موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)
تاریخ جلسه : ١٤٠٣/٨/٥
شماره جلسه : ۱۹
خلاصة الدرس
-
استکمال بقیّة الإجابات حول الاستحالة
-
الاستحالة التّالیة مطروحة في الکفایة
الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
استکمال بقیّة الإجابات حول الاستحالة
في الجلسة المسبقَة قد تَمّت مقایَسة ما بین نسبة «الحکم و متعلّقه» الشّرعیَّین، فاعتَقد الزّاعم بأنّهما یُشابهان نسبة ا«لعرض و معروضه» التّکوینیَّین، إذن إنّ النّسبَتَین -الحکم و العرض- متوازِنان تماماً، و حیث یَستحیل تکوینيّاً تقدیم العرض علی معروضه في الرّتبة[1] فبالتّالي سیَستحیل أیضاً تقدیم الحکم الإنشائيّ -کوجوب القصد- علی متعلّقه -الصّلاة-[2] و من ثَمَّ سنَستَوجب تقدیم المتعلّق -الصّلاة- علی حکمه -وجوب القصد- حتماً، و إلا سیَستحیل «قصد امتثال متعلّق الأمر قبل إنشاء الأمر» إذن فهذه هي قصّة الدّور لدی مرحلة «الإنشاء».
و تکمیلاً للإجابة عن الاستحالة سنَستعرض جوابیّة المحقّق الاصفهانيّ أیضاً قائلاً:
«قوله (قدس سره): و ذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلاّ من قبل الأمر... الخ)[3] ربما تُوجَّه الاستحالة: بأنه لا بدّ من ثبوت الموضوع في مرتبة موضوعيته، حتى يتعلّق الحكم به، و سنخ الموضوع (الصّلاة) هنا لا ثبوت له -في حد ذاته- مع قطع النظر عن تعلّق الحكم به؛ لأنه الفعل بداعي شخص الطلب الحقيقي المتعلّق به.
و فيه: أن الحكم بالإضافة إلى موضوعه من «قبيل» عوارض الماهيّة (فلا تَتحقّق الاستحالة إذن) لا من قبيل عوارض الوجود؛ كي يتوقف عروضه (الوجود) على وجود المعروض (الموضوع) و عارض الماهيّة لا يتوقف ثبوته (موضوعه) على ثبوتها (الماهیّة) بل ثبوتها (الماهیّة) بثبوته (العارض) كثبوت الجنس بفصله و النوع بالتشخص؛ إذ من الواضح أنّ الحكم لا يتوقّف على وجود موضوعه خارجاً، كيف؟! و وجوده خارجاً يُسقط الحكم، فكيف يَعرُضه؟ كما لا يتوقف على وجوده ذهنا؛ بداهة أن الفعل بذاته مطلوب، لا بوجوده الذهني، بل الفعل يكون معروضا للشوق النفساني في مرتبة ثبوت الشوق؛ حيث إنه لا يتشخّص إلاّ بمتعلّقه، كما في المعلوم بالذات بالنسبة إلى العلم، فما هو لازم توقّف العارض على معروضه هذا النحو من الثبوت، بل المانع من تقويم الحكم لموضوعه، و تقوّم موضوعه به أو بما ينشأ من قبل حكمه أن الحكم متأخّر طبعا عن موضوعه، فلو اخذ فيه لزم تقدّم المتأخّر بالطبع، و ملاك التقدّم و التأخّر الطبعيين أن لا يمكن للمتأخّر ثبوت إلا و للمتقدم ثبوت و لا عكس، كما في الاثنين بالنسبة إلى الواحد، و نسبة الإرادة إلى ذات المراد كذلك؛ إذ لا يمكن ثبوت للإرادة إلاّ و ذات المراد ثابت في مرتبة ثبوت الإرادة و لا عكس؛ لإمكان ثبوت ذات المراد تقرّرا و ذهنا و خارجا بلا ثبوت الإرادة، و لا منافاة بين التقدّم و التأخّر بالطبع و المعيّة في الوجود، كما لا يخفى.»[4]
و بنظرة إجمالیّة، تَبدو إجابته دیقة و أنیقة -تماماً- شریطةَ أن نَفترض أنّ الحکم و متعلّقه یُشبهان مبحث «العرض و المعروض» التّکوینیَّین -إلا أنّه مخدوش-.
و في هذه السّاحة، قد تَقارَنت إجابة المحقّق الخمینيّ مع إجابة المحقّق الاصفهانيّ أیضاً، حیث قد ناقَش الاستحالة قائلاً:
«و هذه الوجوه كلها مخدوشة:
أمّا الوجه الأول:[5]
1. فمضافاً إلى عدم كون الأحكام من قبيل أعراض المتعلقات: أما في النّفس فلأن الإرادة قائمة بالنفس قيام المعلول بعلته و مضافة إلى المتعلقات إضافة العلم إلى المعلوم بالذات، و أما في الخارج فلأن الأحكام أمور اعتبارية لا خارج لها حتى تكون قائمة بالموضوعات أو المتعلقات (إذن الأحکام الاعتباریّة لا تعدّ أعراضاً و لا تَرتهن علی موضوعها کي تَتولّد الاستحالة المستعصیة).
