بیانات صادرة من سماحة آیة الله الشيخ محمدجواد الفاضل اللنکراني(مدظله)في ذکری عزاء سید الشهداء(ع) - الجمعیة الاسلامیة لشباب شارع 19دي
11 ربیع الثانی 1434
17:43
۶,۷۶۶
خلاصة الخبر :
آخرین رویداد ها
-
مدونة بخط اية الله الفاضل اللنكراني في مذكرات شهيد الفخر والجهاد قائد حزب الله لبنان
-
اهتمام الحوزة الخاص بالذكاء الاصطناعي / واجب رجال الدين الاهتمام بتدين الناس
-
البدعة في الدين منشا الفتن
-
المعيار في قبول الاعمال هو المودة في القربى
-
السبيل الوحيد لسير المجتمع في الاتجاه الصحيح الارتباط برجال الدين
-
رجال الدين صمام أمان للدين وامتداد لطريق ألائمة(ع)
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین
والصّلاة والسّلام علی سیّدنا و نبینا أبي القاسم محمد(ص)
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (سورة الشوری/الآیة 23)
الحدیث عن أهل البیت(ع) و خاصة الحدیث عن عاشوراء و الامام الحسین(ع) من الموضوعات المهمة جداً في مباحثنا العقائدیة، إذ أن المباحث المتعلقة باهل البیت(ع) تشکل هویة وحقیقة التشیع، ویتطلب هذا منا جهداً واهتماماً أکثر بالنسبة إلی اهل البیت(ع) في کل عام، بل وفي کل شهر وفي کل یوم یمر علینا.فأي قضیة هذه لها کل هذه الأهمیة؟ وأي أصل هذا یؤکد علیه الله تبارک و تعالی؟
إن مسألة الامامة هي أصل من اصول دیننا، ولکنه مع الأسف علی خلاف ما قالوه لنا في زمن الطفولة وتناقلوه في الکتب الدینیة و المذهبیة، ففصلوها عن اصول الدین، وذکروها علی أنها فرع من فروع الدین، فبهذا قسّموا أصول الدین إلی ثلاث: (التوحید و العدل و النبوة)، وعزلوا الامامة عن اصول الدین، لکن هذا التقسیم الذي عرضوه منذ البدایة خاطئ، إلا أنه تحول إلی ثقافة.
وهذا المطلب هو: أن الامامة أصل من اصول الدین وردت في آیات القرآن الکریم، ففي الآیة الشریفة، یقول الله عزوجل: «یا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» ، یعني بلّغ یا رسول الله الإمامة للناس، ىفإن لم تفعل، فستذهب أتعابک وحروبک وما تعرضت فیه للأذی والعذاب، والإهانة، والحصار في شعب أبي طالب سدی أدراج الریاح ، و کأنک لم تفعل شیئاً «فما بلغت رسالته»، فإذا لا تبین مسألة الامامة للناس، فکأنک لم تبلغ رسالته أصلاً، ویتضح من هذا: أن الامامة هي أصل الدین بل الدین کله، لا فرع من فروع المذهب أو أصل من اصوله، فهو لیس من اصول الدین وحده فحسب، بل هي اصل الاصول في الدین.
وینبغي القول بعبارة أخری: إن معرفة الله والتوحید لا یمکن أن یتحققا من دون الامامة، ولا یمکن الاعتقاد بنبوة رسول الله بدون الاعتقاد بالامامة، واعتقاد الشیعة قائم علی أن الشخص لا یمکن أن یقول أنا موحّد و أعتقد بالتوحید بدون قبول الامامة. وقد روي أیضاً:«لو صلی العبد عمره، وصام،وحج کل عام، وأنفق ماله کله في سبیل الله، ولم یقبل الولایة، فکل هذه الاعمال هباءً منثوراً»، ویستفاد هذا المطلب من هذه الآیة.
وقد یستبعد البعض أحیاناً في کتاباتهم مع الأسف: أن ما هذه الروایات؟ لعلها روایات فاقدة للسند. مع أن هذه من الروایات هي من الروایات التي تمتلک سنداً عالیاً وقویاً، فعندما یخاطب الله محمداً صلی الله علیه وآله: إن لم تبلّغ مسألة الإمامة، «فما بلغت رسالته»، فأنت رسولي، خاتَم الانبیاء و اشرف الکائنات، أرسلتک للناس بأهم کتاب سماوي، لکنك إن لم تبلغ مسألة الإمامة، «ما بلغت رسالته» فإذا، توقفت رسالة رسول الله علی أمر الامامة، فمسألة قبول الصلاة، الصیام، الحج والانفاق وأمثال ذلک وتقفها علی الامامة سیکون أمر سهل جداً.
