كون الانسان مذنباً و ولادة الانسان في هكذا اسرة لا علاقة له بعدالة الله ابداً، فان الله تعالى اوضح لجميAق الخير من الشر تأسياً بالمعصومين ( عليهم السلام).
بالاضافة الى ان الله تعالى قد وضع العقل في باطن الانسان يتستطيع الانسان به ان يُشخّص سبل الخير من الشر.
فاذا ترك الانسان ـ مع ان الله تعالى لم يقصر في هداية البشرية ـ جميع وسائل الهداية و السعادة، وابتعد عن الطريق الواضح والمستقيم، و تحرك في طريق الانحراف والظلال و سار نحو الظلام و الهلاك المعنوي، و ولد له ولد و هو في هذه الاجواء، فما ارتباط ذلك كله بعدالة الله تعالى.
فالله عز و جل قد هيأ لنا جميع وسائل الهداية، غاية الامر ان بعض الناس يستفيد من هذه الوسائل و يسير بحسب اتجاهه الفطري، والبعض الاخر يسير في طريق الضلال، وكل منهما يسير في طريقه باختياره الذي اعطاه الله تعالى له. وفي الاثناء من يعيش في هكذا اسرة يمكنه ان يغير من مصيره و يتوجه نحو البراءة و السعادة و النزاهة.
و على أي حال ما نستطيع ان نقوله في مقام الجواب على مشكلة هذه الاخت هو: ليست هي المبتلية فحسب، بل كل شخص في هذه الدينا هو مبتلي بنوع من البلاء.
ما هي اسباب البلاء؟
طبقاً للآيات القران الكريم و روايات اهل بيت العصمة و الطهارة (عليهم السلام) ان المصائب التي تجري على المؤمنين اما بسبب اعمالهم او انها امتحان الهي لرفع درجاتهم عند الله.
وتوضيح ذلك باختصار:
الف: قد يرتكب الانسان بعض الذنوب و الاخطاء فتكون سببا لان تظهر على شكل مصائب و بلايا في الحياة الدنيا.
كل ذنب له اثار خاصة، فبعض الذنوب توجب الفقر، و بعضها تجلب البلاء كما قال الامام علي (عليه السلام) في دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء».
و على أي حال فان هذه المصائب تكفر عنه ذنوبه و حيث ان الله يحب عبده المؤمن فيبليه ببعض المصائب كي يكفر عنه ذنوبه في هذه الدنيا و ياتي يوم القيامة خال من الذنوب و هذا هو لطف من الله تعالى بالنسبة الى عبده، و لكن من كان من المغضوب عليهم فنجد ان الله تعالى غالباً يسبغ عليه نعمه كي يستدرجه و يبتليه بعذاب جهنم و ساءت مصيراً.
ب: الامتحانات الالهية:
تنزل المصائب و البلايا احياناً لأجل الامتحان الالهي. من جملة سنن الله تعالى و قوانينه الثابتة هو ابتلاء و امتحان المؤمنين، كما جاء في القران الكريم من الايات الكثيرة بشأن ذلك على سبيل المثال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} آلعمران، الآية: 186.
و يقول الله تعالى في سورة البقرة الاية 155: «ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الاَمْوالِ وَ الأَْنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ»؛.
و يقول الله تعالى في آية اخرى من كتابه الكريم: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت ، الآية: 2 ـ 3.
و طبعاً ان الامتحانات الالهية ليس لها اطار معين و مشخص، بل يمتحن كل انسان بحسب حالاته الروحية، لذا يقول الله تعالى في اية اخرى: {نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء ،الآية: 35
الحكمة من الامتحان الالهي:
حيث ان الله تعالى عالم بجميع الامور، لذلك فالامتحان الالهي ليس لاجل رفع الجهل بالامور، و لكن الله تعالى يمتحن المؤمنين المخلصين لاجل ان تظهر الى الخارج كفاءاتهم و استعداداتهم المخفية من جملة غايات الامتحان الالهي هي تصفية ايمان الانسان المؤمن و اظهار حقيقة ايمانه، مثل الصانع الذي يصهر الذهب في الفرن بحرارة النار كي تحترق الشوائب و تنعدم بسبب النار و يبقى الذهب الخالص.
