درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/١٣


شماره جلسه : ۱۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • إشكال المحقق الخوئي على كلام المحقق النائيني في الصورة الثانية

  • الفرض الأول: كون النفسية المحتملة للوضوء «مقيَّدةً بما قبل الوقت»

  • الفرض الثاني: احتمال النفسية المطلقة بالنسبة إلى الوضوء

  • صياغة الإشكال على تقرير المحقق النائيني

  • التحليل التفصيلي للسيد الروحاني لإشكال المحقق الخوئي

  • الفرضان الزمانيان في صورة محل البحث

  • نقد جريانات البراءة الثلاثة المنسوبة إلى المحقق النائيني في الفرض الثاني

  • الخلاصة النهائية للنتائج في الفرضين

  • تحقيق صاحب «المنتقى» للصورة الثانية ونقد السيد الخوئي

  • تحرير القدر المشترك والفصل بين الصورتين

  • تقييم جهات البراءة الثلاث للمحقق النائيني في الصورة الثانية

  • الخلاصة النهائية للنتائج بناءً على المبنيين

  • نكتةٌ منهجية وجهة الاختلاف

  • نقد الامتنان في جريان البراءة وإعادة قراءة تقرير السيد الخوئي في فرض تقديم الوضوء على الوقت

  • نقد النكتة الثانية (في تسمية البراءة)

  • إعادة قراءة ملاك «الامتنان» عند السيد الخوئي: التوسعة العملية، لا مجرد التعبير

  • فرض تقديم الوضوء على الوقت؛ المحل الصحيح للشك ومجرى الأصل

  • نسبة نقد صاحب «المنتقى» إلى صاحب «المحاضرات»: تفاوتٌ في المنهج

  • الخلاصة النهائية

  • المصادر

الجلسات الاخرى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
 
خلاصة البحث السابق

في الصورة الثانية، حيث يُفرَض وجوب الصلاة النفسي واشتراطها بالوقت، ولكن تبقى نسبة وجوب الطهارة إلى الوقت مردَّدةً بين الإطلاق والاشتراط، فإنّ المنهج بناءً على تقرير المحقق النائيني يقتضي تفكيك محاور الشك الثلاثة وإجراء أصلٍ عملي مستقل في كلٍّ منها: 1- الشك في تقييد متعلَّق الصلاة بالوضوء: ومجراه أصالة البراءة من القيد الزائد، ونتيجته نفي التقييد وإثبات «نتيجة الإطلاق» في جانب الصلاة ونفسية الوضوء. 2- الشك في الوجوب النفسي للوضوء قبل الوقت: ومقتضاه أصالة البراءة من الإلزام قبل الوقت، وهو يؤول من حيث الأثر إلى نتيجةٍ تنسجم مع الغيرية (أي اختصاص الوجوب بما بعد الوقت لو كان ثابتاً). 3- الشك في الوجوب بعد الوقت بالنسبة إلى المتطهر قبله: ومجراه أصالة البراءة التي تنفي الإلزام الجديد بعد الوقت (وهي نتيجةٌ لصالح النفسية في حق المتطهر قبله).
وهذه الأصول الثلاثة، لتفاوت موضوعاتها وظروف جريانها، لا تتعارض فيما بينها، وتنتفي بذلك الحاجة إلى طرح مسألة الانحلال الحكمي. وأما في المقابل، فإنّ آية الله الخوئي، بناءً على قاعدة تنجُّز العلم الإجمالي في التدريجيات، يفرِّع الصورة إلى فرضين: 1- فإن كانت النفسية المحتملة مقيَّدةً بما قبل الوقت، فإنّ العلم الإجمالي بين لزوم الوضوء قبل الوقت ولزومه بعد الوقت لا يترك مجالاً للبراءة في أيٍّ منهما، ويكون المقتضى هو الاحتياط (أي الإتيان بالوضوء قبل الوقت، الذي يكون مجزئاً لما بعده إن بقي، ويُتدارَك إن بطل). 2- وإن كانت النفسية المحتملة مطلقة، فإنّ تحليله (قده) يؤول هو الآخر إلى منع البراءة المؤثرة في الطرفين وإلى الاحتياط؛ وإن كان يتمسك بالبراءة من تقييد وقوع الوضوء بما بعد الوقت في خصوص عدم لزوم إعادة الوضوء الباقي بعد دخول الوقت.
فالمتحصّل هو: أنّ مسلك المحقق النائيني في الصورة الثانية، من خلال جريان البراءات الثلاث بلا معارض، يخلص إلى نتيجةٍ متسقةٍ لا تعارض فيها بين الأصول. وأما في المقابل، فإنّ مبنى المحقق الخوئي، لالتزامه بتنجيز العلم الإجمالي الزماني، يؤول إلى الاحتياط. ومحور التمايز بينهما هو التفكيك الدقيق بين المجعول وظرف الحكم وحيثيات الشك المتباينة.

إشكال المحقق الخوئي على كلام المحقق النائيني في الصورة الثانية

في التعليقة وكذلك في «المحاضرات»، فإنّ آية الله الخوئي(قدس سره) يفرِّع الصورة الثانية — التي يُفرَض فيها اشتراط «خصوص الوجوب النفسي المعلوم» بالوقت، مع التردد في نسبة وجوب الطهارة إلى الزمان — بناءً على نسبة «الوجوب النفسي المحتمل للوضوء» إلى ظرف الزمان. وعلى ضوء قاعدة «تنجُّز العلم الإجمالي في التدريجيات»، يحدِّد مسار الأصول العملية. ولبّ كلامه (قده) هو أنّه: لو فُرضت النفسية المحتملة للوضوء «منحصرةً بما قبل الوقت»، لكان العلم الإجمالي بين «ما قبل الوقت أو ما بعده» منجِّزاً، ولما ترك مجالاً للبراءة في أيٍّ من الطرفين. ولو كانت النفسية المحتملة «مطلقةً» بالنسبة إلى الزمان، لكانت «البراءة من الوجوب قبل الوقت» سالبةً بانتفاء الموضوع، ولكان التكليف بعد الوقت منجَّزاً. وفي الوقت نفسه، فلو كان المكلف قد توضأ قبل الوقت، لما لزمته إعادة الوضوء بعده؛ وذلك لأنّ تقييد «وقوع الوضوء حتماً بعد الوقت» مشكوك، فتجري البراءة بالنسبة إلى هذا القيد الزائد. وفي ما يلي، نبيّن كلا الفرضين في إشكال المحقق الخوئي بالتفصيل.

