تعد مسألة تعدد الزوجات قبل الاسلام نوعاً من السخریة والاستخفاف والتحقير جداً،و لا یمکن حصرها في حد معین أبداً، حیث أخرجوا النساء من عداد البشر واعتبروها في عداد الحیوانات والبهائم، فکان أصحاب المزارع والأملاك یسیئون إلی النساء واستغلالهن، کتشغیلهن في أعمال شاقة و صعبة، واستفادهم من کید یدهن و عرق جبینهن، وکانت طبقة الأشراف والسادة فیهم یختارون عدداً کبیراً من النساء في ملذاتهم واستمتاعاتهم اللامشروعة.
والأسوأ من ذلك کله، أن بعض الزواج قد یتناوبنهن علی شکل مجامیع، بمعنی أن طائفة من الرجال یتزوجون طائفة من النساء، فقد جرت العادة في «تبت» مثلاً أن عدة من الإخوان یتزوجون عدة من الأخوات، بنحو لا یعلم أي أخت هي زوجة أي أخ؟
لقد نسخ الإسلام وألغی تماماً امتلاك عدة زوجات بخلاف امتلاك عدة أزواج، رعایة للمصالح والمفاسد، بل حدد ذلك وقیده، فهو من جهة، حدّد عدد الزوجات، ومن جهة أخری، وضع شروطاً لذلك، وعلی ضوء هذه الشروط، لا یسمح لأي شخص أن یختار العدید من الزوجات، ونظراً لبناء الإسلام علی الحکمة البالغة والمصالح و المفاسد الاجتماعية والأسریة، ففي مجال تعدد الزوجات أیضاً، أکد علی ضرورة دفع المفسدة ورعایة المصلحة، ولنأخذ هذه الجهات علی سبیل المثال:
1ـ أکدت الإحصاءات الرسمیة أن عدد النساء في أصل الخلقة أکثر من الرجال، ولو أخذنا علی سبیل المثال حالات الحرب والأحداث الأخری والعلل الغیر طبیعیة التي تنتزع الرجال بالدرجة الأولی کضحایا، فسیکون أعداد الرجال أقل بکثیر من أعداد النساء، فإذا قرر أن یکون لکل رجل امرأة واحدة، فإن الکثیر من النساء ستبقی إلی آخر أعمارهن من دون زوج، فیجبروهن في نهایة الأمر علی ارتکاب البغاء والفضائح الجنسیة والفساد والشذوذ والانحلال اللاأخلاقي في المجتمع.
2ـ تتعرض المرأة أحیاناً لعاهات وأمراض مزمنة ومستعصیة، فیلجأ الرجل في هذه الحالة لرفع غرائزه الجنسية بالقیام بأعمال تتنافی مع العفة والشرف.
3ـ تأتي الدورة الشهریة بشکل طبیعي ومعتاد للنساء في کل شهر، وفي هذه الفترة، لا یقدر الأزواج من مجامعة زوجاتهم، فیسبب هذا بنفسه نوعاً من المشاکل في المجتمع .
وقد ذکرت الاحصائیات العالمیة عن منع تعدد الزوجات في البلدان الغیر إسلامیة، و تزاید أعداد أولاد الزنا والبغایا وغیر الشرعیین جراء الفساد الجنسي والإباحیة للرجال والنساء، و فیما یتعلق بالجهات المذکورة أعلاه، سمح الإسلام للرجال أن یتزوج أربعة زوجات کحد أقصی مع رعایة الشروط والعدالة التي یضعها في اختیاره وتصرفه، و لا یتعارض هذه أبداً مع عفة وکرامة المرأة، من ناحية أخرى.
وللمرأة مهام خاصة في نظام الخلقة، کالأمومة والحضانة، وهذا مقام عظیم وشامخ، قد قال النبي صلی الله علیه وآله: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، ولا یتناسب مقام الأمومة وتربیة الأبناء مع تعدد الأزواج، لعدم تعین الابن لأي واحد من هؤلاء الأزواج و قد جاءت الشريعة الإسلامية على أساس احتياجات الإنسان، وليس علی أساس المشاعر، فقد تتضایق المرأة بالمنافسة (في الحياة)، ولكن عند النظر في مصلحة المجتمع كله، وترک المشاعر جانباً، سیتضح حینئذ فلسفة تعدد الزوجات.
