موضوع: الجمل الخبریة فی مقام الانشاء
تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٧/١
شماره جلسه : ۴
خلاصة الدرس
-
أجنبیَّة «الخبر بداعي الإنشاء» عن موضوع الصّدق و الکذب
-
استشکال المحقّق الخوئيّ علی الکفایة حول الآکدیّة
الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
سنَتحاوَر الیوم حول تحقّق الصّدق و الکذب لدی استعمال «الإخبار بداعي الإنشاء» فنَعتقد بأنّ هذا النَّمط من الإخبار بحدّ ذاته -و بلا ضَمیمة أيّةِ آیة أو روایة في النّقاش- یُعدّ أجنبیّاً عن موضوع الصّدق و الکذب تماماً فلا یُطلق علی «المُخیِر بداعي الإنشاء» أنّه صادق أم کاذب -ولهذا لا یقال للهازل إنّک تکذِب- إذ الکلام الذي في مقام الهزَل أو الإنشاء أو المزاح أو... من الدّواعي قد أُخرِج موضوعاً عن عالَم الصدق و الکذب عرفاً، إذ لا «جدیّةَ» في إخباره عن الواقع نظیر:
1. مقولة النّائم: «إنّ زید قد مات» فلا یُعبأ به و لهذا لا تجري في حقّه أصالة الجد التي أشار إلیها المحقّق العراقيّ مسبقاً.
2. الصّوتِ المُسجَّل عبرَ الوسائل الحدیثة.
3. الأفلامِ المُنتَجة حیث إنّ «مُمثِّلین» لدی إنتاج الأفلام الصّوریّة قد قصدو الهزل أو التّلاعب أو المزاح أو لعِب الأدوار المختلفة في قضیّة مّا.
فالمستحصَل أنّ ضابط تحقّق الصّدق و الکذب هو توفّر عنصر «الجدیّة» لدی المتحدِّث.[1]
أجل، لو ألقَینا نظرةً إلی الأدلة الشّرعیّة لوَجدناها تَنهی حتّی عن الکذب الهزَليّ نظیر الرّوایة الآتیة:
«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: «لَا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتّىٰ يَتْرُكَ الْكَذِبَ هَزْلَهُ وَ جِدَّهُ».[2]
فأمثال هذه الرّوایة تُعَدّ قاعدةً ثانویّة قِبالاً للبحث الأصوليّ الذي یَدرُس الکذب الهزَليّ بعنوانه الذّاتيّ.
استشکال المحقّق الخوئيّ علی الکفایة حول الآکدیّة
نَعطِف الحوار إلی اعتراض المحقّق الخوئيّ علی مقالة الکفایة حول عنصر «الآکدیّة» فقد استَشکَل قائلاً:
«و لنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط (في الکفایة): اما النقطة الأولى (الآکدیّة) فهي خاطئة على ضوء كلتا النظريتين في باب الإنشاء -يعني نظريتنا و نظرية المشهور-.
Ø أما على ضوء نظريتنا فواضح و السبب في ذلك ما حققناه في بابه من ان حقيقة الإنشاء و واقعه الموضوعي بحسب التحليل العلمي عبارة عن اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلف، و إبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكل ذلك، فالجملة الإنشائية موضوعة للدلالة على ذلك فحسب، هذا من ناحية و من ناحية أخرى انا قد حققنا هناك ان الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على قصد الحكاية و الاخبار عن الواقع نفياً أو إثباتاً.
و من ناحية ثالثة ان المستعمل فيه و الموضوع له في الجمل المزبورة إذا استعملت في مقام الإنشاء يباين المستعمل فيه و الموضوع له في تلك الجمل إذا استعملت في مقام الاخبار، فان المستعمل فيه على الأول (الإنشاء) هو إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ في الخارج، و على الثاني قصد الحكاية و الاخبار عن الواقع، (إذن فالإخبار في مقام الإنشاء یُعدّ تناقضاً أساسیّاً) فالنتيجة على ضوئها هي عدم الفرق في الدلالة على الوجوب بين تلك الجمل و بين صيغة الأمر، لفرض ان كلتيهما قد استعملتا في معنى واحد و هو إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ في الخارج. هذا من جانب.
