من درس سماحة آية الله الشيخ محمد جواد الفاضل اللنکراني(دام عزه)
حقّ التأليف
دراسة فقهية معمّقة حول حقوق التأليف
تعريب: الشيخ محمد جواد السعيدي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المترجم:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
كثيرٌ هوأن نجد فقيهاً من فقهائنا العظام(قدّس الله أسرار الماضين منهم وأدام الله ظلال الباقين) يصول ويجول في ميدان البحث والتحقيق في سرد الأدلّة ونقضها وإبرامها في مسألةٍ من المسائل الشرعية التي لها جذور وأساس في الآيات الكريمة أوالروايات الشريفة لكنْ قلّما تجد فقيهاً شمر عن ساعديه واستفرغ طاقاته وبذل وُسعه في البحث والتحقيق في مسألةٍ من المسائل المستحدثة، ومن هنا يمكن عدّ ذلك نقطة قوّة لصالح الفقيه وميزةً يتميّز بها عن أقرانه ونُظَرائه فيما لو وجدناه يُجيد ويبرع ويتألّق ويُبدع في ميدان البحث في مسألة شُحّ فيها وجود الأدلّة الواضحة والنصوص الجلية بل تكاد تكون شبه معدومة.
وفي الحقيقة لمّا كلّفني جناب المشرف العام على حوزة فقه الأئمة الأطهار(عليهم السلام) سماحة العلّامة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جعفر الطبسي(حفظه الله وأبقاه) بترجمة هذا البحث الشريف الهام الدقيق الذي بين أيديكم لآية الله جناب الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكراني(دام ظله الوارف) والذي ناقش فيه بحث -حقّ الطبع والتأليف-وقد كان عبارةً عن سلسلة دروس ألقاها سماحته على تلامذته الأفاضل في مدينة قم المقدّسة بأسلوب سلسٍ وبيانٍ واضح باللغة الفارسية وقد قمت بترجمته إلى اللغة العربية، فقد وجدت المترجم له من تلك الثلة النادرة من الفقهاء الّذين يتميّزون بتلك الميزة التي أسلفنا الكلام عنه حيث أجاد في ذلك وكان ناجحاً إلى حدٍّ كبير في نقاط عديدة أهمّها:
1ـ اختياره لبحث حقّ التأليف: وذلك لأهمية هذه المسألة وكونها من المسائل المبتلى بها في مجتمعاتنا بشكل يومي.
2ـ سرده للآراء في المسألة وعرض أدلة الطرفين (القائل بوجوب مراعاة حقّ التأليف والنافي له) وبيان ما يمكن أن يكون من قبيل المؤيّد لهذا الرأي أو ذاك بعد أن تعرَّضَ لجميع م يمكن أن يُدّعى كونه دليلاً لهذا الطرف أو ذاك.
3ـ تبنّيه للرأي القائل بوجوب مراعاة حقوق الطبع والتأليف مع مناقشته أدلّة الطرف الآخر والردّ عليها واحداً تلو الآخر بجميع احتمالاته المتصوّرة.
4ـ اعتضاده لمذهبه بأدلّة دامغة وحججٍ واضحة مع بيان الإشكالات والشبهات التي يمكن أنْ تُورد عليها ثم الردّ عليها.
وها نحن نجعلك - أيها القارئ العزيز والدارس الكريم - حكماً على ذلك كلّه لكن بعد انتهائك من قراءتك المتمعّنة ودراستك لهذا البحث المهمّ بتعمّق وتأمّل.
والله ولي التوفيق
5/رمضان/1430هـ
الأحقر محمد جواد السعيدي
تقرر أن نبحث عن موضوع مستحدث بعنوان حقوق الطبع أو التأليف أو الاختراع، وقد اتسعت دائرة هذه الحقوق لتشمل اليوم حقوق تأليف كتابٍ أو إحداث برنامج حاسوبي (كمبيوتر) أو وضع عنوان لكتاب أو اختيار اسم لمتجر وغير ذلك مما يعتبر العقلاء لها حقوقاً فهي ل تنحصر في حقوق الطبع والتأليف، فهل تجب مراعاة هذه الحقوق في الشريعة الإسلامية المقدسة أوهي غير واجبة من الوجهة الفقهية؟
فتاوى العلماء في المسألة:
اختلف فقهاء الإمامية في هذه المسألة اختلافاً بيّناً فقد ذهب بعض كبارهم إلى عدم اعتبار هذه الحقوق وأنّها غير واجبة المراعاة كما نصَّ على ذلك الإمام الخميني(قدس سره) في بعض الاستفتاءات.
وفي المقابل ذهب آخرون كسماحة الوالد(رحمة الله) إلى أنها حقوق تجب مراعاتها شرعاً وأنّ التعدّي عليها يعتبر معصية وظلماً لأصحابها وأنه يوجب الضمان.
فعلى مبنى الإمام: فلا ضمان على من طبع كتاباً لآخر وربح من ذلك أموالاً طائلة وأما على مبنى القائلين بوجوب مراعاة هذه الحقوق فإِنّ
هذا له حكم تكليفي وهو حرمة المخالفة وحكم وضعي وهو وجوب الضمان، فلابد من البحث حول أصول أدلة هذه الفتاوى وجذورها لنصل إلى النتيجة المطلوبة.
في أيامن هذه يجب التقيّد بهذه الحقوق عالمياً وفي أغلب البلدان حتى أنّ العنوان الذي يختاره مؤلف لكتابه لا يحق لأحد أن يختاره عنواناً لكتابه ولو فعله عدَّ ذلك جريمة يترتب عليها بعض الآثار القانونية، أما بلدنا الذي لم يرضخ لبعض القرارات الدولية فلم يدخل تحت هذا القانون، وربما قد دخل فيه في العام الأخير، فلو أردنا أن نبحث عن القوانين التي مرّت بها المطبوعات من وجهة نظر قانونية لاحتاج ذلك إلى مئات الصفحات من البحث وعليكم بمراجعة الكتب المؤلّفة في موضوع حقّ الطبع والتأليف وما نحن في صدده هو البحث عن المسألة من وجهة نظر فقهية فإنّ هذه الحقوق التي أقرّ به العقلاء والتي تطرح على أساس أنها حقوق عقلائية هل يجب التقيّد بها أولا؟
أدلة وجوب مراعاة حقّ التأليف:
فقد استُدل على ذلك بأدلة متعددة: أوّل هذه الأدلة ولعلّه أهمّها سيرة العقلاء حيث إنّ العقلاء يحكمون بوجوب التقيّد بهذه الحقوق ولم يردْ
من الشارع ردع ومنع عن هذه السيرة، والكل يعلم أنّ حجية السيرة العقلائية تتوقف على إمضاء الشارع لها أو عدم ردع الشارع عنه، وعليه يمكن أن تكون السيرة العقلائية دليلاً على وجوب التقيّد بهذه الحقوق.
بحث الدليل الأول وأقسامه:
لا بدّ من الالتفات إلى بحث السيرة العقلائية: قد تجري السيرة العقلائية في الموضوعات فتعيّن لنا موضوعاً من الموضوعات ولا حاجة في هذا القسم من السير العقلائية إلى إمضاء الشارع أو عدم ردعه منه، فمثلاً يقول الشارع فيمن اختلف مع زوجته بحيث جرى حديث الطلاق في البين (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)(1) والإمساك بمعروف يدلّ على وجوب النفقة أي تجب النفقة على ما شاع عند عرف الناس، فلو قامت سيرة العقلاء في زمننا على أنّ نفقة الزوجة تشمل أموراً عديدة لم يكن بعضها من النفقة في السابق كحق الزوجة في الدراسة والتعلّم أو استئجار خادمة لها في البيت وجرت سيرة العقلاء على هذه الحقوق في
1. البقرة:229.
أيّامنا فإن هذا يعني أنها عيّنت موضوعاً لم يكن يُعدّ من أفراد النفقة فجعلته منها ولا حاجة إلى إمضاء الشارع أوعدم ردعه في مثل هذه السِّير العقلائية.
وبعبارة أخرى: إنها تشتمل جميع الموارد التي اختلفت مصاديقها من وجهة نظر عقلائية حيث لم يكن المصداق من مصاديق عنوانٍ ما سابقاً ثم أصبح مصداقاً له كما سبق في بحث الحيازة: حيث كانت الحيازة تتحقق بأن يجمع الشخص حطباً من الصحراء بيده أو بمنجله، وأما الآن فصار للحيازة مصداق آخر وهو أن يجمع الشخص حطباً من الصحراء بالأجهزة الحديثة هكتارات عديدة.
ففي هذه الموارد لدينا في الشريعة عنوان كلّي، أما العقلاء فيحدّدون موضوعه بأن يوسّعوه أو يضيّقوه كما إذا لم يكن الشيء مصداقاً للبيع عند العقلاء في زمن نزول الآية (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) واليوم أصبح مصداقاً له، ففي الماضي حتى قبل ما يقارب من عشرين سنة لم يكن هناك م يُعرف الآن بالبيع الزماني، وقبل مئة عام لم يكن هناك ما يعرف الآن بعقد التأمين، فتلك السير العقلائية التي تحدّد الموضوع
1. البقرة:275.
فتدخل مصداقاً فيه وتُخرج منه آخر ل تحتاج إلى إمضاء الشارع بل يكفي أنّ يحكم العقلاء بأنّ هذا الفرد مصداق لذلك العنوان الكلي وأنّ هذا العنوان ينطبق على هذا الفرد.
ويمكن الاستدلال بالسيرة العقلائية فيما نحن فيه بأن نقول: إنّ الالتزام بمراعاة حقوق الآخرين ـ بعنوان أنه حكم شرعي أولي ـ واجب تمسّكاً برواية (لا يحل مال امرئٍ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1) الواردة في خصوص المال بأن نعممها على جميع الحقوق إذْ لا خصوصية للمال، أوبالروايات الأخرى التي تحكم بلزوم مراعاة حقّ الله وحق الناس، والعقلاء هنا ل ينشئون حكماً ولا شأن لهم بالحق وإنّما يرون أنّ من يؤلّف كتاباً كمن بنى له بيتاً حيث لا بد له من طي المراحل القانونية لتسجيل العقار باسمه في المحكمة ليكون ذلك سنداً دالاً على ملكيته لهذا البيت، فَمَثَل هذا الإنسان عند العقلاء كمثل من كان يبني له بيتاً في الصحراء قبل خمس مئة عام حيث يُعد ذلك حقاً له.
1. كنز العمال 1: 92ح399، عوالي اللئالي 1: 222، وسائل الشيعة 29: 10، أبوابالقصاص في النفس ب1 ح3.
كذلك العقلاء يرون اليوم أنّ من مصاديق الحق حقّ من أتعب نفسه وعانى ما عانى في جمع معلومات ومطالب علمية وترتيبها وتأليفها وإظهارها للناس بصورة كتاب وكذا من أبدع فكرةً أونظرية جديدة فإن هذا يُعد حقاً عند العقلاء، فإننا لورجعنا إلى العقلاء فكما أن بناء البيت عندهم إحداث للحق كذلك التأليف والإبداع.
والاختراع إحداث للحق لفاعله، هذا ولولاحظنا فتاوى الفقهاء في ذلك لوجدنا تعبيرات الفقهاء مجملة قد شابها الخلط، فقد يرى المرء أن لا مناص من التعبير بشكل سلس ليفهمه عامة الناس.
بحث حول موارد الرجوع إلى العرف:
لا بد من التحقيق والبحث حول الموارد التي يجب فيها الرجوع إلى العرف، يرى المرحوم الآخوند في كتاب الكفاية أنّ موارد الرجوع إلى العرف تنحصر في تشخيص مفاهيم الألفاظ فقط كتعيين معنى لفظ (الصلاة) أولفظ (الصعيد) أمّا تعيين الموضوعات فلا دور للعرف فيه بمعنى أنّ العرف ليس له أن يحدّد أنّ هذا المائع دمٌ أوليس بدم، إذ أنّ العرف يعيّن لنا معنى الدم أما تطبيق هذا المعنى على مصاديقه فإنه من وظيفة العقل، وقد خالف هذ الرأي المرحوم الإمام الخميني(قدس سره)
وبعض تلامذته حيث ارتأوا أنّ العرف يمكنه تحديد المصاديق كما يمكنه تحديد المفاهيم لكنّنا في مقام الاستدلال لا علاقة لنا بالعرف ولا نقول بلا بدية الرجوع إلى العرف في تعيين أنّ هذا الشيء يعدّ حقّاً للآخرين أم ل، لنقع في النزاع القائم بين المرحوم الآخوند وبين المرحوم الإمام، بل نستدلّ بسيرة العقلاء وأنّ العقلاء يعتبرون هذا الشيء حقّاً لصاحبه ويتلقّونه على أساس أنه حقّ، فكما لوأمرنا المولى بشيء ثم يأتي من بعده العقلاء ليجعلوا تكليفاً وحقاً للمولى في ذمتنا فكذلك في موارد التأليف والبحث والطبع والاختراع والابتكار فإن السيرة العقلائية توسّع دائرة موضوع الحق وتجعل لنا في هذه الموارد مصداقاً جديداً من مصاديق الحق، كما أنّ في باب عقد التأمين يحكم العقلاء بأنه عقد فيدخل في عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) فنتمسّك فيه بعموم قاعدة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلوتمسّكنا فيما نحن فيه بالسيرة العقلائية بهذا الحد لم نواجه أي محذور ولم تكن هذه السيرة بحاجة إلى إمضاء الشارع أوعدم ردعه منها.
1. المائدة:1.
نتيجة الاستدلال بسيرة العقلاء:
فلوأردنا أن نأخذ الحكم من العقلاء وكان دورهم توسعة المصداق أوتضييقه لم نحتجْ إلى إمضاء الشارع وعدم ردعه وعلى رأينا يكفي في المقام أن السيرة العقلائية قامت على حقّ الطبع والتأليف، وقد ورد في بعض الفتاوى: (بحكم العقل والعقلاء) فإن هذا التعبير يختلف صناعياً عن كلامنا فإننا لا نريد الاستناد إلى العرف في ذلك حتى يعترض علين أمثال صاحب الكفاية بأنّ وظيفة العرف هي تشخيص مفاهيم الألفاظ بل نرى أنّ السيرة العقلائية ترى أن هذا حقّ فيدخل في العمومات والقواعد الكلية القائلة بأنّ كل حقّ تجب مراعاته.
كما يمكن الاستغناء عن كلمة (الحق) بل نقول: أنّ العقلاء يعدّون ذلك مالاً والقاعدة الكلية تحكم بأنه (لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1).
وقد ذكرو للمال تعريفين سنذكرهما إنشاء الله وعليكم بمراجعة كتاب الاجتهاد والتقليد لتعرفو أنّ من جملة الموارد التي خالف فيها الإمام
1. وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة أبواب مكان المصلّي ب3 ح1.
الخميني نظرية مشهور الأصوليين هوأنه يرى حجية السير العقلائية المستحدثة على خلاف ما ذهب إليه المشهور.
ملخص البحث السابق:
قلنا: إن كان المراد بالسيرة العقلائية بيان الموضوع والمصداق جاز الاستدلال بها من غير إشكال ومحذور، وإنّما تحتاج السيرة العقلائية إلى إمضاء الشارع أو عدم ردع الشارع منها في غير الموضوعات.
إذْ ل يتدخل الشارع في الموضوعات غالباً وليست وظيفته تشخيص موضوعات الأحكام، نعم يمكن له تعيين الموضوع أحياناً ولسنا في صدد إنكار ذلك بالكلية، إلّا أنّ مبناه ليس على التدخل في تشخيص الموضوعات وعليه لوُجدتْ سيرة العقلاء في موضوع من الموضوعات لم يحتج ذلك إلى إمضاء الشارع لها أو عدم ردعه عنه، فقد تطرق الشهيد الصدرu إلى هذا البحث في كتابه(1)، حيث يمكن الرجوع إليه لمن أراد المزيد من المعلومات، فلو ثبت وجود الحق في هذه الموارد
1. بحوث في علم الأصول ج4ص234.
بالسيرة العقلائية أثبتنا وجوب مراعاة حقوق الآخرين بالعمومات والإطلاقات في الشريعة المنطبقة على ما نحن فيه.
بيان المسألة بعنوان المالية:
والبيان الآخر هو أنّ هذا الحق له عنوان المالية فإن من يؤلّف كتاباً ثبت له الحق وهذا الحق مال والمال ما يرغب به العقلاء أوما يبذل بإزائه المال ويدخل في عمومات (لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1).