و لا يمكن لأحد أن ينكر أن الرجال یتعرضون إلی الحوادث المختلفة في الحیاة، وربما إلی الموت، أکثر من النساء، وقلتهم إیضاً عند تعرضهم إلی الحروب والحوادث الأخری، فهم یعدون الضحایا الأصلیین في الحقیقة.
و لا يمكن إنكار أن بقاء الغريزة الجنسية لدى الرجال أطول من النساء، لأن النساء في سن معينة، تفقد استعدادها الجنسي، وهذا ليس كذلك في الرجال. ویحضر علی النساء أثناء الحيض والحمل مزاولة الجماع والجنس أيضا ، و لكن لا وجود لهذا الحظر في الرجال. وآخر كل شيء قد تفقد المرأة زوجها لأسباب مختلفة، فإذا لم يكن تعدد الزوجات، فستظل الزوجة دائما بلا زوج، ویدب الفساد في المجتمع.
فمع أخذ هذه الحقائق بنظر الاعتبار في الموارد المذکورة وغیرها، (سیختل التوازن بين الرجال والنساء معا)، وفي هذه الحالة، ینبغي اختيار أحد الطرق الثلاث التالية:
أ) إما أن یقنع الرجال بزوجة واحدة فقط في كل الموارد، وتبقی النساء الأرامل إلی آخر عمرهن بلا زوج، فتقمع کافة الاحتياجات والرغبات الفطرية لمشاعرهم الداخلية.
ب) أن یکون للرجال زوجة قانونية واحدة فقط، ولكنهم یقیموا علاقات غرامیة وغير مشروعة مع النساء اللواتي بلا أزواج، ویتخذوهن معشوقات لهم متی ما شاءوا.
ج ) من کان لديهم القدرة على إدارة أكثر من زوجة، ولا یواجهون أي مشکلة جسمیة أو مادية أو أخلاقیة، ولدیهم القدرة الكاملة والکافیة في تطبیق العدالة بين الأزواج والأبناء، فيجوز لهؤلاء اختيار أكثر من زوجة واحدة.
فإذا أردنا اختیار الخيار الأول، فمضافاً إلی المشاكل الاجتماعية الناجمة عن طبيعة وغرائز الإنسان، علیه أن یلبي کافة الاحتياجات المادية والنفسية و البدنیة أیضاً، ویتجاهل عواطف و مشاعر هذه النساء، لكن هذه معركة خاسرة لا يمكن أن الفوز بها.
ولو افترض هذا المشروع ناجحاً، لکن لا یخفی علی أحد جوانبه اللاإنسانیة أیضاً، وتعدد الزوجات من باب الضرورة، ینبغي أن لا یفسر من وجهة نظر الزوجة الأولی فقط، بل من وجهة نظر الزوجة الثانیة أیضاً، مع دراسة الاقتضاءات الاجتماعیة کذلك، ومن یعنون مشکلات الزوجة الأولی في حال تعدد الزوجات، فهم ینظرون إلی المسألة بشعبها الثلاث، وهم من ینظرون إلیها من زاویة واحدة فقط، وذلك لأن مسألة تعدد الزوجات ینبغي أن ینظر لها من زاویة الزوج و الزوجة الأولی والثانیة معاً، ومن ثم نقضي و نحکم في ذلك من خلال رعایة مصلحة المجموع.
أما إذا اخترنا الخیار الثاني، فعلینا أن نمنح الشرعیة للبغاء والزنا، ونعترف به رسمیاً، والأجدر بذکره هنا أن الأزواج الذین یختارون لأنفسهم معشوقات، ویستمتعون بها جنسیاً، فانهن یشعرن بالأمن و لیس لهن مستقبل وکأن شخصیتهن قد انتهکت وکرامتهن قد أبیحت، فهذه لیست أموراً یسمح بها العاقل أو یجیزها.
