درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٢٨


شماره جلسه : ۲۳

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • البيان الفنّي للمحقّق الأصفهاني على أساس ملاك التسهيل

  • الإشكال الثالث للمحقّق الخوئي على البيان الأوّل للمحقّق الأصفهاني: كفاية مصلحة التسهيل ومانعيّتها من جعل الوجوب على الجميع

  • مباني سقوط التكليف وبطلان دعوى «السقوط بامتثال البدل»

  • دعوى «جعلِ نوعٍ خاصٍّ من الوجوب المشروط» والنقدُ الإثباتيّ للسيّد الخوئي

  • التفكيك بين التزاحم الملاكيّ والتزاحم بعد الخطاب عند المحقّق النائيني ونسبته بالإشكال الثالث

  • الموضع الصحيح لـ«مصلحة التسهيل» وتوسعة مفهوم التزاحم الامتثالي دفاعاً عن تفسير المحقّق الأصفهاني

  • الآثار المنهجيّة والفقهيّة المترتّبة على هذا التحليل

  • تذكيرٌ ثبوتيٌّ وشرطٌ إثباتيّ

  • المصادر

الجلسات الاخرى
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

خلاصة البحث السابق

استُعرِض في البحث السابق الإشكالُ الرابع على نظريّة «الواجب ما يختاره المكلّف»، وحاصلُه أنّ تعليق نفس الوجوب على اختيار المكلّف يستلزم نفيَ الوجوب السابق على الاختيار، ومحذور «الجعل بلا متعلَّق»؛ إذ إنّ جعل الحكم من دون تعيين متعلَّقه في ظرف الجعل يفضي إلى لغويّة الجعل أو نسبة الجهل إلى الشارع. يُضاف إلى ذلك أنّه لمّا كان العصيان والامتثال واردين على موضوع واحد، فلو انتفى الوجوب حال العصيان، لانتفى حال الامتثال أيضاً، واشتراط الوجوب بنفس الامتثال يؤدّي إلى محذور «طلب الحاصل». فكانت محصّلة هذه الملازمات هي سقوط نظريّة «ما يختاره المكلّف» بوصفها قولاً فاقداً لأيّ مضمونٍ مُحصَّل. وأمّا «المسلك الثاني» في تحليل حقيقة الواجب التخييري، فهو يقوم على إرجاع التخيير الظاهري إلى مجموعة من «التعيّنات المشروطة»؛ بمعنى أن يكون كلّ بدلٍ في خصال الكفّارة واجباً على نحو التعيين، شريطة عدم الإتيان بغيره من الأطراف. وقد قام المحقّق الأصفهانيّ بتصحيح هذا التحليل عبر أربع مقدّمات ثبوتيّة: 1- قيام مصالح ملزمة في كلّ بدل؛ 2- تباين هذه المصالح (لا تقابلها) وإمكان الجمع بينها؛ 3- بلوغ كلّ مصلحةٍ منها حدَّ اللزوم المقتضي لجعل الوجوب. 4- وجود «مصلحة في التسهيل والإرفاق» تقتضي الترخيص البدلي، فيكون ترك سائر البدائل مأذوناً فيه عند الإتيان بواحد منها. وكانت النتيجة المترتّبة على ذلك: تكثّر الثواب بتعدّد المصالح (في فرض الإتيان بجميع البدائل)، ووحدة العقاب المستند إلى ملاك «ترك ما لا يجوز تركه» (في فرض ترك الجميع). وقد ناقش المحقّق الخوئيّ هذه الصياغة في ثلاثة محاور: الأوّل، مخالفتها لظاهر الأدلّة (العطف بـ«أو»)، وهو ما نرى أنّ محلّه مقام الإثبات لا الثبوت. الثاني، عدم إمكان إثبات تعدّد الملاك بالأمر الواحد، وهو أيضاً بحسب نظرنا إشكالٌ إثباتيٌّ لا ينقض الإمكان الثبوتي. الثالث، موازنة رتبة «مصلحة التسهيل»؛ فمن دون حجّة كافية، لا يثبت الترخيص، وإن كانت قويّة إلى حدّ تبرير ترك الواجب، فإنّها ستمنع من أصل جعل الوجوب على جميع الأطراف، وتكون النتيجة هي «وجوب أحدها» لا غير. وبهذا، فإنّ المسلك الثاني، وإن كان يقدّم صياغةً معقولةً ثبوتاً، إلا أنّه بحسب رأي المحقّق الخوئيّ يظلّ بحاجةٍ إلى توجيه الظهورات وإحراز حجيّة الترخيص في مقام الإثبات.