فالله تعالى يقوم بتصفية و غربلة ايمان المؤمنين في فرن البلاء و الامتحان، و هكذا من جملة حكم الامتحان و الابتلاء هو تمييز المؤمنين الصادقين من المؤمنين باللسان و الظاهر. كما قال امير المؤمنين( عليه السلام) : «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَ يُمَيَّزُوا وَ يُغَرْبَلُوا وَ يُسْتَخْرَجُ فِي الْغِرْبَالِ خَلْقٌ»؛
و عليه يتعرض كل واحد من المؤمنين للبلاء و الامتحان بما يتناسب مع درجته الايمانية و وضعيته الروحية.
و لا يتصور احد ان التدين و الايمان يعيش بين الحدائق و البساتين و المنتزهات، و ان الانسان المؤمن يمر من خلال طريقه الايماني الطويل بالازهار و الاوراد والتنزه، فان هذا التصور يدل على عدم فهم حقيقة الايمان و التدين، و لعل هذه الفكرة و التصور هي التي تدفقت الى افكار بعض المسلمين ردحاً من الزمن و هي انه الى متى نعيش بسبب الايمان البلاء و الحرمان ؟
و قد انزل الله تعالى لازالة هذه الاوهام عن افكارهم الايات التالية:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت ، الآية: 2 ـ 3.
و من الواضح انه مع ايمانهم بالله تعالى لا ينبغي ان توجد لديهم هذه التصورات الشنيعة، و لكن هذه الافكار كانت موجودة عند المسلمين في المدينة و قد قال الله تعالى لاجل ابطال هذه الافكار: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريب»(بقره: 214)
وبعد معركة احد التي تعرض فيها المسلمون الى جميع تلك الاصابات و الضحايا و قد قتل منهم سبعين نفر من الجيش و في هذه الظروف قد انزل الله تعالى اية كي يفهمهم ان طريق الايمان و التدين مليء بالمصاعب و البلايا، حيث يقول: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرينَ»(آل عمران:142)؛
و على كل حال ان للامتحان الالهي بحث مفصل، و اهدافه كثيرة، و ان الله تعالى يمتحن كل انسان على مقداره، و لذا قد تعرض ال85ن المؤمنين للبلاء و الامتحان بما يتناسب مع درجته الايمانية و وضعيته الروحية.
و لا يتصور احد ان التدين و الايمان يعيش بين الحدائق و البساتين و المنتزهات، و ان الانسان المؤمن يمر من خلال طريقه الايماني الطويل بالواية عبد الرحمن في هذا المجال: «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه واله) مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ».
و نقرأ في رواية اخرى: «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِه». وقال الامام الصادق (عليه السلام) ما مضمونه: ان الله ليبتلي اولياءه بالمصائب والنوائب كي تغفر ذنوبهم ويعطيهم الاجر والثواب.
و روي في حديث اخر عن النبي الاكرم(صلى الله عليه واله): «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِكَ»؛.
و روي بهذا المضمون عن الامام الصادق( عليه السلام) «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا يَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالِابْتِلَاءِ فِي جَسَدِهِ».
ومع الالتفات الى ما بيناه في ما تقدم: فمن اللازم ان تتوجهوا وتفكروا فيما يتعلق بحياة و سيرة الاولياء والصلحاء ومن عنده منزلة عند الله تعالى من قبيل الانبياء(صلوات الله عليهم) والائمة المعصومين (عليهم السلام) وسائر عباد الله الصالحين، فان البلايا و المصائب التي جرت عليهم، لو صبت وجرت على أي شخص اخر لعله من الصعب جداً ان يتحملها او يطيقها.
ولاحظوا حياة الائمة المعصومين (عليهم السلام): كم كان عندهم من المصائب، و لاحظوا خصوصاً الى واقعة كربلاء، وانظروا أي مصيبة عظمى قد حلت بهم، ولكن مع كل تلك المصائب التي وقعت في كربلاء نجد ان العقيلة زينب (سلام الله عليها) بطلة كربلاء في الصبر والتحمل فانها ليس لم تعترض فحسب بل قالت: (ما رأيت الا جميلا) حتى انها لم تترك صلاة النافلة في ليلة استشهاد اخوتها (ع) و اصحابهم (رض).
