درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٢٢


شماره جلسه : ۲۰

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • الإشكال الثاني لصاحب «المنتقى»: التطبيق غير الصائب لـ«التفكيك في تنجُّز المركب» على محل البحث

  • 1- التعريف الدقيق لـ«التفكيك في تنجُّز المركب»

  • 2- صياغة نظرة المحقق النائيني في محل البحث

  • 3- نقد صاحب «المنتقى»: قاعدة التفكيك تُعقَل في الأجزاء، لا في الشرائط

  • عدم التمايز بين الأجزاء والشرائط في «التوسُّط في التنجيز»؛ نقدٌ لإشكال صاحب «المنتقى»

  • التعريف الدقيق لـ«التوسُّط في التنجيز»

  • سريان الملاك إلى الشرائط

  • الجواب عن تقرير صاحب «المنتقى»: «تكثُّر التروك» ليس شرطاً

  • الانسجام مع مبنى المحقق النائيني وأدبيات «الفوائد»

  • إعادة قراءة كبرى «التفكيك في التنجُّز» وتطبيقها على محل البحث؛ نقدٌ منقَّح على مبنى المحقق النائيني والسيد الخوئي

  • الصورة الصحيحة لـ«التفكيك في التنجُّز»

  • التطبيق في الأقل والأكثر الارتباطيين

  • سريان الملاك إلى الشرائط (جوابٌ عن التفصيل بين الأجزاء والشرائط)

  • صلته بحديث الرفع وظاهر التكليف

  • ضابطة تنجيز العلم الإجمالي و«الانحلال الحكمي»

  • الامتناع العرفي للتفكيك في التنجُّز وعدم انحصار الانحلال بـ«التوسُّط في التنجيز»

  • الانحلال لا ينحصر في «التوسُّط في التنجيز»

  • الخلاصة النهائية

  • المصادر

الجلسات الاخرى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

خلاصة البحث السابق

في البحث المتقدم، ومع التركيز على الصورة الثالثة، تبيّن أنّ «الصلاة» لا تقع طرفاً للعلم الإجمالي أساساً. ففي هذه الصورة، يكون العلم متعلِّقاً بـ«أصل وجوب شيءٍ معيَّن» كالوضوء (أو الخِتان)، ويدور التردد حول كون «ذلك الوجوب نفسه نفسياً أم غيرياً» فحسب. وعليه، فإنّ جعل الصلاة في عرض الوضوء لبناء دعوى «الانحلال إلى علمٍ تفصيلي وشكٍّ بدوي» لا وجه له. فالتحليل الصناعي هو: أنّه لو لم يكن وجوب الصلاة فعلياً، لكان الشك بالنسبة إليه عديم الأثر وخارجاً عن نطاق أطراف العلم. وإن كان الشك في فعلية وجوب الصلاة، فإنّ هذا الشك «بدويٌّ» من الأساس، ولا يقع طرفاً للعلم الإجمالي المتعلق بكيفية وجوب الوضوء. كما أنّ «احتمال غيرية الوضوء» بما هو احتمال، لا ينهض كشفاً إنّياً عن «الوجوب النفسي للصلاة»؛ إذ إنّ غاية الكشف إنما تكون في فرض الغيرية اليقينية، لا في مجرد الاحتمال. والقاعدة الأصولية بيّنة: وهي أنّ البراءة ناظرةٌ إلى «أصل التكليف المجعول»، لا إلى «كيفيات الوجوب». فمع إحراز أصل وجوب الوضوء، لا مجرى للبراءة فيه، وإنما تجري بالنسبة إلى ذي المقدِّمة الفاقد للبيان (وهي الصلاة المشكوكة الفعلية). 
وإنّ شرط تنجُّز العلم الإجمالي هو أن يكون لكلا طرفيه «إلزامٌ فعلي»، حتى يستلزم الترخيص في كلا الطرفين مخالفةً قطعيةً عملية؛ وهذا الشرط غير متحققٍ في الصلاة في الصورة الثالثة. وهذا المنطق نفسه يجري في مثال الخِتان: فمع ثبوت أصل وجوب الخِتان، يكون الامتثال لازماً، وعدم وجود المؤمِّن يبقي التنجُّز قائماً. وقد ورد النقد على تقرير السيد الخوئي من جهتين: أولاً، أنّ دعوى «استحقاق العقاب على جميع التقديرات» في مثال النذر تمثّل خلطاً بين حيثية النذر وحيثية شرطية الصلاة. وثانياً، أنّ الجمع بين البراءة من نفسية الصلاة وإثبات العقاب التبعي على ترك الوضوء (بسبب ترك الصلاة) لا ينسجم. فالنتيجة هي: أنّ دعوى «الانحلال» في هذه الصورة لا تتمّ؛ ويكون التكليف الامتثالي هو الإتيان بـ«معلوم الوجوب» (كالوضوء أو الخِتان)، وتجري البراءة في التكليف المستقل الفاقد للبيان (وهو الصلاة) فحسب.

