درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١٠/١٦


شماره جلسه : ۵۲

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • مستَخلَص الجلسة الماضیة

  • مناقشة صاحب المنتقی لجوابیّة المحقّق العراقيّ

  • استکمال هجوم المحقّق العراقيّ تجاه الکفایة

  • اختِتام الآراء الجاریة حول العبادیّة و الدّاعویّة

  • انتِقاض بارز تجاه الکفایة و أنصاره

  • سحب الاعتراض المسبَق عن مقالة المحقّق البروجرديّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِين

مستَخلَص الجلسة الماضیة

لقد احتاطَ صاحب الکفایة بإتیان القصد، مستَمسِکاً بالإدراک العقليّ لأنّه قد اعتَقد استحالة الأمر الثّاني بأیّة صورة[1] فبالنّهایة قد التَجأ إلی الاحتیاط فصحَّح به العبادة حتّی لو شکّ المکلّف أو احتمل رُکنیّة القصد في العبادات، فبالتّالي سیَتوفَّر غرض المولی النّهائيّ تماماً.

بیدَ أنّ المحقّق العراقي قد زلَّ في مناقشة مقالة الکفایة -حول الاحتیاط- قائلاً: [2]

«أقول: و لا يخفى عليك ما في هذا الإشكال، إذ نقول، بأنه لو تمّ هذا الإشكال (و لزوم الإتیان بالقصد احتیاطاً) فانما هو:

- على مبنى مرجعية قاعدة الاشتغال في نحو هذه القيود عند الشك في اعتبارها (لأنّ العقل یحکم بالاحتیاط: أي إتیان کافّة المحتملات تحصیلاً للغرض).

- و إلاّ فبناء على مبنى البراءة (في الأقلّ و الأکثر الارتباطيّ لدی المشهور) -كما هو التحقيق على ما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى- فلا موقع لهذا الإشكال (أي أنّ یَحتاط عقلاً مع القصد).

و ذلك لأنه في فرض استقلال العقل بمرجعية البراءة عند الشك (بین الأقلّ و الأکثر الارتباطيّ) لا محيص للمولى من بيان «مدخلية قصد الامتثال في غرضه» على فرض دخله (ووجوبه) فيه واقعاً، و بيانه انما هو بأمره به مستقلاً (و مولویّاً) لكي لا يذهبَ المكلف و يستريحَ في بيته و ينام متّكِلاً على حكم عقله بالبراءة و قبح العقاب بلا بيان (و لهذا قد أمرَه أمراً مولویّاً لکي لا یُهمِل الأمر) و إلاّ فمع عدم أمره (المولویّة) بذلك لكان قد أخلّ بما هو مرامه و غرضه (إذن فالأمر الثاني المولويّ سیُزیل شکَّ المکلّف فیُلغی حکمُ العقل بالاحتیاط أیضاً) و من المعلوم، بداهةَ أنّ كمال المجال حينئذ لإعمال المولوية بأمره (الثّاني) إذ لا نَعني من الأمر المولوي الا ما كان رافعاً لموضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لقلب عدم البيان بالبيان (ببرکة الأمر الثّاني) كما هو الشأن أيضاً في الأمر الأول المتعلق بذات العبادة، فكما ان الأمر الأوّل أمرٌ مولويّ و رافع لموضوع حكم العقل بالبراءة بلا كلام، كذلك الأمر الثاني المتعلِّق بقصد الامتثال فهو أيضاً أمر مولويّ قد أعمِل فيه جهة المولوية لرفع موضوع حكم العقل بالبراءة (فلا داعي لاحتیاط صاحب الکفایة).»