2. أنه لو فرض كونها من قبيل الأعراض (التّکوینیّة) لم تكن من الأعراض الخارجيّة (حتّی تُصبح الأحکام من أعراض الوجود، کلا) ضرورة أنّ الخارج ظرف سقوطها لا ثبوتها (الأعراض و الأحکام بل الخارج یُسقِط الحکم الشّرعيّ فحسب) و لا ضير في كونها (عرضیّة الحکم) أعراضاً ذهنيّة (تصوریّة) سواء كانت من قبيل أعراض الوجود الذّهني أو الماهيّة (وفقاً للمحقّق الاصفهانيّ، فالصّلاة بذاتها تُعدّ أمراً تصوّریّاً ذهنيّاً فحسب) فإن المتعلّقات بقيودها ممكنة التّعقّل و لو كان تحقق القيود متأخرا عن الوجود الخارجي، فالأوامر (بالصّلاة) متعلقة بالمعقول الذهني من غير توجه الآمر إلى ذلك (فیتصوّر المولی قیود الماهیّة کقصد الأمر) و (لهذا إنّ تصوّر الصّلاة) المعقول بقيوده (کالقصد) متقدم على الأمر في الوجود الذّهني (و لا یُنجِب الاستحالة) و لو كان في الوجود الخارجيّ على عكسه (بحیث إنّ القصد سیتأخّر عن الصّلاة خارجاً).
3. هذا مضافاً إلى أن كليّة القيود الخارجة عن ماهيّة المأمور به تَحتاج في تقييدها بها (القیود) إلى لحاظٍ مستأنَف (جدید بحیث یَتوجَّب أن یَتصوّر المولی القیود أوّلاً ثمّ یتصوّر الماهیّة ثانیةً فبالتّالي سیَتصوّر القیود ثمّ یَتصوّر الماهیة المأمور بها في المرحلة الثّانیة لکي تزول استحالة تقدّم القید علی المقیَّد، بینما لو تَوحَّد تصوّران لاستَلزم المحذور المذکور) فقوله: «صل مع الطهور» تقييد للصلاة بلحاظ (وتصوّر) آخر (أي هناک لحاظان بحیث سیَلحظ القیود بدایةً ثمّ سیُعلِّق الصّلاة علی الطّهور بتصوّر ثان) فعليه فلا إشكال في إمكان تقييدها (الصّلاة) بقصد الأمر و الطّاعة بلحاظ ثان مستأنف، و لا فرق في ذلك بين القيود مطلقاً.»[6]
- و نَصوغ مقالته بصِبغة أخری: ستَتجلّی الاستحالة لو اتّحَد تصوّر الصلاة مع تصوّر القصد ضمن عملیّة تصوریّة واحدة، بینما لو فکَّکنا ما بین التّصوّرین -و أضَفنا تصوّرات أخری- بأن یتصوّر المولی بدایةً القیود ثمّ یَتصوَّر متعلّقها الصّلاتيّ لَنَجحنا في حلّ الاستحالة تماماً -تقدّم القیود علی الصّلاة- إذ وفقاً للمحقّق الخمینيّ سیُسمَح لنا أن نُقدّم تصوّر القیود علی تصوّر الأمر ذهنیّاً -أي قبل الأمر لا بعد الأمر کي یَستحیل- وبالتّالي حیث قد تَمَّ تشریعها ثبوتاً ضمن مرحلَتَین فلا یَسوغ لنا أن نَدمج بین التّصوّرین في آنٍ واحد کي نَتزحلَق في الاستحالة.
و نُهاجم نقطتَه الثّالثة:
Ø أوّلاً: بأنّ «تَثنیة التّصوّر و لحاظ القیود مستأنَفةً» لا تَحُلّ عویصَتنا إطلاقاً، إذ علی أیّة حالة، إنّ تصوّر الصّلاة مع القصد سیَخلق الدّور حتماً سواء تَوحَّد التّصوّر أم ثُنِّي، فإنّ الأعداد لا تُعالِج الاستحالة.
Ø ثانیاً: أساساً إنّ «کیان الدّور» یَرتهن علی تحقّق نقطتَین:
· قصد شخص الأمر -لا طبیعيّ الأمر کما زعمه السیّد المشکینيّ-.
· و قصد امتثال الأمر ضمن وعاء الخارج -لا في تصوّر المولی ثبوتاً-.
فمنظومة النّقطتَین قد أولَدَت الدّور المستحیل، فاحتفاظاً علی هاتین النّقطتین علینا أن نُعالج المحذور، لا أنّ نقصد کليّ الأمر أو أن نُمرِّر الدّور إلی عالم الثّبوت -کما زعمه-.[7]
Ø ثالثاً: لقد أرَحنا أنفسنا -مسبقاً- عن هذه الکوارث، حیث قد أوضحنا «حقیقة الحکم و موضوعه» بأنّ نَمَطهما «اعتیاريّ بحت» و ببرکته قد تَخلّصنا عن عرقلة «الدّور و الخلف» تماماً بینما الأعلام قد تورَّطوا فیها حینما قایَسوا «أحکام الشّریعة» بأمثال «العرض و المعروض التّکوینيَّین».
