موضوع: الجمل الخبریة فی مقام الانشاء
تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٦/٢٧
شماره جلسه : ۳
خلاصة الدرس
-
تنقیح مُعتقَد المحقّق العراقيّ
-
المؤاخَذات علی نظریّة المحقّق العراقيّ
-
استشکال المحقّق الخوئيّ علی الکفایة حول الآکدیّة
الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
تنقیح مُعتقَد المحقّق العراقيّ
لقد استَعرضنا مقالة المحقّق العراقيّ حیث قد أبدَی رأیه ضمن الخُطوات التّالیة:
1. فعارَض المشهورَ المعتقِد بأنّ: الإخبار بداعي الإنشاء یُعدّ استعمالاً مجازيّاً بحیث إنّ لفظة «تُعید» قد استُعمِلت بمعنی «أعِد» مجازاً.
2. و أیضاً قد عارَض الآخوندَ المعتقِد بأنّ: الإخبار بداعي الإنشاء یُعدّ استعمالاً حقیقیّاً بلا ارتکاب المجازیّة.
3. فبالتّالي قد أبدَع المحقّق العراقيّ محتَملاً ثالثاً تجاهَ «حقیقة الخبر بداعي الإنشاء» مُعتقِداً:
- أوّلاً: إنّ الإخبار -یُعید- قد استُعمل في حقیقته الخبريّة -لا الإنشائيّة المجازيّة کالمشهور-.
- و ثانیاً: إنّ الدّاعي و الباعث هو نفس الإعلام و الإنباء أیضاً -لا بداعي الإنشاء کالآخوند-.
- و ثالثاً: إنّ المُخبِر یَودّ إطلاعَنا علی تواجد «المقتضي التّامّ و الإرادة للحکم» -أي العلّة التّامّة- بأنّ الفعل -الإعادة- سیَتحقّق في الخارج حتماً، و لهذا إنّ المخبِر یدّعي أنّ العلّة التّامّة متوفّرة خارجاً ادّعاءً -و ذلک وفقاً لتعبیر المحقّق الخمینيّ- فلو استَخدَم الخبرَ بداعي الإعلام لَکَشَف لنا عن إرادة المولی لامتثال الفعل ضمن الوعاء الخارجيّ فإنّ الشّیئ ما لم یجب وجوده لا یوجد خارجاً، و ذلک نظیر الإعلام عن أحداث عالم الفَلک و النّجوم بداعي الإطلاع لا الإنشاء، فبالتّالي، لا یَتداعی أيُّ داعٍ إنشائيّ في باطن المخبِر إطلاقاً.
4. ثمّ استَشکَل علی المحتمَل الثّالث بأنّ مجرّد استکشاف إرادة المولی لا یُحقِّق الفعلَ خارجاً بل یُفترَض علی المکلّف أن یُحرِز إرادةَ المولی بإیقاع العمل کي یَنبعِث نحوَه عملیّاً فحینئذ ستَتجلّی العلّة التّامّة للامتثال الخارجي، إذن، إنّ عنصر «العلم بالإرادة» یُعدّ أهمَّ معاییر الامتثال فلا یَکفینا استکشاف عنصر «الإرادة» فحسب، و لذا تَجِد المحقّق العراقيّ قد ابتَکَر محتمَلاً رابعاً ثمّ عَزَّر بنیانَه قائلاً:
5. «و على كلّ حال ففي المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبرية و لعله أوجهُ من الوجوه المتقدّمة، و هو ان يقال: بأنّ استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة في مقام بيان الحكم الشرعي انما هو من جهة كونه من لوازم قضيّة الجدّ بإيقاع النسبة التي هي مدلول الجمل (فیوقع المتکلم النّسبة الإیقاعیّة جدیّاً بینه و بین الفاعل کي یَقع العمل خارجاً، إذن هناک تلازم عرفيّ ما بین الإرادة و التّحقّق الخارجيّ) و ذلك أيضا بمقتضى التلازم الثابت بين الإيقاع الخارجي و الإرادة، بتقريب: انه كما ان إخراج المبدأ من كمون الفاعل