البيان الفنّي للمحقّق الأصفهاني على أساس ملاك التسهيل

يقوم المسلك الثاني على تصوير الواجب التخييري بصفته واجباً مشروطاً؛ أي إنّ التخيير الظاهريّ يرجع في حقيقته إلى «واجباتٍ تعيينيّةٍ مشروطة»، حيث يكون كلّ واحدٍ من البدائل واجباً على نحو التعيين، ولكنّ وجوبه مشروطٌ بعدم الإتيان بعدله الآخر. إلا أنّ مجرّد هذه الدعوى لا يكفي؛ فإنّ الأحكام تابعةٌ لملاكاتها، وأيّ نحوٍ من سقوط وجوبٍ تعيينيٍّ بفعلِ بدله، أو جوازِ تركِه لأجل الإتيان بعدله الآخر، لا بدّ أن يستند إلى ملاكٍ يبرّره. وعليه، فإنّ هذا المبنى، من دون الارتكاز على هذا التحليل الملاكيّ، يبقى مجرّد صياغةٍ بدائيّة تفتقر إلى «تصحيحٍ فنّيٍّ» يجعلها معقولة. وهذه النقطة بالذات هي ما يلمح إليه تعبير المحقّق الخوئي (قدّه) حين قال: «قد صحّح هذه النظريّة بعضُ مشايخنا المحقّقين»، مشيراً بذلك إلى الجهد النظريّ الذي بذله المحقّق الأصفهانيّ لتنقيح هذا المسلك.

بيان التصحيح عند المحقّق الأصفهاني: الصياغة الفنّيّة على أساس «مصلحة التسهيل»

وهنا يأتي دور المحقّق الأصفهانيّ —كما ينقله عنه المحقّق الخوئيّ— ليضفي على هذا المبنى طابعاً فنّيّاً، وذلك بافتراض وجود «مصلحة التسهيل والإرفاق» في عرض المصالح الملزمة القائمة في كلّ بدل. فبملاك هذه المصلحة التسهيليّة، يجعل الشارع ترخيصاً بدليّاً؛ وهذا يعني أنّ الوجوب التعيينيّ في كلّ طرفٍ يظلّ محفوظاً، إلا أنّ تركه —شريطة الإتيان بعدله الآخر— يصبح مأذوناً فيه. وبهذا النحو، لا يعود تفسير «الوجوب التعيينيّ المشروط» متوقّفاً على مجرّد لسان الدليل، بل يرتكز على الموازنة الدقيقة بين الملاكات اللزوميّة من جهة، وملاك التسهيل من جهة أخرى. وبموجب هذا التصحيح، يكتسب سقوطُ الوجوب التعيينيّ عن سائر الأطراف أو جوازُ تركها تبريراً ملاكيّاً متيناً، فترتقي بنيةُ المسلك الثاني من كونها مجرّد «دعوىً هيكليّةٍ محضة» إلى «صياغةٍ ملاكيّة-حكميّةٍ معقولة». وهذا هو ما يفسّر وجه توصيف السيّد الخوئيّ لهذا البيان بـ«التصحيح».

خلاصة القول: إنّ المراد من القول بأنّ «المحقّق الأصفهانيّ قد صحّح هذه النظريّة» هو أنّه حوّل التحليل البدائيّ القائم على فكرة «التعيّنات المشروطة» إلى تحليلٍ فنّيٍّ يرتكز على الملاكات. وبعبارةٍ أخرى، إنّ إثبات تعليق وجوب كلّ عدلٍ على عدم الإتيان بالعدل الآخر يتوقّف على افتراض «مصلحة التسهيل»، وبتمهيد هذا الملاك في مرحلة التحليل، تصبح إعادة بناء المسلك الثاني أمراً معقولاً ومنسجماً.
الإشكال الثالث للمحقّق الخوئي على البيان الأوّل للمحقّق الأصفهاني: كفاية مصلحة التسهيل ومانعيّتها من جعل الوجوب على الجميع

يقوم بيان المحقّق الأصفهاني على أنّ الترخيص البدليّ إنّما يُصاغ على أساس «مصلحة التسهيل والإرفاق». فمع أنّ كلّ واحدةٍ من خصال الكفّارة تشتمل على مصلحةٍ ملزمةٍ قائمةٍ بنفسها، إلا أنّ الشارع بملاك التسهيل يمنح المكلّف ترخيصاً مفاده: «إن أتيتَ بأحدها جاز لك تركُ الآخر». والإشكال الذي يطرحه المحقّق الخوئي (قدّه) في هذا السياق، يتركّز في محورين أساسيّين:

المحور الأوّل: موازنة رتبة مصلحة التسهيل

إنّ الترخيص في ترك الواجب يتوقّف على قيام حجّةٍ إثباتيّةٍ مستقلّة عليه؛ فإمّا أن يُستفاد من لسان أدلّة التخيير نفسِها جعلُ ترخيصٍ بهذه السعة، وإمّا أن يؤمّن ذلك بناءٌ عقلائيٌّ معتبر. وعليه، فإنّ مجرّد الفرض الثبوتيّ لوجود «مصلحة التسهيل»، من دون إحراز قوّتها ورتبتها في مقام الموازنة مع الملاكات الملزمة، لا يكفي لإثبات جواز ترك البدل.