إشكال:
قد يقال هنا: بأنّ المال يترتب عليه بعض الآثار في الشريعة كالضمان مثلاً حيث يقولون: (من أتلف مال الغير فهوله ضامن)(2) وفي باب الإرث حيث يكون المال (تركة الميت) للوارث، وهذا هو من جهات الفرق بين الحق والمال فإن الحق لا يُورّث في كثير من الموارد كحق
1. كنز العمال 1: 92، ح399.
2. لم نجده في المصادر الحديثية المعتبرة، راجع القواعد الفقهية للبجنوردي 2:28.
الحضانة حيث لا يورث هذا الحق بموت الأم كما لا يورث حقّ ولاية الأب على ابنه، نعم بعض الحقوق في المعاملات كحق الخيار يورث، هذا بينما أنّ المال من سماته الخاصة أنه يورث، فهل توجد هذه الملاكات في هذه الحقوق المبحوث عنها؟ فإن قلنا بأنّ حقّ التأليف حقّ كسائر الحقوق في باب الخيارات فإنه يورث كما أنه يوجب الضمان فيما لو أتلفه أحد، وإن قلنا بأنّ له عنوان المالية فلم يبعد القول بثبوت الضمان هنا أيضاً فمن ألّف كتاباً كتبه بخط يده فأتلفه الآخر ومزّقه فهل يمكن القول هنا بضمان قيمة القرطاس فقط مع أنه صرف عليه من وقته بمقدار عشرة أيام مثلاً كمن يعمل أجيراً في هذه الأيام مقابل مبلغٍ من المال؟ لا ليس الأمر كذلك بل أتلف هنا حقّ هذا الشخص الذي إختص به من جرّاء التأليف، فإنّ إتلاف كل شيء بحسبه فإتلاف الأعيان الخارجية هوإفناؤها وإزالتها والإتلاف في هذه الحقوق بحسبها نظير ما إذا كسر أحدهم قفل جهاز السيدي في أيامنا هذه حيث يقال عنه: إنه أتلف مال هذا الشخص، وعليه فقد استقر رأينا على جريان هذه الأمور ـ من صدق إتلاف المال والتوريث وجميع الآثار المترتبة على المال ـ فيما نحن فيه.
هذا ولو سلّمنا عدم ترتب بعض آثار المال هنا كما لو التزمنا بأن حقّ التأليف له عنوان المالية ويصدق عليه أنه مال لكن أثبتنا بالدليل الخارجي بأنه لا يورث أوأن إتلافه لا يوجب الضمان فإن هذا لا يعني إخراجه من المالية، وهذا نظير ما إذا اشترط الخياط مع صاحب القماش بأنه له تلف قماشه عنده أوهوأتلفه أن يبرئ ذمته ويُسقط عنه الضمان فإنّ هذا لا يعني سقوط المالية عن القماش وإن سقط الضمان، وعلى هذا فلوسلّمنا بعدم ترتب بعض الآثار على حقّ التأليف إلّا أنّ ذلك لا يُخرجه عن المالية، فالعمدة في الاستدلال أنه لوأريد الاستدلال بسيرة العقلاء على الحكم لا على الموضوع بمعنى أن يقال: قامت سيرة العقلاء على وجوب الالتزام بهذه الحقوق لا على وجودها فلا بد حينئذٍ من إمضاء الشارع أوعدم ردعه، إذ أن السيرة بما هي هي لا حجية لها ولا تعتبر دليلاً للفقيه.
أهم الإشكالات على السيرة:
فلواستدللن بالسيرة على الحكم أي على لزوم التقيّد بهذه الحقوق لا على أصل وجودها فلا يبقى مجال للبحث في صغراها فيكون الرجوع إلى العقلاء في وجوب مراعاة هذه الحقوق، وهل هذه السيرة حجة
أولا؟ أهم إشكال نواجهه في هذا البحث هوأنّ هذه السيرة من السير المستحدثة أمّا قديماً في عصر الشارع فلم يكن هناك شيء يسمّى بحق التأليف ـ حقّ الاختراع ـ حقّ الاختصاص ـ وقد استحدثت في الأزمنة المتأخرة فهي سير مستحدثة ول عبرة به، وهذا مبنى كثير من الأصوليين حيث يرون أنّ السير العقلائية في زمان الشارع إذا أمضى عليها الشارع كانت حجة أما السير العقلائية المستحدثة فيما بعد فليست بحجة.
الجواب عن الإشكال:
هنا وجوه عديدة للردّ وطرق متعددة لحل هذا الإشكال:
الأول: سلّمنا اعتبار إمضاء الشارع في السيرة العقلائية لكن لا يجب إمضاء الشارع لكل سيرة من السير العقلائية على نحوالخصوص بل يكفي إمضاؤه الكلي للأمور العقلائية بما هم عقلاء، نعم يرد الإشكال فيما لواعتبرنا إمضاء الشارع على كل سيرة على نحوالاستقلال وصحّ أن يقال بأنّ سيرة العقلاء في حقّ التأليف لم تكن موجودة في عصر الشارع ولم تكن بالتالي قابلة لإمضاء الشارع إذ ما لا وجود له ليس
قابلاً للإمضاء، وأما لوقلن بقبول الكبرى القائلة بأنّ السيرة العقلائية تحتاج إلى إمضاء الشارع إلّا أن الشارع إنّما أمضى وأيّد في زمانه جميع الشؤون العقلائية بما هم عقلاء أي ما لا علاقة له بالأمور العبادية والتعبدية، وبتعبير آخر نقول: إن الشارع أوكل الأمور العقلائية إلى العقلاء أنفسهم لكنه ردع منها في بعض الموارد الخاصة.
بيان المسألة في كلام الشهيد الصدر(قدس سرّه):
ذكر الشهيد الصدر هذه المسألة في كتابه(1) تحت عنوان (قد يقال) ولمّا كان البحث هاماً وقد استفيد منه في موارد عديدة في الفقه أنقل نص عباراته مع أنه أورد عليه إشكالين إلّا أنّ هذه النظرية لما كانت نظرية جديدة فلا بد من البحث حولها قال: (إنّ الشارع قد أمضى السير العقلائية المعاصرة له لا بوصفها الشخصي بل بوصفها النوعي العقلائي) أي أنّ الشارع في السنوات المئتين التي عاش فيها النبي(صلي الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) أمضى على تلك السير العقلائية لا بعنوان أنها سير مشخصّة معيّنة بل بوصفها النوعي: (بمعنى أنه يفهم من عدم تصدّي الشارع
1. بحوث في علم الأصول ج4، ص237.
لبيان أحكام وتأسيس تشريعات في أبواب متعددة من الحياة مما للعقلاء شأن فيه أنه قد تركها إليهم وحوّل على ارتكازهم) فلوكانت السير العقلائية مئة في زمان الشارع فقد أمضى عليها وكان إمضاؤه عليها على أساس ملاك عام حيث ترك الأمور العقلائية التي للعقلاء شأن فيها إلى العقلاء أنفسهم (فيكون هذا إمضاءً إجمالياً لما ينعقد عليه بناؤهم).
وبعبارة أخرى نقول: إنّ الشارع قد قبل الارتكازات العقلائية على نحوكلي بمعنى قبوله للمرتكزات العقلائية في كل عصر وزمان.
إشكال الشهيد الصدر على هذا الكلام:
بعد أنّ بيّن ذلك بعنوان (قد يقال) أورد إشكالين على ذلك:
الأول (قال): (لم يثبت سكوت الشارع عن أعصار الأحكام والتشريعات في سائر الموارد التي يراد التحويل فيها على السيرة العقلائية بل قد بُيّنَت أحكامها أيضاً).
بمعنى أنّ الشارع لم يسكت عند صدور الأحكام والتشريعات عن سائر الموارد وعليه فلوأنّ الشارع سكت عن سائر الموارد تعويلاً على ارتكاز
العقلاء كان الاستدلال بسيرة العقلاء هن صحيحاً إلّا أن هذا الأمر ليس بثابت.
وبعبارة أخرى: لوأنّ الشارع قد سكت في هذه الموارد التي تدّعون أنها ساحة لنفوذ رأي العقلاء وميدان لجريان سيرتهم كان ما تقولونه تاماً إلّا أنّ الشارع لم يسكت فيها بل بيّن أحكامه فيها كما في أبواب المعاملات والاجتماعيات والسياسيات حيث يكون للعقلاء فيه نظرها وأحكامه، (بل قد بيّنت أحكامها أيضاً أو ورد ما يحتمل صدوره عن الشارع في مقام بيانها).
الثاني: وهوأدقّ من الأول حيث يقول: إنّ سكوت الشارع إنّما يدلّ على إمضاء السيرة على نحوالقضية الخارجية بمعنى أنّ الشارع أمضى بسكوته على السير الموجودة في الخارج فلا يشمل هذ بعنوان قضية خارجية السير العقلائية إلى يوم القيامة وليس السكوت كاللفظ حيث يستطيع الشارع أن يُمضي بلفظه على جميع السير العقلائية إلى يوم القيامة.
الإشكال على السيرة:
تلخيصاً لإشكالي المرحوم الصدرuنقول بأنه لوسئِلنا عن إمضاء الشارع قلنا لم يثبت ذلك بمعنى أنّ الشارع بإيكاله الأمور والشؤون العقلائية إلى العقلاء أنفسهم أراد أن يُمضي على جميع السير العقلائية إلى يوم القيامة قلنا: إنه لم يثبت لنا أنّ الشارع قد أوكل الشؤون العقلائية إلى أنفسهم.
وبهذ البيان الآخر فلا حاجة إلى إشكالات الشهيد الصدر وكفى في الإشكال أنّ ندعي عدم ثبوت إيكال الشارع الأمور العقلائية إلى أنفسهم، فلوفرضنا أنّ الشارع قد أمضى على مئة سيرة عقلائية كانت موجودة في عصره فإن هذا لا يعني أنه أمضى على كل سيرة عقلائية تنعقد إلى يوم القيامة، ولاسيما أنّ في زماننا هذا حيث تنعقد سيرة مستحدثة للعقلاء في كل يوم على مسألة م، كما في باب الأعراض والنفوس فإن السيرة العقلائية تقوم في أيامنا هذه على عدم القصاص فارتكز بناؤهم بما هم عقلاء على أنّ من قتل شخصاً لم يقتصوا منه بل يحكمون عليه بالسجن المؤبد فلا نستطيع أن نحكم بأن الشارع ترك
العقلاء بما هم عقلاء إلى أنفسهم فلا يكون ذلك رافعاً للمحذور والإشكال.
خلاصة البحث ونتيجته:
قلنا: لوادّعى قيام سيرة العقلاء على وجوب مراعاة هذه الحقوق اتّجه عليه الإشكال بأنّ هذه السيرة سيرة مستحدثة، ثم ذكر وجه التقصّي عن هذا الإشكال، وقد أورد الشهيد الصدر إشكالين على هذا الوجه، ونحن بدورنا استخرجنا من هذين الإشكالين إشكالاً واحداً وعليه لا يتم وجه التقصي والحل السابق.
أمّا الإمام الخميني(قدس سرّه) فله نظرية أخرى وهومن القائلين بحجية هذه السير المستحدثة وله بيان آخر، وعليكم بمراجعة كتابه(1).
الإشكال على سيرة العقلاء على حقّ التأليف:
قلنا إنّ في الاستدلال بسيرة العقلاء على هذه الحقوق المستحدثة كحق التأليف وحق الاختراع لوالتزمنا بقيام السيرة العقلائية على اعتبار هذه
1. الاجتهاد والتقليد، الطبعة الجديدة، ص81.
الحقوق ووجوب مراعاتها أي أنّ هذه الحقوق مضافاً إلى ثبوتها بسيرة العقلاء يثبت بها وجوب الالتزام بها وقبوله وصلاحيتها للنقل والانتقال وأنها تورث وأنها لوأتلفها شخص ضمنه، قلنا: بأنّ الإشكال الذي يواجه ذلك هوأن السيرة العقلائية يجب أن تمضى من قبل الشارع أولم يردع منها الشارع مع أنّ هذه السيرة لم تكن موجودة في عصر الشارع حتى يمضي عليها الشارع أولم يردع عنها.
الجواب الأول عن هذا الإشكال:
قلنا إنّ وجه التقصي عن هذا الإشكال أولاً بأن نقول: إنّ الشارع وإن لم يكن موجوداً في زمان هذه السيرة المستحدثة إلّا أنه وافق على إيكال الأمور المتعلقة بالعقلاء إلى العقلاء بمعنى أنه قَبِلَ جميع المرتكزات العقلائية بما هم عقلاء في جميع الأزمنة، وقد بينّا الإشكال على هذا الوجه.
الجواب الثاني:
والوجه الآخر بأن ننكر أصل المبنى ونلتزم بعدم التفريق بين أن تكون السيرة العقلائية في زمن الشارع أومستحدثة ولما كان الإسلام ديناً أبدياً
وكان الشارع عالماً بوقوع السير المستحدثة بين العقلاء إلى يوم القيامة كان عليه أن يعلن مخالفته لهذه السير لوكانت مخالفة للواقع ولوعن طريق بيانٍ عام أومطلق أوغيرهما ليفهم ردعه عن تلك السير المستحدثة بذلك العموم أوالإطلاق، ولا يمكن القول بأنّ الشارع أهمل موقفه من تلك السير المستحدثة فلم ينكرها ولم يؤيده، وعلى هذا فنقول: بأن الشارع طالما لم يردع عن هذه السير الجديدة من خلال إطلاق أوعموم فإنها مقبولة لديه من غير محذور في ذلك، خالف هذا المبنى أغلب الفقهاء والأصوليين ورأوا حجية السير الواقعة في زمن النبي(صلي الله عليه و آله) والأئمة الممضاة من قبلهم أومع عدم ردعهم عنها دون السير الواقعة بعد زمان الشارع فلا حجية لهذا القسم عندهم.
رأي المرحوم الإمام:
في مقابل هؤلاء يرى بعض الفقهاء أنّ الشارع عليه أن يتخذ موقفاً واضحاً من هذه السير المستحدثة من باب أنّ الدين دائم وشامل، ومن هنا يرى الإمام(رحمة الله) حجية السير المستحدثة حيث ذكر في كتابه (الرسائل) في مبحث الاجتهاد والتقليد أهم دليل على جواز التقليد ومشروعيته وهورجوع الجاهل إلى العالم وجعل سيرة العقلاء دليلاً
على هذه المسألة ثم ذكر الإشكال بأن رجوع الجاهل إلى العالم في باب الأحكام لم يكن أمراً دارجاً في زمن الأئمة(عليهم السلام) ليؤيده الأئمة(عليهم السلام)، ثم أجاب عن الإشكال بقوله: (ضرورة أنّ ارتكازية رجوع الجاهل في كل شيء إلى عالمه معلومة لكل أحد وأن الأئمة(عليهم السلام) قد علموا بأنّ علماء الشيعة في زمان الغيبة وحرمانهم عن الوصول إلى الأمام لا محيص لهم من الرجوع إلى كتب الأخبار والأصول والجوامع كما أخبرو بذلك ولا محالة يرجع عوام الشيعة إلى علمائهم بحسب الارتكاز والبناء العقلائي المعلوم لكل أحد فلولا ارتضاؤهم بذلك لكان عليهم الردع إذ لا فرق بين السيرة المتصلة إلى زمانهم وغيرها مما علموا وأخبروا بوقوع الناس فيه فإنهم أخبروا عن وقوع الغيبة الطويلة وأن كفيل أيتام آل محمد(صلي الله عليه وآله) علماؤهم وأنه سيأتي زمان هرجٍ ومرجٍ يحتاج العلماء إلى كتب أصحابهم).
دراسة كلام المرحوم الإمام(قدس سرّه) والإشكالات عليه:
ظاهر كلامه أنه لا يشترط في حجية السيرة استمراريتها واتصالها بزمن الإمام المعصوم(عليه السلام) ووقوعه فيه بل أنّ السيرة المستحدثة لها الحجية أيضاً وربما يمكن القول بأنّ كلام الإمام(رحمة الله) ذواحتمالين:
الاحتمال الأول:
أن يكون رأيه الشريف هوأنّ الإسلام لمّا كان ديناً شمولياً والنبي(صلي الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) يعلمون الغيب وما يستحدث في المستقبل وهم الذين قالوا: (ما من شيءٍ يقربكم إلى الجنة إلّا أمرتكم به وما من شيءٍ يبعّدكم عن النار إلّا نهيتكم عنه)(1) ومن هنا فإن علموا بوقوع سِيَر ممنوعة في زمان ما غير مقبولة من قبل الدين كان عليهم أن يردعوا منها.
