موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)
تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٨/١
شماره جلسه : ۱۸
خلاصة الدرس
-
تشریح أصناف الاستحالة
-
تنقیح استحالة «إنشاء المولی»
-
الجواب الأَولی لردّ استحالة «إنشاء المولی»
الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
تشریح أصناف الاستحالة
لقد عبَّر المشهور حول استحالة «اتّخاذ قصد القربة في متعلّق الأمر» بتعبیرَین:
1. إنّ صدور التّکلیف بهذه القیدیّة مستحیل تجاه المولی فیُصبح نفس «التّکلیف مُحالاً».[1]
2. إنّ هذه العملیّة تُعدّ «تکلیفاً بالمحال».[2]
بینما عبائر صاحب الکفایة هي بنَمط آخر أساساً، حیث قد شَکَّل لنا محذورَین - وفقاً لتقریر المحقّق الاصفهانيّ و صاحب المنتقی- بالنّحو التّالي:
· عملیّة «اتّخاذ قصد الامتثال في نفس الأمر» مستحیلة ذاتاً -للخلف أو الدّور- فسیَمتنع المولی ذاتاً عن تصوّرها بهذا النَّمط.
· عجز المکلّف عن قصد الامتثال -إذ الامتثال بنفسه یَتوقّف علی تعلّق الأمر بذات العمل- فلا یُعدّ الامتناع ذاتیّاً.
و أمّا السّرّ في استحالة هاتین النّقطتَین، فهما الخلف و الدّور، حیث قد تمَّ تحریرهما بالصّیاغة التّالیة:
- تشریح الخلف: حیث قد فسَّرها صاحب المنتقی قائلاً: «ان متعلق الأمر (کالموضوع و کالقصد) لابدّ و ان يكون في رتبة سابقة على نفس الأمر، لأنه معروض الأمر، و العارض متأخر عن معروضه رتبة، و داعي الأمر معلول لوجود الأمر لاستحالة تحققه بدونه فهو متأخر عنه تأخر المعلول عن علته، و عليه فلا يمكن أخذه في متعلق الأمر، لأنه متأخر عن الأمر، ففرض كونه في متعلق الأمر يستلزم فرض تقدمه على الأمر و هو خلف.»[3] فبالتّالي حیث إنّ قصد الامتثال متأخر عن صدور الأمر فلو اتّخذنا القصد ضمن الأمر لاستدعی تقدیم المتأخّر -القصد- و تأخیر المتقدّم -الأمر- و هو خلف زائف.
- تحریر الدّور: أحیاناً قد یُفسَّر هذا الدّور کي تَتبیَّن استحالة «تصوّر المولی» -لا إنشاء المولی- و ذلک عبرَ التّقریب التّالي: إنّ تصور المتعلّق -الصّلاة- یَرتهن علی تصوّر قصد الأمر، و في المقابل إنّ تصوّر قصد الأمر أیضاً یَتوقّف بتصوّر الأمر أوّلاً، فبالتّالي لا یُعقَل للشّارع أن یتصوّر أصل الأمر بلا متعلّقه و یَتصوّر المتعلّق بلا تصوّر أمره إذ المفتَرض أنّهما متوقّفان علی بعضهما ضمن مرحلة التّصوّر الثّبوتيّ، فبالنّهایة سیدوران معاً.
و دعماً لتفسیرنا لهذا النَّمط من الدّور -لا استحالة إنشاء المولی- نری بعض الشّراح -کالمحقّق المشکینيّ- قد شرَح الکفایة بهذا الأسلوب -بأن الاستحالة تَتوجَّه علی «تصوّر المولی»- قائلاً:
«قوله «إن كان بمعنى قصد الامتثال» إلى آخره، المصحّح لعباديّة الشيء التي يؤخذ في قوامها إتيانه على نحو قربي، أمورٌ: منها قصد امتثال الأمر بمعنى كون الداعي إلى إيجاده الخارجي هو أمره المتعلّق به ... ثمّ إنّه قد استدلّ على امتناع أخذ الأوّل (الدّاعي) في متعلّق الأمر بوجوه: الأوّل لزوم الدور، و هو قد يقرّر في مقام التصوّر (أي الامتناع الذّاتيّ للمولی) و حاصله:
- أنّ تصوّر الأمر موقوف على تصوّر متعلّقه فلو كان قصد الأمر من جملة أجزائه و قيوده لَتوقَّف تصوّر المتعلّق على تصوّره حسب توقّف تصوّر المركّب أو المقيّد على تصوّر جزئه أو قيده فيلزم الدور.
