اطرح سؤالك

21 جمادی الثانی 1434 الساعة 18:15

ماالدلیل علی الصعوبات والمشاکل التي یتعرض لها الانسان في الحیاة؟ وما المصلحة له في ذلك؟ ولو لم تکن هذه الابتلاءات والصعوبات والآلام التي یتعرض لها الانسان بهذه السعة فأي مشکلة یمکن أن تحصل جراء ذلك؟

الجواب :



الدنیا دار امتحان ومشقة، لا دار دعة و استکانة و رفاهیة، وقد ورد في الروایات والأخبار أن الدعة والاستکانة والراحة والاطمئنان والسکینة هي کلها متوفرة في الجنة، لکن البشر یبحث عنها في الدنیا، ولن یصل إلیها أبداً، فکل نعمة في الدنیا یصاحبها ابتلاءات و غربلة، فما السبب في ذلك؟

ورد في جملة من آیات القرآن الکریم و الروایات المرویة والمستفیضة عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام، أن سبب الابتلاءات التي تحصل للمؤمنین إما بسبب ما یصدر منهم من أفعال عفویة خاطئة وبریئة، أو هي امتحانات واختبارات إلهیة، أو لأجل رفعتهم و علو شأنهم في أعلی الدرجات في الجنة.

وإلیك هذا الإیضاح الموجز لکل من هذه المفردات:

الف) قد یرتکب الانسان بعض الزلات والأخطاء ینتج عنها بعض الابتلاءات والمحن في الحیاة الدنیا، فلکل ذنب ومعصیة أثرها الخاص بها، فبعضها ینتج عنها الفقر، وبعضها الآخر ینتج عنها ابتلاءات و محن آخری، کما أشار إلیه الامام علي(ع) في دعاء كميل قال علیه السلام: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ الْبَلاء»، وعلی أي حال، هذه الابتلاءات والمحن: إنما هي کعقوبة علی ذنوبه وآثامه ومعاصیه، وبما أن الله یحب عبده المؤمن، فقد یبتلیه بسبب بعض هذه الذنوب والمعاصي، فتکون عقوبة هذه الذنوب والمعاصي في هذه الدنیا، ویخفف من وزرها في الآخرة، وهذا هو بنفسه من ألطاف الرحمة الالهیة الکبیرة بالعبد المؤمن، أما من یشمله الغضب الالهي، فبدل أن یعاقب بالابتلاءات والمحن في کثیر من الموارد، یزید له في نعمته، لیبتلی في النهایة بالعذاب الألیم في الآخرة.

ب) الامتحانات الالهية، قد تکن الابتلاءات والمحن للامتحان والاختبار الالهي، فمن السنن الکونیة والقوانین الالهیة الثابتة أن یمتحن المؤمنین، کما أشار القرآن الكريم في آيات عدیدة لهذه المسألة، فعلی سبیل المثال: قال لله سبحانه وتعالی في محکم کتابه المجید: «لتُبْلَوُنَّ في‏ أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ»(آل عمران:186).

وقال أیضاً: «و لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الاَمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة:155)؛ وقال کذلك: «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون...»(العنكبوت1-3). إذاً، لیس للامتحانات والابتلاءات الالهیة إطار محدد ومعین، بل أن کل شخص یبتلی و یمتحن تبعاً لحالاته النفسیة والعاطفیة والروحیة، ولهذا قال عزوجل في آية آخری أیضاً: «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ» (الانبياء: 35).

ما هي الحكمة في الامتحانات الالهية؟ إذا کان الله علام بالأمور، فلیست الامتحانات الالهیة لرفع الجهل عن الأمور، بل لیستعرض المؤمن الخالص قابلیاته وکفاءاته، ویظهر استعداداته الباطنیة، فیمتحنه الله عزوجل، إذ إن من الحکم الالهیة إخلاص الانسان المؤمن وإظهار جوهره الإیماني الناصع، فکما أن الذهب إذا صهر بالنار، لتزال منه شوائبه و تظهر ونزاهته في کورة النار، فیبدو منه الذهب الخالص، فکذلك الإنسان المؤمن، إذ یصف الله عزوجل عمل الانسان بکورة البلاء والمحن، لیکون إیمانه خالصاً ناصعاً، وکذلك فصل صفوف المؤمنین بصدق عمن ادعوا الایمان کذباً وزوراً و بهتاناً، فکان إسلامهم مجرد لقلقة لسان، وهذا  هو أیضاً من الحکم والامتحانات الالهیة، کما قال الامام علي(ع): «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَ يُمَيَّزُوا وَ يُغَرْبَلُوا وَ يُسْتَخْرَجُ فِي الْغِرْبَالِ خَلْق».

وعلی هذا، یتعرض المؤمنون تناسباً مع درجات إیمانهم وحالاتهم النفسیة والروحیة إلی امتحانات واختبارات الهیة صعبة، ولا ینبغي لأحد أن یتصور أن طریق الایمان والتدین تحفّ به الریاحین والزهور، ویمرّ عبر الحدائق الغنّاء و الخضراء، بل هو طریق ذات الشوکة، فیضع الإنسان المؤمن علی طول هذا المسیر الطویل الذي أمامه أقدامه علی أعتاب هذه الزهور والریاحین، فیکون هذا التصور علامة علی عدم معرفة ماهیة الایمان و الدین، ولقد عشعش و سیطر هذا التفکیر والتصور في أذهان بعض المسلمین الذین عاشوا في مکة: أنهم إلی متی سیتحملون هذا العذاب، ویتألمون بسبب إیمانهم بالله الواحد الأحد؟

فأنزل الله عزوجل هذه الآیات لرفع هذه الأوهام عن أفکارهم وتصوراتهم؛ فقال سبحانه وتعالی: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبينَ»(العنكبوت/2-3).