وآیة «المودة» المبارکة هي أیضاً من الآیات التي نستفاد منها اصل الامامة في الدین: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». في اعتقادي: أن علی کل إنسان مسلم شیعي أن یتعرف علی هذه الآیة ومعناها، وقدراً من النقاط التي تتضمنها هذه الآیة في حدّ فهمه.
فهذه الآیة هي من الآیات التي عجز أساطین علماء أهل السنة في علم التفسیر عن الإجابة علی استدلال الشیعة، ولم یفلحوا عن تقدیم إجابات واضحة ومحددة علیها، وهم یبحثون حقیقة عن آیة في القرآن الکریم لرد الشیعة، لکنهم لا یبدون یضطربون عندما یصلون إلی هذه الآیة، لأن هذه الآیة آیة قویة جداً، قل یا رسولنا إلی الناس: «لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة في القربی».
راجعوا التفاسیر، عندنا خمس آیات تتحدث عن الأنبیاء علیهم السلام في سورة الشعراء المبارکة، وهم: نوح، لوط، صالح، هود و شعیب علیهم السلام، وهؤلاء کلهم یقولون: «ما أسألکم علیه من أجر إن أجري إلا علی رب العالمین». «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ». هذا هو کلام خمسة أنبیاء من أنبیاء الله العظام، فلم یتعرض أي أحد منهم إلی مسئلة ذوي قرباه، ولم یوص أحد منهم بمودة ذوي القربی، بل کانوا یقولون جمیعاً: «إن أجری إلا علی ربّ العالمین»، فلو کنت أنا نوح قد أرسلت بالنبوة 900عام، لکنّي «مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ».
وعندما تصل النوبة لرسول الله صلی الله علیه وآله، یتغیر لحن الخطاب، ولسان الآیات، یقول الله عزوجل في مورد رسول الله صلی الله علیه وآله: «قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ». وقال أیضاً في آیة أخری: «مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ»، وفي آیة أخری أیضاً: «مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً»، فالأجر الذي أدعوکم له هو أن یتخذ کل منکم إلی ربه سبیلاً: «یتخذ إلی ربه سبیلا».
ولو وضعنا أهم آیة وهي قوله تعالی: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» إلی جانب الآیات الأخری للأنبیاء علیهم السلام، فالنبي الوحید الذي عرض مسألة المودّة في القربی هو رسول الله صلی الله علیه وآله، ولم یأمر الأنبیاء الآخرین بهذا الأمر، ولا یحق لهم قول ذلک أبداً، إذ لم یکن في عصرهم مسألة «الإمامة» أصلاً، کان لهم أوصیاء، ولکن لم تکن الإمامة التي نعتقدها، فإذا وصل الأمر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله، یقول في الآیة: «مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ»، فلا أرید منکم أجراً ولا مقاماً، ولا منصب، ولا أرید منکم شیئاً. ویقول في آیة أخری: «يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً» ثم یقول بعد ذلک: «لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، ولا سبیل آخر غیر ذلک، فإذا أراد الإنسان أن یتخذ إلی ربه سبیلاً آمناً مطمئناً، وصراطاً مستقیماً، فهو سبیل الإمامة حصراً.
فقد روي عنهم قولهم علیهم السلام: «نحن صراط المستقیم» ،وقد دل القرآن الکریم علی ذلک بنفسه أیضاً، لذا ینبغي علینا أن نستخرج الآیات المتعلقة بشئون الائمة الطاهرین(ع)من آیات القرآن، فهي کلها موجودة في بطن القرآن.