- و فيه أنّه كذلك (یَدور) لو كان المأخوذ شخص الأمر لا طبيعته لأنّ لحاظها (الطبیعة) غير لحاظه (الشّخص) فلا دور لتغاير الموقوف الّذي هو لحاظه (الشّخص) و الموقوف عليه الّذي هو لحاظها (الطبیعة) و هذا نظير:
- قول القائل «كلّ خبري صادق» إذا كان المراد طبيعة الخبر (لا شخص هذا الخبر) بحيث تسري إلى هذا الفرد أيضاً بالسّريان الطبيعي لا النّظريّ فإنّ كونه من أفراده و إن توقّف على هذا الحكم (الشّخصيّ و هو الصّدق) و الحكم موقوف على تحقّق الخبر -لأنّه موضوعه- إلاّ أنّه لا يلزم الدور لأنّ الملحوظ في جانب الموضوع طبيعة الخبر فتَغايَر الموقوف و الموقوف عليه.
- و دعوى كون الطبيعة في المثال ذات أفراد سوى الفرد المفروض دون المقام فإنّه ليس لها فرد سوى شخص الأمر المفروض مدفوعة بأنّ ملاك الدفع وجود التغاير لحاظا و هو محفوظ في كليهما.
- و هذا الدفع هو الّذي سلّم به المصنّف قدّس سرّه بقوله: «ضرورة أنّه و إن كان تصوّرها كذلك بمكان من الإمكان» إلى آخره في جواب المتوهّم»[4]
و قد حاجَجناه ضمن الدّورة المسبَقة بأنّ مقالته قد أخرَجته عن موطن الصّراع إذ المتنازِعین «حول الاستحالة» قد افتَرضوا أنّ نَمط «قصد الأمر» شخصيّ تماماً، ثمّ احتفاظاً علی هذه النّقطة قد حاوَلوا علاج کیفیّة «قصد امتثال نفس هذا الأمر الجزئيّ» لا قصد الأمر الکلّيّ الخارج عن منصّة النّزاع.[5]
تنقیح استحالة «إنشاء المولی»
و عقیب ما عرَّفنا استحالة «تصوّر المولی» فحالیّاً سنَستعرِض الاستحالة بتقریر آخر حول «استحالة إنشاء المولی» حیث ربما یُستَلهَم من عبائر المحقّق الآخوند أیضاً[6] ممّا یعني أنّه «لا یُتاح للمولی أن یُنشي أمراً بقصد امتثال هذا الأمر» -بلا امتناع لتصوّره ذاتاً- و قد تمَّ تشریح هذه النّقطة بأشکال متلوِّنة، ولکنّا سنَتولّی أهمَّها:
Ø أنّا لو قایَسنا ما بین نسبة «الحکم و متعلّقه» الشّرعیَّین، لَوجدَناهما یُشابهان نسبة ا«لعرض و معروضه» التّکوینیَّین، إذن إنّ النّسبَتَین -الحکم و العرض- متوازِنان تماماً، و حیث یَستحیل تکوینيّاً تقدیم العرض علی معروضه في الرّتبة[7] فبالتّالي سیَستحیل أیضاً تقدیم الحکم الإنشائيّ -کوجوب القصد- علی متعلّقه -الصّلاة-[8] و من ثَمَّ سنَستَوجب تقدیم المتعلّق -الصّلاة- علی حکمه -وجوب القصد- حتماً، و إلا سیَستحیل «قصد امتثال متعلّق الأمر قبل إنشاء الأمر» إذن فهذه هي قصّة الدّور لدی مرحلة الإنشاء
الجواب الأَولی لردّ استحالة «إنشاء المولی»
و لکن نُعارض هذه الاستحالات -و الدّورانات- بشتّی الإجابات:
v أوّلاً: إنّا لو نَقّحنا جوهرة «الحکم» لَتلاشَت جذور هذه الإشکالیّات -و الدَّورانات- بأسرها، فإنّ القُدامی قد عمَدوا إلی مَبنَیَین شهیرَین حول «حقیقة الحکم»:
- حقیقة الأمر -الحکم- هو الحبّ و النّهيِ هو البغض.
