صنع واستخدام أسلحة الدمار الشامل من زاوية الفقه الإسلامي
۲۷ خرداد ۱۳۹۲
۱۷:۵۱
۳۵
چکیده :
نشست های علمی
صنع واستخدام أسلحة الدمار الشامل
من زاوية الفقه الإسلامي
من زاوية الفقه الإسلامي
محمد جواد الفاضل اللنکراني
زبدة البحث
نسعى في هذه الدراسة إلى إثبات حرمة صنع واستخدام أسلحة الدمار الشامل (الأعمّ من الذرية والنووية والجرثومية) من زاوية الفقه والاجتهاد. وقد تعرّضنا في البداية إلى القول بأنّ المراد من أسلحة الدمار الشامل هي الأسلحة ذات القدرة التخريبية والتدميريّة الهائلة، بحيث تتجاوز في استهدافها الجنود والمنشآت العسكرية، وتطال حتّى المدنيّين العزّل والمؤسّسات المدنية، ثمّ عرّجنا على الاستدلال على ذلك بالعقل وبعض آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة، وتوصّلنا إلى نتيجة مفادها: حتّى لو كان العدوّ يمتلك هذا النوع من الأسلحة ويستخدمها، إلاّ أنّ الإسلام لا يسمح باستخدام هذا السلاح في الحروب. وقد تمّ في هذه الدراسة إثبات هذه المسألة بشكل واضح، وهي أنّ الإسلام لا يسمح للمسلمين بالقيام بأيّ عمل يرتكبه الأعداء والكفّار في الحرب معهم، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ إذا كان الكفّار يقتلون الأسرى من المسلمين أو يمثّلون بأجسادهم، فإنّ الإسلام لا يجيز للمسلمين المواجهة بالمثل في مثل هذه الموارد.
الكلمات المفتاحية: أسلحة الدمار الشامل، المواجهة بالمثل، تعزيز القوّة التسليحية والردعية للمسلمين، استعمال السموم في الحرب، المدنيّون أثناء الحرب.
المقدّمة
إنّ الصلح والسلام من الاُمور التي تنشدها الفطرة الطاهرة والسليمة للبشر على الدوام، وإنّ الصلح والوئام بين أبناء البشر يمثل غاية مطمح لجميع الناس. وفي المقابل لا شكّ في أنّ الحرب وإراقة الدماء لا تنسجم مع الفطرة والجبلّة البديهيّة للإنسان، وإنّ كلّ إنسان إذا حكّم فطرته السليمة سوف ينبذ الحرب ويبرأ منها. وعلى الرغم من هذا الأصل الفطري والبديهي الذي لا يقبل الشكّ، إلاّ أنّ العقل والدين يرى في بعض الحالات الخاصّة صوابية ووجوب الدفاع والجهاد. إنّ الدفاع عن الدين، والوطن، والاُسرة، أمر فطري هو الآخر، وإنّ دعوة البشر إلى الهداية وإزالة الكفر والشرك والضلالة، ولا سيّما بالنسبة إلى المستضعفين من الناس من الأهداف الغائيّة للجهاد في الإسلام. قال اللّه تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حتّى لاَ تَكُونَ فِتْنَة وَيَكُونَ الدِّينُ للّهِِ»[1].
كما أنّ الجهاد والقتال من أجل القضاء على الفتنة والشرك ونشر التوحيد في العالم، وإنقاذ المستضعفين الذين لا يستطيعون تشخيص الحقّ بسهولة، وكذلك انتشال النساء والأطفال من مخالب الكفر والشرك، وإدخالهم في زمرة الموحّدين والمؤمنين، من الأهداف الاُخرى التي ينشدها الإسلام من وراء الجهاد في سبيل اللّه:«وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ»[2].
إنّ الجهاد في الإسلام لا يهدف إلى فتح البلدان والسيطرة عليها، بل إنّما شرّع الإسلام الجهاد من أجل نشر عقيدة التوحيد، وفتح أبواب الهداية أمام البشر، ودعوة الناس إلى المسير نحو الكمال المطلق. وعلى هذا الأساس ينبغي عدم توهّم التهافت وعدم التناغم بين هذين الأمرين؛ حيث الإسلام من ناحيّة هو دين الفطرة، والفطرة تسعى إلى الصلح وتحقيق السلام وتجنّب الحروب؛ ومن ناحيّة اُخرى يوجب الدفاع والجهاد، وإنّ وقوع الحروب المتعدّدة في صدر الإسلام يتنافي مع فطريّة الصلح والسلام! ليس هناك تهافت بين رحمة اللّه التي أوجبها على نفسه، بقوله: «كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»[3]، أو وصف خاتم الأنبياء الذي هو رحمة للعالمين(صلى الله عليه و آله) بقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»[4] من ناحيّة؛ وبين المعارك التي خاضها النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) في بداية الإسلام من ناحيّة اُخرى. وذلك لأنّ الحرب والقتال في سبيل اللّه من المصاديق الحقيقيّة للرحمة وبسط الفيض العامّ للحقّ تعالى على جميع البشر.
إنّ الحرب الإلهيّة تعني تحطيم الأصنام، ومحو الشرك، وتطهير الأرض من جميع الأرجاس والأدران. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستنتج من هذا الأصل الهامّ والقائل بأنّ الإسلام دين صلح ورحمة أنّ الحرب حرام، أو أنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل أمر محظور ومحرّم؛ وذلك لأنّ الصلح والحرب مقولتان مختلفتان، ولكلّ واحد منهما شروطه الخاصّة.
موضوع البحث
نسعى في هذه الدراسة ـ الخاصّة بموارد جواز الحرب أو الدفاع في بعض الموارد ـ إلى الإجابة عن السؤال القائل: هل يمكن لنا أن نستخدم جميع أنواع الأسلحة، أم هناك حدود وقيود في هذا الشأن. وبعبارة اُخرى: هل يجوز لنا استخدام أسلحة الدمار الشامل الموجودة حالياً لدى بعض الدُوَل الكبرى، أم لا يجوز ذلك؟ وما هو المراد من أسلحة الدمار الشامل؟
وقبل كلّ شيء يجب علينا بيان المراد من هذا العنوان باختصار؛ فنقول: هناك أربعة أقوال وملاكات في هذا الشأن:
أ ـ المراد من أسلحة الدمار الشامل هي الأسلحة غير التقليديّة.
ب ـ الأسلحة التي تقتل المدنيّين، مثل النساء والأطفال وكبار السنّ.
ج ـ الأسلحة التي تنطوي على مخاطر كارثية كبيرة على المستقبل والأجيال القادمة والبيئة.
د ـ الأسلحة التي تحتوي على قابليّة تدميريّة هائلة.
وربما كان المراد اجتماع بعض هذه الملاكات أيضاً؛ بمعنى أن نقول في تعريف هذا النوع من الأسلحة، هي تلك التي تشتمل أوّلاً على قابلية هائلة على التدمير، وثانياً: أن تعمل على تدمير المنشآت والمؤسّسات، دون تمييز بين الأهداف العسكريّة والمدنيّة؛ بمعنى أنّها تقضي على العسكريّين والمدنيّين دون استثناء.
ورد في معاهدة باريس لعام 1954م، من أجل انضمام ألمانيا إلى الحلف الشمالي الأطلسي (الناتو)، في الملحق الثاني من البروتوكول الثالث من المعاهدات الخاصّة بالسيطرة على الأسلحة الفتاكة، ما يلي:
إنّ الأسلحة ذات القدرة التدميريّة الواسعة، أو التي تنشر السموم على مساحة واسعة، تُعدّ من جملة هذا النوع من الأسلحة.
بناءً على هذا التعريف، هناك عنوانان يدخلان في أسلحة الدمار الشامل، وهما: القوّة التدميريّة الهائلة، وعدم التمييز والفصل بين الأهداف العسكريّة والمدنية. ومن هنا لا بدّ من الإقرار بأنّ هذا العنوان يشمل الأسلحة الكيميائية، والجرثومية، والنووية، والإشعاعية.
ومن ناحية اُخرى، جاء في بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، في تعريف أسلحة الدمار الشامل:
هي الأسلحة ذات القدرة التدميريّة الهائلة، والتي لا تميّز بين المدنيّين والعسكريين بسبب ماهيّتها وطبيعة الاستفادة منها.