الفرض الأول: كون النفسية المحتملة للوضوء «مقيَّدةً بما قبل الوقت»

يدور الأمر حينئذٍ بين إلزامين زمانيين متباينين: 1- لزوم الإتيان بالوضوء قبل الوقت، وذلك على تقدير ثبوت الوجوب النفسي المقيَّد بما قبل الوقت. 2- أو لزوم الإتيان بالوضوء بعد الوقت، وذلك على تقدير ثبوت الوجوب الغيري التابع للصلاة. وببيانٍ أجلى: فإنّ للمكلف علماً إجمالياً بأنّ الوضوء ثابتٌ في عهدته إمّا الآن، وإمّا بعد دخول الوقت. وعلى مبنى السيد الخوئي، فإنّ «تنجُّز العلم الإجمالي» لا يختص بالدفعيات، بل هو ثابتٌ في التدريجيات (أي الظروف الزمانية) بالملاك نفسه. وعليه، فلا يجوز الاستناد إلى البراءة في أيٍّ من الطرفين؛ إذ إنّ جريان البراءة في كلا الطرفين ومن حيث المجموع يستلزم المخالفة القطعية العملية. والنتيجة الأصولية والامتثالية هي: أنّ المرجع هو الاحتياط. والمسلك الاحتياطي الصحيح هو أن يأتي المكلف بالوضوء «قبل الوقت»؛ وذلك لأنه إن كان الواقع هو الوجوب النفسي المقيَّد بما قبل الوقت، فقد امتثل. وإن كان الواقع هو الوجوب الغيري، فإنّ ذلك الوضوء نفسه — مع فرض بقاء الطهارة — يكفي للصلاة بعد الوقت. نعم، لو بطل الوضوء قبل الوقت، فإنّ المكلف، بمقتضى حكم العقل بالاحتياط، يعيد الوضوء بعد الوقت وقبل الصلاة، حتى يتحقق الامتثال القطعي للوظيفة المعلومة. وفي هذه الحالة، يكون الشك في نفسية الوضوء المقيَّد بما قبل الوقت مجرىً للاحتياط، ويتعارض ذلك مع احتمال تقييد الصلاة بالوضوء في جانب مادة دليل «صَلِّ».

توضيحٌ مهم: إنّ المراد من نفي جريان البراءة في هذا الفرض هو نفي البراءة بالنسبة إلى «أصل الإلزامين الزمانيين المتباينين»؛ لا أنّه لو توضأ قبل الوقت وبقي وضوؤه إلى ما بعد الوقت، لكان الإلزام بالإعادة ثابتاً حتماً. بل إنّ «لزوم وقوع الوضوء حتماً بعد الوقت» يُعَدُّ عنواناً زائداً ومشكوكاً، ويجري الأصل الترخيصي بالنسبة إلى هذا القيد الخاص، فينفي بذلك الإعادة.

الفرض الثاني: احتمال النفسية المطلقة بالنسبة إلى الوضوء

فلو كان وجوب الوضوء نفسياً، لبقي على إطلاقه الزماني ولم يختص بما قبل الوقت. ولو كان غيرياً، لكان تابعاً لوجوب الصلاة، وبالتبع يكون «بعد الوقت». وفي هذه البنية، فإنّ «البراءة من الوجوب قبل الوقت» لا يكون لها معنىً يعتدّ به أساساً؛ وذلك لأنّ البراءة إنما هي «رفعٌ للضيق» عن المكلف، لا «رفعٌ للسعة والإطلاق». فعندما تكون النفسية — على تقدير ثبوتها — مطلقةً، فإنّ التقييد بـ«ما قبل الوقت» لا يدخل في دائرة الاحتمال أصلاً حتى يُفرَض موضوعاً مستقلاً للبراءة. وعليه، فبعد دخول الوقت، يكون التكليف الواقعي بالوضوء منجَّزاً؛ وذلك لتحقّق العلم الإجمالي بأنّ «وجوب الوضوء» إمّا أن يكون نفسياً (على نحو الإطلاق)، وإمّا أن يكون غيرياً (بوصفه شرطاً للصلاة). ولهذا، فإنّ البراءة منهما معاً في عرضٍ واحد غير ممكنة، ويحكم العقل بالاحتياط والامتثال القطعي.

الأثر الامتثالي: فلو لم يكن المكلف قد توضأ حتى دخول الوقت، وجب عليه أن يتوضأ بعد الوقت ثم يأتي بالصلاة. ولو كان قد توضأ قبل الوقت، لم تلزمه «إعادة الوضوء بعد الوقت». وملاك عدم لزوم الإعادة هو أنّ تقييد «وقوع الوضوء حتماً بعد الوقت» — حتى على تقدير الغيرية — مجهولٌ ومشكوك، فتجري «أصالة البراءة» بالنسبة إلى هذا القيد الحدوثي؛ وعليه، فإنّ الوضوء السابق (مع فرض بقاء الطهارة) يكفي.

صياغة الإشكال على تقرير المحقق النائيني

بناءً على الفرضين المتقدمين، فإنّ الخلل الذي يورده المحقق الخوئي على تقرير أستاذه المحقق النائيني يتلخص في نكتتين اثنتين:

في الفرض الأول (كون النفسية مقيَّدةً بما قبل الوقت): إنّ العلم الإجمالي بين «ما قبل الوقت أو ما بعده» في ظرف الزمان يسدّ باب البراءة من كلا الطرفين. وعليه، فإنّ البراءات الثلاث التي صُوِّرت في البيان المتقدم — وهي البراءة من تقييد الصلاة بالوضوء، والبراءة من الوجوب قبل الوقت، والبراءة من الوجوب بعد الوقت بالنسبة إلى المتوضئ قبله — تواجه على الأقل في فرضي «قبل الوقت وبعده» مانعَ تنجُّز العلم الإجمالي. وبالأخص، فإنّ البراءة من التقييد تقع في معرض المعارضة مع البراءة من الوجوب النفسي قبل الوقت، فتسقطان معاً.

