الجواب على شبهة اختلاف قراءات القرآن

16 رجب 1442

18:30

۲,۱۰۴

خلاصة الخبر :
توضيحات الشيخ فاضل اللنكراني في دروس ابحاث خارج الفقه حول الاجابة على شبهات اختلاف قراءات القران الكريم.
آخرین رویداد ها
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدلله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطاهرين

 طرح شبهة مغايرة القران المتوفر بين ايدينا مع القران النازل على رسول الله(ص)

في هذه الايام يطرح بعض الناس شبهة حول القرآن الكريم وهي بطبيعة الحال ليست شيء جديد بل هي مطروحة في كتب علوم القرآن وكبار علماء الشيعة والسنة قد اجابوا عليها. 
لكن اليوم بعض الناس قد طرحها واستنتج ان القران المتوفر بين ايدينا لا نعلم هل هو نفس القران النازل على قبل رسول الله(صلی الله علیه و آله ) او لا؟  وهذه الشبهة انتشرت في الفضاء الالكتروني وللاسف اوجبت تشويش عند شبابنا المتدين ونشير في هذا المجال الى بعض النقاط بشكل مختصر.

الجواب على الشبهة: 

ان الفرق بين القرآن، وقراءة القرآن يجب ان يقال انه امر مسلم ومتواتر. فلدينا قران ولدينا قراءة القران، ومنذ زمن النبي الاكرم( صلى الله عليه واله) كان القران الكريم موجودا بهذه الهيئة التي هو عليها الان وقد انتقل الينا عبر الاجيال بشكل متواتر بل فوق المتواتر. 

ولا يوجد احد يشك في ذلك حتى من غير المسلمين اي ان ما يوجد بين دفتي القران الركيم من سور وايات لا شك هو نفس السور والايات التي انزلها الوحي على قلب النبي (صلى الله عليه واله).
لكن مسألة القراءات مسألة أخرى ، فهناك مسلكان في القراءات ، فبعض  يعتقد أن القراءات السبع متواترة ، والبعض يقول أن هذه القراءات غير متواترة. الآن ، سواء كانت القراءات متواترة أم لا ، فهي لا تشكل ضررا في تواتر القرآن.

قال الزرشكي صحاب کتاب البرهان وهو احد الكتب المهمة جدا في علوم القران: «للقرآن و القراءات حقیقتان متغایرتان فالقرآن هو الوحی المنزل علی محمد (صلی الله علیه و آله) للبیان و الإعجاز».
 ان احد خصوصيات القرآن الكريم مثل «أَلاَ بِذِکْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، بالبداية اتت كلمة (إلا) ثم جاءت كلمة «بذکر الله» وبعدها «تطمئنُّ القلوب»  وهذا الترتيب موضوع لاعجاز كما هو كذلك في جميع مواضع القران الكريم وهذا يعني هو القران الكريم. 

ففي هذه المسالة لا خلاف فلا يوجد احد يقول كلمة ذكر موجودة او غير موجودة فالقران نزل بهذه الشاكلة الموجودة حاليا بشكل متواتر ولا علاقة له بالقراء. 
ثم قال صاحب کتاب البرهان: «و القراءات اختلاف الفاظ الوحی المذکور فی الحروف و کیفییتها من تخفیف و تشدید»

ان بحث القراءات هو بحث حول اختلاف قراءة حروف القرآن وكيفيتها فبعضهم يقرأ الا بالتشديد والاخر يقرأ بالتخفيف فهذا يرجع الى اختلاف كيفية القراءة. لكن هذه الالفاظ بهذه المواضع وبهذا التركيب الكلامي قد نزلت على النبي الاكرم (ص) وقد نقلت الينا بنحو التواتر من زمان النبي الاكرم (ص) وحتى الان. وعلى حد تعبير السيد الخوئي (قدس سره في تفسير البيان حيث قال: : «إن الواصل إلینا بتوسط القراء إنّما هو خصوصیات قراءاتهم، و أما أصل القرآن فهو واصلٌ إلینا بالتواتر بین المسلمین و بنقل الخلف عن السلف و تحفّظهم علی ذلک فی صدورهم»، 

ما وصل إلينا من خلال القراء هو خصائص قراءات الألفاظ ، لكن أصل القرآن وصل إلينا متواتراً بين المسلمين ، كما نعلم أن هذه هي أول كلمة من هذه الآية واخر كلمة من هذه الاية  وقد كان المسلمون ملتزمون بحفظ القرآن.