فلم یبق أمامنا علی أي حال سوی الخیار الثالث، وهو یلبي المطالب والاحتياجات الفطریة والغریزیة للنساء، ویجتنبن أیضاً النتائج المترتبة على البغاء وفوضى الحياة، ویخرج المجتمع من مستنقع الخطيئة والتلوث.
ونذکر أخيرا بعض النقاط:
1- جواز تعدد الزوجات، مع کونها في بعض الموارد ضرورة اجتماعية، ومن الأحکام الاسلامیة المسلّمة، لکن حالاتها تختلف عن السابق کثیراً جداً، إذ إن الحياة في الماضي کان لها شكل بسيط، ورعایة العدالة بین النساء سهل، و یمکن لأغلب الأشخاص القیام به وتنفیذه.
أما في عصرنا هذا، فعلی الأشخاص الذین یریدون الاستفادة من القانون، علیهم رعایة العدالة الشاملة وفي کافة النواحي أیضاً، فإن کان لهم القدرة علی ذلك، فلیقدموا علیه، وينبغي ألا يكون تعسفيا قائماً علی الهوی و الرغبة .
2- استعداد الرجال لاتخاذ زوجات متعددة، هو أمر لا يمكن أن ينكر. فإذا رافق هذه الرغبة نوع من الهوی، فلا یمكن الموافقة عليه. و لكن عقم المرأة أحیاناً،ورغبة الزوج الشدیدة بإنجاب الأطفال، یجعل هذا الاتجاه منطقياً، أو في بعض الأحيان و بسبب الرغبة الجنسية الشديدة،وعدم قدرة الزوجة الأولى على تلبية المطالب الغريزية للرجل، یلجؤه هذا علی الزواج الثاني. وحتى إذا لم يحصل من طریق مشروع، فإنه یقدم علیه من طریق غیر مشروع، وفي مثل هذه الموارد والحالات،لا یمکن إنکار الطلبات المعقولة، فقد تکون مسألة تعدد الأزواج في المنزل، سبباً في إیجاد نوع من الكراهية والعداء بین الأزواج.
ولكن یرد هذا الاشکال علی من یکنّون العداوة والحقد، وليس علی الإسلام و تعاليمه: أن الدين الاسلامي لم یوجب و یلزم قانون تعدد الزوجات، ولم یعتبره شرطا ضروريا.
ولیس مسألة تعدد الزوجات في الإسلام في الواقع قاعدة، بل ضرورة واستثناء، وهو إعطاء الحكم بالترخيص والجواز، ولیس الإلزام، يعني أنه قد سمح وأجاز لبعض من تسببت لهم مشاكل، فاضطروا ولجئوا إلی الزواج مرة أخرى. کما لو وضع له شرطاً في ذلك، وکانت ثقة الرجل في أنه قادر علی أن یعدل بین النساء، و لكن إذا کان هناك رجال بغض النظر عن هذا الشرط، وبغض النظر عن رفاهیة وسعادة أسرته وأبنائه، أخذوا یبحثون و یفتشون عن الزواج من جدید، فالزواج الثاني غیر مناسب وغیر صالح. فعلى سبيل المثال، إذا كان الهدف من الزواج الثاني هو الشهوة والرغبة، والمرأة في نظرهم عبارة عن کائن مخلوق للمتعة وإیجاد اللذة فقط، فلا يتعامل الإسلام مع هؤلاء الناس، ولا یجیز لهم بالزواج أكثر من امرأة واحدة.
ولكن السؤال هو لماذا لا یعطي الإسلام هذا الحق إلی النساء؟ ولماذا لا يسمح الإسلام بتعدد الأزواج؟
لأن في هذا النوع من العلاقة الزوجية، لا تعرف عملیاً علاقة الأب مع الطفل، كما هو الحال في الشيوعية، (فتقاسم) العلاقة الجنسية غير معروف بین الآباء والابناء، وكما أن الشيوعية لم تقدر أن تشق لها طریقاً و تلعب دورها الحقیقي في ذلك، فلم یلق تعدد الازواج مقبولیة وترحیباً أیضاً في تلك المجتمعات، لأن الحیاة الأسریة والعائلیة و ايجاد عش آمن للأجیال المستقبلیة و ارتباط وثیق بین جیل الماضي و جیل المستقبل،هي رغبة و مطالبة للغريزة و الطبيعة البشریة،وتعدد الأزواج،لیس وحده لا یتفق مع طبيعة المطالبة بالانحصار والتحدید، وحب الرجل للأبناء، والذي یخالف طبيعة المرأة.
