موضوع: الواجب النفسی و الغیری
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٦/٢٣
شماره جلسه : ۲
-
خلاصة البحث السابق
-
مقتضى إطلاق الهيئة عند الشك في النفسية
-
إشكال المحقق اللنكراني على المحقق الخراساني في تعريف الواجب النفسي
-
كلام المحقق الأصفهاني
-
الفصل بين الإطلاق المقسَمي والإطلاق القِسمي في توجيه كلام الآخوند
-
الفرق بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري
-
القيد العدمي والقيد الوجودي في النفسية والغيرية وأثرهما في مقام الإثبات
-
أصالةُ الإطلاق ومتعلَّقُها: نقد المحقق الأصفهاني على عبارة الآخوند
-
عدم معقولية الإطلاق من حيث منشأ الوجوب
-
الإطلاقُ المعيِّنُ للنفسية: نفيُ التقييد بما يفيد الغيرية
-
المصادر
-
الجلسة ۱
-
الجلسة ۲
-
الجلسة ۳
-
الجلسة ۴
-
الجلسة ۵
-
الجلسة ۶
-
الجلسة ۸
-
الجلسة ۹
-
الجلسة ۱۰
-
الجلسة ۱۱
-
الجلسة ۱۲
-
الجلسة ۱۳
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
ينعقد البحث في أنه لو دار الأمر في واجبٍ ما بين كونه نفسيّاً أو غيريّاً، فما هو مقتضى الأصل اللفظي؛ ومن الطبيعي أن النوبة لا تصل إلى الأصل العملي إلا بعد الفراغ عن الأصل اللفظي واستنفاد ما فيه. والمبنى الذي يقرّره المحقق الآخوند الخراساني (قده) هو أنّ إطلاق هيئة الأمر — أو إطلاق الصيغة بتعبير آخر — له ظهورٌ منعقدٌ في النفسية؛ إذ إنّ الغيرية تفتقر إلى مؤونة بيان وقرينة زائدة، في حين أنّ النفسية لا تحتاج إلى مثل ذلك. وعليه، فبمقتضى جريان مقدمات الحكمة، وعند فقدان القرينة المعتبرة على قيد «للغير»، يُحمل الأمر على الوجوب النفسي.
إنّ الاختلاف في التعبير بين «إطلاق الصيغة»، الوارد في بعض مواضع "كفاية الأصول" (كمبحث مقدمة الواجب)، و«إطلاق الهيئة» في مواضع أخرى، لا يوجب تغايراً في المبنى؛ فالمقصود في كلا الموردين واحد، وهو: ظهور الهيئة الطلبية نفسها في صيغة «افعل» في كون الوجوب نفسيّاً، ما لم يطرأ عليه قيدٌ إضافي يخصّصه. ووجه هذا الظهور بيّنٌ أيضاً؛ فإنّ «الغيرية» متقوّمةٌ بارتباطٍ زائد بالغير وبأخذ قيد «للغير» في مفهومها، وإثبات مثل هذا القيد يفتقر إلى مؤونة بيان. وعند انتفاء هذا القيد، ينتفي العنوان الثبوتي للـ«غيرية»، وتكون الحيثية السلبية المتمثلة في «عدم الإضافة إلى الغير» — وهي حقيقة النفسية — هي مفاد الإطلاق ومقتضاه.
وأما في فرض عدم إمكان التمسك بالظهور — سواء كان ذلك لإجمالٍ في الخطاب، أو لتعارض القرائن، أو لوجود مانعٍ آخر — فإن النوبة تصل إلى الأصول العملية، التي لا بد من تحديد مجراها بحسب خصوصيات كل مورد. على أن تفصيل الكلام في كيفية جريان الأصل العملي في هذا المقام يُحال إلى مبحثه المستقل. وإنما نؤكد هنا على هذه النكتة المنهجية فحسب، وهي أنّ التقدّم دائماً للأصل اللفظي الحجّة، وأنّ الانتقال إلى الأصل العملي إنما يكون في مرحلةٍ تاليةٍ له وفي طوله.
لقد نوّه (قده) على أنّ ظاهر عبارة المحقق الآخوند الخراساني ينطوي على إشكال «تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره». وتقرير هذا الإشكال هو أنّه عند القول: «الواجبُ إمّا نفسيٌّ وإمّا غيريٌّ»، لا بدّ من تحقّق المغايرة بين المقسَم (وهو الواجب) والقسمين (وهما النفسي والغيري). والحال أنّه لو عُرِّف الواجب النفسي بأنّه: «هو ما وجب مطلقاً سواء وجب شيءٌ آخر أم لم يجب»، فإنّ هذا «الوجوب المطلق» لا يعدو كونه نفس طبيعة «الواجب بما هو واجب»، أي أنّه عين المقسَم.