وانتم الان تاملوا جيداً لعل هذه المصائب هي امتحان اللهي، و لعل له جهات أخرى، و اساسا بناء على بعض الروايات ان الله تعالى يرى ان من الخير و الصلاح ان يبتليه عبده و ان حكمته تقتضي ان يبتليه.
وبالتالي فقولوا لهذه الاخت: ان لا يقنط ابداً من رحمة الله، و ايضاً لا تتصور ان حياتها مريرة، بل عليها ان ترضى بقضاء الله تعالى، و الدنيا دار بلاء و امتحان، و تكدراتها و احزانها سبب لغفران الذنوب والوصول الى الدرجات العالية، و لا ينقطع رجاؤها، و لتبعد عنها الملل و الجزع، و توكل جميع الامور الى الله تعالى، وتجتهد و تسعى الى حل مشكلات الحياة في ما يرضي الله عز و جل، فالتسعى و تدعو الله و تقرأ القران الكريم، وتأتي بالواجبات الالهية و تترك المحرمات وتترك اذية الاخرين و ان لا تاكل المال الحرام، فالله تعالى سيرفع عنها المشكلات و المصائب و سيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله تعالى.
كيف يكون من عدل الله تعالى ابتلاء الاشخاص بنوع من البلاء
20 ربیع الاول 1434 الساعة 14:42
منذ مدة وقد شغل ذهني سؤال، كيف يكون من عدل الله تعالى ان يعيش الانسان وسط عائلة و يكون ابوه زانياً، و يعيش الاخر وسط عائلة شريفة، وفي الواقع لدي صديقة قد انتكست روحياً و نفسياً، وقد انكسر في عشقه، وصديقتي بنت جيدة ومتدينة ولكنها منكسرة روحياً، وهي تعيش في وسط اسرة و ابو تلك الاسرة رجل زاني، و اخوها قد طلق زوجته، و اختها التي تزوجت زوجها يضربها و يؤذيها، و اختها التي اكبر منها و عمرها 27 سنة تقريباً لم تتزوج بعد و يخطبها كثير و لكن بعد التحقيق يطلعون على حال ابيها الزاني فيتركونها، فصديقتي حينما ترى جميع هذه الامور تقول ان الله غير عادل جداً، و الله تعالى خلقنا و تركنا، و من قبيل هذه الامور، و هي سئة الحال جداً . و كلما قلت لها ان جميع ذلك امتحان و بلاء الهي لا تصدق، و الخلاصة هي شاكة في الله، و هي جدا منزعجة، و تقول انا ليس عندي ثقة و لا امل بالله تعالى، و مستقبلي مظلم، و اني قد اذنبت ذنبا عظيماً و هو عدم ثقتي بالله، بحسب وجهة نظركم كيف اهديها؟ فاقول ما هي عدالة الله التي اوجبت صب جميع هذه البلايا عليها؟ و تعتقد ان اثار اعمال ابيها السيئة انصبت على الاسرة، و تقول افنحن الذين نعذب بسبب اعمال ابينا، فالله غير عادل جداً!! فكيف اقنعها؟
الجواب :
كون الانسان مذنباً و ولادة الانسان في هكذا اسرة لا علاقة له بعدالة الله ابداً، فان الله تعالى اوضح لجميAق الخير من الشر تأسياً بالمعصومين ( عليهم السلام).
بالاضافة الى ان الله تعالى قد وضع العقل في باطن الانسان يتستطيع الانسان به ان يُشخّص سبل الخير من الشر.
فاذا ترك الانسان ـ مع ان الله تعالى لم يقصر في هداية البشرية ـ جميع وسائل الهداية و السعادة، وابتعد عن الطريق الواضح والمستقيم، و تحرك في طريق الانحراف والظلال و سار نحو الظلام و الهلاك المعنوي، و ولد له ولد و هو في هذه الاجواء، فما ارتباط ذلك كله بعدالة الله تعالى.
فالله عز و جل قد هيأ لنا جميع وسائل الهداية، غاية الامر ان بعض الناس يستفيد من هذه الوسائل و يسير بحسب اتجاهه الفطري، والبعض الاخر يسير في طريق الضلال، وكل منهما يسير في طريقه باختياره الذي اعطاه الله تعالى له. وفي الاثناء من يعيش في هكذا اسرة يمكنه ان يغير من مصيره و يتوجه نحو البراءة و السعادة و النزاهة.