ولعل هذه التصورات الغیر طبیعیة و الغیر مأنوسة قد جعلت أهل الإیمان یتصورون: أنهم لا یمکن أن تعرقل المشاکل طریقهم بعد ذلک أبداً، وحصل هذا النوع من التفکیر في أذهان أهل المدینة أیضاً، فقال الله عزوجل لإبطال هذا التصور الخاطيء: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريب‏»(البقرة: 214).

روي أن معرکة «أحد»انتهت، فکان حصیلتها وقوع الکثیر من القتلی والجرحی، وسقوط سبعین فارساً من صنادید المسلمین وشجعانهم وقادة جیشهم في المعرکة، «ولکي یبین الله سبحانه وتعالی لهم أن طریق الإیمان والتدین هو طریق ذات الشوکة، یمر بالصعاب والابتلاء» أنزل علیهم هذه الآیة المبارکة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرينَ»(آل عمران:142).

وعلی أي حال، لمسألة الامتحان والاختبار الالهي بحث واسع وطویل، وأحکامه وحکمه کثیرة لا تعد ولا تحصی أیضاً، فالله یبتلي عباده ویفتنهم، کما فتن الانبیاء والرسل من قبل بشدة البلاء والابتلاء والفتن المریرة.

ج) مضاعفة الاجر والثواب المعنوي، وقد یبتلي الله سبحانه وتعالی عباده المؤمنین لیعلم مدی صبرهم  علی البلاء فیضاعف مندرجاتهم المعنویة. روي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا فَقَالَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ».

و روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ:«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِه». و قال الامام الصادق علیه السلام:«إن الله لیبتلي أولیاءه لیثیبهم علی ذلک بالأجر والثواب لما لم یذنبوا». وفي  حديث آخر  عن رسول الاسلام(ص)قال:«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِكَ». و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع:«قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا يَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالِابْتِلَاءِ فِي جَسَدِهِ».

و بناء علی ما ذکر، علیك أیها الأخ العزیز، أن تفکر في حیاة أناس من البشر الصلحاء ومن لهم کرامة عند الله کالأنبیاء والرسل والأوصیاء علیهم السلام و الأولیاء و عباد الله المؤمنین، وما حلّ علیهم من المحن والبلاء في الدنیا، إو ذلك فیما إذا تعرض غیرهم لمثلها، فتحمّل عبئه ثقیل جداً، وتحملّه صعباً علیهم و شاق.

أنتم سمعتم قصة نبي الله أیوب علیه السلام، وکیف أن الله قد ابتلاه، ففقد ولده وصحته في فترة قصیرة جداً، رغم أنه مقد أصیب بافتقاد الابناء الشباب وهم في مقتبل العمر، وحالة الفقر الشدیدة، وسقم البدن، ولسعة الألسنة النابیة، وسخریة الناس بالنبي أیوب علیه السلام، إلا أنه لم یصدر منه اعتراض أو شکوی علی ذلك، ولم یقل: أي رب، لقد ابتلیتني وامتحنتني، وسأقف في طریقك یوم القیامة، بل کان یشکر ربه في کل حال، فصبرعلی قضاء الله وقدره، حتی رفع الله عزوجل عنه کل هذه المحن والابتلاءات العظیمة، فکان علیه السلام سید الصبر والکرامة عند الله، ومثال الصبر والاستقامة عند الناس المؤمنین.

لاحظوا حیاة وسیرة الأئمة من أهل البیت علیهم السلام، فکم عانوا من المحن والابتلاء والبلاء؟ وشاهدوا واقعة کربلاء، فکم من المصائب العظمی والجسام قد مرت علی هذه الذریة الطاهرة من أهل البیت علیهم السلام، ولکن مع کل تلك المصائب والبلاء الذي جری علیهم في کربلاء، کانت أسوة و سیدة الصبر السیدة «زینب الکبری» تتحلی بالصبر، ولم تنبس بشفة اعتراض أبداً، بل قالت علیها السلام تصف ما حل بها بقولها: «ما رأيت إلا جميلا»؛ وحتی في لیلة استشهاد إخوتها وأنصار الإمام الحسین علیه السلام، لم تترك التهجد بنافلة اللیل أبداً.

ففکروا الآن، لعل تعرضکم للمحن والبلوی هو نوع من الامتحان والاختبارالالهي، ولعل فیه جهات أخری أیضاً، ولعل بعض الروایات صرحت بأن خیر العبد في المحنة والابتلاء في الدنیا، واقتضاء حکمته أن یبتلیه ویمتحنه. وتتعلق الاجابة للدعاء و التوسلات ببعض الشروط أیضاً، فإذا لم تتحقق هذه الشروط، فسوف لن یستجاب الدعاء. و یحب الله عزوجل کذلك أن یسمع صوت عبده واستغاثته به، فیکون ذلك سبباً في أن تؤخر استجابة دعوته، وقد یری ربه أن خیره وصلاحه في عدم استجابة الدعاء، فیدخرها له علی أن رفعة و درجة معنویة في عالم الآخرة، وبما أننا نجهل الحکم الالهیة، فقد نتصور أن کل ما نطلبه من الله، علی الله الإجابة؛ وأن یکون الأئمة علیهم السلام واسطة في الإجابة، مع أن هناك حکم - بکسر الحاء وفتح الکاف - أخری نحن نجهلها في هذا العالم أیضاً .


الكلمات الرئيسية :


۴,۴۷۵