المحور الثاني (على سبيل التنزّل): كفاية مصلحة التسهيل ومانعيّتها

ولو تنزّلنا وسلّمنا جدلاً بأنّ لمصلحة «التسهيل» من القوّة ما يكفي للترخيص في الترك، فإنّ اللازم من ذلك هو أنّ هذه المصلحة بعينها سوف تمنع من أصل جعل الوجوب على جميع الأطراف؛ وذلك لأنّ «مصلحةَ ما عدا واحدٍ منها تكون مزاحمةً بتلك المصلحة»، والمصلحةُ المزاحَمةُ لا تصلح أن تكون منشأً للجعل. وتكون النتيجة أنّ «إيجابَ الجميع بلا مقتضٍ» أمرٌ يستحيل صدوره من الحكيم، فيثبت أنّ «الواجبَ هو أحدُها لا الجميع».

وعلى هذا، يقع البيان الأوّل للمحقّق الأصفهاني في مواجهة هذا الإشكال أمام معضلةٍ ذات شعبتين: فإمّا أنّه لا يتمّ إحراز أنّ مصلحة التسهيل تبلغ حدّ الترخيص، فينتفي بذلك أصلُ الترخيص من الأساس. وإمّا أن يتمّ إحرازها، فتكون حينئذٍ مانعاً من أصل جعل الوجوب على جميع الأطراف، ويؤول تحليل «التعيّنات المشروطة» بالنتيجة إلى القول بـ«وجوب أحدها» لا غير. ويقول المحقّق الخوئي (قدّه) في بيان هذه المحصّلة:

و ثالثاً: إنّه لا طريق لنا إلى أن مصلحة التسهيل والإرفاق على حدّ توجب جواز ترك الواجب، وعلى فرض تسليم أنّها تكون بهذا الحدّ فهي عندئذٍ تمنع عن أصل جعل الوجوب للجميع، ضرورة أنّ مصلحة ما عدا واحدٍ منها مزاحمةٌ بتلك المصلحة أعني مصلحة التسهيل والإرفاق… فإذن إيجاب الجميع بلا داعٍ وهو يستحيل أن يصدر من الحكيم، فالنتيجة أنّ الواجب أحدُها لا الجميع.[1]

مباني سقوط التكليف وبطلان دعوى «السقوط بامتثال البدل»

ولو تجاوزنا عن كلّ ما سبق، وتنزّلنا فسلّمنا بالتنزّلين السابقين كليهما: الأوّل، كفاية «مصلحة التسهيل» للترخيص في الترك؛ والثاني، عدمُ مانعيّة هذه المصلحة من أصل جعل الوجوب على جميع الخصال، وبالتالي الالتزام بوجوب الجميع ابتداءً، فمع ذلك كلّه، تبقى الدعوى القائلة بأنّ «الإتيان بأحد الأطراف يُسقط التكليف بالآخر» دعوىً غيرَ تامّة؛ وذلك لأنّ لسقوط التكليف أسباباً معيّنة ومحصورة، وتوسعة دائرة هذه الأسباب لتشمل «الامتثال بالغير» أو «امتثال البدل» هي دعوىً بلا برهان ولا وجه لها.

مباني سقوط التكليف

1- السبب الأوّل: امتثالُ التكليف نفسه، وذلك بإتيان المأمور به في الخارج، ممّا يستتبع حصولَ الغرض المطلوب وسقوطَ الإلزام.

2- السبب الثاني: العجزُ عن الامتثال وعدمُ القدرة على الإتيان بالمأمور به، سواء أكان هذا العجز مستنداً إلى عصيانٍ سابق أم ناشئاً من سببٍ آخر. فالمناط هو العجز نفسه لا عنوان العصيان، وإن كان بعض الأعلام كصاحب الكفاية (قدّه) قد قرّر العصيان سبباً مستقلاً في الظاهر.

3- السبب الثالث: نسخُ الحكم من قِبَل المولى.

وخارج هذه الأسباب الثلاثة، لا يُعرف سببٌ آخر معقولٌ لسقوط الوجوب.

نقد دعوى «السقوط بامتثال البدل»

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ القول بأنّ «امتثال فعلٍ آخر من المكلّف نفسه يوجب سقوط التكليف التعييني المتعلّق بالفعل الأوّل» هو دعوىً فاقدةٌ للمقتضي. وهذا نظيرُ الالتزام بسقوط وجوب الصلاة بسبب الإتيان بالصوم؛ والحال أنّ كلاً منهما تكليفٌ تعيينيٌّ مستقلٌّ عن الآخر، وسقوطُ كلّ واحدٍ منهما لا يتقوّم إلا بأحد ثلاثة: إمّا بامتثالِه هو بالذات، أو بالعجز عنه، أو بنسخه. وأمّا «امتثال الغير» فلا علاقة سببيّة له بسقوط هذا الواجب أصلاً. ويشير المحقّق الخوئي (قدّه) إلى هذا المعنى بقوله:

ثمّ إنّه على فرضِ إيجابِ الجميع و عدمِ كونِ مصلحةِ التسهيل والإرفاق مانعةً منه فلا موجبَ لسقوطِ وجوبِ بعضِها بفعلِ الآخر ضرورةَ أنّه بلا مُقتضٍ و سبب، فإنّ سقوطَ وجوبِ الواجب بأحدِ أمورٍ لا رابعَ لها: (الأوّل) امتثالُه والإتيانُ بمتعلّقِه خارجاً… (الثاني) العجزُ عن امتثالِه… (الثالث) النسخ… والمفروضُ أنّ الإتيانَ بالواجبِ الآخر ليس شيئاً من هذه الأمور.[2]

دعوى «جعلِ نوعٍ خاصٍّ من الوجوب المشروط» والنقدُ الإثباتيّ للسيّد الخوئي

وفي مقام الجواب عن الإشكال الثالث الذي أورده السيّد الخوئي، يمكن أن يُدَّعى أنّ نوع الجعل في ما نحن فيه قد اعتُبر من البداية على نحوٍ خاصّ، وهو «وجوبُ كلِّ طرفٍ مشروطاً بعدم الإتيان بالطرف الآخر». وعلى أساس هذا المبنى، يكون ما أفاده المحقّق الخوئي من أنّ امتثال أحد التكليفين لا يوجب سقوط الآخر في سائر الواجبات، أمراً أجنبيّاً عن محلّ الكلام؛ إذ المفترضُ أنّ المولى قد اعتبر في المقام، منذ بدء الجعل، نمطاً خاصّاً من الوجوب يسقط فيه وجوبُ أحد الطرفين بامتثال بدله، حتّى لو لم تكن هذه الآليّة معهودةً في الارتكاز العقلائيّ العام.

النقد الإثباتي للمحقّق الخوئي

ومع التنزّل والتسليم بالإمكان الثبوتي لهذه الدعوى، فإنّ السيّد الخوئي (قدّه) يرفضها من الناحية الإثباتيّة لوجهين:

أوّلاً: فقدان الدليل. فإنّه لا دليل معتبراً يقوم على أنّ الشارع قد سلك هذا النمط الخاصّ من الجعل.

ثانياً: مخالفة الظهور. فإنّ لسان النصوص —لا سيّما في خصال الكفّارة— ظاهرٌ في «وجوب أحدها على البدل»، لا في «وجوب الجميع مشروطاً بعدم الإتيان بالآخر». وعليه، فإنّ الإصرار على حمل كلٍّ من البدائل الثلاثة على كونه «واجباً تعيينيّاً مشروطاً» هو تكلّفٌ محضٌ وخروجٌ عن المتفاهم العرفيّ من أداة العطف «أو».

فالمحصّلة النهائيّة هي أنّه حتّى مع التسليم بالتنزّلين المذكورين، فإنّ فكرة «السقوط بامتثال البدل» لا تندرج ضمن الأسباب المعقولة لسقوط التكليف، ولا تنسجم مع الصناعة الفنّيّة لجعل الأحكام. بل لو افترضنا قبول الصياغة الثبوتيّة لـ«الوجوب المشروط» جدلاً، فإنّ الالتزام بها في مقام العمل يظلّ غير موجَّه، وذلك لفقدان الحجّة الإثباتيّة عليها من جهة، ومخالفتها الصريحة لظهور الأدلّة من جهة أخرى. ومن هنا، يقول المحقّق الخوئي (قدّه) في هذا الصدد:

ودعوى: إنّه إذا فُرض أنّ وجوبَ كلٍّ منها مشروطٌ بعدمِ الإتيانِ بالآخر فلا محالة يكونُ إتيانُه مُسقطاً له—مدفوعةٌ بأنّ الأمر وإن كان كذلك على فرض ثبوتِ تلك الدعوى، إلّا أنّها غير ثابتة، فإنّه مضافاً إلى عدمِ الدليلِ عليها أنّها مخالفةٌ لظواهرِ الأدلّة… حيث إنّ الظاهرَ منها وجوبُ أحدِ الأطراف… لا وجوبُ الجميع بنحوِ الاشتراط.[3]

خلاصةٌ إجماليّة للإشكال الثالث للمحقّق الخوئي

للإشكال الثالث الذي أورده السيّد الخوئي (قدّه) ثلاثُ شعبٍ. ونقدّم هنا تقييماً إجماليّاً للشعبتين الأوليين:

الشعبة الأولى: كفاية مصلحة التسهيل للترخيص. يقوم مبنى هذا الإشكال على أنّ «مصلحة التسهيل» لم تبلغ من القوّة رتبةً تقتضي إثبات جواز ترك البدل الآخر. ولكن حيث إنّ الناقد نفسه (أي السيّد الخوئي) قد تنزّل لاحقاً عن هذا الإشكال وافترضه مسلَّماً للمضيّ في النقاش، فإنّ مسألة كفاية مصلحة التسهيل لإثبات أصل الترخيص تخرج بذلك عن دائرة النزاع الفعليّ في هذه المرحلة.