لقد أثبتت الدراسات في علم النفس أن المرأة تطالب بالزوج الواحد أکثر من الرجل الذي یطالب بتعدد الزوجات. ومن ناحیة أخری لا ترید المرأة أن یکون الرجل سبباً لإرضاء غرائزها الجنسیة فقط، بأن یقال: کلما کان أکثر، کان للمرأة أفضل، بل ترید المرأة من الزوج أن یکون له قلب، یدافع و یحامي عنها، ویضحي من أجلها، ویفرح ویحزن لها، والمرأة في تعدد أزواجها، سوف لن تحقق الحمایة و الدعم الکافي و المحبة و العواطف الخالصة والمضحیة من قبل الرجل بالنسبة لها، ولهذا، فإن تعدد الأزواج لها، یجعلها کالقوادة التي تبغضه المرأة بشدة وتبدي استائها و کراهیتها له.
وتعدد الأزواج لا ینسجم مع رغبات الرجل وعواطفه ومشاعره، ولا المرأة أیضاً. مضافاً إلی ذلك، من المشاکل الآخری لتعدد الأزواج للنساء هو عدم تشخیص هویة الأب بالنسبة للابن، فمع وجود تعدد الأزواح لا تحدد هویة أن الابن یعود لأي من هؤلاء الرجال، وهذه المسألة مهمة جدا. فمسألة تعلق الابن وتعیین الأب لهذا الابن، قد تثبتها المختبرات والفحوصات والتحالیل الطبیة والدراسات المعاصرة إلی حد ما، ولکنها من الناحیة النفسیة لم تحل، وذلك لأسباب:
أولاً یقول العلماء إن نتائج الفحوصات الطبیة والتحالیل هي لیس مصیبة مائة في المائة، بل تحتمل الخطأ فیها، أو...
ثانياً إن مسألة الاقناع الروحي و النفسي للأب والأم و الابن هي لیست أموراً یمکن حلها بالفحوصات الطبیة والتحالیل، فالابن یبحث عن الثقة والاطمئنان القلبي والشعور بالرضا النفسي، بأن یعرف من أباه ومن أمه الحقیقیان؟ وکذلك الأب والأم یبقیان یفتشان عن ذلك لحین حصول الإقناع والثقة القلبیة والتوصل إلی معرفة من الأب والأم الحقیقیین لهذا الابن؟ وبهذه النسبة، ستضعف و تتزلزل العلاقة بین الابن والأب والأم في داخل الأسرة، ونحن نقطع أنه في حال تعدد الأزواج للمرأة سوف لن یحصل هذا الاطمئنان و الثقة والعلاقة العاطفیة والانسجام الأسري أیضاً.