لقد ذکرت بالنسبة إلی بحث الآیات المتعلقة بالمهدویة في مورد هذه الروایة «من مات و لم یعرف امام زمانه مات میتةً جاهلیة»، وهي روایة قویة یتمسک بها الشیعة. قلت یوماً لأحد علماء اهل السنة: أنتم تقولون: هل أخذنا البیعة من امیر المؤمنین علیه السلام أم بایع هو بنفسه؟ إنهم أخذوا منه البیعة بعد مدة بالقوة حقیقة، ولکن السیدة الزهراء علیها السلام التي غادرت الدنیا، لمن بایعت؟ هل یمکنکم أن تقولوا: إن السیدة الزهرا ء علیها السلام التي هي سیدة نساء العالمین، مع و جود هذه التعابیر عن النبي صلی الله علیه وآله في شأنها، أنها ماتت میتة جاهلیة -والعیاذ بالله- بعد مغادرتها هذا العالم؟
وعلی أيّ حال، لو وضعنا هاتین الآیتین کل منهما إلی جانب الأخری، أن یقول الله في آیة: إن اجر الرسالة هو مودّة القربی فقط، وفي آیة أخری أن أجر الرسالة هو «من یتخذ إلی ربه سبیلاً»، یعني أن السبیل إلی الله هو سبیل المودة في القربی فقط، ولا یمر السبیل إلی الله إلا عبر المودّة و المحبّة لاهل البیت(ع)، ولا سبیل آخر سوی ذلک، فنستنتج من ذلک کله: أن معرفة الله لا یمکن أن تتحقق بدون المودّة لاهل البیت(ع).
ولا علینا هنا أن تلك التفاسیر الباطلة الصادرة من علماء أهل السنة، بأن المودة في القربی یعني مودّة الأقرباء و ذوي القربی منکم، یعني أن النبي صلی الله علیه وآله یرید أن یقول: إن أجري منکم في مقابل رسالتي هي أن تصلوا رحمکم، فما علاقة هذا بالرسالة؟ هل یرید النبي صلی الله علیه وآله أن یقول: إن أجر رسالتي هو أن تصلوا رحمکم؟، وفسروها بتفاسیر أخری، لا یستحق من الانسان إتعاب نفسه وإضاعة وقته حقیقة في ذکر هذا الکلام الباطل، وهي کلها تفاسیر بالرأي.
ونقول نحن طبقاً لهذه الآیة: یجب المودّة في القربی، «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» والاجر من الامور الواجبة، فهل یکون لمن سعی أجراً؟ فالنبي صلی الله علیه وآله یقول: لا أسألکم، ولا یقول إن أردتم فعلاً أن تفعلوا، فأحبوا أهل بیتي، وإن لم تریدوا أیضاً، فلا، ویجب علی کل إنسان المودّة في القربی.
عندما استشهد أمیر المؤمنین علیه السلام، خطب الإمام الحسن علیه السلام فقال: «نحن أهل بیت أوجب الله علیکم محبتهم»، فعندما نقول: محبة أهل البیت علیهم السلام أمرجید، فهذا کلام خاطئ، لأن المحبّة لاهل البیت علیهم السلام علی اساس هذه الآیة القرآنیة واجبة. وإن لم یظهر أحد المودة لهم علیهم السلام، فقد ترک الواجب، وقد وردت الروایات الواردة في ذیل هذه الآیة الشریفة بشأن ذلک:
«سأل جماعة رسول الله صلی الله علیه وآله: «یا رسول الله من قرابتك الذین وجبت علینا مودتهم؟ فقال: عليٌ و فاطمة و ابناهما» ،قال ذلك النبي صلی الله علیه وآله ثلاث مرات کما ورد في الروایة. فإذا وجب مودتهم، وجبت طاعتهم أیضاً.
قال بعض کبار العلماء: نستفید من هذه الآیة إمامة أمیرالمؤمنین(ع)، بل استفادة وجوب الطاعة للسیدة الزهراء سلام الله علیها أیضاً. فنحن نعتقد أن السیدة الزهراء لم تکن إماماً، ولکن قولها حجّة. قال الامام العسکري(ع): «نحن حجج الله علی الناس و فاطمة حجةٌ علینا» . ویستفاد هذا المطلب من هذه الآیة بشکل واضح .
إننا في محك مجالس العزاء هذه: کم نود اهل البیت(ع)؟، وهي لیست وحدها مصداقاً للشعائر فحسب، وقد قال الله عزوجل في محکم کتابه المجید:«ومن یعظم شعائر الله فإنّها من تقوی القلوب»، بل أکثر من ذلک، فمجالس العزاء مصداق ابراز المودّة لذوي القربی، وهذا هو من سبل محبة ذوي القربی، وفي الحقیقة عندما یصل علماء أهل السنة المتعصبون منهم إلی هذه الآیة، یقولوا: أوجبت هذه الآیة احترام اهل البیت علیهم السلام واظهار المحبّة لهم، فنتسائل: لماذا ینقصون علینا إذاً: أن نقیم مجالس العزاء لهم؟ فهذه المجالس هي أحد أهم مصادیق المودّة لاهل البیت علیهم السلام.