- الحکم هو عین «خطاب الشّارع».
بیدَ أنّ المحقّقین قد رفضوهما لعدّة أسباب، منها: أنّه لا موضوعیّة لنفس الخطاب بل یُعدّ مستکشِفاً لأمر الشّارع، و لهذا ربَّ حکم قد تسجَّل بلا خطاب شرعيّ.
فبالتّالي قد افترَض الأعلام أنّ نَمط الحکم هي «الإرادة» و هذه تَنشقّ شقَّین:
Ø نفس الإرادة البحتة.
Ø الإرادة المبرَزَة، وفقاً للمحقّقَین العراقيّ و الخوئيّ -أي إبراز الأمر النّفسانيّ علی ذمّة المکلّف-.
و حیث إنّ عنصريِ «الإرادة و العرض» متشابهان خارجاً فإذن یُعدّان واقعیَّین تکوینیَّین، و کذا کلاهما یَفتقِران إلی «الموضوع و المتعلّق» فبالتّالي لا تَقع «نفس المکلّف» متعلّق الإرادة و العرض -کي یَتجلّی إشکال الدّور- بل تُعدّ النّفس وعاءً یَعرُضها الإرادة و العرض -لیس أکثر- و لهذا:
· لو انصَبَّ متعلّق الإرادة علی «نفس المکلّف الخارجيّ» لتَورَّطنا ضمن الاستحالة الدّوریّة إذ إرادة المولی هي الّتي ستَسکِب الأمر علی المکلّف بضمّ قصده الخارجيّ أیضاً، فیَنجُم المُحال.
· بینما لو انطَبق متعلّق الإرادة علی «الموضوع التّصوريّ» -لا المکلّف- کالصّلاة التي تصوَّرها المولی بباله ثمّ أمر المکلّفَ بعنوان الصّلاة المتصوَّرة بضمیمة القصد أیضاً بحیث استَوجَب علیه «الامتثال الخارجيّ بهذه الکیفیّة المحدَّدة» لانهارَ أساس الدّور تماماً إذ عویصة الدّور تَنبَع: لو توقَّفت الصّلاة الخارجیّة بقیودها علی أمر المولی و أنّ أمره موقوف علی القصد الخارجيّ، إلا أنّا أحَلنا أساس القضیّة إلی التّصوّرات الذّهنیّة للمولی -فانحلَّت العُقدة إذن- نظیر المراد الذّاتيّ و العرضيّ فحینما نقول: زید قائم، فقد أصبح المعلوم بالذّات هي الصّورة الذّهنیّة، لا الخارجیّة بل الخارج قد عُلم بالعرض، فکذلک الشّارع حیث یَمتلک إرادة بالذّات و هي الصّورة الذّهنیّة للصّلاة مع قصدها، و أمّا الامتثال الخارجيّ فهو مراده بالعرض، فنظراً للمراد الذّهنيّ للمولی لا تحدُث أيّةُ استحالة خُلفاً و دوراً، أجل لو اتّخذنا مراد المولی في وعاء الخارج لعادَت العویصة.
