تحليل ثورة الامام الحسين(ع) في محاورة لاية الله سماحة الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني (دام ظله)
04 محرم 1434
12:09
۱۴,۸۴۷
خلاصة الخبر :
الجواب: ان هذا السؤال مهم جداً وقد اجاب عنه على مدى التاريخ العلماء والفقهاء والمؤرخون باجوبة مختلفة، وكل منهم استشهد لاجل اثبات نظريته ببعض احداث واقعة عاشوراء، و ينبغي الالتفات الى هذه الملاحظة: وهي انه لا ينبغي ان يتصور ان مثل هذه الواقعة العظيمة يمكن بيان جوانبها بتحليل وتفسير بسيط.
آخرین رویداد ها
-
تهنئة معطرة بولادة النورين نبي الأمة وشفيعها، أبي القاسم محمد(صلى الله علیه و آله)، و حفيده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
-
من السمات الخاصة بالمعلم هي تشخيصه للبدع والانحرفات
-
السبب الرئيسي لتهديم مراقد ائمة البقيع، عدم الفهم الصحيح للدين
بسم الله الرحمن الرحيم
تحليل ثورة الامام الحسين (ع) في محاورة لاية الله الحاج سماحة الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني (دام ظله) مع صحيفة (فرهيختكان)
السؤال: ما هو هدف الامام الحسن من عدم بيعته ليزيد؟
الجواب: ان هذا السؤال مهم جداً وقد اجاب عنه على مدى التاريخ العلماء والفقهاء والمؤرخون باجوبة مختلفة، وكل منهم استشهد لاجل اثبات نظريته ببعض احداث واقعة عاشوراء، و قد ادعى البعض في البين انه لا يمكن ان نذكر هدفاً معيناً، بل ان هذه الواقعة لها هدفان، او ثلاثة اهداف و قد طرح البعض الاخر هذه الاهداف بصورة عرضية، وبعضهم طرحها بصورة طولية. و ينبغي الالتفات الى هذه الملاحظة: وهي انه لا ينبغي ان يتصور ان مثل هذه الواقعة العظيمة ـ التي حدثت في التاريخ الاسلامي والتي ليس لها نظير لا في الماضي ولا في الحاضر والتي قد حصلت بتدبير خاص من قبل الله تعالى و من الممكن ان يكون كثير من جهات هذه الواقعة خارجاً عن التحليلات الظاهرية للمفكرين و المحققين ـ يمكن بيان جوانبها بتحليل وتفسير بسيط، بل من الممكن ان توجد لها ابعاد عميقة بمرور الزمان، وكلما قويت المعرفة بالولاية والامامة والاثار والدروس والعبر ستتضح غايات هذه الواقعة اكثر، ونشير هنا اجمالاً الى بعض النظريات والاراء المطروحة وعمدة الاقوال هي:
الف: ان تحرك الامام الحسين(عليه السلام) كان لاجل الشهادة وقد صمم الامام الحسين على الشهادة ولم يكن لحركته سوى هذا الهدف، بل ان الحسين عليه السلام قد اقدم على الشهادة التي قدرها الله تعالى له في تلك الظروف العجيبة، وقد ذهب الى هذه النظرية السيد بن طاووس وجملة من المحققين.
ب : ان لثورة الامام الحسين (عليه السلام) مرحلتين المرحلة الاولى لاجل انشاء الحكومة الاسلامية، المرحلة الثانية بعد ان قتل مسلم بن عقيل صمم الامام الحسين على الشهادة وتوجه نحو كربلاء، وقد اختار هذه النظرية الشيخ الشهيد المطهري.
ج : ان ثورة الامام الحسين (عليه السلام) لها جهتان الجهة الاولى: الشهادة في سبيل الله تعالى، الجهة الثانية: دعوة الناس الى الوقوف امام حكومة يزيد لاجل تغيير وضع المسلمين حيث ان السنة قد اميتت والبدعة احييت.