و من جانب آخر انتفاء النكتة المتقدمة، فانها تقوم على أساس استعمال الجمل الفعلية في معناها الخبري و لكن بداعي الطلب و البعث، و قد تحصل من ذلك انه لا فرق بين الجمل الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء و بين صيغة الأمر أصلا، فكما ان الصيغة لا تدل على الوجوب، و لا على الطلب و لا على البعث و التحريك، و لا على الإرادة، و انما هي تدل على إبراز اعتبار شيء على ذمة المكلف، فكذلك الجمل الفعلية، و كما ان الوجوب مستفاد من الصيغة بحكم العقل بمقتضى قانون العبودية و الرقية، كذلك الحال في الجمل الفعلية حرفاً بحرف. فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده) من ان دلالتها على الوجوب آكد من دلالة الصيغة عليه لا واقع موضوعيّ له.»
و نَستخلِص مقالة المحقّق الخوئيّ بأنّ الإنشاء هو محض «اعتبار الأمر النفسانيّ» بحیث إنّ المستعمل فیه لدی الإخبار یُغایر المستعمل في لدی الإنشاء، فکیف نَدمِجُهما معاً و نقول: «قد استُعمل الخبر بمعناه الخبريّ الحقیقيّ و لکنّ الدّاعي هو الإنشاء» فإنّه تضادّ في المفاهیم إذ جوهرة الإخبار تُنافي جوهرة الإنشاء تماماً.
و لکن نُهاجِم المحقّقَ الخوئيّ -صوناً للکفایة- بأنّ السّید قد خَلَط بین «المستعمل فیه» و بین «الدّاعي» فإنّ الجملة لازالت خبریّة تماماً إلا إن الدّاعي إنشائيّ فحسب، لا أنّه استُعمل في المعنی الإنشائيّ -کي یرد تَتناقض المفاهیم- بینما الکفایة لم یَستَعمل الخبرَ في المعنی الإنشائيّ بل الحوار حول «أنّ الدّاعي هو الإنشاء فحسب» و ذلک نظراً لتنصیص الآخوند بأنّ: الخبر لازالَ في معناه الخبريّ إلا أنّ الدّاعي هو الإنشاء فقط فبالتّالي قد خَرج عن إطار «المستعمل فیه» نهائیّاً بحیث لم یَستعمل الخبرَ في معنَیین متقابلَین[3] -کي یُواجِه إشکالاً- و لهذا إنّ أصالة التّطابق ما بین «المدلول التّصوريّ الخبريّ» و بین «التّصدیقيّ الخبريّ» ستُنتِج معنی الخبریّة تماماً إلا أن الدّاعي هو إنشائيّ فحسب، فلا ضیرَ إذن.
ثمّ یَستکمِل المحقّق الخوئيّ اعتراضه تجاهَ الکفایة قائلاً:
Ø و اما على نظرية المشهور (بأنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ) فالامر أيضاً كذلك (لا توجد آکدیّة في الإخبار بداعي الإنشاء) و الوجه فيه واضح و هو:
1. (الإشکال الأول علی الکفایة) ان ما تستعمل فيه تلك الجمل في مقام الإنشاء غير ما تستعمل فيه في مقام الاخبار، فلا يكون المستعمل فيه في كلا الموردين واحداً، ضرورة انها على الأول قد استعملت في الطلب و تدل عليه. و على الثاني في ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها. و من الطبيعي اننا لا نعني بالمستعمل فيه و المدلول الا ما يفهم من اللفظ عرفاً و يدل عليه في مقام الإثبات. و على الجملة فلا ينبغي الشك في ان المتفاهم العرفي من الجملة الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء غير ما هو المتفاهم العرفي منها إذا استعملت في مقام الاخبار، مثلا المستفاد عرفاً من مثل قوله عليه السلام «يعيد الصلاة أو يتوضأ أو يغتسل للجمعة و الجنابة أو ما شاكل ذلك» على الأول ليس إلا الطلب و الوجوب كما ان المستفاد منها على الثاني ليس إلا ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها، فاذن كيف يمكن القول بأنها تستعمل في كلا المقامين في معنى واحد. هذا من ناحية.