وعلى هذا الأساس، فإنّ موضوع هذه الدراسة هو الأسلحة التي تنطوي على آثار تدميريّة لا تقتصر على ساحة الحرب وفترة القتال، والتي تستهدف المدنيّين بالإضافة إلى العسكريين أيضاً. ومن هذه الناحية يمكن لنا أن نشير إلى هذا النوع من الأسلحة بعنوان الأسلحة غير التقليديّة أيضاً. ولكن بالنسبة إلى الآثار التدميريّة على الأجيال القادمة، لا نستطيع اعتبار خصوصية بعينها. وبعبارة اُخرى: ربما كان بعض أو جميع أسلحة الدمار الشامل تحتوي على مثل هذه الخصوصيّة. بيد أنّ الذي يدخل في هذا البحث ليس هو هذه الناحية.
تحرير محلّ النزاع
بعد اتّضاح المراد من أسلحة الدمار الشامل على نحو الإجمال، يتعيّن علينا الانتقال ـ في بيان وتحرير محلّ النزاع ـ إلى توضيح ثلاث جهات:
الجهة الاُولى: إنّ البحث لا يقتصر على استخدام هذا النوع من الأسلحة فقط، وإنّما يشمل المراحل الاُخرى أيضاً، من قبيل: صنع وانتاج وتخزين هذه الأسلحة أيضاً.
الجهة الثانية: كما يجب في هذا البحث دراسة ما إذا كان يجوز إنتاج وصنع هذا النوع من الأسلحة على المستوى الفقهي والديني أم لا يجوز ذلك، بغضّ النظر عمّا إذا كان العدوّ يمتلك هذا النوع من الأسلحة؟ وكذلك في المرحلة الثانية يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار فرضيّة امتلاك العدوّ لهذا النوع من الأسلحة، وأنّه بالإضافة إلى التهديد قد يستخدمها في مواجهة المسلمين أيضاً، فهل يجوز امتلاك هذا النوع من الأسلحة في مثل هذه الحالة أم لا؟
ومن الواضح أنّنا إذا قبلنا بجواز ومشروعيّة امتلاك هذا النوع من الأسلحة في المرحلة الاُولى، لا يبقى هناك مجال إلى البحث عن المشروعيّة والجواز في المرحلة الثانية [لثبوت جواز ذلك بالأولويّة[5]]. وعليه، فإنّ البحث عن الجواز والمشروعيّة في المرحلة الثانية إنّما يكون بعد إثبات عدم الجواز والمشروعيّة في المرحلة الاُولى.
الجهة الثالثة: الجهة الاُخرى التي يجب تناولها في هذا الشأن هي دراسة ومناقشة هذا البحث من زاوية الضوابط الفقهيّة لهذا الموضوع، ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الدولة الإسلاميّة إذا كانت داخلة ضمن عقود ومعاهدات تلزم فيها نفسها بعدم إنتاج واستخدام هذا النوع من الأسلحة، عندها لن يكون هناك شكّ في وجوب العمل والالتزام بهذه المعاهدات.
وبعد اتّضاح هذه النقاط التمهيدية، يجب البحث في الأدلّة:
الدليل العقلي
هل يُعدّ إنتاج أسلحة الدمار الشامل قبيحاً من الناحيّة العقليّة أم لا؟
يمكن الإقرار بقبح العمل على إنتاج هذا النوع من الأسلحة من الناحيّة العقليّة قطعاً؛ وذلك لما تنطوي عليه آثار هذه الأسلحة من الظلم بحقّ البشر، وكذلك تدمير البيئة؛ وعليه، فإنّ العقل يرى قبح هذا الأمر بملاك الظلم، وكذلك بملاك الفساد (وإن لم ينطبق عليه عنوان الظلم؛ لأنّ العقل كذلك يدرك القبح بملاك الفساد أيضاً)، ومع القول بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، يجب القول بحرمة هذا الأمر عند الشارع أيضاً.
وفي هذا الاستدلال يجب أن نأخذ ثلاث نقاط بنظر الاعتبار:
النقطة الاُولى: قد يقال في هذا الشأن: إنّ العقل إنّما يحكم بالقبح فيما لو تمّ استخدام هذه الأسلحة بالفعل؛ لأنّ عنوان الظلم والفساد إنّما يتحقّق في هذه الحالة فقط، وبالتالي فإنّ هذا الاستدلال لن يكون كافياً للقول بتحريم أصل إنتاج وصنع هذه الأسلحة. وبعبارة اُخرى: إنّ صنع وإنتاج هذه الأسلحة ـ هو مثل العلم بطريقة صنعها ـ خارج عن عنوان الظلم والفساد. وعليه، يمكن تناول هذه الناحيّة بالبحث وبيان ما هو رأي العقل في صنع هذه الأسلحة التي لا يبادر صانعها إلى استعمالها. ولكن هناك احتمال أن يتمّ استعمالها في المستقبل من قبل الآخرين، وعليه هل يكون إنتاجها قبيح وظلم أم لا؟
يبدو بحسب الظاهر أنّه لا يمكن اعتبار هذا الأمر ظلماً بشكل مطلق، ولا يمكن اعتباره ظلماً إلاّ إذا أيقن الصانع باستخدامها في المستقبل، وعندها يرى العقل في ذلك مساهمة في الظلم والقبيح.
النقطة الثانية: لو أنّ العقل أدرك قبح أصل إنتاج أسلحة الدمار الشامل؛ فهل يرى قبح ذلك بشكل مطلق، أو أنّه لا يرى في ذلك قبحاً إذا كان يراد منه الحصول على القوّة والردع للدفاع عن النفس؟ يبدو أنّ العقل لا يرى قبحاً في ذلك، وإنّما العقل يرى قبح وظلم الاستخدام فقط؟
النقطة الثالثة: فيما لو قام العدوّ باستخدام هذا النوع من الأسلحة، هل يبيح العقل لنا استخدام هذه الأسلحة في الردّ عليه بالمثل؟ يبدو أنّ العقل حتّى في مثل هذه الحالة يرى قبح اللُجوء إلى استخدام هذا النوع من الأسلحة، كما أنّ العدوّ إذا قام بالتمثيل في أجساد المسلمين، لا يمكن القول بأنّ العقل يجيز لنا التمثيل بالكفّار في المقابل. أو إذا كان العدوّ يقتل الجنود بالمنشار الكهربائي، لا يمكن القول بأنّ العقل يجيز اللُجوء إلى هذه الطريقة.
القرآن الكريم
لا بدّ من مناقشة آيات القرآن الكريم في هذه المسألة، حيث يمكن تقسيم الآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن إلى طائفتين:
الطائفة الاُولى: الآيات الدالّة على وجوب أن يعمل المسلمون على تعزيز ورفع جهوزيتهم الدفاعيّة والعسكريّة، وهي كالآتي:
أ ـ «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ»[6].
في هذه الآية الكريمة:
أوّلاً: لقد أمر اللّه سبحانه وتعالى جميع المسلمين أمراً وجوبياً لكي يأخذوا الاستعداد اللازم؛ حيث يُستفاد من لفظ «أعدّوا» وجوب الاستعداد لمواجهة الأعداء وصدّ عدوانهم. والجدير بالذكر هنا هو أنّ وجوب الاستعداد يشمل البعد الإنساني والبشري من العساكر والجنود، كما يشمل المعدّات الحربيّة والقتاليّة أيضاً.
وثانياً: إنّ فقرة «مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة» تدلّ بوضوح على العموم؛ إنّ اللّه سبحانه وتعالى يقول: يجب عليكم تقوية أنفسكم بمقدار ما تستطيعون.
وثالثاً: إنّ التعبير بـ «مِنْ قُوَّة» مطلق، ويشمل جميع أنواع الأسلحة، وإن تمّ تفسيره في بعض الروايات بالسيف أو الدرع، ولكن من الواضح أنّ هذا التفسير إنّما يأتي على سبيل بيان المصداق دون الحصر.
ورابعاً: لقد تمّ بيان الهدف في هذه الآية من وجوب تعزيز الجانب الدفاعي والقتالي، بأنّه هو ترهيب أعداء اللّه والمسلمين، والذين يضمرون العداوة للمؤمنين. ويُستفاد من هذا الموضع من الآية أنّ أصل الترهيب هو من الاُصول التي يجب على المسلمين ـ ولا سيّما الحاكم الإسلامي ـ أن يأخذوها بنظر الاعتبار.
والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أنّه لا يمكن أن نستفيد من هذه الآية وجوب تقوية الجانب العسكري لمجرّد الترهيب، وإنّما يجب النظر إلى الترهيب بوصفه واحداً من الفوائد والغايات التي تترتّب على وجوب تعزيز القدرات القتاليّة والدفاعيّة، وبالتالي فإنّه حتّى في موارد عدم عروض الخوف على العدوّ. مع ذلك يُستفاد من الآية الشريفة وجوب شرعي له ظهور في المولويّة؛ حيث يجب على المسلمين أن يعملوا على تجهيز أنفسهم بأقوى أنواع الأسلحة.
