اطرح سؤالك

20 جمادی الثانی 1434 الساعة 20:07

سألتکم من قبل عندي مجموعة من الأسئلة، آمل أن أجد لها إجابة محددة، وأنجو من هذا الضیاع والتشتت. مع وجود التساوي بین حقوق المرأة والرجل في الاسلام فلماذا سن التکليف في البنت 9 سنوات والولد 15 سنة؟ (لأرید أن تجیبوني بشطارة أن هذا یعد نوعاً من التکريم للمرأة، لأنني أبحث عن دليل منطقي) مع شکري الجزیل لکم. أنتم ذکرتم: لا یلزم أن نقول: إنه تکریم للمرأة، بل أن البلوغ نوعاً ما في المرأة یقع في هذا السن، وهذا هو سبب البناء و النظام الجسمي والنفسي الذي أودعه الله في وجودها، فهي کالشجرة تنمو قبل الأشجار الأخری. مضافاً إلی ذلك، هذه المسألة هي من الأمور التعبدیة، فإن لم ترغبوا في القول بتکریم المرأة، فأنتم مختارون في ما یعنیکم، وأنتم وشأنکم فیما تختارون، لکن الحقیقة هي أن الأنثی لها من الدرك والفهم والاستیعاب والعقل أکثر من الذکر. وبعبارة أخری: البلوغ هو امر تکويني، وإن تدخل الشارع في هذا المورد، هو من باب الارشاد. والآن أرید أن أسأل: هل أن السماح بأربع زوجات یعد تکریماً للمرأة؟ أو قول الإمام علي علیه السلام کما روي في نهج البلاغة: «المرأة ناقصة العقل» هل هو تکریم للمرأة؟ وکذلك سائر التناقض؟ أنا ومن هم علی شاکلتي علی ثقة بما نقوله في أنفسنا ولکني لا أعلم لماذا وضع الإسلام کل هذا؟ فکان له خطاب مدهش و عجیب مع وجود کل هذه القوانین للمرأة؟ ثم یقول: نحن نکرّم المرأة، نحن لا نقول أن هذا صحیح في أماکن أخری کالغرب، لکن الاسلام الذي نأمله و ندعیه لماذا لا تتاسب بعض قوانینه مع العقل؟ إن سبب امتعاضي و شدتي في أسلوب النقاش هنا هو أنني التقیت برجل بهائي سألني هذه الأسئلة، وقد کان هذا الأمر ثقیلاً جداً باعتباري شیعي أن لماذا توجد هکذا حقیقة؟ طالعت کتاب الاستاذ المطهري فهدئت من روعي قلیلاً، ولکنني عندما أسأل شخصاً لماذا قانونا ودستورنا في الحقوق المدنیة ناقص؟ یجیبني فیقول: «کان الاستاذ المطهري مفکراً،لا فقیهاً یرید أن یحکم أو یفتي،أو یشرع القوانین، لذلک بیّن رأیه فقط!».

الجواب :



أما الجواب عن السؤال الاول: دليل تعدد زوجات:

لا علاقة للزواج بتکريم أو عدم تکريم النساء أو الرجال، بل یطرح بعنوان کونه مسألة طبيعية ومن  ضرورات ومقتضیات الحیاة أیضاً. ولو تعرفتم علی تاریخ مظلومیة النساء والکرامة التي منحها وأولاها الإسلام للنساء، وأخذتم بنظر الاعتبار مصالح ومفاسد الاحکام الاسلامية، فسیتغیر رأیکم حقاً.

کان یرافق مسألة تعدد الزوجات قبل الاسلام نوعاً من الاستخفاف والتحقير جداً، لا یمکن حصرها في حد معین أبداً، حیث أخرجوا النساء من عداد البشر، واعتبروها في عداد الحیوانات والبهائم، وکان أصحاب المزارع والأملاك یسیئون إلی النساء، باستخدامهن في المشاغل والأعمال الشاقة والصعبة، و استفادتهم من کدّ یمینهن وعرق جبینهن، وکانت طبقة الأشراف والسادة فیهم یختارون عدداً کبیراً من النساء في ملذاتهم ومتعهم اللامشروعة. والأسوأ من ذلك کله، أن بعض الزواج یقعون علی النساء  علی شکل مجامیع، بمعنی أن طائفة من الرجال یتزوجون طائفة من النساء، فقد جرت العادة في «تبت» أن عدد من الإخوان یتزوجون عدد من الأخوات، بنحو لا یعلم أيّ أخت هي زوجة لأي أخ؟

لقد نسخ الإسلام وألغی تماماً امتلاك عدة زوجات، بخلاف امتلاك عدة أزواج، رعایة للمصالح والمفاسد، بل حدد ذلك وقیده، فهو من جهة، حدد عدد الزوجات، ومن جهة أخری، وضع شروطاً، وعلی ضوء هذه الشروط، لم یسمح لأي شخص أن یختار العدید من الزوجات، ونظراً لقیام الإسلام علی الحکمة البالغة والمصالح والمفاسد الاجتماعية والأسریة، ففي مجال تعدد الزوجات أیضاً، أکد علی ضرورة دفع المفسدة ورعایة المصلحة.

