موضوع: الواجب النفسی و الغیری
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٨/٣
شماره جلسه : ۲۵
-
خلاصة البحث السابق
-
إجلال مكانة الميرزا النائينيّ (قده) وتقدير القائمين على مؤتمره
-
ضرورة إعادة قراءة تراث الميرزا النائيني والوقوف عند التوجيهات المحوريّة لقائد الثورة المعظّم
-
الصلة بين مبنى «المسبّبات التوليديّة» ومقاصد الشريعة في تقرير المحقّق النائيني
-
الثمرات الأصوليّة المترتّبة على هذا المبنى
-
الصلة بين مقاصد الشريعة والتكليف: نقد المحقّق النائيني لـ «الاجتهاد المقاصدي» على أساس خروج الآثار عن اختيار المكلّف
-
حوارٌ حول «مقاصد الشريعة» بين يدي سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ونقدٌ للصياغات القاعديّة المستحدثة
-
حكمة الله، مقاصد الشريعة، وحدود الاجتهاد: نقدٌ للتقعيدات المقاصديّة
-
تبصرة منهجيّة: دور المقاصد في عمليّة الاستنباط
-
الأفق المنشود للحوزات العلميّة: إعدادُ فحولٍ في طراز الميرزا النائيني والمحقّقَين الأصفهاني والعراقي
-
المصادر
-
الجلسة ۱
-
الجلسة ۲
-
الجلسة ۳
-
الجلسة ۴
-
الجلسة ۵
-
الجلسة ۶
-
الجلسة ۸
-
الجلسة ۹
-
الجلسة ۱۰
-
الجلسة ۱۱
-
الجلسة ۱۲
-
الجلسة ۱۳
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
إنّ إعادة القراءة الجادّة لتراث الميرزا النائيني (قده) الأصوليّ والفقهيّ، وإزاحة الستار عن أبعاد مساعيه الفريدة في تقديم التحقيقات المبتكرة، تُعدُّ ضرورةً لا مراء فيها. وفي هذا السياق، لا بدّ من التنويه الخاصّ والإشادة بما أدلى به قائد الثورة المعظّم (حفظه الله) في لقائه بأعضاء الأمانة العامّة للمؤتمر. فقد ذكّر سماحته بنقاطٍ جوهريّةٍ ضمن عدّة محاور استراتيجيّة: عظمة المحقّق النائيني العلميّة؛ وتربيته لتلامذةٍ من الطراز الأوّل بلغوا مرتبة المرجعيّة؛ والجودة الفائقة لدروسه وأسلوبه التدريسيّ المتميّز؛ والأوجه المتعدّدة لمبادراته العلميّة وابتكاراته. وكذلك في صعيد الفكر السياسي، وبالتركيز على كتابه «تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة»، أبرز سماحته نقطةً بالغة الأهميّة، وهي أنّ المحقّق النائيني قد صاغ في هذا الأثر نفسه مشروع «الحكومة الدينيّة»، أو ما يمكن التعبير عنه بـ «الجمهوريّة الإسلاميّة». وهذا الاستنتاج، في نظرنا، يمكن استظهاره من مواضع عدّة في كتاب «تنبيه الأمّة»، وهو جديرٌ بالمزيد من التتبّع والتحقيق.
من النقاط الجديرة بالتأمّل في منظومة المحقّق النائيني الفكريّة، هو استجلاء طبيعة الصلة بين «مقاصد الشريعة» ومبناه في «المسبّبات التوليديّة». فبحسب رؤيته، لا يقتصر منطق التشريع على إطلاق الخطابات الكلّية المقاصديّة — من قبيل القول بأنّ «كلَّ ما يحفظ النفس فهو واجب» — بل إنّ دأب الشارع هو تعيين «الأسباب الموضوعيّة المحدَّدة» التي تُفضي إلى تحقيق تلك المقاصد. وعليه، فالمقصد وإن كان هو الموجِّه والمرشد، إلّا أنّ المتعلَّق الحقيقيّ للتكليف ليس هو المقصد الكلّي بذاته، بل تلك «المنظومات السببيّة المعيَّنة» التي يتولّى الشارع بنفسه تحديدها ورسم معالمها.
