درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٢٠


شماره جلسه : ۱۸

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • تعليقة صاحب «المنتقى» على الصورة الثالثة في كلام المحقق النائيني بناءً على تقرير «الأجود»

  • إشكال صاحب «المنتقى» على «الانحلال» عند المحقق النائيني في الصورة الثالثة

  • إشكال صاحب «المنتقى»؛ الجهة الأولى

  • الاستثناء ومخرج مبنى المحقق النائيني

  • إشكالٌ على النقد الأول لصاحب «المنتقى» على المحقق النائيني في الصورة الثالثة

  • تحرير محل العلم الإجمالي: الصلاة ليست طرفاً للعلم أساساً

  • جريان البراءة في الموضوع الصحيح، لا في كيفيات الوجوب

  • شرط التنجيز: الإلزام الفعلي في الأطراف

  • دفع الخلط: النفسية/الغيرية ليست مساوقةً للفعلية/عدم الفعلية

  • تحليل صور الأمثلة وحدود الانحلال

  • المصادر

الجلسات الاخرى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

خلاصة البحث السابق

في البحث المتقدم، أُعيد بناء الصورة الثالثة في إطار تقرير آية الله الخوئي في «أجود التقريرات» و«المحاضرات». وبنية المسألة هي أنّ «ما عُلِم وجوبُه إجمالاً» مردَّدٌ بين النفسية والغيرية، وفي الوقت نفسه، يُحتَمَل وجود واجبٍ فعلي آخر يتوقف تحققه على هذا المعلوم الوجوب. وبناءً على مبدأ «التوسُّط في التنجيز»، يكون القدر المتيقَّن من التكليف منجَّزاً، وتجري البراءة في «الزائد المشكوك» فحسب. والمثال البيّن على ذلك هو الخِتان: فنعلم أنّ الخِتان واجبٌ في الجملة، ولكننا لا نعلم هل هو نفسي أم غيري. فلو كان غيرياً، لكان مقدِّمةً لصحة الطواف، والطواف ركنٌ من الحج الواجب فعلاً على المستطيع. ففي ظرف الابتلاء بالطواف، فإنّ ترك الخِتان إمّا أن يكون تركاً لواجبٍ نفسي، وإمّا أن يكون تركاً لمقدِّمة واجبٍ فعلي؛ وفي كلا التقديرين، يتحصّل «علمٌ إجمالي باستحقاق العقاب» على ترك الخِتان، فيكون مقتضى الاحتياط هو الإتيان به. وهذا التطبيق مقيَّدٌ بتحقق شرط الابتلاء وفعلية ذي المقدِّمة؛ فلو لم يكن ذو المقدِّمة فعلياً (كالمولود غير البالغ)، لرجعت البنية إلى صورةٍ أخرى يكون المرجع فيها هو البراءة. والمنطق واحدٌ في «الصورة الثانية في المحاضرات» أيضاً: فالوجوب الفعلي لـ«ألف» (كالوضوء) مفروضٌ ومردَّدٌ بين النفسي والغيري؛ ولو كان غيرياً، لكانت فعلية «باء» (كالصلاة المنذورة) منوطةً بالتحقق الخارجي لـ«ألف». والنتيجة هي أنّ وجوب الوضوء منجَّزٌ تفصيلاً ولا تجري فيه البراءة؛ وإنما تجري البراءة بالنسبة إلى «الوجوب النفسي للصلاة» — مع فرض فقدان الحجة. والقاعدة عند المحقق الخوئي هي أنّ تنجُّز العلم الإجمالي منوطٌ بتعارض الأصول في أطرافه؛ فمتى ما لم يجرِ الأصل المؤمِّن في أحد الطرفين أساساً (كحال الوضوء معلوم الوجوب)، فإنّ العلم الإجمالي يغدو عديم الأثر من حيث التنجُّز، ويقع «الانحلال الحكمي». والفارق الملاكي عن باب الأقل والأكثر بيّن: فهناك، يكون عدم جريان الأصل في أحد الطرفين لـ«عدم الأثر» (في طرف الإطلاق)؛ وأما هنا، فلـ«كون وجوب الطرف المشكوك الغيرية معلوماً تفصيلاً». والثمرة العملية هي: أنّ امتثال القدر المتيقَّن (كالخِتان والوضوء) لازم؛ والبراءة من الزائد الذي لا حجة عليه (كالوجوب النفسي للصلاة) تكون مؤمِّنة.