الشعبة الثانية: مانعيّة مصلحة التسهيل من أصل جعل الوجوب على الجميع. وعلى فرض كفاية مصلحة التسهيل للترخيص، فإنّ هذه المصلحة الراجحة تكون في حالة تزاحمٍ مع الملاكات اللزوميّة المتعدّدة، فتمنع من «أصل جعل الوجوب على جميع الخصال» ابتداءً. وتكون النتيجة الثبوتيّة الحتميّة هي أنّ «الواجب هو أحدها لا الجميع». وبعبارةٍ أخرى، إذا كانت مصلحة التسهيل تقتضي الترخيص، فإنّ جعل الوجوب التعييني على طرفين أو ثلاثةٍ معاً على نحو الجمع يفتقر إلى أيّ صورةٍ معقولة؛ فثبوتاً، إذا امتنع إيجاب اثنين منها، فإيجاب الثلاثة يكون ممتنعاً بطريقٍ أولى.

فالنتيجة الإجماليّة هي أنّ الشعبة الأولى من الإشكال الثالث تخرج عن دائرة البحث بفعل تنزّل الناقد نفسه. وأمّا الشعبة الثانية فهي التي تشكّل عمدة الاستدلال وركنه الأساسيّ، ومفادها: أنّه على فرض بلوغ مصلحة التسهيل حدَّ الترخيص، فإنّها ستكون بالضرورة مانعةً من جعل الوجوب على نحو الجمع، فتُرجع البنيةَ الثبوتيّة برمّتها إلى القول بـ«وجوب أحد الأبدال»، لا إلى القول بـ«التعيّنات المشروطة للجميع».

التفكيك بين التزاحم الملاكيّ والتزاحم بعد الخطاب عند المحقّق النائيني ونسبته بالإشكال الثالث

يدور البحث في هذا المقطع حول تقييم فكرة إرجاع التخيير في خصال الكفّارة إلى «تعيّناتٍ مشروطة» من حيث الملاك والخطاب، وما هي نسبة هذا التقييم بالإشكال الثالث الذي أورده المحقّق الخوئي، والقائل بمانعيّة مصلحة التسهيل من أصل جعل الوجوب على الجميع.

التفكيك بين نوعي التزاحم عند المحقّق النائيني

أوّلاً: التزاحم بعد الخطاب (في المرتبة المتأخّرة عن الخطاب). في هذا النمط من التزاحم، يكون الملاك تامّاً في كلا الطرفين، ويكون الشارع قد وجّه الخطاب بكلٍّ منهما فعلاً، إلا أنّ المكلّف في مقام الامتثال يعجز عن الجمع بينهما في آنٍ واحد؛ كمثال «أنقذ هذا الغريق وذاك». وفي هذا السنخ من التزاحم، يمكن تصوير اشتراط امتثال كلّ خطابٍ بـ«عدم الإتيان بالآخر» أو بـ«عدم القدرة على الجمع بينهما». وتكون النتيجة العمليّة حينئذٍ هي التخيير في مقام الامتثال.

ثانياً: التزاحم الملاكيّ (في المرتبة السابقة على الخطاب). ومنشأ هذا النمط من التزاحم هو التمانع القائم بين الملاكات ذاتها. وفي هذا الصدد، يصرّح المحقّق النائيني بأنّه يستحيل اجتماعُ «ملاكاتٍ تامّةٍ» متعدّدة في أطراف مختلفة؛ إذ لو وقع بينها ما يسمّى بـ«الكسر والانكسار»، فإنّ النتيجة الحتميّة هي أن يبقى في الساحة ملاكٌ تامٌّ واحدٌ فقط، بينما تسقط سائر الملاكات عن درجة التماميّة بسبب هذه المزاحمة. وفي هذا الحقل من التزاحم، يكون القول باشتراط وجوب كلّ طرفٍ بـ«عدم الإتيان بالآخر» دعوىً فاقدةً للوجه.

الثمرات المترتبة على هذا التفكيك في تحليل الواجب التخييري: إنّ تصوير الواجب التخييري على أساس «التعيّنات المشروطة» لا يصحّ إلا في سنخ «التزاحم بعد الخطاب»؛ إذ إنّ الاشتراط هناك يكون وليدَ اشتراط التكليف بالقدرة والعجز عن الجمع بين المتزاحمين في مقام الامتثال. أمّا في سنخ «التزاحم الملاكيّ»، فالأمر يدور بين احتمالين: فإمّا أن يرتكز التخييرُ على ملاكٍ واحدٍ قد تعلّق بالجامع، أو أنّه على فرض تعدّد الملاك، فإنّ المزاحمة بين الملاكات تؤدّي بالضرورة إلى بقاء ملاكٍ تامٍّ واحدٍ في الساحة. وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة القهريّة هي القول بـ«وجوب أحد الأبدال»، لا بـ«وجوب الجميع مشروطاً بعدم الآخر».

