة عند نشر الأموات وإحیائهم یوم النشور وفي یوم القیامة، فأبطل القرآن الکریم الاعتقاد بهذه النظریة.

وکذلک المرأة، لا یصح أن نقول إن لها روحاً سیئة، لتتعذب من أجلها، إذ لا فرق بین روح الرجل والمرأة، فكلاهما إنسان، والمساوئ والصعاب لا تختص بالنساء، بل أن بعض الرجال یعانون من حالات أسوأ وأمرّ من النساء بمراتب أکثر، وکان تفکیرکم من جانب واحد.

 نعم قد یقع ظلم وحیف من بعض الأزواج في معاملتهم لزوجاتهم وقسوة في سوء التصرف والمعاملة، إلا أن هذا لا یدل علی أن روح المرأة سیئة وقد خلقت لتتعذب، انبثقت هذه الأفکار من معتقدات المسیحیین في القرون الوسطی، وکذلک من اعتقاد البشریة بمرحلة التوحش والعنجهیة البربریة قبل الإسلام، معتقدین بخبث روح المرأة، ولیست الروح انسانیة، فظلموا وجاروا علی المرأة، فکانوا یبیعونها رقیقاً وإماء في الأسواق والطرقات، ویضربونهن ضرباً مبرحاً دون هوادة أو رحمة، بل کانوا یقتلون المرأة إذا حل بهم القحط والسنین کما کان یحصل في إسترالیا، ویأکلون لحومهن، أما في الهند الأثریة القدیمة، کانوا یدفنون المرأة حیة مع زوجها إن مات قبلها، و... أو في المجتمع العربي الجاهلي المتوحش، کانوا یأدون البنات أحیاء خشیة الإملاق.

جاء الإسلام فمنح المرأة العزة والکرامة، وساوی بین الرجل والمرأة، فالرجل والمرأة في نظر الإسلام والقرآن متساویان في الحقوق والواجبات، وکل منهما مکمل لإنسانیة الآخر، غایة الأمر أن نظام الطبیعة قسّم وظائفهم ومسئولیاتهم، حسب جنسیتهم، بسبب اختلاف خلقتهم، لکن هذا لیس بمعنی الاختلاف وإیصال الألم إلی الجنس الآخر. وقد بینت الآیات القرآنیة الشریفة هذا المعنی، وأنهما متساویان في الإنسانیة، نذکر لکم مقتطفات ومشاهد علی ذلک:

1- کرامة المرأة في التساوي مع الرجل في الخطابات القرآنیة

ساوی القرآن الکریم بین الرجل والمرأة في القیمة المعنویة والإنسانیة،وجعلهما في صف واحد، فکان یخاطبهما معاً«یا أيها النَّاس‏» و«يا آيها الَّذينَ آمَنُوا» بالتساوي، ولا یشاهد في أي أیة من القرآن الکریم أي فرق بین الرجل والمرأة، بل إن الهدف الأصلي من هذه الخطابات کلا الجنسین الرجل والمرأة.

2- تثبيت الهوية الانسانية للمرأة و تساوي کرامتها مع الرجل في أصل الخلقة

تعامل بعض الشعوب القدیمة المرأة و کأنها جزء من الحیوانات والشیاطین، ولا یصدق الإنسان وجوده، کما کان بعض الیونانیین یعتقدون أن المرأة لا تمتلک روحاً إنسانیة، بل لها روح شریرة، وقد صرح القرآن الکریم بتساوي المرأة مع الرجل في أصل الخلقة والهویة الانسانیة، وأن المرأة هي واحدة من العنصرین الهامین في تشکیل الإنسان، مؤکداً علی ذلک.

فالرجل والمرأة لهما حقیقة واحدة تجلت في القرآن الکریم، ألا وهي الإنسانیة، فکون الشخص رجلاً أو امرأة هو من تجلیات وخصائص هذه الحقیقة، لتکمیل الخلقة، بالظهور في هذین التجلیین والحقیقتین، ویمتاز کل منهما عن الآخر في التقوی الالهیة، فلننظر إلی بعض هذه الآیات في هذا الخصوص: «یا آيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ».

