الإجابة عن کل هذه الأسئلة بحاجة إلی بحث مفصل، قد یصل إلی کتاب أو مقال، إلا أننا نکتفي بالإجابة علیکم علی حد الرسالة.
لقد أعطى الإسلام أفضل وأعز الكرامة والحق للمرأة، ولکي یتضح هذا الأمر، من الجید أن تقرأ عن تاريخ ما قبل الإسلام عن المرأة، عندما کانت المرأة في أسوأ السلوك البشري ولا تعد جزءاً من الانسان، وکانت تمارس بحقها أبشع الجرائم، فدافع الإسلام عنها، وساواها في جميع المجالات الذاتیة، الاکتسابیة، والحقوقیة مع الرجل.
وقد تناول القرآن الكريم، الرجال والنساء من حيث القيم الإنسانية والمشاعر الروحية في خطاب واحد، کقوله: «ياأيها الناس» و «يا أيها الّذين آمنوا»، فلا یوجد أي اختلاف أو تمییز بين الرجل والمرأة في الخطاب القرآني، بل إن الهدف الرئيسي من تلك الخطابات هو كلا الجنسين - الرجل والمرأة - ، فعند تسلیط الضوء علی حالات الأمم والشعوب السالفة، نشاهد أنهم اعتبروا النساء جزءاً من الحيوانات والشياطين، ولم يكن الناس یومذاك قد آمنوا بأنها مخلوقة أو إنسانة، لکن الاسلام أعلن بصراحة بمساواة المرأة والرجل في الخلق و الهوية الإنسانية، وبیّن أن المرأة هي أحد العنصرین المهمین والنواة الحقیقیة والمکون الأساسي في تواجد الانسان، و أن الفارق الأصلي لکل منهما عن الآخر هو بالتقوی الالهية، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَاللَّـهِ أَتْقَاكُمْ»(الحجرات: 13).
و صرح في آیة أخری و بوضوح أیضاً بتساوي الخلقة بین الرجل والمرأة، وأن الرجل والمرأة قد وجدا من حقیقة واحدة ،ألا وهي الاعتبار بالإنسانیة، قال تعالی: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» (النساء:1)؛ وأما الآیة الثالثة: فمضافاً إلی اعتبار کل من الرجل والمرأة أنهما حقیقة واحدة، فقد أکد علی أن المرأة سکن و مأوی وطمأنینة للرجل فقال: «وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» (الروم:21).
ولا یفرق القرآن الکريم في امتلاك الکرامة الذاتية بين الرجل والمرأة أبداً، بل یقول علی نحو الاطلاق: «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (الاسراء:70)، و جملة «بني آدم» هي نص صریح في نوع الانسان، التي تطلق بنحو التساوي علی الرجل والمرأة.
وکذلك القیم والمعاني المکتسبة، فرغم أن العديد من الأمم السابقة لا تری المرأة جديرة بالتدين، معتقدة بأنها کائن شرير، لا یقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، لکن الاسلام بیّن أن لا فرق بین الرجل والمرأة في قبول العبادات والطاعات، وأن طریق الوصول إلی الکمال والسعادة مفتوح لکلا الجنسین من دون استثناء. واعتبر القرآن الکریم المرأة أنها صنو للرجل في کافة البرامج: التربویة، الأخلاقیة، العلمیة، و... . وأن وصول کلا الجنسین إلی الکمال والسعادة یتوقف علی العمل الصالح،فانتبهوا إلی بعض الآیات في هذا المضمار التي تؤکد علی ذلك:
1ـ قال تعالی: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل:97)، تثبت هذه الآیة أن الحیاة الطیبة تنبعث من باطن و أعماق هذه الحیاة، وتکون سبباً في إضاءة القلب وعلامات الکمال وتقرب الانسان، ویتحقق ذلك بالعمل الصالح للرجل وللمرأة معاً،بلا فرق بینهما.
2ـ «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ»؛ (غافر:40)، في النظرة القرآنیة أن کلاً من الرجال والنساء مرهون بعمله في الحیاة الدنیا وفي الآخرة، الأعمال الصالحة منها أو السیئة، فمن عمل صالحاً یجز به ویثاب علیه، ومن عمل سیئاً یجز به أیضاً ویعاقب، بلا فرق في ذلك بین الرجل والمرأة، فحال المرأة إذاً کحال الرجل في الکرامة الکسبیة.
وکذلك بالنسبة للموارد والحقوق الأخری، یتساوی فیها الرجل والمرأة في النظرة الاسلامیة. فمن المواضیع الحقوقية المهمة: حق اداره الاموال و الثروات والعائدات، فلم تدع الکثیر من الأمم والشعوب السالفة قبل الاسلام بأن المرأة تمتلك حق التملك في القضایا الاقتصادية و غيرها، ولهذا حرموها من مسألة الإرث، فإذا امتلکت المرأة أموالاً بطریقة ما، فلا تسمح تلك الأمم والشعوب السالفة بالتصرف في أموالها المشروعة، وحظر علیها کافة المعاملات الاکتسابیة وغیر الاکتسابیة، کمزاولة مهنة التجارة، والمعاملات والمعاوضات، وسائر التصرفات، فأمر القرآن الکريم في مثل هذه الحالات بأن حال المرأة کحال الرجل من دون فرق و لا تمییز في مزاولة کافة حقوقها المشروعة، ولا یحق لأي أحد أن یتدخل في شئونها، فقال سبحانه وتعالی في بیان جواز ممارسة هذا الحق المشروع: «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ»(النساء:32).
دليل أفضلیة الرجال علی النساء في بعض الامور:
اما السبب في ترجیح القرآن الکريم للرجال علی النساء في بعض الموارد: قوله عزوجل: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ»(النساء:34). و للإجابة عن هذا الإشکال نقول:
إن الفارق البدني «الجسمي» والنفسي «الروحي» الموجود بین الرجل والمرأة، هو الذي جعل أن یکون لکل من الرجل والمرأة وظیفة محددة ومعینة في شئون الأسرة والمجتمع، فلو انعکست القضیة، واستبدل الرجل بوظائف الممرأة وبالعکس، أو تساویا في ما بینهما في جمیع الوظائف والأعمال، کان هذا خلافاً للفطرة والعدالة الاجتماعیة.
لذا، علی کل منهما ممارسة دوره و وظائفه المناطة به، لیستوفي کافة مزایاه الوجودیة الممنوحة له، مع رعایة الإسلام لهذه العدالة في بعض الممارسات والأعمال الاجتماعیة التي تحتاج نوعاً ما إلی استخدام القوة والعنف أو الظرافة والدقة و نوع من العقلانیة، کإیکاله مهمة إدارة شئون الأسرة، وغیره، ولهذا، قدّم الرجل علی المرأة، ولیس هذا التقدم لأجل أفضلیته في الخلقة علی المرأة، بل لأجل ممارسته وظائفه و حقه الطبیعي، فإیکال الشئون الاجتماعیة والشم الاقتصادي إلی الرجل لتوفیر الاحتیاجات اللازمة وإدارة الحیاة هو الأفضل، وهذه حقیقة لا یمکن إنکارها، أن بین الرجل والمرأة فرق جسدیة وروحیة، وهي أمر طبیعي، وهي لازمة لکمال الخلقة ورفع احتیاجات النوع البشري والإنساني، وهذه الفوارق موجودة بین الرجال أنفسهم أیضاً، فعلی سبیل المثال: یتساوی کافة البشر في أصل الاستعداد، إلا أنهم یختلفون في خصوصیاته علی أساس الحکمة الإلهیة البالغة، لیتمکنوا من خلال تفتح هذه القابلیات وتفجر الطاقات والکفاءات بتوفیر کافة الاحتیاجات الاجتماعیة في مجالات عدیدة ومتنوعة، فللمجتمع احتیاجات کثیرة،في مجال المواد الغذائیة، وفي مجال الصحة، والإعمار والبناء، و...