خارجا و إيقاع النسبة بينه و بين الفاعل في الخارج ملازم مع إرادة الوجود و لا يمكن انفكاكه عنها كذلك هذه النسبة الإيقاعيّة الذهنيّة، فإذا كان المتكلم في مقام الجدّ بهذا الإيقاع فقضيّة جدّه بذلك تقتضي ملازمتَه مع إرادة الوجود من المكلّف (فنِتاج کلامه هي: أصالة التّطابق بین المدلول التّصوريّ -الإیقاعيّ- و التّصدیقيّ -الجدّ في التّحقیق-) فعليه، فكان ما هو المستعمل فيه في تلك الجمل هو النسبة الإيقاعيّة التي تستعمل فيها في مقام الاخبار إلاّ انه لم يقصد بإيقاع تلك النسبة الإيقاعية في مقام استعمال الجملة، الحكايةَ عن الواقع الثابت كما في سائر الجمل الإخباريّة، نعم لازمه هو عدم انفكاك قضيّة الجدّ بإيقاع النسبة (خارجاً) أيضا عن قصد الإنشاء بعد عدم قصد الحكاية بها عن واقع ثابت، كما لا يخفى. و لقد مرّ منّا توضيح هذه الجهة في مبحث الحروف عند الفرق بين الجمل الاخبارية و الإنشائية فراجع.»[1]
و بإمکاننا أن نُتمِّم مقالتَه بأنّ ممیِّز الوجه الثّالث عن الرّابع هو أنّ الثّالث قد افترَض «کشفَ الخبر عن إرادة المولی بلا تلازم بین الخبر و الإرادة» بل الإخبار یُعدّ محضَ حاکٍ لإرادته و طلبه، بینما الوجه الرّابع قد افتَرض ترابطاً -و دلالةً التزامیّة غیرَ لفظیّة- ما بین الإرادة و التّحقّق الخارجيّ، بحیث إنّ إرادته الجدیّة للإیقاع هي التي قد أوصَلَتنا إلی تنفیذ مراده خارجاً نظراً لتلک الملازمة ما بین الإخبار و الإیقاع، و لهذا لو قال المولی: «یُعید» فکأنما أراد إیقاع الإعادة تماماً.
و أمّا الطّریقة التي استَخرَج المحقّق العراقيّ عنصرَ «الوجوب» من الخبر بداعي الإنشاء -النّسبة الإیقاعیّة- فهي أنّ «الوجوب» یُمثِّل لنا تمامَ المقتضي و یُحقِّق إرادة المولی حتماً إذ لو تَشکَّلت تمام أبعاد المقتضي لَتولَّدت العلّة التّامّة للفعل و لَتحقّق الامتثال -المعلول- نظراً للتّلازم ما بین الإرادة و الفعل -ببرکة النّسبة الإیقاعیّة-.
و أمّا عنصر «الآکدیّة» قد تلقّاها المحقّق العراقيّ بواسطة القاعدة الفلسفیّة: «الشّیئ ما لم یجب لم یوجد». بحیث قد تَصوَّر المخبِر لزومَ التّحقّق الخارجيّ علی أیّة حالة ثمّ أبرَز هذا «الوقوعَ المؤکَّد» بواسطة الجملة الخبریّة.
المؤاخَذات علی نظریّة المحقّق العراقيّ
و الآن سنُناقش مقالة المحقّق العراقيّ:
1. أوّلاً: إنّ روح نظریّة المحقّق هو نفس مسلک الکفایة، غیرَ أنّه قد أضاف قیداً ظاهریّاً -استکشاف المقتضي و الإرادة- فحسب فإنّ مَئال مقولته بأنّه «خبر بداعي الخبر و کاشفٌ عن مقتضي الإرادة المولویّة» یَئول إلی «الخبر بداعي الإنشاء و الإیجاد» لدی الکفایة، إذن، فحینما أطلَعنا الإمام علیه السّلام -یُعید صلاته- بالحکم الشّرعيّ ففي الحقیقة قد أنبَأنا بتواجد حکم کليّ إنشائيّ ذي مقتضٍ في الشّریعة بأنّ: «مَن حَدثت له هذه الواقعة فعلیه الإعادة» وبالتّالي، إنّ المقتضي أو الإرادة المولویّة في الأحکام الشّرعیّة قد دام بقائُهما علی أیّة حالة.