وفي الفرض الثاني (كون النفسية مطلقة): فإنّ «البراءة من الوجوب قبل الوقت» لا موضوع لها، ويكون المجرى الصحيح الوحيد للبراءة هو نفي قيد «وقوع الوضوء حتماً بعد الوقت»، حتى لا تلزم الإعادة. ونتيجةُ ذلك أنّ ما ورد في تقرير المحقق النائيني من الرجوع إلى البراءة في «الجهات المزبورة»، بحسب تصريح السيد الخوئي، لا يتمّ إلا في «الجهة الأخيرة». حيث يصرّح (قده) في «أجود التقریرات»، بعد تقسيمه الثنائي، بالتالي:

أما إذا كان الوجوب النفسيّ على تقدير ثبوته متعلقاً به غير مقيّد بإيقاعه قبل الوقت فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوبه قبل الوقت أصلاً... و أمّا إذا توضّأ قبله فلا يجب عليه إعادة الوضوء بعد دخوله لأنّ تقييد الوضوء بوقوعه فيما بعد الوقت و لو على تقدير كون وجوبه غيرياً مجهول فيرجع معه إلى البراءة... و ممّا ذكرناه يظهر الخلل فيما أفاده شيخنا الأستاذ قدّس سره في المقام فلا تغفل.[1]

وفي «المحاضرات» أيضاً، وبالمنطق نفسه، يجلّي محور التمايز قائلاً:

... و على الثاني فلا معنى لإجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت، و ذلك لعدم احتمال تقيده به، و قد ذكرنا غير مرّة أنّ مفاد أصالة البراءة رفع الضيق عن المكلّف لا رفع السعة و الإطلاق. وأمّا بعد الوقت فيحكم العقل بوجوب الوضوء، وذلك للعلم الإجمالي بوجوبه إمّا نفسياً أو غيرياً... نعم لو شككنا في وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت على تقدير كونه غيرياً أمكن رفعه بأصالة البراءة... و قد تحصل من ذلك أنّ ما أفاده (قده) من الرجوع إلى أصالة البراءة في الجهات المزبورة لا يتمّ إلاّ في الجهة الأخيرة خاصة.[2]

الخلاصة النهائية: المتحصّل النهائي من تقرير السيد الخوئي هو التالي:

أولاً: أنّ «تنجُّز العلم الإجمالي في التدريجيات» قاعدةٌ كلية تخرج أطراف العلم الإجمالي الزمانية، كما هو الحال في الأطراف الدفعية، عن شمول الأصول الترخيصية.

ثانياً: أنّ إطلاق النفسية المحتملة أو اشتراطها بظرف الزمان هو الأمر الحاسم؛ فلو صُوِّرت النفسية منحصرةً بـ«ما قبل الوقت»، لكان العلم الإجمالي بين «قبل وبعد» مانعاً من البراءة ومقتضياً للاحتياط. ولو كانت النفسية مطلقة، لكانت «البراءة من الوجوب قبل الوقت» لا مورد لها، وإنما تجري البراءة من قيد «الوقوع بعد الوقت» في فرض الوضوء السابق فحسب. وعلى هذا المعيار، فإنّ البراءات الثلاث المتقدمة — على النحو الذي قرّره به المحقق النائيني (قده) — لا تتمّ في جميع جهاتها؛ بل إنما يكون لها وجهٌ في «الجهة الأخيرة» فحسب (وهي نفي لزوم إعادة الوضوء بعد الوقت للمتوضئ قبله).

ونتيجةُ ذلك أنّ التكليف الامتثالي للمكلف في إطار هذا المبنى بيّن: ففي فرض النفسية المقيَّدة، يلزم الاحتياط بالإتيان بالوضوء قبل الوقت، ومع بقاء الطهارة، لا تلزم الإعادة. وفي فرض النفسية المطلقة، يكون تحصيل الوضوء بعد الوقت قطعياً، ولو بقي وضوءُ ما قبل الوقت، فإنّ الإعادة تُنفى بسبب جريان البراءة من قيد «الوقوع بعد الوقت». وبهذا، فإنّ إشكال المحقق الخوئي على مسلك المحقق النائيني في الصورة الثانية يرتكز على قاعدة تنجُّز العلم الإجمالي الزماني وتحديد المجاري الصحيحة للبراءة، وإنّ الخلل المشار إليه — بحسب تعبيره (قده) — إنما ينشأ من هنا بالذات.

التحليل التفصيلي للسيد الروحاني لإشكال المحقق الخوئي

يقدّم آية الله السيد محمد الروحاني في «منتقى الأصول» عرضاً وتحليلاً منظَّماً لتقرير آية الله الخوئي في الصورة الثانية، ويضع على ضوء ذلك جريانات البراءة الثلاثة التي صوّرها المحقق النائيني في هذه الصورة على محك النقد. ومنطلق البحث عنده هو أنّه في هذه الصورة، لدينا علمٌ إجمالي بأصل وجوب الوضوء، ويبقى التردد في كونه نفسياً أو غيرياً. كما أنّنا لا نعلم بتماثل الوضوء والصلاة من حيث الإطلاق والاشتراط الزماني، وإن كنا نقطع في باب الصلاة باشتراط دخول الوقت. ومع هذا الفرض التأسيسي، يميِّز السيد الروحاني بين صورتين زمانيتين، وبناءً على قاعدة «تنجُّز العلم الإجمالي في التدريجيات» وضوابط إجراء الأصول العملية، يرتب النتائج المترتبة على ذلك.