ولهذا اقتضت الحکمة البالغة، أن تتعدد الکفاءات والاستعدادات لصیانة المجتمع وتوفیر کافة احتیاجاته ومستلزماته، ویمکن من خلال تفجر هذه القابلیات والکفاءات من رفع کافة الاحتیاجات عن المجتمع، فالمجتمع بحاجة ألی طبیب، ومهندس، وزارع و... وکما أن الفارق والاختلاف في الکفاءات والقابلیات لا یکون دلیلاً علی أفضلیة إنسان علی آخر، فالزیادة الطبیعیة لأعداد الرجال والنساء هو مسألة طبیعیة أیضاً، في اشتراکهم معاً في أصل الخلقة، أما في نظر طبیعة الخلقة، فهم یختلفون، وهذا الفرق والاختلاف في الرجولة أو الأنوثة إنما هو لتکمیل الخلقة ورفع الاحتیاجات الطبیعیة في الحیاة والتوصل إلی الکمال في الحیاة الاجتماعیة، لأن الاختلاف في خصوصیة الخلقة، یضمن بقاء النسل البشري، ویمهد لإیجاد وازع المحبة في داخل المجتمع، والحرکة والسعي نحو الکمال، فإن حصل غیر هذا، حصل نقص في الخلقة، إذ الکمال الاجتماعي یقضي بتواجد الرجل والمرأة معاً، کل حسب طاقته وکفاءته، للممارسة وظائفه و دوره الاجتماعي. هذا هو ما یقتضیه نظام التکوین الأحسن والتشریع الإلهي، لرسم سیاسة ودور کل من الرجل والمرأة في المجتمع.
ومضافاً إلی الاختلافات والفوارق الجسدیة، هنا; فوارق أیضاً من الناحیة النفسیة والروحیة في خلقة کلا الجنسین، وهذا أیضاً لأجل إیجاد حالات التوازن والتکافل في الوصول إلی الکمال الاجتماعي. ذکر العالم الفرنسي الفسيولوجي و الجراح في علم البیئة السید «الكسس كارل» المعروف عالمیاً في كتاب «الانسان کائن مجهول»: «خلقت المرأة والرجل مختلفین بحکم قانون الخلقة، وهذه الاختلافات والفوارق تخلق اختلافاً وفارقاً أیضاً في طبیعة العمل والوظائف وحقوقهم»، وقال السید «جاك لوربيت» في كتاب «المرأة أمام المعلم »: «لا شک في اختلاف الرجل والمرأة في القوی الجسدیة والهرمونیة الدماغیة واألحاسیس والمشاعر الطبیعیة،لکن هذه الفوارق والاختلافات لیست دلیلاً علی التدني والتنزل أو الهبوط». و قال العالم الايطالئي «مانتجازا» الاستاد في علم وظائف الأعضاء(الفسیولوجیا) في كتاب «فسيولوجیا المرأة »: «تختلف فسیولوجیا کل من الرجل والمرأة تماماً، ولکن لیس کل منهما أقوی من الآخر، فهذا الاختلاف نتیجة اختلاف المسئولیة والوظیفة».
النقطة المثیرة في کلام هذا العالم و کلام «الكسس كارل» هي القول: «بأن اختلاف الوظائف والحقوق یقوم علی أساس اختلافها الطبيعي، یعني أن کل منهما في نظام الخلقة یتطابق مع الوظیفة التي لها في نظر الخلقة، بأن لها حقوق أیضاً». هذا بيان لتلك الحقيقة، وهي أن لکل من الرجل والمرأة وظائف و مسئولیات معینة و محددة في نظام الخلقة، وأنهما خلقا علی ضوء تلك الوظائف والمسئولیات من الناحیة الجسدیة «الجسمیة» والروحیة«النفسیة»، فالرجل له بسطة من حیث الجسم، وهو أقوی من المرأة، وکذلك من الناحیة الروحیة والنفسیة، فللرجال قوة في التعقل والتفکیر أقوی من المرأة، أما النساء ففیهن قوة العاطفة والاحساس والمحبّة أقوی من الرجال، فالشجاعة عند الرجال عادة ناتجة عن مواجهة الحوادث، وجعل الرجل بطل هذه الساحة والمیدان.
أما النساء، فقد سبقن الرجال في ساحات الصبر والتحمل أکثر من الرجال، کل هذا بسبب اختلاف وظائف ومسئولیات المرأة والرجل، فعلی سبیل المثال: تعتبر المرأة المنفذ والمدخل الرئیسي والموقع المهم لتواجد الإنسان، ونمو البراعم في أحضانهن، فهي تتناسب جسدیاً أیضاً مع تواجد الحمل وتربیة وتنشئة الأطفال، ولها الحصة الأکبر أیضاً من الناحیة الروحیة والنفسیة في امتلاک العواطف والأحاسیس أیضاً،و قدرتها علی تحویل الذریة الصالحة الملیئة بالمحبة والعاطفة إلی المجتمع. وعلی کل حال، فإن الفارق في الخلقة یفصل وظیفة الرجل والمرأة کلاً عن الآخر، ویحصل التفاوت بینهما أیضاً في الحقوق في بعض الموارد، نظراً لاختلاف وظائفهما ومسئولیاتهما في المجتمع. وقد عمق قانون الحیاة نوع الصلة والوثاق بین کلا الجنسین الرجل والمرأة، لکي لا یتحقق کمال کل منهما إلا من خلال الآخر، وهذا التنوع في الخلقة، لا یعد سبباً لبقاء النسل البشري والإنساني فحسب، بل سیکون سبباً للتکامل، المحبة، وألفة النوع أیضاً، وإنما یزداد ویضاعف هذا الکمال والألفة فیما لو عمل کل منهما بما أنیط له من وظائف ومسئولیات.
و یظهر من خلال الدقة في المطالب المتقدمة جیداً أن غرض القرآن الکريم من أفضلیة الرجل وقوامه و تقدیمه علی المرأة کما جاء في الآیة 34من سورة النساء، أن لیس هذه الأفضلیة والأرجحیة في الفضیلة والقیم الانسانیة، فکم من النساء من هن أفضل وأرجح ذاتیاً ومعنویاً من الرجال في کثیر من الموارد، لکن المراد من الافضلیة والأرجحیة هو التقدم من جهة الوظیفة، لأن للرجال قابلیة أکثر علی التحمل جسدیاً و روحیاً من النساء في مواجهة الأحداث.