فما دام لم يمنعوا فإن سكوتهم وعدم ردعهم في زمنهم يكون دليلاً على السير العقلائية القائمة ولوبعد ألف سنة، فتكون حجية السيرة العقلائية مطلقة على رأيه الشريف.
الاحتمال الثاني:
في قوله(قدس سرّه): (مما علموا وأخبروا بوقوع الناس فيه) حيث يستفاد منه أنّ حجية السيرة منحصرة في الموارد التي أخبر الأئمة(عليهم السلام) بوقوعها بين الناس كإخبارهم بأنه سيأتي زمان تطول فيه غيبة إمامهم ويُحرمون من الوصول إليه فلا بد من اتّباع علمائهم، وعلى هذا الاحتمال لا يكون
1. فروع الكافي: 434، كتاب المعيشة، ح1.
مراد المرحوم الإمامحجية جميع السير المستحدثة بل مما علمو وأخبروا بوقوع الناس فيه فقط.
الرأي المختار:
باعتقادن ما يمكن أن يستفاد من كلام الإمام هوالاحتمال الأول بمعنى أنّ: (أخبروا بوقوع الناس فيه) لا دور له في استدلال الإمامورأيه وإنما الذي يلعب دوره في نظره هوأنّ الإسلام دين كامل وأن النبي(صلي الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) قد بيّنو للناس ما يُقرّبهم إلى الجنة ويبعّدهم عن النار فلوعلموا أنّ المؤمنين سيُبتلون في زمن ما بسيرة غير مقبولة من الدين كان عليهم أن يبيّنوا ذلك من خلال عبارة كليّة وبيان عام بحيث يُفهم منها المنع ويستفاد منها ردعهم عن هذه السيرة.
فمن باب المثال نقول في باب الربا (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(1) أن الله تعالى حرّم الربا ولهذا الكلام إطلاق يشمل جميع أنواع الربا سواءً بين شخصين بأن يقول أحدهما للآخر: أعطيك ألفاً لتسترد إليّ ألفاً ومئتين بعد شهر واحد، أوبين الدولة والبنك من جهة والناس من جهة ففي أيامنا هذه أغلب ما يتوهم فيه الرب هوما كانت الدولة أحد طرفي المعاملة
1. البقرة: 275.
الربوية بأن تعطي البنوك الحكومية قروضاً للناس ثم تأخذ منهم الزيادات والأرباح، فقد يتصوّر البعضٌ أنّ الرّبا المحرّم هوما كان بين شخصين أما إذا أعطت الدولة أرباحاً أوأخذت فإن ذلك غير محرم.
قلنا لهم: فماذا تفعلون بإطلاق (حَرَّمَ الرِّبَا) حيث يحكم بإطلاقه بتحريم الربا على نحومطلق إلى يوم القيامة، ويتصور البعض الآخر أنّ الربا المحرّم هوالربا الاستغلالي بمعنى أن يحتاج شخص معوز إلى ألف دينار ليصرفه على نفسه أوعلى أولاده أوعلى مريض فيأخذ ألفاً من أحدهم ليردّ إليه ألفاً ومئتي دينار فيما بعد، هذا نوع من الاستغلال، وأما لواستدان من أحدهم ألفاً ليفتح بذلك عملاً منتجاً له حيث يكسب منه ألفاً وخمس مئة فأين الإشكال لوأرجع ألفاً ومئتين إلى الدائن؟ قلنا لهم أنّ هذا كله ينافي إطلاق (حَرَّمَ الرِّبَا).
قال لي أحدهم يوماً ما بأن لا مانع من الربا بين الحكومة والناس والربا المحرّم ما كان بين الأشخاص فقلت له: ان كان المراد بـ (حَرَّمَ الرِّبَا) الربا بين الأفراد فالمراد بـ (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) بين الأفراد فلوباعت الحكومة أوالبنك شيئاً لك وأنت اشتريته يجب أن لا يشمله (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مع
1. البقرة: 275.
أنّ ذلك لم يلتزم به أحد من الفقهاء بمعنى أن يختص (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) بما وقع من البيع بين الأشخاص بل له إطلاق كما أنّ لـ (حَرَّمَ الرِّبَا) إطلاقاً يشمل الموارد السابقة كلها وإلى يوم القيامة، وعليه فلوأنّ سيرة عقلائية سوف تنعقد في المستقبل لم تكن مرضية لدى الشارع كان عليه الردع عنها.
إشكال على مبنى الإمام والجواب عنه:
أول م يتبادر إلى الذهن من الإشكال على كلام الإمام هوأنه يمكن أن تكون العمومات والإطلاقات الرادعة عن هذه السيرة قد صدرت من الشارع لكنها لم تصل إلينا فليس كل م صدر من الشارع قد وصل إلين، فقد يكون الردع قد صدر من الشارع عن هذه السيرة المستحدثة ولم يصل إلينا.
والجواب: عن هذا الإشكال واضح وهوأنّ مجرد صدور الردع غير كاف بل لا بد من وصول الردع إلين ليكون مفيداً في الردع عن السيرة.
وما قرأناه في كلام الإمام(قدس سرّه) يمكن أن يستفاد منه في كثير من المسائل المستحدثة في هذه الأيام، فإذا ادعى فقيه كفاية عدم وجدان الردع عن السيرة المستحدثة فيما بين أيدينا من القرآن والسنة في الاستدلال على
حجية هذه السيرة المستحدثة لتغير مسار الفقه، وإن قلنا بعدم كفاية هذا المقدار من عدم وجدان الردع في حجية السيرة كان للفقه مسارٌ آخر.
ملخص البحث:
قلنا: إن تمسّكنا بسيرة العقلاء في وجوب مراعاة هذه الحقوق المستحدثة بأن أجرينا السيرة في الحكم لا في الموضوع، بمعنى قيام السيرة على وجوب مراعاة حقوق الطبع والتأليف والاختراع أمكن الإشكال عليه بأنّ هذه السيرة من السير المستحدثة ولا حجية للسير المستحدثة ولا اعتبار له، ثم نقلنا كلام الإمام(عليه السلام) في حجية السير العقلائية المتصلة وغير المتصلة منها بعصر المعصوم(عليه السلام) وذكرنا احتمالين في كلامه، وبينّا طريقة الشارع في الإمضاء على مطلق المرتكزات العقلائية ثم ناقشناها بإشكالاتها.
الإشكال على كلام الإمام(ره):
هل يمكن أن نحكم بحجية سيرة توافق عليها العقلاء بما هم عقلاء بعد ألف سنة من عصر الشارع؟ مع أنّ هذه السيرة لم تبلغ إلى حد الابتناء على حكم عقلي لنُجري عليه قاعدة الملازمة (كلما حكم به العقل
حكم به الشرع) فإنّ حقّ التأليف مثلاً قام بناء العقلاء على أنّه حقّ من حقوق الإنسان وتجب مراعاته لكنه ليس مبّتنياً على حكمٍ عقلي حتى ندخل في إثباته عن طريق قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع. فإن اشترطن في حجية السيرة إمضاء الشارع فإنّا نعلم بعدم وصول الإمضاء من قبل الشارع في هذه السير المستحدثة وإن أمكن توهم بعض الأمور على أنها تثبت إمضاء الشارع وسنذكره، ويمكن أن يُدّعى بأن عدم الردع كاف في المسألة، نعم يمكن القول بالردع في الموضوع المحقق في الخارج أوعلى الأقل في ما أُخبر بوقوعه في المستقبل فإن عقد التأمين مثلاً لم يكن معروفاً قبل ألف سنة واليوم جرت عليه سيرة العقلاء، فلوأنّ الشارع صار في صدد الردع عن هذه السيرة آنذاك لم يكن الناس ليفهموا معنى التأمين، وعليه لا بد في الردع من تحقق الموضوع ليمكن الردع عنه أوفيما وقع الإخبار عن وقوعه، ومن هن كان الحق في جانب المشهور في عدم الدليل على حجية السير العقلائية المستحدثة ويكفينا في ذلك أن نشك في حجيتها فإنّ الشك في الحجية يساوق العلم بعدم الحجية كم ثبت ذلك في علم الأصول فمتى شككنا في حجية شيءٍ فإن هذا الشك يوجب العلم بعدم الحجية فكلما تأملنا ودققنا النظر في
المسألة رأينا الحق مع المشهور وعليه فلا وجه لما تفضل به المرحوم الإمام(رحمة الله) وقد نقلنا كلامه من كتاب الاجتهاد والتقليد.
الأدلة المتوهمة على حجية السير المستحدثة:
وهناك أمور يمكن أن يتوهم كونها أدلة على حجية السير المستحدثة:
الأمر الأول: تمسّك بعضهم بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة من سورة الأعراف: (خُذِ الْعَفْووَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(1) والاستدلال بفقرة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) حيث إن العرف ما هومتعارف بين الناس، ما هومعروف بين الناس، ما يستحسنه الناس.
فلوالتزمن بهذا المعنى الكلي للعرف قلنا: إن النبي(صلي الله عليه وآله) كان مأموراً بأن يأمر الناس بما يقبلونه ويرتضونه فلوأنّن حملنا العرف على معنىً يشمل سيرة العقلاء دلّت الآية على إمضاء جميع السير العقلائية والأمور العرفية كلها (العرف في عصر الشارع والعرف إلى يوم القيامة).
ولا يمكن الالتزام بأن الألف واللام الداخلة على لفظ (العرف) لتعريف العهد ليكون مراد الله به نوعاً خاصاً من العرف، بل الألف واللام
1. الأعراف: 199.
للجنس أي كلّما كان مصداقاً للعرف من زمان الشارع إلى يوم القيامة، فإن أُمِر به النبي(صلي الله عليه وآله) أُمِر به جميع الناس وبهذا يكون القرآن قد صحّح جميع السير العقلائية وأمضى عليها إلى يوم القيامة من خلال هذه الآية الشريفة.
الإشكال على هذا الدليل الأول المتوهم:
توضيح الإشكال هوأن للعرف عنواناً موضوعياً في قوله تعالى: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ويعني تلك الموضوعات المعروفة بين الناس بعنوان الحسن والمعروف، وهذا لا علاقة له بالأحكام الشرعية وإنّما الكلام في استفادة الأحكام من السيرة العقلائية، ألا ترى أنه لا يمكن لأحد أن يدعي بأن الناس غالباً ما يستخرجون الحكم الشرعي من القياس فيكون عملهم هذا داخلاً في الآية إلّا أن العمل بالقياس خرج من الآية بالأدلة الدالة على حرمة القياس، لا يجوز هذا الادّعاء أبد، فإنّ (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ليس ناظراً إلى الأحكام بل نظره إلى الموضوعات التي عُرفتْ عند الناس بالمعروف سواء يراه العقل معروفاً أوالعقلاء أوالشارع يراه معروفاً ويكون معنى الآية: بيّنْ للناس الأشياء والموضوعات الحسنة.
يقول صاحب كتاب مجمع البيان المجلد الرابع ص512: العرف هوالسيرة الحسنة والعادة المرضية التي يدرك حسنها وصحتها عقول الناس.(1)
وللعلامة المرحوم الطباطبائي(2) نظير هذا الكلام في ذيل هذه الآية وعلى المعنى الذي ذكر للعرف في مجمع البيان ينحصر الكلام في الأعمال والموضوعات الخارجية ولا ربط له بالأحكام، فلا تأمر الآية (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) بقبول الحكم الشرعي المستخرج من سيرة عقلائية.
وفيما نحن فيه نريد أن نعرف هل أنّ الشارع أمضى على صحة الحكم المستفاد من سيرة العقلاء أولا؟
والاستدلال بهذه الآية إنما كان لأجل أن نثبت إمضاء الشارع على السير المستحدثة إلى يوم القيامة تلك السير التي يستخرج منها الأحكام
1. قال الطبرسي في ذيل الآية الشريفة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) يعني بالمعروف، وهوكل ما حسن في العقل فعله، أوفي الشرع، ولم يكن منكراً ولقبيحاً عند العقلاء، مجمع البيان 4: 415، راجع تفسير التبيان 5: 62.
2. الميزان 8: 384.
الشرعية إلّا أننا نرى أنّ العرف (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) لا مدخلية له بالأحكام وبالتالي فلا علاقة للآية بما نحن فيه.
ومن هنا فإن الرواية الواردة في ذيل هذه الآية الشريفة عن النبي(صلي الله عليه وآله) الذي يقول: (إن مكارم الأخلاق عند الله أن تعفوعمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي مَن حرمك، ثم تلا النبي«صلي الله عليه وآله» هذه الآية...)(1) لها مصاديق خارجية ولا علاقة لها بالأحكام.
وعليه ل تدل الآية الكريمة على ما نحن بصدده.
الدليل الثاني المتوهم على حجية السير المستحدثة:
قد يقال: إنه يستدل على حجية السير المستحدثة بآية: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) أو (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)(3) كيفية الاستدلال أن سيرة العقلاء عهد بين العقلاء وهي تعني بناء العقلاء وتبانيهم وتوافقهم، والمراد بالعقود في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هوالعهود، وكذا الآية الأخرى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) حيث إن السيرة العقلائية
1. راجع تفسير الدر المنثور 3: 282.
2. المائدة: 1.
3. البقرة: 177.
سواء في الموضوعات أم في الأحكام، تعتبر من مصاديق العهد، فلوقامت سيرة العقلاء على حكم كوجوب مراعاة حقّ التأليف ولوبعد ألف سنة فإنها عهد وكل عهد يجب الوفاء به بحسب الآية.
والاستدلال بهذه الآية أقوى من الاستدلال بالآية السابقة فإن السيرة العقلائية هنا وإن كانت في الأحكام فإنها توافق وتبانٍ وعهد بين العقلاء ومضمون الآية: (أَوْفُو بِالْعُقُودِ) والعهود إلى يوم القيامة.
الإشكال على الدليل الثاني:
الإشكال الأهم على هذا الدليل إنّما يتمثّل في التشكيك والترديد في صدق العهد على السيرة العقلائية إذ لوسألنا العقلاء أنفسهم: هل هناك عهد وتعاهد بينكم عند قيام سيرتكم على وجوب اعتبار حقّ التأليف؟ قالوا: كل، فنحن نسلّم أنه كلما حصل العهد حصل التوافق وليس كلما حصل التوافق والتباني كان العهد موجوداً.
مثلاً لوجرى بناء العقلاء عملاً على أنّ العبور من الشارع يجب أن يتم من موضع خاص من الشارع فهل يوجد هنا عهد منهم؟ كلا والشاهد على ذلك هوأنّه لوخالف أحدهم هذا التباني وعبر الشارع من نقطة
أخرى قالوا له: إنّك خالفت سيرتنا وطريقتنا ولا يقولون له: نقضت عهدنا ولا وجود لنقص العهد هن، فإنّ العهد التزام قلبي بين الطرفين أوأطراف متعددة فقد يتم التوافق العملي على أمرٍ بين ألف إنسان من غير وجود عهد منهم وذلك كم لوتوافق مجموعة على أن يكون وقت الدرس في ساعة معينة من غير وجود للعهد وهنا لوتأخر أحدهم عن ذلك الموعد لا يقال إنه نقض العهد، وفي اعتقادنا لا يصدق العهد على تباني العقلاء.
السيرة العقلائية عهداً:
يعتمد بعض أساتذة الجامعة على الاستدلال بأن السيرة العقلائية عهد عرفي والعرف يراه عهداً (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) أي العهد العرفي، وعليه يكون الشارع قد أمضى على السير المستحدثة إلى يوم القيامة إلّا أننا لا نراها عهداً كما أنها ليست عهداً عند العرف وإن أطلق بعضهم عليها اسم العهد مسامحة ومجازاً.
أقرّ بعضهم بأن السيرة العقلائية عهد عرفي إلّا أنه أنكر أن تكون من العهود العرفية التي أمضى عليها الشارع لتشملها آية (وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ)(1) إذ ليس كل عهدٍ مورداً للآية وهكذا (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) حيث تشمل العقود العرفية التي أمضى عليها الشارع.
وعليه فإن صدق الحق والعهد والعقد على حقّ التأليف من وجهة نظر الشارع هوأول الكلام.
إذن لاحظتم أننا بحثنا في الآيات القرآنية ولم نجد فيها ما يدلّ على حجية السير المستحدثة ولم كان لهذا البحث أهمية كبيرة كان لا بد من متابعة هذا البحث فنقول: إن قيل بحجية السير المستحدثة ترتب عليها أحكام كثيرة وإن قيل بعدم حجيتها ترتبت أحكام أخرى على هذا القول.