ولکنّا حتّی لو افتَرضنا «الحکم» من نمط العرض التّکوینيّ لأجبنا أیضاً بأنّ الحکم هو من «قبیل» عرض الماهیة -لا مصداقٌ لنفس الماهیّة أو الوجود- فبالتّالي لا دخالة «للخارج أو الذّهن» في حلّ الاستحالة نهائیّاً.
الاستحالة التّالیة مطروحة في الکفایة
و عقیب ما حَللنا عُقدة «استحالة التّصوّر و الإنشاء لقصد الأمر» فقد سَیَّرنا المحقّق الآخوند إلی مأساة أخری أیضاً و هي أنّ «الصّلاة بضمّ القصد» لیست مقدورةَ المکلّف نظراً للدّور المزبور، بینما المفروض أنّ یُلاحِظ المولی طاقة المکلّف حین إصدار أوامره، و إلا لاستَتبع «التّکلیف بالمحال» و هو قبیح، فأمامَک الآن نصّ بیاناته العمیقة:
«و توهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر و إمكان الإتيان بها بهذا الداعي ضرورة إمكان تصور (المولی) الأمر بها مقيّدة (في مقام الثّبوت) و التمكن من إتيانها كذلك (مقیَّدة) بعد تعلق الأمر بها و المعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال (الخارجيّ) لا حال الأمر (فبالتالي قد ارتفعت الاستحالة و الدّور)
واضح الفساد ضرورة أنه و إن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها (خارجاً) بداعي أمرها لعدم الأمر بها فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر (فاستَلزَم المحذور ذاک الوقت) و لا يكاد يدعو الأمر إلى ما تعلق به لا إلى غيره.
إن قلت نعم و لكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت كلا لأن ذات المقيد لا يكون مأمورا بها فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا فإنه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت نعم لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطا و أما إذا أخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا للوجوب إذ المركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر و يكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل و يصح أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ضرورة صحة الإتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت مع امتناع اعتباره كذلك فإنه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري فإن الفعل و إن كان بالإرادة اختياريا إلا أن إرادته - حيث لا تكون بإرادة أخرى و إلا لتسلسلت ليست - باختيارية كما لا يخفى إنما يصح الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذا الداعي و لا يكاد يمكن الإتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره.»[8]
----------------------
[1] رغم اتّخادهما ضمن عالم الوجود الخارجيّ.
[2] و یَبدو أنّ صاحب المنتقی هو المصرِّح بهذا التّقریب قائلاً: «ان متعلق الأمر (کالموضوع و کالقصد) لابدّ و ان يكون في رتبة سابقة على نفس الأمر، لأنه معروض الأمر، و العارض متأخر عن معروضه رتبة، و داعي الأمر معلول لوجود الأمر لاستحالة تحققه بدونه فهو متأخر عنه تأخر المعلول عن علته، و عليه فلا يمكن أخذه في متعلق الأمر، لأنه متأخر عن الأمر، ففرض كونه في متعلق الأمر يستلزم فرض تقدمه على الأمر و هو خلف.» (روحانی محمد. منتقی الأصول. Vol. 1. ص413 قم - ایران: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی.)
[3] الكفاية: ٢١/٧٢.
[4] اصفهانی محمد حسین. نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. ص322 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[5] والذي قد استَعرضه مسبقاً قائلاً: «فقد يُقرَّر وجه الامتناع فيه بلزوم تقدم الشيء على نفسه، بأن يقال: إن الأحكام أعراض للمتعلقات، و كل عرض متأخر عن معروضه، و قصد الأمر و الامتثال متأخر عن الأمر برتبة، فأخذه في المتعلقات موجب لتقدم الشيء على نفسه برتبتين.» (مناهج الوصول إلی علم الأصول. Vol. 1. ص260 قم)
[6] خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیان گذار جمهوری اسلامی ایران، مناهج الوصول إلی علم الأصول. Vol. 1. ص261 -262 قم - ایران: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينی.
[7] فمحاولة المحقّق الخمیني في تثنیة التصوّر قد بدَّلت تصویر النّزاع و أخرجته عن الصّراع، فإنّ تبدیل موضوع النّقاش إلی مقام التّصوّر الثبوتيّ لا یُخرجنا عن ذاک المحذور المحدَّد، کما قد صنَعه المحقّق النّائیني حیث قد عدّد الجعل إلی تقسیمات أولیّة و ثانویة بتقریب متمّم الجعل کي یَتخلَّص عن المحذور، فإنّ هذه الطّریقة لا تُجدیه نفعاً.
[8] آخوند خراسانی محمدکاظم بن حسین. کفایة الأصول (طبع آل البيت). ص73 قم - ایران: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
نظری ثبت نشده است .