الدين الاسلامي هو دين الرأفة، الرحمة، المودّة و الصداقة، ونبي الاسلام(ص): هو نبي الرحمة للعالمين من قبل الله عز و جل. بعثه الله بالرسالة، له قوانين و کتاب، وجاء بالاسلام لهداية البشر، لینطبق العقل مع المنطق.
یقوم الدين الاسلامي علی اساس العقل و المنطق، وقد تأسس علی المحبة و الصداقة والأخوة. أما الاصل الأولي فهو: أن الدين الاسلامي یبرأ من العنف و استخدامه ویبغضه. وینبغي مشاهدة آيات القرآن و الکتاب السماوي عند المسلمین و السيرة العملية لنبي الاسلام(ص)، و کذلک تطبیقات نبي الاسلام لاثبات صحَة هذا المطلب.
الف) یخاطب القرآن الکريم نبي الاسلام و یقول:
«وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ»(الأنبیاء: 107). فإن کان قد عرض هذا الدین نبیه الکریم للناس بأنه رحمة، فمن المسَّلم به أن هذا الدین لا یکونً دین العنف أبداً.
و في آية أخری یأمر الله نبيه الکریم بالتواضع و الاستکانة في مقابل المؤمنين و یقول: «وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ»(الحجر: 88).
ویأمره أیضاً بالعفو، الصفح، ومداراة الناس، ویقول:«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(اعراف: 199).
فجمیع هذه الآيات، بيان و إشارة لرحمة نبي الإسلام، تتلائم مع المودة، و تتطابق مع منطق الدين الاسلامي. فإن لم یکن الاسلام دين المحبة، الالفة، الإخلاص و الصداقة ، فلا معنی إذاًً لکل هذا التأکید منه علی: العفو، التسامح، المحبة، اخلاق البر، و امثال هذه الأمور. فالدین یؤکد إذاً: أن یتعامل النبي مع الآخرین بالعفو، التسامح، الرحمة، المحبة، اخلاق البر والتواضع للمؤمنين.
ب) السلوک و السيرة العملية في الاسلام:
1- إن نبي الاسلام هو من أکثر الناس رحمة و شفقة بالآخرین. فقد کان النبي یتألم و یحزن لضلال الآخرین وإنکارهم لله عناداً و إصراراً، مشیراً إلی ذلک في قوله تعالی: «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنينَ»(الشعراء:3)، وفي هذه الآیة إشارة واضحة إلی رحمة النبي و شفقته الخالصة.
2- اخلاق البر؛ لقد شهد التاريخ أن نبي الاسلام(ص) کان یمتلک أحسن و أفضل الصفات و الخصال الاخلاقیة. وشهد القرآن بأن أقوال وأفعال نبي الاسلام کان یتجسد فیها أروع الاخلاق و أحسن الأقوال، حتی في سلوکه مع أعدائه. کان یتعامل مع الناس بالرحمة و البر، فمدحه القرآن بأنه المثل الأعلی في الاخلاق فقال: «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ»(القلم:4).
کان نبي الاسلام (ص) یتحلی في کل المسائل بالصبر، التسامح، العفو، و المغفرة، فیلاقي الجمیع بحرارة و وجه صبوح و سماحة. کان له جار يهودي یستقبله کل یوم بذر التراب علی رأسه الشریف، فلا یتأثر النبي (ص) و لا ینفعل، ینفض هذا التراب عن رأسه وثیابه، و یحسن ثیابه، ویمضي في طریقه. في الیوم التالي، کان (ص) یعلم بأن هذا الأمر سیتکرر، إلا أنه لم یغير طریقه. مر کعادته من هناک، لکنه لم یر أثراً للتراب! فأخذنه الحیرة والتعجب، تبسم ابتسامة الرحمة والرأفة، وقال: لم نر صاحبنا الیوم. عرف أصحابه من یقصد، فأخبروه أنه مریض، فأجاب: لنذهب إذاً لعیادته. فتح المریض الیهودي عینیه، فشاهد نبي الإسلام جالساً عند رأسه، أحس بالبراءة والحب الصادق یتدفق من وجه النبي، وکأنه علی صلة وثیقة ومعرفة قدیمة معه منذ سنوات طویلة، فتبدل کل ذلک الحقد والبغض في قلب الرجل الیهودي إلی حنان ومحبة وصفاء ونقاء .