الفرضان الزمانيان في صورة محل البحث

الفرض الأول: كون النفسية المحتملة للوضوء مقيَّدةً بـ«ما قبل الوقت». صورة العلم الإجمالي الزماني في هذا الفرض هي كالتالي: فلو كان وجوب الوضوء نفسياً، لكان ثابتاً «قبل الوقت» فحسب. ولو كان وجوب الوضوء غيرياً، لكان ثابتاً «بعد الوقت»، تبعاً لفعلية وجوب الصلاة. وهذا العلم الإجمالي بين «قبل وبعد» منجِّزٌ في كلا الظرفين الزمانيين، بحسب تصريح مبنى المحقق الخوئي. وعليه، فلا يمكن في آنٍ واحد إجراء أصالة البراءة بالنسبة إلى «الوجوب النفسي للوضوء قبل الوقت» وبالنسبة إلى «تقييد الصلاة بالوضوء بعد الوقت»؛ وذلك لأنّ الجمع بين هذين الأصلين الترخيصيين يؤول في نهايته إلى «ترك الوضوء مطلقاً»، وهو ما يمثّل مخالفةً قطعيةً عمليةً للعلم الإجمالي. فمقتضى الامتثال في هذا الفرض هو الاحتياط؛ أي أن يأتي بالوضوء قبل الوقت، ويوقع الصلاة مقيَّدةً به. فلو بقي وضوءُ ما قبل الوقت إلى ما بعده، لم تلزم الإعادة، وكفى ذلك الوضوء المتقدِّم، وإن لم يكن تحققه «قبل الوقت» إلزامياً من باب الوجوب النفسي. وأما لو بطل الوضوء السابق، وجب تداركه بعد الوقت بمقتضى حكم العقل.

الفرض الثاني: كون النفسية المحتملة للوضوء «مطلقةً» لا مقيَّدةً بما قبل الوقت. بناءً على هذا الفرض، فلو كان وجوب الوضوء نفسياً، لكان ظرفا «قبل وبعد الوقت» داخلين في دائرة الامتثال على السواء. ولو كان غيرياً، لكان وجوبه مقيَّداً بـ«ما بعد الوقت» وفي معية وجوب الصلاة. وفي هذا الفرض، يتناول السيد الروحاني «جهات البراءة» الثلاث التي صوّرها المحقق النائيني بالبحث والنقد على نحوٍ تفصيلي.

نقد جريانات البراءة الثلاثة المنسوبة إلى المحقق النائيني في الفرض الثاني

أ) البراءة من تقييد الصلاة بالوضوء: إنّ الإشكال هنا بيّن؛ إذ يعود الملاك المتقدِّم نفسه للمحقق الخوئي. فلدينا علمٌ إجمالي بـ«الوجوب النفسي للوضوء أو وجوب تقييد الصلاة به». وفي مثل هذه الصورة، فإنّ أصالة البراءة في أحدهما تتعارض مع أصالة البراءة في الآخر؛ وذلك لأنّ كلا الأصلين يؤدي دور «المؤمِّن» في عرض الآخر، ويؤديان معاً إلى ترك الإلزام. وعليه، فإنّ البراءة من التقييد لا تجري بلا معارض.

ب) البراءة من الوجوب النفسي للوضوء «قبل الوقت»: يردّ السيد الروحاني هذا المجرى بملاك امتنانية البراءة؛ فإنّ مثل هذه البراءة «تضيِّق دائرة الواجب وتقلِّل من أفراد الامتثال التخييرية»، وهذا خلاف مقتضى كون البراءة امتنانية. وتوضيح ذلك أنّه لو كانت نفسية الوضوء مطلقة، لكان المكلف مخيَّراً في امتثال التكليف النفسي بين الإتيان به «قبل الوقت» أو «بعده». فالتمسك بالبراءة لنفي الوجوب قبل الوقت يحدّ في حقيقته من سعة الامتثال ويضيِّق على المكلف، والحال أنّ البراءة إنما شُرِّعت لرفع الضيق لا لرفع السعة. وعليه، ففي كل موردٍ تكون فيه نتيجة البراءة «تضييقاً» على المكلف، يكون جريانها ممنوعاً.

ج) البراءة من «وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت» لمن توضأ قبله: يرتضي السيد الروحاني هذا المجرى، ولكنه ينظِّم «وجهه العلمي» على نحوٍ أدقّ: فعلى تقدير الغيرية، فإنّ المقدار المعلوم هو «أصل تقييد الصلاة بالوضوء» فحسب، لا التقييد بـ«وضوءٍ يقع حتماً بعد الوقت». فخصوصية «ما بعد الوقت» مشكوكة، فتُنفى بأصالة البراءة. وهو (قده)، مع قبوله بالنتيجة، يأخذ على بيان المحقق النائيني؛ أي القول بأنّ «وجوب الوضوء بعد الوقت لمن لم يتوضأ قبله معلوم، وأما بالنسبة إلى من توضأ فغير معلوم؛ فتجري البراءة». فمن وجهة نظر السيد الروحاني، فإنّ هذا التعبير ليس «علمياً». فالمعيار العلمي هو أن يُبيَّن أنّ «قيد وقوع الوضوء بعد الوقت» لم يدخل في نطاق المعلوم بالإجمال؛ ولهذا، فهو قابلٌ للرفع بالبراءة.

الخلاصة النهائية للنتائج في الفرضين

في الفرض الأول (نفسيٌ قبل الوقت/غيريٌ بعده): إنّ العلم الإجمالي الزماني منجِّز؛ وتعارض البراءتين في طرفي «قبل وبعد» لا يسمح بجريانهما. فمقتضى القاعدة هو الاحتياط، وهو الإتيان بالوضوء قبل الوقت والإتيان بالصلاة على وجه التقييد. فإن بقي الوضوء، لم تلزم الإعادة؛ وإن بطل، تُدارِك بعد الوقت.

وفي الفرض الثاني (نفسيٌ مطلق/غيريٌ بعده): لا تجري البراءة من تقييد الصلاة بالوضوء (لمعارضتها بالبراءة من نفسية الوضوء). ولا تجري البراءة من الوجوب النفسي للوضوء قبل الوقت (لكونه تضييقاً وخلاف الامتنان). وإنما تجري البراءة من لزوم «إعادة الوضوء بعد الوقت للمتوضئ قبله» فحسب؛ وذلك لأنّ قيد «ما بعد الوقت» في التقييد ليس داخلاً في المعلوم، فالشك فيه يُدفَع بالبراءة. وعلى هذا الأساس، يحفظ آية الله الروحاني ركنين مبنائيين في آنٍ واحد:

الأول: أنّ «العلم الإجمالي في التدريجيات منجِّزٌ كغيره»؛ بمعنى أنّ تفاوت الظرف الزماني (قبل/بعد) لا يمنع من تنجيز العلم الإجمالي، ويُسقِط الأصول الترخيصية عن أطرافه.