تعليقة صاحب «المنتقى» على الصورة الثالثة في كلام المحقق النائيني بناءً على تقرير «الأجود»

ينقل السيد الروحاني في «منتقى الأصول» الصورة الثالثة بناءً على تقرير المحقق الخوئي لكلام المحقق النائيني، ثم يتناولها بالنقد والبحث. والفرض هو أنّ المكلف يعلم الآن أنّ «شيئاً ما» واجبٌ بالفعل، ولكنه يتردد في وجه وجوبه بين النفسي والغيري. ويعلم أيضاً أنّه لو كان وجوبه غيرياً، لكان ذو المقدِّمة هو الآخر واجباً بالفعل، إلا أنّ حجة إلزامه لم تصل إليه. والمثال على ذلك هو من نذر ولكنه لا يعلم هل متعلَّق النذر هو «الوضوء» أم «الصلاة». فإن كان متعلَّق النذر هو الوضوء، كان الوضوء واجباً نفسياً. وإن كان متعلَّق النذر هو الصلاة، كان الوضوء واجباً غيرياً للصلاة المنذورة، وكان وجوب الصلاة هو الآخر فعلياً في الواقع، وإن لم تصل حجة إلزامه إلى المكلف.

النتيجة عند المحقق النائيني وتبيينها

الحكم: يجب الإتيان بالوضوء؛ وأما بالنسبة إلى الصلاة، ففيما عدا الوضوء، تكون سائر الأجزاء والشرائط مجرىً للبراءة. التعليل: إنّ ترك الوضوء منشأٌ قطعي لاستحقاق العقاب: إمّا مباشرةً، إن كان الوضوء واجباً نفسياً، وإمّا بالتسبيب، إن كان الوضوء واجباً غيرياً وأدى تركه إلى ترك الصلاة الواجبة فعلاً. وأما ترك الصلاة «من جهة غير الوضوء»، فليس معلوم العقاب؛ وذلك لعدم وصول الحجة عليه. فالأصل هو جريان البراءة بالنسبة إليه بلا مانع.

وهذا هو بعينه «الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي»؛ فالعلم الإجمالي بـ«إمّا الوجوب النفسي للوضوء وإمّا الوجوب النفسي للصلاة» باقٍ في الواقع، ولكنه في مرحلة التنجُّز ينحلّ إلى فرعين: 1- علمٌ تفصيلي بلزوم الوضوء واستحقاق العقاب على تركه (وهو منجِّز). 2- وشكٌّ بدوي بالنسبة إلى الوجوب النفسي للصلاة (وهو مورد البراءة)، لعدم وصول الحجة. وعليه، فإنّ البراءة بالنسبة إلى الصلاة تجري بلا معارض؛ وذلك لأنّ الأصل المؤمِّن لا يجري في طرف الوضوء أساساً.

صلته بصاحب «الكفاية» ونقد صاحب «المنتقى»

قيل إنّ صاحب «الكفاية» في هذه الصورة عينها يجري البراءة بالنسبة إلى «نفس الوضوء» أيضاً. وتحليل صاحب «المنتقى» هو أنّ هذه النسبة، على فرض التسليم بـ«التفكيك في تنجُّز المركب»، غير تامة؛ وذلك لأنّ وجوب الصلاة «من جهة الوضوء» منجَّز (إذ إنّ ترك الوضوء يسبِّب ترك الصلاة فيستتبع العقاب). وأما من ناحية سائر الأجزاء والشرائط، فهو غير منجَّز (إذ لا حجة في البين). وعليه، فإنّ البراءة تجري في النواحي غير المنجَّزة من الصلاة، ولكنها لا تجري في الوضوء؛ والجمع بين هذين الأمرين منسجمٌ وصناعيٌ تماماً.