د : قد ذكر بعض الكتاب المعاصرين ان ثورة الامام الحسين عليه السلام لها ثلاثة مراحل فالهدف الاول هو الانتصار الحكومي وبناء الحكومة الاسلامية وحيث وجد الامام (ع) ان هذه الهدف لا يمكن تحقيقه، فتوجه الامام الحسين الى المرحلة الثانية: وهي الصلح بين المسلمين وحيث انه لم يتحقق الصلح، وحيث اراد الامام الحسين ان لا يبتلي بالذلة والعيش بين الظالمين اختار الشهادة وقد اختار هذه النظرية المحقق صاحب شهيد جاويد، وهذه النظرية قد ذكرها اهل السنة الذين يعتقدون ان الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) قد خرج في اول الامر لاجل الخلافة والحكم والسلطة، وهذا الامر قد صرح به شمس الدين في تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام 5/5 وكذا قد صرح بها ابن الجوزي في كتاب الرد على المتعصب العنيد ص71 وهكذا صرح بها من بين علماء الامامية الشيخ المفيد والسيد المرتضى وان الامام الحسين اولاً امتنع عن بيعة يزيد وخرج من المدينة الى الكوفة، ولما ذكر مسلم بن عقيل ان اهل الكوفة مستعدون للدفاع عن الحسين صمم الحسين عليه السلام على الخلافة والحكم، وقد صرح الشيخ المفيد في مقام الجواب على سؤال في المسائل العكبرية(ص71ـ 69) انه ليس لدينا علم قطعي بان الامام الحسين ( عليه السلام )كان يعلم ان اهل الكوفة يخذلونه وذلك لانه ليس لدينا دليل عقلي او نقلي على ذلك.
هـ : يعتقد البعض ان الامام الحسين (عليه السلام) في البداية لم يخرج قاصدا الشهادة بل كان يهدف من الخروج الخلافة والحكم وانشاء الحكومة الاسلامية، الا انه كان لديه العلم بان هذه الامر لا يمكن ولا يتحقق وعلم بشهادته.
و : يستفاد عبارات كتاب حفظة الوحي لاية الله العظمى الشيخ فاضل اللنكراني واية الله الاشراقي(قدس سرهما) ان الامام الحسين كان يسعى بحسب الظاهر لانشاء الحكومة الاسلامية ولكنه وفي نفس الوقت كان يسعى للوصول الى الشهادة باطناً.
ز : ان خروج الامام الحسين( عليه السلام) كان تكليفا شخصياً وقد تبنى هذه النظرية الشيخ صاحب الجواهر ج21، ص296 حيث قال ان خروج الامام الحسين(عليه السلام) تكليف خاص به وقد اداه، وقد ذهب الى هذه النظرية ايضا بعض المؤلفين امثال صاحب كتاب مقصد الحسين.
ح : قد ذكر المحقق مهدي النراقي في كتابه محرق القلوب ان شهادة الامام الحسين هي عبارة عن فداء، أي ان الامام الحسين(عليه السلام) اقدم على الشهادة كي يطهر بها ذنوب هذه الامة ويصبح الشافع لهم، وقد رضي الامام الحسين عليه السلام بالشهادة في مقابل الشفاعة الكبرى لشيعته ومحبيه.
ان ما ينبغي دراسته من بين هذه النظريات هو عبارة عن انه هل الامام الحسين عليه السلام خرج لاجل الخلافة والحكم وبناء حكومة اسلامية، وهل ان بناء الحكومة الاسلامية كان هو الهدف في هذه الحركة العظيمة او لا؟
ان السؤال الذي ينبغي ان يجاب عليه قبل الجواب على هذا السؤال هو انه مع ملاحظة الظروف الحاكمة في ذلك الوقت من قبيل وجود عمال السلطة وعدم استقامة الناس في الدين فهل التحرك لاجل اقامة الحكومة ممكن او ان القرائن والشواهد توكد على خلاف ذلك فان معاوية قد مسخ الناس عن الدين بنحو بحيث تمكن ـ على خلاف ما كان يتوقعه ـ من اخذ البيعة ليزيد بسهولة، ومن جانب اخر فان الامام الحسين كان يعرف اهل الكوفة جيداً و كيف كان تعاملهم مع ابيه امير المؤمنين واخيه الحسين عليهما السلام وبالاضافة الى ذلك ان الامام الحسين عليه السلام قد اطلع اشخاص كثيرين على حقيقة الامر قبل مقتل مسلم بن عقيل امثال ابن عباس وعبد الله بن عمر وجمع اخرين، ومع ملاحظة جميع هذه الامور ومع ملاحظة هذه الوضع الذي عليه قافلة الامام الحسين عليه السلام نجد ان وجود هذه الامور كلها لا تتناسب مع كون الهدف هو انشاء حكومة اسلامية ابداً وبناء على هذا ومع بقطع النظر عن علم الامام عليه السلام بشهادته يمكن ان نقول ان مسالة انشاء حكومة غير ممكنة ثبوتاً، واذا توجهنا الى مسالة الامام الحسين لوجدنا انه من الواضح ان هذه الثورة العظيمة لا يمكن ان تكون لاجل الحصول على السلطة والحكم، وحينئذ لا نحتاج في اثبات ذلك الى دليل.