مناقشة صاحب المنتقی لجوابیّة المحقّق العراقيّ

و قد أجاد صاحب المنتقی -أیضاً- حینما اعتَرض علی الإشکال الأوّل للمحقّق العراقيّ قائلاً: «و لكن ما ذكره (قدس سره) من ابتناء التزام صاحب الكفاية بامتناع الأمر الثاني مولويّاً (ابتناءً) على عدم جريان البراءة (الشّرعیّة) في مورد الشك في التعبدية و التوصلية و إجراء الاحتياط فيها عجيب منه (قدس سره) كيف‌؟ و صاحب الكفاية انما لا يلتزم بالبراءة (العقلیّة) و يلتزم بالاحتياط (العقليّ) لأجل امتناع (عقلاً) بيان العباديّة بالأمر شرعاً (حتّی بالأمر الثّاني) بيان ذلك: انه إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر فقد قيل: بان مقتضى العلم الإجمالي الاحتياط و لا تتأتّى البراءة العقلية، و قيل: بان المورد مجرى البراءة العقلية لانحلال العلم الإجمالي (وفقاً للمشهور) و (الحال أنّ) صاحب الكفاية ممن لا يلتزم بالبراءة العقلية في المورد المذكور و انما يلتزم بالاحتياط عقلاً بمقتضى العلم الإجمالي (فلا یَری الانحلال) نعم يلتزم بجريان البراءة شرعاً لكون المورد من مواردها، و من الظاهر إنهم (الأصولیّین) يلتزمون بجريان البراءة شرعاً -بل عقلاً- في المورد «القابل للجعل و الوضع شرعاً» أمّا ما لا يقبل الوضع (القصد) شرعاً فلا يكون الشك فيه مشمولاً لحديث الرفع، لأنّ ما لا يقبل الوضع (للقصد) شرعاً لا يقبل الرّفع (للقصد أیضاً).» [3]

فبالتّالي قد حامی صاحب المنتقی عن احتیاط الکفایة معلِّلاً بأنّه قد استَحال تقیید الأمر «بقید الدّاعویّة» بحیث لا یُعقَل وضع «القصد ضمن الأمر» فبالتّبع قد استحال إزالة «القصد» بمطلق البرائة -العقلیّة و الشّرعیّة- تماماً فالتَجَأ صاحب الکفایة إلی الاحتیاط إنجازاً للغرض النّهائيّ لا نظراً لمسألة الأقلّ و الأکثر البحتة کما زعمه المحقّق العراقيّ حیث قد غفَل عن أنّ صاحب الکفایة قد اضطَرَّ إلی الاحتیاط هروباً عن الاستحالة الذّاتیّة -و لیس أکثر- فإنّه لم یَظفر بطریق آخر للخَلاص عن الدّور سوی الاحتیاط، فبالنّهایة لا یَتعلّق صراعنا بمبحث الأقلّ و الأکثر کي یُعترض علیه بتوفّر البرائة الشّرعیّة، و لا تَتعالَج الاستحالة العقلیّة أیضاً بتکثیر الأوامر، إذ البرائة الشّرعیّة تَتفعَّل لو تَعقَّلنا إمکانیّة «وضع القید» أوّلاً، بینما نواجه هنا استحالة الکفایة، فبالتّالي سیُصبح الأمر الثاني و الثالث و.... حشواً لاغیاً. [4]

و یَبدو ساطعاً أنّ ردیّة صاحب المنتقی قد اقتُبست من تذییل المحقق الآخوند لاحقاً[5]

استکمال هجوم المحقّق العراقيّ تجاه الکفایة

ثمّ استَتمَم المحقّق العراقي استشکاله التّالي -البنائيّ- کي یُبرِّر عوائد الأمر الثّاني -بلا لغویّة- و یَصطَنع له فائدة، قائلاً:

«و لكن يمكن دفع الإشكال المزبور (الاشتغال) على هذا المسلك أيضاً، إذ نقول حينئذ: بأنه على هذا البيان و ان لم يجب على المولى الأمر المولوي بداعي الأمر، من جهة جواز اتّكاله على حكم العقل بالاشتغال، إلاّ أنّه لو أمر بها (أمراً ثانیاً) حينئذ لا يلزم منه اللّغوية، كيف و ان للمولى حينئذ بيان كل ما له الدخل في تحقق غرضه بالأمر به (ثانیاً) و يكفى في فائدته ارتفاع موضوع حكم العقل بالاشتغال (فتَتسجَّل البرائة فهذه فائدة الأمر الثّاني إذن) من جهة أنّ حكم العقل بالاشتغال كحكمه بالبراءة انما هو في ظرف الشّكّ بالواقع و بعد بيان المولى (بالأمر الثّاني) ما له المدخلية في تحقق غرضه واقعا يرتفع موضوع حكم عقله بالاشتغال كارتفاع موضوع حكمه بالبراءة. نعم لو انحصر فائدة الأمر المولوي «بإحداث الداعي» للمكلّف (فحسب) نحو المطلوب لأمكن دعوى لغوية أمره مولويّاً مع حكم العقل الجزمي بالاحتياط و لكنّه ليس كذلك (أي لم یَنحصر فائدة الأمر الثاني بإحداث الدّاعویّة کي لا یُعقَل) بل نقول: بأنّ من الفوائد أيضا إعلام المكلّف (بالأمر الثّاني) بما له المدخلية في حصول غرضه واقعاً لكي يرتفع به موضوع حكم عقله بالاحتياط كما هو واضح، و حينئذ فعلى كلّ حال يكون الأمر (الثّاني) المتعلّق بداعي الأمر أمراً مولويّاً لا إرشاديّاً.»