2. ثانیاً: إنّ «الإخبار بداعي الإعلام» الذي زعمه المحقّق العراقيّ، سیُورِّطنا في مشکلة الکذب، إذ قد بانَ جلیّاً أنّ المخبِر لم یقصِد الإخبار عن واقعة وقعت -بداعي الإخبار البحت- و لهذا تَجِد صاحب الکفایة قد أضاف قید «بداعي الإنشاء» کي یُخرِج الخبر عن موضوع الصّدق و الکذب نهائیّاً.
3. و ثالثاً: لا یَجدُر للأصوليّ أن یُدرِج القواعد الفلسفیّة ضمن الأمور العقلائیّة، فإنّا قد أکَّدنا کراراً أنّ القاعدة العقلیّة الفلسفیّة -الدّقیّة- مرفوضة في الأبحاث العقلائیّة العرفیّة -المسامحیّة- و لهذا نَعترِض علی المحقّق العراقيّ حینما استَدلّ «للوجوب و للآکدیّة» قائلاً: «لأنّ الشّیئ ما لم یجب لم یوجد». أجل، إنّ عالم التّکوینیّات تَخضَع للقواعد العقلیّة الدّقیّة فإنّ المخبِر بهلاک الشّخص -مات زید- یُعَدّ مخبِراً بأمر محقَّق الوجود حتماً، فرغم أنّ زیداً المریض لازال حیّاً إلا أنّ العقل حینما یُدقِّق جیّداً بتوفّر المقتضي -الموت- فسیُطلِق علیه الموت -مات زید- نظراً لحتمیّة الوقوع، بینما الأمور و الأوامر العقلائیّة لیست من هذا النَّمط أبداً، فإنّ «إرادة الوقوع» لا تُعدّ علّة تامّة لتحقّق الفعل الخارجيّ بل تُعدّ إحدی علل الوقوع، إذ طلب المولی بصیاغة خبریّة لا یَستدعي تحقّقَ المقتضي بنحو العلیّة التّامة التّکوینیّة، أجل بإمکانها أن تفید الوجوب و الآکدیّة المتفرّعة علیه -فحسب- بلا دلالة علی التّحقّق الخارجيّ و التّلازم التّکوینيّ بین النّسبة الإیقاعیّة و الوقوع وفقاً لزعم المحقّق العراقيّ- و علی هذ االمِنوال، قد نَبّه المحقّق الخمینيّ مراراً بأنّ قیاس التّشریع بالتّکوین من الأغلاط الأصولیّة -سوی موارد نادرة-.
4. أساساً، لو افترَضنا جدلاً أنّ التّلازم متوفّر وفقاً لتقریب المحقّق العراقيّ، إلا أنّ المحاورة العرفیّة لا تستقبل هذا النّمط من التّلازم، ولهذا قد استَنکر المحقّق الاصفهانيّ هذا التّلازم قائلاً:
«و أما استفادة ذلك -بملاحظة أن الوقوع لا يكون إلا مع ضرورة الوجود، فالمراد إظهار لا بدّيّة الوقوع بالإخبار عن الوقوع المستلزم لضرورة الوجود- فبعيدة في الغاية عن أذهان العامّة في مقام المحاورة.»[2]
استشکال المحقّق الخوئيّ علی الکفایة حول الآکدیّة
و قد استَشکل المحقّق الخوئيّ علی مقالة الآخوند حول عنصر «الآکدیّة» قائلاً:
«و لنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط (في الکفایة): اما النقطة الأولى (الآکدیّة) فهي خاطئة على ضوء كلتا النظريتين في باب الإنشاء -يعني نظريتنا و نظرية المشهور-.
اما على ضوء نظريتنا فواضح و السبب في ذلك ما حققناه في بابه من ان حقيقة الإنشاء و واقعه الموضوعي بحسب التحليل العلمي عبارة عن اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلف، و إبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكل ذلك، فالجملة الإنشائية موضوعة للدلالة على ذلك فحسب هذا من ناحية و من ناحية أخرى انا قد حققنا هناك ان الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على قصد الحكاية و الاخبار عن الواقع نفياً أو إثباتاً.