يُضاف إلى ذلك أنّه لو سُلِّم بـ«اشتراط وجوب كلٍّ بعدم الآخر» في ساحة الملاك، للزم منه أنّه في فرض ترك الجميع تتحقّق شروط الوجوب في جميع الأطراف، وهو ما يستلزم «تعدّد العقاب» بتعدّد الواجبات الفعليّة، وهذا ينافي حقيقة التخيير قطعاً. هذا، فضلاً عن أنّ إرجاع الواجب التخييري إلى «واجباتٍ مشروطة» هو خلاف الظاهر من الأدلّة؛ إذ إنّها ظاهرةٌ في «وجوب أحدها» بنحوٍ بسيط، لا في «وجوباتٍ مشروطةٍ مقيّدةٍ بأدوات الشرط».

نسبة هذا التحليل بالإشكال الثالث للمحقّق الخوئي: إنّ الوجه المحوريّ في الإشكال الثالث للسيّد الخوئي —وهو القول بأنّ «مصلحةَ التسهيل تمنع عن أصل جعل الوجوب للجمیع»— يرجع في جوهره إلى تطبيق منطق «التزاحم الملاكيّ» الذي قرّره المحقّق النائيني. فبمجرّد أخذ «مصلحة التسهيل» بعين الاعتبار في عرض سائر المصالح، يقع بينها تزاحمٌ ملاكيٌّ، فتسقط تماميّة الملاك في اثنين من البدائل على الأقلّ. وعليه، يصبح جعلُ الوجوب على الجميع أمراً «بلا داعٍ» ومخالفاً للحكمة، فترجع البنيةُ الثبوتيّة لا محالة إلى القول بـ«وجوب أحدها»، لا إلى «التعيّنات المشروطة». وهذا هو عين ما يقرّره المحقّق النائيني بقوله:

… لا يتوقّف الواجب التّخييري على أن يكون لكلّ من الأفراد ملاك يخصّه، بل يمكن أن يكون هناك ملاك واحد قائم بكلّ من الأفراد… وثانياً: لو فُرض أنّ هناك ملاكات متعدّدة، ولكن بعد فرض وقوع التزاحم والتمانع بينها في المرتبة السابقة على الخطاب لا يمكن أن يكون كلّ واحدٍ منها تامّاً في الملاكيّة… فبالأخرة يرجع إلى أنّ الملاك التامّ واحد… ومع وحدة الملاك لا تكون الأفراد من الواجب المشروط… نعم: لو وقع التزاحم في المرتبة المتأخّرة عن الخطاب… كان الخطاب في كلّ واحد مشروطاً بعدم فعل الآخر… والحاصل: أنّه فرقٌ بين عروض التزاحم في المرتبة المتأخّرة عن الخطاب… وبين وقوع التزاحم في المرتبة السابقة على الخطاب… ومع وحدة الملاك… يلزم فعليّة جميع التكاليف عند ترك فعل الكلّ… ولازم ذلك تعدّد العقاب وهو ضروريّ البطلان… مع أنّ إرجاع الواجب التخييري إلى الواجب المشروط خلاف ظاهر الأدلّة…[4]

خلاصة القول: إنّ فكرة اشتراط الوجوب بـ«عدم الإتيان بالآخر»، إن صحّت أصلاً، فإنّما يمكن تصويرها في حيّز «التزاحم بعد الخطاب»، لا في حيّز «التزاحم الملاكيّ». فإنّه على أساس التحليل الملاكي، إمّا أن يكون هناك ملاكٌ تامٌّ واحدٌ قائمٌ بالجامع، وإمّا أن تؤدّي المزاحمة إلى بقاء ملاكٍ تامٍّ واحدٍ في الساحة. وفي كلتا الصورتين، تكون النتيجة الحتميّة هي القول بـ«وجوب أحدها»، لا بـ«وجوب الجميع مشروطاً بعدم الآخر». وهذه الخلاصة تتطابق تماماً مع الركن الثاني من الإشكال الثالث الذي أورده المحقّق الخوئي، وهي بذلك تُبطل البيان الأوّل للمحقّق الأصفهاني من الناحية الملاكيّة.

الموضع الصحيح لـ«مصلحة التسهيل» وتوسعة مفهوم التزاحم الامتثالي دفاعاً عن تفسير المحقّق الأصفهاني

لتعيين محلّ البحث بدقّة، يمكن التمسّك بالقياس القرآني في قوله تعالى: ﴿إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾؛ فالشارع في مقام الثبوت يوازن بين الملاكات، ويجعل الملاك الأهمّ هو المعيار في تشريع الحكم. وفي ما نحن فيه أيضاً، لو أدرنا البحث على محور «التزاحم الملاكيّ»، لكانت النتيجة الحتميّة هي أنّ اثنين من بدائل خصال الكفّارة على الأقلّ لن يكونا «تامّي الملاك»، لا أنّ الثلاثة جميعاً تشتمل على ملاكٍ تامّ، ثمّ تأتي «مصلحة التسهيل» بعد ذلك لتكون مانعةً من جعل الوجوب عليها.