وفي مثل هذه الأیام عندما وصل الامام السجاد(ع) إلی الشام، قال له شیخ وهو لا یعرفه-لأن حکومة بني أمیة أشاعوا في الناس أنهم خرجوا علی إمام زمانهم-: «الحمد لله الذي قتلکم و استأصلکم»، فقال له الإمام علیه السلام: هل قرأت هذه الآیة في سورة الشوری؟ فقال: وأیة آیة هذه؟ فقال علیه السلام: قوله تعالی:«قل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» ، ثم قال:فنحن قربی رسول الله، ونحن الذین أوجب الله مودتهم»، فإقامة مجالس العزاء هي من أکبر مصادیق إظهار المودّة لذوي القربی من آل الرسول صلی الله علیه واله.
فلا نأتي ونقول: ما الخبر؟ ولم کل هذا التفصیل؟ وقد یشکل بعض الأشخاص الذین یدعون أنهم مثقفون أحیاناً فیقولوا: لماذا تخصصون شهرین متتالیین لمجالس العزاء إذاً؟ فنقول لهم: شهران لیسا بشيء، ولو کان عشرون عاماً أیضاً، فلیس بشيء أیضاً، ولو منح الله لشخص عمراً یصل إلی 200عام، لکان قلیلاً أیضاً، ولو قضّی الانسان عمره في کل دقیقة لإحیاء هذه المصیبة معزیاً، لکان قلیلاً أیضاً. إننا لا نعلم: ما الخبر؟ وما الأمر في ذلك؟ لقد فهمنا جزءاً من ذلك، وها نحن نقیم مجالس العزاء بقدر استطاعتنا.د
کتبت أحد الصحف المحلیة التي تنشر في أول محرم: «لنتأمل جیداً! بدل البکاء» ولا أعلم من أي مصدر من المصادر استخرج هؤلاء الأشخاص هذه الرسالة، التي أرسلوها کأیمیل. إن کلامنا هو أننا نقول: لا معنی للتأمل بدون البکاء في قضیه الامام الحسین(ع)، ولو أراد الانسان أن یدخل في هذا الوادي، ویقرب نفسه من هدف الامام الحسین(ع)، فلا یمکنه ذلک من دون البکاء، إذاً لماذا یشجع الأئمة علیهم السلام- الذین هم العقل الأکمل لشیعتهم- علی البکاء؟
انظروا الی الروایات الواردة في باب البُکاء، إن هذه الروایات عجیبة جداً، ونحن المعزّون لا نعرف لحد الآن حقیقة البُکاء علی الامام حسین(ع). لاحظوا أي تعابیر وردت في بعض الروایات حول البکاء؟ ثم دققوا النظر في هذه، واطرحوا هذا السؤال: هل یمکن الوصول إلی هذه الحقیقة بدون السؤال أم لا؟ نحن نعتقد بعدم إمکان ذلك. إذ لا یمکن القول: اجلس، ثم فکّر فقط من هو الامام الحسین؟ وما هو هدفه؟ وحینئذ یمکنك أن تصل إلی ذلك الهدف أیضاً؟ فمثل هذا الأمر لا یمکن بل مستحیل. وکلما کان البکاء أکثر، کان طریق التعرف والوصول إلی حقیقة هذه الواقعة أعم وأشمل.
