اوامر

درس قبل

اوامر

درس قبل

موضوع: مادة الأمر و صیغته


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٦/٢٦


شماره جلسه : ۹۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • إنهاء النّقاش حول دلالة الصیغة علی الوجوب أو الاستحباب

  • هَجمات المحقّق البروجرديّ تجاه الکفایة

  • اختتامیّة المَبحث باستعراض مَطمَح النّظر

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

إنهاء النّقاش حول دلالة الصیغة علی الوجوب أو الاستحباب
لقد انطرح التّسائل حول کیفیّة دلالة الصیغة علی الوجوب -عقِب تسلُّمِه لدی العلماء- فهل تُوصلِنا الدلالة عبرَ الوضع أو بواسطة الإطلاق أو من خلال العقل أو ببرکة حکم العقلاء، و قد أسلفنا جُزَیئاتِ هذه الأبحاث ضمن «مادة الأمر» إلا أنّا في هذه الجلسة سنُنهي هنا النّقاش حول صیغة الأمر.

و قد تَبنّی المحقّق الآخوند الوجوبَ من خلال عملیّة «التّبادر الحاقّيّ» قائلاً:

«المبحث الثاني في أن الصيغة حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما وجوه بل أقوال:

- و لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة.

- و يؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف (العقلاء) بعدم دلالته (الأمر) عليه (الوجوب) بحال أو مقال.»[1]

و قد عَنی من هذه التّأییدیّة أنّ العقلاء یَتعذّرون -لترک العمل- لأجل الإطلاق إذ إنّهم یَتّکِلون علی استرسال کلام المتکلم فلو علَّق الصیغة بقید استحبابيّ لاستَنبط العرف أنّ نَمط الحکم استحبابيّ حتماً بینما لو أهمَل القرینةَ لَحکم العرف بالوجوب، فبالتّالي إنّ بطلان الاعتذار -لترک الأمر- لا یُعدّ دلیلاً علی أنّ الصیغة قد وضعت للوجوب -تبادراً- بل سبب رفض الاعتذار هو أنّهم یَتّخذون إطلاق مقالة المتکلّم فحسب.

و نلاحظ علیه بأنّ التّبادر الذي طرحه لم یَنبَع من حاقّ اللفظ -صیغة الأمر- بل نَعتقد بأنّ العقلاء قد استَنبطوا الوجوب من عملیّة الإطلاق حیث رأوا أنّ المتکلم لم یُعلّق کلامه بقید استحبابيّ فاستخرجوا الوجوب عندئذ، فبالتّالي إنّا لم نَتوصّل إلی الوجوب عبرَ الوضع التبادريّ.
 
1) اعتراضیّة الکفایة تجاه دعوی المَعالم

لقد ادّعی صاحب المَعالم (1010ق) وفور استخدام الصیغة في النّدب -ضمن الشّریعة- قائلاً:

«فائدة: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام أن استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي فيُشكِل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر به منهم عليهم السلام.»[2]

فبالتّالي، رغمَ أنّ الصیغة ظاهرةٌ في الوجوب إلا أنّ الرّوایات قد أکثَرت الاستعمال في النّدب أیضاً بحیث قد أوقَفَتِ الظّهورَ التّبادريّ في الوجوب فأصبح مُشکِلاً.

و قد استَشکل علیه المحقّق الآخوند قائلاً:

«و كثرة الاستعمال فيه (الندب) في الكتاب و السنة و غيرهما لا يوجب نقلَه (الأمر) إليه (الندب) أو حملَه عليه لكثرة استعماله في الوجوب أيضاً.» [3]

و نعترض علیه بأنّ المعالم لم یَنطُق بالنّقل أو الحمل بل قد تَوقَّف في استظهار الوجوب عن الصیغة و لم یحملها علی الاستحباب کما زعمه الکفایة و لهذا قد صرّح المعالم قائلاً: «فيُشكِل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر به منهم عليهم السلام.»