تعدد الزوجات واختلافات الرجل والمرأة
27 جمادی الاول 1434 الساعة 20:41
یسألني خطیبي أي دین هذا الذي أنتم علیه أیها المسلمون؟ یجیز للرجل أن یختار لنفسه زوجة له؟ أما المرأة فلا یسمح لها ذلک؟ ویسمح للرجل أن یختار لنفسه عدة زوجات متعة دون إذن زووجته؟ ویقیم معهن علاقات غرامیة أیضاً فأي إنصاف هذا أن تختص المرأة بزوج واحد فقط؟ وأن العلاقة التي تقیمها المرأة لا تختص إلا بزوجها، ویحرم علیها إقامتها مع رجل آخر مع وجود زوجها؟ ولو عرضت مسألة السفر وموارد خاصة بالرجل فالنساء یسافرن سفراً طویلاً أیضاً، ویقعن نوعاً ما في العسر والحرج، أو إذا لم یکن هناك ضیر لهذا الکلام ألیس للمرأة رغبات جنسیة أیضاً؟ فلماذا لا تستمع المرأة مع عدة أزواج؟ ویختص هذا بالرجال فقط؟ فإذا کان البحث هو حفظ کیان الأسرة، فالمرأة هي لیس وحدها القائمة بشئون الحیاة والأسرة، فالحیاة مشترکة ،ینبغي إدارتها من جانبین، فالمرأة تجبر علی الزواج برجل واحد سواء قدر هذا الرجل علی توفیر کافة الاحتیاجات و الرغبات الجنسیة للمرأة، أم لا؟ فینبغي أن یختص التفکیر فیه فقط أو الطلاق و...؟ فأي جواب لهذا الظلم والحیف الذي یقع علی المرأة؟ الرجاء أن تکون الإجابة مرفقة بدلیل عقلي قوي و متین وأن یتضمن الجواب استدلالاً بالروایات والأحادیث
الجواب :
تعد مسألة تعدد الزوجات قبل الاسلام نوعاً من السخریة والاستخفاف والتحقير جداً،و لا یمکن حصرها في حد معین أبداً، حیث أخرجوا النساء من عداد البشر واعتبروها في عداد الحیوانات والبهائم، فکان أصحاب المزارع والأملاك یسیئون إلی النساء واستغلالهن، کتشغیلهن في أعمال شاقة و صعبة، واستفادهم من کید یدهن و عرق جبینهن، وکانت طبقة الأشراف والسادة فیهم یختارون عدداً کبیراً من النساء في ملذاتهم واستمتاعاتهم اللامشروعة.
والأسوأ من ذلك کله، أن بعض الزواج قد یتناوبنهن علی شکل مجامیع، بمعنی أن طائفة من الرجال یتزوجون طائفة من النساء، فقد جرت العادة في «تبت» مثلاً أن عدة من الإخوان یتزوجون عدة من الأخوات، بنحو لا یعلم أي أخت هي زوجة أي أخ؟
لقد نسخ الإسلام وألغی تماماً امتلاك عدة زوجات بخلاف امتلاك عدة أزواج، رعایة للمصالح والمفاسد، بل حدد ذلك وقیده، فهو من جهة، حدّد عدد الزوجات، ومن جهة أخری، وضع شروطاً لذلك، وعلی ضوء هذه الشروط، لا یسمح لأي شخص أن یختار العدید من الزوجات، ونظراً لبناء الإسلام علی الحکمة البالغة والمصالح و المفاسد الاجتماعية والأسریة، ففي مجال تعدد الزوجات أیضاً، أکد علی ضرورة دفع المفسدة ورعایة المصلحة، ولنأخذ هذه الجهات علی سبیل المثال:
1ـ أکدت الإحصاءات الرسمیة أن عدد النساء في أصل الخلقة أکثر من الرجال، ولو أخذنا علی سبیل المثال حالات الحرب والأحداث الأخری والعلل الغیر طبیعیة التي تنتزع الرجال بالدرجة الأولی کضحایا، فسیکون أعداد الرجال أقل بکثیر من أعداد النساء، فإذا قرر أن یکون لکل رجل امرأة واحدة، فإن الکثیر من النساء ستبقی إلی آخر أعمارهن من دون زوج، فیجبروهن في نهایة الأمر علی ارتکاب البغاء والفضائح الجنسیة والفساد والشذوذ والانحلال اللاأخلاقي في المجتمع.
2ـ تتعرض المرأة أحیاناً لعاهات وأمراض مزمنة ومستعصیة، فیلجأ الرجل في هذه الحالة لرفع غرائزه الجنسية بالقیام بأعمال تتنافی مع العفة والشرف.
3ـ تأتي الدورة الشهریة بشکل طبیعي ومعتاد للنساء في کل شهر، وفي هذه الفترة، لا یقدر الأزواج من مجامعة زوجاتهم، فیسبب هذا بنفسه نوعاً من المشاکل في المجتمع .