2. (الإشکال الثاني علی الکفایة) و من ناحية أخرى ان هذه الجمل (بداعي الإنشاء) على ضوء هذه النظرية (أي الکفایة لا المشهور) لا تدل على الوجوب أصلاً فضلاً عن كون دلالتها عليه آكدَ من دلالة الصيغة، و السبب في ذلك هو: أنها حيث لم تستعمل في معناها الحقيقي (المستعمل) بداعي الحكاية عن ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها (بل بداعي الإنشاء) فقد أصبَحت جميعُ الدواعي محتملة في نفسها، فكما يحتمل استعمالها في الوجوب و الحتم و الطلب و البعث فكذلك يحتمل استعمالها في التهديد أو السحرية أو ما شاكل ذلك. و من الطبيعي ان إرادة كل ذلك تفتقر إلى قرينة معينة، و مع انتفائها يَتعيّن التوقف و الحكم بإجمالها، و من هنا أنكر جماعة: منهم صاحب المستند (قده) في عدة مواضع من كلامه دلالة الجملة الخبرية على الوجوب.»[4]
و المستَخلَص من مقالته أنّ الإشکالیّة الثّانیة تَتوجَّه نحوَ الکفایة لا المشهور إذ لم یَتحدّث المحقّق الخوئيّ حول مسألة «إیجاد المعنی باللفظ» أساساً بل قد حوَّل کلامه تماماً نحو الدّواعي المطروحة ضمن الکفایة، و لهذا قد حکَم أخیراً بإجمال الخبر بداعي الإنشاء.
و نلاحظ علیه:
1. أوّلاً: إنّ المحقّق الآخوند أیضاً قد استَمسَک بالقرینة لدی استعمال «الخبر بداعي الإنشاء» مُقرِّاً بأنّ کِیان «الخبر بداعي الإنشاء» قد تولّد بالقرینة المعیّنة منذ البدایة، نظیر حدیث زرارةَ مُتسائِلاً من الإمام علیه السّلام عن الحکم الشّرعيّ الإنشائيّ: «هل یُعید صلاتَه؟ فأجابه: یُعید» و لهذا لا نُواجِه الإجمال عندئذ.
2. و ثانیاً إنّ المحقّق النّراقيّ و غیرَه لم یَرفُضوا عنصر الطّلب و... بل أعلَنوا أنّ الخبر بمقام الإنشاء دالّ علی الطّلب فقط، فغایتُهم أنّهم قد استَنکروا «الوجوب» فحسب، إذن لا تصحّ هذه النّسبة إلیهم.
ثمّ عقیب هذین الإشکالَین قد وجَّه السّیّد إشکالاً ثالثاً تجاه الکفایة قائلاً:
«هذا مضافاً إلى انه لا يتم على ضوء الأساس المذكور (الدّلالة علی الوجوب) أيضا، و ذلك لأن النكتة المذكورة لو كانت مقتضية لحمل الجمل الخبرية على إرادة الوجوب و تعيينه لكانت مقتضية لحمل الجمل الخبرية الاسمية كزيد قائم، و الجمل الماضوية في غير الجملة الشرطية على الوجوب أيضاً إذا كانتا مستعملتين في مقام الإنشاء، مع ان استعمالهما في ذلك المقام لعله من الأغلاط الفاحشة و لذا لم نجد أحداً ادعى ذلك لا في اللغة العربية، و لا في غيرها.