فهل الدین الذي یقوده شخص تتمثل فيه هذه الخصائص والصفات، هو دین العنف! أم هو دين الصفاء والنقاء و المحبة و الاخلاق و السماح والحنان و العاطفة؟!
ولو طالعتم تاريخ صدر الاسلام الأول وشاهدنا طریقة وأسلوب تعامل نبي الاسلام مع أقوام و ملل مختلفة من أطراف وأکناف المدینة، فستعرفون أن هذا الأمر تحدیداً هو الذي دعاهم إلی الدخول في الإسلام وتشر شعاع شمس الاسلام کل یوم في مساحات شاسعة من العالم.
فرغب مسيحيو شبه الجزيرة العربیة و الشام و غيرها في بدایة الفتوحات الاسلامية بمشاهدة أسالیب تعامل نبي الاسلام و المسلمین الرؤوف، فانضووا إلی الاسلام، وارتضوه دینا لهم من صمیم قلوبهم. أما الیهود والمشرکون، فقد کان لهم موقف سلبي مع النبي (ص)، وسببه هو أن علماء وأحبار الیهود کانوا یعلمون خبر نبي الإسلام من التوراة، فأنکروا علیه حباً في الدنیا وطلب الرئاسة، وخدعوا عوام الیهود، وقالوا لهم: لیس هذا النبي الموعود وکذلک قادة الشرک و عبّاد الأصنام: رأوا أن مصالحهم المادیة بوجود الإسلام ستتعرض إلی الخطر، فانتفضوا علی الاسلام، وشن الیهود حملتهم الاعلامیة بکل ما أوتوا من قوة وقدرة لتشویه صورة الاسلام الحقیقیة، ودعایاتهم مستمرة إلی یومنا هذا، فمن جملة اتهاماتهم وأنشطتهم الدعائیة اتهامهم الاسلام بالعنف.
لذا ذکر القرآن الکريم في سورة (المائدة: الآيتین 82و83) أن أشد الناس عداوة للذین آمنوا: الیهود والذین أشرکوا، وأما أقرب الناس للذین آمنوا: فهم الذین قالوا إنا نصاری، وتشیر الآیة بوضوح إلی أن تعامل الیهود مع المسلمین هو تعامل العنف، أما المسیحیون فلهم موقف معتدل و متوازن مع المسلمین.
ولهذا امتنع علماء وقساوسة نصاری نجران عن المباهلة مع النبي(ص) بمشاهدتهم تواضع النبي(ص)، أخلاقه، وأحقیته، وهذا في الواقع اعتراف و تسلیم بالنبي(ص)، وقد بیّن القرآن الکريم نتيجة اخلاق و سلوک النبي في توسیع و نشر الاسلام و المسلمین فقال: « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » (آل عمران: 159).
والآن فکروا جیداً:
الدين الذي یکون شعاره ونهجه الاصلي التوصیة بالاخلاق و التواضع و العفو و التسامح، و یتعامل قائده بهذا المستوی العالي والراقي من التواضع و الاخلاق الحمیدة ، هل ینسجم مع العنف؟
3- إن اهتمام و شفقة نبي الإسلام، ووظیفته ومسئولیته اقتضت إرشاد و هدایة الناس إلی الدين الالهي والدعوة إلی التوحید، فکان مثابراً جداً علی هذا الجانب، وکان یتألم بشدة للمضلین عن دینه، وقد وصلت رأفة الله به (ص) واهتمامه و عطفه حداً یطمئنه ویهدئه فیقول: « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَديثِ أَسَفاً » (الکهف:6).
استعرض القرآن الکريم شخصیة النبي علی أنه المثال و الأسوة المتکاملة في الاقتداء، قد تجسدت فیه خصال الانسانیة، الحنان، العطف، السلام والوئام، الأخلاق، جمع الخصال الحمیدة، نظراً لما تمثل فیه من الأخلاق و الأفعال الحسنة و صفات البر، المرضیة لله و العقل.