وقد ذکرت الاحصائیات العالمیة عن منع تعدد الزوجات في البلدان الغیر إسلامیة، و تزاید أعداد أولاد الزنا والبغایا وغیر الشرعیین جراء الفساد الجنسي والإباحیة للرجال والنساء، و فیما یتعلق بالجهات المذکورة أعلاه، سمح الإسلام للرجال أن یتزوج أربعة زوجات کحد أقصی مع رعایة الشروط والعدالة التي یضعها في اختیاره وتصرفه، و لا یتعارض هذه أبداً مع عفة وکرامة المرأة، من ناحية أخرى.
وللمرأة مهام خاصة في نظام الخلقة، کالأمومة والحضانة، وهذا مقام عظیم وشامخ، قد قال النبي صلی الله علیه وآله: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، ولا یتناسب مقام الأمومة وتربیة الأبناء مع تعدد الأزواج، لعدم تعین الابن لأي واحد من هؤلاء الأزواج و قد جاءت الشريعة الإسلامية على أساس احتياجات الإنسان، وليس علی أساس المشاعر، فقد تتضایق المرأة بالمنافسة (في الحياة)، ولكن عند النظر في مصلحة المجتمع كله، وترک المشاعر جانباً، سیتضح حینئذ فلسفة تعدد الزوجات.
و لا يمكن لأحد أن ينكر أن الرجال یتعرضون إلی الحوادث المختلفة في الحیاة، وربما إلی الموت، أکثر من النساء، وقلتهم إیضاً عند تعرضهم إلی الحروب والحوادث الأخری، فهم یعدون الضحایا الأصلیین في الحقیقة.
و لا يمكن إنكار أن بقاء الغريزة الجنسية لدى الرجال أطول من النساء، لأن النساء في سن معينة، تفقد استعدادها الجنسي، وهذا ليس كذلك في الرجال. ویحضر علی النساء أثناء الحيض والحمل مزاولة الجماع والجنس أيضا ، و لكن لا وجود لهذا الحظر في الرجال. وآخر كل شيء قد تفقد المرأة زوجها لأسباب مختلفة، فإذا لم يكن تعدد الزوجات، فستظل الزوجة دائما بلا زوج، ویدب الفساد في المجتمع.
فمع أخذ هذه الحقائق بنظر الاعتبار في الموارد المذکورة وغیرها، (سیختل التوازن بين الرجال والنساء معا)، وفي هذه الحالة، ینبغي اختيار أحد الطرق الثلاث التالية:
أ) إما أن یقنع الرجال بزوجة واحدة فقط في كل الموارد، وتبقی النساء الأرامل إلی آخر عمرهن بلا زوج، فتقمع کافة الاحتياجات والرغبات الفطرية لمشاعرهم الداخلية.
ب) أن یکون للرجال زوجة قانونية واحدة فقط، ولكنهم یقیموا علاقات غرامیة وغير مشروعة مع النساء اللواتي بلا أزواج، ویتخذوهن معشوقات لهم متی ما شاءوا.
ج ) من کان لديهم القدرة على إدارة أكثر من زوجة، ولا یواجهون أي مشکلة جسمیة أو مادية أو أخلاقیة، ولدیهم القدرة الكاملة والکافیة في تطبیق العدالة بين الأزواج والأبناء، فيجوز لهؤلاء اختيار أكثر من زوجة واحدة.
فإذا أردنا اختیار الخيار الأول، فمضافاً إلی المشاكل الاجتماعية الناجمة عن طبيعة وغرائز الإنسان، علیه أن یلبي کافة الاحتياجات المادية والنفسية و البدنیة أیضاً، ویتجاهل عواطف و مشاعر هذه النساء، لكن هذه معركة خاسرة لا يمكن أن الفوز بها.
ولو افترض هذا المشروع ناجحاً، لکن لا یخفی علی أحد جوانبه اللاإنسانیة أیضاً، وتعدد الزوجات من باب الضرورة، ینبغي أن لا یفسر من وجهة نظر الزوجة الأولی فقط، بل من وجهة نظر الزوجة الثانیة أیضاً، مع دراسة الاقتضاءات الاجتماعیة کذلك، ومن یعنون مشکلات الزوجة الأولی في حال تعدد الزوجات، فهم ینظرون إلی المسألة بشعبها الثلاث، وهم من ینظرون إلیها من زاویة واحدة فقط، وذلك لأن مسألة تعدد الزوجات ینبغي أن ینظر لها من زاویة الزوج و الزوجة الأولی والثانیة معاً، ومن ثم نقضي و نحکم في ذلك من خلال رعایة مصلحة المجموع.