ولو سلمنا ان هذه الثورة من الممكن ان تكون لاجل الوصول الى السلطة والحكم الا انه لا توجد أي قرينة او شاهد في مقام الاثبات على ذلك ، ولو لاحظنا كلمات الامام الحسين عليه السلام فلا نجد أي ظهور ولا حتى أي اشعار بان حركة الامام الحسين لاجل انشاء حكومة اسلامية، نعم قد صرح الامام الحسين عليه السلام بانه هو اللائق للخلافة الا ان هذا لا يعني ان الامام الحسين قد خرج لاجل هذا .
ومن المناسب هنا ان نذكر كلمات الامام الحسين عليه السلام التي يمكن ان يستدل بها الاخرون على مدعاهم ويستفيدوا منها ان خروج وثورة الامام الحسين كانت لاجل الوصول الى الحكومة الاسلامية
ونقوم بدراستها:
الف ـ قال الامام الحسين (عليه السلام) لوالي المدينة: «أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ بِمِثْلِهِ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ وَ الْبَيْعَةِ» وقد ذكر الامام عليه السلام في هذه العبارات امتناعه من البيعة ليزيد وان يزيد ليس اهلا لخلافة رسول الله وان الحسين عليه السلام احق بخلافة رسول الله (صلى الله عليه واله) من يزيد وهذا لا يعني ان ثورة الامام الحسين كانت لاجل الحصول على الخلافة .
ب ـ ان الامام الحسين (عليه السلام) لما لقى مروان بن الحكم وقال له ابن الحكم اني انصحك بالبيعة ليزيد استرجع الامام الحسين ثم قال: على الاسلام السلام اذا قد بليت الائمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على ال ابي سفيان، فاذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه وقد راه اهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق.
ج ـ وللامام الحسين عليه السلام كلام اخر حيث يقول: وَ أَنّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً، وَ لا بَطِراً، وَ لا مُفْسِداً، وَ لا ظالِماً، وَ إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعرُوفِ وَ أَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أَسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي وَ أَبي عَلىِّ بْنِ أِبي طالِبٍ عليه السلام، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلى بِالْحَقِّ، وَ مَنْ رَدَّ عَلَىَّ هذا أَصْبِرُ حَتّى يَقْضِىَ اللَّهُ بَيْني وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمينَ
د ـ وقال في كتاب له الى اشراف اهل البصرة وزعمائهم: وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّا أَحَقُّ بِذلِكَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنا مِمَّنْ تَوَلّاهُ ... وَ قَدْ بَعَثْتُ رَسُولي إِلَيْكُمْ بِهذَا الْكِتابِ، وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلى كِتابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله، فَانَّ السُنَّةَ قَدْ أُميتَتْ، وَ إِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أُحْيِيَتْ، وَ انْ تَسْمَعُوا قَوْلي وَ تُطيعُوا أَمْري اهْدِكُمْ سَبيلَ الرَّشادِ.