وفي مقام التصوير الفنّي للنسبة بين المقصد وموضوع التكليف، يقرّر المحقّق النائيني أنّ الآثار والملاكات غالباً ما تقع خارجةً عن دائرة اختيار المكلّف وقدرته. فلو أنّ الشارع وجّه أمراً كلّيّاً بقوله: «ائتِ بما يوجب المعراجيّة»، فكيف يمكن تكليف المكلّف بنتيجةٍ يفتقر تحقّقها إلى منظومةٍ من العلل والشروط التي تفوق قدرته؟ فإنّ المكلّف ليس هو العلّة التامّة لحصول ذلك الأثر، ولا حتّى علّته الناقصة المستقلّة؛ إذ إنّ تحقّق المعراجيّة وأمثالها يخضع لمنظومةٍ سببيّةٍ تبقى في كثير من الأحيان خارجةً عن هيمنة الفاعل المباشر. وعليه، فإنّ التكليف بالنتيجة التي لا تقع في دائرة اختيار المكلّف يستحيل جعله عقلاً. فلا بدّ أن يكون موضوع التكليف هو «الفعل المقدور الاختياري»، لا «الأثر غير المقدور».
الصلة بمبنى «المسبّبات التوليديّة»: على ضوء مبنى المحقّق النائيني، فإنّ منهج التشريع في الشريعة يقوم على تعيين «الأسباب الموضوعيّة والجزئيّة» التي تفضي إلى تحصيل المقاصد، لا على الاكتفاء بإطلاق الخطابات الكلّيّة المقاصديّة. وعلى هذا الأساس، فإنّ إحلال المقصد محلّ الموضوع المنصوص يُعدّ خروجاً عن منطق التشريع. فالمقاصد لا تقوم مقام الدليل الخاص على الأفعال المنصوصة؛ إذ إنّ استنباط التكليف من المقصد مباشرةً رهنُ إثباتِ تلك النسبة السببيّة التي تولّى الشارع بنفسه اعتبارها بين الفعل وذلك المقصد. وعليه، فإنّ «الاجتهاد المقاصدي» بوصفه مصدراً مولِّداً للحكم — بمعزلٍ عن النصّ والحجّة المعتبرة — يفتقر إلى أيّ محملٍ أصوليّ، ويفضي إلى الوقوع في «الأداتيّة المقاصديّة» وجعلِ تكاليف لا نصّ عليها.
ومن يقول: «إنّ المقاصد قد جاء بها الله»، يُجاب بأنّ «المتشابهات قد جاء بها الله أيضاً»؛ فمجرّد الإتيان بالشيء لا يمنحه الحجيّة العمليّة. فالحجيّة في مقام العمل رهنُ الدلالة المنضبطة والحجّة المعتبرة. ودور المقاصد إنّما ينحصر في حدود كونها قرائن للفهم، وموجِّهاتٍ لتفسير الأدلّة، وأداةً للجمع العرفيّ بينها، لا أن تكون مصدراً مستقلاً للجعل والإلزام. فالتكليف يتعلّق بـ «الفعل المقدور»، لا بـ «الأثر غير المقدور»؛ وعليه، لا يمكن أن يُؤمَر المكلَّف بالنتيجة ويُطلَب منه تحصيلُها بأيّة وسيلةٍ كانت. إنّ المقاصد هي حِكَمُ الأحكام وغاياتُها، لا أنّها بديلٌ عن الموضوعات والعلل المنصوصة. فالحجيّة العمليّة تدور مدار الأدلّة التفصيليّة والأصول المعتبرة، لا مجرّد العلم بالمقصد.