فمن وظائف الرجل الدفاع عن حریم الأسرة، وتوفیر الاحتیاجات والمستلزمات. وبما أن المحافظة علی المرأة والأبناء و توفیر کافة احتیاجاتهم منوطة بالرجل، فإن رئاسة الأسرة وإدارة شئونها قد کفلها الرجل أیضاً، فهذا التقدم إذاً وظیفة طبیعیة للرجل بالنسبة للوظیفة الطبیعیة الأخری للمرأة، لا فرق واختلاف ذاتي وقیمي. ولهذا، فالأسرة، وإن تکفل الرجل إدارة شئونها، فهو مقدم علی المرأة من هذه الجهة، وقد تکون المرأة أفضل من الرجل في القیمة المعنویة بکثیر، فیکون لها وجاهة عند الله والدین أکثر من الرجل.
أما من جهة إشکال الغربیین والمطالبة بحقوق المرأة، وأمثال هذه الأمور، فینبغي أن تدققوا في هذه المطالب، تعرضت مسألة حقوق المرأة والمساواة بین الرجل والمرأة إلی صخب وضوضاء و شد وجذب في البلدان الغربیة، مدعیة أنها مدافعة عن حقوق المرأة، ومستغلة للعناوین استغلالا سیئاً، کعنوان حقوق المرأة، الحریة، الدیمقراطیة، و... وقد داست بالأقدام کرامة وشخصیة المرأة بأبشع ما یتصور، کعرض صور المرأة وهي نصف عاریة في المنتدیات والمجامع العامة، یتلاقفها أصحاب الشهوات والملذات في أوساطهم وکأنها دمیة، ویخلق لها أرباب الدعایات المغرضة والأبواق الخبیثة والانتهازیین شخصیة کارتونیة ساخرة وکاذبة لکي لا تری النساء شخصیتها المهانة.
لقد عانت المرأة في التاریخ الجاهلي القدیم من الظلم والتتحقیر والاستخفاف والاستغلال من قبل الرجال، وفي العصر الحدیث أیضاً تری نفسها أنها متحضرة، غایة الأمر أن شکل الظلم والاستغلال الذي عانت منه في التاریخ الجاهلي القدیم یختلف عما تعانیه في العصر الحدیث، وأن کانا معاً قد أساءا لشخصیة المرأة وإهدار کرامتها في کلا الجاهلیتین، فالفساد والضیاع موجود في المجتمع، وکذلك ممارسة الظلم وسیاسة العنف ضد المرأة، والعمل علی إضاعة حقوقها الحقیقیة هو لیس بأقل من إضاعة حقوقها في العصر الجاهلي القدیم، غایة الأمر أن العصر الحدیث یتمثل فیه مقاصد وأغراض استعماریة، وتغطیة للحقائق والمفاهیم الانسانیة، فإن کانت البنات توئد في الجاهلیة وهن أحیاء، ففي العصر الحدیث قد دفنوا العفة، الحیاء، الغیرة، التي تشکل الشخصیة الحقیقیة للمرأة في وحل و مستنقع الفتنة والفساد والرذیلة، ولو کان الأولاد یقتلون في زمن فرعون، ویجرون البنات إلی الرذیلة والانحطاط والخدمة والملذات، ففي المجتمع الغربي والشیوعي ومن خلال الإعلام المضلل وتحت عناوین وشعارات مخادعة وممارسات کاذبة، کتأجیج الدعوات للمطالبة بحق الحریة وحق مساواة الرجال والنساء، وحاولت القضاء علی روح الشهامة والرجولة، الغیرة، وإماتة روح الحماس للدفاع عن النوامیس والأعراض في الرجال، وإیقاع الفتیات والنساء في فخ وحبائل الشهوات وأصحاب الملذات، أما الإسلام فقد منح المرأة الحریة والکرامة والشخصیة، واستقلال الفکر والرأي، والاعتراف بحقوقها الطبیعیة رسمیاً.
والخطوة التي قام بها الإسلام في طریق إحیاء ششخصیة المرأة والحقوق الانسانیة والاجتماعیة لها، یختلف تماماً مع ما یمضي في الغرب بما یسمی بحقوق المرأة، ویقلدهم الآخرون في ذلك، ولا یمکن المقارنة بینهما أبداً، ففي الوقت الذي أعطی الإسلام نوعاً من الثقة والاستقلال والشخصیة للمرأة، وأحیی حقوقها الحقیقیة، لم یضطرهم أبداً إلی الإعلان عن حالات العصیان والتمرد ضد الرجل، ولم یقض علی احترام الآباء والأزواج أیضاً عند البنات والنساء، ولم یزلزل کیان الأسرة.
وبعبارة أوضح: استطاع الإسلام ومن خلال ضم صنع الحکم التکلیفي في مورد حقوق النساء وحفظ شخصیتهن، بالعمل علی تقویة المسألة العاطفیة، والعلاقات الأسریة والقرابة وقواعد الأسرة التي تعتبر المکون الأساسي للمجتمع، بهذا البیان: أنه استطاع أن یبین من جهة حقوق الرجل والمرأة بصورة متقابلة، ومنح المرأة حق الحریة في الأسرة، وتحریرها من أسر الخدمة الإلزامیة المفروض علیها، وقال: لا یحق للأزواج أن یفرضوا علی زوجاتهم أي نوع من الخدمة الإلزامیة وحالة من الإکراه، حتی مسئولیة قیام المرأة بالعنایة وتربیة الأولاد، ولکن من جهة أخری، یطرح المسألة العاطفیة.
ویعني بإثابة کل من الرجل والمرأة للقیام بخدمات متبادلة بینهما، هو البدأ بالحراک والسباق للقیام بخدمات فیما بینهما في کیان الأسرة الدافيء، ویمکنکم مشاهدة کافة هذه الروایات في هذا الحقل في کتاب وسائل الشيعة، اما في البلدان الغربية، فقد رافق الاستقلال والحریة للنساء مع نوع من الاقتتال العملي لهن ضد الرجال واضمحلال کیان الأسرة الدافيء، فوصل الحال إلی حد انعدام الثقة بین المرأة والزوج.
ومن الطبیعي في مثل هذه المجتمعات، أن ینحلّ کیان الأسرة الدافيء و المتحاب، لأن الرجل غالباً ما تنعدم لدیه الثقة بابنه الذي ینتمي له أنه هل هو أبوه حقیقة أم لا؟ وبهذا الشك والتردید هل تبقی تنتظر نوعاً من المحبة الفارغة وعدیمة الجدوی؟ وسیکون نتیجة تفسخ وانحلال الأسرة، مجيء وحلول مجتمع غیر آمن، یتشکل من أشخاص یتصفون بالوقاحة والجلافة والقسوة والخشونة، والتحلل والتفسخ والفساد، فلا خبر للشخصیة الإنسانیة، ولا للأخلاق العامة.