ویصرح سبحانه وتعالی بتساوي خلق الرجل والمرأة في آیة أخری، فیؤکد هذه الحقیقة بوضوح: بأن الرجل والمرأة هما نتاج حقیقة وهي: الطبیعة الإنسانیة، فقال سبحانه وتعالی: «يا أيّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساء . . .».

أما الآیة الثالثة فقد صرح فیها عزوجل بأن الرجل والمرأة لهما حقیقة واحدة، فللمرأة طمأنینة وسکن للرجل، فقال: «وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها».

3- مساواة المرأة والرجل في الکرامة الذاتية

لا فرق بین الرجل والمرأة في الکرامة الذاتیة في النظرة القرآنیة، بل یقول بنحو مطلق:«وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني‏ آدم». وجملة «بني آدم» نص في نوع الانسان، تطلق علی نحو التساوي بین الرجل والمرأة، ویشار إلی ذلک أیضاً في آیة أخری بقوله: «أحسن التقويم» للانسان، ویبین کرامة الرجل والمرأة بشکل متساو بقوله: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ أَحْسَنِ تَقْويم‏» .لقد خلق الله الانسان رجلاً کان أو امرأة في أحسن تقویم في الصورة والسیرة من بین المخلوقات، ویتحصل من مجموع الآیات القرآنیة التي تشیر بوضوح إلی الکرامة الذاتیة للإنسان، أن لا فرق بین الرجل والمرأة أبداً، وکلا الجنسین یشارک أحدهما الآخر في الکرامة الذاتیة.

4- مساواة المرأة مع الرجل في الکرامة الاکتسابية

لا تری کثیر من الشعوب السالفة أن المرأة خلیقة بالتدین، وهي تعتقد أن المرأة کائن خبیث، لا یقبل الله لها صرفاً ولا عدلاً. فأجاب الإسلام أن لا فرق بین الرجل والمرأة في قبول العبادات والطاعات، وأن طریق الوصول إلی الکمال والسعادة لکلا الصنفین مفتوح وبشکل متساوي، وقد عد القرآن الکریم المرأة في عداد الرجل في تنوع الخطط والبرامج التربویة، والأخلاقیة، العلمیة، والإنمائیة. وأن وصول الرجل والمرأة إلی السعادة والکمال رهین العمل الصالح، کما أکدت علی هذا بعض الآیات القرآنیة، مثل:

1- «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُون‏» .

2- «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فيها بِغَيْرِ حِساب‏».

3- وصرح سبحانه وتعالی في آیة أخری بأن الله لا یضیع أجر عمل عامل من ذکر أو أنثی، فقال: «أَنِّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض‏...».

روي عن أم سلمة أحد زوجات النبي صلی الله علیه وآله قالت: یارسول الله، لا أسمع الله ذکر النساء في الهجرة؟ فأنزل الله تبارک وتعالی هذه الآیة: «إني لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض‏...».

فلا فرق في قبول الطاعة والثواب المعنوي بین الرجل والمرأة، فکل من الرجل والمرأة مرهون بأعماله الصالحة أو الطالحة الحسنة أو السیئة في الدنیا والآخرة، فمن عمل صالحاً، أثابه الله، ومن عمل سیئاً، عاقبه الله، بلا فرق في ذلک بین الرجل والمرأة، قل کل یعمل علی شاکلته، فالمرأة شأنها إذاً کالرجل في الحصول علی الکرامة الاکتسابیة،عن طریق التقوی،السعي،وبذل الجهد المعنوي،والعمل الجدیر واللائق والإنساني، فلهذا، المقام الرفیع من محل الکرامة، ولذلک ذکر القرآن الکریم عدة أسماء کمثال راقي للمرأة، کالسیدة مريم، وآسية زوجة فرعون و...فقد نالتا السبق وعلو الدرجة والرفعة علی کثیر من الرجال،عن طریق السعي والکرامة الاکتسابیة.