1. البقرة 177.
2. المائدة: 1.
تتمة الإشكال على الاستدلال بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة:
كان البحث حول الاستدلال بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة وكانت الآية: (خُذِ الْعَفْووَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(1) من الأدلة على ذلك.
وقد قلن بعدم تمامية الاستدلال بهذه الآية على حجية السير المستحدثة ولنا على ذلك شواهد، منها أن قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) للاستحباب و (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) للاستحباب وعليه يجب أن يكون (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أيضاً للاستحباب وذلك لقرينة السياق.
وعلى الاستحباب تكون الآية أجنبية عن المدعى إذ المدعى حجية السير العقلائية المستحدثة بمعنى أن العقلاء إذا حكموا بوجوب مراعاة حقوق الطبع والتأليف مثلاً وجب علين الالتزام بوجوب مراعاته، أما لوإلتزمنا بأن كلمة العرف في (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) تشمل السير العقلائية المستحدثة ثبت بالآية رجحان العمل بهذه السير العقلائية فيكون المعنى
1. الأعراف: 199.
أنّ الراجح أن تأمر الناس بالعمل بهذه السير، وهذ كلام غير تام لأن المدعى وجوب العمل بما قامت السيرة العقلائية عليه.
وبرأينا ل يمكن إثبات حجية السير العقلائية المستحدثة خلافاً لما ذهب إليه المرحوم الإمام(رحمة الله) فلا يمكن أن نثبت من الأدلة حجية كل سيرة للعقلاء بما هم عقلاء لتكون سنداً ودليلاً للفقيه.
حل الإشكال على أساس الاستصحاب القهقرائي:
هناك طريقة واحدة بأن نقول فيما نحن فيه: إنّا نعلم الآن بقيام سيرة العقلاء على لزوم مراعاة حقّ التأليف، ونشك في أنّ العقلاء في عصر الإمام المعصوم(عليه السلام) هل كانت لهم هذه السيرة أولا؟ في مثل ذلك يجري الاستصحاب القهقرائي وهوعلى عكس الاستصحاب المتعارف ففي الاستصحاب المتعارف لدينا يقين سابق وشك لاحق، وفي الاستصحاب القهقرائي يكون الشك سابقاً واليقين لاحقاً مثلاً في علم الأصول يقال في باب معرفة معاني الألفاظ بأن لفظ (الصلاة) في هذا الزمن ظاهر في الأركان المخصوصة وهي معناه الموضوع له وهنا نشك في أنّ الواضع هل وضع لفظ (الصلاة) في هذا المعنى من الأول حتى لا يثبت النقل أووضعه لمعنى آخر ثم نُقل منه إلى هذ المعنى؟ فإنّهم
يتمسّكون بالاستصحاب القهقرائي لإثبات أن هذا المعنى الحالي هوالذي قد كان سابق، وكذا يقال فيما نحن فيه بأنا نعلم بوجود سير كهذه عند العقلاء ونشك في ثبوت هكذا سير للعقلاء في زمن المعصوم(عليه السلام) ونجري الاستصحاب القهقرائي ونثبت به وجود هذه السير سابق، وبالنتيجة لا تكون السيرة فيما نحن فيه من السير المستحدثة.
الإشكال على جريان الاستصحاب القهقرائي فيما نحن فيه:
سلّمنا صحة الاستصحاب القهقرائي وأنه لا فرق بينه وبين الاستصحاب المتعارف من ناحية الحجية إلّا أنه لا وجود للشك السابق فيما نحن فيه بل لوسُئِلنا عن وجود سيرة العقلاء على لزوم مراعاة هذه الحقوق في الزمان السابق لأجبنا باليقين بعدم ذلك حيث نعلم بأن هذه السيرة إنما حدثت في المئة والمئتين سنة الأخيرة وعليه فلا مجال للاستصحاب القهقرائي.
حصيلة البحث:
أهم الأدلة على حقّ التأليف هوالتمسك بسيرة العقلاء ونحن نقبل سيرة العقلاء في الموضوعات والعقلاء يرون حقّ التأليف حقاً ومالاً وإذا ثبت
كونه حقاً ومالاً وجبت مراعاته من باب: (لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1) فيتمّ الاستدلال بهذه الأدلة النقلية، فلا مانع من التمسك بسيرة العقلاء في تنقيح الموضوع وتشخيصه ويتم الاستدلال به، أما لوأردنا استنباط الحكم من سيرة العقلاء بأن نلتزم بقيام سيرة العقلاء على وجوب مراعاة هذه الحقوق وبالتالي نعتقد بوجوب مراعاتها فإن هذه السيرة سيرة مستحدثة لا يصح الاستدلال بها.
الدليل الثاني على وجوب مراعاة حقّ التأليف والسيرة المستحدثة:
الدليل الثاني هوالتمسك بالآية الكريمة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) وكيفية الاستدلال بالآية: أن من ألف كتاباً اختص له حقّ يسمى حقّ التأليف، وقد يتّفق المؤلف مع شخص آخر بأن يأخذ منه مبلغاً معيّناً بإزاء إنتقال حقه في التأليف إلى ذلك الشخص ونحن نشك في أن هذا العقد والاتفاق
1. عوالي اللئالي 1: 222، وسائل الشيعة 29: 10، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح3.
2. المائدة: 1.
هل يجب الوفاء به أولا؟ نتمسك هن بعموم أوفوا بالعقود ونحكم بوجوب الوفاء بهذا العقد.
الإشكالات الواردة على الدليل الثاني:
الإشكال الأول:
أن المراد بالآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إما أن يكون العقود الشرعية أي أوفو بالعقود التي أمضى عليها الشارع وحينئذٍ لا بد من إحراز أنّ العقد عقد شرعي أولا.
حتى يثبت وجوب الوفاء به وليس ذلك محرزاً فيما نحن فيه، وإما أن يراد بـ (أَوْفُو بِالْعُقُودِ) كما يراه المشهور (ما يسمى بالعقد عند العقلاء) والعقد العقلائي متفرّع على ما يكون مالاً وحقّاً ليصح العقد فيه، فإن شككنا في أن هذا مال أول مالية له وشككنا في أن هذا حقّ أوليس بحق فإن العقد في مثل ذلك لا دليل على وجوب مراعاته.
فالإشكال هوأنّنا لما لم نحرز كون حقّ التأليف مالاً وحقاً لم يثبت كونه عقداً عقلائياً أوعقداً شرعياً وبالتالي لا يدخل تحت عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لدينا وذلك كم لوجرى عقد بين شخصين على ملكية أشجار
غابة فإننا نشك من الأساس في صحة وقوع أشجار الغابة تحت الملكية الشخصية فلا يجري عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هنا.
الإشكال الثاني:
أن الدليل أخص من المُدَّعى لأن كلامنا فيما إذا لم يقع عقدٌ أساساً ـ كما لوألّف كتاباً فهل يتعلق به حقّ باسم حق التأليف قبل أن يقع العقد بحيث لوأضاعه وأتلفه الآخر ضمنه أويورّث ذلك الحق بعد موت المؤلف فإن الاستدلال بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إنّما يصحح تلك العقود التي انعقدت على هذا الحق وهذا أخص من المدعى، فالاستدلال بهذه الآية غير تام ويرد عليه إشكالان.
الدليل الثالث:
الدليل الثالث الاستدلال بحديث (لا ضرر)، كيفية الاستدلال به أنه لولم يُراعَ حقّ المؤلف كان ذلك إضراراً به، فمن أجهد نفسه وتعب مدة عشر سنوات وألّف كتاباً ولم يراع حقه الآخر فطبع كتابه ونشره باسمه فإن هذا إدخال للضرر على المؤلف وينفيه حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)(1) كما حصل ذلك مع أحدهم حيث كتب مقالاً بخط يده
1. تفصيل وسائل الشيعة 25: 428 كتاب إحياء الموات ب12 ح3، 4.
وأخذه منه الآخر ليطبعه لكاتبه إلّ أنه وللأسف قد طبعه باسمه لا باسم كاتبه.
الإشكالات على الدليل الثالث:
هناك عدة إشكالات على هذا الدليل:
الأول: ما معنى (لا ضرر)؟ فيه آراء عديدة منها رأي المرحوم الإمامuوهوأنّ لا ضرر حكم من النبي(صلي الله عليه وآله) على نحوالحكومة فيكون حكماً خاصاً حكومياً غير قابل للتعدي إلى سائر الموارد ولا حكومة له على الأحكام الأولية، ومنها رأي المشهور وهوأن لا ضرر حكم ثانوي حاكم على أدلة الأحكام الأولية مثلاً يقول الدليل: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(1)، ثم يقول حديث لا ضرر: إن كان الوضوء ضررياً فلا تتوضؤوا.
الإشكال الثاني: أن لسان حديث لا ضرر لسان النفي أي رفع الحكم الضرري مع أن المدعى إثبات الحق لمن ألف كتاباً ولا يمكن الاستدلال
1. المائدة: 6.
بحديث لا ضرر لإثبات هذا الحكم لأن لسان لا ضرر لسان النفي ولا يمكن إثبات الحق بلسان النفي.
دليل آخر على حقّ التأليف:
ذكرنا إلى هنا أدلّة متعددة على حقّ التأليف حيث كان بعضها مقبولاً لدينا وبعضها مرفوض، وهنا أدلة أخرى يمكن الاستدلال به، منها التمسك بأدلة حرمة السرقة والغصب وذلك أن من نشر وطبع كتاباً لآخر من غير إذن مؤلفه صدق على ذلك عنوان الغصب بل يصدق عليه عنوان السرقة، وهما محرّمان في الشريعة فمن ارتكب ذلك فقد ارتكب الحرام واقترف المعصية.
الإشكالات على هذا الدليل:
الإشكال الأول: أنّ الغصب والسرقة إنما يصدق مع إحراز كون الشيء مالاً أوحقاً فمن تعدّى على هذ الحق أولم يراعه صدق عليه عنوان السارق أوالغاصب فما لم تثبت مالية الشيء وحقيته ل يجوز الاستناد إلى هذا الدليل، وبعبارة أخرى لا يمكن إثبات المالية والحقية للشيء
بهذه الأدلة بل لا بد من إثبات المالية أولاً ليصدق عنوان الغصب فيما لوتصرف الآخر فيه من غير إذن مالكه فيقال هذا غصب وهذا حرام.
وللغصب تعريفات عديدة عند الفقهاء أحدها هو (الاستيلاء على مال الغير عدواناً)(1) وفي مورد البحث لا نعلم بأن حقّ التأليف هل هومال للمؤلف أولا يعد مالاً له.
الإشكال الثاني: أنّ عنوان السرقات الأدبية وإن أصبح تعبيراً دارجاً في هذه الأيام فمن ألّف كتاباً أخذه من كتاب الآخرين قالوا: إنه قام بسرقة أدبية ومن طبع كتاباً للآخر واستنسخه لصالحه ولمصلحته الشخصية كان عمله مصداقاً من مصاديق السرقة الأدبية، إلّا أنّ المفهوم الفقهي للسرقة غير صادق عليه، فإن السرقة بمفهومها الفقهي أحد المحرمات ويجري عليها حد السارق بالشروط الخاصة المذكورة في محلها لكنها لا تصدق على السرقة الأدبية فلوأطلقها عليها أحدهم كان ذلك من باب المجاز والمسامحة، فهذه التعبيرات يجب أن لا توقعنا في الخطأ حيث إنهم يطلقون عنوان السرقة على تصرف أحدهم في حقّ التأليف من دون إذن صاحبه ويقولون بأن السرقة لا شك في أنها من الذنوب الكبيرة لكنها
1. راجع جامع المقاصد 6: 208، رياض المسائل 14: 5.
وإن سلّمنا بحرمة عدم مراعاة حقّ التأليف فأنى لنا إثبات أن هذا العمل من الذنوب الكبيرة، فمجرد التعبير بالسرقة يجب أن لا يوقعنا في الخطأ فنحكم بحرمتها بل صدق عنوان السرقة والغصب فيما نحن فيه مشكوك فلا يمكن التمسك بهذه الأدلة.
أهم ما يمكن أن يستدل به في المقام الأول هوالعقل ويمكن تقريره بوجوه متعددة:
الوجه الأول: أنّ من طبع كتاباً لآخر من غير إستئذانٍ منه ونشره كان ذلك ظلماً وقبح الظلم من الأحكام العقلية الأولية ولا علاقة له بالسّرقة والغصب، فمن نشر كتاب شخص بدون إذنه أوباعه أونقل من كتابه موضوعاً علمياً أوأخذ اسماً خاصاً لشركة غذائية اشتهرت بين الناس وجعله اسماً على منتجاته للاستفادة من شهرته فأن كل ذلك من مصاديق الظلم والعرف والعقلاء أنفسهم يشهدون بكونها من مصاديق الظلم والعقل يحكم بقبح الظلم وكلما حكم به العقل حكم به الشرع، فيجب أن يحكم الشارع أيضاً بقبحه.
وهذا الوجه العقلي لا يرد عليه إشكال ومحذور حسب اعتقادن، وعليه فمن طبع ونشر مؤلفاً لغيره بدون إذن منه فإنه ظلم ولا يعتبر في باب الظلم أن يكون الشيء مالاً لشخص لنشترط إحراز ماليته أول، حتى
أن في تحقق الظلم لا يلزم أن يكون الشيء ملكاً لغيره لنعتبر إثبات الملكية أول، بل يكفي في باب الظلم أن يكون الشيء حقاً لغيره ليكون عدم مراعاته ظلماً لصاحبه، غاية الأمر أنّا نعلم تارةً بأنّ هذا حقّ وبعد أن اتّضح كونه حقاً حكمنا بأن التعدي عليه أوعدم مراعاته ظلمٌ والظلم قبيح، وتارةً بحكم العرف بأنك لوفعلت هذا الفعل كان فعلك ظلماً ونحن من هذا الطريق نستكشف وجود الحق هن، ففي كثير من الاستدلالات السابقة كنّا نواجه هذا الإشكال القائم على وجوب إحراز كون الشيء حقاً ففي الغصب كان اللازم علينا أولاً إثبات مالية الشيء لتشمله أدلة الغصب، أما في التمسك بدليل الظلم يكفي أن نقول بأن العرف يحكم بأن عدم مراعاة هذا الأمر ظلم مما يستكشف من ذلك أنه حقّ والظلم قبيح عقلاً فالفعل يحكم هنا بلزوم مراعاة حقّ التأليف وحق الاختصاص، ولا يرد على هذا الوجه للدليل العقلي أي إشكال من الإشكالات الواردة على الأدلة السابقة على ما أعتقده.
الوجه الثاني: للدليل العقلي لا ربط له بالظلم، تقريره أنّ العقل يحكم بأولوية كل إنسان بعمله فمن أنتج مادة غذائية ومن بنى بناءً وعمارةً سكنية ومن بنى محلاً صغيراً فإن العقل يرى أنّ هذا الصانع أولى بهذه الأشياء من سائر أفراد البشر فكما يقرّ العقل بالأولوية في أعماله فكذا
يقر بالأولوية في نتائج هذه الأعمال بمعنى أن من يؤلّف كتاباً كان الأثر المترتب عليه أنه يمكنه طبع هذا الكتاب في ألف نسخة لتحصيل الأرباح منها فإن العقل يحكم بأنّ صاحب هذا الكتاب أولى به من غيره والعقل يدرك هذه الأولوية.
فإذا قبلن بأن العقل كما يرى الإنسان أولى بسائر أفعاله وأعماله فكذا يراه أولى بنتائج أعماله صحّ الكلام وتمّ الاستدلال، يرى بعضهم تمامية المسألة الأولى دون الثانية بمعنى أن العقل يرى أن الإنسان إذا فعل شيئاً كان أولى بفعله وعمله الذي قام به من الآخرين، أما بالنسبة إلى آثار أعماله ونتائجها فإنّهم لا يقبلون بأنّ العقل يحكم بأولوية الإنسان بآثار عمله، لكننا نحن نرى عدم صحة هذا التفكيك، فإن العقل لا يرى فرقاً بين المسألتين والمعيار والمناط أن يكون العمل لهذا الإنسان وطالما أنه هوالذي قام بهذا العمل وقد صدر منه فإن العقل يحكم بأنّ هذا الإنسان أولى من الآخرين بهذ العمل، وهذا الملاك والمناط بعينه موجود في الآثار أيض، فلوكان للعمل أثر كان الإنسان أولى وأحق بهذا الأثر، وهذان وجهان للدليل العقلي.