والنتيجة هي أنّه يُستفاد من هذه الآية الكريمة وإطلاقها أنّ إنتاج الأسلحة الذَّريّة من أجل تعزيز القوّة الدفاعيّة والقتاليّة للمسلمين أمر جائز بل واجب. ويتأكّد هذا الوجوب عندما يؤدّي ذلك إلى ترهيب الأعداء والذين يخطّطون لمواجهة المسلمين. وسوف نشير لاحقاً إلى أنّ هذا الأمر إذا كان يؤدّي إلى الفساد في الأرض والعدوان، فإنّه لن يكون جائزاً بالاستناد إلى الآيات الدالّة على النهي عن الفساد وحرمة الاعتداء.
ب ـ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً»[7].
لقد خاطب اللّه تعالى في هذه الآية جميع المؤمنين بأخذ جانب الحيطة والحذر، وأن ينفروا على شكل جماعات جماعات. وهناك ثلاثة احتمالات في كلمة «الحذر» الواردة في هذه الآية:
الاحتمال الأوّل: الحذر بمعنى الاجتناب من العدوّ؛ أي أنّ اللّه سبحانه وتعالى يقول: «اجتنبوا العدوّ». ومن الواضح أنّ الطريقة الوحيدة لتجنّب خطر العدوّ يكمن في العمل على التسلّح.
الاحتمال الثاني: الحذر بمعنى السلاح، أي يجب على المؤمنين أن يأخذوا أسلحتهم. وقد ورد في المأثور عن الإمام الباقر(عليهالسلام)، تفسير الحذر بالسلاح[8].
الاحتمال الثالث: الحذر بمعنى الاستعداد، دون النظر إلى الأسلحة.
طبقاً للاحتمال الأوّل نستفيد السلاح من المفهوم والفحوى، وطبقاً للاحتمال الثالث لا تعود الآية الكريمة تدلّ على السلاح، بل أقصى ما تدلّ عليه هو ضرورة الاستعداد من أجل الخروج إلى الجهاد. وأمّا طبقاً للمعنى والاحتمال الثاني، فإنّ الآية تدلّ على السلاح بالمعنى التطابقي.
بناءً على الاحتمال الأوّل والثاني يمكن القول بأنّ إطلاق الآية الكريمة يدلّ على امتلاك جميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الذريّة والكيميائيّة.
والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أنّ هذه الآية الكريمة في مقام بيان هذه المسألة؛ وهي أنّه يجب على المسلمين أن يتجهّزوا لمواجهة الكفّار، وهذا يعني أنّ المسلمين يجب أن يمتلكوا الأسلحة الضروريّة والمتناسبة مع هذه المواجهة. والنتيجة هي أنّ العدو إذا كان يمتلك أسلحة ذرية وكيميائية، يجب على المسلمين في المقابل أن يمتلكوا هذا النوع من الأسلحة أيضاً.
وفي هذا الموضع لا بدّ من طرح سؤال، وبيان الإجابة عنه:
سؤال: ألاّ ينبغي من إطلاق كلمة «الحذر» أن نحمل السلاح على السلاح المتعارف، وبالتالي فإنّ هذا الإطلاق لا يعود شاملاً للسلاح غير التقليدي، من قبيل: الأسلحة الذريّة، والكيميائيّة، والجرثوميّة؟
الجواب: إنّ حمل المطلق على المتعارف على خلاف صناعة الاجتهاد. والشاهد على ذلك: أنّ الفقهاء في استنباطهم لمختلف المسائل الفقهيّة إنّما يحملون المطلق على ذات المعنى العامّ والشامل له، ولا يقتصرون في الحمل على مجرّد المصاديق المتعارفة فقط. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ المتعارف ليس من مسوّغات الإنصراف. وقد شرحنا هذا الأمر بالتفصيل في الرسالة التي كتبناها حول كفاية التلسكوب في إثبات رؤية الهلال[9].
وبطبيعة الحال، مع غضّ النظر عن المتعارف، يمكن الإدّعاء في قبال هذا الإطلاق أنّ هناك قرينة على التقييد، وهذه القرينة هي أنّه يُستفاد من مجموع سيرة النبي الأكرم(صلى الله عليه و آله) وسيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليهالسلام)، أنّ الإسلام إنّما يجيز استعمال السلاح الذي تتوقّف عليه طبيعة الحرب نوعاً وعادة. وبعبارة اُخرى: إنّ الإسلام قد نهى في الحرب عن التعرّض لكبار السنّ والنساء والأطفال والمجانين والأشجار والمنازل. وعليه: فإنّ هذا الأمر يشكّل قرينة واضحة على أنّ السلاح في الحرب يجب أن لا يكون بحيث يشمل في تدميره الأشخاص الذين هم خارج دائرة الحرب والقتال. وبالتالي فإنّ السلاح الذري والكيميائي الذي يستهدف بطبيعته المدنيّين أيضاً، لا يكون مشمولاً لهذه الآيات.
ج ـ «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كلّ مَرْصَد»[10].
إنّ هذه الآية الكريمة تدلّ دلالة واضحة وصريحة على أنّ المسلمين يجب أن يكونوا على الدوام للكفّار بالمرصاد. إنّ التعبير بـ «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كلّ مَرْصَد»أقوى وأشدّ بكثير من التعبير بـ «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ». ومن هنا يمكن القول: إنّ الإطلاق في هذا التعبير يشمل جميع أنواع الأسلحة.
الطائفة الثانية: الآيات الدالّة على حرمة الفساد. بمعنى أنّ الفساد أمر يبغضه اللّه سبحانه وتعالى. وفي هذه الطائفة يمكن الاستناد إلى هذه الآية:
«وَاِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ»[11].
إنّ هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ هناك من الناس من إذا تمكّنوا في الأرض لن يكون لهم من همّ سوى الإفساد فيها، وإهلاك الحرث والنسل، ثمّ ذكر اللّه بعد ذلك قاعدة عامّة، وهي: «إنّ اللّه لا يحبّ الفساد». يستفاد من هذه الآية الكريمة أنّ كلّ عمل يؤدّي إلى الفساد يكون مبغوضاً للّه سبحانه وتعالى، ومن الواضح أنّ الأسلحة الذريّة والكيميائيّة تؤدّي إلى الفساد، إذ أنّها بالإضافة إلى الأهداف العسكريّة تطال في إبادتها وقدرتها التدميريّة حتّى المدنيّين أيضاً، كما أنّها تؤثّر على الأجيال القادمة أيضاً، وتؤدّي إلى إهلاك وإبادة الحرث والبيئة.
قال اللّه سبحانه وتعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إنّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ»[12]. يُفهم من هذه الآية أنّ الفساد في الأرض محرّم ومنهيٌّ عنه إلى الأبد. وعلى هذا الأساس، لو ورد في بعض آيات القرآن أنّ اللّه سبحانه وتعالى لا يحبّ الفساد، فهذا لا يعني أنّ الفساد أمر مكروه؛ إذ أوّلاً: إنّ عدم الحبّ في المصطلح القرآني يعني البغض. وثانياً: ورد النهي في بعض الآيات عن الفساد. في قصّة خلق آدم، قالت الملائكة معترضة: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»[13]. ويتّضح من ذلك أنّ المنع من الفساد كان أمراً مسلّماً حتّى عند الملائكة أيضاً.
قال اللّه تبارك وتعالى: «وَيُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»[14]. وعليه يُستفاد من القرآن الكريم أنّ الفساد أمر محرّم ومبغوض.
والبحث الفقهي الهامّ هو أنّه ما هي النسبة بين هذه الطائفة الثانية والطائفة الاُولى من الآيات؟ هل هذه الطائفة من الآيات مقيّدة للطائفة الاُولى من الآيات؟ وبالتالي فإنّه بعد التقييد يكون المعنى هو أنّه يجب على المسلمين أن يتسلّحوا بسلاح لا يؤدّي إلى الفساد. أو أنّ مسألة الجهاد والدفاع الذي يستلزم القتل والجرح والتدمير، وإن كانت تنطوي على فساد بحسب الظاهر، بيد أنّها عندما تكتسب عنوان الجهاد في سبيل اللّه، تخرج من عنوان الفساد. وعليه، إذا لم تكن الغاية من السلاح الذري هي الدفاع وإحياء الدين، سيكون من مصاديق الفساد؛ وأمّا إذا كان لهذه الغاية وبهذا العنوان، فلن يكون من مصاديق الفساد.
ويبدو أنّ الصناعة العلميّة والفقهيّة تقتضي المعنى الثاني، وذلك للأسباب الآتية:
أوّلاً: يجب في التقييد أن يكون المقيّد عرفاً مبيّناً لدليل آخر، ولا وجود لهذه الجهة في هذه الآيات.