هَجمات المحقّق البروجرديّ تجاه الکفایة
1. و قد اعتَرض علیه المحقّق البروجرديّ أیضاً قائلاً: بأنّ مورد کلام کلٍّ من العَلَمین -الکفایة و المعالم- متفاوِت تماماً فإنّ المَعالم قد تَحدّث حول وُفور استعمال النّدب في کلمات الأئمة الأطهار علیهم السّلام فحسب، بینما المحقّق الآخوند قد أدخَل النّدب في الکتاب و السّنة و غیرهما أیضاً، فبالتّالي لا تَتوجّه إعتراضیّة الکفایة تجاه المَعالم.

ولکنّا نُحامي مقالةَ الکفایة بأنّ المحقّق الآخوند قد وسَّع نطاقَ الإشکال -کثرة الاستعمال في النّدب- إلی الکتاب و السنّة و غیرهما أیضاً، و بات جلیّاً أنّ لفظة «السّنّة» تَکتنِف مرویّات النبيّ و الأئمة معاً علیهم السلام.

2. و قد أکمَل نقاشَه مع الکفایة أیضاً مَعترضاً:

- «مع أن الاستعمال و إن كثر فيه (الاستحباب) إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة (فلوتَتبَّعنا کافّة الاستحبابات لرأیناها مصحوبةً بمختلَف القرآئن).

- و كثرة الاستعمال كذلك (مع توفّر القرینة) في المعنى المجازيّ لا يوجب صيرورتَه مشهوراً فيه ليرجَّح أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور (فلِکَي یتحقّق المجاز المشهور لابدّ أن تُحمل الصیغة علی الاستحباب بلا قرینة لکي یَستقرّ الأنس اللفظيّ فیَتجلَّی المجاز المشهور في الصیغة)».[4]

ثمّ أکمَل إشکالته أیضاً قائلاً:

«و أما ثانياً: فما ذكرَه من أنّ كثرة الاستعمال مع القرينة المصحوبة لا توجب أنس اللفظ بالمعنى المجازي، في غير محله، إذ اللفظ و القرينة لو استعملا معاً في المعنى المجازي فما ذكره صحيح (لا توجب الأنس نظیر رأیت أسداً یرمي) و اما إذا استعمل نفس اللفظ في المعنى المجازي كثيراً، غاية الأمر أنه قد صاحبته القرينة حين الاستعمال، فلا نسلم حينئذ عدم أنس اللفظ بالمعنى المجازي (إذ الأنسُ -و المجاز- قد تَکوَّن بنفس الاستعمال).»[5]

و تبسیطاً لمقالته، لاحِظ عبارة: «رأیت أسداً یرمي» فإنّ انضمام «الأسد» مع «یرمي» قد نَبَّهنا بمجازیّة الاستعمال ببرکة هذا التّقارن فهنا لا یَتشکَّل الأنسُ اللفظيّ المجازيّ إطلاقاً -وفقاً للکفایة- لاندماج اللفظ بالقرینة.

و لکن لو استُعمل الأسد بمُفرده في الرجل الشّجاع نظیر: «جاء الأسد» -سواءٌ استَعَنّا من القرینة الخارجیّة أم لا- لَتَولّد وقتَئذ الأنسُ اللفظيّ و تَحقّق المجاز المشهور حتماً -حتّی لدي الکفایة- إذ قد استُعمل اللفظ بمُفرده في المعنی المجازيّ، إلا أنّه لا یعني أنّ کلَّ مورد قد استُعملت الصیغة في الاستحباب مع القرینة فلا یَتحقّق المجاز المشهور -کما زعمه الکفایة- بل سیَتحقّق الأنس اللفظيّ تماماً رغم ورود القرینة ضمن استعمال الجملة، و بالتّالي سیَتسَجّل مقال صاحب المعالم بأنّ استعمال الصیغة في النّدب مجاز مشهور.

و أمّا وِجهة نظرنا ضمن هذه المعارضات فتُرافِق مقالةَ المحقّق البروجرديّ فإنها في غایة المَتانة.
2) نَقضَة الکفایة تجاه المعالم

ثمّ نَقَض مقالةَ صاحب المَعالم قائلاً:

«كيف و قد كثُر استعمال العامّ في الخاص حتى قيل «ما من عام إلا و قد خص» و لم يَنثلم به ظهوره في العموم بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.»[6]

فإنّ صاحب المَعالم یَعتقد بسلامة «حقیقة العامّ عقیب تخصیصه» من دون المجازیّة، فنَقضه الکفایة بأنّ المَعالم لا یَلتزم بمجازیّة العامّ رغم وُفور استخدام العام في الخاصّ، و حیث سیَظلُّ العام علی عمومه فلتَکن -و التَزِم بأنّ- الصیغة ظاهرةً في الوجوب رغم کثرة النّدب أیضاً.