الإشكال الثاني لصاحب «المنتقى»: التطبيق غير الصائب لـ«التفكيك في تنجُّز المركب» على محل البحث

ينصبُّ الإشكال الثاني لصاحب «المنتقى» على أنّ المحقق النائيني قد سرّى قاعدة «التفكيك في تنجُّز المركب»، التي تُعقَل في باب الأقل والأكثر الارتباطيين، إلى ما نحن فيه (وهو الشك بين النفسية والغيرية)، وبنى على ذلك توجيه جريان البراءة في النواحي غير الوضوء. يقول صاحب «المنتقى»: إنّ هذا التطبيق إنما يجري في «الأجزاء»، لا في «الشرائط»؛ وإنّ قياس محل البحث على الأقل والأكثر هو قياسٌ مع الفارق.

1- التعريف الدقيق لـ«التفكيك في تنجُّز المركب»

المبنى الكبروي هو أنّ المركَّب عين أجزائه؛ فترك كل جزءٍ هو تركٌ لذلك المركَّب. وعليه، فلو كان المركَّب واجباً، لكان تركه بواسطة ترك أيٍّ من أجزائه موجباً للمؤاخذة. ودعوى «التفكيك في التنجُّز» تقول إنّ العقل يمكنه في مقام المؤاخذة أن يفكِّك بين طرق ترك المركَّب؛ أي أن يكون ترك المركَّب من جهة ترك بعض الأجزاء موجباً للعقاب، وأما من جهة ترك الجزء المشكوك (الزائد) فلا يكون موجباً للعقاب.

وتُقرَّر ثمرة هذه القاعدة في الأقل والأكثر على النحو التالي: لدينا علمٌ إجمالي بوجوب «الأقل» أو «الأكثر». وبما أنّ المؤاخذة على ترك الواجب من جهة ترك «الأقل» معلومة، فلا تجري البراءة العقلية بالنسبة إلى «الأقل». وأما المؤاخذة على ترك الواجب من جهة ترك «الزائد المشكوك» فغير معلومة، فتجري البراءة العقلية في «الزائد». وعلى الرغم من أنّه لو كان «الزائد» جزءاً في الواقع، فإنّ نفي المؤاخذة من هذه الجهة لا محذور فيه؛ وذلك لأنّ نفي العقاب من حيثيةٍ لا ينافي بقاءه من حيثيةٍ أخرى. ولما كان صاحب «الكفاية» قد أنكر أصل إمكان التفكيك في التنجُّز، فإنّه لم يرتضِ جريان البراءة العقلية في الأقل والأكثر، واعتبر انحلال العلم الإجمالي مردوداً.[1]

2- صياغة نظرة المحقق النائيني في محل البحث

يسري المحقق النائيني هذه القاعدة نفسها إلى صورة الشك بين النفسية والغيرية (في تقريرات الصورة الثانية وكذلك في بعض تقريرات الصورة الثالثة): فالعقاب على ترك الصلاة «من جهة ترك الوضوء» معلوم (إذ إمّا أن يكون الوضوء واجباً نفساً، وإمّا أن يؤدي تركه إلى ترك الصلاة). وأما العقاب على ترك الصلاة «من جهةٍ غير الوضوء» (أي سائر الأجزاء والشرائط)، فغير معلوم؛ ولهذا، تجري البراءة في تلك الناحية بلا معارض. وببيان آخر، فكما هو الحال في الأقل والأكثر، يُفكَّك بين حيثيات المؤاخذة بالنسبة إلى واجبٍ واحد: فحيثية الترك من جهة الوضوء منجَّزة. وحيثية الترك من جهةٍ غير الوضوء غير منجَّزة، وهي مجرىً للبراءة.