وثانياً: إنّ اللّه سبحانه وتعالى في هذه الآية في مقام ذمّ أولئك الذين إذا تولّوا في الأرض يسعون فيها إلى الفساد وإهلاك الحرث والنسل. وعليه، إذا كانت هناك جماعة تنشد من وراء الوصول إلى الحكم والسلطة ممارسة الفساد، كان ذلك محرّماً ومذموماً، وأمّا إذا كان إعداد الأسلحة لا من أجل الفساد، بل لترهيب العدوّ، أو من أجل غلبة المسلمين وانتصارهم على الكفّار، لا يعود ذلك من مصاديق الفساد.
والنتيجة أنّ هذه الطائفة الثانية لا يمكن أن تكون مقيّدة للطائفة الاُولى، وأنّه يجب في التقييد ملاحظة ذات القرينة التي ذكرناها في الطائفة الاُولى. وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إنّه لا يوجد من وجهة نظر القرآن الكريم دليل على الاستفادة من السلاح الذري أو الكيميائي. وفيما لو اعتبرنا آيات الطائفة الثانية بوصفها مقيّدة للطائفة الاُولى، فإنّه غاية ما يمكن أن نستفيده هو عدم جواز استخدام الأسلحة الكيميائيّة والذريّة؛ لأنّ استخدامها يؤدّي إلى الفساد، ولكنّها لا تدلّ على المنع من إعداد وصنع الأسلحة الذريّة والكيميائيّة.
إجابات عن بعض الأسئلة
لابدّ في هذا الموضع من الإجابة عن سؤالين:
السؤال الأوّل: لو كان العدوّ يمتلك سلاحاً نووياً يهدّد به المسلمين؛ فهل يجوز لنا التمسّك بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»[15]، ونستنبط من ذلك جواز امتلاك هذا النوع من الأسلحة بالنسبة إلى المسلمين، عملاً بمبدأ المقابلة بالمثل؟ ولو عمد الكفّار إلى استعمال هذا السلاح؛ فهل يمكن القول بجواز استخدام المسلمين لهذا السلاح بمقتضى الآية أعلاه؟
الجواب: يبدو أنّ هذه الآية الكريمة واردة في مورد ما لو كان هناك ظلم وعدوان محقّق. وعليه، فإنّ مجرّد امتلاك الأسلحة الذريّة لا يُعدّ من مصاديق العدوان. وعليه، يكون الافتراض الأوّل خارجاً عن مدلول الآية الكريمة. وأمّا الافتراض الثاني القائم على استخدام العدوّ لهذا السلاح، فيجب القول: إنّ الآية الكريمة في مقام الدلالة على مشروعيّة أصل المقابلة بالمثل، ولكن لا يمكن أن نستفيد منها إطلاقاً. فلا يُستفاد من هذه الآية أنّ العدوّ إذا قام بأسر نساء المسلمين وقتلهنّ؛ إذن يجوز للمسلمين أن يقوموا بمثل هذا الفعل بحقّ نسائهم. كما لا يُستفاد من هذه الآية الكريمة أنّ العدوّ إذا مثّل بجنود المسلمين، جاز للمسلمين التمثيل بجنوده. ولا يمكن أن نستفيد من هذه الآية أنّ الكفّار إذا سمّموا مياه المسلمين، جاز للمسلمين القيام بمثل هذا الفعل عملاً بمبدأ المقابلة بالمثل. وعليه، لا إطلاق في هذه الآية الكريمة، وإنّما هي في مقام بيان أصل مشروعيّة المقابلة بالمثل في الجملة.
وثانياً: لا يبعد القول بأنّ الآية الكريمة ظاهرة في أنّ اعتداء المسلمين يجب أن لا يزيد على اعتداء العدوّ، بمعنى أنّ الآية الكريمة في مقام نفي العدوان الزائد لا أكثر.
السؤال الثاني: هل يمكن أن نستفيد من قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[16]. المشتمل على نهي عن الاعتداء على الكفّار في الحرب، ويقول بشكل عامّ: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، أنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل من مصاديق الاعتداء، وبالتالي نستنتج من ذلك حرمة استخدام هذه الأسلحة؟
الجواب: لقد ذهب المفسّرون في بيان قوله تعالى «وَلاَ تَعْتَدُوا» إلى تقديم احتمالين، وهما:
أ ـ إنّ المراد هنا هو النهي عن الاعتداء على غير المقاتلين؛ بمعنى أنّها واردة في مقام النهي عن ظلم غير المقاتلين وغير المحاربين، وإنّما تقتصر على جواز قتال الكفّار والمشركين الذين يقاتلونكم. فقد نقل ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله «وَلاَ تَعْتَدُوا»: يقول لا تقتلوا النساء والصبيان، والشيخ الكبير، ولا من ألقى إليكم السَلَم و كفّ يده، فإن فعلتم فقد اعتديتم[17].
وطبقاً لهذا الاحتمال، يجب عدم الاعتداء حتّى على الرجال من الكفّار، إذا لم يكونوا محاربين.
ب ـ إنّ المراد هو النهي عن الاعتداء في ثلاثة موارد، وهي:
1. يجب على المسلمين في الجهاد أن يقوموا أوّلاً بدعوة الكفّار إلى الإسلام، فإذا هجموا عليهم قبل دعوتهم إلى الإسلام، كان ذلك من مصاديق العدوان.
2. لا تقاتلوا الذين أبرموا معكم العهود والمواثيق على عدم القتال.
3. لا تقتلوا الصغار والنساء وكبار السنّ.
يبدو أنّه لا يصحّ كلا هذين الاحتمالين لوحده، بل إنّ النهي عن الاعتداء نهي مطلق، حيث إنّ النهي وارد عن جميع أنواع العدوان، بمعنى أنّه نهى عن كلّ ما يصدق عليه عنوان الاعتداء. ومن هنا فإنّ هذا النهي يشمل هدم المنازل، واجتثاث اُصول الأشجار وتسميمها، ومنع الماء على الكفّار والمشركين أيضاً. يمكن القول إنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل من مصاديق العدوان، وعليه تقع مورداً للنهي والتحريم.
والنتيجة التي يمكن الوصول إليها، هي أنّ الآية الكريمة «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة»[18] ونظائرها[19]، مقيّدة بهذه الآية الكريمة؛ بمعنى أنّ على المسلمين أن يتجهّزوا ويعلموا على تقوية أنفسهم وتطوير قدراتهم، إلى الحدّ الذي لا يصدق عليه عنوان العدوان.
تقدّم أن أوضحنا أنّ آيات حرمة الفساد يمكنها أن تقيّد آية «وَأَعِدُّوا لَهُمْ»، وأمّا آية النهي عن الاعتداء الواردة في مورد الحرب والجهاد، فمن الواضح أنّها تستطيع تقييد هذه الآية.
اتّضح حتّى الآن أنّه لا يوجد من وجهة نظر العقل والقرآن الكريم دليل على جواز الاستفادة من أسلحة الدمار الشامل، بل إنّ مقتضى آيات القرآن هو النهي عن العدوان، ويُمكن أن نستفيد منها حرمة استخدام هذا النوع من الأسلحة.
الروايات
يجدر بنا في هذه الدراسة مناقشة ثلاث طوائف من الروايات، وهي كالآتي:
الطائفة الاُولى: الروايات الدالة على عدم جواز التعرّض إلى غير المقاتلين، من الأطفال، والنساء، وكبار السنّ، والحيوانات، والمجانين. وهذا الأمر يُعدّ من مميّزات الإسلام وخصائصه؛ وذلك لأنّ الوارد في تفكير ومنهج اليهود على خلاف ذلك؛ فإنّهم يرون أنّ الجنود إذا دخلوا مدينة وجب عليهم قتل جميع من فيها، والقضاء على كلّ ما يجدونه أمامهم بما في ذلك الحيوانات والبهائم. وأمّا في الإسلام فلا يحق للجنود والعساكر أن يقتلوا غير المقاتلين.
في المأثور عن الإمام الصادق(عليهالسلام)، أنّه قال:
إنّ النبي(صلى الله عليه و آله) كان إذا بعث أميراً له علي سرّية، أمره بتقوى اللّه ـ عزّ وجل ـ في خاصّة نفسه ثمّ في أصحابه عامّة، ثمّ يقول: اغز بسم اللّه وفي سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه لا تغدروا، ولا تغلّوا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً، ولا متبتّلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً...[20].
وعليه: فإذا كان السلاح ـ من قبيل الأسلحة الذريّة ـ يتعدّى في قوّته التدميريّة حدود المقاتلين، ويشمل حتّى غيرهم، فإنّ استخدامه بحسب هذه الرواية التي ينقلها الإمام الصادق(عليهالسلام) عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله)، لا يكون جائزاً.
