الدور: هو توقف أحد الأمرين على الآخر، و هو علی قسمین: «دور مصرّح» و «دور مضمر».
«الدور المصرح»؛ هو عدم وجود أي واسطة بين الشیئین. فعلى سبيل المثال، معرفة ألف یتوقف علی معرفة ب، ومعرفة ب یتوقف علی معرفة ألف، ومعرفة أحمد مثلاً یتوقف علی أن معرفة محمود بدایة، ومن ذلك الطرف، تتوقف معرفة محمود علی معرفة احمد.
أما «الدور المضمر» فهو أن یکون بین الشیئین المتوقف کل منهما علی الآخر أیضاً واسطة أو وسائط متعددة.مثلا الف متوقفة علی باء و باء متوقفة علی جيم و جيم متوقفة علی الف. أو مثلا معرفة احمد متوقفة علی معرفة زيد و معرفة زيد متوقفة علی معرفة محمود و معرفة محمود متوقفة علی معرفة احمد.
أما علة بطلان الدور فهي: لأجل توقف الشيء علی نفسه، وبالإصطلاح: «لزوم توقف الشيء علی نفسه»، «و توقف الشيء علی نفسه غیر ممکن ومحال»، والسبب في کونه محالاً، هو لزوم کون الدور محالاً أیضاً، وحصول مسافة بین الشيء ونفس الشيء، کوجود المسافة مثلاً بین زید و ووجوده، وهذا محال.
وببیان مبسط وواضح: وجه بطلان الدور هو أن وجود و تحقق کل منهما، مشروط بالآخر. و بما أن الشرط لیس له تحقق مسبق، فتکون نتیجة هذا الاشتراط هي عدم تحقق أي منهما، وللتوضيح أکثر: افرضوا أن شخصین یریدان حمل متاع، وحمله مشروط بان یحمل الآخر الطرف الآخر من المتاع. في هذه الحالة سوف لن یرفع هذا المتاع أبداً. وذلک لأن الشرط الذي یعینه کل من هذین الشخصین لحمل المتاع غیر موجود.
وحقيقة الدور، لیست بشيء سوی هذا، أن وجود کل من هاتین الحادثتین، مشروطة بالوجود السابق الآخر، و لیس لأي منهما وجود سابق، فمن اللازم إذاً أن لا یتحقق مثل هذا الفرض.
اما «التسلسل»؛ بمعنی التتابع والتوالي، وفي الاصطلاح، ترتيب الامور اللامتناهية بنحو تکون الرتبة السابقة مترتبة علی الرتبة اللاحقة، فذلك الآخر متوقف علی الآخر، ویتسلسل هکذا إلی ما لا نهاية. فلنفترض أن علة ظهور زيد، هو عمرو، وعلة ظهور عمرو، هو بکر، و یستمر هکذا، فإذا لم یتصور له نقطة نهایة، یصیر تسلسل.
في التسلسل، سلسله العلة و المعلول تمضي وتستمر إلی ما لا نهاية، ولا تنتهي إلی نقطة، لتکون تلك النقطة علة فقط لا معلول، فمثل هذا الافتراض الذي استعرضناه مع البيان المذکور حول الدور ممتنع أیضاً، وذلك لأن في فرض التسلسل، یکون الحادث الاخير معلولاً للحادث الذي قبله، وذلك أیضاً یکون معلولاً للحادث الذي قبله، وهکذا إلی ما لا نهایة، وأول حادث نواجهه مشروط أن یکون الحادث الثاني موجود قبله و الحادث الثاني مشروط أیضاً بان یکون الحادث الثالث قد تحقق قبله.