الوجه الثالث: للدليل العقلي ما استُدِلّ به في كثير من أبواب الفقه وهوأنّ العقل يرى وجوب حفظ النظام الاجتماعي للبشر ويحكم بقبح
ما يخالف النظام البشري، وهذه المسألة (حفظ النظام) موجودة في أكثر موارد الفقه حيث إنّ المناط والملاك في الواجبات الكفائية هوحفظ النظام فعندما نقول: الطب واجب كفائي، الهندسة واجب كفائي، دراسة العلوم الدينية واجب كفائي، ذلك لأن النظام البشري إنّما يتقوم على هذه الأمور والعقل يحكم بوجوب حفظ هذا النظام البشري ويحكم بقبح اختلاله، وهنا أُشير إلى أحد موارد الاستدلال بهذا الدليل العقلي في الفقه، وهوباب القضاء وذلك لإثبات مشروعية القضاء حيث لوتنازع إثنان وجب عليهما الرجوع إلى القاضي للتحاكم، فلولم يكن القضاء مشروعاً لزم اختلال النظام فيما لوحصل التخاصم والتشاجر بين الناس ولم يقم أحد بفصل الخصومة وحلّ النزاع والعقل يرى قبح اختلال النظام، وهناك مورد آخر في باب الاجتهاد والتقليد، وقد سبق معنا في أوائل مبحث الاجتهاد والتقليد أن من ترك سبيل الدراسة للوصول إلى مرحلة الاجتهاد فلم يجتهد ولم يقلّد أي ترك سبيل التقليد والاجتهاد ألزمه الناس بالعمل بالاحتياط فإن العمل بالاحتياط إنّما يُرخص فيه عندهم ما لم يؤدّ إلى اختلال النظام، فلوانجرّ الاحتياط إلى اختلال النظام كما لوقلنا بأنّ هذ البائع لا نعلم أنّ المال ماله فنحتاط ولا نشتري منه أواحتطنا في جميع موارد الاحتمالات وجب علينا أن
نترك أعمالنا وأشغالنا ونظل في بيوتنا منشغلين بالاحتياط، فالاحتياط مطلوب ما لم ينجرّ إلى اختلال النظام.
مورد آخر في باب الحدود ففي حد السرقة يجب إجراء الحدود في المجتمع الإسلامي إذْ يؤدي عدم إجرائها إلى اختلال النظام، نعم قد يقوم دليل آخر تعبّدي على عدم جواز تعطيل الحدود شرع، فمن عطَّل حداً شرعياً ارتكب الحرام، ومع قطع النظر عن هذا الدليل الشرعي فإن العقل مستقل عندهم بأنّ عدم إجراء الحدود ينجرّ إلى إختلال النظام، وهناك مورد رابع في دليل الانسداد فإن قلنا بانسداد باب العلم والتزمنا بعدم حجية الظن المطلق لزم اختلال النظام.
هناك عبارة للإمام(قدس سرّه) في كتاب البيع في باب الحكومة الإسلامية وحكومة الفقيه حيث يستدل على حكومة الفقيه بهذا الوجه (وجوب حفظ النظام) حيث يقول: (أن حفظ النظام من الواجبات الأكيدة واختلال أمور المسلمين من الأمور المبغوضة ولا يختص ذلك بأمور المسلمين بل يعم الجميع، ومن هنا يحكم العقل بأنّ الفقيه يجب أن يتصدّى الحكومة من باب وجوب حفظ النظام بحكم العقل.(1)
1. كتاب البيع 2: 609 بتفاوت.
ومن الموارد الأخرى أنّ بعض الفقهاء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرى أنّ العقل المستقل يحكم أنّ من رأى وقوع المنكر في المجتمع ولم يمنع من ذلك أدّى ذلك إلى اختلال النظام، من أراد أن يكذب أويسرق أويتّهم أحداً أويزني انجرّ إلى اختلال النظام وقبح إيجاد الاختلال في النظام هوأحد الأدلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هناك موارد أخرى في الفقه حيث طرح الفقهاء مسألة حفظ النظام البشري وقبح اختلال النظام كعنوان للدليل العقلي المستقل في موارد من أبواب الفقه، ونحن نرى أنّ هذا أمر شائع ودارج في مسألتنا فمن ألّف كتاباً وأراد الآخر طبعه ونشره أومن أراد تكثير السيديات (أقراص السيدي) فإن صاحب العمل غير راضٍ عن ذلك فإنّ من كتب وألّف كتاباً خلال عشر سنوات أوأنتج وصنع فيلماً خلال عشر سنوات وجاء الآخر ليقوم بتكثير هذا العمل أونشره فإنه يوجب اختلال النظام والعقل يستقل بقبح اختلال النظام وبالتالي تكون مراعاة هذه الحقوق واجبة.
وهذا الدليل العقلي أقوى بكثير من السير العقلائية السابقة.
استفادة الحكم الوضعي من الدليل العقلي:
بينّا فيم سبق ثلاثة وجوه للدليل العقلي على وجوب مراعاة حقّ التأليف، والجدير بالذكر في هذ الدليل العقلي هوأنّ غاية ما يستفاد منه هوالحكم التكليفي بمعنى أنّ عدم مراعاة حقوق التأليف وغيره يتصف بعنوان الظلم أوبعنوان الإخلال بالنظام الاجتماعي العام ومن خلال الالتفات إلى هذه العناوين نحكم بوجوب مراعاة حقّ التأليف أمّا استفادة الحكم الوضعي كالضمان من هذا الدليل العقلي فغير ممكنة لأن العقل لا يحكم بالضمان على من تعدّى على حقوق غيره وإن حكم بحرمة ذلك، فإن الضمان نتيجة وأثر تترتب على هذا الدليل العقلي، هذا مضافاً إلى أنه لا يستفاد من هذا الدليل العقلي أنّ من مات انتقل حقه في التأليف إلى ورثته، نعم لوأثبتنا كونه مالاً عُدّ ذلك من تركة الميت، أما لولم نتمكن من إثبات المالية فإنه سوف لا ينتقل إلى ورثة الميت.
نتيجة بحث الأدلة:
ذكرنا إلى الآن خمسة أدلّة على حقّ التأليف تأملّنا في بعضها وقبلنا بعضه، وتوصلنا إلى أنه لا شك في وجود الحق فيما نحن فيه عند العقلاء وعليه فمن أنكر ثبوت الحق لمن ألّف كتاباً وانتهى من طبعه وتأليفه أوتردّد في ثبوت حقّ التأليف لم يبق مجالٌ لإثبات هذه المسألة لا عن طريق السيرة العقلائية في الموضوع أوفي الحكم ولا عن طريق الأدلة الأخرى كما هوالشأن عند بعض الفقهاء منهم المرحوم الإمام(رحمة الله) حيث يذكر في آخر كتاب تحرير الوسيلة أثناء مبحث المسائل المستحدثة ما مضمونه: م يُطرح اليوم عند بعض الفقهاء بعنوان حقّ التأليف أوحقّ الطبع فإننا لا نقبله كحق شرعي ومن اشترى الكتاب صار مالكاً له ودخل الكتاب في ملكه وتجري في حقه قاعدة: (الناس مسلطون على أموالهم) ويقول أيضاً: ولا أثر فيما لوكُتِبَ على غلاف هذ الكتاب عبارة (حقوق الطبع محفوظة)(1) وعليه فإن شككنا في أصل وجود المالية
1. تحرير الوسيلة 2: 562، الفرع الثالث، بتفاوت.
والحقية لم يبق مجال لاعتبار هذه العقود التي يُعبَّر عنها في أيامنا هذه بالمالكية الفكرية، أما لوثبت عند الفقيه أنّ العقلاء يقرّون بهذا الحق وأنه مال أوحقّ فلا بد له من القبول والالتزام بوجوب مراعاة حقّ التأليف لوجوب مراعاة حقوق الآخرين وعدم التعدي عليها بدليل: (لا يحل مال امرئٍ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1)، و(مَن أتلف مال الغير فهوله ضامن)(2) وذلك لأن إتلاف كل شيء بحسبه فإتلاف الإناء بكسره ومن فكّك رمز القفل للسيدي المتعلق لغيره كان عمله مصداقاً من مصاديق الإتلاف ويجب على المُتلِف الضمان بدفع جميع حقوق صاحبه إليه إذ مع تفكيك رموزه أمكن للناس استنساخه، إلّا إذا صرح مالكه ببقاء حقه الخاص بالنسبة إلى الآخرين.
ومن هن فلوأدّعى أحدهم إحرازه أنّ حقّ التأليف حقّ ومالٌ عند العقلاء جرت عنده السيرة العقلائية في الموضوع ولا تحتاج هذه السيرة
1. الوسائل 29: 10، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، ح3.
2. لم نجده في المصادر الحديثية المعتبرة، راجع القواعد الفقهية للبجنوردي 2:28.
إلى حكم الشارع فتتّم المسألة، وهكذ الأدلة الأخرى كهذا الدليل العقلي إلّا أنها تفيد حكماً تكليفياً (وجوب المراعاة) ولا تثبت حكماً وضعياً كالضمان.
دليل أهل السنة على حقّ التأليف:
من الجدير بالذكر أنّ أهل السنة والجماعة إنّما يلتزمون بحق التأليف عن طريق قاعدة المصالح المرسلة التي تعني عندهم كلّ حكم يطابق غرض الشارع وهدفه من تشريع الاحكام من غير أن يقوم عليه دليل خاص أوعام من الآيات والروايات أمّا فقهاء الإمامية فيرفضون هذ المبنى لعدم حجية المصالح المرسلة عندهم.
تنبيهات مسألة حقّ التأليف:
بينّا اُطُر البحث صناعياً حيث ذكرنا الأدلّة القائمة على اعتبار حقّ التأليف وبحثناه بجزئياتها وتفاصيلها وبقي هنا أمور ونقاط نذكرها تحت عنوان التنبيهات:
التنبيه الأول: لوالتزمنا بحق التأليف من خلال أدلته وضوابطه فلا كلام فيه كما نلتزم به وعليه فمن بذل جهده وألّف كتاباً ثبت له الحق فيه ومن اخترع شيئاً ثبت له الحق ولا يجوز للآخرين نشره أوتكثيره، أما لولم يعترف الفقيه ببحث التأليف وأنكر وجوده فإن هن بحثين:
الأول: هل يمكن تصحيح المسألة بالاشتراط بأن يعترف صاحب الكتاب بعدم ثبوت حقّ له في الكتاب الذي ألّفه إلّا أنه يبيع كتابه للآخر ويشترط عليه عدم نشره وتكثيره أويشترط عليه دفع مال زائد فيما لوأراد تكثيره؟ ذهب بعض الأعاظم ممن لا يلتزم ببحث التأليف، إلى أنّه مع هذا الاشتراط من الطرفين لا بد من الوفاء به من باب (المؤمنون عند شروطهم)(1)
إلّا أن إشكالنا على هذا الكلام هوأن المراد بـ (المؤمنون عند شروطهم) عند شروطهم الشرعية، وعليه فإن شُكَّ في أصل ثبوت هذا الحق للبائع وعدم ثبوته كان الشك في مشروعيته هذا الاشتراط، والمستفاد من كلماتهم أنه لوأراد البائع أنّ يشترط هذ الشرط كان ذلك منافياً مع
1. الوسائل 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، ب20، ح4.
(الناس مسلّطون على أموالهم)(1) فمن اشترى هذا الكتاب واستنسخ منه مئة نسخة ووزّعها على الآخرين شملته قاعدة (الناس مسلّطون على أموالهم) لأن الكتاب يُعَدُّ ماله... فلواشترط البائع شرطاً زائداً كان مخالفاً للكتاب والسنة، فالذي نراه هوأنّ من يُنكر ثبوت حقّ التأليف ليس له أن يقول: أنّ هذا الحق غير ثابت إلّا أنه لا مانع من اشتراط الطرفين ذلك، فإن هذا نظير أن يقول الشخص: (ليس هذا الشيء ملكاً لي ولا حقّ لي فيه ولوأردتَ أن تفعل به شيئاً أُبيح لك ذلك بشرط أن تعطيني مالاً في مقابله) فإن هذا الشرط غير صحيح.
البحث الثاني: عن طريق القانون والضوابط بأن نقول: هناك ترديد في وجود الحق فيما نحن فيه من نظر العقلاء إلّا أنهم لووضعوا قانوناً بأن من ألفّ كتاباً لا يحق للآخرين نشره وتكثيره، ولوأراد أن يأذن في ذلك بإزاء مبلغ من المال جاز له ذلك فإن رجع هذ القانون إلى الاشتراط السابق من الطرفين لزمه الإشكال السابق فإن هذا الاشتراط منهما إنما يتمّ فيما لوثبت الحق أول، نعم لا بأس بأن ينص القانون على أنّ مَن طبع كتاباً من غير إذن صاحبه ومؤلفه كان مخالفاً للقانون ويتوجب عليه
1. عوالي اللئالي 1: 222، ح99.
دفع غرامة مالية نظير قوانين السير التي تحكم بوجوب دفع الغرامة فيما لوعبرت الشارع من هذ المكان، وهذا غير مسألة حقّ التأليف فإن حقّ التأليف حقّ أومالٌ يراد وقوع المعاملة عليه أوإثبات توريثه فيما بعد.
فلوبحثنا من ناحية قانونية فإن المسألة تعتبر جريمة ومخالفة للقانون وهي غير مسألة الضمان العقلائي مثلاً لونصّ القانون على أنّ من طبع كتاب غيره يجب عليه دفع مليون تومان إلى صاحب الكتاب وإن كان حقّ التأليف والطبع لهذا الكتاب عشرة آلاف تومان عند الآخرين، فهذا يعتبر جريمة ولا ينطبق عليها عنوان الضمان العقلائي، هذا مضافاً إلى أنّ القانون يمكنه تحديد حقّ الطبع والتأليف في مدّة زمنية معيّنة كعشر أوعشرين سنة كما هوالحال في قوانين بعض دول العالم اليوم، فلوطُبع كتاب مفاتيح الجنان مثلاً من قبل صاحبه فهل يستمر حقّ التأليف مع الوراثة إلى يوم القيامة؟ يقولون: كل، بل له زمن محدود، أما لوقلنا بأنّ هذا مالٌ والمال يُورَّث من مالكه إلى ورثته ومن ورثته إلى الورثة اللاحقين وهكذا يمكن انتقاله إلى عشرة أجيال لاحقة، فهل تطبيق هذ الكلام على حقّ التأليف؟ من جهة القوانين العالمية فإن حقّ التأليف محدود زمني، وعلى هذا فإن أثبتنا أنّ حقّ التأليف مال بدليل سيرة العقلاء أثبتنا عدم محدوديته بزمان معيّن وإن أثبتنا حقّ التأليف بالدليل
العقلي بمعنى أنّ عدم الالتزام به يوجب اختلال النظام الاجتماعي أويؤدّي إلى الظلم استنتجنا وجوب مراعاة حقّ التأليف ما لم يؤدّ إلى الظلم فمن ألف كتاباً وثبت له حقّ التأليف لعشر سنوات أوعشرين سنة فلوطبعوا كتابه ونشروه بعد ذلك ثانية لم يتحقق الظلم لصاحبه ولم ينجرّ إلى اختلال النظام الاجتماعي وعليه يمكن تحديد حقّ التأليف بهذا الزمن المعين.
هل يمكن إثبات حقّ التأليف عن طريق ولاية الفقيه المطلقة؟
قلنا إنّ الضمان لا يثبت بالقانون لأن الضمان مورده المال والحق، فكما أنّ مالية الشيء ل تثبت بالاشتراط من قبل الطرفين فكذلك القانون لا يثبت كون الشيء مالاً نعم يمكن للقانون تعيين الغرامة المالية.