فلنأخذ هذه الجهات علی سبیل المثال:

1ـ أکدت الإحصاءات الرسمیة: أن عدد النساء في أصل الخلقة أکثر من الرجال، ولو أخذنا علی سبیل المثال حالات الحرب والحوادث الأخری والعلل الغیر طبیعیة التي تنتزع الرجال بالدرجة الأولی کضحایا، فأعداد الرجال أقل بکثیر من أعداد النساء، فإذا قرر أن یکون لکل رجل امرأة واحدة، فإن الکثیر من النساء ستبقی إلی آخر عمرها بدون زوج،فیجبروهن في نهایة الأمر علی ارتکاب البغاء والفضائح الجنسیة والفساد والشذوذ والانحلال اللاأخلاقي في المجتمع.

2ـ تتعرض المرأة أحیاناً لعاهات وأمراض مزمنة ومستعصیة، فیلجأ الرجل في هذه الحالة لرفع غرائزه الجنسية بالقیام بأعمال تتنافی مع العفة والشرف.

3ـ تأتي الدورة الشهریة عادة للنساء في کل شهر، وفي هذه الفترة، لا یقدر الأزواج من مجامعة زوجاتهم، ویسبب هذا بنفسه نوعاً من المشاکل في المجتمع.

وقد ذکرت الاحصائیات العالمیة إحصاءات عن منع تعدد الزوجات في البلدان الغیر إسلامیة، وتزاید أعداد أولاد الزنا والغیر شرعیین، جراء الفساد الجنسي والبغاء للرجال والنساء، و فیما یتعلق بالجهات المذکورة أعلاه، فقد سمح الإسلام للرجال أن یتزوجوا أربعة زوجات کحد أعلی مع رعایة الشروط والعدالة، ولا تتعارض هذه أبداً مع عفة وکرامة المرأة.

وتعدد ازواج الرجل إلی أربعة طبعاً مع رعاية الشروط، وهو بنفع نوع النساء أیضاً، إذ لو انحصر الزواج بواحدة، فستبقی الکثیر من النساء بلا أزواج إلی آخر عمرهن، فیلجأن إلی ممارسة البغاء و الفساد اللاأخلاقي.

الجواب عن السؤال الثاني:

اما بالنسبة «لکون النساء ناقصات العقول»: کما ورد في کلام أمير المؤمنين(ع) فللإجابة عن هذا السؤال، یلزم بدایة الإشارة إلی عدة أمور:

1ـ معيار تفوق الرجال والنساء کل منهم علی الاخر کما صرح به القرآن الکریم هو "التقوى والفضيلة" و المخطيء والعاصي هو ناقص العقل، ولو کان رجلاً، و المتقي الفاضل کامل العقل وإن کانت امرأة أیضاً.

2ـ صفة "نقص العقل" الواردة في الروایات لیست حكرا على النساء، بل إن هذا الوصف ینسب إلی الرجال أیضاً، وقد يعزى ذلك إلى نوع الإنسان بشکل عام. فیقول الامام علي(ع) مثلاً: «إعجاب المرء بنفسه دليل علي ضعف عقله» حیث عد الإعجاب والتركیز على الذات أو الأنانیة، سبباً في نقص العقل. وفي روایة أخری: «اتباع الهوی سبب لافتقاد العقل». وعلی هذا، فلعل ما ورد حدیث في نقص عقل المرأة، هو من ضمن هذه المجموعة من الأحادیث، من اجل ان التعبير عن الحالة الإنسانية التي من المحتمل أن تأتي، وأولئك الذين يتصفون بصفة الإعجاب بالنفس،التکبر، الغطرسة، والأنانية..سیقل أداءهم ونشاطهم العقلي، ویصابون بضآلة العقل، أما إذا أزیلت هذه الصفات من الداخل عبر التربية و تهذيب النفس، فستوضع حواجز أداء وتنویر العقل جانباً، وتعود الى الطبيعة البشرية الخصبة، وینضج العقل البشري الطبیعي لیکون خصباً مرة أخری، ومن ناحية أخرى، فإن فهمنا لإدراك معنى ومقصود بعض الأحاديث النبوية محدود و ناقص جداً.

