رسالة مختصرة في الحقّ والحكم

۲۴ تیر ۱۳۷۰

۱۴:۳۶

۳۷

چکیده :
رسالة مختصرة في الحقّ والحكم
نشست های علمی

رسالة مختصرة في الحقّ والحكم*
محمد جواد الفاضل اللنکراني

بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم

والبحث فيه يقع في اُمور:

الأوّل: في معنى الحقّ بحسب اللغة. فاعلم أنّه يستفاد من عبارة كثير من أهل اللغة أنّه بمعنى الثبوت والشيء الثابت.

قال في الصحاح:
الحقّ: خلاف الباطل، وهو واحد الحقوق، حقّ الشيء يحقّ بالكسر؛ أي وَجَبَ[1].

وقال الزمخشري في أساس البلاغة:
حَقَّ اللّه‏ُ الأَمْرَ حقّاً: أثبته وأوجَبَهُ[2].

وقال الخليل في كتابه العين:
حقّ الشيء يحقّ حقّاً؛ أي وجب وجوباً[3].

وقد ذكر الراغب في مفرداته وجوهاً أربعة للحقّ، فقال:

يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في اللّه‏ تعالى: هو الحقّ، وقد يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فعل اللّه‏ ـ تعالى كلّه حقّ. وقد يطلق على الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، وقد يطلق للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب[4].

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الموارد كلّها من قبيل المصداق لمفهوم الحقّ، فاللّه‏ ـ تبارك وتعالى ـ بما أنّه ثابت أكمل الثبوت، فهو حقّ كمال الحقيقية. نعم، يمكن أن يقال: إنّ الحقّ ليس بمعنى صرف الثبوت، بل الثبوت الوجوبي واللزومي يسمّى حقّاً وإن كان اللزوم بالمعنى اللغوي يرجع إلى الثبوت، ولكنّ التأمّل يقتضي كون اللزوم أيضاً هو الثبوت الخاصّ، لا الثبوت المطلق.

وأمّا ما جاء في بعض الاستعمالات؛ من أنّ التحقّق يكون فصلاً بمعنى المفعول، فيكون بمعنى الجدير، ممكن أن يرجع الجدير إلى الثبوت أيضاً، فمعنى «أنت جدير» هو: أنّ هذا الشيء ثابت لك فقط، وليس بثابت بغيرك، وأنت صالح لثبوت الشيء لك، على أنّه ليس بمعنى المفعول حتّى يلزم أن يقال بأنّه في معنى الجدير، فإنّ «حقيق» يكون مِن حقُقَ بضمّ العين، كما أنّ الفقير من فقر، فليس بمعنى المفعول، فتدبّر.

الثاني: في معنى الحقّ بحسب اصطلاح الفقهاء، والفرق بينه، وبين الملك والحكم والسلطنة، وقد ذكر في تعريفه تعابير مختلفة كما يلي:

1. ذهب جمع من المحقّقين إلى أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة أو الملك، فقال السيّد اليزدي(قدس‏‌‌سره) :

الحقّ نوع من السلطنة على شيء متعلّق بعين، كحقّ التحجير، وحقّ الرهانة، وحقّ الغرماء في تركة الميّت، أو غيرها، كحقّ الخيار المتعلّق بالعقد، أو على شخص، كحقّ القصاص، وحقّ الحضانة، وحقّ القسم ونحو ذلك، فهو مرتبة ضعيفة من الملك، بل نوع منه[5] انتهى.

وقال المحقّق الإيرواني(رحمه‏‌‌الله):
إنّ الفرق بين الحقّ والملك بعموم الاستيلاء والسلطان وخصوصه، فالملك يكون بدخول الشيء تحت السلطان بتمام شؤونه وكافّة حيثيّاته، والحقّ يكون بدخوله تحت السلطان ببعض جهاته وحيثيّاته، فالشخص مسلّط على اَمَتِه؛ بأن يبيع، ويهب، وينكح إلى آخر التصرّفات السائغة، فيقال حينئذٍ: إنّ الأَمَةَ ملكه. وأيضاً مسلّط على زوجته في خصوص المباضعة، فيقال: إنّ الزوجة متعلّق حقّه[6] انتهى.