وأخیراً ألفت نظرکم إلی کلام أحد کبار الشخصیات في هذا المضمار، قال: «لقد حرر هؤلاء «الغربیون» المرأة، فسخروا بغرائزهن، دون أن یسخروا بعواطفهن، لکن الاسلام حرر المرأة، فسخرن المجتمع بعواطفهن، ولهذا صنعت مجتمعاً عاطفیاً، ونصّبت الرأفة والرحمة في المجتمع الإسلامي، أما ما یشاهد من فقدان العاطفة في بعض المجتمعات، وقد یحترق أحیاناً أکثر من مائتین وتسعین شخصاًً بین السماء والأرض بسبب هذه القوی الکبری، ویلقون في البحر، أو ما یشاهد من مناطق مثل «حلبچه» وغیرها یصاب أهلها بالتسمم جراء قصفها بالأسلحة الکیمیاویة المحرمة دولیاً، ویرتکبون أبشع المجازر والإبادة الجماعیة بالرجال والنساء و بحق أهلها في مکان واحد، مع أنهم یدعون أنهم یدافعون عن حقوق المرأة، وأحضروا المرأة إلی الساحة والمیدان، وعاشوا مع المرأة، لأنهم سخروا بغریزة و طبیعة المرأة، لا أنهم سخروا بعواطفها، یعني أن الله وهب ذلك الفن والفضیلة والجمال المسمی بالعاطفة، الرحمة، والرقة للمرأة، فحرموا منه، وأن ما وهبه الله إلی طبیعة المرأة، فقد سلطوه علی أنفسهم، وما وهبته الذات الالهیة المقدسة إلی فطرة وروح المرأة، فقد وهبها بعنوان أنها فضیلة إلی لمرأة، أما العالم المادي، فلم یستفد من الرحمة، العاطفة، العفو والتسامح، العلاج، والرقة، لذا، جاء العالم المعاصر بالمرأة لیعرضها، فازدادت وحشیة المجتمع والطبیعة الإجرامیة.
أما العالم الإسلامي، فقد جاء بالمرأة إلی الساحة، لیکون المجتمع مسخراً بعواطفها، لا مسخراً بغرائزها، وما روي أن: «المرأة عقربٌ»، فهو مشیر إلی الشيء الذي یعاني منه العالم الغربي، اما الرواية عن اميرالمؤمنين (سلام الله عليه) التي قال فیها: «فانّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة»؛ فهو یشیر إلی تلك الفضیلة التي یتکامل بها المجتمع الإسلامي، فقال: المرأة عقرب، کأن یستفید الانسان من لسعة العقرب، بأن یلسع هذا العقرب، ولعل لسعه حلو فیه لذة، لکن مع هذه اللسعة سم، فینبغي العلم بأن المرأة ریحانة، زهرة.
وأنتم الرجال تتعطرون برائحتها، فلا تعودوا أنوفکم علی شم الروائح النتنة، فهن ریاحین، ویشم منهن روائح العطور، ویمنحنکم العاطفة والدفء، ولهذا لا تشاهدون العنف في المعارك الإسلامیة کما هو مشاهد في الحروب غیر الإسلامیة، ولا تشاهد السبعیة في وسط المسلمین کما هي موجودة عند غیرهم، مع دعوة النساء إلی الحجاب، إلا أنهن یستفدن من عاطفة المرأة کمحور تربوي، وقد أتی الإسلام بالمرأة في ظلال الحجاب مع سائر الفضائل، لتکون معلمة للعاطفة، الرقّة، العلاج، اللطف، الصفاء والنقاء، والوفاء و أمثال ذلك.
وفي العالم المعاصر، بدءا من المرأة وانتهاء بالمرأة، تأتي فتدخل إلی السوق «کلعبة» لتؤمّن الغریزة، وعندما تأتي المرأة کرأس مال «بالغریزة» إلی المجتمع، فلیست هي بعد ذلك معلمة العاطفة، بل تصدر أوامر الشهوة، لا أوامر العفو والتسامح، ولهذا، لا یشاهد في الغرب أدنی حالات الرأفة والرحمة والشفقة...».
مقام وحقوق المرأة في الإسلام
22 جمادی الثانی 1434 الساعة 18:58
هذه أسئلة زوجي وجهها لي، أرجوکم أن تجیبوا علیها بالوثائق المعتبرة، فهو مهم بالنسبة لي جداً، أما سؤالي فهو حول: «مقام المرأة في الإسلام»، فالمرأة وإن حصلت علی مقام رفیع في الأسرة والمجتمع، لیخرجها من مستنقع فساد الجاهلیة، وإعطاء الإسلام لها حیثیة وکرامة، لکن من جهة أخری، وضعها في مجالات ضیقة، وجعلها تعاني من أزمات، وقلل من شأنها، وأدنی من مقامها. وقد عبرت روایات کثیرة عنها بأنه کائن أحمق، عدیم الوفاء، وسبباً للفساد والإفساد. فلماذا عارض الإمام علي علیه السلام حقوق المرأة؟ أنا امرأة شیعية، وقلبي مليء بالحب و الولاء لأهل البيت(ع)، لکن ماذا أفعل حینما أشاهد من هم علی شاکلتي لا قیمة لهم في کافة الأدیان الالهیة؟ وأنا أخجل من کوني امرأة، وقد فضّل القرآن الرجال علی النساء، وقال: «الرجال قوامون علی النساء» و «فضلنا بعضکم علی بعض». ویخاطب الإمام علي(ع) ابنه الامام الحسن(ع) وینهاه عن مشاورة النساء فقال: «إیاکم ومشاورة النساء، فإن فیهن الضعف والوهن والعجز»، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله: «إن أقبلت المرآة فهي مثل الشیطان، وإن أدبرت فکذلك مثل الشیطان، وعلی کل حال، هي سارقة الإیمان، خادعة للإنسان، حارفة للقلوب». ومر رسول الله صلی الله علیه وآله علی نسوة فوقف علیهن، ثم قال: یا معشر النساء، ما رأیت نواقص عقول ودین أذهب بعقول ذوي الألباب منکن، إني قد رأیت أنکن أکثر أهل النار یوم القیامة، فتقربن إلی الله ما استطعن»، وفي روایة أخری: «إني قد رأیت إنکن أکثر أهل النار، فقالت امرأة منهن: یا رسول الله، ما نقصان دیننا وعقولنا؟ فقال: أما نقصان دینکن فبالحیض الذي یصیبکن، فتکث إحداکن ما شاء الله، لا تصلي و لا تصوم، وأما نقصان عقولکن فبشهادتکن، فإن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل». إن هذه المسائل هي أمور غامضة مبهمة و مجهولة بالنسبة لي أن لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ ولماذا نقصان دینهن بالحیض الذي یصیبهن؟ وهل أن الله عزوجل وضع علی النساء الحیض للسخریة والاستهزاء بهن؟ أم لکي تتأذی و تتألم بها عدة أیام؟ أم أنها لصالح المرأة؟ وسبباً لنظافة و طهارة الجسم؟ أم أن مؤلفاً روی حدیثاً عن أمیر المؤمنین علي علیه السلام أنه قال: «اتقوا شرار النساء،و کونوا من خیارهن علی حذر، ولا تطیعوهن في المعروف، فیدعونکم إلی المنکر » ثم علق علیه قائلاً: «لو تأثر الرجل بمطالبات المرأة، وخضع لها في القول، وراعی مشاعرها، فسیحرم من التقدم والنجاح، ولا یلومن إلا نفسه»، فهل أن الامام علي علیه السلام یرفض وبضرس قاطع قبول قولهن؟ أم یری لزوم بقائهن، لتداوم وبقاء النسل وإرضاء الرغبة والشهوة؟ ألیس من أحد یتحامل علی المؤلف ویقول له: «إن الذي تحمل أعباء حملک تسعة أشهر ووضعک ورباک، أکان رجلاً أم امرأة؟» ویقول رسول الله (ص): «لا تنزلوا النساء في الغرف، ولا تعلموهن الکتابة، وعلموهن المغزل، وسورة النور». نعم علی النساء أن تحرم من حق التعلیم، وإبداء وجهات نظرهن، واتخاذهن القرارات، و... وأن تعیش دائماً تابعة ذلیلة. وروي في حدیث آخر عن رسول الله (ص) أنه قال: «النساء عورة، احبسوهن في البیوت، واستعینوا علیهن بالعري»، وروي عنه (ص) في حدیث آخر: «لو أمرت أحداً أن یسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إنها لن تقدر أن تؤدي حق ربها ما دامت لم تؤد حق زوجها». یعني أن المرأة هي سقوط وانحطاط للبشریة، اخفوها عن الأعین لکي لا تکون سببًآ لخجلکم واستحیائکم، لأنها حمقاء وإذا سألتکم فاسکتوا. فهل عندنا روایة تقول: إن عبادة الرجل لا تقبل حتی یوفر لزوجته الدعة والراحة والعیش الهنيء؟ أو حتی یکون معها ودوداً عطوفاً؟ آه یاربي! هل هذه هي عدالتك؟ ألم یقل القرآن الکریم:«إن أکرمکم عند الله أتقاکم»؟ فلماذا اعتبر الرجل هو الأفضل؟ ألیس هذا فرق وتمییز فیما لو أصبحت المرأة وزوجها عنها غیر راض، لعنتها الملائکة حتی یصبح الصباح؟«و إن کان الحق معها» یعني أیتها المرأة، علی الرجل أن یستعبدك ولا تتنفسین ولا تنطقین ببنت شفة؟ لأنك إن تنفست، فستکونین ملعونة یلعنك الله وملائکته، ألیس هذا ضعف للإسلام؟ و هل هذا عدل؟ وهل للرجال فقط إیمان خالد لا یزول ولا یتغیر؟ أنني منذ إن عرفت هذه القضایا، ترکت الصلاة، لأنني إن قارنت نفسي مع إخوتي فصلاتهم أکثر قبولاً وإن کان إیماني هو الأقوی فلماذا أصلي؟ وإذا لم تتضح لي هذه الحقائق، فلن أسجد لله أبداً.
الجواب :
الإجابة عن کل هذه الأسئلة بحاجة إلی بحث مفصل، قد یصل إلی کتاب أو مقال، إلا أننا نکتفي بالإجابة علیکم علی حد الرسالة.
لقد أعطى الإسلام أفضل وأعز الكرامة والحق للمرأة، ولکي یتضح هذا الأمر، من الجید أن تقرأ عن تاريخ ما قبل الإسلام عن المرأة، عندما کانت المرأة في أسوأ السلوك البشري ولا تعد جزءاً من الانسان، وکانت تمارس بحقها أبشع الجرائم، فدافع الإسلام عنها، وساواها في جميع المجالات الذاتیة، الاکتسابیة، والحقوقیة مع الرجل.
وقد تناول القرآن الكريم، الرجال والنساء من حيث القيم الإنسانية والمشاعر الروحية في خطاب واحد، کقوله: «ياأيها الناس» و «يا أيها الّذين آمنوا»، فلا یوجد أي اختلاف أو تمییز بين الرجل والمرأة في الخطاب القرآني، بل إن الهدف الرئيسي من تلك الخطابات هو كلا الجنسين - الرجل والمرأة - ، فعند تسلیط الضوء علی حالات الأمم والشعوب السالفة، نشاهد أنهم اعتبروا النساء جزءاً من الحيوانات والشياطين، ولم يكن الناس یومذاك قد آمنوا بأنها مخلوقة أو إنسانة، لکن الاسلام أعلن بصراحة بمساواة المرأة والرجل في الخلق و الهوية الإنسانية، وبیّن أن المرأة هي أحد العنصرین المهمین والنواة الحقیقیة والمکون الأساسي في تواجد الانسان، و أن الفارق الأصلي لکل منهما عن الآخر هو بالتقوی الالهية، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَاللَّـهِ أَتْقَاكُمْ»(الحجرات: 13).
و صرح في آیة أخری و بوضوح أیضاً بتساوي الخلقة بین الرجل والمرأة، وأن الرجل والمرأة قد وجدا من حقیقة واحدة ،ألا وهي الاعتبار بالإنسانیة، قال تعالی: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» (النساء:1)؛ وأما الآیة الثالثة: فمضافاً إلی اعتبار کل من الرجل والمرأة أنهما حقیقة واحدة، فقد أکد علی أن المرأة سکن و مأوی وطمأنینة للرجل فقال: «وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» (الروم:21).
ولا یفرق القرآن الکريم في امتلاك الکرامة الذاتية بين الرجل والمرأة أبداً، بل یقول علی نحو الاطلاق: «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (الاسراء:70)، و جملة «بني آدم» هي نص صریح في نوع الانسان، التي تطلق بنحو التساوي علی الرجل والمرأة.
وکذلك القیم والمعاني المکتسبة، فرغم أن العديد من الأمم السابقة لا تری المرأة جديرة بالتدين، معتقدة بأنها کائن شرير، لا یقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، لکن الاسلام بیّن أن لا فرق بین الرجل والمرأة في قبول العبادات والطاعات، وأن طریق الوصول إلی الکمال والسعادة مفتوح لکلا الجنسین من دون استثناء. واعتبر القرآن الکریم المرأة أنها صنو للرجل في کافة البرامج: التربویة، الأخلاقیة، العلمیة، و... . وأن وصول کلا الجنسین إلی الکمال والسعادة یتوقف علی العمل الصالح،فانتبهوا إلی بعض الآیات في هذا المضمار التي تؤکد علی ذلك:
1ـ قال تعالی: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل:97)، تثبت هذه الآیة أن الحیاة الطیبة تنبعث من باطن و أعماق هذه الحیاة، وتکون سبباً في إضاءة القلب وعلامات الکمال وتقرب الانسان، ویتحقق ذلك بالعمل الصالح للرجل وللمرأة معاً،بلا فرق بینهما.