وكان لدينا في زمن الرسول (ص) حفاظ للقران الكريم وفي كل زمان يوجد حفاظ القران الكريم والان لا سامح الله اذا ذهب هذا القرآن المطبوع فلدينا قراء اقران موجودون «و لا دخل للقراءة فی ذلك أصلا»، 

موضوع القراءة لا دخل له في حقيقة القرآن فان حقيقة القران هي المادة والكلمات  مع تركيبها واما ان يقرأ الحرف بالظم او بالفتح  او يقرأ الفعل بالمجهول او المعلوم فلا يغيير في نفس اللفظة النازلة من الله على رسوله وتلك اللفظة نفسها هي التي قالها الله عز وجل، «ولذلک فإن القرآن ثابت بالتواتر، حتی لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم یکونوا موجودین أصلًا».

وحتى لو كان هؤلاء القران السبعة غير موجودين فان هذا القرآن  نقل الينا بصورة متواترة منذ زمن النبي (صلی الله علیه و آله)، فالناس قد قرأوه وحفظوه حتى وصل الينا، والآن لو فرضنا انه لم يكن في القرن الثاني والثالث قراء فهل هذا يعني انه ليس لدينا قرآن السيد الخوئي (رضوان الله عليه) لديه تعبير لطيف جدا «عظمة القرآن أرقی من أن تتوقف علی نقل أولئک النفر المحصورین» فعظمة القران اعظم من ان يتوقف على قراءة القراء فان هؤلاء سواء كانوا ام لم يكونوا فالقران موجود. 

اذن فلدينا قرآن ولدينا قراءة القرآن. وها الامر يستفاد من بعض ايات القران الكريم: في الاية (106)  من سورة الاسراء المباركة: «وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا»

أي أن قراءة القرآن هي مرحلة متأخرة عن القرآن نفسه. القرآن وقراءته شيئان. هناك فرق بين القرآن وتلاوة القرآن. هذا الخطأ في عدم فهم الفرق بين القرآن وقراءة القرآن جعل بعض الناس يشككون ويقولون إن هذا القرآن الذي لدينا الآن يختلف عن القرآن. الذي كان في حوزة النبي.
ويقول  السيد الخوئي رحمه الله في شرح كلماته: "ليس لدينا الآن قصائد المتنبي ، لكن هناك اختلاف في نسخ هذه القصائد.

  في عصرنا ، أحيانًا يكون للكتاب اختلاف في النسخ وأيضًا في بعض المواضع يوجد اختلاف في نقاط الحرف. بالطبع ان القرآن لا يوجد فيه اختلاف في النسخ لأن الاختلاف في القراءة غير الاختلاف في النسخ. اختلاف القراءة يعني ان الحروف محفوظة لكن في كيفية قراءتها يوجد اختلاف.

على عكسه اختلاف النسخة التي تتضمن تغيير في الحروف. لذلك فإن تواتر القرآن امر مسلم، ليس فقط بين المسلمين ولكن أيضًا عندما نذهب إلى الكفار يقولون إن قرآن المسلمين هو نفسه كما كان في زمن النبي بدون أي تغيير.

طبعا بعض أعداء الإسلام يحبون إثارة موضوع التحريف ، فكم من علماء الشيعة الكبار كتبوا كتبا في عدم تحريف القرآن لكن قد يوجد من مئات الفقهاء والاصوليين والعلماء والمحققين واحد او اثنين يقولون بتحريف القرآن بسبب سوء فهم لبعض الروايات فيترك الاعداء مئات الفقهاء ويتمسكون بالشاذ النادر ويؤيدونه وينسبون ذلك الى جميع الشيعة ليوقعون الفرقة بين المسلمين وقد اوردنا في كتابنا (تحقيق حول القران لا يقبل التحريف) عبارات العلماء المتقدمين وذكرنا انه لا يوجد لدينا قائل بتحريف القرآن الا الشاذ النادر.
اذن فالنقطة الاولى ان القران متواتر، واما القراءة سواء كانت متواترة او لم تكن متواترة لا يهم ذلك فاذا فهمنا هذه النقطة جيدا ستنتفي الشبهة من اساسها ولا يكون لها معنى ابدا. 