و على أي حال ما نستطيع ان نقوله في مقام الجواب على مشكلة هذه الاخت هو: ليست هي المبتلية فحسب، بل كل شخص في هذه الدينا هو مبتلي بنوع من البلاء.
ما هي اسباب البلاء؟
طبقاً للآيات القران الكريم و روايات اهل بيت العصمة و الطهارة (عليهم السلام) ان المصائب التي تجري على المؤمنين اما بسبب اعمالهم او انها امتحان الهي لرفع درجاتهم عند الله.
وتوضيح ذلك باختصار:
الف: قد يرتكب الانسان بعض الذنوب و الاخطاء فتكون سببا لان تظهر على شكل مصائب و بلايا في الحياة الدنيا.
كل ذنب له اثار خاصة، فبعض الذنوب توجب الفقر، و بعضها تجلب البلاء كما قال الامام علي (عليه السلام) في دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء».
و على أي حال فان هذه المصائب تكفر عنه ذنوبه و حيث ان الله يحب عبده المؤمن فيبليه ببعض المصائب كي يكفر عنه ذنوبه في هذه الدنيا و ياتي يوم القيامة خال من الذنوب و هذا هو لطف من الله تعالى بالنسبة الى عبده، و لكن من كان من المغضوب عليهم فنجد ان الله تعالى غالباً يسبغ عليه نعمه كي يستدرجه و يبتليه بعذاب جهنم و ساءت مصيراً.
ب: الامتحانات الالهية:
تنزل المصائب و البلايا احياناً لأجل الامتحان الالهي. من جملة سنن الله تعالى و قوانينه الثابتة هو ابتلاء و امتحان المؤمنين، كما جاء في القران الكريم من الايات الكثيرة بشأن ذلك على سبيل المثال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} آلعمران، الآية: 186.
و يقول الله تعالى في سورة البقرة الاية 155: «ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الاَمْوالِ وَ الأَْنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ»؛.
و يقول الله تعالى في آية اخرى من كتابه الكريم: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت ، الآية: 2 ـ 3.
و طبعاً ان الامتحانات الالهية ليس لها اطار معين و مشخص، بل يمتحن كل انسان بحسب حالاته الروحية، لذا يقول الله تعالى في اية اخرى: {نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء ،الآية: 35
الحكمة من الامتحان الالهي:
حيث ان الله تعالى عالم بجميع الامور، لذلك فالامتحان الالهي ليس لاجل رفع الجهل بالامور، و لكن الله تعالى يمتحن المؤمنين المخلصين لاجل ان تظهر الى الخارج كفاءاتهم و استعداداتهم المخفية من جملة غايات الامتحان الالهي هي تصفية ايمان الانسان المؤمن و اظهار حقيقة ايمانه، مثل الصانع الذي يصهر الذهب في الفرن بحرارة النار كي تحترق الشوائب و تنعدم بسبب النار و يبقى الذهب الخالص.
فالله تعالى يقوم بتصفية و غربلة ايمان المؤمنين في فرن البلاء و الامتحان، و هكذا من جملة حكم الامتحان و الابتلاء هو تمييز المؤمنين الصادقين من المؤمنين باللسان و الظاهر. كما قال امير المؤمنين( عليه السلام) : «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَ يُمَيَّزُوا وَ يُغَرْبَلُوا وَ يُسْتَخْرَجُ فِي الْغِرْبَالِ خَلْقٌ»؛
و عليه يتعرض كل واحد من المؤمنين للبلاء و الامتحان بما يتناسب مع درجته الايمانية و وضعيته الروحية.
و لا يتصور احد ان التدين و الايمان يعيش بين الحدائق و البساتين و المنتزهات، و ان الانسان المؤمن يمر من خلال طريقه الايماني الطويل بالازهار و الاوراد والتنزه، فان هذا التصور يدل على عدم فهم حقيقة الايمان و التدين، و لعل هذه الفكرة و التصور هي التي تدفقت الى افكار بعض المسلمين ردحاً من الزمن و هي انه الى متى نعيش بسبب الايمان البلاء و الحرمان ؟
و قد انزل الله تعالى لازالة هذه الاوهام عن افكارهم الايات التالية:
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت ، الآية: 2 ـ 3.