والثاني: القاعدة الامتنانية في البراءة؛ فالبراءة إنما شُرِّعت للتوسعة ورفع الكلفة، وحيثما كانت نتيجتها تضييق دائرة الامتثال أو تقليل بدائل التكليف، كان جريانها غير موجَّه. وبهذا، فمع الحفاظ على هذين المعيارين، يتضح تبيين تعارض الأصول في الفرض الأول من جهة، ويتحدّد المورد الوحيد لجريان البراءة في الفرض الثاني على نحوٍ دقيق من جهة أخرى. وهو (قده) في مقام التقرير، يتحدث بصراحةٍ عن صورتين اثنتين:

و قد ذكر السيد الخوئي في مقام تحقيق هذه الصورة: إنّه يمكن أن تتصوّر على وجهين: الأوّل: أن يكون هناك علم إجمالي بوجوب الوضوء المردّد بين النفسيّ والغيري من دون علم بالتماثل مع الصلاة في الإطلاق والاشتراط، لكن يعلم أنّه إن كان وجوب الوضوء نفسيّاً فهو ثابت قبل الوقت فقط، وإن كان غيريّاً فهو ثابت بعد الوقت... و قد تقرّر في محلّه أنّ العلم الإجمالي في التدريجيات منجّز كغيره... و عليه فمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بالوضوء قبل الوقت و الإتيان بالصلاة متقيّدةً به... الثاني: أن يعلم إجمالاً بوجوب الوضوء المردّد بين النفسيّ والغيري بلا علم بالتماثل، لكنه يعلم أنّه إن كان غيريّاً فهو مقيّد بالوقت وإن كان نفسيّاً فهو غير مقيّد به، بل مطلق بالنسبة إلى ما قبل الوقت وبعده. و ما أفاده المحقّق النائيني في الجهات الثلاث لا يخلو من خدشة... .[3]

وفي ما يلي، يتناول صاحب «المنتقى» الجهات الثلاث بالنقد على نحوٍ منفصل:

... أمّا ما أفاده من جريان البراءة في الشكّ في تقيد الصلاة بالوضوء. فجهة الخدشة فيه: ما مرّ من عدم انحلال العلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو التقيد... و أمّا ما أفاده من جريان البراءة في الشكّ في الوجوب النفسيّ للوضوء قبل الوقت فيخدش: بعدم إمكان البراءة... و أمّا ما أفاده من جريان البراءة من الوضوء بعد الوقت لو أتى به قبله... فهو في نفسه وإن كان تامّاً، إلا أنّ الذي ينبغي أن يذكر في وجهه علميّاً هو: أن المعلوم على تقدير الغيرية هو أصل تقيد الواجب بالوضوء، وأمّا تقيّده به على أن يؤتى به بعد دخول الوقت فهو غير معلوم، فتُنفى الخصوصية المذكورة بالبراءة... فهو وجه ليس بعلمي.[4]

النتيجة النهائية: إنّ تحليل السيد الروحاني لإشكال المحقق الخوئي على المحقق النائيني يقدّم صورةً واضحةً لحدود مجاري البراءة في الصورة الثانية:

ففي الفرض الأول: فإنّ العلم الإجمالي الزماني يُسقِط الأصول عن الأطراف ويلزم بالاحتياط.

وفي الفرض الثاني: فإنّ جرياني البراءة اللذين ادّعاهما المحقق النائيني (وهما نفي تقييد الصلاة ونفي الوجوب النفسي قبل الوقت) مردودان؛ إمّا بسبب تعارض الأصول، وإمّا لمخالفتهما للملاك الامتناني. ويبقى المورد التامّ الوحيد هو نفي قيد «ما بعد الوقت» في فرض المتوضئ قبل الوقت. وهذه الخلاصة، مع وفائها لمباني المحقق الخوئي في «تنجُّز العلم الإجمالي في التدريجيات» و«امتنانية البراءة»، تجعل المنطق الصناعي للنقد الموجَّه إلى تقرير المحقق النائيني متسقاً وقابلاً للاعتماد.

تحقيق صاحب «المنتقى» للصورة الثانية ونقد السيد الخوئي

إنّ صاحب «منتقى الأصول»، في مقام تلخيص الصورة الثانية، يُجلّي أولاً أنّ تصوير السيد الخوئي للمسألة ينحلُّ إلى «صورتين زمانيتين» متمايزتين، مصرِّحاً بأنّ الصورة الأولى، وإن كانت صحيحةً من الناحية الصناعية، إلا أنها لا تنطبق على مراد المحقق النائيني، وأنّ ما كان المحقق النائيني بصدده في كلامه إنما هو الصورة الثانية. ثم يتناول جهات البراءة الثلاث التي ادّعاها المحقق النائيني بالبحث والتقييم واحدةً فواحدة، ليخلص إلى نتيجةٍ مزدوجة: وهي أنّه بناءً على تحقيقه الخاص (القائم على عدم انحلال العلم الإجمالي وعدم قابلية جريان البراءة في الوجوب الغيري)، فإنّ الاحتياط يكون لازماً في بعض الجهات. وأما بناءً على مبنى المحقق النائيني نفسه (القائم على الالتزام بالأمر الضمني بالشرط وتصوير الانحلال)، فإنّ جريان البراءة في تلك الجهات يكون موجَّهاً وقابلاً للتصحيح.