فعلى سبيل المثال، الحديث المروي عن الإمام (ع) في تشبیه المرأة بالضلع الأعوج، قال: "مثل المرأة مثل الضلع الأعوج إن اقمته کسرته". لیس الغرض من الاعوجاج معناه الظاهري، لأن الضلع لا یمکن إقامته أبداً، بل فیه إشارة إلی أهمیة الظلع في الجسم، کونه حافضاً لأسراره ومولداً للدم، و... والمرأة  أيضا كاتمة لأسرار الأسرة، وهي مصل الدم الذي یجري في عروق الأسرة، وسبباً في تدفق الحیاة  في المجتمع  ...  وإنما یکون للضلع فاعلیته وأداءه فیما لو کان له وضعه المناسب، وإلا، فإن أراد أحد إقامته انکسر، فلا یکون بعد ذلك حافظاً وکاتماً للأسرار، ولا مولداً للدم «أي یفقد فاعلیته وأداءه».

ونقول مضافاً إلی ما تقدم: العقل الذي ذکره الإمام علي علیه السلام، و روي في نهج البلاغة حول المرأة: قد یکون بمعنی العقل التجربي أو الآلي، یعني أن العقل الذي هو محل النظر هو «العقل الآلي»، الذي یستخدم في تدبیر الشئون المادیة والدنیویة، ولا علاقة له بالعقل الکامل أبداً، إذ إن ملاك انسانية الانسان لا تختلف في الرجل والمرأة، فیما لو أراد کل منهما أن یتقرب بواسطته إلی الله عزوجل، ویصل إلی السعادة والكمال. وإن قلة و ضآلة العقل الآلي في المرأة له صلة و ارتباط دقيق و وثیق بالمسئولية الملقاة علی عاتقها بشکل طبيعي و تكويني.

وبعبارة آخری للانسان في هذه الحیاة احتیاجات ومستلزمات عدیدة، وکل منها یتطلب آلیاتها الخاصة بها، فقد خلق الله عزوجل الرجل والمرأة في نظام الوجود الجمیل بشکل خاص جمیل، وأبدع في صنعه، وامتاز کل منهما بخصائصه وسماته الذاتیة المعنیة به، وجهز کل منهما بأدواته الخاصة، فجعل المرأة کیان العطف والمحبة والسحر والجذب والجمال، والرجل مظهراً للقدرة و التدبیر، وبهذا، للنساء أفضلیة علی الرجل في بعض الجهات، والرجل في جهات أخری، وکل منهما یحمل علی عاتقه رسالة متناسبة مع حالاته وخصائصه، وکل منهما أیضاً مکمل للآخر، وتتماشی الحیاة علی أساس ذلك الکیان المليء بالمحبة والصفاء والتدبیر.

3ـ علینا أن نفکر جیداً في محتوی أي کلام یصدر من أي أحد، فالاستدلال الذي ذکره علیه السلام، وذکر في تعقیب الروایة، هو توجیه جید جداً لکلامه علیه السلام. أما قوله علیه السلام: «لأنهن ناقصات الإیمان»، فهو لیس بالمعنی الذي نتصوره نحن وأنتم، لأن الله یضرب للمؤمن مثالاً في القرآن الکریم، ویضع لهم أسوة وقدوة، فیقول: «ضرب الله للمؤمنین مثلاً امرأة فرعون-کأسوة وقدوة-» والقرآن الناطق يعني اميرالمؤمنين(ع)، هو أعلم من غیره بطرق القرآن البتةً.

وردت هذه الخطبه بعدرجوع عائشة من حرب الجمل، فبین علیه السلام نفحة من نفحات خصائص النساء. اما «نقص الايمان» فقالوا: تحرم المرأة علی الرجل بسبب طمثهن وقعودهن عن العبادة في کل شهر، ولیس معنی ذلک أن لا إیمان لهن فترة الحیض، بل یعلم من خلال القرینة التي ذکروها آن غرضه علیه السلام من نقص الایمان، هو النقص في العبادات، وقد شرع ذلك رفقاً بالنساء.