إنّ المنطلق في توجيه عبارة المحقق الآخوند يكمن في هذه النكتة، وهي أنّ عبارة الكفاية لم تتضمن تصريحاً بالتمييز بين «الإطلاق المقسَمي» و «الإطلاق القِسمي»؛ وهذا الإغفال هو الذي قد يكون منشأً لسوء الفهم. وبناءً على تقرير المحقق الأصفهاني، فإنّ المراد بـ«الإطلاق» في تعريف الواجب النفسي هو «الإطلاق القِسمي» لا «المقسَمي». وبيان ذلك أنّ:
- الإطلاق المقسَمي: هو لحاظ طبيعة «الواجب بما هو واجب» في مرحلة الإهمال واللابشرطية المطلقة؛ أي لحاظ نفس المقسَم قبل أن تطرأ عليه أي حيثية من حيثيات التقسيم.
- الإطلاق القِسمي: هو نفي ذلك القيد الخاص الذي كان مناطاً للتقسيم في هذا المقام بالذات. وفيما نحن فيه، يعني نفي قيد «الإضافة إلى الغير».
وعلى هذا المبنى، يكون معنى «النفسي» هو «فاقدُ قيدِ الارتباط بالغير»، ومعنى «الغيري» هو «واجدُ ذلك القيد». وعلى هذا، فإنّ «النفسي» ليس عيناً للمقسَم حتى يؤول التقسيم إلى «تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره»؛ بل هو قسمٌ مغايرٌ للمقسَم، ينطوي على حيثيةٍ سلبيةٍ هي «عدم الإضافة إلى الغير»، وذلك في قبال القسم الآخر الذي يقوم على حيثيةٍ إيجابيةٍ هي «الإضافة إلى الغير».
وبهذا التمييز الدقيق، تتضح دلالةُ إطلاق الهيئة على نفي قيد «للغير» من جهة، ويُحفَظ وجه صحة التقسيم من جهة أخرى. إنّ البيان الدقيق للمحقق الأصفهاني يمثّل تلك الحلقة المنهجية التي تكشف عن عمق مراد الآخوند. فإنّ الغفلة عن هذا الفصل الدقيق من شأنها أن تعرّض متن "الكفاية" لفهمٍ قاصر؛ ومن هنا، يغدو التدبّر في "نهاية الدراية" شرطاً لا غنى عنه للفهم المحكَم لهذا المبحث.
والآن، نتعرّض لتقرير المحقق الأصفهاني (قدس سره). إنّ النكتة الأولى التي يطرحها هي أنّ الوجوب النفسي هو الآخر «مقيّد». فإنّ ظاهر عبارة المحقق الآخوند يوحي بأن الوجوب النفسي مطلقٌ لا قيد له، وأنّ الوجوب الغيري هو وحده الذي يفتقر إلى قيدٍ وقرينةٍ زائدة. إلا أنّ المحقق الأصفهاني يرى أنّ النفسية هي الأخرى تُعرَّف بقيدٍ، وهذا القيد هو: «عدمُ كونِ الوجوبِ ناشئاً من الغير». وبعبارة أخرى، فإنّ «الوجوب النفسي» هو ذلك الوجوب الذي لا يكون منشؤه وجوبَ فعلٍ آخر غيره؛ وذلك في قبال «الوجوب الغيري» المتقوِّم بـ «كونِ الوجوبِ للغير» ونشوئه منه.
وعلى هذا المبنى، يكون كلا القسمين «مقيّداً»: أحدهما بالقيد السلبي، وهو «عدمُ النشوء من الغير»، والآخر بالقيد الإيجابي، وهو «كونه مترشّحاً من الغير». إلا أنّ الفارق بينهما يكمن في أنّ القيد الثاني، لكونه يُثبت حيثيةً ربطيةً زائدة، يفتقر في مقام الإثبات إلى مؤونة بيان وقرينة. وأما القيد الأول، فبما أنّه ليس إلا «سلبَ ذلك الارتباط الزائد»، فإنه يتحصّل بإطلاق الهيئة (الذي يرجع في حقيقته إلى نفي أخذ القيد الوجودي في مقام البيان)، ولا يفتقر إلى بيانٍ مستقل.