و قد هاجَمه المحقّق البروجرديّ -صوناً للمَعالم- قائلاً:

«و أما ثالثا: ففي ما ذكره -من تنظير ما نحن فيه بمسألة العموم و الخصوص- نظر من وجهين:

· أ - إنّ هذا مخالف لما سيذكره في العموم و الخصوص من: أن لفظ العام عند إرادة الخاصّ‌، لا يستعمل في الخاصّ‌، بل يستعمل (العام) في نفس ما وضع له (فهکذا یُجیب المَعالم) غاية الأمر أنّ قرينة الخصوص تدل على كون الإرادة الجدية مخالفة للإرادة الاستعمالية، و هذا بخلاف ما نحن فيه، فإن صيغة الأمر بنفسها تستعمل في الندب. (بینما العامّ لم یُستعمل في الخاصّ لکي نَتورّط في المجازیّة و لذا قد خَلط الکفایة ما بین المراد الجدي و الاستعمال)

· ب - إنه فرقٌ بين ما نحن فيه و بين مسألة العموم و الخصوص من جهة أخرى أيضاً، و هي أن المعنى المجازي - فيما نحن فيه- أمر واحد شخصيّ، و هو الندب و قد كثر استعمال الصيغة فيه (فتَمتَزِج الصیغة بالمعنی الندبيّ فحسب) فيوجب أنسَ اللفظ به، و هذا بخلاف مسألة العموم و الخصوص، فإنّ كل لفظ من ألفاظ العموم له معنى حقيقي و هو جميع الأفراد و معان كثيرة مجازية بعدد ما يتصور له من المعاني الخاصة، فقولك: «أكرم العلماء» مريدا به جميع العلماء غير زيد استعمال في معنى مجازي، و إذا أردت به جميعهم غيرَ بكر فقد استعملته في معنى مجازي آخر، و هكذا إذا أردت به جميعهم غير خالد، و كذا إذا أردت به جميعهم غير اثنين أو ثلاثة.»[7]

فبالتّالي، ثمّة تمایز ما بین مجازیّة الصیغة في الندب و بین المجازیّة في العام و الخاص، حیث سیَتبدّل معنی العام بعدد مصادیق الإرادات -للمتکلّم- إذ سیُستعمَل العامّ في مراد خاصّ حسب إرادة المتکلّم بحیث إنّ کلَّ مرید غیرُ الآخر، و لهذا ستَتکاثر المعاني المجازیّة بتعدّد مصادیق الإرادات فلا یَستقرّ أنسٌ لفظيّ في العامّ أساساً، بینما تَکاثر استخدام الصیغة في الندب -فحسب- سیُنجِب الأنس حتماً إذ لا تَتکاثر مصادیق الصّیغة حینئذ بل موردها هي النّدب فحسب، و هذا -المجاز في الصیغة- هو الذي قد عَناه صاحبُ المعالم فبالتّالي لا یَتوجّه نقضُ المحقّق الآخوند في باب العام والخاص.

و نَعتقد بأنّ هذه الدّفاعیّة مُتقَنة أیضاً و واردة علی الکفایة حتماً.

و في امتداد اعتراضیّة المحقّق البروجرديّ، قد عزّز المحقّق الخوئيّ هذه الإشکالیّة بأسلوب آخر قائلاً:

«الا ان استشهاده (قده) على تلك الكبرى بالعامّ و الخاصّ في غير محله، و ذلك لأن كثرة الاستعمال في المقام إذا افترضنا انها مانعة عن الحمل على الحقيقة الا انها لا تمنع في العام و الخاصّ‌. و ذلك لأن لصيغ العموم أوضاعا متعددة حسب تعدد تلك الصيغ، و عليه فلا بد من ملاحظة كثرة الاستعمال في كل صيغة على حدة و بنفسها. و من الطبيعي ان كثرة الاستعمال في الخاصّ في إحدى هذه الصيغ لا تمنع عن حمل الصيغة الأخرى على العموم، مثلا كثرة استعمال لفظة الكل في الخاصّ لا تمنع عن ظهور الجمع المحلى باللام في العموم، و هكذا و بكلمة أخرى أن كثرة استعمال العام في الخاصّ تمتاز عن كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب بنقطة: و هي ان القضية الأولى تنحل بانحلال صيغ العموم و أدواته، فيكون لكل صيغة منها وضع مستقل غير مربوط بوضع صيغة أخرى منها. و لذلك لا بد من ملاحظة الكثرة في كل واحدة منها بنفسها مع قطع النّظر عن الأخرى، و هي تمنع عن الحمل على الحقيقة فيها دون غيرها. و هذا بخلاف صيغة الأمر حيث ان لها وضعاً واحداً فبطبيعة الحال كثرة استعمالها في الندب تمنع عن حملها على الوجوب بناء على الفرضية المتقدمة.»[8]

اختتامیّة المَبحث باستعراض مَطمَح النّظر
و حسماً للنّقاش، نودّ أن نَکشف السِّتار عن المختار حول «کیفیّة استخراج الوجوب أو النّدب عن الصیغة» فإنّا ضمن أبحاث مادة الأمر قد رَسّخنا تحقیقة المحقّق الخمینيّ و الشهید الصّدر و... بأنّ المادّة لا تُعرب عن الوجوب أو الاستحباب إطلاقاً و إنّما حکم العقلاء هو الذي یُحدّد أحدهما، و علی هذا المِنوال سنَصطفي نفس الاصطفاء في باب الصیغة أیضاً فإنّ العرف هو المتکفِّل لتحدید الوجوب أو النّدب لا الصیغة بظهورها الوضعيّ -زعماً للکفایة و...- و لا بالحکم العقليّ -زعماً للمحقّقین الهمدانيّ و النّائینيّ-.

و لکي نُلائِم ما بین مبنی «الحکایة» -في باب الإنشائیّات و الإخبارات- و بین حکم العقلاء بالوجوب أو النّدب -من الصیغة- فنقول بأنّ المولی حینما یَستخدم صیغة الأمر، ففي الحقیقة قد حَکی عن حقیقة الواقع أو إرادته ثمّ سیَحکم العقلاء بأن الصیغة المحکيَّة عن الإرادة قد أفادت الوجوب و ذلک ببرکة قاعدة «غلبة الظنّ» فإنّ العقلاء قد فَحصوا وفور استعمال الصیغة في الوجوب فاستقرَّ الظنّ الغالب في أذهانهم بأنّ الصیغة بظهورها الحاکي قد أنتَجتِ الوجوب، بینما لو أراد المولی النّدب لحدَّدَ الصیغة بالقید النّدبيّ، فمُذ رأی العقلاء بأنّه لم یَنصِب قرینةً للاستحباب فقد استَظهروا الوجوب تماماً، فکلّ ذلک قد نَبع من قاعدة «غلبة الظن في الموضوعات» بحیث قد قَهر الظنّ في اتّخاذ الوجوب -من الصیغة- فتَشکَّل الأنس اللفظيّ في اللزوم -لکثرة الاستعمال وفقاً لتصریح الکفایة- ثمّ سیُصبح هذا الحکم العقلائيّ -بالوجوب- موضوعاً لحکم العقل بالامتثال تماماً.

----------------------------
[1] کفایة الأصول (طبع آل البيت). ص70 قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[2] معالم الدین و ملاذ المجتهدین. ص53 قم - ایران: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[3] نفس المصدر.
[4] بروجردی حسین. 1415. نهاية الأصول. Vol. 1. ص105 تهران - ایران: نشر تفکر.
[5] نفس المصدر.
[6] آخوند خراسانی محمدکاظم بن حسین. 1409. کفایة الأصول (طبع آل البيت). قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[7] بروجردی حسین. 1415. نهاية الأصول. Vol. 1. تهران - ایران: نشر تفکر.
[8] خوئی ابوالقاسم. 1410. محاضرات في أصول الفقه (الخوئي). Vol. 2. ص125 قم - ایران: انصاريان.




الملصقات :


نظری ثبت نشده است .