ج- الروایات:
لو دققنا في الروایات و الأخبار التي وصلتنا عن المعصومين(عليهم السلام) [بسبب ارتباطهم بمصادر الوحي] في قسم الاخلاق و السلوک، والتعلیمات التي وردت عنهم، فسنصل بعد ذلک إلی عمق حقيقة الاسلام من جهة ما ورد فیها من صفات: الرأفة، العطف، الرحمة، والصلح والسلام، والصفاء والنقاء.
ولا تسع الرسالة طبعاً ذکر الروایات الواردة في هذا الخصوص، لکنني أشیر إلی هذا القدر و هو: أننا نمتلک أفضل و أحسن التعلیمات في السلوک و اخلاق الانسان في کافة الأبعاد: الأسریة، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الثقافیة، و... وقد وردت هذه في کافة الروایات علی أنها تعلیمات ومنهج في السلوک العملي، فلا یشاهد فیها سوی الخدمة للآخرین، الرحمة، أسالیب الصداقة، المودة، المحبة، رعایة الأخلاق مع الناس، ولیس فیها أقل شيء من العنف.
و خلاصة القول: لقد أمر القرآن الکريم و الروایات عموماً المؤمنین کافة: بالتواضع، التذلل، التعامل بالبر مع الآخرین، العفو، وتجاوز أخطاء الآخرین، محبة المؤمنين، وامثال هذه الأمور، وحظر علیهم: التکبر، الغرور، الأنانیة، الظلم و الجور، و امثال ذلک بشدة.
فهل یمکن لمثل هذا الدین الذي له مثل هذا النبي، وبیان مثل هذه التعلیمات الأخلاقیة، أن یتهم بالعنف؟ فلا یصدر عن الله والنبي الذي بعثه سوی الرحمة والعطف والحنان و لا شيء آخر. ولعل أعداء الاسلام تمسکوا ببعض آيات القرآن الکریم، مثل آيات الأمر بالقتال و الجهاد ضد الأعداء لکن ینبغي معرفة هذه الحقیقة و هي: أن الأصل الأولي في الاسلام هو: الرحمة، الرأفة و العطف والشفقة لکن إذا تواجد أشخاص یمکن أن یلحقوا الضرر بعامة الناس، بالأمن والرفاه العام، و یتعرض کل ذلک إلی الخطر، ولا مجال للمنطق والبرهان و الحوار معهم فالقرآن و الاسلام یواجهان ذلک بشدة وتتشابه هذه المسألة بدقة مع ما لو قلنا:
إن الله سبحانه و تعالی هو أرحم الراحمین، خلق الإنسان، وخلق لعباده الجنان، فإنه خلق جهنم والنیران إلی جانب تلک الروضات والجنان أیضاً، فجعل جهنم للطاغین مآباً، وللظالمین من عباده والعاصین مردّاً، فهؤلاء قضوا بأنفسهم علی إطلالة الرحمة الإلهیة، فصارت جهنم مقرهم ومستودعهم الأبدي، خالدین فیها أبداً. ولا علاقة لهذه المسألة بالرحمة و الرأفة الإلهیة أصلاًريا، إذ کل له مورده. هذا هو الإسلام، هو دین الرحمة، الرأفة، المودة، والعطف حقاً.
الدين الإسلام هو دين الرأفة والرحمة
29 ذیحجه 1433 الساعة 15:28
لي بحوث مع إخوتي في أمریکا حول الإسلام، هؤلاء یقولون: في الإسلام العنف، وتبادلت معهم الإجابات، لکني علی ثقة أن أجوبتکم أکثر اتزاناً وأعمق. أطلب من فضیلتکم أن تبعثوا لي و بشکل دائم و مستمر عن کل أمر له صلة بالإسلام، أو یمکن أن یقال عنه، لأنقل ذلک إلیهم. وأرجو أن تتفضلوا بإرسال هذه المطالب لي، وأنا بدوري سأقوم بعرضها وبیانها فقط. ولو عرض لي سؤال، فسأطرحه علیکم، أرجوکم أن تجیبوني، لأنني بحاجة إلی الأجوبة جداً. إن لي متابعت و قراءات، وسأجیب علی الأسئلة أیضاً، لکنني علی ثقة أن إجابتکم هي الأفضل والأحسن. أما ترتیب الموضوعات فهو بعهدتکم، افرضوا أنکم تریدون أن تعرّفوا غیر المسلم علی الإسلام،ففي أوساطهم قد یوجد من هم مسلمون بالاسم فقط،و لکنهم لا یؤدون طقوسهم العبادیة کالصلاة مثلاً و... الرجاء منکم التفضل بإثبات هذه المطالب بأدلة عقلیة و نقلیة، تجعل ذاک الشخص یقبل.