وفي بعض الروايات الاُخرى أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) قد نهى عن قتل النساء والأطفال حتّى في دار الحرب. فقد روى الإمام الصادق(عليهالسلام) عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) أنّ الدليل على إعفاء النساء والأطفال من دفع الجزية، هو عدم جواز قتلهم حتّى في دار الحرب[21].
وقال الشهيد الأوّل (قدسسره) في كتاب الجهاد من (اللمعة الدمشقية) :
لا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء، وان عاونوا إلاّ مع الضرورة[22].
والمراد من الضرورة في كلامه هو التترّس بهم واتّخاذهم دروعاً بشرية.
وفي رواية الشيخ الكليني(رحمهالله) في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار ـ قال: أظنّه عن أبي حمزة الثمالي ـ عن أبي عبد اللّه(عليهالسلام) قال:
كان رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثمّ يقول: سيروا بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه، لا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها[23].
وكما هو واضح، فإنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) في ختام هذه الرواية قد استثنى موارد الاضطرار. والمراد من الاضطرار هو التترّس، وسوف نأتي على بيان ذلك لاحقاً إن شاء اللّه.
الطائفة الثانية: الروايات الناهية عن حرق الكفّار بالنّار.
عن عبدالرحمن عبد اللّه بن مسعود، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) :
لا تعذّبوا بالنّار، لا يعذّب بالنّار إلاّ ربّها[24].
يُستفاد من هذه الرواية أنّ المسلمين في مقام الانتصار على الكفّار، لا يجوز لهم قتلهم بأيّ وسيلة. وبعبارة اُخرى: لا يجوز للمسلمين حرق الكفّار بالنّار. ومن الواضح أنّ أسلحة الدمار الشامل، أشدّ من الحرق.
يمكن لنا أن نستفيد من هذه الرواية ضابطة عامّة؛ وهي أنّه لا يجوز في الحرب استعمال غير الأسلحة التقليديّة، ولا يخفى أنّ أسلحة الدمار الشامل لا ينطبق عليها عنوان الأسلحة التقليديّة والمتعارفة.
الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على حرمة وحظر نشر السموم في بلاد المشركين.
عن السكوني، عن أبي عبد اللّه(عليهالسلام) قال:
قال أمير المؤمنين(عليهالسلام) : نهى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) أن يلقى السمّ في بلاد المشركين[25].
يستفاد من هذه الرواية حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل بالأولويّة.
وقال صاحب الجواهر(رحمهالله) بعد نقله كلام المحقّق في الشرائع حيث قال: «ويحرم إلقاء السمّ»[26]:
كما ذهب في النهاية[27]، و الغنية[28]، و السرائر[29]، والنافع[30]، والتبصرة[31]، والإرشاد[32]، والدروس[33]، وجامع المقاصد[34]، مع التقييد في كثير منها بما إذا لم يضطرّ إليه أو يتوقّف الفتح عليه.
ثمّ نقل عن القواعد[35] والتحرير[36] والتذكرة[37] واللمعة[38] والروضة[39] والمحكّي عن المبسوط[40] والاسكافي[41]، كراهة إلقاء السمّ، وحملوا النهي الوارد في رواية السكوني على الكراهة؛ لقصوره سنداً عن إفادة الحرمة.
ثمّ قال في الردّ على ذلك:
وفيه: أنّ السكوني مقبول الرواية، بل حكي الإجماع[42] على العمل بأخباره.
وقال بعد رفع الإشكال السندي:
إنّ الرواية دالّة على حرمة إلقاء السمّ في بلاد المشركين؛ لاستلزامه غالباً قتل الأطفال والنساء والشيوخ ومن فيها من المسلمين ونحوهم ممّن يحرم قتله، أمّا إذا فرض اختصاص قتله بالكفّار الذين يجوز قتلهم بأنواع القتل فلا.
ثمّ ذهب إلى أبعد من ذلك؛ فقال:
بل، قد يتوقّف في الجواز في الأوّل، وإن توقّف الفتح عليه؛ لإطلاق الخبر المزبور.
ثم يترقّى أكثر ويقول:
بل إن كان هو المراد من الضرورة ـ في عبارة من قيّد ـ أمكن منعه لذلك أيضاً[43].
يجب القول في بيان كلام صاحب الجواهر رحمهالله: على الرغم من إطلاق ظاهر الحديث، ويجب تقييده ـ طبقاً للقواعد الاُصولية ـ بالدليل المقيّد. بمعنى أنّه ينبغي أن نتمكن من تقييد هذا الإطلاق بأدلّة الاضطرار، إلاّ أنّ صاحب الجواهر(رحمهالله) يرى أنّ خصوص هذا الإطلاق غير قابل للتقييد؛ لأنّ رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) إنّما نهى عن ذلك مع أخذ هذه الجهات بنظر الاعتبار. وبعبارة اُخرى: إنّ مسألة حرمة إلقاء السمّ كانت غالباً في موارد الضرورة والاضطرار، وإنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) إنّما نهى عن ذلك بالالتفات إلى هذه الناحية، وقال بشكل عامّ: إنّ إلقاء السم في بلاد المشركين غير جائز؛ حتّى إذا توقّف عليه انتصار المسلمين. إنّ هذه الرواية بمنزلة الدليل الحاكم، وإنّ مثل هذا الدليل لا يقبل التقييد.
أجل إذا كانت مسألة التترّس ـ التي هي اضطرار خاص ـ في البين، بمعنى: إذا اتّخذ الكفّار النساءَ والصغارَ دروعاً بشريّة، عندها لن يكون هناك من طريق سوى قتلهم. وعلى خلاف محلّ البحث الذي لا صلة له بمسألة التدرّع، وإنّما يرتبط بمسألة غلبة المسلمين على الكفّار، دون أن يتّخذ الكفّار من النساء والأطفال دروعاً بشريّة، هل يجوز إلقاء السم والقضاء عليهم؟ يُستفاد من رواية السكوني عدم جواز ذلك، حتّى إذا أدّى إلى غلبة المسلمين. والاختلاف الآخر أنّ هناك محدودية في مسألة التترّس. وأمّا في مسألة أسلحة الدمار الشامل، فلا يمكن تصوّر محدوديّة فيها.
نستنتج من هذا القسم أنّه لا يوجد بين الأدلّة والروايات قاعدة كلّية واحدة يمكن أن نستفيد منها جواز كلّ عمل يؤدّي إلى غلبة وفتح المسلمين. وعلى الرغم ممّا نجده في كلمات الفقهاء من جواز الاستفادة من كلّ وسيلة يتوقّف عليها الفتح وغلبة المسلمين في الحرب، وهي تعابير من قبيل: «ما يتوقّف عليه الفتح»، أو «ممّا يتوقّف عليه حفظ بيضة الإسلام» أو «ممّا يُرجى به الفتح»، إلاّ أنّنا بعد ملاحظة الأدلّة لا نجد مثل هذه القاعدة.
ينبغي أن نعلم أنّه لا توجد لدينا رواية واحدة تشتمل على معنى «كلّ ما يُرجى به الفتح». بل يبدو حتّى على فرضيّة التزاحم بين هذين الأمرين (بأن نفترض من جهة حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل، ونفترض من ناحية اُخرى توقّف غلبة المسلمين أو الحفاظ على بيضة الإسلام، على استخدام هذا النوع من الأسلحة)، لا يوجد لدينا دليل يجيز أو يُلزم المسلمين بأن يقوموا بكلّ عمل من أجل الحفاظ على الإسلام. بل إنّ الحفاظ على الإسلام إنّما يجب ضمن دائرة المسائل المشروعة. إنّ الذي يمكن أن نستفيده من الأدلّة هو أنّنا ملزمون بالحفاظ على بيضة الإسلام ضمن الدائرة التي سمح بها الشرع، وليس الأمر كما لو توقّف حفظ الإسلام على قتل آلاف النساء والأطفال من الكفّار. وعلى كلّ حال هناك تصريح من صاحب الجواهر رحمهاللهبعدم وجود خلاف بين الفقهاء في هذه المسألة[44]. في حين لا نجد في عبارات الفقهاء ما يتعرّض إلى هذه الكبرى الكلية، ولم يتّضح لنا من أين جاء سماحته بدعوى عدم الخلاف.