4- مساواة المرأة مع الرجل في الکرامة الحقوقية

1- حق المالکية

من الموضوعات الحقوقية المهمة: حق اداره الاموال والثروة، فلم یکن للمرأة حق التملک في القضایا الحقوقیة والمالیة والاقتصادیة في کثیر من مجتمعات العالم، ولهذا حرمت عن الأرث، ولو حصلت المرأة علی المال في بعض المجتمعات،لم یجوزوا لها حق التصرف في مالها،فتصبح محجورة،یحظر علیها الهبة، المعاملة، المعاوضة، وغیرها من موارد التصرف.

أما المرأة في الإسلام فقد سمح لها القرآن الکریم بکافة أنواع التصرف المشروعة والمباحة في أموالها،شأنها شأن الرجل من دون فرق بینهما، فقال عزوجل:« ِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن‏» .

2- الحقوق العائلیة والأسریة

حظر علی المرأة في سالف العصر والزمان  تناول الطعام مع زوجها لدی بعض شعوب العالم، وعدم معاشرة زوجها في محل واحد، وکانوا یتبادلون النساء یداً بید، کما یبیعون الحیوان، فیقرضونها، ویهبونها، ویأجرونها، ویتعاملون بها الکالي بالکالي مع الآخرین، لوثوا کرامتها وأهانوا شخصیتها، واستخفوا بها، وحطموها.

جاء القرآن الکریم، فاستنکر علیهم هذه الأسالیب العنیفة والظالمة والأفکار الموهومة والمنحطة، وساواها مع الرجل في حقوقها العائلیة والأسریة، قال الله في محکم کتابه: «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُن». یعني کما أن الثیاب حلیة وزینة، وتحافظ علی الإنسان وتقیه من آفات وأضرار عدیدة،فالرجل والمرأة، کل منهما لباس للآخر، لهما مثل تلک الحالات، فلا یمکن أن یحصل فصل أو تمییز بین الجنسین.

لقد شرّع الاسلام للمرأة حقوقاً قد تکون أکثر من الرجل، لیصب في صالحها العام، نشیر بشکل موجز ومقتضب إلی بعضها: «حق اختیار الزوج»، «حق المهر»، «حق االنفقة»، «حق التعلمل والسلوک الانساني واللائق للزوج مع الزوجة»، «حق السکن».

3- المساواة في الکرامة في الحقوق الاجتماعية

لقد ساوی الاسلام بین الرجل والمرأة في تحمل أعباء مسئولیات ووظائف وشؤون المجتمع طبقاً للفطرة السلیمة، مثل:

1- البيعة

بعد أن فتح نبي الإسلام صلی الله علیه وآله مکة المکرمة، أمر النساء بأسلوب خاص بالبیعة للنبي صلی الله علیه وآله کما یبایع الرجال، فوضع النبي صلی الله علیه وآله یده في إناء فیه ماء، فتأتي النساء الواحدة تلو الأخری فتغمس یدها في إناء آخر مليء بالماء أیضاً، لتعلن عن ولائها وبیبعتها للنبي الأعظم صلی الله علیه وآله، وقال البعض: أنهن کن یمسحن علی ثیاب النبي صلی الله علیه وآله تعبیراً لهن عن ولائهن له وبیعتهن، وکانت هذه البیعة علی ضوء أمر ورد في القرآن الکریم، قال: « يا آيها النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى‏ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرينَهُ بَيْنَ أَيْديهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصينَكَ في‏ مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ».