3- نقد صاحب «المنتقى»: قاعدة التفكيك تُعقَل في الأجزاء، لا في الشرائط

ووجه التمايز هو كالتالي: إنّ الجزء داخلٌ في صميم ماهية المركَّب؛ فترك الجزء هو عين ترك المركَّب. ومن هنا، فإنّ «ترك المركَّب» ينحلُّ إلى عدد أجزائه، ويمكن للعقل أن يفكِّك في المؤاخذة بين هذه الطرق. وأما الشرط، فليس مقوِّماً لذات المركَّب؛ بل هو خارجٌ عن حقيقته. فترك الشرط ليس هو ترك المركَّب على نحو ترك الجزء، بل هو سببٌ وملازمٌ لعدم انطباق المأمور به. النتيجة: في باب الشرائط، لا يتكثر «ترك المركَّب» بتعدد الشرائط حتى يُتصوَّر تفكيك المؤاخذة بينها؛ فليس في البين إلا «عدم انطباقٍ واحد للمأمور به» يكون منشؤه فقدان الشرط. وعليه، فإنّ تسوية منطق الأجزاء بالشرائط لا وجه له.

التطبيق على مثال الوضوء والصلاة: بناءً على المباني الرائجة، فإنّ الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة. فترك الوضوء ليس هو ترك الصلاة على نحو ترك جزءٍ منها؛ بل إنّ «الصلاة بدون وضوء» لا تنطبق على المأمور به الواقعي. وعليه، فلا يمكن القول بأنّ «ترك الصلاة من جهة ترك الوضوء» هو نحوٌ من الترك تكون مؤاخذته معلومة، وأنّ «ترك الصلاة من جهةٍ غير الوضوء» هو نحوٌ آخر تكون مؤاخذته غير معلومة حتى تجري فيه البراءة. فمثل هذا التفكيك يسري منطق الأجزاء إلى ساحة الشرائط، وهو في غير محله.

الخلاصة المنطقية: لو سُلِّمت قاعدة التفكيك في التنجُّز، فإنّ مجال تطبيقها هو «أجزاء» المركَّب، لا «شرائطه»؛ وذلك لأنّ الشرط خارجٌ عن حقيقة المركَّب، ولا يُتصوَّر تركه بوصفه «طريقاً مستقلاً لترك المركَّب» في عرض الطرق الأخرى، حتى يمكن إجراء البراءة في تلك الحيثية الخاصة. النتيجة: إنّ تمسك المحقق النائيني بتلك القاعدة لتوجيه جريان البراءة في محل البحث (بالنسبة إلى النواحي غير الوضوء) غير تامّ، والقياس على الأقل والأكثر في غير محله. ويشير السيد الروحاني إلى هذا المبنى بقوله:

… نظرُ المحقّق النائینی إلى تطبیقِ الالتزام بالتفکیک فی تنجّز المركب على ما نحن فیه… لكنّ الإنصافَ أنّ هذا الوجه إنّما یتمّ بالنسبة إلى خصوصِ أجزاء المركّب دون الشروط، لأنّها لا یتقوم بها المركّب… فلیس هناك تروكٌ متعددة للمركّب بتعدّد الشروط كي یتصوّر التفكیك بینها في المؤاخذة وعدمه… وإقحامُ ذاك البحث فیما نحن فیه تطبیقٌ في غیر محلّه.[2]

عدم التمايز بين الأجزاء والشرائط في «التوسُّط في التنجيز»؛ نقدٌ لإشكال صاحب «المنتقى»

المقدمة: يقول الإشكال الثاني لصاحب «المنتقى» على المحقق النائيني إنّ قاعدة «التفكيك في تنجُّز المركب» لا تُعقَل إلا في الأجزاء، ولا تجري في الشرائط؛ وذلك لأنّ الشرط خارجٌ عن حقيقة المركَّب، ولا يُعَدُّ تركه بمثابة تعدد طرق ترك المركَّب. وهذا الإشكال، في مقام التنجُّز، غير تامّ؛ وذلك لأنّ الملاك العقلائي لـ«التوسُّط في التنجيز» إنما يرتكز على القدر المتيقَّن من الامتثال، وهو لا يعتني بكون مقوِّمات الامتثال داخليةً أم خارجية (أي جزءاً كانت أم شرطاً).