أما إذا اخترنا الخیار الثاني، فعلینا أن نمنح الشرعیة للبغاء والزنا، ونعترف به رسمیاً، والأجدر بذکره هنا أن الأزواج الذین یختارون لأنفسهم معشوقات، ویستمتعون بها جنسیاً، فانهن یشعرن بالأمن و لیس لهن مستقبل وکأن شخصیتهن قد انتهکت وکرامتهن قد أبیحت، فهذه لیست أموراً یسمح بها العاقل أو یجیزها.
فلم یبق أمامنا علی أي حال سوی الخیار الثالث، وهو یلبي المطالب والاحتياجات الفطریة والغریزیة للنساء، ویجتنبن أیضاً النتائج المترتبة على البغاء وفوضى الحياة، ویخرج المجتمع من مستنقع الخطيئة والتلوث.
ونذکر أخيرا بعض النقاط:
1- جواز تعدد الزوجات، مع کونها في بعض الموارد ضرورة اجتماعية، ومن الأحکام الاسلامیة المسلّمة، لکن حالاتها تختلف عن السابق کثیراً جداً، إذ إن الحياة في الماضي کان لها شكل بسيط، ورعایة العدالة بین النساء سهل، و یمکن لأغلب الأشخاص القیام به وتنفیذه.
أما في عصرنا هذا، فعلی الأشخاص الذین یریدون الاستفادة من القانون، علیهم رعایة العدالة الشاملة وفي کافة النواحي أیضاً، فإن کان لهم القدرة علی ذلك، فلیقدموا علیه، وينبغي ألا يكون تعسفيا قائماً علی الهوی و الرغبة .
2- استعداد الرجال لاتخاذ زوجات متعددة، هو أمر لا يمكن أن ينكر. فإذا رافق هذه الرغبة نوع من الهوی، فلا یمكن الموافقة عليه. و لكن عقم المرأة أحیاناً،ورغبة الزوج الشدیدة بإنجاب الأطفال، یجعل هذا الاتجاه منطقياً، أو في بعض الأحيان و بسبب الرغبة الجنسية الشديدة،وعدم قدرة الزوجة الأولى على تلبية المطالب الغريزية للرجل، یلجؤه هذا علی الزواج الثاني. وحتى إذا لم يحصل من طریق مشروع، فإنه یقدم علیه من طریق غیر مشروع، وفي مثل هذه الموارد والحالات،لا یمکن إنکار الطلبات المعقولة، فقد تکون مسألة تعدد الأزواج في المنزل، سبباً في إیجاد نوع من الكراهية والعداء بین الأزواج.
ولكن یرد هذا الاشکال علی من یکنّون العداوة والحقد، وليس علی الإسلام و تعاليمه: أن الدين الاسلامي لم یوجب و یلزم قانون تعدد الزوجات، ولم یعتبره شرطا ضروريا.
ولیس مسألة تعدد الزوجات في الإسلام في الواقع قاعدة، بل ضرورة واستثناء، وهو إعطاء الحكم بالترخيص والجواز، ولیس الإلزام، يعني أنه قد سمح وأجاز لبعض من تسببت لهم مشاكل، فاضطروا ولجئوا إلی الزواج مرة أخرى. کما لو وضع له شرطاً في ذلك، وکانت ثقة الرجل في أنه قادر علی أن یعدل بین النساء، و لكن إذا کان هناك رجال بغض النظر عن هذا الشرط، وبغض النظر عن رفاهیة وسعادة أسرته وأبنائه، أخذوا یبحثون و یفتشون عن الزواج من جدید، فالزواج الثاني غیر مناسب وغیر صالح. فعلى سبيل المثال، إذا كان الهدف من الزواج الثاني هو الشهوة والرغبة، والمرأة في نظرهم عبارة عن کائن مخلوق للمتعة وإیجاد اللذة فقط، فلا يتعامل الإسلام مع هؤلاء الناس، ولا یجیز لهم بالزواج أكثر من امرأة واحدة.