2- الامر بالمعروف و النهي عن المنكر

الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، واجبان عقلیان في میدان العقل، وفي الفقه فهما واجبان شرعيان، وأما في البُعد الاجتماعي فهما واجبان انسانيان واجتماعيان، وأن کافة الاصلاحات الاجتماعية تستند إلی هذین الاصلین الهامین، ولبیان اهمية الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، یکفي به ما روي عن الامام علي(ع)قال: «وَما اَعْمالُ البِرِّ كُلَّها وَالْجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، عِنْدَ الْاَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِ لاّ كَنَفْثَةٍ فِيْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ...». ‌

وقد یین الإمام الباقر علیه السلام دليل هذه العظمة و الفضيلة للامر بالمعروف و النهي عن المنكر،فقال: « إِنَّ الاَمْرَ بِالْمَعْرُوْفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيْلُ الاَنْبِياَءِ وَ مِنْهاَجُ الصّالِحِيْنَ فَرِيْضَةٌ عَظِيْمَةٌ بِهاَ تُـقاَمُ الْفَراَئِضُ وَتَأْمَنُ الْمَذاَهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَكاَسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظاَلِمُ وَ تُعْمَرُالاَرْضُ وَ يُنْتَصَفُ مِنَ الاَعْداَءِ وَ يَسْتَقِيْمُ الاَمْرُ..».

ورأی القرآن الکریم الشراکة الحقیقیة بین الرجل والمرأة في مثل هذه الفریضة الاجتماعیة الحقیقیة، فقال: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ يُطيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ».

ب) کرامة المرأة في مرآة الروایات

أعلن الإسلام عن بالغ أسفه لما کان یجري في العصر الجاهلي من وأد البنات وهن أحیاء، لاعتقاد منهم بنحاسة ولادتهن، وکونه سبباً في الاستحیاء والخجل، کل ذلک جراء عوامل عدیدة منها الفقر والفاقة، وأسر العدو، فکانوا یأدونهن وهن أحیاء بعد الولادة، فجاء النداء الملکوتي یقرع الأسماع: « وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَت‏ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت‏». فحظر وقوع مثل هذه الجریمة البشریة البشعة، وبدأ یشجع علی نوع ممارسات طوعیة في الحفاظ علی الإناث ورعایتهن، والقیام بتربیتهن.

وقد سجل التاریخ بحروف من نور کلام النبي الأعظم صلی الله علیه وآله في نوع التعامل بکرامة، ورعایة حقوق وشئون المرأة بأنصع الصفحات، وأجمل الحروف، وبجمال وکمال أتم، نذکر نماذج من ذلک:

1- أداء الاحترام للسیدة الزهراء علیها السلام

لقد أعار النبي صلی الله علیه وآله اهتماماً خاصاً ومنقطع النظیر لابنته فاطمة الزهراء علیها السلام، أدهش الناس، لإثبات کرامة المرأة بشمل عملي وملموس، فکان صلی الله علیه وآله وهو النبي الأعظم یقبل ید فاطمة الزهراء علیها السلام، ویولیها رعایة واحتراماً خاصاً، فسماها «أم أبیها»، وقد أثبت للعالم أن وجود الأنثی هو لیس عیباً وعاراً أو جریمة، بل علی العکس من ذلک، هي موجود شریف ومقدس، ولم یکتف النبي صلی الله علیه وآله باحترام الزهراء علیها السلام فقط، بل کان یذگر الأصحاب دائماً علی رعایة حقوق المرأة، واحترام البنات، والمحافظة علی شخصیاتهن.

2- البنت، حسنة

روي عن النبي الأعظم صلی الله علیه وآله قال: «البنات حسنات والبنون نعمة والحسنات يثاب عليها والنعمة يسأل عنه». فالتعبیر عن البنت بالحسنة یحکي عن قیمة معنویة عالیة جداً، فولادة البنت في الأسرة هو في حد ذاته له من الثواب والأجر الإلهي ما لا یحصی. وبین صلی الله علیه وآله سحراً وجمالاً آخر للأنوثة، فقال: «نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات . . .».