التعريف الدقيق لـ«التوسُّط في التنجيز»

المبنى: إنّ التنجُّز في مقام المؤاخذة إنما يكون بالنسبة إلى القدر المتيقَّن من الامتثال؛ بمعنى أنّ العقل يقول إنّ ما هو دخيلٌ قطعاً في تحقق الامتثال، يجب تحصيله ويترتب على تركه العقاب. وأما ما كانت دخالته مشكوكة، فهو محلٌّ للبراءة.[3]

الصورة المعيارية في الأقل والأكثر: إنّ «الأقل» داخلٌ في المأمور به قطعاً، فيترتب على تركه العقاب. وأما «الزائد»، فهو مشكوك، فتجري فيه البراءة. وهذا ليس لكون «الأقل» جزءاً، بل لكونه «قدراً متيقَّناً».

سريان الملاك إلى الشرائط

إنّ المعيار في التنجُّز هو «القدر المتيقَّن من الامتثال»؛ سواء كان هذا القدر المتيقَّن في قالب جزءٍ معلوم (كالركوع)، أم في قالب شرطٍ معلوم (كالطهارة). فبنفس الملاك الذي يترتب به العقاب على ترك الجزء المعلوم وتكون البراءة مجرىً للجزء المشكوك، يترتب العقاب على ترك الشرط المعلوم وتكون البراءة مجرىً للشرط المشكوك. وعليه، فلو وقع التردد في شرطية شيءٍ ما، فإنّ وجوب الصلاة «من جهة ذلك الشرط المشكوك» لا يكون منجَّزاً، وتجري البراءة في تلك الناحية. ولكن، يبقى الوجوب منجَّزاً من ناحية الشروط المعلومة. وهذا هو عين منطق الأقل والأكثر، ولكنه في ساحة الشرائط.

الجواب عن تقرير صاحب «المنتقى»: «تكثُّر التروك» ليس شرطاً

إنّ قوله بأنّه «في الشرائط، لا يتكثر ترك المركَّب بتعدد الشرائط حتى يمكن تفكيك المؤاخذة» يرتكز على افتراض «تكثُّر التروك»، والحال أننا في قاعدة «التوسُّط في التنجيز» لا نفتقر إلى تكثُّر التروك؛ بل إنّ الملاك هو «تفكيك محامل المؤاخذة». فالعقل في مقام المؤاخذة ينظر إلى أي ناحيةٍ يُسنَد ترك المأمور به: فإن كان عدم انطباق المأمور به ناشئاً من جهة ترك الشرط المعلوم، كانت المؤاخذة تامة. وإن كان ناشئاً من جهة ترك الشرط المشكوك، انتفت المؤاخذة ببركة الأصل المؤمِّن (وهو البراءة الموضوعية من الشرطية). وعليه، فكما أنّ العقل يفكِّك بين «ترك المأمور به من جهة ترك الجزء المعلوم» و«تركه من جهة الجزء المشكوك»، فإنه يفكِّك أيضاً بين «تركه من جهة الشرط المعلوم» و«تركه من جهة الشرط المشكوك». فالمدار هو «استناد الترك إلى الحيثية المعلومة أو المشكوكة»، لا «كونه جزءاً أو شرطاً».

الانسجام مع مبنى المحقق النائيني وأدبيات «الفوائد»

يصرّح المحقق النائيني في «فوائد الأصول» بأنّ التفاوت بين الداخلي والخارجي (أي الجزء والمقدِّمة) لا مدخلية له في المناط: «المناط في الجميع واحد وهو العلم بالوجوب». وهذا البيان نفسه يجري في نسبة الجزء إلى الشرط. فالشرط (لا سيّما في تحليل الميرزا النائيني الذي يرى إمكان لحاظ الشرط تحت أمرٍ ضمني) لا يختلف عن الجزء اختلافاً جوهرياً من حيث التنجُّز. فكلاهما من مقوِّمات الامتثال: معلومُها منجَّز، ومشكوکُها مجرىً للبراءة.