روي في کامل الزیارات: «أحبّ العیون إلی الله،عین بکت علی الحسین علیه السلام». فکم من المعاني قد استبطنت هذه الجملة؟ أن من یبکي علی الامام الحسین علیه السلام کان محبوباً لله، وأحبه الله. «إن العین تصیر محل مسّ الملائکة» طوبی للمعزین، وأهل البکاء. هذه الروایة تقول: «إن العین التي بکت للحسین علیه السلام تصیر محل مسّ الملائکة». إذ تجمع الملائکة قطرات الدموع هذه في قارورة. «إن قطرةً منها لو سقطت فی جهنم لأطفأت حرّها». فالدموع في عزاء الامام الحسین(ع)لها حقیقة، وهي غیر الدموع التي یصبها الإنسان حتی علی موت أعز أهله وأسرته. فهناك فرق شاسع بینهما. وهي تقارن فقط بدموع البکاء خوفاً وخشیة من الله عزوجل فقط، ولا یمکن مقارنتها بسائر دموع البکاء الأخری. فهو یقول:«إن قطرةً منها لو سقطت فی جهنم لأطفأت حرّها». إننا لا نعلم أي حقیقة لها؟ ونحن في فهمنا المادي نعلّق علی هذا ونقول: لو احترقت قطعة من الأرض، لاحتاج لإطفائها أضعافاً من الماء ولکن قطرة من الدموع تذرف للامام الحسین(ع) قادرة علی إطفاء نار جهنم. فهل إن إدراک هذه الحقیقة في حد فهمنا؟ کلا، وألف کلا. إنهم علیهم السلام یخبرونا خبراً إجمالاً فقط، ویرفعون الستائر عنه، لکي نفهم قلیلاً. «إنّه لا تقدیر لثوابها» وورد في بعض الروایات أیضاً:
«أن الله قدر لکل طاعاته ثواباً إلا البکاء علی الحسین(ع)،فلا حدّ و مقدار له».
فإذا أردتم متابعة هذا البحث، فعلیکم بقراءة کتاب «الخصائص الحسینیة» للمرحوم الشیخ جعفر الشوشتري، فقد تناول رضوان الله تعالی علیه هذه البحوث بشکل جید، وفتح بابا قال فیه: «من آثار البکاء علی الامام الحسین(ع): یبدأ من لحظة الموت وحتی الدخول إلی الجنة» ثم ذکر کافة مراحل الموت، الواحدة تلو الأخری، باعتماد الروایات والأخبار والوثائق والشواهد علی ذلك، وقال أیضاً:«عندما یراد انتزاع الروح عن البدن، وقد قال امیرالمؤمنین: وإن للموت لغمرات، فسینجي البکاء علی الامام الحسین الانسان حینئذ»، ثم نقل هذه الروایة: «أن الامام الصادق(ع) قال لمسمع بن عبد الملک: «یا مسمع أنت من اهل العراق؟ أما تأتي قبر الحسین؟ قلتُ: لا، أنا رَجُلٌ مَشهورٌ عِندَ أهلِ البَصرَةِ، وَ عِندَنا مَن يَتّبع هَوى هذا الخَليفَةِ، وَ عَدُوُّنا كَثيرِ مِن أهلِ القبائِلِ مِنَ النُّصابِ وَ غَيرِهم، وَ لَستُ آمنَهُم أن يَرفَعوا حالي عِندَ وُلدِ سُلَيمانَ فَيُمثّلونَ بي، قال لي: أما تذکر ما صنع بالحسین؟».
تذکرت أن الشیخ أنصاریان حکی من مذکراته: «أنه جاء إلی والدکم في هذا البیت، وقد کان منفرداً لوحده، فعندما جالسناه قلیلاً، قال: یا شیخ أنصاریان، هل حصل أن تقرأ مجلس عزاء لشخص وحده؟ قلت: نعم، یاسیدي، فقال لي: اقرأ لي مجلس عزاء، قلت: فقرأت له مجلس عزاء، فکم ذرف هذا الرجل وقد کنا اثنین من الدموع، وأجهش بالبکاء في ذلک المجلس».
قال الامام الصادق علیه السلام لمسمع: «أما تذکر ما صنع بالحسین؟قلت:بلی» ثم قال علیه السلام أکثر من ذلک: «قال: أفتجزع؟» والجزع هنا هو في مقابل الصبر، «سواءٌ علینا أجزعنا أو صبرنا»، یقول الامام علیه السلام –: «عندما تتذکر مصیبة الحسین علیه السلام- أفتجزع؟» والجزع هو ما نفعله من الضرب علی الرأس والصدر، «قلت: إي والله، وأستعبر لذلك، حتی یری أهلي أثر ذلك عليّ، فقال الامام الصادق(ع): إنّک ستری عند موتک حضور آبائي لك، وَ وَصِيَّتَهُمْ مَلَكَ الْمَوْتِ بِك»: أن أخرجوا روحه بهدوء من جسده، فهو إنسان طاهر وباك علی الحسین علیه السلام.
إن البکاء علی الامام الحسین(ع) یترك أثراً عند لقاء ملك الموت، وعندما یریدون إدخاله في قبره، وعندما یخرج من قبره أیضاً، فالباکي علی الإمام الحسین علیه السلام «یخرج من قبره و السرور علی وجهه والملائکة تتلقاه بالبشارة لما أعدّه الله له» وکذلك في یوم القیامة.