ولم يدعو الامام الحسين عليه السلام في هذا الكتاب الناس الى انشاء حكومة اسلامية و حيث صرح بان الخلافة هي حقه المسلم وهو يستحقه الا انه لم يدعو الناس الى الخلافة بل دعاهم الى كتاب الله وسنة نبيه وان سنة النبي صلى الله عليه واله قد اميتت والبدعة احييت فعلى الناس ان يقفوا امام الظلم وحكامه ويحييون السنة.
ه ـ وقال الامام الحسين (عليه السلام) في جواب اهل الكوفة: فَلَعَمْرِي مَا الْإِمامُ إِلَّا الْعامِلُ بِالْكِتابِ، وَ الْآخِذُ بِالْقِسْطِ، وَ الدائِنُ بِالْحَقِّ، وَ الْحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللَّه، أي ان الذي يصلح لان يكون اماماً للمسلمين ينحصر في شخص احد وهو الامام الذي يعمل بكتاب الله والذي يحكم بالقسط ويدين بالحق والذي وقف نفسه لله تعالى.
وفي هذا الكتاب قد بين الامام الحسين عليه السلام حقيقة الامام الامامة وشرائط الامام و هذا ايضا لا دلالة فيه على ان الهدف من ثورة الحسين (عليه السلام ) هو الوصول الى الحكم . ولقائل ان يقول ان وظيفة تبيين الدين وحفظه الحذر من تحريفه التي هي من وظائف الامام تقتضي ان نفسرها على ضوء الحكم والخلافة، وعلى اقل تقدير ان انشاء الحكومة هي من لوازم هذه وظيفة الائمام واهدافه.
ولكن ينبغي ان يقال في مقام الجواب: ليس البحث في هل ان وظائف الامام تقتضي انشاء الحكومة الاسلامية او لا؟ وانما البحث هل ان ثورة الحسين عليه السلام كان هدفها الاصلي هو الخلافة اولا؟ وكما قلنا ان لا يستفاد من جميع كلامات الامام الحسين عليه السلام المتقدمة ان هدف الثورة هو الخلافة ولا يمكن ان نجعل مسالة الحكم والخلافة احد اهداف الامام الحسيم عليه السلام في ثورته العظيمة .
دراسة نظرية طلب الشهادة: هل يمكن القول بان الامام الحسين( عليه السلام) حيث كان يعلم بان عاقبة الخروج هي الشهادة فقد خرج لاجل الحصول على هذه الغاية؟
ان مشهور المحققين يعتقدون بان الامام الحسين عليه السلام كان على علم واطلاع كامل بشهادته ليس عند خروجه فحسب بل قبل خروجه، و حيث كان على علم من شهادته خرج قاصدا الشهادة، ولذا قد صرح بذلك عند خروجه من المدينة حيث قال لبني هاشم: «اما بعد فانّ من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرک الفتح والسلام» وان جملة من بني هاشم حيث كانوا يعلمون بان عاقبة الالتحاق بالامام الحسين هي الاستشهاد لم يلتحقوا به طمعاً في الدنيا وعدة من بني هاشم من سلالة ابي طالب قد التحقوا مع الامام ، اذن فالامام عليه السلام وعدة اخرون كان لديه علم كامل بعاقبة هذه الخروج، ومن هنا فان كنا نعتقد بان الامام الحسين عليه السلام كان لديه علم كامل بعاقبة هذا الامر وهو الشهادة فكيف يمكننا ان نقول بان الامام الحسين عليه السلام خرج طالباً للحكم والخلافة و انشاء الحكومة الاسلامية، وكيف يمكن لاحد مع علمه بان عاقبة هذا الامر هو الشهادة يخرج طلباً للخلافة والحكم وانشاء حكومة اسلامية.