النتيجة الصناعية: إنّ التفصيل بين الأجزاء والشرائط في مقام التنجُّز لا وجه له. فمعيار «التوسُّط في التنجيز» — وهو الإلزام بالنسبة إلى القدر المتيقَّن والبراءة بالنسبة إلى الزائد المشكوك — جارٍ في الأجزاء وفي الشرائط على حدٍّ سواء. فحيثما كانت حيثية الدخالة في الامتثال معلومةً (سواء كانت جزءاً معلوماً أم شرطاً معلوماً)، كان تركها منجَّزاً ومستوجباً للعقاب. وحيثما كانت الدخالة مشكوكةً (سواء كانت جزءاً مشكوكاً أم شرطاً مشكوكاً)، جرى الأصل المؤمِّن. وعليه، فإنّ إشكال صاحب «المنتقى»، الذي يحصر جريان القاعدة في الأجزاء، غير تامّ. فالقاعدة الجارية في الأقل والأكثر — بملاك القدر المتيقَّن من الامتثال — تسري بالمساواة في ساحتي الأجزاء والشرائط معاً، وقياس الميرزا النائيني في تسوية القاعدة بين الأجزاء والشرائط هو قياسٌ صحيح؛ والتفصيل الذي يذهب إليه صاحب «المنتقى» في هذا المقام لا وجه له صناعياً.

إعادة قراءة كبرى «التفكيك في التنجُّز» وتطبيقها على محل البحث؛ نقدٌ منقَّح على مبنى المحقق النائيني والسيد الخوئي

المقدمة: إنّ محور الإشكال هو أنّ «التفكيك في التنجُّز» قد صيغ في بعض التقريرات على نحوٍ يبدو معه أنّ الحكم الواحد يكون «منجَّزاً» و«غير منجَّز» في آنٍ واحد. وهذه التعابير، لو حُملت على ظاهرها، لكانت غير تامة. ولكن، بتصحيح المصطلح والتفكيك بين ساحتي الظاهر والواقع، يمكن حفظ روح الاستدلال وتجنب المغالطة: فالمحل الصحيح للنزاع هو «التفكيك في المؤاخذة أو المؤمِّن»، لا إثبات «حكمٍ موجودٍ غير منجَّز».

الصورة الصحيحة لـ«التفكيك في التنجُّز»

الملاك: هو القدر المتيقَّن من الامتثال. فالعقل في مقام المؤاخذة يقول إنّ كل ما هو دخيلٌ قطعاً في تحقق الامتثال (سواء كان جزءاً أم شرطاً معلوماً)، فإنّ تركه يستتبع العقاب. وكل ما كانت دخالته مشكوكة (سواء كان جزءاً أم شرطاً مشكوكاً)، فإنّ العقاب من تلك الجهة يُدفَع ببركة الأصل المؤمِّن (وهو البراءة أو عدم البيان). النتيجة: إنّ التفكيك هو في حقيقته «تفكيكٌ في محامل المؤاخذة أو سقوط المؤمِّن»؛ لا إثباتٌ لـ«حكمٍ موجود وهو في الوقت نفسه غير منجَّز». ففي الناحية المشكوكة، وبحسب ظاهر الحجة، لا يكون التكليف الفعلي ثابتاً؛ ولهذا، لا يُطرَح الحديث عن «وجود حكمٍ غير منجَّز».

التطبيق في الأقل والأكثر الارتباطيين

الصورة الصحيحة هي: إنّ «الأقل» داخلٌ في المأمور به قطعاً؛ فيترتب على تركه العقاب، ولا تجري فيه البراءة. وإنّ «الزائد» مشكوك؛ فتجري فيه البراءة. النتيجة: لو كان «الزائد» في الواقع جزءاً، فإنّ نفي العقاب من هذه الحيثية يكون معقولاً، ويجتمع مع ثبوت العقاب من حيثية ترك «الأقل». وهذا لا يعني بقاء «حكمٍ موجود غير منجَّز» في الزائد، بل يعني عدم وجود تكليفٍ ظاهري في تلك الناحية.

سريان الملاك إلى الشرائط (جوابٌ عن التفصيل بين الأجزاء والشرائط)

إنّ المعيار هو «القدر المتيقَّن من الامتثال»، لا كون المقوِّمات داخليةً أم خارجية. فالمنطق نفسه الذي يجري في الأجزاء، يجري في الشرائط أيضاً: فالشرط المعلوم لا يجوز تركه، ويترتب على تركه المؤاخذة. والشرط المشكوك هو مجرىً للبراءة، فتسقط المؤاخذة من تلك الناحية. وإشكال «عدم تكثُّر التروك في الشرائط» غير وارد؛ وذلك لأنّ موضوع التفكيك ليس هو تكثُّر طرق الترك، بل هو «استناد الترك إلى الحيثية المعلومة أو المشكوكة». فإن كان ترك المأمور به مستنداً إلى فقدان الشرط المعلوم، ترتبت المؤاخذة. وإن كان مستنداً إلى فقدان الشرط المشكوك، انتفت المؤاخذة ببركة المؤمِّن.