الجواب :
الدين الاسلامي هو دين الرأفة، الرحمة، المودّة و الصداقة، ونبي الاسلام(ص): هو نبي الرحمة للعالمين من قبل الله عز و جل. بعثه الله بالرسالة، له قوانين و کتاب، وجاء بالاسلام لهداية البشر، لینطبق العقل مع المنطق.
یقوم الدين الاسلامي علی اساس العقل و المنطق، وقد تأسس علی المحبة و الصداقة والأخوة. أما الاصل الأولي فهو: أن الدين الاسلامي یبرأ من العنف و استخدامه ویبغضه. وینبغي مشاهدة آيات القرآن و الکتاب السماوي عند المسلمین و السيرة العملية لنبي الاسلام(ص)، و کذلک تطبیقات نبي الاسلام لاثبات صحَة هذا المطلب.
الف) یخاطب القرآن الکريم نبي الاسلام و یقول:
«وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ»(الأنبیاء: 107). فإن کان قد عرض هذا الدین نبیه الکریم للناس بأنه رحمة، فمن المسَّلم به أن هذا الدین لا یکونً دین العنف أبداً.
و في آية أخری یأمر الله نبيه الکریم بالتواضع و الاستکانة في مقابل المؤمنين و یقول: «وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ»(الحجر: 88).
ویأمره أیضاً بالعفو، الصفح، ومداراة الناس، ویقول:«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(اعراف: 199).
فجمیع هذه الآيات، بيان و إشارة لرحمة نبي الإسلام، تتلائم مع المودة، و تتطابق مع منطق الدين الاسلامي. فإن لم یکن الاسلام دين المحبة، الالفة، الإخلاص و الصداقة ، فلا معنی إذاًً لکل هذا التأکید منه علی: العفو، التسامح، المحبة، اخلاق البر، و امثال هذه الأمور. فالدین یؤکد إذاً: أن یتعامل النبي مع الآخرین بالعفو، التسامح، الرحمة، المحبة، اخلاق البر والتواضع للمؤمنين.
ب) السلوک و السيرة العملية في الاسلام:
1- إن نبي الاسلام هو من أکثر الناس رحمة و شفقة بالآخرین. فقد کان النبي یتألم و یحزن لضلال الآخرین وإنکارهم لله عناداً و إصراراً، مشیراً إلی ذلک في قوله تعالی: «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنينَ»(الشعراء:3)، وفي هذه الآیة إشارة واضحة إلی رحمة النبي و شفقته الخالصة.
2- اخلاق البر؛ لقد شهد التاريخ أن نبي الاسلام(ص) کان یمتلک أحسن و أفضل الصفات و الخصال الاخلاقیة. وشهد القرآن بأن أقوال وأفعال نبي الاسلام کان یتجسد فیها أروع الاخلاق و أحسن الأقوال، حتی في سلوکه مع أعدائه. کان یتعامل مع الناس بالرحمة و البر، فمدحه القرآن بأنه المثل الأعلی في الاخلاق فقال: «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ»(القلم:4).