وقد صرح اية الله العظمى الحاج الشيخ محمد فاضل اللنكراني(رضوان الله عليه) واية الله الشيخ شهاب الدين الاشراقي(رضوان الله عليه) في كتاب حفظة الوحي ان الامام الحسين خرج قاصدا الشهادة، ولم يكن قاصدا الكوفة و لا بدافع القضاء على حكومة يزيد وانشاء حكومة اسلامية، وذكروا في بيان هذه النظرية : انه من جانب ان يزيد كان يعمل وفقاً لتخطيطات بنية امية لاجل القضاء على الاسلام، وكان هذا عاملا مساعداً على تظلم المسلمين وطلب الناس الخلاص من الظلم ولذا التجأوا الى الامام الحسين وطلبوا منه ان يتكفل قيادة الامة الاسلامية، و كان من المحتم على الامام ا لحسين ان يجيبهم ويعلن استعداده للوقوف امام ظلم يزيد تلبية لذلك النداء، ومن جانب اخر حيث انه (ع) كان عالماً بمصيره كان ملتفتاً ايضا انه مع تضيحته بالغالي والنفيس سيكون ذلك عاملا لاحياء الدين و تقوية اصوله، ومن الواضح ان علم الامام الحسين بشهادته لا يمنعه ابدا عن امتثال التكليف الالهي، ولذلك فان الهدف الاصلي لخروج الامام الحسين عليه السلام وثورته انما هو الشهادة لاجل حفظ الاسلام .
وان الامام الحسين عليه السلام بعمله هذا يكون قد اقام الحجة على اولائك الذين يدعون مكافحة الظلم الجور، وكان الامام الحسين عليه السلام عالما بانه ليس هناك طريق لاحياء الاسلام واحياء سنة النبي الاكرم ص الا الشهادة في سبيل الله تعالى.
قيعتقد هذان العلمان انه لو لا ثورة الامام الحسين وخروجه وشهاته مع اولاده واصحابه واسر اهل بيته ووجود الحكومة الاموية مع تخطيطها الكافر وتعاملها الخاص وبقاءهم فماذا سيجري على الاسلام؟ فالامام الحسين عليه السلام قد نفسه و اولاده واصحابه للموت كي ينجي الاسلام من موت حقيقي وهناك جملة من الشواهد على هذه النظري وهي عبارة عما يلي:
1ـ قد اورد الطبري في تاريخه عن ابي مخنف بشان زهير ولقائه بالامام عليه السلام انه لما رجع زهير من لقاء الامام الحسين عليه السلام قال لاصحابه: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان الباهلي أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم فقلنا نعم فقال لنا إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم فأما أنا فإني أستودعكم الله قال ثم والله ما زال في أول القوم حتى قتل
اذن فرجوع زهير من مناسك الحج ولقائه بالامام وتغييره هذا التغير الكبير بحيث عندما رجع الى خيمته ودع زوجته واصحابه يدل دلالة قطعية على ان الامام قد ضمن له الجنة ووعده بالشهادة في سبيل الله.
2 ـ ان الامام الحسين( عليه السلام) قد جاءه خبر شهادة مسلم بن عقيل في منطقة يقاله لها الثعلبية و اخبر بشهادة اخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر ومع ذلك لم يتوقف الامام ولم يرجع بل قال: قد خذلنا شيعتنا فمن احبّ ان ينصرف فليتصرف ليس عليه منّا ذمامٌ.
3 ـ في منطقة يقال لها بطن العقبة لقيه رجل من عشيرة عكرمة فقال للامام ( عليه السلام) لا تذهب الى الكوفة فان سيوفهم عليك فان كان اهل الكوفة قد حاربوا عبيد الله وانتصروا عليه واخرجوه فاذهب والا فلا تذهب فقال الامام عليه السلام( انه لا يخفى علي ما ذكرت ولكن الله لا يغلب على امره) وهذا الكلام من الامام يدل على الشهادة لا الحصول على الخلافة والحكم.
4 ـ وقد روى ابن الاثير انه تشرف اربعة نفر في منطقة يقال لها عذيب الهاجنات بالامام عليه السلام قال لهم الحسين أخبروني خبر الناس وراءكم فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد النفر الأربعة الذين جاءوه أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك وأما سائر الناس بعد فان أفئدتهم تهوى إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك قال أخبرني فهل لكم برسولي إليكم قالوا من هو قال قيس بن مسهر الصيداوي فقالوا نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد... فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر فترقرقت عينا حسين عليه السلام ولم يملك دمعه ثم قال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
5 ـ ذكر الشيخ المفيد في الارشاد انه روى سالم بن أبي حفصة قال : قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء ، يزعمون أني أقتلك ، فقال له الحسين عليه السلام " إنهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء ، أما إنه يقر عيني ألا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا.