تتمة بحث (حقّ التأليف) من وجهة نظر الآخرين:
قلنا بأن المنكرين لحقوق الطبع والتأليف والاختراع وأمثالها لا يعتقدون بوجودها كالإمام الخميني(رض) وكان هناك طريق واحد لإثبات وجوب مراعاة هذا الحقّ وذلك عن طريق القانون، وقد ناقشناه مفصّلاً:
لزوم مراعاة حقّ التأليف عن طريق (ولاية الفقيه):
والبحث الآخر هوأنّه هل يمكن إثبات إلزامية هذا الحق عن طريق ولاية الفقيه أولا؟
بمعنى أن الفقيه الجامع للشرائط الذي له صلاحية الولاية والحكومة فيما لورأى مصلحة المجتمع الإسلامي في مراعاة هذه الحقوق هل له أن يفتي بوجوب مراعاتها. هذا لولم نقل بمحدوديّة صلاحيات الوليّ الفقيه وحصرها في أموال الغائبين والصغار فإنّه لا يمكنه الإفتاء في هذه المسألة على هذا المبنى، أمّا لوقلنا باتّساع رقعة صلاحيّات الولي الفقيه بحيث يمكنه إعمال ولايته في كلّ ما فيه مصلحة الدين أومصلحة المجتمع الإسلامي -أمكنه فيما نحن فيه أيضاً الحكم بوجوب مراعاة هذه الحقوق، فمثلاً من المسائل المطروحة هنا مسألة النساء اللاتي غاب أزواجهنّ أولم يعيشوا معهنّ كم لوعقد الرجل على امرأةٍ مدّة عشر سنوات لكنه يمتنع أن يعيش معها ويحرمها من النفقة ولا يرضى بأن يطلّقه، ففي مثل هذه الحالة نقول: (الحاكم وليّ الممتنع) وكذا لوكان في عيش المرأة مع الرجل عسرٌ وحرج وقلنا بأن من صلاحيات الفقيه أن يُجبِر الزوج على الطلاق فإن لم يطلّق الزوج طلّقها الفقيه -هذا لكنّنا بيّنا في بحث قاعدة لا حرج أنّه لوجرت قاعدة لا حرج جاز للزوجة من
غير الرجوع إلى الحاكم الشرعي أن تطالب زوجها بالطلاق فإنْ لم يطلّقها طلّقتْ هي نفسها بحسب القاعدة الأولية إذ لوتحقّق الحرج جرت قاعدة لا حرج وأخرجتْ خيار الطلاق المنحصر بالزوج من يد الزوج هذا ولكنّ المتداول والدارج الآن هوأنّ حاكم الشرع فيما لوامتنع الزوج وتعيّن أنّ المورد من موارد العسر والحرج إنّما يحكم بطلاق الزوجة وهي تعتدّ عدّة الرجعية بعد الطلاق ولها أن تتزوّج من رجل آخر بعد إنقضاء عدّته، وهذا الجزء من العمل من صلاحيات الفقيه ليَجعلَ ذلك قانوناً ونحن نعتقد أنّ القوانين في الجمهورية الإسلامية الّتي يسنّها مجلس الشورى وشورى الفقهاء لازمة الاتّباع ولا يجوز مخالفتها. فما يقرره شورى الفقهاء يجب الالتزام به لأن هذه الشورى إنّما يعيّنها وليّ الفقيه نفسه فيكون حجة واجبة الاتّباع وهذا غير القانون الذي تقرّ به إدارة من الإدارات الحكومية. ففي ما نحن فيه لوسنّ قانون باسم (لزوم مراعاة حقّ التأليف وأقرّ به شورى الفقهاء وجبت مراعاته.
الإشكال على الاستدلال بولاية الفقيه:
يمكن القول بعدم مدخلية هذا الاستدلال بمبحثنا فما نحن فيه هوالبحث في أنّ المؤلّف هل يتعلّق به الحق أولا؟ وهل يمكنه بيع حقّه أولا؟
فلودخلت المسألة في صلاحيات وليّ الفقيه يجب تعيين المبلغ الواجب إعطاؤه لهذا المؤلف بنصّ القانون وكذا تعيين الأجل وتحديد المدّة التي يجب إعطاء المال له وهل يُعطى لورثته شيء بعد موته؟ كلّ هذه الأمور يجب أن ينصّ عليها القانون. وبتعبير آخر فإن الإشكال الذي أوردناه على الاستدلال بالعقد لإثبات حقّ التأليف هونفسه يرد على الاستدلال بطريق ولاية الفقيه بمعنى أنّ الوليّ الفقيه ليس له جعل الحقّ لهذا المؤلّف ولا يمكنه التصرّف في الموضوع الخارجي ول يمكنه جعل ما ليس بحقٍ حقاً وما ليس بمالٍ مالاً أي لا يستطيع أن يجعل الحقيّة والمالية لما ليس بحقّ وما ليس بمالٍ إذ انّ للولي الفقيه أن يُصدر أمراً على نحوالإلزام الشرعي أويجعل قانوناً في النظام الذي يُدار على طبق نظره كأن يقول مثلاً: من ألّف كتاباً وأراد الآخر نشره وتكثيره وجب عليه أن يتعاقد مع المؤلّف على أن يعطيه مبلغاً من المال لإرضائه. إلّا أنّ فيما نحن فيه كان أوّل كلامنا حول وجود هذا الحق والمال أوعدمه وقد قلنا بأنّ قوام الماليّة عند العقلاء ليس بأن توجد في الخارج عينٌ بل يقرّون بماليّة الحقوق الفكرية والابتكارية وإن لم تكن لها عينية خارجية ومتى صحّحنا ماليتها جاز بيعها وصحّ توريثها بعد موت أصحابها ويضمن تالفه أوغاصبها.
أمّا من ل يعترف بهذا المبنى وينكر ثبوت الحقّ والمالية كالمرحوم الإمام(رحمة الله) مع عظمته في ميادين الفقه والسياسة وهومبتكر نظرية ولاية الفقيه بدائرتها الواسعة فإنّه يقول: (لم يثبت لدينا حقّ هنا أبداً) وعليه نقول: فإنْ أَمَرَ الوليّ الفقيه بوجوب التعاقد مع المؤلّف في نشر كتابه وقام الآخر بنشره بدون إذن صاحبه فقد فعل فعلاً محرّماً حيث خالف أمر الفقيه لا من جهة إتلاف حقّ الآخرين. وتختلف ثمرة هذا العمل في الفقه وقد يكون له أثر أسوأ من أثر إتلاف الحقّ الشخصي وذلك لأنّ الإنسان قد يضيّع حقّ شخص واحد ويتلفه فإنّه يكون مسؤولاً عنه بإزاء هذ الشخص وقد يخالف الإنسان أوامر الوليّ الفقيه فإنّه يواجه الفقيه في ذلك وشتّان م بين المخالفتين: ومن هنا فلوأتلف الإنسان حقّ المؤلّف وضيّعه لم يكن مديناً له بهذ الحقّ فلا يبقى عليه دينٌ بعد موت المؤلّف بحيث يؤخذ من أصل تركتهِ اللّهم إلّا أن ينصّ القانون على ذلك أويصرّح به الولي الفقيه.
إشكال:
هناك إشكال في بحث حقّ التأليف يمكن بيانه من خلال: قد يقال: وقد يتوهّم بعض من ينكر حقّ التأليف بأن هذا المؤلّف الذّي ألّف هذا
الكتاب إنما تتلمذ على أستاذه وأخذ من كتابه وهكذا أستاذه أخذ ممّن قبله من أساتذته وكتبهم وعليه لم يكن هذا الكتاب ثمرةً لجهود هذا المؤلّف الشخصية ولا يمكننا القول بأنّ هذا الكتاب لشخصه وله حقّ ثابت فيه. وهذا نظير من حفر بئراً ولم يصل إلى الماء فتركها وجاء الثاني والثالث والرابع حتّى الشخص العاشر كلّ منهم حفر تلك البئر ولم يصلوا إلى المياه ثم جاء الآخر وتوصّل إلى الماء بضربة واحدة بقدومه فإنّ هنا لا يمكن القول بأنّ الماء المستخرج لهذا الشخص الأخير فقط بل هولجميع من اشتركوا في حفر هذه البئر. وكذا الحال بالنسبة إلى من اكتشف دواءً فصار من مبتكراته الشخصية وقد اعتمد على نماذج من أدوية الآخرين واستفاد من تجاربهم حتّى حصل على تركيبة جديدة من الدواء فإنّه لا يمكن القول بأن هذا الدواء من مختصّات هذا الشخص إذ لم يتوصّل هولوحده إلى هذا الدواء بل اعتمد على تجارب السابقين وعلومهم وكتبهم في ذلك. وهكذا في أمثال هذه الأمور من حقّ التأليف وحقّ الاختراع وحقّ الابتكار فإنّ العقلاء يعتقدون بالحقية والمالية
(ولا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1) وكيف تم الحصول على هذا المال وهذا الحق؟
بينّ الإشكال بعنوان قد يقال: إنّ من يؤلّف كتاباً أويخترع شيئاً أويصنع دواءً لم يكن ذلك نتيجة لجهوده الشخصية بل يكون المؤلّف قد اعتمد على كتب الآخرين وتحقيقات السابقين وكذا في مسألة صنع الدواء فإن هذا الشخص لم يكن مستقلاً في العمل لوحده بل كان له شركاء على طول الزمن وما دام لم يكن مستقلاً في العمل فلماذا نقرّ له بحقّ بعنوان حقّ التأليف أوحقّ الملكية الفكرية؟
والجواب عن الإشكال:
أوّل جواب عن هذا الإشكال ولم أجده في أي كتاب هوأن هذا الإشكال أخصّ من المدّعى إذ أنّ هناك موارد لا يكون العمل ثمرةً لجهود السابقين وذلك كما في الأفلام السينمائية حيث يقوم الشخص بصناعة فيلم له موضوع جديد وهدف خاصّ ولا يمكن القول بأن هذا الفيلم من صنع الآخرين. والإشكال إنّما يختصّ بما إذا كان كلّ عملٍ مكمّلاً
1. وسائل الشيعة 29: 10، أبواب القصاص في النفس، باب1 ح3، كنز العمال 1: 92ح399، عوالي اللئالي 1: 222.
لسابقه كما في مثال حفر البئر حيث يحفر الأول بمقدار خمسة أمتار ثم يأتي الآخر ليحفر خمسة أمتار أخرى وهكذ الثالث والرابع ويأتي الخامس ليستخرج الماء بضربة قدوم واحدة فإن هنا يكون عمل كل واحدٍ من السابقين جزءاً للعلة للوصول إلى هذه النتيجة، أمّا نحن فنتصوّر عملاً ل يكون عمل السابقين فيه جزء العلة فإنّ الفيلم الأول مثلاً لم يُصنَع قبله فيلم آخر وله طريقة خاصة وفنّ خاص وأسلوب خاص وسيناريوخاص ولا يمكننا القول بأنّ هذا الفيلم عملٌ للآخرين بل صانعه له الإستقلالية في صنعه.
الجواب الثاني: إنّ كلامنا في الحقوق والحقوق إمّا أن يبيّنها الشارع وينصّ عليها كما في حقّ الحضانة وحقّ الولاية وإمّا أن لا يبيّنها الشارع بل يبيّنها العقلاء فيكون منش الحقوق إمّا جعل العقلاء أوجعل الشارع ولا يعتبر في باب الجعل والاعتبار هذه الأمور إذ لواعتبرناها لزم أن لا يكون أحد مالك المال في أيّ زمن لأن المال كان ملكاً لشخص ما في زمان سابق وقد بذل جهده في حفظه ثمّ باعه لشخص آخر فلوقلنا لولم يحفظ المالك الأول هذا المال لم يستطع الثاني أن يحفظه فيكون لمئات الأشخاص الذين تنقل هذ المال بأيديهم الحقّ في هذا المال، ليس كذلك الأمر في الأمور الاعتبارية إذ يعتبرون في باب الملكية والحقّ أنّ هذا الحقّ
من اختصاص أيّ شخص الآن فإن الاعتبار العقلاني قد اختصّ بهذا الشخص الأخير وإن كان الآخرون السابقون لهم المدخلية في وصول هذ المال بالنتيجة إلى هذا الأخير كما في ابتكار دواء لمعالجة داءٍ ومرض حيث لولم تكن الأدوية السابقة لم يتوصل هذا المبتكر إلى صنع دوائه جديد. وكذا الحال في مسألة حفر البئر الواحدة من قبل عدة أشخاص فيما لوأعرض الآخرون عن الحفر وجاء هذا الأخير ليستخرج الماء بضربتين بالقدوم فإن العقلاء يعتبرونه مالكاً لهذا الماء بالحيازة.
فالجواب الثاني هوأن هذه الأمور اعتبارية وجعليّة أي: بجعل الجاعل فقد يكون الجاعل هوالشارع وقد يكون هوالعقلاء حيث إنّهم لا يضعون الأمور والاعتبارات السابقة نصب أعينهم ول يلتفتون إليها بل ينظرون إلى صانع هذا العمل الآن. نظير ذلك في باب القتل حيث لوإشترك عشرة في قتل أحدهم حيث كان أحدهم مراقباً يترصد الأطراف والآخر الباب على المقتول لئلا يتمكّن من الفرار والثالث قتله فقد اشترك الثلاثة في عملية القتل إل أنّ القصاص لا يجري في حقّ الجميع بأن تقلع عينا المراقب المترصّد ويحكم على الذي أغلق الباب على المقتول بالحبس المؤبد ويجري القصاص على القاتل بقتله. فلا يكون هذ المورد ملاكاً لجميع الموارد بل يجب الاستناد إلى القتل في هذا
الباب فإن العرف نظرة إلى القاتل. فالأول راقب والثاني أغلق الباب والثالث قام بالقتل فالمقوّم في باب القتل في استناد فعل القتل إلى الشخص أمّا في الحقوق فلا داعي إلى الاستناد بل هي تابعة إلى اعتبار العقلاء فلوبحث عشرة أشخاص عن كنزٍ م، ثم عثر عليه أحدهم كان الكنز له بحكم العقلاء وإن كان الآخرون أيضاً لهم التأثير في العمل بحسب الواقع لكن العقلاء يرون واجد الكنز هوالمالك له وهوصاحب الحق لأنّه الذي توصل إليه هناك أجوبة أخرى إلّا أنّ في ذكر هذين الجوابين كفاية.
تنبيهات مسألة حقّ التأليف:
بعد بيان الأدلة لا بد لنا من تقديم أمورٍ بعنوان التنبيهات تكملة للبحث:
التنبيه الأول: كون حقّ التأليف حقّاً مالياً:
لوسلّمن أنّ حقّ التأليف حقّ عقلائي لكن هل هومن الحقوق المالية أولا؟ والحقوق المالية م يُدفع بإزائها العوض ويقبل النقل والانتقال كما يقبل الإسقاط فإن حقّ الولاية مثلاً غير قابل للإسقاط بأن يقول
الوالد للولد: أسقطت حقّ ولايتي عنك وكذا حقّ الحضانة. أما الحق المالي فإنه قابل للإسقاط كما هوقابل للنقل والانتقال حتى الانتقال القهري كما لومات الشخص وانتقل حقه إلى الورثة حتى إنّ الموصي يمكنه بأنّ حقّه في تأليف الكتاب فليكن للمؤسسة الفلانية بعد موته ولا يبعد جريان مسألة الوقف في حقّ التأليف لواعتبرناه حقاً مالياً بأن يقول الموصي: وقفت حقّي في التأليف لتصرف عوائده في المكان الفلاني ولا يشترط في باب الوقف أن تكون العين خارجية وفيما نحن فيه عندن عين معنوية وكذا لونشره الآخر بدون إذن مالكه فقد كان عليه الضمان. وقد يسأل البعض عما لووُضِعت لأقراص السي دي رموز وأقفال وشيفرات وفتحها الآخر؟ ربّما يقال بعدم جواز شراء هذه الأقراص وبيعها نعم لا بأس بالنظر إليها فيما لووضعها أحدهم في جهاز حاسوبه إذ لوقلنا بأنها حقّ مالي كان التصرف فيها مشكلاً والنظر والمشاهدة ليس تصرفاً هذا نظير جدران بيوت الناس فإنها حقّ مالي لصاحبها فلونظر أحدهم إلى تلك الجدران لم يصدق التصرف. وفيما نحن فيه قد يقال بأن حقّ التأليف حقّ عقلائي وغير مالي نظير حقّ الحضانة وحق الولاية غير
قابل للنقل والانتقال والبيع نعم يكون عدم مراعاته معصية فلولم يلتزم ولدٌ بحق والده في الولاية عليه لم يفتِ فقيه بالضمان عليه وكذا فإن المرأة لها حقّ حضانة الابن إلى السنتين والبنت إلى السن السابعة فلوحرمها الأب من حقّ الحضانة في هذه الفترة وأخذ إبنه أوإبنته من المرأة فقد كان الرجل عاصياً وليس عليه ضمان.
