موضوع: الواجب النفسی و الغیری
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٥
شماره جلسه : ۹
-
خلاصة البحث السابق
-
الصورة الأولى: تماثل الوجوبين وجريان البراءة من التقييد
-
تعليقة آية الله الخوئي: تعارض البراءتين وعدم الانحلال
-
مناقشةٌ مبنائيةٌ على التعليقة
-
إعادة قراءة نقد المحقق الخوئي وتقرير صاحب «المنتقى» لمبنى المحقق النائيني
-
إعادة قراءة نقد المحقق الخوئي: النكتة المحورية في نقده لمبنى المحقق النائيني
-
مقدمتان لتمامية إشكال السيد الخوئي
-
نقد المقدمة الأولى: جريان البراءة الشرعية في الواجب الغيري ذي الإنشاء المستقل
-
نقد المقدمة الثانية؛ الانحلال الحكمي وجدلية منع البراءة العقلية
-
الفرق بين تقرير المحقق الخوئي في «التعليقة» و«المحاضرات» وصلته بمحل النزاع
-
محاولة تتميم الاستدلال بـ«علمين إجماليين ذوي أطرافٍ ثلاثة» ونقدها
-
المصادر
-
الجلسة ۱
-
الجلسة ۲
-
الجلسة ۳
-
الجلسة ۴
-
الجلسة ۵
-
الجلسة ۶
-
الجلسة ۸
-
الجلسة ۹
-
الجلسة ۱۰
-
الجلسة ۱۱
-
الجلسة ۱۲
-
الجلسة ۱۳
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
أولاً: إنّ البراءة المقابلة في جانب الوضوء (وهي نفي النفسية) عديمة الأثر؛ وذلك لأنّ أصل وجوب الوضوء ثابتٌ على كل تقدير، ونفي النفسية لا يرفع إلزاماً زائداً. والأصل العديم الأثر لا يملك صلاحية المعارضة.
ثانياً: إنّ أصالة البراءة عن التقييد في جانب الصلاة هي «أصلٌ موضوعي» في مقام تنقيح التقييد. ومع جريان هذا الأصل، ينتفي موضوع الاحتياط الحكمي المبتني على العلم الإجمالي؛ إذ مع وجود الأصل الموضوعي لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.
ثالثاً: إنّ العلم الإجمالي المنجِّز فرعٌ لقابلية المخالفة العملية في أطرافه. وأما في ما نحن فيه، فلا يُتصوَّر وقوع مخالفةٍ قطعيةٍ للإلزام المعلوم (وهو وجوب الوضوء في الجملة)، وبعد نفي التقييد، ينهدم طرف الغيرية موضوعاً أيضاً؛ وعليه، فلا وجه لتنجيز العلم الإجمالي للاحتياط.
ينبّه صاحب «منتقى الأصول» ذيل هذا النزاع على أنّه لا يمكن القول ببساطةٍ إنّ «تعارض الأصول بديهي» وانتهى الأمر؛ فكيف يُعقَل أن يذهب المحقق النائيني إلى الانحلال مع فرض التعارض؟ وبحسب تعبيره (قده):
و لا يخفى ان هذا المعنى الّذي ذكره السيد الخوئي مما يلتفت إليه من له قليل علم فضلاً عن مثل المحقق النائيني (قدس سره)، إذن فما هو الوجه في إجراءه البراءة في التقيد مع أنه طرف العلم الإجمالي؟[3]
ثم يقرّر صاحب «المنتقى» وجهة نظر المحقق النائيني على النحو التالي:
و الإجابة عن هذا السؤال هي: ان المحقق النائيني يذهب إلى انحلال العلم الإجمالي المزبور، و عدم إمكان إجراء البراءة في أحد الطرفين، فتكون البراءة في الآخر بلا معارض. بيان ذلك: ان وجوب الوضوء معلوم على كل حال نفسياً كان أو غيرياً فهو لا يكون مجرى البراءة، و وجوب التقيد محتمل، فيكون مجرى البراءة، لأن أصل البراءة فيه بلا معارض بعد ان امتنع جريانه في طرف الوضوء.[4]
إنّ النكتة المحورية في نقد آية الله الخوئي لمبنى المحقق النائيني تكمن في «المساوقة» بين الأصلين الجاريين (وهما نفي التقييد ونفي النفسية) في أطراف العلم الإجمالي، وما يترتب على ذلك من تعارضٍ بينهما. إلا أنّ صاحب «المنتقى» يبيّن أنّ هذه المساوقة مخدوشة؛ وذلك لأنّ الأصل الجاري في طرف الوضوء عديم الأثر، فهو لا يملك صلاحية المعارضة. وأما الأصل النافي للتقييد في جانب الصلاة، فهو حاكمٌ ومنقِّحٌ لموضوع الأثر، لكونه أصلاً موضوعياً.
تبيين مبنى «الانحلال الحكمي»: إنّ الأصل الموضوعي، وهو أصالة البراءة عن التقييد، ينقِّح موضوع الحكم، ومفاده أنّ «الصلاة غير مقيَّدةٍ بالوضوء». وبنفي هذا التقييد، يزول الجزء الفعّال من العلم الإجمالي (وهو الغيرية المتقوِّمة بالتقييد) في مقام العمل. وأما في المقابل، أي في جانب أصل البراءة من نفسية الوضوء، فبما أنّ وجوب الوضوء معلومٌ في الجملة، فإنّ نفي النفسية لا يرفع تكليفاً زائداً؛ فهو إذن أصلٌ عديم الأثر، ولا يقع في عرض الأصل الموضوعي حتى ينشأ تعارض. فالثمرة المترتبة على ذلك هي تحصّل «نتيجة الإطلاق» في جانب الصلاة والتخيير في ترتيب الامتثال، ويفقد العلم الإجمالي شأنية التنجيز لسقوط طرفه المؤثر.[5]
يصرّح صاحب «المنتقى» بأنّ إحكام نقد السيد الخوئي منوطٌ بمقدمتين اثنتين:
المقدّمة الأولى: هو الالتزام بعدم جريان البراءة في الوجوب الغيري، باعتبار أنه ليس من المجعولات الشرعية، بل هو من الأمور اللازمة للوجوب النفسيّ، فهو كالأمور التكوينية غير قابل للوضع و لا للرفع، فلا معنى لإجراء البراءة الشرعية فيه. فالوجوب القابل لجريان البراءة هو الوجوب النفسيّ ... و عليه، فتكون البراءة من وجوب التقيد معارضة بمثلها، لجريان البراءة من الوجوب النفسيّ لأنه مشكوك ... فجريان البراءة فيه يعارض جريانها في وجوب التقيد.[6]
وبيان ذلك: أنّه لو لم يكن الوجوب الغيري مجعولاً شرعياً مستقلاً حتى تجري فيه البراءة الشرعية، لكان المورد الوحيد لجريان البراءة الشرعية هو «الوجوب النفسي» (لكونه مجعولاً). وحينئذٍ، فإنّ البراءة من النفسية تتعارض مع البراءة من التقييد.
المقدّمة الثانية: قد يقال ... بأن لزوم الوضوء و استحقاق العقاب على تركه معلوم على كل حال ... بخلاف التقيد فإنه لا يعلم لزومه ... فيكون مجرى البراءة العقلية ... و يُشكل: بأن ترتب العقاب على ترك الوضوء ... مرجعه إلى تقرير العلم الإجمالي المدعى المانع من إجراء البراءة في طرف التقيد ... فليس ترك التقيد طرفاً لترك الوضوء بكلا احتماليه كي يكون مجرى البراءة، بل هو أحد احتمالي ترك الوضوء ... و بعبارة أخرى: يعلم إجمالا بثبوت العقاب على ترك الوضوء أو ترك الصلاة المقيدة به ... و إجراء البراءة في كل طرف معارض ... .[7]
وبيان ذلك: أنّ قاعدة «قبح العقاب بلا بيان» هي الأخرى لا مجرى لها؛ وذلك لأنّ «البيان الإجمالي» قائمٌ بالنسبة إلى أحد الأمرين (إمّا ترك الوضوء، وإمّا ترك الصلاة المقيَّدة)، فتكون البراءة العقلية في كل طرفٍ معارَضةً بالبراءة في الطرف الآخر.
و الحاصل: ان وجوب التقيد لا يكون مجرى للبراءة الشرعية كما هو مقتضى المقدمة الأولى، و لا مجرى للبراءة العقلية كما هو مقتضى المقدمة الثانية.[8]
تحليل المقدمتين وتقييمهما
في ما يتصل بالمقدمة الأولى: إنّ الوجوب الغيري ليس «حكماً مجعولاً مستقلاً»، بل هو لازمٌ وتابعٌ للوجوب النفسي لذي المقدِّمة. وعليه، فهو لا يقع موضوعاً للوضع والرفع الشرعيين حتى يكون للبراءة الشرعية معنىً فيه. فالبراءة الشرعية إنما تجري في «الحكم المجعول» فحسب، أي في الوجوب النفسي. والثمرة المترتبة على ذلك هي أنّ «أصل الوجوب» بالنسبة إلى الوضوء (على نحوٍ ما) معلوم، فلا تجري فيه البراءة. وإنّ ما هو مشكوكٌ ومجرىً للبراءة في جانب الوضوء إنما هو «خصوص النفسية»؛ وذلك لأنّ النفسية «حكمٌ مجعول» ومشكوك. وفي الطرف المقابل، فإنّ «وجوب التقييد» هو الآخر مشكوك، ويُعَدُّ من سنخ الجعل النفسي المتعلق بالصلاة. وعليه، فإنّ البراءة من «نفسية الوضوء في جانب هيئة توضّأ» تتعارض مع البراءة من «تقييد مادة الصلاة في صلِّ». فدعوى «الانحلال» إذن، بناءً على هذا البيان، غير مقبولة؛ إذ إننا أمام براءتين متكافئتين، والعلم الإجمالي يمنع من جريانهما معاً.
في ما يتصل بالمقدمة الثانية: إنّ التقرير التقريبي لدعوى المحقق النائيني (كما ينقله صاحب «المنتقى») هو أنّ «لزوم الوضوء واستحقاق العقاب على تركه» معلومٌ على كل حال: فإن كان الوضوء واجباً نفسياً، استتبع تركه العقاب. وإن كان واجباً غيرياً، آل تركه إلى ترك الواجب النفسي المقيَّد (وهو الصلاة مع الطهارة)، فاستتبع العقاب من تلك الجهة. وأما في المقابل، فإنّ «لزوم التقييد» و«العقاب على ترك التقييد» فغير معلومين. وعليه، فإنّ «التقييد» يكون، على أقل تقدير، مجرىً للبراءة العقلية (وهي قبح العقاب بلا بيان)؛ وإن لم يكن مجرىً للبراءة الشرعية بناءً على المقدمة الأولى.
إشكال السيد الروحاني: إنّ هذا التحليل يرجع في حقيقته إلى العلم الإجمالي الأول نفسه، ولا يحلّ الإشكال. ولماذا؟ لأنكم قلتم: إنّه لو ثبت العقاب على ترك الوضوء في فرض الغيرية، فإنّ هذا هو بعينه العقاب على ترك «الواجب المقيَّد». وعليه، فإنّ «ترك التقييد» ليس طرفاً مستقلاً في قبال «ترك الوضوء»، بل هو أحد المنشأين المحتملين للعقاب على «ترك الوضوء». وببيانٍ أجلى: إننا نعلم إجمالاً بأنّه إمّا أن يكون «الوضوء لازماً نفساً»، وإمّا أن يكون «التقييد لازماً». والثمرة العملية في مقام العقاب هي: إمّا أن يكون العقاب على «ترك الوضوء» (إن كان نفسياً). وإمّا أن يكون على «ترك الصلاة المقيَّدة» (إن كان غيرياً). فكل طرفٍ منهما يقع موضوعاً لـ«قبح العقاب بلا بيان»، ويكون جريان البراءة العقلية في أحدهما معارَضاً بجريانها في الآخر. وعليه، فلا البراءة الشرعية جاريةٌ في «التقييد» (بناءً على المقدمة الأولى)، ولا البراءة العقلية (بناءً على هذا التحليل للعلم الإجمالي). فمسلك ترجيح «التقييد» بوصفه مجرىً للبراءة يكون مسدوداً إذن. فالمتحصّل هو أنّ تعارض البراءتين قائم، وتصل النوبة إلى الاحتياط (أي: توضأ وصلِّ بوضوء).
بعد أن عرض صاحب «منتقى الأصول» المقدمتين اللتين يُراد بهما إحكام نقد السيد الخوئي، فإنه يعتبرهما كلتيهما مخدوشتين. وفي ما يتصل بالمقدمة الأولى، يقول (قده):
و لكن التحقيق عدم تمامية كلتا المقدمتين، و ما ذكره المحقق النائيني من دعوى الانحلال وجيه، و ذلك:
اما المقدمة الأولى: فلان أساسها هو عدم قابلية الوجوب الغيري لجريان البراءة فيه. و هذا مسلم في الجملة لا مطلقا، و ذلك لأن الوجوب الغيري المستفاد من الوجوب النفسيّ المتعلق بذي المقدمة أمر ذاتي لازم له غير قابل للوضع و الرفع، و لكن قد يلتفت الآمر إلى المقدمات فينشئ حكما خاصا بها، كما لو قال: «ادخل السوق و اشتر اللحم»، فان الأمر بالمقدمة في مثل الحال أمر مجعول قابل للجعل و الرفع، فيمكن إجراء البراءة فيه مع الشك.
و بالجملة: عدم جريان البراءة فيما لا إنشاء له مستقلا من الوجوبات الغيرية مسلم لعدم كونه مجعولا شرعيا، بل هو لازم تكويني - كما يأتي تحقيقه -. و اما ما له إنشاء مستقل و جعل خاص، فلا مانع من إجراء البراءة فيه، لأنه حكم مجعول قابل للوضع و الرفع. و ما نحن فيه من هذا القبيل، إذ المفروض تعلق الأمر بالوضوء المردد بين كونه نفسيا أو غيريا، فعلى تقدير كونه غيريا يكون من النحو الّذي تجري فيه البراءة. و عليه فوجوب الوضوء - فيما نحن فيه - قابل لجريان البراءة بكلا نحويه، لكنه لا يكون مجرى البراءة بعد العلم به على كل حال، فينحل العلم الإجمالي و يكون أصل البراءة في طرف التقيد بلا معارض.[9]
وتفصيل النقد هو أنّ الواجب الغيري على قسمين:
1- الوجوب الغيري الترشّحي: وهو مجرد لازمةٍ عقليةٍ للوجوب النفسي لذي المقدِّمة؛ فهو لا يقبل الجعل ولا الرفع الشرعيين، فلا يشمله حديث «رفع ما لا يعلمون».
2- الوجوب الغيري ذو الإنشاء المستقل: وهو أن يتصدى المولى بنفسه لإنشاء إلزامٍ مستقل بالمقدِّمة (ولو بداعي التوصّل إلى ذي المقدِّمة). وهذا الحكم المولوي يُعَدُّ «مجعولاً قابلاً للوضع والرفع»، فيكون مشمولاً لحديث الرفع.
وتطبيق ذلك على ما نحن فيه هو: في محل النزاع، فإنّ أمر الشارع بالوضوء قد ورد بإنشاءٍ مستقل؛ والشك إنما هو في داعي الجعل (نفسي/غيري)، لا في أصل المجعولية. وعليه، فلو كانت الغيرية هي المرادة، لكانت من سنخ «الغيري ذي الإنشاء»، وتكون البراءة الشرعية جاريةً في نفيها. والنتيجة الأصولية هي: أنّه بما أنّ أصل وجوب الوضوء معلومٌ على كل حال، فإنّ الوضوء نفسه لا يكون مجرىً للبراءة. وأما «وجوب التقييد» في جانب الصلاة، فبوصفه حيثيةً شرعيةً مستقلة، يكون مجرىً للبراءة. وبجريانها، ينحلّ العلم الإجمالي «حكماً»، ولا ينعقد أصلٌ معارِضٌ في طرف الوضوء. والمتحصّل هو: أنّ كبرى جريان حديث الرفع إنما هي ناظرةٌ إلى الموارد التي يُحرَز فيها «إنشاءٌ مولويٌ مستقل». فلو كانت الإرشادية محرزة، لكان وجه البحث مختلفاً. ولكن في ما نحن فيه، وبناءً على فرض المسألة، فإنّ «الأمر بالوضوء» مفروضٌ كونه مجعولاً شرعياً، وإنما يدور الأمر بين النفسية والغيرية في مقام الجعل. وعلى هذا الفرض، فلا مانع من شمول حديث الرفع لـ«الغيرية المجعولة».
إنّ صاحب «منتقى الأصول»، بعد أن عرض المقدمة الثانية التي يُراد بها إحكام إشكال آية الله الخوئي، يصرّح بأنّ منع البراءة العقلية في هذا المقام لا ينفي مبنائياً كلام المحقق النائيني؛ وذلك لأنّ المحقق النائيني ملتزمٌ في هذا الفرض نفسه بـ«الانحلال الحكمي». حيث يقول (قده):
فنورد عليها فعلاً بأنه لم يلتزم بعدم الانحلال في مثل هذه الصورة حكماً، بل التزم بالانحلال، فالإيراد عليه فعلاً جدلي.[11]
يقول صاحب «المنتقى»:
هذا كله حول ما ذكره في تعليقته على: «أجود التقريرات» من تقريب عدم جريان البراءة بتشكيل العلم الإجمالي بوجوب الوضوء نفسيا أو وجوب التقيد نفسيا ... و لكنه في تقريرات بحثه قرر العلم الإجمالي بنحو آخر ... و هو: انا نعلم إجمالا بوجوب الوضوء نفسيا، أو وجوبه غيريا ... .[12]
ولرفع الإشكال الأخير، اقتُرح تقريرٌ هو كالتالي:
فلا بد من تتميم هذا البيان بأن يقال: ان هناك علماً إجمالياً آخر متعلقاً بالوجوب النفسيّ المردد بين الوضوء و التقيد، فلدينا علمان إجماليان ذو أطراف ثلاثة لاشتراك أحد الطرفين فيهما ... و عليه، فيقال: ان جريان البراءة في كل من أطراف هذين العلمين معارض بجريانه في الطرف الآخر ... .[13]
نقد صاحب «المنتقى»:
و أنت خبير: بأن هذا الوجه إنما يجدي ... لو فرض ان لكل من خصوصيتي النفسيّة و الغيرية أثراً خاصاً بها غير أصل الإلزام ... و لكن الأمر ليس كذلك، إذ ليس لكل منهما أي أثر إلزامي. و عليه فليست النفسيّة و الغيرية موضوعاً لأصل البراءة ... و أما أصل وجوب الوضوء فهو معلوم غير قابل لإجراء البراءة فيه، فتكون البراءة من وجوب التقيد بلا معارض ... .[14]
المتحصّل: بما أنّ لـ«النفسية» و«الغيرية» بما هما هما أثراً إلزامياً مستقلاً، فإنهما لا يقعان مجرىً مستقلاً للبراءة حتى يشكّلا معارِضاً للبراءة من التقييد. ومن جهةٍ أخرى، فإنّ «أصل وجوب الوضوء» معلوم، فلا يكون مجرىً للبراءة. وعليه، فإنّ البراءة من التقييد تجري بلا معارض، ويكون العلم الإجمالي منحلاً حكماً. النتيجة والثمرة العملية: بناءً على مبنى المحقق النائيني، تجري «أصالة البراءة عن التقييد» في جانب الصلاة، فتتحصّل «نتيجة الإطلاق»، ويسقط العلم الإجمالي عن التنجيز؛ ويبقى المكلف مخيَّراً في ترتيب الامتثال. وبناءً على مبنى المحقق الخوئي في التعليقة، فمع فرض تعارض البراءتين وعدم الانحلال، تصل النوبة إلى الاحتياط، ويلزم تقديم الوضوء. إلا أنّ هذا المبنى منوطٌ بإنكار حكومة الأصل الموضوعي وإثبات وجود معارِضٍ مؤثر، وهو ما يعتبره السید الروحاني غير تامّ.
فالمقدمة الثانية إذن، بناءً على تقرير صاحب «المنتقى»، غير تامة. فإنّ منع البراءة العقلية المرتكز على «البيان الإجمالي الشامل للتقييد» هو منعٌ جدلي؛ إذ إنّه يفترض مسبقاً عدم وقوع الانحلال الحكمي وعدم جريان الأصل الموضوعي. والحال أنّ الصحيح مبنىً هو أنّ «أصالة البراءة عن التقييد» جاريةٌ وحاكمةٌ بوصفها أصلاً موضوعياً، فتُخرِج الغيريةَ المتقوِّمة بالتقييد عن مدار الأثر، وينحلّ العلم الإجمالي بذلك حكماً. والنتيجة هي التخيير العملي للمكلف في ترتيب الامتثال.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
----------------------------
[1]- محمدحسین نائینی، أجود التقریرات، با ابوالقاسم خویی (قم: مطبعة العرفان، 1352)، ج 1، 169.
[2]- نفس المصدر.
[3]- محمد الروحانی، منتقی الأصول (قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413)، ج 2، 222.
[4]- نفس المصدر.
[5]- المقرِّر:
شروط إبطال الانحلال الحكمي وصلته بمبنى المحقق الخوئي
لكي يتمّ إبطال مبنى المحقق النائيني في «الانحلال الحكمي» وينتهض نقد المحقق الخوئي تامّاً، لا بد من تحقق واحدٍ أو أكثر من الأمور التالية:
الشرط الأول: إثبات الأثر المستقل للأصل المقابل في جانب الوضوء
فلو أمكن إثبات أنّ «البراءة من نفسية الوضوء» ترفع إلزاماً زائداً (كنحو ما لو كانت النفسية ملازمةً للزوم الإتيان بالوضوء في ظرفٍ لا يكون فيه إلزامٌ على تقدير الغيرية)، فعندئذٍ، يغدو الأصل المقابل مؤثراً، ويكتسب صلاحية المعارضة مع الأصل النافي للتقييد. وإنّ مبنى المحقق الخوئي يرتكز في حقيقته على هذه الصورة بالذات؛ وهي جعل إلزامين مردَّدين في ظرفين يكون كلٌّ منهما قابلاً للامتثال أو المخالفة.
الشرط الثاني: تحويل الأصل النافي للتقييد من «موضوعي» إلى «حكمي» أو إنكار حكومته
فلو اعتُبرت «البراءة من التقييد» أصلاً حكمياً يقع في عرض «البراءة من النفسية» — لا أصلاً موضوعياً ينقِّح موضوع الأثر — لتقوّى حينئذٍ التنافي بين الأصلين في أطراف العلم الإجمالي، ولكانت دعوى التعارض مسموعة.
الشرط الثالث: عدم انحصار أثر الغيرية في تقييد الصلاة
فلو أمكن تصوير ثمرةٍ مستقلةٍ للغيرية — غير تقييد الصلاة — (كالتفاوت في سعة نطاق العقاب أو ضيقه، أو في كيفية الامتثال على نحوٍ لا يتأثر بتنقيح عدم التقييد)، فإنّ نفي التقييد حينئذٍ لا يُسقِط الطرف المؤثر في العلم الإجمالي على نحوٍ كامل، ويبقى العلم الإجمالي منجِّزاً.
الشرط الرابع: إحراز عدم الانحلال العرفي للعلم الإجمالي
فلو أمكن إثبات أنّ العلم الإجمالي لا ينحلّ عرفاً بمجرد إجراء الأصل في أحد طرفيه (لكون كلا الطرفين لا يزال محتملاً لإلزامٍ فعلي مع إمكان المخالفة)، لما تمّ الاستناد إلى «الانحلال الحكمي»، ولكان المقام مقام تعارض الأصول والاحتياط.
الشرط الخامس: الالتزام بمنجِّزية العلم الإجمالي في التدريجيات على نحوٍ يشمل هذا المورد
مع أنّ هذا الشرط ناظرٌ إلى الصورة الثانية، إلا أنّه لو تُوسِّع في مبنى المحقق الخوئي بحيث يشمل المقام أيضاً، فيُعَدُّ «العلم الإجمالي المتعلق بأوصاف الإلزام» منجِّزاً، لتقوّى بذلك مسلك سدّ باب البراءة. وأما في المقابل، فلو كانت منجِّزية التدريجيات محل منع، أو اعتُبرت موضوعات الأصول متغايرة، لبقي باب الانحلال الحكمي مفتوحاً.
[6]- الروحانی، نفس المصدر.
[7]- نفس المصدر، 222-223.
[8]- نفس المصدر، 223.
[9]- نفس المصدر، 223-224.
[10]- المقرِّر: بناءً على مبنى المشهور، فإنّ أدلة «الرفع» تجري في الشكوك الوضعية الشرعية (كالجزئية والشرطية)؛ وذلك لأنّ موضوعها هو «ما لا يعلمون» على نحو الامتنان، وهو يشمل القيود التشريعية للعبادات. وعلى هذا المبنى، فإنّ «أصالة البراءة عن التقييد» في جانب الصلاة تامة. وبنفي التقييد بواسطة الأصل الموضوعي، ينتفي الطرف المؤثر في العلم الإجمالي (وهو الغيرية المتقوِّمة بالتقييد)؛ وعليه، فإنّ العلم الإجمالي ينحلّ «حكماً» ويزول تنجيزه. وأما دعوى بقاء التعارض، فهي متفرّعةٌ على إنكار حكومة الأصل الموضوعي أو إثبات أثرٍ مستقل للبراءة المقابلة، وكلاهما مخدوش.
[11]- الروحانی، منتقی الأصول، ج2، 224.
[12]- نفس المصدر.
[13]- نفس المصدر، 225.
[14]- نفس المصدر.
- الروحانی، محمد. منتقی الأصول. ۷ ج. قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413.
- نائینی، محمدحسین. أجود التقریرات. با ابوالقاسم خویی. ۲ ج. قم: مطبعة العرفان، 1352.
نظری ثبت نشده است .