والمراد الدقيق للمحقق النائيني هو: أنّ «الانحلال» يعني رجوع العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي بلزوم الوضوء والعقاب على تركه، وشكٍّ بدوي في لزوم الصلاة من حيث سائر الأجزاء والشرائط؛ ولهذا، فإنّ البراءة بالنسبة إلى الصلاة تجري بلا معارض، لعدم جريان أي أصلٍ في الوضوء أساساً.

موافقة آية الله الخوئي: يرتضي السيد الخوئي هو الآخر هذا الجمع، قائلاً بوجود انحلالٍ حكمي في البين. فالوضوء معلوم الوجوب تفصيلاً (سواء كان نفسياً أم غيرياً)، فلا تجري فيه البراءة. والصلاة، لعدم قيام الحجة على وجوبها النفسي، تجري فيها البراءة الشرعية والعقلية. والملاك المحوري عند المحقق الخوئي هو أنّ تنجُّز العلم الإجمالي منوطٌ بتعارض الأصول في أطرافه؛ ولما كان الأصل لا يجري في طرف الوضوء أساساً، فلا ينعقد تعارض، وتجري البراءة في طرف الصلاة بلا معارض.

الخلاصة الصناعية والثمرة العملية: إنّ الانحلال الحقيقي لم يقع (إذ لا نزال نجهل بأيّهما قد تعلّق الوجوب النفسي)، ولكنّ الانحلال الحكمي متحقِّق؛ وذلك لأنّ الأصل المؤمِّن لا مجرى له في أحد الطرفين (وهو الوضوء)، ويجري بلا معارض في الطرف الآخر (وهو الصلاة). والتفكيك في تنجُّز المركب جائزٌ ومعقول. فالصلاة منجَّزةٌ من حيث مقدِّمية الوضوء (إذ إنّ تركها المستند إلى ترك الوضوء يوجب العقاب). ولكنها غير منجَّزةٍ من حيث سائر الأجزاء والشرائط — ما لم تصل الحجة — وهي مجرىً للبراءة. النتيجة: يجب الإتيان بالوضوء (امتثالاً للواجب المعلوم). وأما بالنسبة إلى نفسية وجوب الصلاة — ما لم تقم حجة مستقلة — فإنّ البراءة تكون مؤمِّنة. ويشير صاحب «المنتقى» إلى هذا المبنى بقوله:

الصورة الثانیة: أن یُعلَم بوجوبِ شيء فعلاً مُردَّد بین كونه نفسیّاً أو غیریّاً، مع العلم بأنّه لو كان غیریّاً كان وجوبُ ذي المقدّمة فعلیّاً، لكن لم یصل إلینا... وقد اختار المحقّق النائيني لزوم الإتیان بالوضوء للعلم بترتّب العقاب على تركه... وأمّا تركُ ذي المقدّمة من ناحیة غیر الوضوء... فأصلُ البراءة... لا مانع منه... ومرجعُ كلامِ المحقق النائيني إلى دعوى انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بلزوم الوضوء... وشكٍّ بدويٍّ في لزوم الصلاة... وقد وافقه السید الخوئي... فذهب إلى انحلال العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي بلزوم الوضوء، وشكٍّ بدويٍّ في وجوب الصلاة... .[1]

إشكال صاحب «المنتقى» على «الانحلال» عند المحقق النائيني في الصورة الثالثة

يدّعي المحقق النائيني أنّ العلم الإجمالي في هذه الصورة «ينحلّ حكماً» إلى علمٍ تفصيلي بوجوب الوضوء، مضافاً إليه شكٌّ بدوي في وجوب الصلاة. ونتيجةُ ذلك أنّ البراءة بالنسبة إلى الصلاة تجري بلا معارض، ويجب الإتيان بالوضوء.