تحرير القدر المشترك والفصل بين الصورتين

إنّ القدر المشترك في الصورة الثانية هو كالتالي: وجوب الصلاة معلومٌ ومشروطٌ بدخول الوقت؛ وأصل وجوب الوضوء هو الآخر معلوم، ولكنه مردَّدٌ بين النفسي والغيري؛ وتماثل الوضوء مع الصلاة من حيث الظرف الزماني غير مفروض. وعلى هذا الأساس، يميِّز المحقق الخوئي بين صورتين اثنتين:

الصورة الأولى (فرض المحقق الخوئي): أن تكون النفسية المحتملة للوضوء مقيَّدةً بـ«ما قبل الوقت»؛ وغيريته مقيَّدةً بـ«ما بعد الوقت». وفي هذه الصورة، فإنّ العلم الإجمالي الزماني بـ«وجوب الوضوء إمّا قبل الوقت وإمّا بعده» منجِّز؛ فتتعارض البراءتان (وهما نفي الوجوب قبل الوقت ونفي تقييد الصلاة)، ويكون مقتضى القاعدة هو الاحتياط، وهو الإتيان بالوضوء قبل الوقت والإتيان بالصلاة على وجه التقييد. ويرتضي صاحب «المنتقى» أنّ هذه الصورة لا إشكال فيها من الناحية الصناعية، ولكنه يصرّح بأنها لا تمتّ بصلةٍ إلى مراد المحقق النائيني.

الصورة الثانية (وهي مراد المحقق النائيني): أن تكون النفسية المحتملة للوضوء «مطلقةً» (لا مقيَّدةً بما قبل الوقت)، وغيريته مقيَّدةً بـ«ما بعد الوقت». ومحل كلام المحقق النائيني في جهات البراءة الثلاث هو هذه الصورة بالذات.

تقييم جهات البراءة الثلاث للمحقق النائيني في الصورة الثانية

أ) البراءة من تقييد الصلاة بالوضوء: دعوى المحقق النائيني هي أنّ أصالة البراءة تجري بلا معارض في الشك في القيد الزائد لمتعلَّق الصلاة. يقول صاحب «المنتقى»: لو سلّمنا بمبناه (وهو الالتزام بالأمر الضمني بالشروط، وقابلية جريان البراءة في طرف التقييد، وبالتالي انحلال العلم الإجمالي)، فلا محيص من الالتزام بالبراءة؛ وذلك لأنّ البراءة من التقييد، بزعمه، لا معارض لها. وأما بناءً على تحقيق صاحب «المنتقى»، فإنّ الانحلال غير صحيح، والاحتياط لازم؛ وذلك لأنّ تعلّق الأمر بالشروط هو تعلّقٌ غيري، والوجوب الغيري — بوصفه مجعولاً ترشّحياً غير قابلٍ للرفع — لا يكون مجرىً للبراءة الشرعية أو العقلية. ومع عدم جريان البراءة في طرف وجوب الوضوء، يبقى تعارض الأصول في طرفي العلم الإجمالي قائماً، فتصل النوبة إلى الاحتياط.

ب) البراءة من الوجوب النفسي للوضوء «قبل الوقت»: إنّ الإشكال الرائج على المحقق النائيني هو أنّ نفي الوجوب قبل الوقت بالبراءة يوجب «تضييقاً» لدائرة الامتثال، وهو خلاف الملاك الامتناني لحديث الرفع. يجيب صاحب «المنتقى» عن هذا الإشكال على مستويين:

في ما يتصل بالمستشكِل (وهو المحقق الخوئي): إنّ هذا الإشكال لا ينسجم مع مبناه هو؛ وذلك لأنّه (قده) لا يحصر أدلة البراءة في حديث الرفع، بل يعدّ استصحاب عدم التكليف هو الآخر من الأدلة المؤمِّنة، والحال أنّ الاستصحاب لا يختص بموارد الامتنان. وعليه، فلو لم يشمل حديث الرفع المقام لملاكه الامتناني، فإنّ استصحاب «عدم الوجوب إلى حين دخول الوقت» يؤمِّن البراءة.

وفي ما يتصل بنفس كلام المحقق النائيني: حتى لو سُلِّم بأنّ حديث الرفع لا يشمل هذا المورد لملاكه الامتناني، فإنه يبقى بالإمكان استصحاب «عدم الوجوب قبل الوقت». كما أنّ تعبير «البراءة» في كلامه (قده) لا يعني بالضرورة «أصل البراءة»؛ فقد يكون المراد هو «نتيجة الاستصحاب». وعليه، فإنّ هذا الإشكال غير تامّ.

ج) البراءة من لزوم «إعادة الوضوء بعد الوقت» لمن توضأ قبله:

يقول المحقق النائيني: إنّ وجوب الوضوء بعد الوقت غير معلومٍ بالنسبة إلى من توضأ قبله؛ فتجري البراءة. ويضيف المحقق الخوئي، في مقام تكميل البيان، وجهاً علمياً أدقّ، وهو: أنّه على تقدير الغيرية، فإنّ «أصل تقييد الصلاة بالوضوء» معلوم؛ ولكن «خصوص وقوع الوضوء بعد الوقت» غير معلوم؛ فتجري أصالة البراءة بالنسبة إلى هذه الخصوصية الزائدة.

ويبيّن صاحب «المنتقى» في مقام الردّ: أنّ هذا التقرير العلمي صحيحٌ في إطار مبنى المحقق الخوئي — الذي يفترض «أصل التقييد» بواسطة العلم الإجمالي. وأما في إطار مبنى المحقق النائيني، الذي ينفي أصل التقييد هو الآخر بالبراءة، فلا يمكن القول بأنّ «أصل التقييد معلوم والشك إنما هو في القيد الزائد». فالصورة الصحيحة في مبنى المحقق النائيني هي ما قاله هو نفسه: إنّ «المعلوم» هو لزوم الوضوء على «من لم يتوضأ قبل الوقت»؛ وأما بالنسبة إلى «المتوضئ قبل الوقت»، فإنّ لزوم الوضوء بعد الوقت غير معلوم؛ ولهذا، فإنّ البراءة تجري في أصل اللزوم بالنسبة إلى هذا الفرد بالذات.

الخلاصة النهائية للنتائج بناءً على المبنيين

بناءً على مبنى المحقق النائيني (القائم على الأمر الضمني بالشروط + قابلية جريان البراءة في الغيريات المجعولة + دعوى الانحلال): تجري البراءة من تقييد الصلاة بالوضوء (وهي بلا معارضٍ بزعمه). ويكون نفي الوجوب قبل الوقت قابلاً للدفاع، ولو بالاستصحاب. ويثبت عدم لزوم الإعادة للمتوضئ قبل الوقت: إمّا بناءً على مبنى المحقق النائيني نفسه (لفقدان العلم بأصل اللزوم بالنسبة إلى هذا الفرد)، وإمّا — لو سُلِّم بأصل التقييد — ببيان المحقق الخوئي (وهو نفي خصوصية «ما بعد الوقت»).