صلته بحديث الرفع وظاهر التكليف

في نطاق الظواهر، فإنّ حديث الرفع يفيد على الأقل «رفع المؤاخذة أو التنجيز»، وهو كافٍ لجريان البراءة؛ فلا حاجة إلى الالتزام القطعي بـ«الرفع الواقعي لأصل الجعل». وعلى هذا المبنى، ففي الناحية المشكوكة، يرتفع التكليف الظاهري وتُدفَع المؤاخذة. وفي الناحية المعلومة، يبقى التكليف منجَّزاً. وهذا هو بعينه روح «التوسُّط في التنجيز»، من دون الافتقار إلى تعبير «حكمٌ موجود وغير منجَّز».

التطبيق على محل بحث الوضوء والصلاة ومثال النذر: في الصورة الثالثة، حيث إنّ أصل وجوب الوضوء معلوم والشك إنما هو في كونه نفسياً أم غيرياً، فإنّ امتثال الوضوء لازم؛ والبراءة لا تجري في كيفيات الجعل. وأما بالنسبة إلى الصلاة (بوصفها تكليفاً مستقلاً)، فلو لم تقم حجة على وجوبها النفسي الفعلي، جرت البراءة. لا سيّما في مثال النذر، حيث إنّه على تقدير تعلّق النذر بالوضوء، يستتبع تركه عقاباً مباشراً. وعلى تقدير تعلّق النذر بالصلاة، فإنّ وجوب شرط الصلاة (وهو الوضوء) منجَّزٌ من حيث الشرطية، لا من حيث النذر؛ فالمؤاخذة على ترك الوضوء في هذا الفرض تكون بملاك الشرطية. وفي كلا التقديرين، لا تجري البراءة في الوضوء. وأما بالنسبة إلى نفسية الصلاة، فتجري البراءة بلا معارض عند فقدان البيان.

ضابطة تنجيز العلم الإجمالي و«الانحلال الحكمي»

إنّ معيار تأثير العلم الإجمالي عند السيد الخوئي هو «تعارض الأصول في الأطراف». ويمكن تقرير ذلك على نحوٍ صحيح كالتالي: إنّ العلم الإجمالي، عند فقدان المؤمِّن في كلا الطرفين، يكون منجِّزاً. فلو لم يجرِ الأصل في أحد الطرفين أساساً بسبب علمٍ تفصيلي، وجرى الأصل المؤمِّن في الطرف الآخر بلا معارض، فإنّ العلم الإجمالي يغدو «عديم الأثر حكماً». وهذا ليس إثباتاً لـ«وجود حكمٍ غير منجَّز»، بل هو نفيٌ للتكليف الظاهري في الناحية المشكوكة.

التزاحم ودور القدرة (لتحقيق الانسجام المبنائي): بناءً على مبنى مشهور المتأخرين (ومنهم الإمام الخميني والسيد الخوئي)، فإنّ القدرة شرطٌ لـ«التنجُّز» لا لـ«الفعلية». ففي التزاحم، يبقى كلا الحكمين قائماً من حيث الفعلية؛ وإنما تتبع المؤاخذة وجود المؤمِّن أو العذر: ففي المتساويين، يحكم العقل بالتخيير. وفي الأهم والمهم، يجب تقديم الأهم، ولا مؤاخذة على ترك المهم بسبب عذر عدم القدرة على الجمع. وهذا الإطار ينسجم تماماً مع صياغة «التفكيك في المؤاخذة».

النتيجة: إنّ روح استدلال الميرزا النائيني والمحقق الخوئي في «التفكيك» قابلةٌ للدفاع، ولكن بشرط تصحيح الصياغة: فالحديث هو عن «التفكيك في المؤاخذة والمؤمِّن»، لا عن إثبات «حكمٍ موجود غير منجَّز». وإنّ الملاك العام في الأجزاء والشرائط واحد: فمعلوم الحيثية منجَّز، ومشكوک الحيثية مجرىً للبراءة. وفي محل بحث الوضوء والصلاة، فإنّ امتثال معلوم الوجوب (وهو الوضوء) لازم، والبراءة بالنسبة إلى نفسية الصلاة — ما لم تقم حجة — بلا معارض. فالعلم الإجمالي، من دون تعارض الأصول ومن دون انطباق المعلوم على أحد الطرفين، لا قوام له في التنجيز. و«الانحلال الحكمي» يعني سقوط المؤاخذة في الناحية المشكوكة، لا بقاء «حكمٍ غير منجَّز». وبهذا التصحيح، فإنّ الإشكال الكبروي يرد على التعبير غير الصائب عن «التفكيك في التنجُّز»، وأما أصل منطق التفكيك — بمعنى التفكيك في محامل المؤاخذة ونطاق المؤمِّن — فإنه معقولٌ ومنطبقٌ على الصناعة الأصولية في ساحتي الأجزاء والشرائط معاً.