2ـ «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ»؛ (غافر:40)، في النظرة القرآنیة أن کلاً من الرجال والنساء مرهون بعمله في الحیاة الدنیا وفي الآخرة، الأعمال الصالحة منها أو السیئة، فمن عمل صالحاً یجز به ویثاب علیه، ومن عمل سیئاً یجز به أیضاً ویعاقب، بلا فرق في ذلك بین الرجل والمرأة، فحال المرأة إذاً کحال الرجل في الکرامة الکسبیة.
وکذلك بالنسبة للموارد والحقوق الأخری، یتساوی فیها الرجل والمرأة في النظرة الاسلامیة. فمن المواضیع الحقوقية المهمة: حق اداره الاموال و الثروات والعائدات، فلم تدع الکثیر من الأمم والشعوب السالفة قبل الاسلام بأن المرأة تمتلك حق التملك في القضایا الاقتصادية و غيرها، ولهذا حرموها من مسألة الإرث، فإذا امتلکت المرأة أموالاً بطریقة ما، فلا تسمح تلك الأمم والشعوب السالفة بالتصرف في أموالها المشروعة، وحظر علیها کافة المعاملات الاکتسابیة وغیر الاکتسابیة، کمزاولة مهنة التجارة، والمعاملات والمعاوضات، وسائر التصرفات، فأمر القرآن الکريم في مثل هذه الحالات بأن حال المرأة کحال الرجل من دون فرق و لا تمییز في مزاولة کافة حقوقها المشروعة، ولا یحق لأي أحد أن یتدخل في شئونها، فقال سبحانه وتعالی في بیان جواز ممارسة هذا الحق المشروع: «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ»(النساء:32).
دليل أفضلیة الرجال علی النساء في بعض الامور:
اما السبب في ترجیح القرآن الکريم للرجال علی النساء في بعض الموارد: قوله عزوجل: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ»(النساء:34). و للإجابة عن هذا الإشکال نقول:
إن الفارق البدني «الجسمي» والنفسي «الروحي» الموجود بین الرجل والمرأة، هو الذي جعل أن یکون لکل من الرجل والمرأة وظیفة محددة ومعینة في شئون الأسرة والمجتمع، فلو انعکست القضیة، واستبدل الرجل بوظائف الممرأة وبالعکس، أو تساویا في ما بینهما في جمیع الوظائف والأعمال، کان هذا خلافاً للفطرة والعدالة الاجتماعیة.
لذا، علی کل منهما ممارسة دوره و وظائفه المناطة به، لیستوفي کافة مزایاه الوجودیة الممنوحة له، مع رعایة الإسلام لهذه العدالة في بعض الممارسات والأعمال الاجتماعیة التي تحتاج نوعاً ما إلی استخدام القوة والعنف أو الظرافة والدقة و نوع من العقلانیة، کإیکاله مهمة إدارة شئون الأسرة، وغیره، ولهذا، قدّم الرجل علی المرأة، ولیس هذا التقدم لأجل أفضلیته في الخلقة علی المرأة، بل لأجل ممارسته وظائفه و حقه الطبیعي، فإیکال الشئون الاجتماعیة والشم الاقتصادي إلی الرجل لتوفیر الاحتیاجات اللازمة وإدارة الحیاة هو الأفضل، وهذه حقیقة لا یمکن إنکارها، أن بین الرجل والمرأة فرق جسدیة وروحیة، وهي أمر طبیعي، وهي لازمة لکمال الخلقة ورفع احتیاجات النوع البشري والإنساني، وهذه الفوارق موجودة بین الرجال أنفسهم أیضاً، فعلی سبیل المثال: یتساوی کافة البشر في أصل الاستعداد، إلا أنهم یختلفون في خصوصیاته علی أساس الحکمة الإلهیة البالغة، لیتمکنوا من خلال تفتح هذه القابلیات وتفجر الطاقات والکفاءات بتوفیر کافة الاحتیاجات الاجتماعیة في مجالات عدیدة ومتنوعة، فللمجتمع احتیاجات کثیرة،في مجال المواد الغذائیة، وفي مجال الصحة، والإعمار والبناء، و...
ولهذا اقتضت الحکمة البالغة، أن تتعدد الکفاءات والاستعدادات لصیانة المجتمع وتوفیر کافة احتیاجاته ومستلزماته، ویمکن من خلال تفجر هذه القابلیات والکفاءات من رفع کافة الاحتیاجات عن المجتمع، فالمجتمع بحاجة ألی طبیب، ومهندس، وزارع و... وکما أن الفارق والاختلاف في الکفاءات والقابلیات لا یکون دلیلاً علی أفضلیة إنسان علی آخر، فالزیادة الطبیعیة لأعداد الرجال والنساء هو مسألة طبیعیة أیضاً، في اشتراکهم معاً في أصل الخلقة، أما في نظر طبیعة الخلقة، فهم یختلفون، وهذا الفرق والاختلاف في الرجولة أو الأنوثة إنما هو لتکمیل الخلقة ورفع الاحتیاجات الطبیعیة في الحیاة والتوصل إلی الکمال في الحیاة الاجتماعیة، لأن الاختلاف في خصوصیة الخلقة، یضمن بقاء النسل البشري، ویمهد لإیجاد وازع المحبة في داخل المجتمع، والحرکة والسعي نحو الکمال، فإن حصل غیر هذا، حصل نقص في الخلقة، إذ الکمال الاجتماعي یقضي بتواجد الرجل والمرأة معاً، کل حسب طاقته وکفاءته، للممارسة وظائفه و دوره الاجتماعي. هذا هو ما یقتضیه نظام التکوین الأحسن والتشریع الإلهي، لرسم سیاسة ودور کل من الرجل والمرأة في المجتمع.
ومضافاً إلی الاختلافات والفوارق الجسدیة، هنا; فوارق أیضاً من الناحیة النفسیة والروحیة في خلقة کلا الجنسین، وهذا أیضاً لأجل إیجاد حالات التوازن والتکافل في الوصول إلی الکمال الاجتماعي. ذکر العالم الفرنسي الفسيولوجي و الجراح في علم البیئة السید «الكسس كارل» المعروف عالمیاً في كتاب «الانسان کائن مجهول»: «خلقت المرأة والرجل مختلفین بحکم قانون الخلقة، وهذه الاختلافات والفوارق تخلق اختلافاً وفارقاً أیضاً في طبیعة العمل والوظائف وحقوقهم»، وقال السید «جاك لوربيت» في كتاب «المرأة أمام المعلم »: «لا شک في اختلاف الرجل والمرأة في القوی الجسدیة والهرمونیة الدماغیة واألحاسیس والمشاعر الطبیعیة،لکن هذه الفوارق والاختلافات لیست دلیلاً علی التدني والتنزل أو الهبوط». و قال العالم الايطالئي «مانتجازا» الاستاد في علم وظائف الأعضاء(الفسیولوجیا) في كتاب «فسيولوجیا المرأة »: «تختلف فسیولوجیا کل من الرجل والمرأة تماماً، ولکن لیس کل منهما أقوی من الآخر، فهذا الاختلاف نتیجة اختلاف المسئولیة والوظیفة».