و لکنّ صاحب المنتقی قد أتقَن الاستشکال علیه قائلاً:

1. «إنّ الظّاهر أنّ الأثر العقلائي للأمر (الثّاني) ينحصر بجعل الداعي (و القصد) و المحركية نحو العمل، و لا نعرف له أثراً عقلائيّاً (آخَر) يُصحّحه غيرَ هذا، فإذا فرض وجود الداعي (ببرکة الأمر الأوّل) كان الأمر (الثّاني) لغواً إلا أن يكون إرشاديّاً واقعه الإخبار.»[6]

و بتحریر حَريّ: إنّ مجرَّد تصویر فوائد متعدّدة للأمر الثّاني لا یُفرِزه عن اللّغویّة، إذ قُصاری العائدة العقلائیّة البارزة للأوامر هي «الباعثیّة و الحَثّ نحوَ الامتثال» -و لیس أکثر- بینما الأمر الثّاني المولويّ یَفتقِد هذه المیِزَة تماماً -مع تواجد الأمر الأوّل- فصار لاغیاً وفقاً لما حرَّره صاحب الکفایة تماماً.

فبالتّالي، قد اتَّجهت هذه الإشکالیّة تجاه المحقّق العراقيّ بل حتّی البرائة الشّرعیّة -التي یَقبلها صاحب الکفایة لدی الأقلّ و الأکثر- مرفوضة و مُنثَلمة نظراً لاستحالة الأمر الثّاني عقلاً -الآتیة لاحقاً-.

اختِتام الآراء الجاریة حول العبادیّة و الدّاعویّة

إنّا ضمن الدّورة الأصولیّة السّالفة قد تحرَّینا بدقّة فائقة کافّةَ الأقاویل السّاطعة، فتوصَّلنا إلی فارق شاسع ما بین تفکیر مکتبة «القم المقدّسة» و بین مکتبة «النّجف الأشرف»[7] في تحدید مِقیاس «العبادیّة و الدّاعویّة معاً» فإنّ:

1. أساطین المدرسة النّجفیّة -نظیر المحقّقِین الآخوند و النّائینيّ و الاصفهانيّ و العراقيّ و الخوئيّ و...- یَعتقدون «بداعویّة نفس الأمر» لا القصد و لا الملکات الخمس الباطنیّة -خلافاً لنهج القمیِّین- بحیث لو استحالَ أساس الدّعوة لَلغا أساس الأمر أیضاً -سیّان الأمر الأوّل و الثّاني و الثالث و...- و ذلک وفقاً لتنصیص الکفایة، إذ یَرون الدّاعویة من أعمدة «تکوُّن الأمر» فیَتجدَّد الدّور المستحیل.

2. بینما عمالِقَة مدرسة القُميِّین -نظیر المحقّقِین الحائريّ و البروجرديّ و الخمینيّ و الوالد المحقّق و...- قد استَنکروا «داعویّة الأمر» هاتفِین بأنّ باعث المکلّف هي «الملکات القلبیّة الخمس» فحسب -کما أسلفنا عبائرَهم- فصیغة الأمر لا تَبعث بعثاً مولویّاً -کي نتورَّط في الدّور و أضرابه- و إنّما ستُحقِّق «صغری موضوع الطاعة» فحسب حتّی یَتّجهَ العبد باتّجاه هذا النّمط من العبادة المحدَّدة و لا یختارَ غیرها، فبالتّالي، لا یَدور الأمر مدار الدّاعي و القصد نهائیّاً، فبالتّالي و وفقاً لهذا المنهاج، لا یحدُث أيّ توقّف للأمر علی القید و بالعکس، و سیَنجو الأمر الثّاني المولويّ عن اللّغویّة -لو افترضنا أساسه- لأنّه سیُزوِّد الملکة الاعتقادیّة في العمل و سیَصبِغُه صِبغة عبودیّة.