إشكال صاحب «المنتقى»؛ الجهة الأولى

المبنى المحوري هو أنّ الوجوب الغيري بما هو غيري ليس مجعولاً شرعياً مستقلاً حتى يكون مجرىً للبراءة (الشرعية أو العقلية). وعليه:

أ) فإنّ طبيعيّ الوجوب (الجامع بين النفسي والغيري) هو الآخر ليس مجرىً للبراءة. فمجرى البراءة هو «خصوص الوجوب النفسي» فحسب، وذلك إن كان مشكوكاً.

ب) وبناءً على هذا المبنى، يمكن تصور أصلين مؤمِّنين فعليين: 1- البراءة من «الوجوب النفسي للوضوء» (إذ إنّ نفسية الوضوء مشكوكة). 2- والبراءة من «الوجوب النفسي للصلاة» (وهي الأخرى مشكوكة). وهذان الأصلان متعارضان؛ وذلك لأنّ لدينا علماً إجمالياً بثبوت إحدى «الخصوصيتين النفسيتين» (فإمّا نفسية الوضوء، وإمّا نفسية تقييد الصلاة). وإنّ تعارض الأصول في الأطراف هو قوام منجِّزية العلم الإجمالي؛ فلا يمكن الترخيص في كلا الطرفين، ولا ينعقد «الانحلال» المدَّعى. النتيجة: إنّ العلم الإجمالي لا يسقط عن التنجيز، ولا ينفتح مسلك البراءة في طرف الصلاة وحده (على نحو ما ادّعاه المحقق النائيني).

الاستثناء ومخرج مبنى المحقق النائيني

يضيف صاحب «المنتقى» قائلاً: إلا أن يُقبَل المبنى الخاص للمحقق النائيني، وهو أنّ «الشروط هي الأخرى متعلَّقٌ لأمرٍ نفسي ضمني كالأجزاء». وتبيين هذا المبنى هو: أنّ الأمر النفسي الواحد بـ«صَلِّ»، بحسب نظر المحقق النائيني، يتعلّق بالأجزاء وحتى بالشروط (كالطهارة) على نحوٍ «ضمني»؛ وهذا فوق الغيرية العقلية للمقدِّمات. وعلى هذا المبنى، فإنّ «الوجوب النفسي للوضوء» معلومٌ على كل تقدير. فإن كان متعلَّق النذر هو الوضوء، ثبتت النفسية الاستقلالية للوضوء. وإن كان متعلَّق النذر هو الصلاة، ثبتت النفسية الضمنية للوضوء في ضمن الأمر بالصلاة المقيَّدة.

والأثر الأصولي هو: أنّه لما كان «الوجوب النفسي للوضوء» معلوماً على نحوٍ ما، فإنّ البراءة بالنسبة إلى الوضوء لا موضوع لها (إذ إنّ المانع الكلي لجريان الأصل، وهو العلم بالتكليف، محرز). وعليه، فإنّ البراءة بالنسبة إلى «الوجوب النفسي للصلاة» تجري بلا معارض؛ وبهذا، يتحقق «الانحلال الحكمي» على نحوٍ صحيح. والنكتة الدقيقة هي أنّ «الأمر الضمني قابلٌ لجريان البراءة» لو كان هو نفسه مشكوكاً؛ ولكن في ما نحن فيه، وبناءً على مبنى المحقق النائيني، فإنّ الأمر النفسي الضمني بالوضوء مفروضٌ كونه «معلوماً»، فلا مجرى للبراءة بالنسبة إلى الوضوء، ولا ينشأ تعارضٌ مع البراءة من الصلاة.