الاشکال فی وثاقة حفص:

النقطة الثانية: هي أن حفص من بين القرَّاء الذين قد ضعفوا عند الشيعة والسنة كما ذكره صاحب الشبهة حيث ذكر ان حفص بن عاصم ضعيف في كتاب رجال الشيعة والسنة فهو متروك الحديث وضعيف. ثم يتسائل ان الشخص الذي لم يقبل قوله في الحديث كيف يمكن قبول قراءته؟ 

والجواب على الاشكال: انكم حينما تدرسون علم النحو ويقول الاديب الفلاني هذا اللفظ ينبغي ان يقرأ بهذه الصورة فهل تسألون ان هذا الأديب عادل او فاسق؟ 
هذه الشبهة ناشئة من السطحية وعدم الدقة في الامر فهل حينما تذهب الى الطبيب تسأل الطبيب قبل ان تصف لي الدواء اخبرني هل انت عادل ام فاسق؟ ان القارئ يقرأ العبارة على اساس الاساليب والموازين الادبية وهنا لا مجال لبحث  عن العدالة والفسق. 

إن قول حفص لا نقبله في الحديث، لان الراوي في الحديث ينقل عن المعصوم (ع) فيلزم ان يكون عادلا، واما فيما يتعلق بالقران الكريم فان الناقل للقرآن هو النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) فهو ليس عادل فحسب بل هو معصوم عن الخطأ. واما القارئ فليس ينقل لنا الاية وانما هو يقرأ الآية فحسب فالبحث يترتبط بطريقة قراءة الآية. 

إنَّ هؤلاء أنفسهم كانوا أُدباء ومتبحرون في الأدب، والقرآن نزل بلسان عربي مبين وهؤلاء هم خبراء في القراءة والادب واللغة العربية فحينئذ لا معنى للبحث عن عدالتهم او فسقهم، ومن الواضح ان صاحب هذه الشبهة يأتي بمطلب من مكان اخر ولا يدقق في بقية الامور لذا يطرح هذه الشبهة. 

والقول الفصل في باب القراءات اننا نقبل القراءة الجامعة لمعايير الادب والعربية واذا كانت القراءة لا تنسجم مع ضوابط الادب واللغة العربية فلا نقبلها ابدا. يقول ابن الجزري في هذا الكتاب: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه و وافقت احدالمصاحف العثمانية و لو احتمالاً و صح سندها، فهي القراءة الصحيحة»، اذن فالقراءة الواجدة لهاتين الخصوصيتين وهما المعايير الادبية وموافقة لاحد المصاحف العثمانية فهي قراءة صحيحة ولا يمكن انكارها. «فهی القراءة الصحیحة، التی لا یجوز ردها، و لا یحل إنکارها».

وهذه العبارة اوردها السيد الخوئي في البيان فكل من يرى هذه الامور فلا تبقى عنده شبهة. وقال السيد الخوئي ان صاحب كتاب «المرشد الوجیز» قال: «فلا ینبغی أن یغتر بکل قراءة تعزی إلی واحد من هؤلاء الأئمة السبعة، ویطلق علیها لفظ الصحة، وإن هکذا أنزلت، إلا إذا دخلت فی ذلک الضابط» وهو ان تكون القراءة منسجمة مع القوانين الادبية وموافقة مع احد المصاحف العثمانية. 

الى ان يقول: «فإنّ الاعتماد علی استجماع تلک الأوصاف لا عمّن تنسب إلیه». وهذا يعني اننا انما نقبل بقراءة حفص عن عاصم لا من جهة انها منسوبة الى حفظ بل لانها منسجمة وفقا للضوابط وقوانين القراءة. 

ونظير هذا ما يقوله كبار العلماء احيانا حينما يرون مضمون الرواية عال جدا ولا يصدر الا عن المعصوم فانهم يقولون لا حاجة الى بحث سند الرواية او وثاقة الرواي وانما يقولون ان مضامين هذه الرواية تغني عن دراسة السند فكذلك الكلام هنا نقول ان القراءة هل منسجمة مع ضوابط القراءة او لا؟ ولا اهمية لمن تنتسب القراءة، فلا معنى لان يأتي شخص ويقول ان حفص ضعيف لا نقبل حديثه فكيف نقبل قرآنه.