أي بهذا الترتيب أننا کلما تقدمنا إلی الأمام، فلن نصل إلی أي حادث أبداً، إذ لا یکون تحققه و وجوده مشروطاً بشرط سابق، بل إن هذا الوضع یستمر إلی ما لا نهاية. وفي هذه الحالة، لیس وحده أن لا یتحقق الحادث الذي أمامنا فحسب، بل إن أي من أجزاء هذه السلسلة، لا تکتسي ثوب الوجود أبداً. و بما أن أي حادث لا یخلو عن الشرط، ولن نصل من بین هذه السلسلة إلی ما به وجود، فلا یکون تحققه مشروطاً بشرط، و سوف لن تصطبغ هذه السلسله لزاماً بلون الوجود أبداً .
وبهذا الحالة، لو کان بینها موجوداً یقول: إن وجودي لیس مشروطاً بشرط، ولا بتحقق موجود سابق قبلي، ففي هذه الحالة: یکون ذلك الموجود، وجوداً مطلقاً، وغیر مستغن عن العلة. و بعبارة أخری: سوف لن یکون واجب الوجود. و ستنقطع السلسله في النتيجة، وسیزول التسلسل.
أما في سلسلة علة و معلول العالم؛ فإن النقطة الأخیرة لانتهاء العلل التي تکسو کافة المعلولات ثیاب الوجود؛ فهو«الله»، الذي هو واجب الوجود والوجود المطلق. إذا، لن نصل إلی مثل هذه النقطة، و کانت کل هذه السلسلة مشروطة، فلن یکون لأي من تلک الحلقات اثر من الوجود، ولا خبر عن الوجود أصلاً.
الدليل الآخر علی بطلان التسلسل هو أن کل عدد یفترض، فإنه یقبل الزیادة والنقصان، وکل شي یقبل الزیادة والنقصان فهو متناهي. إذا اللا متناهي غير ذات الباري تعالی لا وجود له. وبحث الدور و التسلسل طبعاً هو بحث مفصل و عميق، بیناه بشکل موجز ومختصر، و بالمقدار الممکن، بلغة واضحة ومبسطة.
برهان العلية والتسلسل والدور
29 ربیع الثانی 1434 الساعة 19:07
بینوا لنا من فضلكم "برهان العلية" و "والتسلسل" و "امتناع الدور" بشرح وبیان مبسط جدا؟
الجواب :
الدور: هو توقف أحد الأمرين على الآخر، و هو علی قسمین: «دور مصرّح» و «دور مضمر».
«الدور المصرح»؛ هو عدم وجود أي واسطة بين الشیئین. فعلى سبيل المثال، معرفة ألف یتوقف علی معرفة ب، ومعرفة ب یتوقف علی معرفة ألف، ومعرفة أحمد مثلاً یتوقف علی أن معرفة محمود بدایة، ومن ذلك الطرف، تتوقف معرفة محمود علی معرفة احمد.
أما «الدور المضمر» فهو أن یکون بین الشیئین المتوقف کل منهما علی الآخر أیضاً واسطة أو وسائط متعددة.مثلا الف متوقفة علی باء و باء متوقفة علی جيم و جيم متوقفة علی الف. أو مثلا معرفة احمد متوقفة علی معرفة زيد و معرفة زيد متوقفة علی معرفة محمود و معرفة محمود متوقفة علی معرفة احمد.
أما علة بطلان الدور فهي: لأجل توقف الشيء علی نفسه، وبالإصطلاح: «لزوم توقف الشيء علی نفسه»، «و توقف الشيء علی نفسه غیر ممکن ومحال»، والسبب في کونه محالاً، هو لزوم کون الدور محالاً أیضاً، وحصول مسافة بین الشيء ونفس الشيء، کوجود المسافة مثلاً بین زید و ووجوده، وهذا محال.
وببیان مبسط وواضح: وجه بطلان الدور هو أن وجود و تحقق کل منهما، مشروط بالآخر. و بما أن الشرط لیس له تحقق مسبق، فتکون نتیجة هذا الاشتراط هي عدم تحقق أي منهما، وللتوضيح أکثر: افرضوا أن شخصین یریدان حمل متاع، وحمله مشروط بان یحمل الآخر الطرف الآخر من المتاع. في هذه الحالة سوف لن یرفع هذا المتاع أبداً. وذلک لأن الشرط الذي یعینه کل من هذین الشخصین لحمل المتاع غیر موجود.