6 ـ خطبة الامام الحسين( عليه السلام) في مكة ليلة الثامن من ذي الحجة التي خطبها على اهل بيته واصحابه: خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجر الصابرين و در آخر فرمود: من كان باذلا فينا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى فهذه الكلمات تدل بوضوح على ان الامام يخبر عن شهادته مثل کلمة کانّي بأوصالي تقطعها... نصبر على بلائه و قوله عليه السلام في ذيل الخطبة ايضا من كان باذلا فينا مهجته.
7 ـ قال الامام السجاد (عليه السلام): خرجنا على الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وقال يوماً ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا اهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل. فيعلم من هذا الكلام ان الامام كان في صدد تهيئة اولاده واصحابه لاستقبال الشهادة وهذا التفكير لا يتناسب مع طلب الحكم وتاسيس الحكومة الاسلامية.
8 ـ انه عليه السلام تلى اية الاسترجاع ثلاثة مرات وقال لولده علي الاكبر: يا بني اني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس فقال القوم يسيرون والمنايا تسير معهم فعلمت انها انفسنا نعيت الينا.
9 ـ قوله عليه السلام عند اصطدامه مع الحر بن يزيد الرياحي: اني ما ارى الموت الا السعادة و لا الحياة مع الظالمين الا برما دراسة الروايات والنتيجة النهائية: ان القول بان الامام الحسين خرج طالبا الشهادة ذهب اليه كثير من العلماء وتدعمه شواهد وقرائن متعددة وقد تقدمت الاشارة الى جملة منها، لا يمكن ان نقبله بهذا الشكل بل لا بد من اضافة ملاحظة اليه مكملة له وتلك الملاحظة هي التعبير الوارد في زيارة الامام الحسين عليه السلام وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة فهذا التعبير يدل بشكل واضح على انه مع انه لم يمض على ارتحال النبي الاكرم(ص) الا فترة قصيرة الا انه قد وقعت الامة الاسلامية في نوم عميق وجهل وضلال عظيم، الى حد بحيث استساغوا ان يكون حاكم المسلمين من افسد افراد المجتمع ويجلس على منبر رسول الله بجهله وحماقته والتي يستطيع م خلالها ان يحرف الدين بكل سهولة و يضرب باحكام الله عرض الجدار يعطل الحدود الالهية، فالبلاء والبعد عن الله والعاقبة السيئة المترقبة والتي اشار اليها رسول الله ص حيث قال: اذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه كان يعلمون بها جيداً ولكنهم لم يعملوا بكلام النبي الاكرم فبقي معاوية عشرات السنين على منصة الحكم ولم يغيروا من ذلك شيء، وعلى حد تعبير الامام الحسين عليه السلام لم يعملوا بوصية النبي الاكرم فابتلاهم الله بشر من معاوية وهو يزيد، فمعاوية كان يشرب الخمر وهو مما كان يبيع الخمر للشام( انساب الاشراف ج5، ص137 في حين ان صريح القران الكريم يقول: بنجاسته وحرمته وقد لعن النبي الاكرم ص شارب الخمر( المعجم الكبير ج10، ص113) وقد اسر بسر بن ارطاة عامل معاوية نساء المسلمين وكشف عن سيقانهن وارجلهن كي يرغب فيهن المشتري. يقول السيد قطب في الفتوحات: قد تكون رفعة الاسلام قد امتدت على يد معاوية ومن جاء بعده ولكن روح الاسلام قد تقلهت وهزمت الروح الاسلامية الحقيقية في مهدها وانطفأت شعلتها بقيام ذلك الملك العضوض فتلك غلطة نفسية وخلقة دخلية لا شك فيها . يصرح انس بن مالك: كل ما كان في عهد النبي(ص) لا اره اليوم فقيل له حتى الصلاة قال نعم فقد تلاعب بها. صحيح البخاري ج1 ص134 باب تضييع الصلاة.