على مبنى المحقّق النائيني (قدّه)، يتمّ التفكيك بين نوعين من التزاحم، لكلٍّ منهما ثمراته الخاصّة: ففي «التزاحم الملاكيّ» (السابق على الخطاب)، يكون التمانع في ساحة الملاك نفسها، ويستحيل اجتماع ملاكاتٍ تامّة متعدّدة؛ وفي المحصّلة، لا يبقى إلا «ملاكٌ تامٌّ» واحد. وأمّا في «التزاحم الامتثاليّ» (اللاحق للخطاب)، فإنّ كلّ خطابٍ من الخطابات المتعدّدة يبتني على ملاكٍ تامّ، ولكنّ التزاحم إنّما يطرأ في مقام الامتثال. وفي هذا السنخ من التزاحم، يكون تصوير اشتراط امتثال كلّ خطابٍ بـ«عدم الإتيان بالآخر» أمراً معقولاً. والنقطة الثانية من الإشكال الثالث الذي أورده السيّد الخوئي ما هي إلا امتدادٌ وتطبيقٌ لهذا المبنى الذي أسّسه الميرزا النائيني؛ فإذا ما أُقحمت «مصلحة التسهيل» في ساحة الملاك، فإنّها ستكون بطبيعتها مانعةً من أصل جعل الوجوب على جميع الأطراف؛ إذ إنّ الملاك المزاحَم لا يكون تامّاً، فتكون النتيجة القهريّة هي القول بـ«وجوب أحدها».

صياغةٌ دفاعيّة عن تفسير المحقّق الأصفهاني

يمكن إعادة بناء قراءة المحقّق الأصفهاني على أساس أنّ «مصلحة التسهيل» إنّما يُفترض قيامها في حيّز «التزاحم الامتثالي»، لا في حيّز «التزاحم الملاكي». فالشواهد التي استُعرضت سابقاً لمراتب الرفق المختلفة —من التخيير المحض، إلى الرفق الترتيبي، وانتهاءً بوجوب الجمع— كلّها تشير إلى أنّ سياسة الشارع التشريعيّة تتعلّق بكيفيّة الامتثال ومقدار ما يُطلب فيه من المكلّف. يُضاف إلى ذلك أنّه من الممكن ثبوتاً توسعة مفهوم «التزاحم الامتثالي» من مجرّد «عدم القدرة على الجمع» ليشمل «مشقّة الجمع» أيضاً. فلو افترضنا أنّ الشارع قد جعل التكاليف الثلاثة جميعاً على أساس ملاكاتٍ تامّة، فإنّه يظلّ بإمكانه —بملاك الإرفاق— أن يقرّر أنّ «واحداً منها يكفي»، وذلك لكي لا يُلزم المكلّف بالجمع المشفوع بالمشقّة، حتّى وإن كانت القدرة على الجمع قائمةً عقلاً وعرفاً. وعلى أساس هذا التصوير، يجتمع «الوجوب التعيينيّ الثبوتيّ لكلّ بدل» مع «الترخيص الامتثاليّ البدلي»، ويبقى بذلك تفسير المحقّق الأصفهاني محفوظاً ومنسجماً. ومن البديهي أنّ إعادة البناء هذه —وإن كانت معقولةً من الناحية الثبوتيّة— تظلّ في مقام الإثبات متوقّفةً على إحراز دلالة الأدلّة أو قيام بناءٍ عقلائيٍّ معتبر على هذه السعة من الإرفاق.

خلاصة القول: إذا أُقحمت «مصلحة التسهيل» في عالم الملاك، فإنّ مبنى المحقّق النائيني والمحقّق الخوئي يكون هو الجاري، ومؤدّاه: أنّ الملاك التامّ لا يتعدّد، وأنّ النتيجة الحتميّة هي القول بـ«وجوب أحدها». أمّا إذا أُقحمت «مصلحة التسهيل» في عالم الامتثال، فيمكن حينئذٍ الجمع بين «الوجوب التعيينيّ الثبوتيّ لكلّ بدل» من جهة، و«الترخيص الامتثاليّ البدلي» من جهة أخرى، وبذلك يمكن الحفاظ على صياغة المحقّق الأصفهاني (شريطة إحراز الحجّة الإثباتيّة على هذا المستوى من الإرفاق).

وعليه، ففي مقام الجواب على الاعتراض القائل بأنّه لو طبّق الشارع «التسهيل» واقعاً لما بقي إلا واجبٌ واحدٌ ولانتفى التزاحم، نقول: إنّ منشأ هذا التصوّر هو الخلط بين الساحتين. فتارةً يُلحظ التسهيل في «عالم الملاك»، وحينئذٍ تكون النتيجة هي ما أفاده المحقّق النائيني وتبعه فيه السيّد الخوئي، وهو أنّه من بين بدائل خصال الكفّارة الثلاثة، لن يبقى في نهاية المطاف إلا واحدٌ منها «تامَّ الملاك»، فيثبت «وجوبُ أحدها». وعلى هذا الفرض، تكون الشعبة الثانية من الإشكال الثالث الذي أورده السيّد الخوئي تامّةً ووجيهة. وتارةً أخرى —دفاعاً عن صياغة المحقّق الأصفهاني— يُلحظ التسهيل في «عالم الامتثال»، وحينئذٍ يكون «التزاحم الامتثالي» أمراً معقولاً تماماً. فالشارع ثبوتاً قد جعل ثلاثة وجوبات تعيينيّة قائمة على ملاكاتٍ تامّة، ولكنّه في مقام الامتثال —وبملاك الإرفاق— يمنح المكلّف ترخيصاً بدليّاً، بحيث يكون الإتيان بأحدها مُسقِطاً للمؤاخذة على ترك سائر البدائل ومُجيزاً له. فالتزاحم إذن قائمٌ في مقام الامتثال، لا في مقام الملاك.