v ثانیاً: أساساً، إنّ المقارنة ما بین التّکوین -العرض- و التّشریع -الحکم- تُعدّ غلطة فادِحة تماماً لدی مَعشر الأصولیّین إذ هذه المحاذیر تَتوجّه إلی الأمور التّکوینیّة المستَتبِعة للعِلل و المعالیل، بینما أفق «الاعتباریّات» أجنبیّة عن هذه القوانین بتاتاً إذ بَوّابتُها منفتِحة لدی المعتبِر کیفما اعتبَر، و لهذا قد أکَّدنا کراراً بأنّا نرفُض الكبری المَزعومة بأنّ «الممتنع شرعاً كالمُمتنع عقلاً»[9] و حیث إنّ حوارنا یَحول حول «نَمط الاعتبار» فسوف یُتاح للشّارع أن یَعتبر «قصد الامتثال ضمن نفس الإنشاء» فلا تَجرَحُها أيّةُ إشكالیّة عقلیّة إطلاقاً، فبالتّالي، قد تَزحلَقت خُطوات بعض العَمالِقة حینما أدخل البَراهین العقلیّة التّكوینیّة ضمن عالم الاعتبارات الشّرعیّة، إذ نِطاق عالم الاعتبار وسیع للغایة بحیث یَتولَّد وفقاً لمَشیئة المُعتبِر، ولهذا تُعدّ قضیَّتُنا هیِّنةً في الاعتباریّات.
أجل، إنّ نفس عملیّة «اعتبار المولی» ذات واقعيّة خارجیّة، إلا أنّ «الحکم المعتَبَر» عدیم الواقعيّة إذ یتقوّم بمدی «نوعیّة اعتباره» فنظراً لهذه اللّمعة اللّامعة ستَتلاشی کافّة المناقشات حول استحالة التّقدّم و التّأخّر و استحالة التّوقّف و الدّور و الخلف و ما شاکَلها إذ الاعتباریّات خارجة موضوعاً عن هذه الأبحاث المُستَعصِیة.
-------------------------
[1] أي أنّ الامتناع ذاتيّ لدی مرحلة تصوّر المولی أو إنشائه، فکلاهما مستحیلان.
[2] أي أنّ الامتناع عرضيّ لدی مرحلة عجز المکلّف للامتثال.
[3] روحانی محمد. منتقی الأصول. Vol. 1. ص413 قم - ایران: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی.
[4] آخوند خراسانی محمدکاظم بن حسین. کفایة الأصول (حواشي المشکيني). Vol. 1. ص107 تهران - ایران: اسلامیه.
[5] و لکن ندافع عن المحقّق المشکینيّ بأنّه قد حاوَل تفهیم القائلین بالاستحالة أنّ علیکم أن تَفترضوا طبیعيّ الأمر لکي تَتخلَّصوا من مأزق الدّور، فهو بهذا التغییر قد عالج العویصة تماماً.
[6] حیث قد تحدّث عنه قائلاً: و ذلك لاستحالة أخذ ما (أي قصد الامتثال) لا يكاد يَتأتّى إلا من قِبل الأمر بشيء (کالصّلاة، فلا یؤخذ قصدها) في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطا أو شطرا» (الکفایة طبع آل البیت ص72)
[7] رغم اتّخادهما ضمن عالم الوجود الخارجيّ.
[8] و یَبدو أنّ صاحب المنتقی هو المصرِّح بهذا التّقریب قائلاً: «ان متعلق الأمر (کالموضوع و کالقصد) لابدّ و ان يكون في رتبة سابقة على نفس الأمر، لأنه معروض الأمر، و العارض متأخر عن معروضه رتبة، و داعي الأمر معلول لوجود الأمر لاستحالة تحققه بدونه فهو متأخر عنه تأخر المعلول عن علته، و عليه فلا يمكن أخذه في متعلق الأمر، لأنه متأخر عن الأمر، ففرض كونه في متعلق الأمر يستلزم فرض تقدمه على الأمر و هو خلف.» (روحانی محمد. منتقی الأصول. Vol. 1. ص413 قم - ایران: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی.)
[9] خلافاً للشیخ الأعظم و غیره.
نظری ثبت نشده است .