وبناءً على تحقيق صاحب «المنتقى» (القائم على عدم الانحلال + عدم جريان البراءة في الوجوب الغيري): ففي الشك في التقييد، يتعيّن الاحتياط (أي أن يأتي بالوضوء ويوقع الصلاة على وجه التقييد). وفي نفي الوجوب قبل الوقت، فلو اعتُبر امتنانيّة حديث الرفع مانعاً، لكفى استصحاب عدم الوجوب إلى حين دخول الوقت، فيكون نفي الوجوب قبل الوقت محفوظاً. وفي عدم لزوم الإعادة، فلو كان أصل التقييد ثابتاً، أمكن نفي «خصوصية ما بعد الوقت» بالبراءة. ولو لم يكن أصل التقييد ثابتاً، لكفى بيان المحقق النائيني نفسه.

نكتةٌ منهجية وجهة الاختلاف

يرجع محور الاختلاف في نهاية المطاف إلى أمرين اثنين:

الأول: هل الوجوب الغيري (أو الأمر الضمني بالشرط) مجعولٌ قابلٌ للرفع حتى تجري فيه البراءة أم لا؟ فإن لم يكن كذلك، لم يتمّ الانحلال المدَّعى، وتقوّى مسلك الاحتياط.

والثاني: نطاق الأدلة المؤمِّنة؛ فلو حُصرت في حديث الرفع، طُرح قيد الامتنان. وأما مع ضميمة استصحاب عدم التكليف، فيُرفَع هذا القيد، ويكون نفي الوجوب قبل الوقت قابلاً للتأمين.

ومن هنا، فإنّ صاحب «المنتقى»، مع قبوله بالصناعة المتقنة لـ«الصورة الأولى» للمحقق الخوئي، يعتبرها غير ذات صلةٍ بمراد المحقق النائيني، ويجعل محور الحكم هو «الصورة الثانية». ثم بناءً على مبناه الخاص، يرتضي لزوم الاحتياط في الشك في التقييد، وأما في الجهتين الأخريين، فإمّا أن يتمسك بالاستصحاب، وإمّا أن يقبل تقرير المحقق النائيني — مع تصحيح مناطه العلمي.[5]

نقد الامتنان في جريان البراءة وإعادة قراءة تقرير السيد الخوئي في فرض تقديم الوضوء على الوقت

والذي يبدو لنا أنّ البحث ينعقد في أنه في مقام إجراء الأصل الترخيصي، فهل يُشتَرَط «الامتنان» في جريانه ويقتصر نطاقه على الموارد المستندة إلى حديث الرفع، أم أنّ الملاك هو «الأثر العملي التوسعي» للمكلف، سواء كان المستند هو حديث الرفع أم استصحاب عدم التكليف؟ ثم في فرض تقديم الوضوء على الوقت، فما هو المحل الصحيح للشك والمجرى المعتبر للأصل؟ هل هو في أصل تقييد الصلاة بالوضوء؟ أم في نفي الوجوب النفسي للوضوء قبل الوقت؟ أم في نفي القيد الزائد المتمثل في «وقوع الوضوء داخل الوقت»؟ وفي تقرير صاحب «المنتقى»، توجد نكتتان أساسيتان:

النكتة الأولى: إنّ الامتنان إنما يُتصوَّر في فرض كون مستند الحكم الترخيصي هو حديث الرفع؛ فلو كان المستند هو استصحاب عدم التكليف، لكان الامتنان سالبةً بانتفاء الموضوع، ولا دور له في الحجية.

النكتة الثانية: إنّ إطلاق عنوان «البراءة» على الموارد التي يكون مستندها هو استصحاب عدم التكليف ليس إلا تسامحاً في التعبير وخلطاً للعناوين.

نقد النكتة الثانية (في تسمية البراءة)

إنّ نسبة القول إلى المحقق النائيني بأنه يسمّي استصحاب عدم التكليف «براءةً» هي نسبةٌ خلاف ظاهر «فوائد الأصول» وكذلك «أجود التقریرات». فإنّ ظاهر كلمات المحقق النائيني ليس هو إدراج «الاستصحاب» تحت عنوان «البراءة»، ولا هو جمع كل موردٍ لنفي التكليف تحت عنوانٍ واحد. بل إنّه (قده) يميِّز بين «البراءة» (بوصفها أصلاً حاكياً عن رفع المؤاخذة أو رفع الحكم المجهول) وبين «استصحاب عدم التكليف» (بوصفه أصلاً مُحرِزاً في موضوعات الحكم). فإن ورد في بعض تعابيره ذِكرُ «رفع الإلزام» بلسانٍ واحد، فإنما هو ناظرٌ إلى الأثر، لا إلى خلط مباني الأصول.

إعادة قراءة ملاك «الامتنان» عند السيد الخوئي: التوسعة العملية، لا مجرد التعبير

لم يرد تعبير «الامتنان» بهذا المصطلح في «محاضرات» السيد الخوئي؛ فالمعيار عنده هو «الأثر العملي التوسعي» الذي يتحصّل من إجراء الأصل: مفاد أصالة البراءة رفعُ الضيقِ عن المكلّف لا رفعُ السعة و الإطلاق. وعلى هذا المبنى: فلو أراد أحدٌ أن يُجري «البراءة من الوجوب النفسي للوضوء المقيَّد بما قبل الوقت»، فإنّ النتيجة العملية لذلك لن تكون توسعةً؛ بل ستؤول في حقيقتها إلى إثبات غيرية وجوب الوضوء وتضييق دائرة بدائل الامتثال. وفي مثل هذا المورد، فإنّ الأصل الترخيصي يفتقر إلى وظيفة «رفع الضيق»، فيكون جريانه ممنوعاً؛ وذلك بغضّ النظر عما إذا كان مستند الأصل هو حديث الرفع أم استصحاب عدم التكليف. فملاك عدم الجريان إذن هو عدم ترتّب التوسعة، لا مجرد فقدان عنوان «الامتنان» بمعناه الاصطلاحي.