كلام بعض أهل السنة في المقام:
ذهب بعضهم إلى هذا الرأي. منهم صاحب كتاب الفروق وهوالقرافي من علماء العامة وهومن المالكية حيث تبنّى هذا الرأي وهذا نصّ عبارته: (إعلم أنه يروى عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال: (من مات عن حقّ فلورثته)) وهذا اللفظ ليس على عمومه بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا ينتقل، وم كان متعلقاً بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل إلى الوارث بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقاً بالمال إن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعاً له ول يرثون عقله، وما لا يورث لا يرثون ما لا يتعلق به ومناصبه وولايته واجتهاداته ول ينتقل شيء من ذلك للوارث لأنه لم يرث مستنده وأصله وحاصل رأي
القرافي إن هنّا ضابطة وهي أن المال وما يتعلق بالمال قابل للتوريث وله قيمة المال ويجري فيه الإرث وغيره. وما ليس بالمال لم يُورث كعقل المورث وفكره وذهنه حيث تفنى هذه الأشياء وتنعدم بموته وكذا ثمراتها ومحاصيلها. ثم يصل القرافي إلى أنّ حقّ التأليف ليس حقاً مالياً بل هوحقّ غير مالي لا يقبل التوريث. ويستدلّ على ذلك على أساس ديني ويرى أن الاستدلالات التي يقوم بها الفقيه فإن الدين منشأ للطاعة فيكون لهذه الاجتهادات عنوان الطاعة فتكون حقيقته طاعة لكن غير متقومة بالمال. وعلى هذا حقّ التأليف حقّ عقلائي لكنه ليس حقاً مالياً وليس قابلاً للنقل والانتقال ولا يجوز أخذ المال بإزائه. فهل هذا الكلام صحيح أولا؟
إشكالات القرافي على مسألة حقّ التأليف:
يتألف كلام القرافي من ادّعائين رئيسيين أي يرتكز على محورين أساسيين
الأول: أن ما يقبل المعاملة ودفع العوض في مقابله هوالمال وما يتعلق بالمال أما ما ل مالية له وما لم يتعلق بالمال فلا يصدق عنوان المال على ما يترتب على هذا الشيء فل يقبل المعاوضة والنقل والانتقال.
والاشكال حسب رأي القرافي أنّ هذه الحقوق (حقّ التأليف وأمثاله) إنما هي متفرعة على قوة هذا الشخص العقلية وقدرته الفكرية وهذه القدرة العقلية لا تتصف بعنوان المالية ويقبل التوريث ومن مات لا يورث عقله وذهنه وفكره ولا ينتقل إلى غيره فإذا كان عقله غير قابل للتوريث فإن ما يتفرع عليه أي من منتوجاته الفكرية واجتهاداته ونظرياته أيضاً لا يكون قابلاً للمعاوضة ومن هن استنتج القرافي أن حقّ التأليف حقّ عقلائي غير مالي فلا يقبل النقل والانتقال ول التوريث كسائر الحقوق غير المالية.
المحور الثاني: من كلام القرافي أن الاجتهادات الفقهية آراء ونظريات يتوصل إليها المجتهد نتيجة بذل جهود مضاعفة والاجتهاد أعظم من حقّ التأليف وأي ابتكار أواختراع آخر وهذه الاجتهادات الفقهية تكون في أمور الدين والدين عبارة عن مجموعة طاعات إلهية ول يجوز أخذ المال في مقابل الطاعات ومن هنا لا تكون هذه الاجتهادات قابلة للتقييم للمال ولا يمكن تقييم المسألة الفقهية التي اجتهدها الفقيه بمبلغ ومقدار من المال فلا يمكن للفقيه أن يدعي بأن هذا رأيه الذي توصل إليه بعد خمسين سنة من الجهد وإنه يبيعه بمبلغ معين أويهبه لشخص أويعاوضه. كلّ ذلك لا يجوز.
الإشكالات على كلام القرافي:
قال القرافي: (ما كان أصله مالاً أومتعلقاً بالمال وهوذو قيمة مالي ويجري فيه الإرث) وذلك نظير الدار حيث إن أصلها مالي فتكون منفعته أيضاً مالي فكما يورث أصلها فكذلك يورث منافعها أما فيما نحن فيه فإن هذه الآراء والنظريات والأفكار والاختراعات ناشئة ومسببّة من قوّة عقل الشخص ولا مالية للقوة العقلية فلا مالية أيضاً لهذه الآراء.
الإشكال الأول: إناّ لا نسلّم الملازمة بين الأصل والفرع بل لا بد من معرفة ملاك المالية ومعياره أولاً فهل ملاك مالية الشيء هوأن يرغب العقلاء إلى ذلك الشيء أوأن (المال م يبذل بإزائه المال) هوالملاك؟ فإن هذا الملاك يمكن أن تحققه في مورد ما في الفرع دون الأصل وقد يمكن وجوده في الأصل من الفرع. فلا بد من وجود الملاك للمالية ولا ملازمة في قولك (ما كان أصله مالاً ففرعه مال وما لم يكن أصله مالاً ففرعه ليس بمال). أمّا لوالتزمنا في باب المالية باعتبار العرف بأن يقال : (المال ما يبذل بإزائه المال) أو(المال ما يرغب به العقلاء) لزم الدور إذ لوقلنا بأن المال ما يعتبر العرف ماليته فإن العرف قد يعتبر المالية لشيء اليوم
ولا يعتبرها له غداً فتكون المالية أمراً اعتبارياً وعليه قد يحكم العرف بعدم اعتبار المالية لعقل الإنسان وعلمه وشخصيته المعنوية لكنه في الوقت نفسه يعتبر المالية لمنتوج هذا العقل العلم.
تعريف المال:
ورد تعريفان للمال في فقه الإمامية:(المال ما يبذل بإزائه المال) و(المال ما يرغب به العقلاء) امّا في فقه السنّة فقد ورد عند الشافعية (أن المال ما كان ينتفع به وهوإما أعيان أومنافع) وقد أضاف بعضهم الحقوق أي ما كان وسيلةً للانتفاع فهومال. وجاء في بعض عباراتهم:(لا يقع اسم المال إلا على ماله قيمة). وورد في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي المذهب (إن المال ما لا يتركه الناس) فيستفاد من بعض العبارات السابقة إن العرف له الدور والمدخلية في مالية الأشياء.
يقول الحنابلة:(إن المال ما فيه مصلحة مباحة لغير حاجة أوضرورة) أي ماله منفعة مباحة في الموارد العادية كالأرض وإلا بل وغير ذلك وصرحوا بعدم اشتراط العينية في المالية بل الملاك هوكون الشيء ذا منفعة وإن لم يكن عيناً خارجياً. فهم جعلوا قيمة الشيء ملاكاً لماليته والعرف هوالذي يعين القيمة.
امّ المالكية فقد عرفوا المال بما يغاير تعريف الحنابلة والشافعية وبما يكون شبيهاً بالملك ـ(في فقهنا الأمامية تكون النسبة بين المال والملك عموماً من وجه) وهم عرفو المال (بأنه ما يقع عليه الملك ويستند به المالك) أي أن المال يقع متعلقاً للملكية ويختص المالك به وحاصل ما عند المالكية أن المال إنما يتحقق باعتبار الملكية فلا مالية فيما لولم تعتبر الملكية فالمال عنده مجرد اعتبار عرفي أواعتبار شرعي لأن الملكية أمر اعتباري فالمالية كذلك.
فعندما يقول القرافي:(ما كان أصله مالاً ففرعه مال) فالأصل قابل للمعاوضة والتوريث فالفرع كذلك. قلنا له:ما المراد بالمال في كلامكم؟ لوكان المراد بل المال ما له منفعة فلا منفعة لهذا العقل وهذه الشخصية العلمية بل تكون المنفعة في منتوج هذ العقل حيث إن الدواء الذي اخترعه هذا الشخص بعقله هوالمشتمل على المنفعة والفائدة للآخرين وهوالمال فلا مالية لأصله وهوغير قابل للتقييم أمّا منتوجه فله القيمة وأمّا لوكان ملاك المالية عندكم هواعتبار العرف فإن العرف لا يعتبر المالية لهذ الأصل بينما يعتبرها للفرع فقط فلا ملازمة بين ما كان أصله مالاً وبين فرعه في المالية أوعدم المالية.
إشكال اجتماع الحق والمال في الشيء الواحد:
لا بدّ هن من الالتفات إلى نقطة هامة وهي أننا قلنا في بدايات بحث حقّ التأليف بأنّ السيرة العقلائية تجري في الموضوع نفسه أي أن العقلاء يحكمون بأن هذا مال والإشكال الذي يتردد في أذهان بعض أولي الفضل والعلم هو أنّ من ألف كتاباً ثم أراد التخلّي عن حقه في التأليف فلوقلنا إن حقّ التأليف مالٌ ولم نعتبر العينية في مالية الشيء ولا شك بان العرف والعقلاء يرونه مالاً فمن صنع فيلماً أوألّف كتاباً أواخترع شيئاً حكم العقلاء بماليّته فهومال وهوحقّ مع أنه لا يمكن للشيء الواحد أن يكون حقاً ومالاً فلوأقررنا بأن له حقاً جاز للحق أن يكون مالياً لكن الحق نفسه ليس بمال. والمسلّم في باب الحقّ أن الحق إذا تعلق بالمال كان قابلاً للبيع والشراء ووقوعه عوضاً أومعوّضاً نظير هذه الحقوق التي تُعرف في هذه الأيام بحقّ الامتياز حيث يستحق شخصٌ ما أن يأخذ سلفة من البنوك بقيمة ملايين تومان فهل يمكنه أن يتنازل عن هذه السلفة لصالح شخص آخر في مقابل مقدار من المال. فإنّ هذا الشخص كان له الحق لكن هذا الحق لم يكن مالاً لكنّه لّما كان هذا الحق متعلقاً بالمال جاز له ذلك. وما أريد قوله هوأنّ الدليل على حقّ
التأليف حكم العقلاء بأنه مال فلوقلنا بأنه حق مع أنّا نعلم أنّ الحقّ ليس عين المال فمن له مئة حق لا يقال: إن له مئة مال.
الجواب عن الإشكال:
إن السيرة العقلائية لا تثبت أن هذا الحق مالٌ لأن من ألف كتاباً ثبت له الحق وجاز له إسقاطه. والفرق بين الحق والحكم الشرعي أن الحق قابل للإسقاط بينما الحكم الشرعي غير قابل للإسقاط أمّا نفس هذا الحق فليس بمال ولا يمكن وقوع المعاوضة عليه بل يتعلق بالمال بمعنى أن المؤلف يمكنه أن يطبع من هذا الكتاب ألف نسخة ويترك هذا الحقّ لهم.
نتيجة البحث: إنّ القرافي سعى ليثبت وجود الحقّ هنا وينفي الحقوق المالية. وما استدل به إنم يبتني على ثبوت الملازمة بين الأصل والفرع مع أنّنا أثبتنا عدم الملازمة فقد يكون الأصل مالاً ولا يكون الفرع مالاً كما لوكان الشيء أثرياً له قيمة وهومال أمّ صورته الحاصلة في ذهن الإنسان تابعة له ولا مالية لها. وهكذا البناء مالٌ وصورته الذهنية ليس بمال.
الإشكال الثاني على القرافي: أنه لم يوقف في تصوير محل النزاع على الشكل الصحيح فإن محل النزاع في باب حق التأليف أوالحقوق المعنوية
هوأن الشخص قد توصّل إلى نظرية ما بقدرته العلمية أوشخصيته المعنوية ولا كلام فيما لوكانت نظريته معه والبحث إنما هوفيما لوسجّل نظريتّه أومنتوجه الفكري في كتاب مستقل فهل يتعلّق له بهذا الكتاب حق عقلائي يسمّى بحثّ التأليف أوحق الاختصاص أولا؟ وهذا نظير بحث حقّ الخيار في المكاسب فيم لوتعاقد المتبايعان فجعل البائع مثلاً لنفسه الخيار فإن هذا الخيار يتصف بحيثيتين إحداهما أن البائع هوالعاقد (صفة قائمة بالعاقد نفسه) لأن البائع هوالذي اختار لنفسه هذا الخيار. والحيثية الأخرى أن هذا الحق متعلق بالعقل أي أثر العقل بمعنى أن أثر العقد موجود وإن زال إنشاء العقد. فقد وقع الخلاف في باب حق الخيار في ما لوجعل البائع لنفسه الخيار فهل يورث هذا الحق بعد موت البائع أولا؟
يقول الفقهاء: إن قلنا بأن حق الخيار صفة قائمة بنفس العقد لم يورَّث هذا الحق إذ بموت العاقد تفنى صفته القائمة به ولا يبقى ما يمكن توريثه. وإن قلنا بأن حق الخيار وصف لنفس العقد كما هوصفة للقاعد حيث وقع العقد وحق الخيار وصفٌ بحيث نقول: هذا عقد خياري وعليه فلومات البائع انتقل هذا العقد إلى ورثته وبالتالي انتقل حق الخيار أيضاً إلى ورثته. وفيما نحن فيه أيضاً تارةً نقول: إنّ هذه النظرية إنتاج فكري
للشخص قد وصل إليها بقوته الذهنية فتكون نظريته متقومة به ومن هنا يقال في باب الاجتهاد والتقليد في بحث التقليد من الميت (إن المجتهد بعد موته لا رأي له) إذ كان رأيه متقوماً به زال بزواله وموته فلا يجوز تقليده. وتارةً نبحث في هذه النظرية على أساس أن العقلاء يرتبون عليها أثراً مادياً وحينئذٍ لا بد من الاجتناب عن البحث حول آثار المسألة الأخروية كمسألة ثواب العلم والتعليم الأخروي بل لا بد من التركيز على البحث في أن من ألف كتاباً وأقرّ العقلاء على أثره المادّي كما في مسألة قرص السي دي حيث يعتبره العقلاء حقاً مادياً ومن هنا لوفك أحدهم شيفرته ورموزه وجعله بمتناول أيدي الآخرين فإن مشاهدته لا تكون محرمة إذ لا يصدق على المشاهدة عنوان التصرف المالي ومن هنا كان بيعه وشراؤه ونشره وكل ما دخل في الآثار المالية كان مورد النزاع والبحث.
فإشكالن على القرافي هوأنكم نسيتم مورد البحث والنزاع إذ ليس البحث في باب حق التأليف حول نظرية الشخص وهي متصلة بشخصية صاحبها العلمية والعقلية بأن تختلف في أنه هل له حقٌ يتعلق بنظريته أولا؟ بل الكلام إنّما هوفيما أبرز نظريته في الخارج على شكل كتاب
ألّفه أونموذج دواء صنعه فأن العقلاء يقرون له بآثار مادية ويأتي البحث في أن هذه الآثار المادية العقلائية هل يجب مراعاتها أولا؟ ولا يمكن لأحد إنكار اعتبار العقلاء الآثار المادية له لأنهم وضعوا عشرات المواثيق والقوانين حول هذه الحقوق المعنوية والملكيات الفكرية. وهذا أمر مسلم. وعليه فهل يجب مراعاتها؟ وهل تورث أولا؟ والحاصل أن كلام القرافي لا صحة له.
إشكال آخر على حق التأليف:
من الإشكالات العامة التي قد تورد على مسألة حق التأليف هوأنكم تمسكتم بسيرة العقلاء في الموضوع وقلتم بأن العقلاء يرون وجود الحق أو المال وأن سيرة العقلاء في الموضوعات لا تحتاج إلى ترخيص الشارع وإذنه سلمنا ذلك لكن لوردع الشارع عن هذه السيرة وخالفها فلابد من التسليم ومتابعة الشارع. فقد يقال بأن الشارع المقدس ردع عن حق التأليف بثلاث طرق فلوصححنا إحداها كفى ذلك في إنكار حق التأليف والمنع منه.
وهذه الطرق الثلاث:
الأولى: إن هناك أدلة تدل على حرمة كتمان العلم ففي بعض الروايات (من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار)(1) والموصول في قوله(من كتم) له الإطلاق بمعنى أن الذي يعلم الفقه يجب أن يبيّنه، والذي يعلم الدواء يجب أن يبيّنه، وهكذا يشمل جميع العلوم. كيفية الاستدلال أن للرواية إطلاقاً أي يحرم كتمان أيّ علم.فإذا حرم الكتمان وجب الإظهار والإبراز فإذا وجب الإظهار لم يجز أخذ المال على إظهاره ويكون نظير أخذ الأجرة على الواجبات أولا اقل من وجوب الإظهار سواء أعطي بإزائه المال أولم يعط. ونحن لم نذكر الدليل الثاني للقرافي على نحوالاستقلال وهنا نذكره وقد قال فيه: إن الاجتهادات الدينية راجعة إلى الدين والدين كله طاعات إلهية ولا يجوز أخذ المال في مقابل الطاعات.