و بكلمة أخرى ان المصحح لاستعمال الجمل الخبرية الفعلية في معناها بداعي الطلب و البعث ان كان تلك النكتة فالمفروض انها مشتركة بين كافة الجمل الخبرية من الاسمية و الفعلية، فلا خصوصية من هذه الناحية للجمل الفعلية فاذن ما هو النكتة لعدم جواز استعمالها في مقام الإنشاء دونها. و أن كان من جهة ان هذا الاستعمال استعمالا في معناها الموضوع له و المستعمل فيه غاية الأمر الداعي له قد يكون الاعلام و الاخبار، و قد يكون الطلب و البعث، فلا تحتاج صحة مثل هذا الاستعمال إلى مصحح خارجي، فان كانت النكتة هذا لجرى ذلك في بقية الجملات الخبرية أيضاً حرفاً بحرف، مع انك قد عرفت عدم صحة استعمالها في مقام الطلب و الإنشاء. و من ذلك يعلم ان المصحح للاستعمال المزبور خصوصية أخرى غير تلك النكتة و هي موجودة في خصوص الجمل الفعلية من المضارع و الماضي إذا وقع جزءاً في الجملة الشرطية، و لم تكن موجودة في غيرها»[5]
و نُعارضه: بأنّ المحقّق الآخوند أیضاً لا یَعتقد أنّ مجرّد الإخبار بالجمل الاسمیّة سیُنتِج «إنشاء الوجوب» بل الکفایة قد افتَرض أنّ المخبِر یَودّ إطلاعَنا «بوقوع العمل في المستقبل» فبالتّالي إنّ الإخبار المستقبليّ یَمتلک موضوعیّة هامّة لدی المخبِر لا محض الإخبار عن النّسبة، و لهذا قد نَقلنا عن المحقّق الاصفهانيّ بأنّ النّزاع لا یتأتّي لو أخبَر «بداعي التّهدید» إذ مفترَض الأعلام أنّ هناک تلازماً عرفیّاً ما بین «الإخبار بالوقوع» و بین «نفس وقوع العمل» فبالتّالي لا ملازمة عرفاً ما بین «الإخبار» و بین «التهدید» فالنّاتج أنّ «زیداً قائم» لا یُنبِأنا عن وقوع عمل في المستقبل إطلاقاً.[6]
----------------------
[1] و هو أن یُوافق المراد الاستعماليّ الخبريّ مع الإرادة الجدیّة الإخباریّة في الواقع و الکذب معاکسُه تماماً.
[2] . (الکافي (دارالحدیث). ج4 ص 44) (المحاسن، ص ١١٨، كتاب عقاب الأعمال، ذيل ح ١٢٦، و تمام الرواية فيه: «و في رواية الأصبغ بن نباتة، قال: قال عليّ عليه السلام: لايجد عبد حقيقة الإيمان حتّى يدع الكذب جدّه و هزله».) تحف العقول، ص ٢١٦، عن أمير المؤمنين عليه السلام الوافي، ج ٥، ص ٩٢٧، ح ٣٢٩٠؛ الوسائل، ج ١٢، ص ٢٥٠، ح ١٦٢٢٦؛ البحار، ج ٧٢، ص ٢٤٩، ح ١٤. (الکافي (دارالحدیث). ج4 ص 44)
[3] و لهذا لم یَقل الآخوند بأنّ الخبر قد استُعمل بمعنی الإنشاء بل قال: بداعي الإنشاء.
[4] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص135 قم - ایران: انصاريان.
[5] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص137 قم - ایران: انصاريان.
[6] و أساساً، قد أکّدنا مسبقاً بأنّ الخبر بداعي الإنشاء یَفتقر إلی القرینة المعیّنة لطلب الفعل بینما لم تتوفّر في «زید قائم » فلا یُعدّ من الإنشائیّات إطلاقاً.
نظری ثبت نشده است .