الامتناع العرفي للتفكيك في التنجُّز وعدم انحصار الانحلال بـ«التوسُّط في التنجيز»

الامتناع العرفي للتفكيك في التنجُّز وتصحيح التعابير: حتى لو افترضنا الإمكان العقلي للتفكيك في التنجُّز، فإنّ السؤال المحوري هو: هل يرتضي العرف مثل هذا التفكيك؟ ففي المحاورات العقلائية، لا يقول المولى للعبد: «هذا الحكم منجَّزٌ من جهة، وغير منجَّزٍ من جهة أخرى». فالارتكاز العرفي لا يسيغ مثل هذا الانشطار في ساحة الإلزام. وعليه، فلو كان المراد من التفكيك هو أن يُعَدَّ «الحكم الواحد»، مع فرض بقائه، «منجَّزاً» و«غير منجَّز» في آنٍ واحد، لكان هذا البيان غير معهودٍ عرفاً وسالبةً بانتفاء الموضوع.

والصياغة الصحيحة هي أن نتحدث، بدلاً من «التفكيك في تنجُّز الحكم»، عن «التفكيك في محامل المؤاخذة ونطاق المؤمِّن»: فالعقل في مقام المؤاخذة يفكِّك بين الحيثية المعلومة (وهي القدر المتيقَّن من الامتثال) والحيثية المشكوكة (وهي الزائد). ففي الحيثية المعلومة، تكون المؤاخذة تامة. وفي الحيثية المشكوكة، تسقط المؤاخذة ببركة الأصل المؤمِّن (وهو البراءة أو عدم البيان). وفي هذا التقرير، تنتفي دعوى «وجود حكمٍ باقٍ وهو في الوقت نفسه غير منجَّز»؛ وذلك لأنّه بعد جريان البراءة في الناحية المشكوكة، لا يكون التكليف الظاهري في تلك الحيثية مفروضاً أساساً حتى يُطرَح الحديث عن «عدم تنجُّز الحكم الموجود». والتعبير الأدقّ في الأقل والأكثر هو هذا بعينه: فبجريان البراءة بالنسبة إلى «الزائد»، تسقط جزئيته في مقام الظاهر، وتكون الصلاة التي يجب الإتيان بها هي القدر المتيقَّن؛ لا أن يُقال إنّ «الجزئية ثابتةٌ واقعاً ولكنها غير منجَّزةٍ فعلاً».

وفي مقام تأمين المكلف، فإنّ أقلّ ما يفيده حديث الرفع — بناءً على مبنى المشهور — هو «رفع المؤاخذة أو التنجيز»؛ وهذا المقدار كافٍ لنفي العقاب من الناحية المشكوكة. فلا حاجة إلى الالتزام بـ«الرفع الواقعي لأصل الجعل» حتى نؤول إلى نتائج غير مرغوبٍ فيها في قاعدة الاشتراك. وعلى هذا، فإنّ القول الصحيح بعد جريان البراءة هو أنّه «في الناحية المشكوكة، لا تكليف ظاهرياً»؛ لا أنّ «الحكم موجود ولكنه غير منجَّز». وبهذا التصحيح، تُحفَظ روح دعوى أنصار التفكيك، ويرتفع الإشكال العرفي أيضاً.