والمستفاد من صريح عبارته أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة.

والمحقّق النائيني(قدس‏‌‌سره) ـ بعد أن ذكر معنى الأعمّ للحقّ الذي يشمل الملك والحكم والعين، وبالجملة كلّ ما وضعه الشارع ـ قال:

الحقّ بالمعنى الأخصّ عبارة عن إضافة ضعيفة حاصلة لذي الحقّ، وأقواها إضافةً مالكيّة العين، وأوسطها إضافةً مالكيّة المنفعة، وبتعبير آخر: الحقّ سلطنة ضعيفة على المال»[7] انتهى.

وكلامه(قدس‏‌‌سره) ليس خالياً عن التشويش والتنافي، كما أشار إليه السيّد الإمام(قدس‏‌‌سره)[8]، فإنّه قال في صدر كلامه:

إنّ الحقّ هي السلطنة الضعيفة، بينما أنّه عبّر في ذيل كلامه أنّه اعتبار خاصّ الذي أثره السلطنة. ولعلّ التشويش متوجّه إلى المقرّر. وكيف كان يستفاد من مجموع هذه العبارات: أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة.

ويرد على هذا البيان أوّلاً: الظاهر أنّ النسبة بين الحقّ والسلطنة عموم من وجه؛ فإنّه قد تحقّق السلطنة بدون الحقّ، كسلطنة الناس على نفوسهم، والعقلاء لا يعتبرون كون الإنسان ذو حقّ على نفسه، إلاّ أن يقال: إنّ هذه السلطنة ليست اعتباريّة، بل هي حقيقة خارجة عن محلّ الكلام، وقد يتحقّق الحقّ بدون السلطنة، كانتقال حقّ التحجير، ونسبة القذف إلى الصغير؛ فإنّه لا شبهة في عدم اعتبار السلطنة لهم لدى العقلاء، كما لا شبهة في اعتبار الحقّ لهم.

اللّهمَّ إلاّ أن يقال بالفرق بين السلطنة وإعمالها، فالعقلاء يعتبرون سلطنة للصغير، ولكن إعمالها بيد الوليّ، أو مشروطة بالبلوغ، ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»[9]، وواضح أنّ الوليّ شاملٌ للصغير أيضاً، وجعل الشارع سلطنة لوليّ الصغير أيضاً، ولكن إعمالها مشروطة بالبلوغ. وكذلك بالنسبة بين الحقّ والملك عموم من وجه، فالسبق إلى مكان يكون من مصاديق الحقّ، ولا يكون من مصاديق الملك، وكذلك حقّ التحجير.

وثانياً: أنّ التشكيك في الملكيّة بالقوّة والضعف أمر غير معقول، فهي بما أنّها أمر مسبّبي اعتباريّ، إمّا أن توجد، وإمّا أن لا توجد، فلا معنى لوجود الضعيف للملكيّة، كما لا معنى لوجود القويّ لها.

وبعبارة اُخرى: الملكيّة أمرٌ إضافيّ يتحقّق بوجود طرفي الإضافة، وتنعدم بانعدام أحد الطرفين، والقول بإمكان الشدّة والضعف في طرفي الإضافة، وبالمآل في نفس الإضافة لا ينبغي أن يُصغى إليه. نعم، يمكن التفاوت بالسعة والضيق، كما هو ظاهر عبارة الإيرواني، ولعلّه مراد النائيني أيضاً.