3. و أمّا الحقّ الحقیق فقد رافَق منهجة القمیِّین، و ذلک وفقاً لتحلیلنا العرفي و التّدقیق العلمي في هذا الشّأن:

Ø و الذي یُشیِّد متَّجَهنا هو أنّا لدی أبحاث «الوضع و صیغة الأمر» قد اصطَفینا نظریّة المحقّقَین الرّشتيّ و الحائريّ حول «حکایة کافّة الألفاظ عن الحقائق الموجودة و الإرادات المکنونة»[8] فأساساً لیست وظیفة الألفاظ أن تُنشئ شیئاً أو تَبعث شخصاً و تدعوَ عبداً -زعماً من مکتبة النّجف في مبحث الأوامر- و في مِنواله، لم نَعثُر علی کتاب لغة تُفسِّر «الأمر» بالبعث و التّحریک و الدّاعویّة إطلاقاً، بل قُصارها أن قد أطلَقَت «طلب الشّیئ» فحسب.

انتِقاض بارز تجاه الکفایة و أنصاره

و أمّا الهجمة التّالیة تجاه الرّؤیة النّجفیّة أنّ أعاظمَهم کالکفایة و الفوائد و النّهایة و... یُعلِنون دوماً أنّ مهمّة العقل هو «الإدراک» -المحاسِن و المَساوِئ- فحسب لا الحکم و لا الآمریّة و لا التّشریعیّة و لا الدّاعویّة[9] فلو أقرُّوا بذلک لَما أصبَح الأمر الثّاني حَشواً عبَثاً لغواً بل یُعدّ إرشادیّاً إلی طاعة الأمر الأوّل و وجوبه، فإنّ المشهور یُعرِّفون الإرشادیّة: بأنه لو أدرَک العقل باستقلاله محاسِنَ الشّیئ أو قبائحَه لصار إدراکه إخباراً و إرشاداً بحتاً، فبالتّالي سیَتحتّم علی هؤلاء العظَماء أن یَتّخذوا الأمر الثّاني إرشادیّاً لا لاغیاً.

أجل، حسب تنقیحنا «للإرشادیّات» بأنّ مجرد استقلال العقل لشیئ لا یَحصِره في الإرشادیّة البحتة بل بوُسع الشّارع أن یُعمِل ولایته التّشریعیّة علی الإدراک العقليّ فیُرتّب علیه آثاراً أخرویّة أیضاً نظیر تحریم المظالم و استحباب العدالة فقد صرّح تعالی في القرآن بترتیب الحسنات أو العواقب تجاههما فنهیُه عن الظّلم أو الکذب یُغایر نهيَه عن السَّمّ فإنّه ظاهر في الإرشادیّة الصّرفة إذ لم نَظفر بقرینة علی مولویّة هذا النّهي بینما قد ألفَینا القرائن الدّاخلیّة و الخارجیّة في الآیة التّالیة: «إنّ الله یأمر بالعدل و الإحسان و إیتاء ذي القربی» فرغمَ استقلالیّة العقل تجاههما و لکنّ القرینة الألفاظ -إنّ الله یأمر- و لون الخطاب قد دلَّلت و بَرهنَت علی المولویّة أیضاً.[10]

سحب الاعتراض المسبَق عن مقالة المحقّق البروجرديّ

و بالرَّغم من أنّا قد هاجَمنا إجابة المحقّق البروجرديّ مسبقاً[11] و لکن الحقّ أنّ إجابته سدیدة و رائدة إذ لا نَمتلک داعیَین -من المکلّف و من المولی- بل حیث إنّ الأمر موحَّد فسَیتّحد الدّاعي أیضاً، ممّا یعني أنّ «الدّاعویّة الواقعیّة الباعثة هي الملکات الخمس» في الحقیقة لا نفس الأمر بل أمر المولی سیُکوِّن صغری موضوع الطاعة فحسب.