کان نبي الاسلام (ص) یتحلی في کل المسائل بالصبر، التسامح، العفو، و المغفرة، فیلاقي الجمیع بحرارة و وجه صبوح و سماحة. کان له جار يهودي یستقبله کل یوم بذر التراب علی رأسه الشریف، فلا یتأثر النبي (ص) و لا ینفعل، ینفض هذا التراب عن رأسه وثیابه، و یحسن ثیابه، ویمضي في طریقه. في الیوم التالي، کان (ص) یعلم بأن هذا الأمر سیتکرر، إلا أنه لم یغير طریقه. مر کعادته من هناک، لکنه لم یر أثراً للتراب! فأخذنه الحیرة والتعجب، تبسم ابتسامة الرحمة والرأفة، وقال: لم نر صاحبنا الیوم. عرف أصحابه من یقصد، فأخبروه أنه مریض، فأجاب: لنذهب إذاً لعیادته. فتح المریض الیهودي عینیه، فشاهد نبي الإسلام جالساً عند رأسه، أحس بالبراءة والحب الصادق یتدفق من وجه النبي، وکأنه علی صلة وثیقة ومعرفة قدیمة معه منذ سنوات طویلة، فتبدل کل ذلک الحقد والبغض في قلب الرجل الیهودي إلی حنان ومحبة وصفاء ونقاء .
فهل الدین الذي یقوده شخص تتمثل فيه هذه الخصائص والصفات، هو دین العنف! أم هو دين الصفاء والنقاء و المحبة و الاخلاق و السماح والحنان و العاطفة؟!
ولو طالعتم تاريخ صدر الاسلام الأول وشاهدنا طریقة وأسلوب تعامل نبي الاسلام مع أقوام و ملل مختلفة من أطراف وأکناف المدینة، فستعرفون أن هذا الأمر تحدیداً هو الذي دعاهم إلی الدخول في الإسلام وتشر شعاع شمس الاسلام کل یوم في مساحات شاسعة من العالم.
فرغب مسيحيو شبه الجزيرة العربیة و الشام و غيرها في بدایة الفتوحات الاسلامية بمشاهدة أسالیب تعامل نبي الاسلام و المسلمین الرؤوف، فانضووا إلی الاسلام، وارتضوه دینا لهم من صمیم قلوبهم. أما الیهود والمشرکون، فقد کان لهم موقف سلبي مع النبي (ص)، وسببه هو أن علماء وأحبار الیهود کانوا یعلمون خبر نبي الإسلام من التوراة، فأنکروا علیه حباً في الدنیا وطلب الرئاسة، وخدعوا عوام الیهود، وقالوا لهم: لیس هذا النبي الموعود وکذلک قادة الشرک و عبّاد الأصنام: رأوا أن مصالحهم المادیة بوجود الإسلام ستتعرض إلی الخطر، فانتفضوا علی الاسلام، وشن الیهود حملتهم الاعلامیة بکل ما أوتوا من قوة وقدرة لتشویه صورة الاسلام الحقیقیة، ودعایاتهم مستمرة إلی یومنا هذا، فمن جملة اتهاماتهم وأنشطتهم الدعائیة اتهامهم الاسلام بالعنف.
لذا ذکر القرآن الکريم في سورة (المائدة: الآيتین 82و83) أن أشد الناس عداوة للذین آمنوا: الیهود والذین أشرکوا، وأما أقرب الناس للذین آمنوا: فهم الذین قالوا إنا نصاری، وتشیر الآیة بوضوح إلی أن تعامل الیهود مع المسلمین هو تعامل العنف، أما المسیحیون فلهم موقف معتدل و متوازن مع المسلمین.
ولهذا امتنع علماء وقساوسة نصاری نجران عن المباهلة مع النبي(ص) بمشاهدتهم تواضع النبي(ص)، أخلاقه، وأحقیته، وهذا في الواقع اعتراف و تسلیم بالنبي(ص)، وقد بیّن القرآن الکريم نتيجة اخلاق و سلوک النبي في توسیع و نشر الاسلام و المسلمین فقال: « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » (آل عمران: 159).