3- البنت ريحانة

بشّر النبي صلی الله علیه وآله بابنة، فنظر في وجوه أصحابه فرأی الکراهة فیها، من أثر بقایا رسوبات صدأ الجاهلیة، فقال صلی الله علیه وآله: «ما لكم؟ ريحانة أشـمّها و رزقها علي الله عزوجل». في هذه الروایة وصف النبي الأعظم صلی الله علیه وآله البنت بأنها ریحانة، واعتبارها زهرة جمیلة في حدیقة الانسانیة.

3- الجنة تحت أقدام الأمهات

من الوظائف والمسئولیات المهمة الملقاة علی عاتق المرأة: دور الحضانة والأمومة، وقد وصف الاسلام لها دوراً عظیماً للقیام بهذه المهمة وبدور الأمومة، وأن لها من الکرامة حداً یبلغ أعلی حد الکمال، بل یفوقه، روي عن النبي صلی الله علیه وآله قال«الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ».

4- الأمر باحترام البنات

روي عن النبي صلی الله علیه وآله قال: «من دخل السوق فاشتری تحفة فحملها إلی عیاله،کان کحامل صدقة إلی قوم محاویج، ولیبدأ بالإناث قبل الذکور، فإنه من فرح أنثی، فکأنما عتق رقبة من ولد إسماعیل». وقال صلی الله علیه وآله أیضاً: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة».

6- احترام النساء

روي عن النبي صلی الله علیه وآله قال: «إن لنسائکم علبیکم حقاً،ولکم علیهن حقاً». وقال صلی الله علیه وآله في خصوص إکرام النساء: «ما اَكْرَمَ النساءَ الاّ كريمُ و لا أَهانَهُنَّ إلاّ لئيمٌ». لکن نتسائل هنا: بالله علیکم أي قانون أو مدرسة غیر المدرسة الاسلامیة عملت علی ترسیخ وتثبیت کرامة، شخصية، وحفظ الحقوق الاجتماعية والانسانية للمرأة؟ وشجعت الناس علی ذلک؟ لقد بذل الاسلام أقصی الجهود والمساعي الحثیثة علی استعادة المرأة حقوقها المسلوبة، وحرمتها المنتهکة، وکرامتها وشخصیتها، لیکون المجتمع مجتمعاً سالماً ونظیفاً.

ب) اطلاق صيغة المذکرعلی الله عزوجل أمر مجازي لا حقيقي، فالله لیس بجسم، لیکون مذکراً أو مؤنثاً، ولو أطلق علیه بضمیر المؤنث، لطرح مثل هذا السؤال أیضاً، وهو: لماذا أطلق علیه ضمیر المؤنث؟. لکن الدليل الاصلي لاطلاق صيغة المذکر علیه هي أن القرآن نزل باللغة العربیة وبلغة العرب. و قد استخدمت بعض الکلمات في لغة العرب علی نحو المذکر و البعض الآخر علی نحو المؤنث ؛ «فالسماء والأرض » مثلاً هما مؤنث سماعي، وکلمة «الله»هي  مذکر، ولا علاقة لهذا بجنسية وهویة الرجل أو المرأة.

ج)کون الأنبیاء کلهم ذکوراً، لا یدل علی ترجیح الرجال علی النساء وآلام المرأة، لکن علینا أن نعلم:

تختلف المرأة عمن الرجل في طبیعة الخلقة، وهذا التفاوت والاختلاف لتکمیل أمر الخلقة، ورفع و سدّ الاحتیاجات الطبیعیة في الحیاة، وتکامل الحیاة الاجتماعیة، فالاختلاف في خصوصیة الخلقة، یضمن بقاء نسل الانسان، ویمهد لإیجاد أرضیة تواجد المحبّة في المجتمع و الحركة و السعي نحو الكمال. ولو حصل غیر هذا، کانت الخلقة ناقصة، و الكمال الاجتماعي هو في تصدي کل من الرجل أو المرأة المناصب والوظائف الشاغرة التي هي باختصاص کل منهما، وقد اقتضی نظام التکوین الأحسن وتشریع الله لهذه البرمجة والتخطیط الرائع والدقیق لبیان دور کل من الرجل والمرأة.