2. التعبير الثاني في الحقّ هو ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه‏‌‌الله) في حاشيته على المكاسب، أنّه قال:

إنّ الحقّ بنفسه ليس سلطنة، وإنّما كانت السلطنة من آثاره، كما أنّها من آثار الملك، وإنّما هو اعتبار خاصّ له آثار مخصوصة، منها: السلطنة على الفسخ، كما في حقّ الخيار، أو التملّك بالعوض، كما في حقّ الشفعة، أو بلا عوض، كما في حقّ التحجير[10].

ويردّ عليه أوّلاً: إنّ هذا التعريف مجمل جدّاً؛ فإنّ البحث والكلام في ماهيّة هذا الاعتبار الخاصّ.

وثانياً: الإشكال الأوّل في القول الأوّل وارد عليه أيضاً؛ فإنّ الحقّ موجود في بعض الموارد من دون وجود سلطنة حتّى بعنوان الأثر.

3. قد يقال: بأنّ الحقّ نفس الملك[11]، ولذا يُعبّر عن حقّ الخيار بملك الفسخ.

وفيه أوّلاً: إنّ الملك ملزوم للسلطنة المطلقة، مع أنّ الحقّ سلطنة خاصّة على تصرّف خاصّ[12].

وثانياً: التأييد عليل جدّاً؛ لأنّ القراءة الصحيحة هي الملك بضمّ الميم لا بكسره.

4. التعبير الرابع: ما ذكره السيّد الخوئي(قدس‏‌‌سره) من أنّه لا فرق بين الحقّ والحكم؛ فإنّه قال:

فالصحيح أن يقال: إنّ الحقّ لا ينافي الحكم، بل هو حكم شرعيّ اختياره بيد من له الحقّ.

إلى أن قال:

وممّا يشهد ما ذكرناه من أنّ الحقّ هو الحكم بعينه، لا ترى فرقاً بين الجواز الحكمي غير القابل للإسقاط في جواز قتل الكافر تكليفاً، وبين الجواز الحقّي في جواز قتل الجاني قصاصاً، وهكذا لا فرق في جواز رجوع الواهب وضعاً، وجواز رجوع من له الخيار في البيع، مع أنّ الأوّل حكميّ، والثاني حقّي.

والمستفاد من مجموع كلماته(قدس‏‌‌سره) في مصباح الفقاهة: أنّ الحقّ نفس الحكم ويرجع إليه، ولا فرق بينه وبين الحكم إلاّ في أنّ الحقّ قابل للإسقاط دون الحكم، والفرق بينه وبين الملك: أنّ الثاني يتعلّق بالأعيان والمنافع، بخلاف الحقّ؛ فإنّه لا يتعلّق إلاّ بالأفعال، كما أنّ الأحكام تتعلّق بالأفعال فقط، ولذا يقال: موضوع الفقه هو فعل المكلّف، فالحقّ الشرعي هو الحكم الشرعي، والحقّ العرفي هو الحكم العرفي[13].

كلامه(قدس‏‌‌سره) و إن كان أقرب إلى الصواب من التعابير السابقة، إلاّ أنّه يرد عليه أيضاً:

أوّلاً: أنّ كلامه بناءً على ما ذكره المقرّر لا يخلو من تشويش واضطراب؛ فإنّه في بعض العبارات يقول: إنّ الحقّ نفس الحكم، وفي بعض آخر يقول: إنّه منتزع من الحكم. وكم من فرق بين هذا التعبير، وبين التعبير الأوّل، وسيأتي أنّ التعبير الثاني هو المطابق للتحقيق دون الأوّل.

وثانياً: أنّه(قدس‏‌‌سره) ممّن انتقض على نفسه؛ بأنّ حقّ المارّة ليس قابلاً للإسقاط، فيبقى في هذا المورد سؤال، ما الفرق بين الحقّ والحكم، فهل حقّ المارّة حقّ، أو حكم؟

وثالثاً: أنّ ظاهر كلامه عدم إمكان افتراق الحقّ عن الحكم، والحكم عن الحقّ، مع أنّ الحكم يتحقّق في بعض الموارد من دون اعتبار حقّ، كوجوب الصلاة وغيرها، وإطلاق الحقّ على العبادة ـ كقوله(عليه‏‌‌السلام): «حقّ اللّه‏ على العباد أن يعبدوه»[14] ـ يكون بمعنى المفعول، كالملك بمعنى المملوك. وأمّا بمعنى الفاعل فليس إلاّ الإيجاب.