وامتداداً للتقرير المتقدم في بيان النكتة الأولى للمحقق الأصفهاني (قدس سره)، نقول: إنّ قيد «الوجوب الغيري» هو «كونُ الوجوبِ ناشئًا مِنَ الغير»؛ وقيد «الوجوب النفسي» هو «عدمُ كونِ الوجوبِ ناشئًا مِنَ الغير». وعلى هذا المبنى، يغدو كلا القسمين «مقيّداً»: فالنفسي مقيّدٌ بقيدٍ عدمي، والغيري مقيّدٌ بقيدٍ وجودي. وهنا يبرز السؤال المحوري: في أيّ مقامٍ يترتب الأثر على هذا التمايز بين القيدين «العدمي» و«الوجودي»؟ والجواب عن ذلك يتضح في مقام الإثبات وبالرجوع إلى المرتكزات العرفية:
فإنّ القيد الوجودي يفتقر إلى مؤونة بيان وقرينة. فمتى ما أراد المتكلم أن يأخذ نسبة «للغير» في موضوع الحكم ويثبت ارتباط الوجوب بالغير، فإن المرتكز العرفي يقتضي المطالبة بالقرينة؛ إذ إنّ هذه النسبة تمثّل إضافة حيثيةٍ زائدة على القدر المتيقّن من الطلب. وأما القيد العدمي، فهو في غنىً عن بيانٍ مستقل. إذ إنّ «عدمَ كونِ الوجوب ناشئًا من الغير» لا يرجع في حقيقته إلا إلى عدم أخذ تلك الحيثية الربطية الزائدة، وهو ما يتحصّل بمقتضى إطلاق الهيئة وجريان مقدمات الحكمة، فيكون هو مفاد الظهور. وهذا التمايز الجوهري بين طبيعة القيدين هو الذي تترتب عليه آثارٌ مهمة في مقام الإثبات والعمل. ويوضح المحقق الأصفهاني ذلك فيقول:
لا يخفى عليك: أن النفسية و ما يماثلها قيود للطبيعة نحو ما يقابلها لخروجها جميعا عن الطبيعة المهملة، إلاّ أنّ بعض القيود كأنه لا يزيد على نفس الطبيعة عرفا، كالنفسية و ما يماثلها دون ما يقابلها.
والآن، نتعرض للنكتة الثالثة التي يثيرها المحقق الأصفهاني (قدس سره). وفي هذا الموضع، يتوجه بإشكالٍ صريحٍ على المحقق الخراساني فيسأل: ما هو المتعلَّق الدقيق الذي يُراد إثباته بـ«أصالة الإطلاق»؟ هل هو نفسية الواجب، أم هو «الوجوب المطلق»؟ إنّ ظاهر عبارة الآخوند هو قوله: «أصالةُ الإطلاق والحكمة تقتضي كونه مطلقاً». والحال أنّ محل النزاع ليس هو «الوجوب المطلق» (بمعنى طبيعة الحكم المهملة)، بل البحث منعقدٌ في أنّ هذا الوجوب هل هو «لِنفسه» أم «لِلغير». وعليه، فلو كان المراد من قوله «كونه مطلقاً» هو «الإطلاق المقسَمي»، لكان الإشكال وارداً؛ إذ إنّ إثبات المطلق المقسَمي في مقام التقسيم لا يضيف شيئاً إلى حلّ النزاع، بل يعيد إثارة شبهة الإشكال المتقدم، وهو «تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره».
فالوجه الصواب إذن، على ما يقرّره المحقق الأصفهاني، يكمن في تحديد المتعلَّق الدقيق لـ«أصالة الإطلاق». ففيما نحن فيه، يكون الإطلاق ناظراً إلى «قيدِ الغيرية» تحديداً. وبيان ذلك: أنّ «أصالة الإطلاق» الجارية في هيئة الأمر إنما تُثبت نفيَ أخذِ قيدِ «للغير»؛ والمتحصّل من هذا النفي ليس إلا «النفسية». وعليه، فما يثبُت بالإطلاق ليس هو «الوجوب المطلق من جميع الجهات»، بل هو «عدمُ تقييدِ الوجوبِ بقيدِ الغيرية»؛ وهذا هو بعينه المطلوبُ إثباتُه في محل النزاع.