لابدّ من الالتفات إلى أنّنا لا نستطيع في مثل هذا المورد أن نتمسّك بقاعدة الأهمّ والمهمّ. يبدو لنا أنّ الشارع لم يعمل بهذه القاعدة في بعض الموارد، وليس لدينا دليل على ضرورة وحتميّة تطبيق هذه القاعدة في جميع الأبواب الفقهيّة. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ لو كان هناك شخصان يغرقان وكان أحدهما مجتهداً عالماً والآخر رجلاً اُميّاً من عامّة الناس، لا شكّ هنا في أنّ إنقاذ العالم والمجتهد أهمّ من إنقاذ الرجل الاُمّي، ولكن من الواضح ببداهة الفقه أنّ المكلّف في مثل هذه الحالة مخيّر في إنقاذ من يشاء منهما. وهذا يعني أنّ الشارع لم يجرِ قاعدة تقديم الأهمّ على المهمّ بشكل مطلق، ولربما قال في بعض الموارد بخلافها.
كما يجب الالتفات إلى أنّه لو كان هناك من يرى أنّ العقل يجيز استخدام أسلحة الدمار الشامل في مقام الدفاع، إلاّ أنّنا نقول في المقابل: حتّى لو قبلنا ذلك، بيد أنّ رواية السكوني تدلّ على المنع والحرمة، وفي مثل هذه الموارد يجب العمل على طبق هذه الرواية. إنّ من الثابت في الأبحاث الاُصوليّة أنّ ملاك الأحكام الشرعيّة أوسع من الملاكات العقليّة، وإذا كان الشيء مباحاً من وجهة نظر العقل، إلاّ أنّ الشارع يرى حرمة ذلك طبقاً لملاكاته فإنّه يكون محرّماً، ومن هنا قلنا إنّ الشارع في هذه الموارد لم يرتض قاعدة «الأهمّ فالأهمّ».
مناقشة روايات المنجنيق
قد يطرح هذا السؤال القائل: هل يمكن أن نستفيد من روايات المنجنيق جواز استخدام أسلحة الدمار الشامل؟
قال المحقّق(رحمهالله) في الشرائع:
ويجوز محاربة العدوّ بالحصار ومنع السابلة دخولاً وخروجاً، وبالمناجيق، وهدم الحصون والبيوت، وكلّ ما يرجى به الفتح[45].
وعلاوة على ما تقدّم فقد ذهب صاحب الجواهر(رحمهالله) إلى إلحاق: البنادق والقنابل والأطواب والبارود، وإرسال العقارب والأفاعي السامة وسائر الحيوانات المفترسة، بالمناجيق، ثمّ ألحق بعد ذلك قطع الأشجار، وفتح المياه، أو منع الماء لإماتتهم بالعطش[46]. وقد أفتى المحقّق رحمهالله[47] بالكراهة في ثلاثة موارد، وهي: قطع الأشجار، والرمي بالنّار، وتسليط المياه، إلاّ إذا اقتضت الضرورة، وعندها تخرج هذه الموارد الثلاثة من الكراهة.
وقد استدلّ صاحب الجواهر(رحمهالله) لرؤيته، بالموارد الآتية:
1. أصالة الجواز.
2. إطلاق الأمر بمقاتلة الكفّار.
3. ما ورد عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) :
أنّه نصب على أهل الطائف منجنيقاً، وكان فيهم نساء وصبيان، وخرّب حصون بني النظير وخيبر وهدم دورهم[48].
ثمّ نقل عن الدروس[49] والروضة[50] أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه و آله) بعد تدمير حصون بني النظير، قام بإحراقها.
4. خبر حفص بن غياث: كتب بعض إخواني إليّ أن أسأل أبا عبد اللّه(عليهالسلام) عن مدينة من مدائن الحرب، هل يجوز أن يرسل عليهم الماء، أو تحرق بالنّار، أو يرمى بالمنجنيق حتّى يقتلوا، ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجّار؟ فقال:
تفعل ذلك بهم، و لا تمسك عنهم لهؤلاء، ولا دية عليهم ولا كفّارة... الحديث[51].
5. قوله ـ تعالى ـ : «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَة أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِاِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ»[52]. حيث ورد التصريح في هذه الآية بأنّ كلّ ما قطعتموه من أشجار النخيل أو تلك التي تركتموها قائمة ولم تقطعوها، إنّما كان ذلك باذن من اللّه لكي يخزي الفاسقين. إنّ اللّه سبحانه وتعالى قد أيّد وقرّر في هذه الآية قطع المسلمين الأشجار في الحرب، وقال بأنّ ذلك كلّه إنّما كان بإذن وإرادة منه سبحانه وتعالى.
وقوله ـ تعالى ـ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ»[53]. حيث تمّ التمسّك بإطلاقها، وكذلك قوله ـ تعالى ـ: «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كلّ مَرْصَد»[54].
وقال في الختام:
لأنّ الكفّار شرّ الدواب وأشدّها أذيّة؛ وعليه: لا مانع من القيام بمثل هذه الاُمور، وما عساه يظهر من الشهيد(رحمهالله) في الدروس[55] من حرمة قتلهم بمنع الماء مع الاختيار في غير محلّه. وكذا لا يصحّ ما عن الشهيد الثاني(رحمهالله) في الروضة[56] من اعتبار توقّف الفتح والغلبة في جواز هدم الحصون والمنجنيق وقطع الشجر؛ إذ بحسب هذه الأدلّة يجوز للمسلمين ابتداء أن يقوموا بقطع الأشجار، ونصب المنجنيق، وإرسال الماء، أو الإحراق بالنّار في مواجهة الكفّار، حتّى إذا لم يتوقّف عليه الفتح وغلبة المسلمين.
ثمّ أضاف صاحب الجواهر قائلاً: نعم، يكره قطع الأشجار، ورمي النّار، وتسليط المياه، إلاّ مع الضرورة. ففي خبر جميل ومحمّد بن حمران عن أبي عبد اللّه(عليهالسلام) قال:
كان رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثمّ يقول: سيروا بإسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) لا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة ولاتقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها... الحديث[57].
وكذلك جاء في خبر مسعدة بن صدقة:
قاتلوا من كفر باللّه، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا متبتّلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجـرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنّكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ممّا يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله[58].
وكذلك الرواية الدالّة على أنّ النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله)، قد قطع أشجار الطائف[59].
ثمّ ذهب صاحب الجواهر(رحمهالله) إلى الاعتقاد بوجوب حمل هذه الروايات على الكراهة؛ وذلك لأنّها لا تدلّ على الحرمة لوجوه متعدّدة، بيد أنّه لم يذكر هذه الوجوه[60].
وفي المجموع يُستفاد من كلمات صاحب الجواهر(رحمهالله) أنّ هذه الروايات لها ظهور في النهي عن القيام بهذه الاُمور ابتداء واختياراً، بمعنى أنّه لا ينبغي القيام بهذه الاُمور أثناء الحرب ابتداء واختياراً، وأمّا إذا كان هناك اضطرار أو ضرورة من قبيل التترّس في البين، فلا يعود هناك إشكال في ذلك.
يبدو من وجهة نظرنا أنّ هذه الروايات الناهية تشتمل على ظهور في الحرمة؛ بمعنى أنّ هذه الاُمور لا تجوز في حالة الاختيار وعدم الاضطرار، ولكن علينا أن نرى لماذا هي من وجهة نظر صاحب الجواهر أو المحقّق الحلّيمحمولة على الكراهة؟ فهل النهي عن قطع الأشجار يقتضي حمله ـ بواسطة الرواية الدالّة على قطع النبيّ الأكرم(صلى الله عليه و آله) لأشجار الطائف ـ على الكراهة، وتكون النتيجة هي كراهة قطع الأشجار ابتداء ومن دون ضرورة، وأنّ ما حدث في الطائف إنّما كان بداعي الضرورة؟
والتحقيق هو أنّ هذه الروايات ـ لا سيّما بالنظر إلى موارد من قبيل المُثلة أو قتل الرضيع أو الإجهاز على الجريح الذي يتشحّط بدمه ـ لها ظهور في الحرمة، ولا توجد قرينة على الكراهة، ومن غير الواضح ما هو مراد صاحب الجواهر(رحمهالله) من الوجوه العديدة على الكراهة. أجل هناك تعليل في خصوص إحراق الزرع يقول: «لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه»؛ إذ يُستفاد من هذا التعليل أنّ النهي عن الإحراق بالنسبة إلى الزراعة إرشادي، وكذلك بالنسبة إلى قتل البهائم، وأمّا بالنسبة إلى سائر الموارد فإنّ النهي مولوي وله ظهور في الحرمة. وعليه، يجب حمل هذه الروايات ـ بمقتضى الصناعة ـ على الحرمة، واستثناء موارد الاضطرار فقط، بمعنى أنّ هذه الاُمور لا تجوز في حالة الاختيار، وأمّا في حالة الاضطرار فتجوز.