و من الواضح انه مع ايمانهم بالله تعالى لا ينبغي ان توجد لديهم هذه التصورات الشنيعة، و لكن هذه الافكار كانت موجودة عند المسلمين في المدينة و قد قال الله تعالى لاجل ابطال هذه الافكار: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريب»(بقره: 214)
وبعد معركة احد التي تعرض فيها المسلمون الى جميع تلك الاصابات و الضحايا و قد قتل منهم سبعين نفر من الجيش و في هذه الظروف قد انزل الله تعالى اية كي يفهمهم ان طريق الايمان و التدين مليء بالمصاعب و البلايا، حيث يقول: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرينَ»(آل عمران:142)؛
و على كل حال ان للامتحان الالهي بحث مفصل، و اهدافه كثيرة، و ان الله تعالى يمتحن كل انسان على مقداره، و لذا قد تعرض ال85ن المؤمنين للبلاء و الامتحان بما يتناسب مع درجته الايمانية و وضعيته الروحية.
و لا يتصور احد ان التدين و الايمان يعيش بين الحدائق و البساتين و المنتزهات، و ان الانسان المؤمن يمر من خلال طريقه الايماني الطويل بالواية عبد الرحمن في هذا المجال: «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه واله) مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ».
و نقرأ في رواية اخرى: «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِه». وقال الامام الصادق (عليه السلام) ما مضمونه: ان الله ليبتلي اولياءه بالمصائب والنوائب كي تغفر ذنوبهم ويعطيهم الاجر والثواب.
و روي في حديث اخر عن النبي الاكرم(صلى الله عليه واله): «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِكَ»؛.
و روي بهذا المضمون عن الامام الصادق( عليه السلام) «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا يَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالِابْتِلَاءِ فِي جَسَدِهِ».
ومع الالتفات الى ما بيناه في ما تقدم: فمن اللازم ان تتوجهوا وتفكروا فيما يتعلق بحياة و سيرة الاولياء والصلحاء ومن عنده منزلة عند الله تعالى من قبيل الانبياء(صلوات الله عليهم) والائمة المعصومين (عليهم السلام) وسائر عباد الله الصالحين، فان البلايا و المصائب التي جرت عليهم، لو صبت وجرت على أي شخص اخر لعله من الصعب جداً ان يتحملها او يطيقها.
ولاحظوا حياة الائمة المعصومين (عليهم السلام): كم كان عندهم من المصائب، و لاحظوا خصوصاً الى واقعة كربلاء، وانظروا أي مصيبة عظمى قد حلت بهم، ولكن مع كل تلك المصائب التي وقعت في كربلاء نجد ان العقيلة زينب (سلام الله عليها) بطلة كربلاء في الصبر والتحمل فانها ليس لم تعترض فحسب بل قالت: (ما رأيت الا جميلا) حتى انها لم تترك صلاة النافلة في ليلة استشهاد اخوتها (ع) و اصحابهم (رض).
وانتم الان تاملوا جيداً لعل هذه المصائب هي امتحان اللهي، و لعل له جهات أخرى، و اساسا بناء على بعض الروايات ان الله تعالى يرى ان من الخير و الصلاح ان يبتليه عبده و ان حكمته تقتضي ان يبتليه.
وبالتالي فقولوا لهذه الاخت: ان لا يقنط ابداً من رحمة الله، و ايضاً لا تتصور ان حياتها مريرة، بل عليها ان ترضى بقضاء الله تعالى، و الدنيا دار بلاء و امتحان، و تكدراتها و احزانها سبب لغفران الذنوب والوصول الى الدرجات العالية، و لا ينقطع رجاؤها، و لتبعد عنها الملل و الجزع، و توكل جميع الامور الى الله تعالى، وتجتهد و تسعى الى حل مشكلات الحياة في ما يرضي الله عز و جل، فالتسعى و تدعو الله و تقرأ القران الكريم، وتأتي بالواجبات الالهية و تترك المحرمات وتترك اذية الاخرين و ان لا تاكل المال الحرام، فالله تعالى سيرفع عنها المشكلات و المصائب و سيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله تعالى.
الكلمات الرئيسية :
۷,۵۴۵