فببرکة هذه الرّؤیة للنّقاش سیتغیّر أساس النّزاع تماماً و لا نَتزَحلَق في الأدوار المذکورة و الاستحالات المطروحة و لا یَلغو الأمر الثّاني -لو سلَّمناه- بل هذه الرّؤیة تَنسجِم تماماً مع «مبنی الحکایة في الألفاظ» أیضاً بحیث إنّ الأمر یُعدّ حاکیاً و مُنبِأً عن إرادة المولی المکتومة فحسب -کما أسلفنا-.

-------------------------
[1] و بین أبصارک نصّ بیاناته: (هناک مانع عقليّ عن الأمر الثاني إذ) إنّ الأمر الأوّل (صلِّ): إن كان يسقط بمجرد موافقته و لو لم يقصِد به (قصد) الامتثال كما هو قضية الأمر الثاني، فلا يبقى مجال (و فائدة) لموافقة الثاني مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله (إذ قد تحقّق غرض المولی بإتیان الأمر الأوّل تماماً) فلا يَتوسّل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة و الوسيلة (الأمر الثاني) و إن لم يكد يسقط بذلك (الأمر الثّاني) فلا يكاد يكون له (للثّاني وللثالث و...) وجه إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره، لاستحالة سقوطه (الأمر الأوّل) مع عدم حصوله (القید) و إلا لما كان موجباً لحدوثه.
[2] عراقی ضیاء‌الدین. نهایة الأفکار. Vol. 1. ص194- 195 جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم. مؤسسة النشر الإسلامي.
[3] روحانی محمد. منتقی الأصول. Vol. 1. ص446 قم - ایران: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی.
[4] و سوف یشیر صاحب الکفایة إلی هذه المقالة أیضاً قائلاً: «فاعلم أنه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و ذلك لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك و عدم إحراز الخروج عقابا بلا بيان و المؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة و عدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة و هكذا الحال في كل ما شك دخله في الطاعة و الخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه و التمييز.
ثم إنه لا أظنك أن تتوهم و تقول إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار و إن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار لوضوح أنه لا بد في عمومها من شيء قابل للرفع و الوضع شرعا و ليس هاهنا فإن دخل قصد القربة و نحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي و دخل الجزء و الشرط فيه و إن كان كذلك إلا أنهما قابلان للوضع و الرفع شرعا فبدليل الرفع - و لو كان أصلا - يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فإنه علم بثبوت الأمر الفعلي كما عرفت فافهم. (کفایة الأصول طبعة آل البیت ص76». فعلی أساسه لم یَلتفت المحقّق العراقيّ إلی هذه الاستحالة العقلیّة و لهذا لا تتصحَّح البرائة الشّرعیّة و لا تعدّد الأوامر إطلاقاً.
[5] و قد استَحضرنا في الهامش الماضي، تنصیصَ الکفایة حول لزوم الاحتیاط ردّاً علی المحقّق العراقيّ.
[6] روحانی محمد. منتقی الأصول. Vol. 1. ص447 قم - ایران: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی.
[7] و قد علّق الأستاذ المبجَّل قائلاً: «بأنّا نَعني من هذه المکاتب جذورَ الفکرة النّجفیّة و القمیّة، فرغم تتلمّذ بعضهم لدی أساتذة النجف و انتقالهم من بُقعة إلی بقعة إلا المباني المتلوّنة و المناهج المختلفة، منفکَّة و محسوسة تماماً».