وفي إيضاح هذه المسألة، يجب القول: إنّ الجمع بين رواية حفص بن غياث وخبر جميل ومحمّد بن حمران يكون على أساس هذا البيان. بمعنى أنّ ما ورد في خبر حفص من إرسال الماء والإحراق بالنّار والرمي بالمنجنيق في حالة التترّس بالنساء والصبيان وغيرهم، لا يجوز اختياراً؛ بمعنى أنّه بقرينة قول الإمام(عليهالسلام) : «ولا تمسّك عنهم لهؤلاء»، إنّ القيام بهذه الاُمور وقتل النساء والأطفال إنّما يجوز إذا توقّف عليه الفتح وغلبة المسلمين على الكفّار. وأما إذا لم يكن هناك مثل هذا التوقّف، فإنّ القيام بمثل هذه الاُمور لا يجوز ابتداء.
ومن هذه الناحية يكون ذلك منسجماً مع رواية السكوني[61] المعتبرة الدالّة على حرمة إلقاء السمّ في بلاد المشركين؛ بمعنى أنّ إلقاء السمّ حتّى في بلاد المشركين الذين يتحصّنون بالنساء والصبيان أو الأسارى، لا يجوز ابتداء وفي حالة الاختيار. وإنّ هذه الفتوى هي مختار الشيخ الطوسي(رحمهالله) في النهاية[62]، وابن زهرة(رحمهالله) في الغنية، وابن إدريس في السرائر[63]، والمحقّق في المختصر النافع[64]، والعلاّمة في الإرشاد[65]، والشهيد الأوّل في الدروس[66]، والمحقّق الثاني (قدسسره) م في جامع المقاصد[67]، وقد صرّح صاحب الجواهر(رحمهالله) بأنّ الكثير من هؤلاء الفقهاء قد قيّدوا الحرمة بعدم الاضطرار أو عدم توقّف الفتح والغلبة، وأمّا إذا كان هناك اضطرار أو توقّف الفتح عليه، فلا حرمة في البين[68].
وعليه: فإنّ الفتوى بكراهة إلقاء السمّ في بلاد المشركين حالة الاختيار، والتي قال بها العلاّمة(رحمهالله) في القواعد[69] والتحرير[70] والتذكرة[71]، والشهيد الأوّل رحمهاللهفي اللمعة[72]، والمنقولة عن الشيخ الطوسي في المبسوط[73]، والإسكافي[74]، لا يمكن أن تكون متطابقة مع القواعد؛ وذلك لأنّ رواية السكوني ظاهرة في الحرمة بشكل واضح، وليس هناك وجه لحملها على الكراهة.
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى نقطتين هامتين:
النقطة الاُولى: لا يبعد القول بدلالة خبر السكوني على الحرمة، فيما لو كانت بلاد المشركين تحتوي ـ بالإضافة إلى المقاتلين من الكفّار ـ على آخرين، من النساء والصبيان وكبار السنّ أو حتّى الأسارى من المسلمين أو التجّار المسلمون. وأمّا إذا كانت البلاد متمحّضة للكفّار المقاتلين، فإنّها تكون خارجة عن مورد هذه الرواية.
النقطة الثانية: حرمة إلقاء السمّ في بلاد المشركين إذا كان فيها نساء أو من هو محقون الدم. قال صاحب الجواهر رحمهالله:
إنّ هذا الحكم ثابت حتّى إذا توقّف عليه الفتح وغلبة المسلمين على الكفّار، والدليل على ذلك إطلاق معتبرة السكوني[75].
بيد أنّ هذا الأمر مخدوش من وجهة نظرنا؛ إذ يمكن تقييد معتبرة السكوني بخبر حفص بن غياث[76]، إلاّ إذا تخلّينا عن رواية حفص، بسبب ضعفها من جهة السند.
مناقشة حالة الشكّ
إذا لم نتمكّن من استنباط حكم هذا الموضوع من الآيات والروايات، وبعبارة اُخرى: إذا لم نتمكّن من التوصّل إلى جواز أو حرمة صنع واستخدام أسلحة الدمار الشامل، علينا أن نرى كيف يمكن لنا أن نعمل في ضوء القواعد الأوّلية؟
يمكن القول في هذا الشأن: إنّنا أمام طائفتين من الأدلّة:
الطائفة الاُولى: الأدلّة الدالّة على وجوب مقاتلة الكفّار، أو بعبارة اُخرى: الأدلّة التي توجب قتل الكافر الحربي، أو الكفّار الذين يهجمون على البلاد الإسلاميّة.
الطائفة الثانية: الأدلّة الدالّة على حرمة قتل الصغار والنساء وغيرهم ممّن هم على شاكلتهم.
فيما يتعلّق باستخدام أسلحة الدمار الشامل التي يلزم من استخدامها قتل النساء والأبرياء، يقع التعارض بين هاتين الطائفتين من الأدلّة؛ إذ الإطلاق في كلّ واحد منهما يوجب التنافي في مقام الجعل، ويجب على الشارع المقدّس في مثل هذه الحالة أن يقوم بجعل أحد هذين الحكمين. وفي مثل هذه الصورة إذا لم يكن هناك ترجيح في البين، تكون القاعدة هي التساقط أو التخيير.
يُستفاد من كلمات صاحب الجواهر(رحمهالله) إمكان توظيف خبر حفص بن غياث بوصفه مرجّحاً للطائفة الاُولى؛ وذلك لاشتمال هذا الخبر على تعبير الإمام(عليهالسلام) الذي يقول فيه: «ولا تمسك عنهم لهؤلاء»[77]. يؤيّد ذلك ذات ترجيح دين الإسلام على مثل هؤلاء الأشخاص؛ حيث قال: بل ربما يؤيّده معلوميّة ترجيح الإسلام على مثل ذلك.
وقال صاحب الجواهر(رحمهالله) في ترجيح خطاب الحرمة على الوجوب:
أمّا احتمال ترجيح خطاب الحرمة في الفرض، فلم أجده لأحد إلاّ ما سمتعه من الفاضل في التحرير[78] من أولويّة التجنّب التي سمعتها، ونحوه في التذكرة[79].
والتحقيق هو أنّه في مثل هذه الموارد حيث لا تكون هناك ضرورة في البين، وكان هناك مجرّد غلبة الإسلام والمسلمين على الكفّار، يجب تغليب جانب الرحمة وعدم اللجوء إلى العنف والقسوة الظاهرية، والامتناع عن قتل الكفّار رعاية للنساء والصبيان والمجانين. وفي مثل هذه الموارد لا يمكن الاقتصار على ملاحظة هاتين الطائفتين من الروايات، والنظر في التناسب بينهما فقط، بل لا بدّ من ملاحظة سائر الأدلّة، لنرى ما هو الطريق الأقرب إلى رؤية الشارع المقدّس. فإنّ استفدنا من الأدلّة الاُخرى أنّ الشارع يقدّم ناحية العطف والرحمة، تعيّن علينا أخذ هذه الناحية بنظر الاعتبار أيضاً، وبالتالي يجب ملاحظة هذه الناحية على الدوام، وإنّ هذه الناحية هي التي تؤدّي إلى انتشار واتّساع رقعة الإسلام.
يتّضح ممّا تقدّم أنّ هذه المسألة ليست من قبيل التزاحم؛ إذ هناك تناف بين إطلاق هذين الدليلين في مقام الجعل، والمشكلة لا ترتبط بمقام الامتثال، ومن هنا يكون حلّها بيد الشارع. في حين أنّ الحلّ في مسألة التزاحم يكون بيد العقل، حيث يتّسع المجال في الغالب لقاعدة «الأهمّ فالأهمّ». وأمّا في هذا المورد، فإنّ الحلّ بيد الشارع المقدّس حيث يجب عليه ترجيح أحد الأمرين على الآخر.
وعليه: لا يمكن القول بأنّ المسألة في هذا الفرض تعود إلى اختلاف الأزمنة والشرائط المختلفة، وأنّه يجب في بعض الموارد تقديم دليل وجوب القتل، وفي بعض الموارد الاُخرى يجب تقديم دليل الحرمة. إنّ هذه النتيجة إنّما تصحّ إذا نقلنا الأدلّة إلى باب التزاحم، وعمدنا إلى تطبيق قواعد باب التزاحم، في حين يجب تطبيق قواعد باب التعارض.
النتيجة
1. إنّ المراد من أسلحة الدمار الشامل هي تلك الأسلحة التي تكون لها قدرة تدميريّة هائلة، وبالإضافة إلى ذلك لا تميّز بين المدنيّين والمقاتلين. وبعبارة اُخرى: إنّ آثارها التدميريّة لا تقتصر على ساحة الحرب أو مدّة القتال فقط.
2. لا شكّ في قبح استخدام هذا النوع من الأسلحة من وجهة نظر العقل، حتّى على فرض استخدام العدوّ لها.