والآن، نتعرض للنكتة الرابعة التي يثيرها المحقق الأصفهاني (قدس سره). بناءً على التعريف المتقدم القائل بأنّ «الوجوب النفسي» هو «الوجوبُ الذي لا يكون منبعثاً من الغير»، وأنّ «الوجوب الغيري» هو «ما كان وجوبه منبعثاً من وجوب الغير»، يصرّح المحقق الأصفهاني بأنّ جريان «الإطلاق» من هذه الحيثية غير معقولٍ أصلاً. والعلة في ذلك أنّ القضية في عالم الثبوت والواقع تدور بين نقيضين لا ثالث لهما: فإمّا أن يكون الوجوب منبعثاً من الغير (فهو غيري)، وإمّا أن لا يكون (فهو نفسي). وعليه، فإنّ القول: «هذا واجبٌ سواءٌ أكان وجوبُه منبعثاً من الغيرِ أم لم ينبعث» ليس تعبيراً معقولاً. فمثل هذا «الإطلاق» غير قابلٍ للتصور؛ إذ إنّ «الانبعاث/عدم الانبعاث» ليس من سنخ تلك القيود التي تكون إناطة الحكم بها في مقام البيان على عهدة المتكلم، حتى يُنفى أو يُثبت بأصالة الإطلاق.
وتحليل مقصود المحقق الأصفهاني يرجع إلى أنّ مجرى «أصالة الإطلاق» إنما هو في القيود التي يكون أخذُها في مقام البيان أمراً متعارفاً، كقيود المتعلَّق أو الموضوع أو نفس الحكم، من قبيل الشرط والغاية والبدل ونظائرها. وأما «كون الوجوب منبعثاً من الغير»، فهو بحثٌ عن منشأ الجعل وسببه في عالم الثبوت، لا أنّه قيدٌ مأخوذٌ في صميم مدلول الخطاب. فمنشأ الجعل أمرٌ وراء الدلالة، لا يدخل في نطاق «مقدمات الحكمة» ليكون سكوت المتكلم عنه ظاهراً في نفيه. وعلى هذا الأساس، فإنه بأصالة الإطلاق لا يمكن إثبات «عدم كون الوجوب منبعثاً من الغير» ومن ثمّ الوصول إلى النفسية؛ تماماً كما لا يمكن بإطلاق الأمر في قولنا: «أكرم زيداً» أن يُحكَم بما إذا كان «وجوب الإكرام» مجعولاً بالأصالة، أم أنّه مجعولٌ بالتبع وبواسطة نذرٍ ونحوه.
وبناءً على النتيجة المتحصّلة من النكتة الرابعة للمحقق الأصفهاني، وبما أنّ قضية «انبعاث الوجوب من الغير وعدمه» تدور في عالم الثبوت بين أمرين لا ثالث لهما، فإنّ تصوّر إطلاقٍ بمعنى «الأعمّ من الانبعاث وعدمه» يغدو أمراً غير معقولٍ أصلاً. وعليه، فإنّ المجرى المعتبر الوحيد لأصالة الإطلاق في هذا المقام هو أن نثبت به «عدمَ التقييد بما يفيد الغيرية». وببيان آخر: فإنّ «الانبعاث من الغير» حيثيةٌ وجوديةٌ زائدة تفتقر إلى قرينة، وحيث لم ترد قرينة على أخذ هذا القيد في مدلول الهيئة، فإنّ الإطلاق يقتضي أنّ هذا الوجوب ليس منبعثاً من الغير؛ وهذا هو ما ينتج النفسية بعينها.
فالمراد إذن من «الإطلاق المعيِّن للنفسية» ليس هو القول: «سواءٌ أكان الوجوبُ منبعثاً أم لم يكن»؛ فهذا النحو من الإطلاق غير معقول. بل المراد هو نفيُ تقييدِ الحكم بقيدٍ من شأنه أن يفيد الغيرية. وهذا المنطق بعينه هو ما يجري في المبحثين المتناظرين:
- ففي باب «التخييري والتعييني»: يفيد إطلاق الهيئة «عدمَ تقييد الطلب بالبدل»؛ وعليه، فما لم تقم قرينة على البدلية، يُحمل الوجوب على التعيين.
- وفي باب «الكفائي والعيني»: يفيد الإطلاق «عدمَ تقييد الطلب بكفاية البعض»؛ وعليه، فما لم تقم قرينة على كفاية فعل البعض، يُحمل الوجوب على العينية.