وحقيقة الدور، لیست بشيء سوی هذا، أن وجود کل من هاتین الحادثتین، مشروطة بالوجود السابق الآخر، و لیس لأي منهما وجود سابق، فمن اللازم إذاً أن لا یتحقق مثل هذا الفرض.
اما «التسلسل»؛ بمعنی التتابع والتوالي، وفي الاصطلاح، ترتيب الامور اللامتناهية بنحو تکون الرتبة السابقة مترتبة علی الرتبة اللاحقة، فذلك الآخر متوقف علی الآخر، ویتسلسل هکذا إلی ما لا نهاية. فلنفترض أن علة ظهور زيد، هو عمرو، وعلة ظهور عمرو، هو بکر، و یستمر هکذا، فإذا لم یتصور له نقطة نهایة، یصیر تسلسل.
في التسلسل، سلسله العلة و المعلول تمضي وتستمر إلی ما لا نهاية، ولا تنتهي إلی نقطة، لتکون تلك النقطة علة فقط لا معلول، فمثل هذا الافتراض الذي استعرضناه مع البيان المذکور حول الدور ممتنع أیضاً، وذلك لأن في فرض التسلسل، یکون الحادث الاخير معلولاً للحادث الذي قبله، وذلك أیضاً یکون معلولاً للحادث الذي قبله، وهکذا إلی ما لا نهایة، وأول حادث نواجهه مشروط أن یکون الحادث الثاني موجود قبله و الحادث الثاني مشروط أیضاً بان یکون الحادث الثالث قد تحقق قبله.
أي بهذا الترتيب أننا کلما تقدمنا إلی الأمام، فلن نصل إلی أي حادث أبداً، إذ لا یکون تحققه و وجوده مشروطاً بشرط سابق، بل إن هذا الوضع یستمر إلی ما لا نهاية. وفي هذه الحالة، لیس وحده أن لا یتحقق الحادث الذي أمامنا فحسب، بل إن أي من أجزاء هذه السلسلة، لا تکتسي ثوب الوجود أبداً. و بما أن أي حادث لا یخلو عن الشرط، ولن نصل من بین هذه السلسلة إلی ما به وجود، فلا یکون تحققه مشروطاً بشرط، و سوف لن تصطبغ هذه السلسله لزاماً بلون الوجود أبداً .
وبهذا الحالة، لو کان بینها موجوداً یقول: إن وجودي لیس مشروطاً بشرط، ولا بتحقق موجود سابق قبلي، ففي هذه الحالة: یکون ذلك الموجود، وجوداً مطلقاً، وغیر مستغن عن العلة. و بعبارة أخری: سوف لن یکون واجب الوجود. و ستنقطع السلسله في النتيجة، وسیزول التسلسل.
أما في سلسلة علة و معلول العالم؛ فإن النقطة الأخیرة لانتهاء العلل التي تکسو کافة المعلولات ثیاب الوجود؛ فهو«الله»، الذي هو واجب الوجود والوجود المطلق. إذا، لن نصل إلی مثل هذه النقطة، و کانت کل هذه السلسلة مشروطة، فلن یکون لأي من تلک الحلقات اثر من الوجود، ولا خبر عن الوجود أصلاً.
الدليل الآخر علی بطلان التسلسل هو أن کل عدد یفترض، فإنه یقبل الزیادة والنقصان، وکل شي یقبل الزیادة والنقصان فهو متناهي. إذا اللا متناهي غير ذات الباري تعالی لا وجود له. وبحث الدور و التسلسل طبعاً هو بحث مفصل و عميق، بیناه بشکل موجز ومختصر، و بالمقدار الممکن، بلغة واضحة ومبسطة.
الكلمات الرئيسية :
۶,۱۷۹