فرض تقديم الوضوء على الوقت؛ المحل الصحيح للشك ومجرى الأصل

إنّ السيد الروحاني في «القسم الثالث» من البحث (وهو فرض تحقق الوضوء قبل الوقت والتردد في لزوم الإعادة بعد دخول الوقت)، مع قبوله بالنتيجة النهائية للمحقق النائيني (وهي عدم لزوم الإعادة بمقتضى الأصل)، يُشكِل على طريقة التقرير، وينظِّم الصورة العلمية الصحيحة على النحو التالي:

الخطوة الأولى: نأخذ تقييد الصلاة بـ«أصل الوضوء»، على تقدير الغيرية، أمراً مسلَّماً. فلا يكون هنا مجرىً للبراءة؛ وذلك لأنّ الأصل لا يجري في المجعول القابل للجعل والرفع المعلوم الحدّ.

الخطوة الثانية: نُرجِع محل الشك إلى «القيد الزائد»: فهل يلزم أن يتحقق «نفس الوضوء» حتماً «بعد دخول الوقت»، أم يكفي تحققه «قبل الوقت» (مع بقاء الطهارة إلى ما بعده)؟ فإنّ قيد «وقوع الوضوء داخل الوقت» مشكوك، وهو ليس داخلاً في المعلوم بالإجمال. وعليه، فبالنسبة إلى هذا القيد الحدوثي الزائد، تجري «أصالة البراءة»، فيُنفى بذلك إلزام الإعادة.

النتيجة: إنّ البنية الصحيحة هي أن يُفرَض «أصل تقييد الصلاة بالوضوء» ويُخرَج عن نطاق الأصل، وأن تجري البراءة في نفي القيد الزماني الزائد (وهو وقوع الوضوء داخل الوقت) فحسب. وهذه الصورة منسجمةٌ مع القاعدة — وهي أنّ مجرى الأصل هو المجعولات — من جهة، وهي تمنع من الخلط بين الحيثيات وتعارض الأصول من جهة أخرى.

نسبة نقد صاحب «المنتقى» إلى صاحب «المحاضرات»: تفاوتٌ في المنهج

في «منتقى الأصول»، ينتظم الإشكال حول محور «الامتنان» وتسمية «البراءة»: ففي الموارد المستندة إلى الاستصحاب، لا يكون للامتنان موضوع، ويكون إطلاق «البراءة» تسامحياً؛ وعليه، فإنّ جريان الأصل بملاك الامتنان مخدوش. فهذا الخط النقدي ناظرٌ إلى معيار جريان البراءة (وهو رفع الكلفة). وفي «المحاضرات»، فإنّ نقد السيد الخوئي ناظرٌ إلى «التحديد الصحيح لمحل الشك ومجرى الأصل»: فتقييد الصلاة بأصل الوضوء مفروض، ومحل البراءة هو نفي قيد وقوع الوضوء داخل الوقت. فهذا الخط التحليلي ناظرٌ إلى الصناعة الأصولية وتعيين مجرى الأصل بدقة، لا إلى الاصطلاح المتعلق بـ«الامتنان».

الخلاصة النهائية

صلة الامتنان بجريان الأصل: بناءً على مبنى السيد الخوئي، فإنّ الملاك الأساسي هو «الأثر التوسعي». فحيثما كانت نتيجة الأصل تضييق دائرة الامتثال أو تقليل بدائل المكلف، فإنّ الأصل لا يجري؛ وذلك سواء كان مستنده حديث الرفع أم استصحاب عدم التكليف. وعليه، فإنّ حصر الامتنان في موارد حديث الرفع لا تأثير له في النتيجة النهائية.

نسبة عنوان «البراءة» إلى الاستصحاب: إنّ ظاهر كلمات المحقق النائيني لا يدلّ على خلط العناوين؛ فهو يسمي الاستصحاب استصحاباً، والبراءة براءةً. وإن ورد في بعض سياقات كلامه ذِكرُ «رفع الإلزام» بلسانٍ واحد، فإنما هو ناظرٌ إلى الأثر، لا إلى اتحاد المبنى.

المحل الصحيح لإجراء الأصل في فرض تقديم الوضوء: ليس هو نفي أصل تقييد الصلاة بالوضوء، ولا نفي الوجوب النفسي قبل الوقت، بل هو نفي القيد الزائد المتمثل في «وقوع الوضوء داخل الوقت». ومعنى ذلك أنّ الوضوء المتحقق قبل الوقت، مع فرض بقاء الطهارة، يكفي للصلاة بعد دخول الوقت، ولا تلزم الإعادة.

وعلى هذا الأساس، فإنّ إعادة قراءة «المحاضرات» تكشف عن أنّ المسلك الصحيح هو اجتناب التسامح في التسمية والتركيز على «التنقيح الدقيق لموضوع الشك» و«تعيين المجرى الحقيقي للأصل». فالأصل يجري في القيد الزائد فينتج توسعةً عملية؛ وهذا هو بعينه الوجه الصناعي الموجَّه الذي يصرّ عليه آية الله الخوئي.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین


--------------------
[1]- ‏محمدحسین نائینی، أجود التقریرات، با ابوالقاسم خویی (قم: مطبعة العرفان، 1352)، ج 1، 170-171.
[2]- ‏ابوالقاسم خویی، محاضرات فی أصول الفقه، با محمد اسحاق فیاض (قم: دارالهادی، 1417)، ج 2، 394.
[3]- ‏محمد الروحانی، منتقی الأصول (قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413)، ج 2، 233.
[4]- نفس المصدر، 233-234.
[5]- نفس المصدر، 234-236.

---------------------
المصادر
- الروحانی، محمد‏. منتقی الأصول. ۷ ج. قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413.
- خویی، ابوالقاسم‏. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- نائینی، محمدحسین‏. أجود التقریرات. با ابوالقاسم خویی. ۲ ج. قم: مطبعة العرفان، 1352.


الملصقات :

الوجوب النفسي الوجوب الغيري الأصل العملي الاحتياط التدريجيات العلم الإجمالي أصالة البراءة الامتنان التوسعة على المكلف المخالفة القطعية العملية

نظری ثبت نشده است .