وعلى هذا المبنى، يغدو كلا العنوانين «مقيّداً»: فالنفسي مقيّدٌ بالقيد العدمي، وهو «عدمُ كونِ الوجوبِ ناشئًا مِنَ الغير»، والغيري مقيّدٌ بالقيد الوجودي، وهو «كونُ الوجوبِ ناشئًا مِنَ الغير». ويتضح أثر هذا التمايز في أنّ القيد العدمي لا يضيف شيئاً على حقيقة المطلوب، وبحسب المرتكز العرفي لا يفتقر إلى بيانٍ مستقل؛ ولهذا يُحرَز بأصالة الإطلاق وجريان مقدمات الحكمة. وفي المقابل، فإنّ القيد الوجودي، لكونه يمثّل حيثيةً زائدةً على القدر المتيقّن من الطلب، يفتقر إلى قرينةٍ وبيانٍ معتبر؛ وعند قيام تلك القرينة، يُقيَّد الإطلاق وينتقل الحكم إلى الغيرية. وهذا هو ما يقرّره المحقق الأصفهاني بعبارته الدقيقة حيث يقول:
فمقتضى الحكمة تعيين المقيّد بالقيد العدمي، لا المطلق من حيث وجوب شيء آخر كما هو ظاهر المتن؛ إذ المفروض إثبات الوجوب النفسي - و هو الوجوب لا لغيره - لا الوجوب المطلق الذي وجب هناك شيء آخر، أو لا؛ إذ ليس الوجوب الغيري مجرّد وجوب شيء مع كون الشيء الآخر واجبا مقارنا معه، بل الوجوب المنبعث عن وجوب آخر.
و من الواضح أن إطلاق الوجوب من حيث انبعاثه عن وجوب آخر و عدمه غير معقول، و كذا الوجوب التخييري هو الوجوب المشوب بجواز الترك إلى بدل، و إطلاق الوجوب من حيث الاقتران بجواز الترك و عدمه غير صحيح، بل المراد بالإطلاق المعيّن للنفسية و أقرانها هو عدم التقييد بما يفيد الغيرية و التخييرية و الكفائية، كما صرح به (قدس سره) في آخر المطلق و المقيد . فتدبّر جيّدا.[3]
فالخلاصة إذن، هي أنّ ظاهر عبارة الآخوند يقع في معرض الإشكال، وأنّ المحقق الأصفهاني يتصدى لتوجيهه من خلال الفصل بين «الإطلاق المقسَمي» و «الإطلاق القِسمي». إلا أنّه بعد هذه المرحلة من التوجيه، يوجّه المحقق الأصفهاني نقداً مستقلاً على الآخوند، ومفاده أنّ ظاهر عبارة الآخوند هو قوله: «أصالةُ الإطلاق تقتضي كونه مطلقاً». والحال أنّ محل البحث ليس هو «الوجوب المطلق»، بل إنّ المطلوب إحرازه هو «نفسية الوجوب».
وعليه، فأولاً، يمثّل هذا الاستدلال خروجاً عن محل النزاع. وثانياً، إنّ هذا التقرير يستلزم المحال؛ فإنه يؤول في حقيقته إلى القول: «هذا واجبٌ سواءٌ أكان وجوبه مُنبعثًا من الغير أم لم يكن مُنبعثًا». والحال أنّ كل وجوبٍ يدور في عالم الثبوت بين أمرين لا ثالث لهما: فإمّا أن يكون نفسياً أو غيرياً؛ وهو نظيرُ ما لا يصحّ أن يُقال: «هذا موجودٌ سواءٌ أكان له علّةٌ أم لم يكن له علّةٌ». فالإطلاق إذن، على ما يقرّره المحقق الأصفهاني، من حيثية «منشأ الجعل» يغدو أمراً غير معقول؛ إذ إنّ مجرى الإطلاق ومورده إنما هو في القيود التي من شأنها أن تؤخذ في مدلول الخطاب، لا في مقام البحث عن سبب الجعل ثبوتاً.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- محمد حسین اصفهانی، نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429)، ج 1، 353.
[3]- نفس المصدر.
- اصفهانی، محمد حسین. نهایة الدرایة فی شرح الکفایة. ۶ ج. بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429.
- فاضل موحدی لنکرانی، محمد. اصول فقه شیعه. با محمود ملکی اصفهانی و سعید ملکی اصفهانی. ۱۰ ج. قم: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)، 1381.
نظری ثبت نشده است .