«نقص عقولهن»، في المقارنة بأحاسیسهن ومشاعرهن، إذ إن عواطف ومشاعر النساء ملازمة لعواطف الأمومة والعطف والحنان، وینبغي أن تکون أکثر من الرجال، ولهذا قد یتخذن قرارات خاطئة أحیاناً، کما فعلت عائشة في حرب الجمل.

امّا «نقص حظّوظهن» من الأرث فبسبب: أن العبأ الأکبر في الحیاة یقع علی عاتق الرجل غالباً، وعلی هذا، أنیطت إدارة الأسرة في کل المذاهب والأدیان إلی  الرجل،وذلک بسبب الفارق والاختلاف الجسمي والبدني.

وبالنتیجة: فإن ثقل أعباء المسئولیة قد أنیط بالرجال دون النساء، وأنتم وإن شاهدتم نماذج عن المرأة في المجتمعات الغربیة، کقولهم: بتساوي الرجل مع المرأة، إلا أنه لا یمکن أن نشاهدهن في عملیة إشراکهن في اتخاذ القرارات الحاسمة والمهمة، إلا في موارد قلیلة، وأکثر هذه الموارد هي تلك التي یرافقها تبعات سیئة، و یعزی هذا إلی وجود التفاوت والاختلاف في الخلقة بین الرجل والمرأة، إذ خلق کل منهما لهدف معین.

وکذلك مسألة قضاء وشهادة امرأتین أمام شهادة رجل واحد، فإن اشتعال وغلیان مشاعرهن وأحاسیسهن یجعلهن غیر مستعدات للإدلاء بشهادتهن أمام القضاء، لیعاقب المجرم علی ما ارتکبه، وبسبب شدة العواطف والرأفة من قبلهن علی شخص، أنهن لو کن واحدة، فقد تشهد بعکس ذلك. والخلاصة لا فرق بین الرجل والمرأة في الرؤیة والمنظار القرآني و الرسول الاکرم (ص) واوصيائه علیهم السلام من الناحیة الانسانية و البشریة .

وأن ما یستفاد من کلام امير المؤمنين(ع) هو: انطباقه علی علم النفس عبر الدراسة والتحلیل الدقیق لهذه الشریحة في  المجتمع. مضافاً إلی ذلك، أنه علیه السلام أراد أن ینبه جماعة أرادوا أن یلتحقوا برکب امرأة، ویضرموا فتیل فتنة کبری في الإسلام، وینبّه الأجیال في المستقبل إلی أن المرأة خلقت للأمومة والحضانة والزوجیة، ولتکون مصدراً للعطاء والحیاء والعفاف، ومقراً للعطف والحنان، وأن تکون مربیة وأستاذة، لکنها في نفس الوقت، قد تکون أضعف من الرجل في بعض الموارد، إما بشکل طبیعي وإلهي، أو باختیارها.

وهذا من لوازم النظام الالهي الأحسن، ومن هذه الجهة، ینبغي أن تتواجد في المکان المناسب بها، ولا تترك موقعها شاغراً. و لکننا في الوقت نفسه تعلمنا ذلك من معارف قرآن و النبي صلی الله علیه وآله و امير المؤمنين علیه السلام واولاده المعصومین علیهم آلاف التحیة والثناء أن لا فرق بین الرجل والمرأة عند الله في نیل الکمالات، ویمکن لکل منهما أن یکون أسوة وقدوة للإنسان العابد والمؤمن بالله عزوجل، کما ذکر سبحانه وتعالی «امرأة فرعون» في القرآن الکریم، علی أنها الأسوة والقدوة للمؤمنین.

وختاماً من الضروري التأکید علی هذه النقطة، وهي: أن الأحاسیس والمشاعر التي تمتلکها النساء أو سائر الخصائص المتوفرة فيها، هو لیس إرادة تقلیل قیمتهن المعنویة والروحیة والإیمانیة، فلا فرق بین الرجل والمرأة في نظر الاسلام في القیمة الانسانیة، غایة الأمر أن الرجل والمرأة خلق کل منهما علی نحو یختلف بخصائصه عن الآخر، ویعود السبب في ذلك إلی الوظائف الخاصة المناطة بکل منهما، أما في الکرامة البشریة والانسانیة، فهم متساوون. فکم من النساء من تعادل لوحدها کافة رجال العالم بل هي أفضل منهم جمیعاً کالسیدة فاطمة الزهراء(س)، والسیدة مريم(س)، و السیدة آسيه(س) و ... فهذه النسوة أفضل کل المخلوقات عدا المعصومین والأنبیاء علیهم السلام.


الكلمات الرئيسية :


۹,۹۱۲