و من ناحية ثالثة ان المستعمل فيه و الموضوع له في الجمل المزبورة إذا استعملت في مقام الإنشاء يباين المستعمل فيه و الموضوع له في تلك الجمل إذا استعملت في مقام الاخبار، فان المستعمل فيه على الأول هو إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ في الخارج، و على الثاني قصد الحكاية و الاخبار عن الواقع. فالنتيجة على ضوئها هي عدم الفرق في الدلالة على الوجوب بين تلك الجمل و بين صيغة الأمر، لفرض ان كلتيهما قد استعملتا في معنى واحد و هو إبراز الأمر الاعتباري النفسانيّ في الخارج. هذا من جانب.
و من جانب آخر انتفاء النكتة المتقدمة، فانها تقوم على أساس استعمال الجمل الفعلية في معناها الخبري و لكن بداعي الطلب و البعث، و قد تحصل من ذلك انه لا فرق بين الجمل الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء و بين صيغة الأمر أصلا، فكما ان الصيغة لا تدل على الوجوب، و لا على الطلب و لا على البعث و التحريك، و لا على الإرادة، و انما هي تدل على إبراز اعتبار شيء على ذمة المكلف، فكذلك الجمل الفعلية، و كما ان الوجوب مستفاد من الصيغة بحكم العقل بمقتضى قانون العبودية و الرقية، كذلك الحال في الجمل الفعلية حرفاً بحرف. فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده) من ان دلالتها على الوجوب آكد من دلالة الصيغة عليه لا واقع موضوعي له.
و اما على نظرية المشهور فالامر أيضاً كذلك. و الوجه فيه واضح و هو ان ما تستعمل فيه تلك الجمل في مقام الإنشاء غير ما تستعمل فيه في مقام الاخبار، فلا يكون المستعمل فيه في كلا الموردين واحداً، ضرورة انها على الأول قد استعملت في الطلب و تدل عليه. و على الثاني في ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها. و من الطبيعي اننا لا نعني بالمستعمل فيه و المدلول الا ما يفهم من اللفظ عرفاً و يدل عليه في مقام الإثبات.
و على الجملة فلا ينبغي الشك في ان المتفاهم العرفي من الجملة الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء غير ما هو المتفاهم العرفي منها إذا استعملت في مقام الاخبار، مثلا المستفاد عرفاً من مثل قوله عليه السلام يعيد الصلاة أو يتوضأ أو يغتسل للجمعة و الجنابة أو ما شاكل ذلك على الأول ليس إلا الطلب و الوجوب كما ان المستفاد منها على الثاني ليس إلا ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها، فاذن كيف يمكن القول بأنها تستعمل في كلا المقامين في معنى واحد. هذا من ناحية. و من ناحية أخرى ان هذه الجمل على ضوء هذه النظرية لا تدل على الوجوب أصلا فضلا عن كون دلالتها عليه آكد من دلالة الصيغة.
و السبب في ذلك هو انها حيث لم تستعمل في معناها الحقيقي بداعي الحكاية عن ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها فقد أصبحت جميع الدواعي محتملة في نفسها، فكما يحتمل استعمالها في الوجوب و الحتم و الطلب و البعث فكذلك يحتمل استعمالها في التهديد أو السحرية أو ما شاكل ذلك. و من الطبيعي ان إرادة كل ذلك تفتقر إلى قرينة معينة، و مع انتفائها يتعين التوقف و الحكم بإجمالها. و من هنا أنكر جماعة: منهم صاحب المستند (قده) في عدة مواضع من كلامه دلالة الجملة الخبرية على الوجوب.»[3]
---------------------------------
[1] عراقی ضیاءالدین. نهایة الأفکار. Vol. 1. ص182 قم ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[2] اصفهانی محمد حسین. نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. ص 313 بیروت، مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[3] خوئی ابوالقاسم. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص135 قم - ایران: انصاريان.
نظری ثبت نشده است .