قال معاوية بن قرة : أدركت سبعين من الصحابة ، لو خرجوا فيكم اليوم ، ما عرفوا شيئا مما أنتم فيه إلا الاذان. (صحيح البخاري كتاب الاذان رقم 650).
سئل الزهري عن ولد الزنا : هل يؤم ؟ قال نعم لانه كان كبار ائمتنا اولاد الزنا. (المحلى ابن حزم 4 / 213)
وقد جاء في (شرح ابن ابي الحديد ج 5، ص129) ان معاوية كان قد خلى بالمغيرة بن شعبة فاقسم له باني اسعى لدفن اسم محمد ما دمت حيا.
ولما سمع الامام البيهقي انهم يقولون ان معاوية قد خرج عن الايمان حينما حارب علياً قال لا ليس الامر هكذا لان معاوية لم يكن مؤمناً ولم يدخل في الايمان حتى يخرج منه بل انه كان في عهد رسول الله كافراً ثم دخل في النفاق وبعد ان توفي النبي الاكرم (ص) رجع الى كفره الاصلي (لاحظ الكامل الطبري، ج2/ 204 باب 27 فصل 2)
فكانت الامة الاسلامية تعتبر نفسها ملزمة باطاعة الشيطان وترك اطاعة الرحمن« الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا اطاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالغي واحلوا حرام الله وحرموا حلال الله» وهذا الكلام وان كان متوجهاً الى الحكام الا ان الناس كانوا قد رضوا بهذه الطريقة وقد شاع هذه الاسلوب واتسع وقد قال الامام في منطقة يقال لها ذي حسم: الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً فاني ما ارى الموت الا شهادة.
ففي هذه العبارة قد اشار الامام في اخر كلامه الى الشهادة الا انه حيث قال في صدر كلامه اذا رأى الناس ان الحق لا يعمل به والباطل لا ينتهى عنه فعليه ان ينتخب الشهادة، وهكذا قال في كلام اخر: فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله فالامام (عليه السلام) الامام يقسم بنفسه الزكية انه ليس الامام الا من اتصف بهذه الصفات الاربعة.
و هناك سؤال يطرح انه لماذا راى الامام انه لا بد ان يبين صفات الامام ومميزاته فهل لاجل ان ينفي يزيز واتباعه او لاجل مطلب اخر اهم كان في ذهن الامام (عليه السلام) وهو: ان المجتمع قد وصل الى مرحلة من الانحطاط بحيث ليس لديه القدرة على تشخيص الامام الحقيقي عن غيره ومن هنا بين الامام خصوصيات الامام للناس.
والخلاصة ان الامة الاسلامية كانت في نوم عميق جداً وقد سيطرت ظلمات الجهل على جميع ابعادهم الفكرية والعقلية فهي مبتلية بالضلال المعايب وارتكاب المحرمات وترك الواجبات ، وفي هذه الظروف ليس هناك طريق لايقاض الائمة ورفع جهلها وظلالها غير ان يتقدم الامام واصحابه الى ميدان الحرب و يقدموا دمائهم الطاهرة كي يتم ايقاض امتهم من نومها العميق بل وييقضوا الامة الاسلامية الى يوم القيامة
وطبعا ان الامام الحسين قد نال بالشهادة مقامات لم ينالها غيره قط، وعليه فمن يعتقد بان الامام الحسين عليه السلام قد خرج لاجل الشهادة التي تكون سببا لايقاض الامة لا لاجل نفس الشهادة بحد ذاته فهو مطلب صحيح ومقبول.