[8]حیث قد رسَّخ الأستاذ المبجَّل بُنیان هذه النّظریّة المثالیّة ضمن أبحاث صیغة الأمر قائلاً: «و بما أنّا قد استَعرضنا کافّة الأقاویل حول صیغة الأمر نظیر المحقّق الآخوند -الطّلب الإنشائيّ- و المحقّق النّائینيّ -النّسبة الإیقاعیة- و المحقّق العراقيّ -النّسبة الإرسالیة- و السید الحكیم -النّسبة التّكوینیّة- و المحقّق البروجردي -النّسبة الطّلبیّة- و المحقّق الخمیني -لإیجاد البعث و الإغراء-فبالتّالي قد اصطَفینا تحقیقةَ المحقّقینِ الحائريّ و الرّشتيّ -للحكایة عن الحقائق الباطنیّة-.
و في هذا المیدان سنَتراجَع عن مُعتقدنا الماضي بأنّ الإنشاء و الإخبار یُعدّان من الأوصاف الذّاتیة لللفظ بحیث یَنشقّ اللّفظ -بالتّحدید- إلی إنشائيّ و إخباريّ، فهذه مقولة فاشلة تماماً إذ قد اكتَشفنا آنفاً -وفقاً لمنهج المحقّق الحائريّ- بأنّ الجمل المشتركةَ بین الخبر و الإنشاء "كبعت و اشتریت" لا تُفسَّر بنفسِها بلا قرینة فإنّ اللّفظ لم یوضَع لمعنی مُحدّد بل هو محض حاك و مبرز للحقائق الباطنیّة، ولهذا إنّ اللّفظ -بالذّات- لا یَتشعّب إلی إنشائيّ و إخباريّ إطلاقاً، بل عنصرُ الإخباریّة أو الإنشائیّة تعرُض علی اللّفظ فحسب فهما من عوارض الألفاظ لا من انقسأمّاتِها الذّاتیة، وکلّ ذلك حسبَ منهاج المحقّقینِ الرّشتي و الحائريّ بأنّ الإنشائیّات -بأسرها- حاكیاتٌ عن الحقائق المتوفّرة في النفس، فلم توضَع للمفاهیم و المعاني كي نعثُر علی الموضوع له، فلو أراد المتکلّم أن یَعقد البیعَ لَكفته الحكایةُ عن البیع الباطنيّ الّذي قد أرادَه في جوفه فلو تلفّظ بالألفاظ لاعتبرها العقلاءُ منشأً للمعاملة و التّملیك، فإبراز ألفاظ المعاملة تُولّد موضوع حكم العقلاء لاعتبار البیع، لا أن اللّفظ یوجد أمراً اعتباریّاً، بل الاعتباریّات بید العقلاء تماماً.
بل حتّی إنشاءِ التمني و التّرجي و الاستفهام حیث لم یضع الواضع ألفاظَها مستقلّاً لمعانيها و مفاهیمِها بالتّحدید بل المُتمنّي و المُستَفهِم یُظهرانِ عمّا في أنفسهما، و كذا الإخباریّات حیث یَحكي المتحدّث عن الحقائق و النسب الواقعة خارجاً ما بین شیئین -مسبقاً أو حالیّاً- و أمّا الهجمات الّتي شنَّها المحقّق الاصفهانيّ تجاه المحقّق الحائريّ فقد أجبناها مسبقاً.
و عقیب هذه النِّقاط القیّمة الّتي طرحناها للتَّوِّ، قد تَلألأ غلطةُ مقالة الأصولیّین: بأنّ الصّیغة قد وضعت لمعنی الطّلب -وفقاً لزعم الكفایة- بل الطّلب لا یُعدّ أیضاً من لوازم الصّیغة -وفقاً لزعم المحقّق العراقيّ- بل اللّفظ الحاكي -افعل- بضمّ المحكيِّ عنه و بضمّ الإرادة سیُصبح مصداقاً للطّلب -وفقاً للمحقّق الخمینيّ- فإنّ الآمِر قد أصدرَ و أعلنَ مُتطلَّبَه من خلال الصّیغة -لیس أكثر- و الواضع قد وضعَ الألفاظَ خِصِّیصاً لمقام الحكایة عن الحقائق النّفسانیّة بأنّك لو أردتَ الضربَ فعلیك أن تُبرزَه بصیغة "افعل" فلم یضعِ الواضعُ الألفاظَ لتلك المعاني و المفاهیم المُحدّدة كي نعثُر علی الموضوع له.
و في ثَنایا هذه الاعتراضات، نَنتقِض مقال المحقّق الخمینيّ لأنّه قد وضعَ الصّیغةَ للبعث و التّحریك، بینما هو -بالتّحدید- قد تَبنّی "الخطبابات القانونیة" في باب الإنشاء حیث قد صرّح هناك بأنّ المولی لا یَبعث المکلّفَ نحو العمل إطلاقاً إذ نمط الخطاب القانونيّ هو أنّ المولی لا یلحظ أيَّ مخاطب أساساً بل یلحظ العنوانَ العامّ – أقیموا الصّلاة- فحسب، بینما ههنا -وضع الصّیغة- قد وضع الصّیغة للبعث عكسَ ما تَبنّاه في الخطاب القانونيّ.