الخلاصة التحليلية: بناءً على مبنى عدم جريان البراءة في الوجوب الغيري وعدم قبول الأمر النفسي الضمني بالشرط، فإنّ موضوع البراءة ينحصر في «النفسية». وعليه، تتعارض البراءتان (من نفسية الوضوء ونفسية الصلاة)؛ فيبقى العلم الإجمالي منجِّزاً؛ وتكون دعوى «الانحلال» غير تامة، وتكون النتيجة هي الاحتياط. وبناءً على مبنى المحقق النائيني في «تعلّق الأمر النفسي الضمني بالشروط»، فإنّ نفسية الوضوء تكون معلومةً إمّا استقلالاً وإمّا ضمناً؛ وعليه، فإنّ البراءة من الوضوء مسدودة. فتجري البراءة من الوجوب النفسي للصلاة بلا معارض؛ فيكون «الانحلال الحكمي» مقبولاً؛ ويلزم الوضوء، ويبقى التأمين من نفسية الصلاة قائماً بالبراءة حتى تأتي حجة مستقلة.

نكتةٌ منهجية: يبيّن صاحب «المنتقى» بهذا الاستثناء أنّ «الانحلال» المدَّعى عند المحقق النائيني منوطٌ بـ«بنيةٍ تحتيةٍ نظريةٍ خاصة» (وهي الأمر النفسي الضمني بالشروط). فإن لم تُقبَل تلك البنية، بقي إشكال تعارض الأصول (وقوام المنجِّزية بالتعارض) قائماً، وانهدم الانحلال المدَّعى. وأما مع قبولها، فإنّ مسلك الانحلال الحكمي للمحقق النائيني يكون قابلاً للدفاع. ويشير السيد الروحاني إلى هذا المبنى بقوله:

… ما أفاده المحقق النائيني مخدوش… جهة الخدشة: عدم قابلیة الوجوب الغيري لجريان البراءة… فتصیر البراءة من وجوب الصلاة معارضة بالبراءة من وجوب الوضوء نفسیّاً… نعم، لو التزم بكون الشرائط متعلقة للأمر النفسيّ الضمني كالأجزاء، صار الوجوب النفسيّ للوضوء معلوماً على التقديرين… فتمتنع البراءة عنه، و تكون البراءة عن وجوب الصلاة بلا معارض… .[2]

إشكالٌ على النقد الأول لصاحب «المنتقى» على المحقق النائيني في الصورة الثالثة

إنّ النقد الأول للسيد الروحاني على المحقق النائيني في الصورة الثالثة يرتكز على الأساس التالي: وهو أنّه لما كانت البراءة لا تجري في الوجوب الغيري، وجب الالتزام ببراءتين اثنتين، وهما: البراءة من «الوجوب النفسي للوضوء» والبراءة من «الوجوب النفسي للصلاة». وهاتان البراءتان متعارضتان، وقوام تنجُّز العلم الإجمالي إنما هو بتعارض الأصول في الأطراف. وعليه، فإنّ «الانحلال» المدَّعى عند المحقق النائيني يكون غير تامّ. والإشكال الذي نورده هو أنّ هذا المبنى يقوم من الأساس على «جعل الأطراف على نحوٍ غير صائب» في العلم الإجمالي وعلى الخلط بين المقامات، وهو على الأقل لا يصدق على الصورة الثالثة التي هي محل بحث المحقق النائيني.

تحرير محل العلم الإجمالي: الصلاة ليست طرفاً للعلم أساساً

في الصورة الثالثة، فإنّ العلم الإجمالي ناظرٌ إلى «الوجوب المعلوم بالإجمال» الذي لا نعلم هل هو «نفسي» أم «غيري». فأصل وجوب الوضوء مسلَّم، والشك يدور بين كون ذلك الوجوب نفسياً أو غيرياً. وفي مثل هذه البنية، فإنّ جعل «الصلاة» في عداد أطراف العلم الإجمالي لا وجه له. فالأطراف الحقيقية للعلم هي حيثيتان لوجوبٍ واحد معلوم (وهما النفسي/الغيري)، لا تكليفان مستقلان (وهما الوضوء/الصلاة). والقياس على الصورتين السابقتين في غير محله؛ ففي الصورتين الأولى والثانية، كان وجوب الصلاة محرزاً على نحوٍ مستقل، وعندئذٍ، وقع الوضوء أو التقييد طرفاً مقابلاً. وأما في الصورة الثالثة، فإنّ مفروض المحقق النائيني هو «العلم بأصل وجوب الوضوء» و«الشك في كونه نفسياً/غيرياً»؛ فلا مكان للصلاة في ذات العلم حتى يُتحدَّث عن تعارض البراءتين.

جريان البراءة في الموضوع الصحيح، لا في كيفيات الوجوب

إنّ البراءة ناظرةٌ إلى «أصل التكليف»، لا إلى «كيفية انتساب الوجوب» (نفسي/غيري). وعليه، فهي لا تنفي النفسية ولا الغيرية؛ فموضوعها هو الحكم المجعول المشكوك. وبناءً على المبنى الذي ارتضاه صاحب «المنتقى» نفسه، فإنّ «الوجوب الغيري المترشِّح» لا يكون مجرىً للبراءة. وفوق ذلك، ففي مقامنا — حيث إنّ أصل وجوب الوضوء محرز — فإنّ «موضوع البراءة» بالنسبة إلى الوضوء غير متحققٍ أصلاً؛ إذ لا شكّ لدينا في أصل الإلزام الفعلي بالوضوء، وإنما الشك في كيفيته. النتيجة: لو كان ثمة مجالٌ للبراءة، لكان في «أصل تكليف ذي المقدِّمة» (وهي الصلاة المشكوكة الفعلية)، لا في المقدِّمة التي أصل وجوبها معلوم.

شرط التنجيز: الإلزام الفعلي في الأطراف

إنّ تنجُّز العلم الإجمالي منوطٌ بأن تكون لأطرافه «إلزامٌ فعلي»، حتى يؤول الترخيص في كلا الطرفين إلى مخالفةٍ قطعيةٍ عملية. فلو لم يكن ذو المقدِّمة فعلياً (كالحج في فرض عدم الاستطاعة)، لما انعقد طرف الإلزام الفعلي أساساً حتى تقع «الصلاة/الحج» طرفاً للعلم؛ فيكون المرجع بالنسبة إلى ذي المقدِّمة هو البراءة فحسب. ولو كان ذو المقدِّمة فعلياً (وهو ظاهر كلمات المحقق الخوئي في مثال المنذور)، فإنّ «الصلاة بما هي هي» هي الأخرى ليست طرفاً للعلم بـ«نفسية/غيرية الوضوء»؛ إذ إنّ وجوب الصلاة محرزٌ استقلالاً، والشك إنما هو في كيفية وجوب الوضوء، لا في أصل وجوب الصلاة.

دفع الخلط: النفسية/الغيرية ليست مساوقةً للفعلية/عدم الفعلية

إنّ كون الوجوب نفسياً أو غيرياً ليس مساوقاً لـ«الفعلية». فقد يكون الوجوب الغيري هو الآخر فعلياً من حيث الجعل — بناءً على مبنى الجعل الاستقلالي في الغيريات. وعليه، فلا يمكن افتراض تعليق فعلية وجوب المقدِّمة على فعلية ذي المقدِّمة على نحوٍ مطلق؛ فهذا لا يتمّ إلا على مبنى إرشادية الغيريات، لا على مبنى الجعل التأسيسي. ولازم هذا الكلام هو أنّ التمسك بـ«تعارض البراءة من نفسية الوضوء والبراءة من نفسية الصلاة» في هذا المقام، يرتكز على افتراضٍ غير صائب وهو «جعل الصلاة طرفاً للعلم»، وعلى الخلط بين الفعلية وكيفية الوجوب.

تحليل صور الأمثلة وحدود الانحلال

في مثال الخِتان: فإن لم يكن المكلف مستطيعاً فعلاً، لم يكن الحج فعلياً، وكان «الخِتان» هو طرف العلم لا «الحج». فيكون وجوب الخِتان معلوماً ومنجَّزاً، وتجري البراءة بالنسبة إلى الحج. وإن كان مستطيعاً، رجعت المسألة إلى الصور السابقة (وهي فعلية ذي المقدِّمة)، لا إلى الصورة الثالثة.

وفي مثال النذر (نذر الوضوء أو الصلاة): فإنّ هذا المثال ينطوي على شكّين مستقلين: الشك في متعلَّق النذر، والشك في كون وجوب الوضوء نفسياً أو غيرياً. وفي هذا المثال، يمكن تصوير «الانحلال الحكمي» على نحوٍ معقول؛ إلا أنّ هذا يغاير جعل «الصلاة» طرفاً للعلم في الصورة الثالثة — التي موضوعها هو كون الوجوب المعلوم نفسياً أو غيرياً.

النتيجة النهائية: إنّ أساس نقد السيد الروحاني، المرتكز على «تعارض البراءتين» في هذه الصورة، مبنيٌّ على جعل الصلاة طرفاً للعلم على نحوٍ غير صائب. ففي الصورة الثالثة، ليست «الصلاة» طرفاً للعلم الإجمالي بـ«نفسية وجوب الوضوء أو غيريته»؛ فالأطراف الحقيقية للعلم هي حيثيتان لإلزامٍ واحد معلوم. وعليه، فإنّ التعارض المدَّعى بين «البراءة من نفسية الوضوء» و«البراءة من نفسية الصلاة» لا محل له؛ وذلك لأنّ الثانية ليست طرفاً للعلم ولا مورداً للجريان في هذه البنية أساساً. فالتكليف الامتثالي بيّن، وهو أنّ امتثال معلوم الوجوب (كالوضوء أو الخِتان) لازم؛ وإنما تجري البراءة في التكاليف المستقلة الفاقدة للفعلية (وهي ذو المقدِّمة المشكوك الفعلية).

وعلى هذا المبنى، فإنّ قياس ما نحن فيه بباب الأقل والأكثر هو الآخر غير تامّ. ففي الأقل والأكثر، يكون «الأقل» معلوماً بالتفصيل، ويكون «الأكثر» مشكوكاً ومجرىً للبراءة. وأما هنا، فإنّ تحويل «الوضوء» إلى معلوم و«الصلاة» إلى مشكوك، ثم بناء «تعارض الأصول» لإثبات عدم الانحلال، إنما هو ناظرٌ في أساسه إلى صورةٍ أخرى، لا إلى الصورة الثالثة مورد كلام المحقق النائيني.

خلاصة الإشكال: إنّ الصورة العلمية التي طرحها السيد الروحاني، بجعلها الصلاة طرفاً للعلم، خارجةٌ عن محل نزاع المحقق النائيني. فالبراءة لا تجري في كيفيات الوجوب (النفسي/الغيري)؛ وموضوع البراءة هو «أصل التكليف»، وفي الصورة الثالثة لا شكّ لدينا في أصل وجوب الوضوء. كما أنّ شرط التنجيز هو فعلية الإلزام في الأطراف؛ وهذا الشرط غير متحققٍ في طرف الصلاة — على النحو المفروض في الصورة الثالثة. وعليه، فلا وجه لتعارض البراءتين وسقوط الانحلال.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

---------------------
[1]- ‏محمد الروحانی، منتقی الأصول (قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413)، ج 2، 228-229.
[2]- همان، 229-230.

--------------------
المصادر
- الروحانی، محمد‏. منتقی الأصول. ۷ ج. قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413.




الملصقات :

الوجوب النفسي الوجوب الغيري العلم الإجمالي أصالة البراءة الانحلال الحكمي تعارض الأصول التوسط في التنجيز أصالة الاشتغال الأجزاء الأمر الضمني الشروط

نظری ثبت نشده است .