ومضافاً إلی التفاوت والاختلاف الجسمي،فهناک تفاوت واختلاف أیضاً بینهما في الحالات الروحیة والنفسیة والعاطفیة، ویعود سبب هذا إلی كمال الحياة الاجتماعية، فلننظر إلی بعض نظریات العلماء في هذا الخصوص:

آراء بعض العلماء والمفکرین حول الاختلاف الجسمي و الروحي بين المرأة والرجل

«الكسس كارل» العالم الفرنسي المعروف، أخصائي وعالم فیزیولوجي وجراح في علم البیئة، قال في کتابه: «الإنسان کائن مجهول»: «خلقت المرأة والرجل بحكم قانون الخلقة بشکل  متفاوت، مما جعلت هذه الاختلافات والفوارق وظائف و حقوق کل منهما تختلف أیضاً عن الآخر».

وقال جاك لوربيت في كتاب «المرأة في مقابل المعلم»: «تختلف المرأة والرجل قطعاً بلحاظ القوی الجسمية و الخلایا الذهنیة و المشاعر والاحاسیس الطبيعية، لكن هذا الاختلاف لیس دليلاً علی التنزل والاستنقاص ».

ویقول العالم الایطالي «مانتجازا»، استاذ علم وظائف الاعضاء(الفيزيولوجیا) في كتاب «فيزيولوجیا المرأة»:«تختلف المرأة والرجل في الفيزيولوجیا تماماً، ولکن لا أحد منهما أقوی من الآخر، (وهذا)الاختلاف، هو نتيجة اختلاف الوظيفة». فالجسم الحساس للمرأة، وروحها العاطفیة، یحعلها تخرج تماما من إیکالها مسؤلیة النبوة وأمثالها، باعتبارها من الوظائف الشاقة الباهضة والمکلفة، وهي لا تتطابق مع وظائف المرأة وفسیولوجیة جسمها، أما الرجل، فإن له القدرة الکافیة علی التحمل لهذه المسؤلیات الصعاب والشاقة، نظراً لقدرتهم البدنیة والتحمل الأکثر، فإن للرجل قابلیة علی المقاومة في مثل هذه المسئولیات، ولهذا السبب، کان الأنبیاء ذکورا.

د) بالنسبة للحجاب و الصلاة:

تقدمت الإشارة إلی الاختلاف الفسیولوجي والتکویني بین الرجل والمرأة، وبما أن وظیفة مسئولیة المرأة هي المحاسبة والأمومة بسبب أنوثتها، فیکون طبیعة خلقها أن صوتها وشکلها له حالة جذب للرجل، ولذلک أمرت المرأة برعایة الحجاب لکي لا یشیع الفساد في المجتمع. ورعایة المرأة للحجاب في الصلاة، لا یعني أن الله محرم علی المرأة، أما حکمة ستر المرأة للبدن ورعایة الحجاب الاسلامي في الصلاة، فهو لیس معناه إخفاء وستر نفسها عن الله، إذ لا یخفی شيء علی علم الله، فالله علیم بکل شيء وفي کل الحالات، بل أن أحد الحكم هي حكمة رعاية الادب، يعني أن الصلاة بدون ستر العور والتغطیة الکافیة واللازمة لجسم المرأة أثناء الصلاة هو نوع من الاستهانة والاستخفاف وعدم الاحترام .

والحكمة الأخری رعاية الحجاب و الآداب الأخری في الصلاة کطهارة البدن و اللباس، فهي مؤثرة في تحصيل حضور القلب، و رعاية هذه الأمور توصل الشخص من الغيبة إلی الحضور، وترفع الستائر والحجب التي تکون حواجز بین العبد و ربه،والحکمة الآخری في رعایة المرأة الحجاب والستر: هو کونه عفافاً للمرأة وأنه مرضي ومحبوب لله، ویشعر هذا الحکم للمرأة المسلمة أن الحجاب مطلوب لله،فقد ورد أن المرأة وهي في حال الصلاة علیها أن تراعي الحجاب وهي تتکلم مع الله، لأن الله یحب عبده وهو في هذه الحال، ولعله یکون تمریناً للمرأة المؤمنة في أن تلتزم بحجابها عند حدیثها مع الأجانب والغرباء، فحفاظ المرأة علی حجابها له أهمیة کبیرة في المجتمع. وقد تکون هناک حکم وإرشادات عملیة أخری أیضاً نحن نجهلها حالیاً.