[9] حیث قد صرّح ضمن الفوائد أیضاً قائلاً: «و لكن الإنصاف: انه لم نعرف معنى محصلا لهذا الوجه، فانه ان أراد انّ العقل يعتبر قصد الامتثال من عند نفسه فهو واضح الفساد، إذ العقل لم يكن مشرّعا يتصرف من قبل نفسه و يحكم بما يريد، إذ ليس شأن العقل إلاّ الإدراك و ان أراد انّ العقل يعتبر ذلك بعد العلم بأنّ ما تعلّق الأمر به انّما شرع لأجل ان يكون من الوظائف الّتي يتعبّد بها العباد، فهذا ليس معنى اعتبار العقل ذلك من قبل نفسه، بل العقل حینئذ يستقلّ بجعل ثانوي للمولى على اعتبار قصد التّقرّب.» (فوائد الأصول، ج1، ص162-163)
و قد قرّره صاحب الأجود أیضاً قائلاً: «(و توهم) الاكتفاء بأمر واحد بالصلاة و إيكال الجزء الآخر و هو قصد القربة إلى حكم العقل لا معنى له فان شأن العقل انما هو الإدراك و ان هذا الشيء مما اراده الشارع أم لا و ليس الأمر و التشريع من شئونه حتى يكون هو شارعا في قبال الشارع.» (أجود التقریرات، ج1، ص116)
[10] و قد أطنَب الأستاذ المعظَّم هذا الحوار ضمن أبحاث الأوامر قائلاً: «إذ:
نَمتلك نَماذج وافرةً -إرشادیة و بلا أمر للمولی- لم تَتحقّق المطلوبیّة الذّاتیّة في ذات العمل نظیر التّعلم فإنّ آیة النفر هي الّتي قد حثَّتنا نحوَ التّفقّه فلولاها لَما استَوعَبنا المطلوبیّة إطلاقاً.
و في الجهة المقابلة نَمتلك أیضاً نَماذجَ عِدّة قد توفّرت المطلوبیّة الذّاتیة في الفعل و لكنّها مولویّة أیضاً كالعدالة فإنّ الله تعالی -رغم إدراك العقل لحسنها- قد أعمَل مولویَّته حین الأمر أیضاً حیث أعلن قائلاً: «إنّ الله یأمر بالعدل و الإحسان و إیتاء ذي القربی» و قد أشرَب مولویّتَه في حقل آخر أیضاً قائلاً: «اعدوا هو أقرب للتقوی».
وعقیب ما فسَّرنا هویّة المولویّة و الإرشادیّة من جذرهما، فسنَتحرّی الآن الفوائد المترتّبة، فإنّ الآثار كالتّالي:
لو أدرج المولی مولویّته لَتَشکلّ ثوابٌ و عقاب أخرويّ علی العمل -حتّی و إن اندرج العمل ضمن المستقلّات- بینما لو لم یُعمل المولویّة لظلّت الفائدة دنیویّةً و إرشادیة بحتة -نظیر دواء الطّبیب-.
1. لو أشرب المولی مولویّته لتحقّقت المصلحة في نفس الأمر و الإنشاء أیضاً -إضافة علی ملاك المتعلّق- بینما المصلحة في الإرشادیة البحتة تَكمن في نفس العمل فحسب -نظیر دواء الطبیب-.
2. لو ألبسَه -الأمر- ثیاب المولویّة لانبعث العبد نحوَ الفعل بقوّة مزیدة، فرغم أنّ العقل یُعدّ محرِّكه نحوَ الامتثال إلا أنّ تَدخُّل المولی سیُضاعِف تحرّكه و اشتّیاقَه إلی الامتثال بشکلّ وسیع، فلا یُعدّ «إعمال المولویّة» عملیّةً عبَثیّة أبداً -كما زعمه البعض- بل علی الصعید الأخرويّ سیَتشدَّد الثواب و العقاب بنحو آكد.
[11] بأنّه قد خلَط ما بین الدّواعي النّابعة من المکلّف -و هي الملکات الخمس- فتُعدّ تکوینیّةً وفقاً لمکتبة قمّ المقدّسة و بین الدّواعي النّاتجة عن المولی -و هي الأوامر- فتُعدّ تشریعیّةً وفقاً لمکتبة النّجف الأشرف فتَنازعوا في الشّقّ الثاني حیث قد حدث فیه الدّور.




الملصقات :


نظری ثبت نشده است .