الانحلال لا ينحصر في «التوسُّط في التنجيز»

إنّ دعوى توقف كل صورةٍ من صور الانحلال على قبول «التوسُّط في التنجيز» غير تامة. فالمسلك المتعارف للانحلال في الأقل والأكثر هو كالتالي: لدينا علمٌ إجمالي بوجوب الصلاة. وبالنسبة إلى تسعة أجزاء، يتحصّل علمٌ تفصيلي وقدرٌ متيقَّن؛ فتخرج هذه الأجزاء من تحت العلم الإجمالي. ويبقى الشك منحصراً في الجزء العاشر، فتجري البراءة في ذلك الزائد. وهذا التحليل يرتكز في بناء الانحلال على «إخراج القدر المتيقَّن»، لا على افتراض «بقاء حكمٍ غير منجَّز». وفي ما نحن فيه أيضاً، فحيثما أمكن إخراج ذاك المقدار من مقوِّمات الامتثال الذي ثبت بحجةٍ (سواء كان جزءاً أم شرطاً معلوماً) عن عهدة العلم الإجمالي، فإنّ الزائد يُحال إلى البراءة، من دون الافتقار إلى قالب «التوسُّط في التنجيز».

الخلاصة النهائية

إنّ التفكيك في التنجُّز، لو فُهِم بمعنى «وجود حكمٍ واحد وهو في الوقت نفسه غير منجَّز»، لكان غير تامٍّ عرفاً وصناعةً. والصورة الصحيحة هي «التفكيك في محامل المؤاخذة ونطاق المؤمِّن»: فالحيثية المعلومة ملزمة. والحيثية المشكوكة مجرىً للبراءة. وبعد جريان البراءة في الناحية المشكوكة، يكون موضوع التكليف الظاهري بالنسبة إلى تلك الناحية سالبةً بانتفاء الموضوع؛ فالتعبير بأنّ الحكم «غير منجَّز» مع فرض وجوده في تلك الحيثية تعبيرٌ مضلِّل. كما أنّ الانحلال لا ينحصر في «التوسُّط في التنجيز»؛ إذ يمكن صياغته على أساس «إخراج القدر المتيقَّن» من العلم الإجمالي وإحالة الزائد إلى البراءة، من دون التمسك بذلك القالب. وبهذا التصحيح، يُحفَظ الإحكام العرفي والصناعي للاستدلال من جهة، ويُجتنَب التعابير التي توحي بوجود «حكمٍ موجود غير منجَّز» من جهة أخرى. وعليه، فإنّ الإشكال العرفي على التفكيك يجد وجهه الحقيقي، ولا تُسَدُّ مسالك الانحلال المعتبرة.

و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

--------------------------
[1]- ‏محمد کاظم آخوند خراسانی، کفایة الأصول (قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1430)، ج 3، 116.
[2]- ‏محمد الروحانی، منتقی الأصول (قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413)، ج 2، 230.
[3]- الف. معنى التوسط في نفس التكليف هو كون نفس التكليف الواقعي بحيث يكون باقيا على تقدير و ساقطا على التقدير الآخر كما في موارد الاضطرار إلى المعين بعد العلم الإجمالي فإن موضوع التكليف على تقدير انطباقه على المضطر إليه يكون ساقطا لا محالة و على تقدير انطباقه على غيره يكون باقيا كذلك.
ب. و معنى التوسط في‏ التنجيز هو كون الحكم الواقعي باقيا على حاله مطلقا إلّا انه كان بحيث يصح العقاب على مخالفته على تقدير دون تقدير كما في موارد الأقل و الأكثر على القول بالبراءة فإن التكليف الثابت في مورده بحيث يصح العقاب على مخالفته إذا كانت مستندة إلى ترك الاجزاء و الشرائط المعلومة و اما إذا كانت مستندة إلى ترك غيرها من الاجزاء أو الشرائط المجهولة فلا يصح العقاب على مخالفته مع انه تكليف واحد شخصي على تقدير تعلقه بالأقل أو الأكثر. (‏محمدحسین نائینی، أجود التقریرات، با ابوالقاسم خویی (قم: مطبعة العرفان، 1352)، ج 2، 270.)


----------------------
المصادر
- آخوند خراسانی، محمد کاظم‏. کفایة الأصول. ۳ ج. قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1430.
- الروحانی، محمد‏. منتقی الأصول. ۷ ج. قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413.
- نائینی، محمدحسین‏. أجود التقریرات. با ابوالقاسم خویی. ۲ ج. قم: مطبعة العرفان، 1352.



الملصقات :

المؤمن الوجوب النفسي الوجوب الغيري الأصل العملي الانحلال العلم الإجمالي أصالة البراءة الأقل والأكثر الارتباطيان التوسط في التنجيز التفكيك في التنجّز الأجزاء الشرائط القدر المتيقّن المؤاخذة

نظری ثبت نشده است .