والآن فکروا جیداً:
الدين الذي یکون شعاره ونهجه الاصلي التوصیة بالاخلاق و التواضع و العفو و التسامح، و یتعامل قائده بهذا المستوی العالي والراقي من التواضع و الاخلاق الحمیدة ، هل ینسجم مع العنف؟
3- إن اهتمام و شفقة نبي الإسلام، ووظیفته ومسئولیته اقتضت إرشاد و هدایة الناس إلی الدين الالهي والدعوة إلی التوحید، فکان مثابراً جداً علی هذا الجانب، وکان یتألم بشدة للمضلین عن دینه، وقد وصلت رأفة الله به (ص) واهتمامه و عطفه حداً یطمئنه ویهدئه فیقول: « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَديثِ أَسَفاً » (الکهف:6).
استعرض القرآن الکريم شخصیة النبي علی أنه المثال و الأسوة المتکاملة في الاقتداء، قد تجسدت فیه خصال الانسانیة، الحنان، العطف، السلام والوئام، الأخلاق، جمع الخصال الحمیدة، نظراً لما تمثل فیه من الأخلاق و الأفعال الحسنة و صفات البر، المرضیة لله و العقل.
ج- الروایات:
لو دققنا في الروایات و الأخبار التي وصلتنا عن المعصومين(عليهم السلام) [بسبب ارتباطهم بمصادر الوحي] في قسم الاخلاق و السلوک، والتعلیمات التي وردت عنهم، فسنصل بعد ذلک إلی عمق حقيقة الاسلام من جهة ما ورد فیها من صفات: الرأفة، العطف، الرحمة، والصلح والسلام، والصفاء والنقاء.
ولا تسع الرسالة طبعاً ذکر الروایات الواردة في هذا الخصوص، لکنني أشیر إلی هذا القدر و هو: أننا نمتلک أفضل و أحسن التعلیمات في السلوک و اخلاق الانسان في کافة الأبعاد: الأسریة، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الثقافیة، و... وقد وردت هذه في کافة الروایات علی أنها تعلیمات ومنهج في السلوک العملي، فلا یشاهد فیها سوی الخدمة للآخرین، الرحمة، أسالیب الصداقة، المودة، المحبة، رعایة الأخلاق مع الناس، ولیس فیها أقل شيء من العنف.
و خلاصة القول: لقد أمر القرآن الکريم و الروایات عموماً المؤمنین کافة: بالتواضع، التذلل، التعامل بالبر مع الآخرین، العفو، وتجاوز أخطاء الآخرین، محبة المؤمنين، وامثال هذه الأمور، وحظر علیهم: التکبر، الغرور، الأنانیة، الظلم و الجور، و امثال ذلک بشدة.
فهل یمکن لمثل هذا الدین الذي له مثل هذا النبي، وبیان مثل هذه التعلیمات الأخلاقیة، أن یتهم بالعنف؟ فلا یصدر عن الله والنبي الذي بعثه سوی الرحمة والعطف والحنان و لا شيء آخر. ولعل أعداء الاسلام تمسکوا ببعض آيات القرآن الکریم، مثل آيات الأمر بالقتال و الجهاد ضد الأعداء لکن ینبغي معرفة هذه الحقیقة و هي: أن الأصل الأولي في الاسلام هو: الرحمة، الرأفة و العطف والشفقة لکن إذا تواجد أشخاص یمکن أن یلحقوا الضرر بعامة الناس، بالأمن والرفاه العام، و یتعرض کل ذلک إلی الخطر، ولا مجال للمنطق والبرهان و الحوار معهم فالقرآن و الاسلام یواجهان ذلک بشدة وتتشابه هذه المسألة بدقة مع ما لو قلنا:
إن الله سبحانه و تعالی هو أرحم الراحمین، خلق الإنسان، وخلق لعباده الجنان، فإنه خلق جهنم والنیران إلی جانب تلک الروضات والجنان أیضاً، فجعل جهنم للطاغین مآباً، وللظالمین من عباده والعاصین مردّاً، فهؤلاء قضوا بأنفسهم علی إطلالة الرحمة الإلهیة، فصارت جهنم مقرهم ومستودعهم الأبدي، خالدین فیها أبداً. ولا علاقة لهذه المسألة بالرحمة و الرأفة الإلهیة أصلاًريا، إذ کل له مورده. هذا هو الإسلام، هو دین الرحمة، الرأفة، المودة، والعطف حقاً.
الكلمات الرئيسية :
۴,۷۴۷