والجواب عنه:
إنا تارةً نقول بحرمة أخذ المال من باب أخذ الأخرى على الواجبات وهي محرمة وتارةً نقول بأن الرواية المطلقة تقول: أظهر علمك سواء
1. كنز العمال 10: 217، ح29146، 29147، 29148، 29149، 29150.
أعطيت مالاً أم لا.فإذا وجب إظهار العلم وإبرازه أثبتنا من طريقين حرمة أخذ المال الأول عن طريق حرمة أخذ الأجرة على الواجبات كما لوألف أحدهم كتاباً وجعله في متناول يدك بمقابل عشرة ملايين تومان.والثاني عن طريق إطلاق وجوب إظهار العلم سواء دفعوا لك المال أم لم يدفعو بغض النظر عن جواز أخذ الأجرة على الواجبات أوعدمه فإن الرواية تأمرك بأنك إذ اكتشفت دواءً وجب عليك أن تجعله في متناول أيدي الناس سواء دفعوا لك المال بإزائه أم لا.
الجواب عن الطريقة الأولى لمنع الشارع من حق التأليف: وهنا عدّة أجوبة إلّا أنّها قابلٌ للمناقشة.
الجواب الأول: إنّ الرواية مرتبطة بباب الشهادات حيث أعلم بأنّ لشخص حقاً على الآخر فلو كتمتُ علمي ولم أشهد ضاع حقّه وظُلِمَ. هذا إذا وجدنا قرينة على اختصاص هذه الروايات بباب الشهادات وإلّا فإنّ (من كتم علماً يعلمه) له الإطلاق مضافاً إلى رواية (زكاة العلم نشره)(1).
1. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 243، ح40 وفيه: (عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال إن لكل شيء زكاة وزكاة العلم أن تعلّمه أهله).
الجواب الثاني: هو الأساس بأن نقول: يحرم كتمان العلم ويجب إظهاره إلّا أنّ إظهار العلم شيء ووجوب مراعاة حقّ التأليف شيء آخر. يجب إظهار العلم تارةً عن طريق منبر الخطابة وتارةً عن طريق تدوين كتاب وفي أيّامنا هذه لو أظهر علمه من خلال كتابه رتّب العقلاء عليه آثاراً كنشره وطبعه ممّا يترتب عليه أرباح طائلة فإنّ العقلاء يعتبرون هنا حقاً تعليقياً أو ماليّة تعليقية ويرون أنّه لو ترتّب على هذا التأليف آثار مالية وجبت مراعاتها أمّا لو لم يترتب على طبع الكتاب من قبل المؤلّف أو غيره أثر مالي فل وجود حينئذ لحقّ التأليف.
وبتعبير آخر إنّ حقّ التأليف وإن أُطلق عليه عنوان -الحق المعنوي- الحق الفكري أو الملكية الفكرية إلّا أن هذا الإطلاق في حدود وجود الأثر المالي ومن هنا أعبّر بالحقّ التأليفي. فإذا كان الأمر كذلك فإنّ العقلاء يعلمون بأنّ الشارع أوجب على هذا الشخص إبراز علمه فأبرزه الكاتب في ضمن مؤلِّفه وعلى شكل كتاب إلّا أنّهم لا يرون المساواة بين المؤلِّف وبين الآخرين في طبع آلاف النُسَخ منه لجني الأرباح. فحرمة كتمان العلم هنا شيء ووجوب مراعاة حقوق هذا التأليف المالية شيء آخر. هذا نظير من يقول: كتمان العلم حرام فيجب عليك إعطائي قلماً ويجب على الآخر إعطائي دواةً وحبراً وعلى الثالث أن يعطيني
قرطاساً. ليس الأمر كذلك بل يحرم عليّ الكتمان ويجوز للآخر أن يبيع لي القلم والقرطاس. فالجواب الأهمّ هو أنّنا نفرّق بين حرمة الكتمان ووجوب مراعاة هذه الحقوق ولا يجوز الخلط بينهما.
وهناك جواب آخر وهو أن نقول: من كتم علماً -إنّما ورد في مقابل الظالمين أي يحرم كتمان الحق ويجب إثبات الحق المتعلّق بالمجتمع كله.
فالحاصل هو أنّ الجواب الثاني هو الأساس وعليه لم يردع الشارع من حق التأليف.
الجواب الآخر الذي يمكن أن نجيب به على الطريقة الأولى لمنع الشارع من حق التأليف أنن قلنا في الأصول بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه وكذلك النهي عن الشيء ل يقتضي الأمر بضدّه. وفيما نحن فيه ملازمة قطعية بين حرمة الكتمان ووجوب الإظهار مضافاً إلى أنّ الروايات الدالة على حرمة الكتمان تدلّ عباراتها على وجوب الإظهار ونشر العلم وكذا رواية (زكاة العلم نشره) صريحة في هذا المعنى. فإذا حرم الكتمان ووجب الإظهار والإبلاغ للناس لم يجزْ أخذ المال عليه لأن التعليم من الواجبات وأخذ المال على الواجبات غير جائز بوجه من الوجوه فتارة نعبّر بأخذ الأجرة على الواجبات وتارةً نعبّر بأخذ حقّ التأليف على الواجب فإنّ كلّ هذه الأمور تدخل ضمن تلك القاعدة
الكليّة التي هي حرمة أخذ المال مقابل الواجب. ويمكن أن نقول: بغضّ النظر عن هذه القاعدة فإن الرواية تصرّح بوجوب نشر العلم وحرمة كتمانه ولها إطلاق في ذلك أي سواء دفعوا لك المال أو لم يدفعوا يجب عليك ذلك.
فلهذ الاستدلال وجهان الأول عن طريق أخذ الأجرة على الواجبات والآخر عن طريق الأدلة والروايات. والوجه الأول يتمّ البحث عنه في المكاسب المحرّمة في مسألة أخذ الأجرة على الواجبات ولو مع قصد القربة فإنّ ذلك لا يتنافى مع الواجبات التعبدية كالصلاة. هذا مع أنّ فقهاءنا اليوم يرون جواز أخذ الأجرة على الواجبات خلافاً للقدماء منهم. أمّا في الوجه الثاني وهو إطلاق الأدلة فنقول: لأدلّة حرمة الكتمان إطلاقاً أي مع المال أو بدونه يحرم الكتمان ويجب الإظهار. قلنا في ردّ ذلك بأنّ هذا غير مناف مع المدّعى لأن الإظهار واجب فلو تبت بعد الإظهار حقّ مالي عقلائي بحيث أمكن للآخرين جني أرباح مالية كثيرة من وراء هذا الحقّ كان صاحب الحق أولى به فمن أظهر علمه في كتابٍ لكنّه لم يطبعه هو بل قام بطبعه ناشرٌ آخر فطبع ألف نسخةٍ ممّا درّ عليه ربحٌ وخير فهل يمكن أن يُمنح مؤلّف هذا الكتاب من هذا الحقّ بينما يعطى كامل الحق للناشر فقط؟ ذلك غير صحيح ولا شك في أنّه
لو وُجد هنا حقٌّ فإنه يتعلّق بالمؤلف نفسه. فحرمة الكتمان وحق التأليف عنوانان حيث يجب عليه الإعلام والإظهار وبعد ذلك يتحقق الموضوع الآخر وهو الحق المالي فحق هذا الشخص شيء ومراعاة هذا الحق شيء آخر. وعليه يكون موضوع روايات حرمة الكتمان مغايراً لما نحن فيه.
ربّم يقال: بأن روايات حرمة الكتمان فيها قرينة مناسبة الحكم مع موضوعه على اختصاص الكتمان فيما لو سبقه السؤال أي فيما لو سأله الشخص ولم يجبه -وهذا ظاهر في باب الفتوى بمعنى أنّ المقلّد إذا استفتى مرجع تقليده وامتنع المفتي من بيان فتواه صدق عليه (من كتم علماً) لكنّه يقال: بأنّ هذا المعنى مناف لإطلاق (من كتم علماً) أي سواءً يُسبق بسؤال أم لم يُسبَقْ يحرم الكتمان.
الطريقة الثانية لمنع الشارع من حقّ التأليف:
الطريقة الثانية روايات زكاة العلم نشره. والزكاة ما يجب على الإنسان فصله من ماله أو علمه أو ممّا ذكر في الروايات كالتواضع. فزكاة العلم نشره فإذا وجب نشر العلم على صاحبه لم يجز أخذ المال عليه.
الجواب عن الطريقة الثانية: إن هناك تغايراً بين وجوب نشر العلم ووجوب مراعاة الحقوق المالية فمن نشر علمه في كتابه المطبوع تعلّق له حق مالي كذلك عند العقلاء وهذا الحق له قيمة وقابل للمعاوضة والمبادلة وهذا الحق إنّما يختصّ بمن ألّف الكتاب دون ناشره فهناك عنوانان متغايران أحدهما وجوب نشر العلم والآخر وجوب مراعاة الحقوق المالية.
الطريقة الثالثة لمنع الشارع من حقّ التأليف: إنّ هذه الحقوق لم تتمّ مراعاتها في زمن الشارع أي في زمن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) وقد أمضو(عليهم السلام) على عدم مراعاتها حيث كان الدارج أنّ الكاتب يؤلّف كتاباً روائياً أو تفسيرياً وكان الآخرون يستنسخونه فلو كانت مراعاة حقّ التأليف واجبة لوجب حتى على الشخص الخامس والسادس والسابع الذي استنسخ من أصل هذا الكتاب أن يستأذنوا من المؤلّف وكان الاستنساخ أمراً دارجاً قبل هذا القرن الحاضر إلى العصر المتصل بزمن الأئمة(عليهم السلام). ولم يكن مراعاة حق التأليف وحقّ المؤلّف أمراً معهوداً ويؤيّد ذلك تمسّك بعض الكبار من العلماء المنكرين لحقّ التأليف بسيرة العلماء أنفسهم وسيرة العلماء أقوى من سيرة المتشرعة -فقد قامت سيرة العلماء على نقل أحدهم عبارات من قبله من كتابه من غير تصريح
باسم صاحبه وهكذا نقل العلماء العامة من العلماء الخاصة والعلماء الخاصة من العلماء العامة. ومن ذلك كلّه نستنتج أنّ الشارع لم يعتبر حقّ التأليف ولم تجب مراعاته.
الجواب عن الطريقة الثالثة: إنّ حق التأليف حقّ عقلائي مستحدث لم يكن له الموضوعية سابقاً كم لم تكن ملكية الأرض أمراً معهوداً في السابق باعتبار قلة أفراد البشر فكان كلّ منهم يستولي على قطعة أرض ويبني عليها بيته بوضع أحجار تحدّد سوره فيتحقّق بذلك له الحقّ. أمّا الآن فلو وضعنا أحجاراً وصنعنا أسواراً لهتكارات من الأراضي والصحاري لم يحدث بذلك حقّ لنا.
فكما اختلفت ملكية الأراضي في زمننا عن الزمن القديم فكذلك حقّ التأليف فإنّه لم يكن أمراً مألوفاً عند القدماء وهو من الحقوق المستحدثة العقلائية.
والحاصل أنّه أثبتنا بالأدلة حقّ التأليف وليس هناك ما ينافيها شرعاً بعد الردّ على تلك الطرق الثلاث التي قد يدّعى كونها مانعة عن حقّ التأليف.
مدة صلاحية حقّ التأليف: والبحث الأخير في حقّ التأليف هو مدى صلاحيته واستمراريته فهل يستمر حق التأليف إلى آخر لحظة من حياة
المؤلف أو يستمرّ بعد وفاته إلى يوم القيامة؟ وهن احتمالات عديدة لأوّل وهلة:
الأول: إنّ العقلاء هم منشأ هذا الحق وبيدهم تحديد صلاحيته فهم الذين يقرّرون لحقّ التأليف زمناً معيّناً أمّا عالمياً فقد حُدّد لحقّ التأليف خمسة أعوام في الابتداء ثم مدّدوه إلى عشرة أعوام ثم إلى عشرين عاماً. والآن تترواح المدة بين خمسين إلى ستين سنةً -ابتداؤها من حين التأليف أو من حين موت المؤلف.
الاحتمال الثاني: إن ترتبط مدّة صلاحية حقّ التأليف بمقدار الجهد وكمية العناء الذي تحمّله المؤلف فمثلاً من بذل جهد سنة في تأليف كتابه يكون حقّه في التأليف مستمراً إلى خمس سنوات ومن بذل جهد سنتين فله الحق عشر سنوات وهكذا وعلى هذا لا بدّ من التفريق بين الجهد القليل والكثير زمنياً.
الاحتمال الثالث: أن يستمرّ حق التأليف إلى مدّة يرضى بها المؤلف ولاسيما مع قيام الدليل في وجوب مراعاة حق التأليف من لزوم الظلم فيما لو تجب مراعاته والظلم قبيح عقلاً. فل بدّ من استمرار حقّ التأليف إلى زمنٍ يقنع به المؤلف.
وليس هناك أدلّة تؤيد هذه الاحتمالات والاحتمال الأوفق مع القواعد لئلا يلزم الهرج والفوضى في النظام والمجتمع وهو أن نفوّض ذلك إلى عقلاء كلّ زمنٍ فإنّ العقلاء يحدّون لكل كتاب زمناً معيناً بحسب العمل ولا يمكن تحديد عشرة أعوام ولا خمسين عاماً بحق التأليف. فإذا تمت هذه الطريقة فبها وإلا فلا بد من المصالحة وحل المشكل من خلالها.
فهرس المصادر
1-القرآن الكريم.
2-بحوث في علم الأصول، السيد الشهيد محمد باقر الصدر ت1400هـ.
3-بدائع الدرر في نفي قاعدة لا ضرر، السيد الإمام روح الله الموسوي الخميني ت1368ه،ش، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم.
4-تحرير الوسيلة، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم
5-التبيان في تفسير القرآن، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت460هـ مكتب الإعلام الإسلامي.
6-تفصيل وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي ت1104ه، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) قم.
7-الاجتهاد والتقليد، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم.
8-جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي ت940ه، تحقيق مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث قم.
9-الدر المنثور، جلال الدين السيوطي ت911ه، دار الكتب العلمية بيروت.
10-رياض المسائل، السيد علي السيد محمد علي الطباطبائي ت1231ه، تحقيق مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث قم.
11-عوالي اللئالي العزيزية، محمد بن علي بن إبراهيم الإحسائي ت940ه، مطبعة سيد الشهداءj قم.
12-القواعد الفقهية، السيد محمد حسن البجنوردي ت1396.
13-فروع الكافي، محمد بن يعقوب الكليني ت329ه، مؤسسة الأعلمي بيروت.
14-الفروق، أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي ت684ه، دار الكتب العلمية بيروت.
15-كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، المتقي الهندي ت975ه، مؤسسة الرسالة بيروت.
16-كتاب البيع، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قم المقدسة.
17-مجمع البيان في تفسير القرآن، أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.
بحث حول موارد الرجوع إلى العرف:
نتيجة الاستدلال بسيرة العقلاء:
بيان المسألة في كلام الشهيد الصدر(قدس سرّه):
إشكال الشهيد الصدر على هذا الكلام:
الإشكال على سيرة العقلاء على حقّ التأليف:
دراسة كلام المرحوم الإمام(قدس سرّه) والإشكالات عليه:
إشكال على مبنى الإمام والجواب عنه:
الأدلة المتوهمة على حجية السير المستحدثة:
الإشكال على هذا الدليل الأول المتوهم:
الدليل الثاني المتوهم على حجية السير المستحدثة:
تتمة الإشكال على الاستدلال بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة:
حل الإشكال على أساس الاستصحاب القهقرائي:
الإشكال على جريان الاستصحاب القهقرائي فيما نحن فيه:
الدليل الثاني على وجوب مراعاة حقّ التأليف والسيرة المستحدثة:
الإشكالات الواردة على الدليل الثاني:
استفادة الحكم الوضعي من الدليل العقلي:
دليل أهل السنة على حقّ التأليف:
هل يمكن إثبات حقّ التأليف عن طريق ولاية الفقيه المطلقة؟
تتمة بحث (حقّ التأليف) من وجهة نظر الآخرين:
لزوم مراعاة حقّ التأليف عن طريق (ولاية الفقيه):
الإشكال على الاستدلال بولاية الفقيه:
إشكالات القرافي على مسألة حقّ التأليف:
إشكال اجتماع الحق والمال في الشيء الواحد: