درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٢٩


شماره جلسه : ۲۴

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • الإشكال الرابع للسيد الخوئي (قده) على المسلك الأوّل: لزوم تعدّد العقاب عند ترك جميع الأطراف

  • إشكال وحدة العقاب في التقرير الأوّل للمسلك الثاني وعلاقته بالتسهيل الامتثالي

  • المسلك الثاني في تحليل حقيقة الواجب التخييري: الغرض الواحد النوعيّ ومقولة «وجوب الجميع على نحو الترخيص»

  • الإشكال الأوّل للسيد الخوئي (قده) على المسلك الثاني

  • دفع الإشكال عبر التفکيك بين صعيدَي الثبوت والإثبات

  • تحديد دقيق لموضوع البحث: التخيير الشرعي في مقابل التخيير العقلي

  • الإشكال الثاني للسيد الخوئي (قده) على المسلك الثاني

  • دفع الإشكال من منظار ثبوتيّ: إمكانية فرض الغرض الواحد لا تستلزم دعوى الكشف عن الغيب

  • الإشكال الثالث للسيد الخوئي (قده): طرح مسلكٍ رابع وهو «الجامع الانتزاعي» بديلاً عن «وجوب الجميع»

  • الإشكال الرابع للسيد الخوئي (قده): لزوم محذور تعدّد العقاب

  • المصادر

الجلسات الاخرى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین



 
خلاصة البحث السابق

عُرضت في البحث السابق الصياغةُ الفنيّة التي قدّمها المحقّق الأصفهاني للمسلك الثاني في حقيقة الواجب التخييري، ثمّ استُعرض النقد الذي وجّهه إليه السيّد الخوئي. وللمسلك الثاني بيانان، يرجع الأوّل منهما التخييرَ الظاهريّ إلى «واجباتٍ تعيينيّةٍ مشروطة»؛ فيكون كلّ بدلٍ واجباً على نحو التعيين، ولكنّه مشروطٌ بعدم الإتيان بعدله الآخر. وقد صحّح المحقّق الإصفهاني هذه البنية على أساسٍ ملاكيّ، بافتراض وجود «مصلحةٍ في التسهيل والإرفاق» إلى جانب المصالح الملزمة القائمة في كلّ بدل، وهي التي تقتضي الترخيص البدليّ؛ بمعنى أنّ الإتيان بأحدها يجعل ترك سائر البدائل مأذوناً فيه. وبهذا، يكتسب سقوط الوجوب التعيينيّ عن سائر الأطراف تبريراً ملاكيّاً ناشئاً من مصلحة التسهيل، فترتقي النظريّة من مجرّد صياغةٍ لفظيّة إلى تحليلٍ ملاكيّ-حكميّ. ويتكوّن الإشكال الثالث للمحقّق الخوئي من محورين أساسيّين: 1- إثبات كفاية «مصلحة التسهيل» لجعل الترخيص؛ فإنّ الترخيص في ترك الواجب يفتقر إلى حجّةٍ إثباتيّة، ومجرّد الفرض الثبوتي لا يكفي. 2- أنّه على فرض كفاية مصلحة التسهيل، فإنّ هذه المصلحة بعينها ستكون مانعةً من أصل جعل الوجوب على جميع الأطراف، وتكون النتيجة القهريّة هي القول بـ«وجوب أحدها». يُضاف إلى ذلك أنّه حتّى مع التسليم بوجوب الجميع، تبقى دعوى «السقوط بامتثال البدل» فاقدةً للمقتضي؛ إذ لا يسقط التكليف إلا بامتثاله نفسه، أو بالعجز عنه، أو بنسخه. ويشكّل تحليل الميرزا النائيني —القائم على التفكيك بين «التزاحم الملاكي» و«التزاحم بعد الخطاب»— الخلفيّة النظريّة لنقد السيّد الخوئي؛ فإنّ اشتراط «عدم الإتيان بالآخر» إنّما يُعقل في حيّز التزاحم الامتثالي، أمّا في حيّز التزاحم الملاكي، فإنّ الملاك التامّ لا يتعدّد، وتكون النتيجة هي «وجوب أحدها». وقد طُرح للدفاع عن المحقّق الأصفهاني طريقٌ يقوم على إدراج «مصلحة التسهيل» في ساحة الامتثال لا في ساحة الملاك، مع توسعة نطاق التزاحم الامتثالي من «عدم القدرة على الجمع» ليشمل «مشقّة الجمع» أيضاً. وعلى هذا الفرض، يمكن الجمع بين «الوجوب التعيينيّ الثبوتيّ لكلّ بدل» و«الترخيص الامتثاليّ البدلي»؛ وإن كان ذلك يظلّ في مقام الإثبات متوقّفاً على دلالة الأدلّة أو قيام بناءٍ عقلائيٍّ على هذا المستوى من الإرفاق. فالحاصل أنّ إقحام مصلحة التسهيل في عالم الامتثال يفتح الباب أمام إمكانيّة الحفاظ على صياغة المحقّق الأصفهاني، بينما يؤدّي إقحامها في عالم الملاك إلى تأييد نقد الميرزا النائيني والسيّد الخوئي.

الإشكال الرابع للسيد الخوئي (قده) على المسلك الأوّل: لزوم تعدّد العقاب عند ترك جميع الأطراف

فبناءً على مسلك «الوجوبات التعيينيّة المشروطة»، حيث تكون كلُّ واحدةٍ من خصال الكفّارة واجبةً على نحو التعيين، ويكون جوازُ تركها مقيّداً بـ «الترك إلى بدل»، فإنّ اللازم القهريّ لهذه الصياغة التحليليّة، بحسب ما يراه السيد الخوئي (قدس سره)، هو ضرورة الالتزام بتعدّد العقوبة في فرض «ترك جميع البدائل».

وتقرير هذا الإشكال: أنّ قيد جواز الترك، بحسب هذا المسلك، هو أنّ «الترك لا يجوز إلّا إلى بدل». وعليه، فإنّ الإذن في ترك أيٍّ من البدائل إنّما يثبت في فرض الإتيان ببديلٍ آخر، وليس إذناً مطلقاً. وعلى هذا الأساس، يتمّ المقتضي لاستحقاق العقاب ويفقد المانع. ففي فرض «ترك الجميع»، يصدق على ترك كلِّ واحدٍ من الواجبات أنّه قد وقع «بلا بدل»؛ وبذلك يكون المقتضي لاستحقاق العقاب تامّاً ومتحقّقاً في كلِّ واحدٍ منها على حدة، ويكون المانع (وهو الإتيان بالبديل الآخر) مفقوداً. فاللازم القهريّ هو ثبوت استحقاق العقاب بالنسبة إلى ترك كلِّ واحدٍ من هذه الواجبات المشروطة، وهو ما يعني «تعدّد العقاب». وهذا يجري على نسق ما ثبت في بحث الترتّب، من أنّه لو ترك المكلّف الأهمّ والمهمّ معاً لاستحقّ عقابين؛ فالقياس هنا هو القياس نفسه.

فالنتيجة هي أنّه حيث إنّ القول بـ«تعدّد العقاب» في الواجب التخييري هو ممّا «لم يلتزم به أحد»، فإنّ المسلك الأوّل للمحقّق الأصفهاني، إذا ما أُرْجِعَ إلى «الوجوبات التعيينيّة المشروطة»، سينتهي إلى ثمرةٍ غير قابلة للالتزام، فيكون بذلك مخدوشاً. نعم، إنّ الجواب الذي قد يطرحه المدافعون عن هذا المسلك — والقائم على أنّ مناط وحدة العقاب هو عنوان «ترك ما لا يجوز تركه» — سيأتي بيانه في محلّه؛ إلّا أنّه في مقام النقض بلوازم القول وثمراته، يبقى استدلال السيد الخوئي تامّاً وسليماً. ويشير السيد الخوئي (قدس سره) إلى هذا المطلب بقوله:

لو تنزّلنا عن ذلك… ولاكن لازم ذلك هو الالتزام… باستحقاق العقاب على ترك كلٍّ منها… فإنّه لا يجوز تركُ الواجب بدون الإتيان ببدله… فبكلمة أخرى إنّ تركَ كلِّ واحدٍ منها مُقتضٍ لاستحقاق العقاب… والمانع منه إنّما هو الإتيانُ بالآخر، فإذا فُرض أنّه لم يأتِ به أيضاً… فلا مانع… فيكون العقابُ عندئذٍ على الجمع بين التروك… مع أنّه لا يمكن الالتزامُ بتعدّد العقاب في المقام أبداً… .[1]

إشكال وحدة العقاب في التقرير الأوّل للمسلك الثاني وعلاقته بالتسهيل الامتثالي

في التبيين الأوّل للمسلك الثاني، يتمُّ تحليل الواجب التخييري إلى مجموعةٍ من «الوجوبات التعيينيّة المشروطة». وحاصل هذا التصوير أنّ كلَّ واحدةٍ من خصال الكفّارة — كعتق الرقبة، وإطعام ستّين مسكيناً، وصيام ستّين يوماً — هي واجبٌ تعيينيٌّ قائمٌ بذاته وذو ملاكٍ تامّ. فالغرض في كلٍّ منها مستقلٌّ عن الآخر، وهي على حدّ تعبير المحقّق الأصفهاني (قده) «متباينةٌ غير متقابلةٍ وقابلةٌ للجمع»، وإنّما يسقط الإلزام بكلٍّ منها على نحوٍ مشروطٍ بالإتيان بالبديل، أي: «يجوز تركه إلى بدل». فظاهر التكليف وإن كان واحداً، إلّا أنّه ينحلُّ في عالم الثبوت إلى ثلاثة وجوباتٍ تعيينيّةٍ مشروطة. وتقرير الإشكال الذي أورده السيد الخوئي (قده) هو أنّه بناءً على هذا المبنى، لو ترك المكلّف جميع البدائل ولم يتحقّق منه أيُّ بدلٍ، فإنّ مقتضى الصناعة هو القول بتعدّد العقاب. وذلك لأنّه بترك الجميع يكون شرط كلِّ إلزامٍ ـ وهو «عدم الإتيان بالبديل الآخر» ـ متحقّقاً بالنسبة إلى سائر الإلزامات، فتكون جميعها فعليّةً ومُنجَّزةً، فيكون المكلّف قد خالف ثلاثة تكاليف فعليّة. وعليه، فإنّ الالتزام بوحدة العقاب في ظلّ هذه البنية التحليليّة يغدو بلا وجهٍ صناعيٍّ مقبول، وهو ما يصطدم مع الارتكاز العقلائي والسيرة الفقهيّة في باب الواجب التخييري، اللذين يقضيان بأنّ ترك الجميع يمثّل عصياناً واحداً لا متعدّداً.

مناقشة الجواب القائم على التسهيل الامتثالي: إنّ محاولة المحقّق الأصفهاني (قدس سره) لترسيخ وحدة العقاب عبر التمسّك بـ «مصلحة التسهيل والإرفاق» لا تنهض بحلّ الإشكال. وذلك لأنّ هذا التسهيل — بحسب ما يستفاد من قرائن كلامه — إنّما يقع في مقام الامتثال، ومؤدّاه أنّ «واحداً منها يكفي». وهذا الترخيص الامتثالي لا يسري بطبعه إلى «التسهيل في صعيد العقاب». وعليه، فإذا لم يأتِ المكلّف بأيٍّ من البدائل، ينتفي موضوع الترخيص الامتثالي بالمرّة، ويبقى في عهدته ثلاثة واجباتٍ تعيينيّةٍ قد تُرِكَت بأجمعها. إلّا أن تُقام دعوى الملازمة بين التسهيل في الامتثال والتسهيل في العقاب والثواب؛ بيد أنّ هذه الملازمة لم يثبت عليها برهان، ولا هي ممّا يُستفاد بوضوحٍ من كلمات المحقّق الأصفهاني نفسه. وإن قيل بأنّ «نفس ملاك التسهيل» هو الذي يمنع من تعدّد العقاب، فالكلام يدور بين أمرين: فإمّا أن يؤول هذا إلى القول بالتسهيل في مرحلة الملاك نفسه — وهو ما ينافي فرضيّة تماميّة الملاك في كلِّ طرفٍ ويُعدّ هدماً لأساس هذا التقرير من أصله — وإمّا أنّه يفتقر إلى إثبات تلك الملازمة عينها التي لم تثبت.

ويمكن تقريب الفكرة بالقياس على باب التزاحم؛ ففي باب تزاحم الأهمّ والمهمّ، لو أتى المكلّف بالأهمّ وترك المهمّ لعدم إمكان الجمع بينهما، فلا مؤاخذة عليه في جانب المهمّ. ولكنّه لو تركهما معاً، لتحقّق منه تركُ تكليفين، ويلزم من ذلك — على المشهور — تعدّدُ العقاب. وفي مقامنا هذا أيضاً، وبناءً على هذا المسلك، يُفترض وجودُ عدّة واجباتٍ تعيينيّةٍ «في صلب الواجب التخييري» نفسه. فبترك الجميع (من دون بدل)، يكون اللازمُ القهريُّ لهذا المبنى هو تعدّد العقاب. فالنتيجة إذن هي أنّ اللوازم الثبوتيّة للمبنى في التقرير الأوّل للمسلك الثاني لا تجتمع مع القول بوحدة العقاب. وعليه، يكون إشكال المحقق الخوئی — الدائر حول لزوم تعدّد العقاب في فرض ترك الجميع — إشكالاً وجيهاً ومقبولاً.[2]

المسلك الثاني في تحليل حقيقة الواجب التخييري: الغرض الواحد النوعيّ ومقولة «وجوب الجميع على نحو الترخيص»

وحاصلُ هذا المسلك أنّ الملاك في جعل الوجوب على خصال الكفّارة وأمثالها يرجع إلى غرضٍ واحدٍ نوعيّ، فكلُّ واحدةٍ من هذه الخصال الثلاث — كعتق الرقبة، وإطعام ستّين مسكيناً، وصيام ستّين يوماً — تمتلك الصلاحيّة التامّة لتحقيق ذلك الغرض واستيفائه. وعلى هذا الأساس، فبمجرّد الإتيان بفردٍ واحدٍ منها يستوفىٰ ذلك الغرض النوعيّ، فلا يبقى بعدئذٍ أيُّ ملاكٍ أو مقتضٍ لإيجاب الخصلتين الباقيتين من حيثيّة تحقيق ذلك الغرض. وعليه، تكون نسبة كلّ واحدةٍ من هذه الخصال إلى ذلك الغرض الواحد نسبةً متساويةً وعلى السواء، من دون أن يكون هناك أيُّ تقدّمٍ أو أسبقيّةٍ ملاكيّةٍ لبعضها على البعض الآخر. وفي مقام تعيين متعلَّق هذا الوجوب، تُطرح احتمالاتٌ ثلاثة:

الأوّل: أن يتعلّق الوجوب بأحدِ هذه الخصال لا على التعيين، أي بالفرد المردَّد. وهذا الاحتمال باطلٌ عقلاً، وذلك لأنّ الفرديّة مساوقةٌ للتشخّص، والفردُ المردَّد بما هو مردَّدٌ لا تحقّق له في وعاء الخارج، وما لا وجود له لا يصلح أن يكون متعلَّقاً للبعث والإيجاب.

الثاني: أن يتعلّق الوجوب بواحدٍ معيّنٍ منها. وهذا يقتضي الترجيحَ بلا مرجِّحٍ، وذلك بعد أن افترضنا تساويَ نسبة جميع الخصال إلى الملاك والغرض المطلوب، فلا وجه لتعيين واحدٍ منها دون الآخر.

الثالث: وعليه، فمع بطلان كلا الاحتمالين المتقدّمين، يتعيّن القول بوجوب الجميع. وبذلك تكون الصورة النهائيّة للجعل الشرعي هي عبارة عن: «الوجوب التعيينيّ على كلِّ واحدٍ من هذه الخصال، المقترن بالترخيص في تركه عند الإتيان بأحد بدائله». وهذا هو ما يصطلح عليه بـ «الوجوب التعييني الترخيصي».

وليس المراد من مقولة «وجوب الجميع» على هذا التقرير هو الوجوب التعيينيّ المحض الانحلاليّ، الذي يستلزم ضرورة الجمع بين الخصال في مقام الامتثال؛ بل المقصود هو نحوٌ خاصٌّ من الوجوب يُرخَّص معه في ترك أيٍّ من البدائل عند الإتيان بالآخر. وبتعبيرٍ أكثر دقّة، إنّ الخصال الثلاث تدخل بأجمعها وعلى نحو التعيين في دائرة الإلزام، إلّا أنّ هناك حيثيّةً ترخيصيّةً مقترنةً بهذا الجعل، تقتضي الإذنَ في ترك الخصلتين الباقيتين عند تحقّق واحدةٍ منها، وذلك لاستيفاء الغرض الواحد المنشود. والركيزة الأساس لهذا التصوير ترجع إلى علم المكلّف الإجماليّ بضرورة أن يتحقّق في الخارج وجودٌ واحدٌ على الأقل من هذا السنخ من الغرض. وحيث إنّ تحصيل هذا الغرض ممكنٌ بكلِّ واحدٍ من هذه الأفعال على حدة، ولا مرجّح لتعيين خصوص أحدها دون سواه، فقد أدخل الشارعُ الجميعَ في دائرة الإلزام، فمتى ما تحقّق واحدٌ منها، يرتفع موضوع الإلزام عن البقيّة — بملاك استيفاء الغرض — ارتفاعاً موضوعيّاً.

والفارق الجوهريّ بين هذا المسلك وسابقه يكمن في أنّ المسلك الأوّل يفترض أنّ لكلِّ واحدٍ من البدائل غرضاً مستقلاً وملاكاً تامّاً في نفسه، فتكون المحصّلة هي القول بوجود ثلاثة وجوباتٍ تعيينيّةٍ مشروطة. وأمّا في المسلك الثاني — الذي نحن بصدده — فالغرضُ واحدٌ، وما كلُّ خصلةٍ من تلك الخصال إلّا طريقٌ ومُوصلٌ إلى ذلك الغرض الأوحد. ومن هنا تتأتّىٰ معقوليّةُ فكرة «وجوب الجميع على نحو الترخيص»؛ إذ يوجد إلزامٌ ابتدائيٌّ متوجّهٌ إلى الجميع، ولكنّه يسقط عن البقيّة بمجرّد الإتيان بفردٍ واحدٍ منها، وذلك لاستيفاء الغرض بالكامل. وفي هذا السياق، يقول المحقّق الأصفهاني (قدس سره):

و يمكن فرض نظيره فيما إذا كان الغرض المرتّب على الخصال واحداً نوعيّاً… فحيث إنّ نسبة الكلّ إلى ذلك الواحد اللزومي على السويّة، فيجب الجميع؛ لأنّ إيجاب أحدها المردّد محال، و إيجاب أحدها المعيّن تخصيص بلا مخصّص، و حيث إنّ وجوداً واحداً منه لازم، فيجوز ترك كلٍّ منها إلى بدل… كذلك الإيجاب التخييري في هذا الفرض؛ لأنّ أصل الإيجاب عن مصلحة و تجويز الترك عن وحدانيّة اللازم منها في نظر الشارع.[3]

كما يوضّح السيد الخوئي (قدس سره) هذا المسلك بقوله:

الثاني: أن يُفرض أنّ الغرض المترتّب على الخصال… واحدٌ نوعيّ… إلّا أنّ الإلزاميّ من ذلك الغرض وجودٌ واحدٌ منه… فلذا يجب الجميع… ومن ناحيةٍ أخرى حيث إنّ وجوداً واحداً من ذلك الغرض لازم، فلأجل ذلك يجوز ترك كلٍّ منها عند الإتيان بالآخر.[4]

الإشكال الأوّل للسيد الخوئي (قده) على المسلك الثاني

وقد أورد السيد الخوئي (قدس سره) على هذا المسلك إشكالاً محوريّاً حاصلُه أنّ هذا التصوير للوجوب التخييري يصطدم بالظهور الأوّليّ للأدلّة. وذلك بحسب تصريحه بأنّ الظاهر من العطف بأداة الترديد «أو» إنّما هو «وجوب أحد الأطراف على البدل»، لا «وجوب الجميع على نحوٍ يكون كلُّ طرفٍ واجباً مشروطاً بترك الآخر». وهو ما أفاده (قدس سره) بقوله:

وأمّا تفسيرُها الثاني فيُردُّه: أوّلاً أنّه خلافُ ظاهرِ الدليل، فإنّ الظاهرَ كما عرفتَ وجوبُ أحدِ الأطراف أو الطرفين لا وجوبُ الجميع.[5]

دفع الإشكال عبر التفکيك بين صعيدَي الثبوت والإثبات

والذي ينبغي أن يقال في مقام دفع هذا الإشكال هو ضرورة التفريق بين مرحلتين من البحث: مرحلة الثبوت ومرحلة الإثبات. فإنّ محور البحث في المقام ليس بحثاً إثباتياً يتعلّق بظواهر الأدلّة، بقدر ما هو محاولةٌ لتقديم تحليلٍ ثبوتيٍّ وتصوير الكيفيّة المعقولة التي يمكن أن يقوم عليها الجعل التشريعيّ للوجوب التخييري في عالم التقنين. وعلى هذا الأساس، فإنّ التمسّك بمخالفة الظهور — وإن كان مؤثّراً في مرحلة الإثبات — لا ينهض في هذا الصعيد الثبوتيّ لدحض هذه المحاولة التحليليّة من أساسها أو نفي إمكانها العقلي. والشاهد على ذلك أنّ أصحاب هذا المسلك أنفسهم — وفي مقدّمتهم المحقّق الأصفهاني (قده) — يقرّون بأنّ قراءتهم هذه لا تنسجم مع ظاهر اللفظ ابتداءً، إلّا أنّهم يرون أنفسهم مدفوعين إلى هذا النحو من التحليل والتصوير، وذلك لأنّ الأخذ بالظاهر المجرّد يعجز عن حلّ المعضلة الكامنة في حقيقة التخيير الشرعي ثبوتاً. وأمّا البحث عن مدى تماميّة هذا المسلك من الناحية الإثباتيّة ومطابقته للأدلة، فيأتي الكلام عنه في مرحلة لاحقة.

تحديد دقيق لموضوع البحث: التخيير الشرعي في مقابل التخيير العقلي

ولا بدّ من توضيح أنّ محور البحث هنا هو «التخيير الشرعي» لا «التخيير العقلي». ففي التخيير العقلي، يكون متعلَّق الوجوب هو القدر الجامع بين الأفراد، ويتولّى العقل بنفسه الحكم بالتخيير بين مصاديقه الخارجيّة؛ كمثال «جئني بإنسانٍ»، حيث يكون الجامع الحقيقيّ واضحاً، ويكون التخيير بين أفراده أمراً عقلائيّاً محضاً. وأمّا في التخيير الشرعي — كما في خصال الكفّارة — فإنّ تصوير جامعٍ حقيقيٍّ بين هذه الأطراف المتباينة ليس بالأمر الميسور، ومن هنا تنشأ الحاجة الضروريّة إلى تقديم تحليلٍ ثبوتيّ لحقيقة هذا التخيير وكيفيّته. فالمقصود إذن في هذا الإطار هو الكشف عن حقيقة «الوجوب التخييري الشرعي» بما هو كذلك، لا إرجاعُه إلى التخيير العقليّ المعهود. وعلى هذا، فإنّ إشكال مخالفة الظاهر، وإن كان له وزنه في مرحلة الإثبات، إلّا أنّه لا يُعدُّ قاطعاً أو حاسماً في صعيد البحث عن الإمكان الثبوتي. فإنّ مدّعىٰ هذا المسلك الثاني هو أنّه بالإمكان ثبوتاً تحليلُ حقيقة «الوجوب التخييري الشرعي» إلى مجموعةٍ من «الوجوبات التعيينيّة المقترنة بالترخيص»، ثمّ في مرحلة لاحقة — أي في مقام الإثبات — يُصار إلى محاولة التوفيق بين هذا التصوير الثبوتي وبين لسان الأدلّة وظاهرها.

الإشكال الثاني للسيد الخوئي(قده) على المسلك الثاني

يرتكز المسلك الثاني في تحليل الواجب التخييري على افتراض أنّ الملاك في الحكم يرجع إلى غرضٍ واحدٍ نوعيّ، وأنّ كلّ واحدةٍ من خصال الكفّارة ليست إلّا طريقاً لتحصيل ذلك الغرض. والإشكال الذي يورده السيد الخوئي (قدس سره) هنا هو: من أين لنا إحرازُ هذا الغرض الواحد؟ وهو ما صرّح به بقوله:

و ثانياً: إنّه لا طريقَ لنا إلى إحراز أنّ الغرضَ المترتّب على الخصال واحدٌ بالسنخ والنوع وأنّ الإلزاميّ منه وجودٌ واحد، فإنّه يحتاجُ إلى علمِ الغيب.[6]

دفع الإشكال من منظار ثبوتيّ: إمكانية فرض الغرض الواحد لا تستلزم دعوى الكشف عن الغيب

والجواب على هذا الإشكال يبتني على أنّ هذا الإشكال في حقيقته إشكالٌ إثباتيّ، قد وُجِّه إلى مقام البحث الثبوتي، فيكون وارداً في غير محلّه. وذلك لأنّ المحقّق الأصفهانيّ (قده) في هذا المقام ليس بصدد إثبات وجود هذا الغرض الواحد على الصعيد الواقعي من خلال لسان الأدلّة، الأمر الذي يفتقر إلى الإحراز والاستظهار، بل غايةُ ما يهدف إليه هو تقديم «صياغةٍ ثبوتيّةٍ معقولة» لتفسير حقيقة التخيير الشرعي. فمقصوده هو أنّه لو سلّمنا بظهور الأدلّة في التخيير، فإنّ أحد النماذج التحليليّة المعقولة ثبوتاً هو افتراض «غرضٍ واحدٍ نوعيّ» تكون نسبة كلّ واحدٍ من البدائل إليه نسبةً متساوية، وهذا كلّه يجري في عالم الفرض والتحليل الثبوتي، من دون أيّ ادّعاءٍ بالكشف الفعليّ عن هذا الغرض أو التوسّل بعلم الغيب. وأمّا مرحلة ترجيح هذا النموذج إثباتاً على سائر النماذج المحتملة، فهو بحثٌ آخر موكولٌ إلى رتبةٍ لاحقة. وعليه، فإنّ إشكال السيد الخوئي، بوصفه إشكالاً إثباتيّاً، لا يكون حاسماً في مقام البحث عن الإمكان الثبوتي. فكلُّ ما يدّعيه هذا المسلك هو أنّه بالإمكان ثبوتاً تحليلُ التخيير الشرعي بالرجوع إلى «غرضٍ واحدٍ نوعيّ»؛ أمّا الحكم النهائيّ في مدى ترجيح هذا التحليل إثباتاً، فهو ما سيأتي بيانه في مرحلته الخاصّة.

الإشكال الثالث للسيد الخوئي (قده): طرح مسلكٍ رابع وهو «الجامع الانتزاعي» بديلاً عن «وجوب الجميع»

يرتكز المسلك الثاني في تحليله للواجب التخييري على أساس «الغرض الواحد النوعي». وحاصل التصوير أنّ كلّ واحدةٍ من الأطراف — كالعتق والإطعام والصوم — ما هي إلّا طريقٌ لتحصيل ذلك الغرض الكلّي، وأنّ نسبة الجميع إليه على السواء. وانطلاقاً من هذه المقدّمة، عمد المحقّق الأصفهاني (قدس سره) إلى سدّ الطريق أمام احتمالين: الأوّل، تعلّق الوجوب بـ «أحدها لا على التعيين» أي بالفرد المردَّد، وهو محال؛ لأنّ الفرديّة مساوقة للتشخّص، وما هو مردَّد لا تحقّق له في وعاء الخارج. الثاني، تعلّق الوجوب بـ «واحدٍ معيَّن»، وهو يستلزم الترجيح بلا مرجِّح. ومن هنا، خلص (قدس سره) إلى نتيجةٍ حتميّة، وهي: «فتعيَّن أن يجب الجميع»؛ أي أنّ الخصال الثلاث تدخل بأجمعها في دائرة الإلزام التعيينيّ، وإن كان الإذن ثابتاً في ترك أيٍّ منها عند الإتيان بالآخر.

إلّا أنّ السيد الخوئي (قدس سره) يرى هذا الاستدلالَ المنطقيّ ناقصاً وغير حاصرٍ للاحتمالات، وذلك لوجود شقٍّ رابعٍ ممكنٍ لم يتمّ التعرّض لإبطاله، وهو أن يتعلّق الوجوب بـ «الجامع الانتزاعيّ» المعبَّر عنه بـ «أحدها». وتوضيح ذلك يقتضي التفريق الدقيق بين معنيين لمفهوم «أحدها»:

الأوّل: «أحدها» بما هو مصداقٌ خارجيٌّ مردَّد (الفرد المردَّد). وهذا هو الذي حكم المحقّق الأصفهاني باستحالته، وهو صحيح؛ إذ لا وجود له في عالم الواقع والخارج، وما هو كذلك لا يصلح أن يكون متعلَّقاً للأمر.

الثاني: «أحدها لا بعينه» بما هو عنوانٌ مفهوميٌّ وجامعٌ انتزاعيّ. وهذا العنوان المفهوميّ أمرٌ معقولٌ تماماً، ويصلح أن يتعلّق به التكليف؛ وذلك لأنّ التكليف ليس إلّا أمراً اعتباريّاً، وليس من الضروريّ في عالم الاعتبار أن يكون الجامعُ بين الأطراف جامعاً ذاتيّاً حقيقيّاً، بل يكفي في صحّة تعلّق التكليف به أن يكون جامعاً انتزاعيّاً.

والثمرة المترتّبة على سلوك هذا الطريق الرابع واضحةٌ وجليّة؛ إذ يكون متعلَّق الإلزام بناءً عليه هو عنوان «الإتيان بأحد هذه الخصال»، لا ثلاثة تكاليف تعيينيّة مستقلّة. وحينئذٍ، فإنّ المكلّف بإتيانه أيَّ بدلٍ من هذه البدائل، إنّما يمتثل ذلك العنوان الجامع نفسه. وهذا التصوير ينسجم تماماً مع فرض تساوي نسبة الأطراف إلى الغرض الواحد (فلا يلزم الترجيح بلا مرجّح)، كما أنّه في الوقت ذاته ينجو من محذور القول بـ «وجوب الجميع» وما يترتّب عليه من لوازم، كتعدّد العقاب عند ترك جميع الخصال؛ وذلك لأنّ التكليف في حقيقته واحد، فيكون ترك الجميع تركاً لذلك العنوان الجامع الواحد، وهو ما يستتبع عصياناً واحداً لا أكثر. والفارق بين هذا التحليل وبين التخيير العقليّ المعهود واضحٌ أيضاً؛ ففي التخيير العقلي، يكون الجامعُ جامعاً حقيقيّاً، بينما في التخيير الشرعيّ الذي هو محلّ كلامنا، يكون الجامعُ عنواناً انتزاعيّاً يلحظه الشارعُ بنفسه ويصبُّ عليه الجعلَ والاعتبار.

المحصّلة: وعلى هذا، فمع إبطال احتمالَي «الفرد المردَّد» و «الواحد المعيَّن»، لا نكون مضطرّين للانحصار في نتيجة «وجوب الجميع». بل يبقى الطريق مفتوحاً أمام الشقّ الرابع، وهو تعلُّق الوجوب بـ «الجامع الانتزاعيّ المعبَّر عنه بأحدها»، وهو شقٌّ معقولٌ صناعيّاً، بل يبدو أكثر انسجاماً مع ظاهر أداة الترديد «أو». وبهذا يتّضح أنّ إشكال السيد الخوئي (قدس سره) الثالث إنّما هو ناظرٌ إلى كشف المغالطة الكامنة في استدلال أصحاب المسلك الثاني، حيث إنّ حصرهم للاحتمالات كان حصراً غير تامّ، فوقعوا في مغالطة منطقيّة مردّها إلى إهمال قسمٍ رابعٍ محتمل. وهو ما أفاده (قدس سره) بقوله:

… لازِمُه وجوبُ أحدِ تلك الخصال لا وجوبُ الجميع… لا نقول بوجوبِ أحدِهما المُردّد… ولا بوجوبِ أحدِهما المُعيّن… بل نقول بوجوبِ أحدِهما لا بعينه وهو غيرُ أحدِهما المُردّد في الواقع… فهاهنا دعويان: الأولى: أنّ أحدَهما لا بعينه—المُعبَّر عنه بالجامعِ الانتزاعي—قابلٌ لتعلّقِ التكليف به. والثانية: أنّ أحدَهما المُردّد في الواقع غيرُ قابلٍ له… فهاهنا شقٌّ رابع… وهو تعلّقُ الأمرِ بأحدِهما لا بعينه… غايته أنّ المكلّفَ مُخيّرٌ في تطبيقه على هذا الفرد أو ذاك.[7]

الإشكال الرابع للسيد الخوئي (قده): لزوم محذور تعدّد العقاب

خلاصة التصوير في هذا المسلك هو أنّ منشأ الحكم يرجع إلى «غرضٍ واحدٍ نوعيّ»، وأنّه باعتبار تساوي نسبة كلّ واحدٍ من البدائل إلى ذلك الغرض، يُصار إلى القول بـ «وجوب الجميع على نحو الترخيص». وبيان ذلك: أنّ كلّ واحدةٍ من هذه الخصال — كالعتق والإطعام والصوم — تدخل ابتداءً في دائرة الإلزام على نحو التعيين، وما «جواز الترك» الثابت لكلٍّ منها إلّا جوازٌ مشروطٌ بالإتيان بالبديل، أي أنّه جوازٌ «إلى بدل».

تقرير الإشكال الرابع: حتّى مع التنزل والتسليم بجميع مقدّمات هذا المسلك، فإنّ محذور تعدّد العقاب يعود للبروز بشكلٍ قهريّ عند فرض «ترك الجميع». وبيان ذلك أنّ جواز الترك، بحسب هذا التصوير، هو جوازٌ مقيّدٌ ومعلّقٌ على الإتيان بالبديل، أي أنّه ترخيصٌ «إلى بدل» لا ترخيصٌ مطلق. وعليه، ففي حالة ترك جميع الأطراف، لا يتحقّق شرط هذا الترخيص أصلاً، فلا يكون هناك أيُّ إذنٍ فعليٍّ في الترك. وحينئذٍ، يصدق على ترك كلِّ خصلةٍ من الخصال أنّه «تركٌ بلا بدل»، فيكون المقتضي لاستحقاق العقاب تامّاً ومتحقّقاً في كلِّ واحدةٍ منها على حدة. وتكون المحصّلة هي تعدّد المخالفة، ويترتّب عليه بالتبع تعدّد العقاب. هذا في حين أنّ الارتكاز المتشرّعي والسيرة القطعيّة بين الفقهاء يقضيان بوحدة العقاب في فرض ترك الجميع، وهذا الالتزام بتعدّد العقاب ممّا «لا يلتزم به أحدٌ».

وقد يُحاوَل التخلّص من هذا المحذور بالتمسّك بأنّ موضوع المؤاخذة هو «تركُ ما لا يجوز تركُه»، الأمر الذي قد ينتهي إلى وحدة العقاب. إلّا أنّ هذه المحاولة لا تُجدي نفعاً في المقام؛ وذلك لأنّه عند ترك الجميع، لم يدخل أيُّ «ترخيصٍ بدليّ» حيّز الفعليّة، كي يتحدّد به موضوع المؤاخذة في «واحد» منها. وعليه، يبقى عنوان ترك الواجب منطبقاً على كلٍّ من الخصال الثلاث، ويظلّ محذور تعدّد العقاب قائماً بلا دافع. ويخلُص السيد الخوئي (قدس سره) إلى أنّ كلا تقريري المحقّق الأصفهانيّ للمسلك الثاني — مع كلّ ما فيهما من تنقيحاتٍ فنيّةٍ ودقّةٍ صناعيّة — يواجهان الإشكالات الأربعة المتقدّمة، وأنّ الإشكال الرابع بالخصوص (وهو لزوم تعدّد العقاب عند ترك الجميع) يعود في كلا التقريرين على السواء. وما لم يتمّ تقديم وجهٍ صناعيٍّ مقبولٍ لوحدة العقاب في ظلّ هذه البنية التحليليّة — كدعوى سراية الترخيص إلى صعيد المؤاخذة، أو قيام دليلٍ خاصٍّ على تحديد الشارع لموضوع العقاب في واحدٍ لا غير — فإنّ نتيجة هذا المسلك ستبقى مصطدمةً مع الارتكاز المتشرّعي والسيرة الفقهيّة. وفي هذا الصدد يقول (قدس سره):

و رابعاً: على تقدير تسليم أنّ الواجب هو الجميع إلّا أنّ لازم ذلك هو تعدّد العقاب عند ترك الجميع… ضرورة أنّ الجائز هو تركُ كلٍّ منها إلى بدلٍ لا مطلقاً… فالنتيجة أنّ هذا القولَ بكلا تفسيريه لا يرجع إلى معنى صحيح.[8]

و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

--------------------
[1]- ‏ابوالقاسم خویی، محاضرات فی أصول الفقه، با محمد اسحاق فیاض (قم: دارالهادی، 1417)، ج 4، 30.
[2]- المقرّر: ويمكن أن يقال في مقام الدفاع عن هذا المسلك إنّ موضوع المؤاخذة في الواجب التخييري هو تركُ عنوان «ما لا يجوز تركه إلّا إلى بدل». وهذا العنوان، في ظلّ هذه البنية التحليليّة، لا ينطبق إلّا على «أحدها» لا على «كلِّ واحدٍ» منها بنحوٍ مستقل. وبعبارة أخرى، إنّ روح القانون ومفاده هنا هو: «لا يجوز لك ترك الجميع، بل لا بدّ من الإتيان بواحد». وعليه، فإذا لم يأتِ المكلّف بأيٍّ منها، فإنّ الذي يتحقّق في حقّه هو مخالفةٌ واحدةٌ تحت عنوانٍ واحد (وهو تركُ أصل التخيير المأمور به)، لا ثلاثُ مخالفاتٍ مستقلّة. وهذا هو ما أشار إليه المحقّق الأصفهاني (قدس سره) في متن عبارته بقوله: «فإذا ترك الكلّ كان معاقباً على ما لا يجوز تركه إلّا إلى بدل، وليس هو إلّا الواحد منها لا كلّها». أي أنّ مناط العقاب هو ذلك «الواحد من البدائل» الذي كان متعيّناً عليه الإتيان به على البدل، لا أن يثبت بترك الجميع ثلاثةُ عقوباتٍ مستقلّة.
[3]- ‏محمد حسین اصفهانی، نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429)، ج 2، 270.
[4]- ‏خویی، محاضرات فی أصول الفقه، ج 4، 28.
[5]- نفس المصدر، 31.
[6]- نفس المصدر.
[7]- نفس المصدر.
[8]- نفس المصدر ، 32.

---------------------
المصادر
- اصفهانی، محمد حسین‏. نهایة الدرایة فی شرح الکفایة. ۶ ج. بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429.
- خویی، ابوالقاسم‏. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.



الملصقات :

التخيير الشرعي الواجب التعییني الواجب التخییري الترخيص البدلي تعدّد العقاب الجامع الانتزاعي الغرض الواحد النوعي التسهيل الامتثالي الوجوب التعييني المشروط التحليل الثبوتي

نظری ثبت نشده است .