الآثار المنهجيّة والفقهيّة المترتّبة على هذا التحليل

إنّ هذه الصياغة لا يقتصر أثرها على باب الواجب التخييري وحده، بل يمتدّ ليشمل سائر التكاليف التي يقع بينها تزاحمٌ في مقام الامتثال، كحفظ النفس المحترمة، وطلب العلم، والعبادات، والإنفاق، والمسؤوليات الاجتماعيّة، حيث تكثر التعارضات الامتثاليّة. فإنّه لو طبّق الشارع سياسةَ الامتثال القائمة على أصل التسهيل، لأمكنه أن ينظّم جانباً من هذه التكاليف على هيئة «واجباتٍ تخييريّةٍ مشروطة»، وذلك رفعاً لمشقّة الجمع الحرجيّة عن كاهل المكلّف. والشواهد التي تقدّمت على مراتب الإرفاق في النصوص —من التخيير المحض في الخصال، إلى الترتّب عند العجز في الظهار، وانتهاءً بلزوم الجمع في موارد خاصّة— خير دليلٍ على أنّ الشارع يطبّق في مقام الامتثال سياساتٍ متدرّجةً من التسهيل. وقراءةُ المحقّق الأصفهاني، بإدراجها لمصلحة التسهيل في هذه الساحة بالذات، تبقى في مأمنٍ من الإشكال الملاكيّ الذي طرحه المحقّق النائيني وتبعه فيه المحقّق الخوئي.

تذكيرٌ ثبوتيٌّ وشرطٌ إثباتيّ

والمراد من ذلك كلّه هو أنّ «الوجوب التعيينيّ المشروط» في مقام الثبوت إنّما يُجعل باعتبار «التسهيل الامتثالي»؛ فيكون كلّ بدلٍ واجباً على نحو التعيين، ولكنّه مشروطٌ بـ«عدم الإتيان بالآخر» — وهو شرطٌ تمتدّ جذوره إلى كيفيّة تنظيم ساحة الامتثال وإدارتها، لا إلى نقصٍ في الملاك ذاته. وهذه الصياغة —وإن كانت معقولةً وصناعيّةً من الناحية الثبوتيّة— تظلّ في مقام الإثبات بحاجةٍ إلى شاهدٍ يدعمها، سواء من لسان الأدلّة أم من بناءٍ عقلائيٍّ معتبر. وهي تبدو منسجمةً مع القرائن العامّة الدالّة على إعمال الشارع لمبدأ الإرفاق. والظنّ القويّ هو أنّ المحقّق الأصفهانيّ نفسه إنّما أراد إدراج مصلحة التسهيل في هذا الأفق الامتثاليّ بالذات.

خلاصة القول: إنّ إدراج «مصلحة التسهيل» في عالم الملاك يرسّخ النتيجة التي انتهى إليها المحقّق النائيني والمحقّق الخوئي، وهي أنّ «الملاك التامّ» لا يتعدّد، وأنّ الثمرة العمليّة هي «وجوب أحدها». وأمّا إدراجها في عالم الامتثال، فإنّه يفتح الباب أمام إمكانيّة الجمع بين «الوجوب التعيينيّ الثبوتيّ لكلّ بدل» و«الترخيص الامتثاليّ البدليّ»؛ شريطة أن يتمّ إحراز الحجّة الإثباتيّة على هذا النمط من الإرفاق.

و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

---------------------
[1]- ‏ابوالقاسم خویی، محاضرات فی أصول الفقه، با محمد اسحاق فیاض (قم: دارالهادی، 1417)، ج 4، 29.
[2]- همان، 29-30.
[3]- همان، 30.
[4]- ‏محمدحسین نائینی، فوائد الاُصول‏، با محمد علی کاظمی خراسانی (قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1376)، ج 1، 233.

-------------------------
المصادر
- خویی، ابوالقاسم‏. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- نائینی، محمدحسین‏. فوائد الاُصول‏. با محمد علی کاظمی خراسانی. ۴ ج. قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1376.

الملصقات :

الواجب التعییني الواجب التخییري الواجب المشروط مصلحة التسهيل الإرفاق التزاحم الملاكي التزاحم الامتثالي الوجوب الواحد البدلي سقوط التكليف

نظری ثبت نشده است .