النقطة المثیرة في کلام هذا العالم و کلام «الكسس كارل» هي القول: «بأن اختلاف الوظائف والحقوق یقوم علی أساس اختلافها الطبيعي، یعني أن کل منهما في نظام الخلقة یتطابق مع الوظیفة التي لها في نظر الخلقة، بأن لها حقوق أیضاً». هذا بيان لتلك الحقيقة، وهي أن لکل من الرجل والمرأة وظائف و مسئولیات معینة و محددة في نظام الخلقة، وأنهما خلقا علی ضوء تلك الوظائف والمسئولیات من الناحیة الجسدیة «الجسمیة» والروحیة«النفسیة»، فالرجل له بسطة من حیث الجسم، وهو أقوی من المرأة، وکذلك من الناحیة الروحیة والنفسیة، فللرجال قوة في التعقل والتفکیر أقوی من المرأة، أما النساء ففیهن قوة العاطفة والاحساس والمحبّة أقوی من الرجال، فالشجاعة عند الرجال عادة ناتجة عن مواجهة الحوادث، وجعل الرجل بطل هذه الساحة والمیدان.
أما النساء، فقد سبقن الرجال في ساحات الصبر والتحمل أکثر من الرجال، کل هذا بسبب اختلاف وظائف ومسئولیات المرأة والرجل، فعلی سبیل المثال: تعتبر المرأة المنفذ والمدخل الرئیسي والموقع المهم لتواجد الإنسان، ونمو البراعم في أحضانهن، فهي تتناسب جسدیاً أیضاً مع تواجد الحمل وتربیة وتنشئة الأطفال، ولها الحصة الأکبر أیضاً من الناحیة الروحیة والنفسیة في امتلاک العواطف والأحاسیس أیضاً،و قدرتها علی تحویل الذریة الصالحة الملیئة بالمحبة والعاطفة إلی المجتمع. وعلی کل حال، فإن الفارق في الخلقة یفصل وظیفة الرجل والمرأة کلاً عن الآخر، ویحصل التفاوت بینهما أیضاً في الحقوق في بعض الموارد، نظراً لاختلاف وظائفهما ومسئولیاتهما في المجتمع. وقد عمق قانون الحیاة نوع الصلة والوثاق بین کلا الجنسین الرجل والمرأة، لکي لا یتحقق کمال کل منهما إلا من خلال الآخر، وهذا التنوع في الخلقة، لا یعد سبباً لبقاء النسل البشري والإنساني فحسب، بل سیکون سبباً للتکامل، المحبة، وألفة النوع أیضاً، وإنما یزداد ویضاعف هذا الکمال والألفة فیما لو عمل کل منهما بما أنیط له من وظائف ومسئولیات.
و یظهر من خلال الدقة في المطالب المتقدمة جیداً أن غرض القرآن الکريم من أفضلیة الرجل وقوامه و تقدیمه علی المرأة کما جاء في الآیة 34من سورة النساء، أن لیس هذه الأفضلیة والأرجحیة في الفضیلة والقیم الانسانیة، فکم من النساء من هن أفضل وأرجح ذاتیاً ومعنویاً من الرجال في کثیر من الموارد، لکن المراد من الافضلیة والأرجحیة هو التقدم من جهة الوظیفة، لأن للرجال قابلیة أکثر علی التحمل جسدیاً و روحیاً من النساء في مواجهة الأحداث.
فمن وظائف الرجل الدفاع عن حریم الأسرة، وتوفیر الاحتیاجات والمستلزمات. وبما أن المحافظة علی المرأة والأبناء و توفیر کافة احتیاجاتهم منوطة بالرجل، فإن رئاسة الأسرة وإدارة شئونها قد کفلها الرجل أیضاً، فهذا التقدم إذاً وظیفة طبیعیة للرجل بالنسبة للوظیفة الطبیعیة الأخری للمرأة، لا فرق واختلاف ذاتي وقیمي. ولهذا، فالأسرة، وإن تکفل الرجل إدارة شئونها، فهو مقدم علی المرأة من هذه الجهة، وقد تکون المرأة أفضل من الرجل في القیمة المعنویة بکثیر، فیکون لها وجاهة عند الله والدین أکثر من الرجل.
أما من جهة إشکال الغربیین والمطالبة بحقوق المرأة، وأمثال هذه الأمور، فینبغي أن تدققوا في هذه المطالب، تعرضت مسألة حقوق المرأة والمساواة بین الرجل والمرأة إلی صخب وضوضاء و شد وجذب في البلدان الغربیة، مدعیة أنها مدافعة عن حقوق المرأة، ومستغلة للعناوین استغلالا سیئاً، کعنوان حقوق المرأة، الحریة، الدیمقراطیة، و... وقد داست بالأقدام کرامة وشخصیة المرأة بأبشع ما یتصور، کعرض صور المرأة وهي نصف عاریة في المنتدیات والمجامع العامة، یتلاقفها أصحاب الشهوات والملذات في أوساطهم وکأنها دمیة، ویخلق لها أرباب الدعایات المغرضة والأبواق الخبیثة والانتهازیین شخصیة کارتونیة ساخرة وکاذبة لکي لا تری النساء شخصیتها المهانة.
لقد عانت المرأة في التاریخ الجاهلي القدیم من الظلم والتتحقیر والاستخفاف والاستغلال من قبل الرجال، وفي العصر الحدیث أیضاً تری نفسها أنها متحضرة، غایة الأمر أن شکل الظلم والاستغلال الذي عانت منه في التاریخ الجاهلي القدیم یختلف عما تعانیه في العصر الحدیث، وأن کانا معاً قد أساءا لشخصیة المرأة وإهدار کرامتها في کلا الجاهلیتین، فالفساد والضیاع موجود في المجتمع، وکذلك ممارسة الظلم وسیاسة العنف ضد المرأة، والعمل علی إضاعة حقوقها الحقیقیة هو لیس بأقل من إضاعة حقوقها في العصر الجاهلي القدیم، غایة الأمر أن العصر الحدیث یتمثل فیه مقاصد وأغراض استعماریة، وتغطیة للحقائق والمفاهیم الانسانیة، فإن کانت البنات توئد في الجاهلیة وهن أحیاء، ففي العصر الحدیث قد دفنوا العفة، الحیاء، الغیرة، التي تشکل الشخصیة الحقیقیة للمرأة في وحل و مستنقع الفتنة والفساد والرذیلة، ولو کان الأولاد یقتلون في زمن فرعون، ویجرون البنات إلی الرذیلة والانحطاط والخدمة والملذات، ففي المجتمع الغربي والشیوعي ومن خلال الإعلام المضلل وتحت عناوین وشعارات مخادعة وممارسات کاذبة، کتأجیج الدعوات للمطالبة بحق الحریة وحق مساواة الرجال والنساء، وحاولت القضاء علی روح الشهامة والرجولة، الغیرة، وإماتة روح الحماس للدفاع عن النوامیس والأعراض في الرجال، وإیقاع الفتیات والنساء في فخ وحبائل الشهوات وأصحاب الملذات، أما الإسلام فقد منح المرأة الحریة والکرامة والشخصیة، واستقلال الفکر والرأي، والاعتراف بحقوقها الطبیعیة رسمیاً.