ولكن السؤال هو لماذا لا یعطي الإسلام هذا الحق إلی النساء؟ ولماذا لا يسمح الإسلام بتعدد الأزواج؟
لأن في هذا النوع من العلاقة الزوجية، لا تعرف عملیاً علاقة الأب مع الطفل، كما هو الحال في الشيوعية، (فتقاسم) العلاقة الجنسية غير معروف بین الآباء والابناء، وكما أن الشيوعية لم تقدر أن تشق لها طریقاً و تلعب دورها الحقیقي في ذلك، فلم یلق تعدد الازواج مقبولیة وترحیباً أیضاً في تلك المجتمعات، لأن الحیاة الأسریة والعائلیة و ايجاد عش آمن للأجیال المستقبلیة و ارتباط وثیق بین جیل الماضي و جیل المستقبل،هي رغبة و مطالبة للغريزة و الطبيعة البشریة،وتعدد الأزواج،لیس وحده لا یتفق مع طبيعة المطالبة بالانحصار والتحدید، وحب الرجل للأبناء، والذي یخالف طبيعة المرأة.
لقد أثبتت الدراسات في علم النفس أن المرأة تطالب بالزوج الواحد أکثر من الرجل الذي یطالب بتعدد الزوجات. ومن ناحیة أخری لا ترید المرأة أن یکون الرجل سبباً لإرضاء غرائزها الجنسیة فقط، بأن یقال: کلما کان أکثر، کان للمرأة أفضل، بل ترید المرأة من الزوج أن یکون له قلب، یدافع و یحامي عنها، ویضحي من أجلها، ویفرح ویحزن لها، والمرأة في تعدد أزواجها، سوف لن تحقق الحمایة و الدعم الکافي و المحبة و العواطف الخالصة والمضحیة من قبل الرجل بالنسبة لها، ولهذا، فإن تعدد الأزواج لها، یجعلها کالقوادة التي تبغضه المرأة بشدة وتبدي استائها و کراهیتها له.
وتعدد الأزواج لا ینسجم مع رغبات الرجل وعواطفه ومشاعره، ولا المرأة أیضاً. مضافاً إلی ذلك، من المشاکل الآخری لتعدد الأزواج للنساء هو عدم تشخیص هویة الأب بالنسبة للابن، فمع وجود تعدد الأزواح لا تحدد هویة أن الابن یعود لأي من هؤلاء الرجال، وهذه المسألة مهمة جدا. فمسألة تعلق الابن وتعیین الأب لهذا الابن، قد تثبتها المختبرات والفحوصات والتحالیل الطبیة والدراسات المعاصرة إلی حد ما، ولکنها من الناحیة النفسیة لم تحل، وذلك لأسباب:
أولاً یقول العلماء إن نتائج الفحوصات الطبیة والتحالیل هي لیس مصیبة مائة في المائة، بل تحتمل الخطأ فیها، أو...
ثانياً إن مسألة الاقناع الروحي و النفسي للأب والأم و الابن هي لیست أموراً یمکن حلها بالفحوصات الطبیة والتحالیل، فالابن یبحث عن الثقة والاطمئنان القلبي والشعور بالرضا النفسي، بأن یعرف من أباه ومن أمه الحقیقیان؟ وکذلك الأب والأم یبقیان یفتشان عن ذلك لحین حصول الإقناع والثقة القلبیة والتوصل إلی معرفة من الأب والأم الحقیقیین لهذا الابن؟ وبهذه النسبة، ستضعف و تتزلزل العلاقة بین الابن والأب والأم في داخل الأسرة، ونحن نقطع أنه في حال تعدد الأزواج للمرأة سوف لن یحصل هذا الاطمئنان و الثقة والعلاقة العاطفیة والانسجام الأسري أیضاً.
الكلمات الرئيسية :
۳,۳۲۹