3. ليس لدينا في القرآن الكريم دليل على جواز استخدام الأسلحة الذريّة أو الكيميائيّة، بل القرآن ينهى عن الاعتداء. ويستفاد من ذلك حرمة استخدام هذا النوع من الأسلحة بشكل واضح. وبشكل عامّ تنقسم آيات القرآن الكريم إلى طائفتين؛ حيث يجب ملاحظة مجموع كلتا الطائفتين، وربما كانت إحداهما مقيّدة لاُخرى، ونتيجة لذلك يتعيّن على المسلمين أن يتسلّحوا بسلاح لا ينطوي على فساد، أو من الممكن أن تكون نتيجة هذه الآيات أنّ السلاح الذرّي حيث يؤدّي إلى الفساد، لا يجوز استخدامه.
4. إنّ قوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»[80]، لا يدلّ على جواز القيام بكلّ ما يقوم به العدوّ، من باب المواجهة بالمثل. وبعبارة اُخرى: إنّ هذه الآية ليست في مقام بيان نوع الاعتداء، وإنّما هي في مقام نفي الزيادة في الاعتداء.
5. يُستفاد من قوله تعالى: «وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[81]، نهي عامّ ومطلق؛ بمعنى أنّ كلّ ما يصدق عليه أنّه عدوان في الحرب يقع مورداً للنهي، ويمكن لهذه الآية أن تكون مقيّدة لقوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة»[82]؛ بمعنى أنّ تقوية المسلمين يجب أن تكون إلى الحدّ والمستوى الذي لا يصدق عليهم معه عنوان المعتدي.
6. يُستفاد من تعاليم الإسلام في مورد الحرب عدم جواز قتل النساء والصبيان حتّى في دار الحرب، كما يستفاد من الروايات أنّه لا بدّ ـ فيما يتعلّق بالمعدّات الحربيّة والقتاليّة ـ من الاقتصار على استخدام الأسلحة التقليديّة والمتعارفة.
7. يُستفاد من رواية السكوني المعتبرة في مورد حرمة إلقاء السمّ في بلاد المشركين، عدم جواز هذا النوع من الأعمال حتّى إذا توقّف عليه الفتح وغلبة المسلمين.
8. لا توجد بين الأدلّة قاعدة تدلّ على جواز كلّ ما يؤدّي إلى الفتح وغلبة المسلمين. نعم، وردت هذه القاعدة على لسان بعض الفقهاء فقط.
9. يجب حمل الروايات الدالّة على النهي عن المُثلة أو قتل الرضيع أو الإجهاز على الجريح الذي يتشحّط بدمه، على معناها الظاهري، وهو الحرمة، ولا يمكن حملها على الكراهة.
10. وفي حالة الشكّ؛ لجهة وجود التعارض بين الأدلّة، يجب تطبيق قواعد التعارض. وإنّ قاعدة تقديم جانب الرحمة واللين على الغلظة والقسوة تقتضي رعاية هذه الناحية، والقول بعدم جواز استخدام أسلحة الدمار الشامل.
والحمد للّه أوّلاً وآخراً
محمّد جواد الفاضل اللنكراني
الحوزة العلمية / قم المقدسة
محمّد جواد الفاضل اللنكراني
الحوزة العلمية / قم المقدسة
---------------------------------
[1] سورة البقرة 2: 193.
[2] سورة النساء 4: 75.
[3] سورة الأنعام 6: 12.
[4] سورة الأنبياء 21: 107.
[5] ما بين المعقوفتين إ ضافة توضيحية من عندنا. المعرّب.
[6] سورة الأنفال 8: 60.
[7] سورة النساء 4: 71.
[8] مجمع البحرين 1: 377، مجمع البيان 3: 123.
[9] اعتبار الأجهزة الحديثة في رؤية الهلال: 31 ـ 43.
[10] سورة التوبة 9: 5.
[11] سورة البقرة 2: 205.
[12] سورة البقرة 2: 11.
[13] سورة البقرة 2: 30.
[14] سورة البقرة 2: 27.
[15] سورة البقرة 2: 194.
[16] سورة البقرة 2: 190.
[17] الدر المنثور 1: 457.
[18] سورة الأنفال 8: 60.
[19] مثل سورة التوبة 9: 5.
[20] الكافي 5: 29 ح8، تهذيب الأحكام 6: 138 ح232، وعنهما وسائل الشيعة 15: 59، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب15 ح3.
[21] الكافي 5: 28 ح6، تهذيب الأحكام 6: 156 ح277، الفقيه 2:28 ح102، علل الشرائع: 376 ح1، المحاسن 2: 51 ح1152، وعنها وسائل الشيعة 15: 64، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما بناسبه ب18 ح1.
[22] اللمعة الدمشقيّة: 44 ـ 45.
[23] الكافي 5: 27 ح1 و ص30 ح9، تهذيب الأحكام 6: 138 ح231 و ص139 ح233، المحاسن 2: 98 ح1253، وعنها وسائل الشيعة 15: 58، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما بناسبه ب15 ح2.
[24] المصنّف لابن أبي شيبة 17: 584 ـ 586 ب97 ح33816.
[25] الكافي 5: 28 ح2، تهذيب الأحكام 6: 143 ح244، وعنهما وسائل الشيعة 15: 62، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب16 ح1.
[26] شرائع الإسلام 1: 312.
[27] النهاية: 293.
[28] غنية النزوع: 201.
[29] السرائر 2: 7.
[30] المختصر النافع: 188.
[31] التبصرة المتعلّمين: 88.
[32] ارشاد الأذهان 1: 344.
[33] الدروس الشرعيّة 2: 32.
[34] جامع المقاصد 3: 385.
[35] قواعد الأحكام 1: 486.
[36] تحرير الأحكام 2: 142، الرقم 2698.
[37] تذكرة الفقهاء 9: 70.
[38] اللمعة الدمشقيّة: 44.
[39] الروضة البهيّة 2: 392.
[40] المبسوط 1: 546 و حكى عنه في مختلف الشيعة 4: 403 مسألة 14، وفي كشف الرموز 1: 424.
[41] حكى عنه في مختلف الشيعة 4: 403 مسألة 14.
[42] العدّة في الاُصول 1: 149.
[43] جواهر الكلام 22: 117 ـ 119.
[44] جواهر الكلام 22: 113 ـ 114.
[45] شرائع الإسلام 1: 311 ـ 312.
[46] جواهر الكلام 22: 113.
[47] شرائع الإسلام 1: 312.
[48] المغازي للواقدي 2: 927، السنن الكبرى للبيهقي 13: 369 ـ 374 ح18619 ـ 18634.
[49] الدروس الشرعيّة 2: 32.
[50] الروضة البهيّة 2: 392.
[51] الكافي 5: 28 ح6، تهذيب الأحكام 6: 142 ح242، وعنهما وسائل الشيعة 15: 62، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب16 ح2.
[52] سورة الحشر 59: 5.
[53] سورة الأنفال 8: 60.
[54] سورة التوبة 9: 5.
[55] الدروس الشرعيّة 2: 32.
[56] الروضة البهيّة 2: 392.
[57] الكافي 5: 27 ح1 و ص30 ح9، تهذيب الأحكام 6: 138 ح231 و ص139 ح233، المحاسن 2: 98 ح1253، وعنها وسائل الشيعة 15: 62، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب15 ح2.
[58] الكافي 5: 29 ح8، تهذيب الأحكام 6: 138 ح232، وعنهما وسائل الشيعة 15: 59، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب15 ح3.
[59] المغازي للواقدي 2: 927، السنن الكبرى للبيهقي 13: 369 ـ 374 ح18619 ـ 18634.
[60] جواهر الكلام 22: 113 ـ 116.
[61] المتقدمة في ص 251 ـ 252.
[62] تقدمت في ص 252.
[63] تقدمت في ص 252.
[64] تقدمت في ص 252.
[65] تقدمت في ص 252.
[66] تقدمت في ص 252.
[67] تقدمت في ص 252.
[68] تقدمت في ص 253.
[69] تقدمت في ص 252.
[70] تقدمت في ص 252.
[71] تقدمت في ص 252.
[72] تقدمت في ص 252.
[73] تقدمت في ص 253.
[74] تقدمت في ص 253.
[75] جواهر الكلام 22: 118.
[76] المتقدمة في ص 257.
[77] تقدمت في ص 257.
[78] تحرير الأحكام 2: 143، الرقم 2700.
[79] تذكرة الفقهاء 9: 73 ـ 74 مسألة 35.
[80] جواهر الكلام 22: 122.
[81] سورة البقرة 2: 194.
[82] سورة البقرة 2: 190.