والخطوة التي قام بها الإسلام في طریق إحیاء ششخصیة المرأة والحقوق الانسانیة والاجتماعیة لها، یختلف تماماً مع ما یمضي في الغرب بما یسمی بحقوق المرأة، ویقلدهم الآخرون في ذلك، ولا یمکن المقارنة بینهما أبداً، ففي الوقت الذي أعطی الإسلام نوعاً من الثقة والاستقلال والشخصیة للمرأة، وأحیی حقوقها الحقیقیة، لم یضطرهم أبداً إلی الإعلان عن حالات العصیان والتمرد ضد الرجل، ولم یقض علی احترام الآباء والأزواج أیضاً عند البنات والنساء، ولم یزلزل کیان الأسرة.
وبعبارة أوضح: استطاع الإسلام ومن خلال ضم صنع الحکم التکلیفي في مورد حقوق النساء وحفظ شخصیتهن، بالعمل علی تقویة المسألة العاطفیة، والعلاقات الأسریة والقرابة وقواعد الأسرة التي تعتبر المکون الأساسي للمجتمع، بهذا البیان: أنه استطاع أن یبین من جهة حقوق الرجل والمرأة بصورة متقابلة، ومنح المرأة حق الحریة في الأسرة، وتحریرها من أسر الخدمة الإلزامیة المفروض علیها، وقال: لا یحق للأزواج أن یفرضوا علی زوجاتهم أي نوع من الخدمة الإلزامیة وحالة من الإکراه، حتی مسئولیة قیام المرأة بالعنایة وتربیة الأولاد، ولکن من جهة أخری، یطرح المسألة العاطفیة.
ویعني بإثابة کل من الرجل والمرأة للقیام بخدمات متبادلة بینهما، هو البدأ بالحراک والسباق للقیام بخدمات فیما بینهما في کیان الأسرة الدافيء، ویمکنکم مشاهدة کافة هذه الروایات في هذا الحقل في کتاب وسائل الشيعة، اما في البلدان الغربية، فقد رافق الاستقلال والحریة للنساء مع نوع من الاقتتال العملي لهن ضد الرجال واضمحلال کیان الأسرة الدافيء، فوصل الحال إلی حد انعدام الثقة بین المرأة والزوج.
ومن الطبیعي في مثل هذه المجتمعات، أن ینحلّ کیان الأسرة الدافيء و المتحاب، لأن الرجل غالباً ما تنعدم لدیه الثقة بابنه الذي ینتمي له أنه هل هو أبوه حقیقة أم لا؟ وبهذا الشك والتردید هل تبقی تنتظر نوعاً من المحبة الفارغة وعدیمة الجدوی؟ وسیکون نتیجة تفسخ وانحلال الأسرة، مجيء وحلول مجتمع غیر آمن، یتشکل من أشخاص یتصفون بالوقاحة والجلافة والقسوة والخشونة، والتحلل والتفسخ والفساد، فلا خبر للشخصیة الإنسانیة، ولا للأخلاق العامة.
وأخیراً ألفت نظرکم إلی کلام أحد کبار الشخصیات في هذا المضمار، قال: «لقد حرر هؤلاء «الغربیون» المرأة، فسخروا بغرائزهن، دون أن یسخروا بعواطفهن، لکن الاسلام حرر المرأة، فسخرن المجتمع بعواطفهن، ولهذا صنعت مجتمعاً عاطفیاً، ونصّبت الرأفة والرحمة في المجتمع الإسلامي، أما ما یشاهد من فقدان العاطفة في بعض المجتمعات، وقد یحترق أحیاناً أکثر من مائتین وتسعین شخصاًً بین السماء والأرض بسبب هذه القوی الکبری، ویلقون في البحر، أو ما یشاهد من مناطق مثل «حلبچه» وغیرها یصاب أهلها بالتسمم جراء قصفها بالأسلحة الکیمیاویة المحرمة دولیاً، ویرتکبون أبشع المجازر والإبادة الجماعیة بالرجال والنساء و بحق أهلها في مکان واحد، مع أنهم یدعون أنهم یدافعون عن حقوق المرأة، وأحضروا المرأة إلی الساحة والمیدان، وعاشوا مع المرأة، لأنهم سخروا بغریزة و طبیعة المرأة، لا أنهم سخروا بعواطفها، یعني أن الله وهب ذلك الفن والفضیلة والجمال المسمی بالعاطفة، الرحمة، والرقة للمرأة، فحرموا منه، وأن ما وهبه الله إلی طبیعة المرأة، فقد سلطوه علی أنفسهم، وما وهبته الذات الالهیة المقدسة إلی فطرة وروح المرأة، فقد وهبها بعنوان أنها فضیلة إلی لمرأة، أما العالم المادي، فلم یستفد من الرحمة، العاطفة، العفو والتسامح، العلاج، والرقة، لذا، جاء العالم المعاصر بالمرأة لیعرضها، فازدادت وحشیة المجتمع والطبیعة الإجرامیة.
أما العالم الإسلامي، فقد جاء بالمرأة إلی الساحة، لیکون المجتمع مسخراً بعواطفها، لا مسخراً بغرائزها، وما روي أن: «المرأة عقربٌ»، فهو مشیر إلی الشيء الذي یعاني منه العالم الغربي، اما الرواية عن اميرالمؤمنين (سلام الله عليه) التي قال فیها: «فانّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة»؛ فهو یشیر إلی تلك الفضیلة التي یتکامل بها المجتمع الإسلامي، فقال: المرأة عقرب، کأن یستفید الانسان من لسعة العقرب، بأن یلسع هذا العقرب، ولعل لسعه حلو فیه لذة، لکن مع هذه اللسعة سم، فینبغي العلم بأن المرأة ریحانة، زهرة.
وأنتم الرجال تتعطرون برائحتها، فلا تعودوا أنوفکم علی شم الروائح النتنة، فهن ریاحین، ویشم منهن روائح العطور، ویمنحنکم العاطفة والدفء، ولهذا لا تشاهدون العنف في المعارك الإسلامیة کما هو مشاهد في الحروب غیر الإسلامیة، ولا تشاهد السبعیة في وسط المسلمین کما هي موجودة عند غیرهم، مع دعوة النساء إلی الحجاب، إلا أنهن یستفدن من عاطفة المرأة کمحور تربوي، وقد أتی الإسلام بالمرأة في ظلال الحجاب مع سائر الفضائل، لتکون معلمة للعاطفة، الرقّة، العلاج، اللطف، الصفاء والنقاء، والوفاء و أمثال ذلك.
وفي العالم المعاصر، بدءا من المرأة وانتهاء بالمرأة، تأتي فتدخل إلی السوق «کلعبة» لتؤمّن الغریزة، وعندما تأتي المرأة کرأس مال «بالغریزة» إلی المجتمع، فلیست هي بعد ذلك معلمة العاطفة، بل تصدر أوامر الشهوة، لا أوامر العفو والتسامح، ولهذا، لا یشاهد في الغرب أدنی حالات الرأفة والرحمة والشفقة...».
الكلمات الرئيسية :
۴,۵۹۰