وبناءً على هذا فالهدف الاصلي للامام الحسين (ع) من هذه الثورة ليس هو الحصول على الخلافة والحكم ولا القضاء على حكومة يزيد وليس هو الشهادة فحسب، بل ان الهدف الاصلي هو ايجاد الضمير الحي في قلب الامة الاسلامية التي قد انسلخت عن هويتها الاسلامية بحيث لم يكن في اعماق هذه الامة أي روح اسلامية، فالاسلام الذي يكون بهذه الصورة كيف يقدر له ان يكون عالمياً ابدياً؟ وكيف تتحقق خاتمية النبي الاكرم على ضوء هكذا اسلام؟ وكيف يمكن للقران الكريم الذي هو اساس حياة الامة والمجتمع البشري يعيش ويتحرك؟ وكيف يمكن ان تنفتح ابواب سعادة الائمة وهدايتها ؟ فاسلام هؤلاء الناس قد صنع جاهلية اسوء من الجاهلية التي كانت قبل الاسلام؟ فاسلام هذه الامة قد ارجع الامة الى الاف السنين الى ما قبل تشريع الشرائع وانزال الكتب وارسال الرسل ونستنتج من هذا التحليل عدة نتائج:
النتيجة الاولى: يتضح مما تقدم ان ثورة الامام الحسين عليه السلام لم تكن ثورة اختيارية و استحبابية كي يمكن للامام الحسين عليه السلام ان يتركها و لا يمكن لنا قبول كلام من يقول ان الامام عليه السلام قد تراجع عن هذا الهدف مستدلا بذلك ببعض الكلمات المروية عن الامام الحسين عليه السلام، واذا ثبت ان الامام الحسين عليه السلام قد قال « فدعوني ارجع من حيث اتيت» فهذا الكلام على فرض ثبوته فهو لاجل اتمام الحجة عليهم ولاجل ان ينظر الناس وجميع الخلق و التاريخ الى ان معاوية ويزيد واتباعهم أي هوية صنعوها للناس، بحيث كانوا يخالفوا جميع الامور العقلائية، فهذه الثورة هي فريضة مهمة جدا بل هي من اهم الفرائض في ذلك الزمان فهي فريضة تعد مسالة الخلافة والجهاد مع يزيد من فروعاتها وهي في الاهمية اهم من الجميع، فوجوب ايقاض الامة الاسلامية هو تكليف تتضح معالمه على ضوء الحكومة الاسلامية والجهاد مع الظالمين، وفي ظله تعيش الاحكام الاسلامية ويكون للحلال والحرام معنى.
النتيجة الثانية: النتيجة الاخرى التي نستفيدها من هذا التحليل ان امام المسلمين هو المسؤول عن حركة الامة وعدم حركتها صحوتها و غفلتها، ولا ينغي له ان يسمح للمجتمع الاسلامي ان يتوجه الى اللامبالات والغفلة وهذا من مزايا وخصوصيا الفكر الديني ولا سيما الفكر الشيعي حيث كان ائمة هذا المذهب يهتمون بهذه الجهة دائماً.
النتيجة الثالثة: وعلى ضوء هذا التحليل سيكون لمسالة عزاء الامة الاسلامية الى يوم القيامة مفهوم اخر وليست هي مجرد احياء الشعائر الالهية و انها تعد مصاديق ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب، ومع قطع النظر عن ان البكاء والجزع والفزع واي شكل ولون من الوان العزاء له ثواب كثير، ان العزاء هو جواب لكل ذلك الفداء وبذل النفس والنفيس الذي قدمه الامام الحسين واصحابه لاجل احياء الدين وايقاض الامة الاسلامية، فاذا استطاعت الامة السلامية الوقوف على مدى التاريخ في وجه الظلم والظالمين ويمكنها الوقوف الى الابد فانما هو ببركة ثورة عاشوراء فالامام الحسين (عليه السلام) بثورته هذه له حق كبير ولا ينسى على جميع الامة الاسلامية الى يوم القيامة.
النتيجة الرابعة: ان هكذا ثوره هي الطريق الوحيد لايقاض وصحوة الامة الاسلامية أي انه لا يوجد أي عامل اخر يستطيع ان يؤثر كما للشهادة من تاثير، فالشهادة هي الامر الوحيد الذي يستطيع ان يوقض القلوب المنكوسة والمريضة ويصلح افكار الناس المنحرفة والمظلمة، ويعلم الكل ان نتيجة هذه الثورة هي الشهادة فهي امر مسلم وغير قابل للانكار ولا يحتاج في معرفة ذلك الى العلم اللدني والغيبي الذي يختص بالائمة المعصومين ( عليهم السلام) والكل يعلم ان مثل هذه الثورة نتيجتها الشهادة، وكل مصلح مع علمه بذلك يقوم بهذه الثورة.