ورابعاً: أنّ وحدة التعبير في جواز رجوع الواهب، وجواز رجوع من له الخيار، لا يستلزم وحدة الماهيّة؛ فإنّ لسان التعبير في الحكم التكليفي والوضعي واحد غالباً، مع وجود الفرق الحقيقي الأساسي بينهما بعد الاشتراك في كونهما من الاُمور الاعتباريّة، على أنّ قوله: «لا فرق بينهما، إلاّ في أنّ الحقّ قابل للإسقاط» محلّ السؤال، وهو: أنّه من أين تجيء القابليّة في الحقّ دون الحكم؟ وهذا كاشف عن اختلاف أساسيّ بين الحقّ والحكم.

والتحقيق أن يقال: إنّ الحقّ وإن كان اعتباره ممكناً وقابلاً لأن يكون منشأ انتزاع الحكم أيضاً، إلاّ أنّه في كثير، بل جميع الحقوق الشرعيّة والعقلائيّة يكون أمراً انتزاعيّاً قد ينتزع من الأحكام الشرعيّة التكليفيّة أو الوضعيّة، وقد ينتزع من الأحكام العقلائيّة ويسمّى حقّاً عقلائيّاً، مثلاً من وجوب إطاعة الأب وحرمة مخالفته ينتزع حقّ الاُبوّة، ومن جواز التصرّف في الأرض ينتزع حقّ التحجير، ومن عدم جواز مزاحمة شخص لشخص آخر ينتزع حقّ السبقة.

فمن سبق إلى مكان لا يجوز للغير أن يزاحمه، والانتفاع من المكان حقّ للسابق، وينتزع أيضاً من كثير من المباحات حقّ الانتفاع بها، ومن وجوب تمكين الزوجة للزوج ينتزع حقّ الزوج، ومن وجوب نفقة الزوجة عليه ينتزع حقّ الزوجة، وهكذا. فالحقّ أمر انتزاعيّ، ويؤيّد هذا أنّه ما من فعل إلاّ وله حكم في الشرع أو العرف من حرمة أو إباحة بالمعنى الأعمّ، ومن هذه الأحكام ينتزع الحقّ في بعض مواردها، وهو اصطلاح عامّ في الشرع والعرف.

إن قلت: ما هو الموجب لهذا الاصطلاح الانتزاعي، وما هي الفائدة من الانتزاع، فهل بدونه نقص، أم لا؟

قلت: إنّهم لمّا رأوا أنّ في بعض موارد الحكم يوجد نفع يرجع إلى شخص أو أشخاص، عبّروا عن هذا بـ «الحقّ»، فالتعبير به، أو انتزاعه من الحكم لأجل الإشارة إلى وجود نفع خاصّ يرجع إلى من له الحقّ.

---------------------------
*وقد ألّفت في سنة 1408 ه.ق

[1] الصحاح 2: 1112 و 1113.

[2] أساس البلاغة: 135.

[3] العين: 201.

[4] مفردات ألفاظ القرآن: 246.

[5] حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي 1: 280.

[6] حاشية المكاسب للإيرواني 2: 22.

[7] منية الطالب 1: 106.

[8] كتاب البيع 1: 45.

[9] سورة الإسراء 17: 33.

[10] حاشية المكاسب: 4.

[11] حاشية المكاسب للسيّد اليزدي 1: 388.

[12] حاشية المكاسب للاصفهاني 1: 42.

[13] اُنظر مصباح الفقاهة 2: 50 ـ 54.

[14] المسند لأحمد 3: 180 ح8091، عوالي اللئالي 1: 445 ح167.


برچسب ها :