ه) اما بالنسبة لأفضلیة الرجل کما أشیر إلی ذلک في القرآن الکریم في هذه الآیة: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ»، فلا تدل هذه الآیة علی معنی الأفضلیة الذاتیة للرجل، بل هي بيان لنوع وظيفة الرجل والمرأة. فنظراً للفوارق الفسیولوجیة «الجسمیة والبدنیة» للرجل والمرأة، فقد حددت مسئولیات ووظائف کل من الرجل والمرأة في الشأن الأسري والعائلي والدور الاجتماعي لکل منهما، فلو منحت أدوار ومسئولیات المرأة  للرجل وأدوار و مسئولیات الرجل للمرأة، أو حصل التساوي في کافة الوظائف والمسئولیات، فإن هذا مخالف لمنشأ فطرة الخلقة، ومخالف للعدل الإنساني والبشري، إذعلی کل منهما أن یقوم بدوره المحدد والمرسوم له، لیستثمر کل المزایا التي منحت لکل منهما.

والاسلام ومن خلال رعایته للعدالة، في بعض الأفعال الاجتماعیة، التي هي بحاجة أکثر ما یکون إلی الدقة والتعقل أو العنف والقسوة، کإدارة کیان الأسرة، وغیر ذلک، یقدّم الرجل علی المرأة، وهذا التقدم وقوامة الرجل علی المرأة، لیس لأفضلیة الرجل في أصل الخلقة، بل لأجل المهام والمسئولیات والوظائف الطبیعیة المناطة بالرجل، ففي القضایا الاجتماعیة والشم الاقتصادي، تناط هذه المهام والمسئولیات والوظائف بالرجل أفضل، وکذلک السعي و بذل الجهد لتوفیر الاحتیاجات اللازمة والضروریة وإدارة الحیاة الاجتماعیة.
 
و) اما بالنسبة للأمر بملازمة المرأة لبیتها:

فقد أوصی الإسلام بعدم اختلاط الرجال بالنساء،أما الخروج من المنزل فلیس بواجب، بل عدم الخروج إلا لقضاء الحاجات الضروریة والواجبة، وهذا أمر مطلوب وجید، أما بالنسبة للرجل والمرأة، فإن خروج المرأة من بیتها مشترط بإذن زوجها، ودلیل هذا واضح تماماً. إذ لو تابعتم ماذکرنا من مطالب أعلاه بشکل جید، ستلمسون من هذا، أن الروح اللطیفة والعاطفیة للمرأة وجاذبیة صوتها وشکلها وملامحها یمکن أن یلحق أضراراً جسیمة بالمرأة في المجتمع إذا لم تراع الضوابط المذکورة، ولهذا، قد یرتأي بعض الأزواج الذکور أن یحظر علی المرأة عدم خروج أزواجهم من بیوتهن، حفاظاً علیهن، وعلی النساء أیضاً الإصغاء لکلام أزواجهن حفاظاً علی کیان وکرامة البیت والأسرة.

وعلی أي حال، نکتفي بما ذکرنا من مطالب هنا بهذا القدر، ونأمل أن تلبي موارد الاحتیاج، وتکون أجوبة شافیة کافیة علی ماتقدم من أسئلة، والإجابة طبعاً عن طریق کتابة الرسائل أمر صعب للغایة، فینبغي أن یلبی وینجز، وعلیکم أنتم أیضاً أن تلبوا وتنجزوا ذلک.


الكلمات الرئيسية :


۳,۲۴۶