إن هذه الروایة شیقة جداً، فلاحظوا إلی أین تصل جذور التعازي؟ «سألت فاطمة الزهراء علیها السلام رسول الله صلی الله علیه وآله قَالَتْ: يَا أَبَهْ فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ وَ مَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي وَ رِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي وَ يُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَ أَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ وَ كُلُّ مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وَ أَدْخَلْنَاه».
وکذلك عند الحساب ووضع المیزان والکتاب، وسؤال الناس عن أعمالهم. یقول صاحب الخصائص الحسینیة: «إن امیرالمؤمنین(ع) مع عظمته تلك ومعرفته ومقامه کان یخرج إلی الصحراء، فینوح ویبکي.. «و یقول: آه إن أنا قرأت في الصحف سیئةٍ أنت محصیها و أنا ناسیها، فتقول: خذوه فیالها من مأخوذ لا تنجیه عشیرته». لقد کان امیر المؤمنین علیه السلام یبکي بشدة کالملدوغ من ثعبان من هول یوم عرض الکتب وصحائف الأعمال الذي سنواجهه جمیعاً، ویتضوی من شدة الوجع والألم، ثم یقع مغشیاً علیه، وکأنه خشبة یابسة، فإذا شاهد الانسان القیامة، فالکل منشغلون بحسابهم، إلا الباکین علی الحسین علیه السلام، «فإن الباکین علی الحسین یکونون فی ظل العرش مشغولین بحدیث الحسین».
أرید أن أقول هذا: إن کل الروایات التي بأیدینا عن البکاء، أن یکون الشخص الباکي إنما هو «صلةٌ لرسول الله»، واحسان لاهل البیت علیهم السلام. فلماذا وردت هذه التعابیرذات المضامین العالیة في البکاء؟ هل أن الله عزوجل ورسوله والأئمة الطاهرین علیهم السلام یریدون منا أن نهتم بالجانب العاطفي والمأساوي فقط؟ فمن المسلم به أن هذا غیر صحیح طبعاً.
لقد شیّدت بیوت في قم لیقام فیها مجالس العزاء لسید الشهداء(ع). نقلوا: أن المرحوم العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالی علیه وهو من کبار العلماء، کان یذهب أحیاناً ویضع بیده علی حائط ذلك البیت، ثم یمسح بها علی وجهه، لأن هذا المکان هو محل ذهاب وإیاب -تردد- الملائکة، ولیس محل هذات وحده فحسب، بل هو مشهد ومنظر الحسین(ع).
روي:«أن ابا عبد الله الحسین(ع) في یمین العرش ینظر إلی مجلس عزائه کما ینظر إلی زواره». قال المرحوم والدنا: « مجلس عزاء الامام الحسین هو قبة الحسین». وقد روي: «أن الله لیستجیب الدعاء عند قبة الحسین علیه السلام». ولا تختص قبة الحسین بمرقده الشریف فحسب، بل یعم کل من یقیم خیمة مجالس العزاء للإمام الحسین علیه السلام، یستجاب عندها الدعاء إن شاء الله. ذکر المرحوم الشیخ جعفر الشوشتري هذا المطلب أیضاً في الخصائص، وجهته هي: أن الامام الحسین(ع) ینظر إلی هذا المجلس، فهل أن المجلس الذي ینظر له الإمام الحسین علیه السلام لا یستجاب فیه الدعاء؟ وهل أن هذه النظرة هي نظرة عادیة؟ فعلی هذا، لا یمکن الوصول إلی الحسین(ع) و حقیقة عاشوراء بدون البکاء.
بل لا یجیزون لأحد من دون بکاء الانسان في هذه القضیة، فالبکاء هو من أکبر مظاهر المودّة للامام الحسین(ع)، وعلینا أن نشکر الله عزوجل أن منّ علینا بفضله ولطفه لذلك، وجعلنا في بیتهم علیهم السلام، وأصبحنا في هذا المسیر، ولم نکن في محل آخر، نأمل أن یشملنا توفیق اظهار الارادة لاهل البیت(ع)، الذي یبدأ من هذا العالم، إلا إن حقیقته تتبلور في عالم البرزخ وفي یوم القیامة، وأن یدوم علینا ویزداد یوماً بعد آخر.
والحمد لله رب العالمین