لماذا نكون سطحيين الى هذه الدرجة ؟ حينما نتحدث عن القرآن الكريم ينبغي ان ندقق في الكلام، ان كان لديك اشكال اطرحه لكن لا ينبغي ان تكون سطحي الى هذه الدرجة وتلقى الشبهات في اذهان الناس فان القاء الشبهات في اذهان الناس ليس امرا عظيما ولا يعد فناً فنحن نقول بما ان حفص كان اديبا وعالما بفن الادب واللغة وعلم القراءة فنحن نقبل قراءته. وما اكثر الشعراء الفصحاء والبلغاء العرب ولكنهم كانوا فسقة لكن يستشهد بقولهم في كتب اللغة والادب كثيراً كالمغني لابن هشام وبقية الكتب الادبية بالرغم من ان فسق بعضهم مسلم. 
السبب في أننا نتمسك بشعر هذا الشاعر وان كان فاسقا هو تبحره في فن الادب وتخصصه في القواعد اللغة العربية، وفيما يتعلق بتبحث وتخصص العلماء في اي علم لا يبحثون أولا عن فسق الرجل او عدالته، وذلك لانه لا دور للعدالة والفسق في هذا المجال. واما في بحث القراءة فالمسألة المهمة في موضوع القراءة هي كيفية قراءة الجملة، حينما يريد المهندس ان يرسم خطته يجب اولا ان يكون لديه تبحر في هذا المجال فان قال ان ها العمود ضعوه هنا فلا يقولون ان هذا المهندس عادل أو فاسق؟ فالعدالة والفسق يمكن ان يكون لها دور في باب الروايات واما في باب القراءة فلا.
وثانياً: انه في مجال البحث عن قراءة حفص فالاعتماد يكون على اساس القراءة لا على القارئ، بحيث تكون القراءة منسجمة مع القران الكريم الذي قال الله عنه (بلسان عربي مبين) ومشتملة على المعايير الضوابط الادبية في لسان العرب وتكون مقبولة عندهم. 
ان الاشكال في اختلاف قراءة الآيات هو ان يقال انه بالتالي ان هذه الاية الكريم احد القراء يقرأوها بالتشديد والاخر يقرأها بالتخفيف ليس لها الا قراءة واحدة فهل ان كلا القرائتين قرآناً؟ فالجواب لا بل واحدة منها هي القران قطعا. 

فهاتان القراءتان مشتملتان على الضوابط الادبية الاولية والفصاحة والبلاغة وبناء على هذا يحصل لدينا علم اجمالي ان احد هاتين القرائتين هي القرآن وهذا يكفينا. اذن فلا ينبغي ان يقال ليس لدينا القرآن فلدينا اليوم القران اما (مالك) او ملك ففرق بين ان نقول ما لدينا ليس هو القرآن وبين ان نقول لدينا قرآن ولكن قراءاته مختلفة. 
اذا كان لدينا نسختان من كتاب حافظ فنقول لدينا ديون حافظ اما هذا او ذاك فينبغي الالتفات الى هذه النقطة المهمة وهي اننا حينما ناتي الى الايات المتشابهة في القران الكريم نعطيها احتمالات مختلفة عشرة احتمالات او عشرين احتمالا فهل ان هذه الاحتمالات هي القرآن ؟ كلا قد يكون الصحيح  احتمالا او احتمالين. 
كيف لا يخرج اختلاف الاحتمالات في القرآن من كونه قرآناً؟ لكن  الاختلاف في القراءة يخرج القران عن كونه قرآنا ؟ كل هذه الاحتمالات المختلفة ترد في تفسير القرآن، لم يقل أحد الآن أنك أعطيت الآية خمس معاني ، فهذا ليس القرآن.
قد نقول بالتالي أن هذه الآية مجملة ولا نفهم شيئًا منها ، وإذا لم نفهم معنى الآية فهل اننا اذا لم نفهم معنى الاية ستخرج الآية من القرآن؟ لا هي آية قرآنية. الآن ، إذا لم نصل إلى القراءة التي تليت على النبي(ص) ، فالآية نفسها التي لم تصلنا قرائتها لا تخرج من القرآن.

لكننا نقول إما أن هذه قراءة أو تلك ، أو واحدة من هذه القراءات الثلاث أو الأربع ولا يوجد عائق اومانع. على اي حال قد اجاب عن هذه الشبهة كبار العلماء، وهذا الكلام ليس جديداً. فلماذا نقوم نبث هذا المقطع وننشره في الفضاء الإلكتروني ، ما الذي نبحث عنه؟ من الذي نريد ان نقدم له خدمة ؟ بالطبع ، هذه أراجيف كاذبة ، ولكن إذا كنا نبحث حقًا عن قضايا علمية ، فقم بإثارة هذا الشبهة أولاً مع بعض العلماء واهل الاختصاص ، وانظر إذا لم يكن لديهم إجابة حقًا. اطرحها مرة اخرى في ميدان اخر.

الملصقات :

القرآن الكريم قراءة القرآن تحريف القرآن