في زيارةٍ تشرّفتُ بها في النجف الأشرف بلقاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظلّه الوارف)، انتقلتُ بالحديث إلى دائرة «مقاصد الشريعة»، وسألتُ سماحته عن التدبير الذي يراه في التعاطي معها. فبادرني سماحته بالسؤال: «وما هي هذه المقاصد؟» فأوضحتُ بأنّها المباحث المتداولة اليوم تحت هذا العنوان. فعقّب قائلاً: «أتقصدون كلام الشاطبي؟» فأجبتُ بالإيجاب، مضيفاً: ويا ليت الأمر قد اقتصر على حدوده، فإنّ بعض التيّارات الحديثة قد جاوزت دائرة الشاطبي، وطرحت قاعدتين عامّتين على أنّهما منبثقتان من «المقاصد»، وهما:
القاعدة الأولى: قاعدة العدالة، ومفادها أنّ كلَّ حكمٍ لا يُنظر إليه في عصرنا الراهن بوصفه عادلاً، وجب طرحه جانباً؛ كمثل التشكيك في قوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾، استناداً إلى تغيّر الدور الاجتماعي للمرأة.
القاعدة الثانية: قاعدة الكرامة، ومفادها أنّ كلَّ حكمٍ يتنافى مع «الكرامة» بحسب مفهومها المعاصر، وجب تعطيله؛ كادّعاء تعارض الحجاب مع كرامة المرأة، أو منافاة الجهاد والجزية لكرامة غير المسلم، والدعوة إلى ضرورة التسوية في الدية بين المسلم وغيره.
فأبدى سماحته تعجّبه من هذا النحو من التقعيد المستحدث. فعرضتُ على سماحته أنّ الساحة الفكريّة الشيعيّة تتدفّق عليها كلَّ عامٍ عشراتُ المؤلّفات الجديدة في باب «المقاصد»، من دون أن تجد ما يقابلها من الردّ العلميّ والنقد المنهجيّ؛ وأنّه من المناسب أن تنهض في رحاب الحوزة العلميّة في النجف الأشرف نخبةٌ من المحقّقين للتصدّي لهذه الأطروحات بالنقد والتمحيص. وقد كانت الجلسة، بفضل الله ومنّه، طيّبة ومثمرة.
إنّ الله سبحانه وتعالى حكيمٌ على الإطلاق، فلا يصدر منه فعلٌ إلّا لغايةٍ وهدف، ولا يخلو تشريعٌ له من حكمةٍ ومقصد. فليس النقاش إذن في كون الشريعة خاليةً من المقاصد؛ بل إنّما يكمن النزاع في ما إذا كان الشارع قد فوّض أمر المقاصد إلى المكلّف، لكي يدور «مدار المقصد» في كلِّ عصرٍ وزمان، فيستنبط الأحكام أو يجعلها بنفسه؟ فلو كان الأمر كذلك، فما هو الوجه في نزول الشريعة على هذا النحو من التفصيل؟ وهل كان يُنتظَر من الحكمة الإلهيّة أن تكتفي بإعلان المقاصد الكلّيّة، ثمّ تكل أمر تشريع الحلال والحرام وتفاصيل العبادات والمعاملات إلى العقل البشري؟
نقد التقعيدات المقاصديّة: حكمة التفصيل في التشريع
إنّ منهج الشريعة في مقام البيان — ولا سيّما في العبادات وكثيرٍ من المعاملات — يرتكز على تعيين الأفعال والأسباب المعيّنة والمقيَّدة، لا على ترك المقصد الكلّي في عهدة المكلّف. وفي هذا بنفسه شاهدٌ جليٌّ على أنّ المقصد إنّما هو بمثابة «حكمة الحكم»، لا أنّه «موضوع الإلزام».
سيولة مفهومَي العدالة والكرامة ومآل ذلك إلى تعطيل النصوص: إنّ تجربة التيّارات المقاصديّة المعاصرة تُنذر بخطرٍ داهم، حيث إنّها قد توسّعت في مفهوم المقاصد، فحوّلته من دائرةٍ محدودةٍ إلى ما يناهز «المئات بل والآلاف» من المقاصد المزعومة، وقامت تحت عناوين فضفاضة كالعدالة والكرامة بصياغة تقعيداتٍ عامّةٍ تفضي في نهاية المطاف إلى تعليق النصوص. من قبيل تنحية قوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ بذريعة تغيّر الأدوار الاجتماعيّة، أو افتعال التعارض بين أحكامٍ كالحجاب والجهاد والجزية وبين «الكرامة» بحسب مفهومها المعاصر. إنّ هذا المسلك، في مآله، لا يعني إلّا إلغاء ظواهر الكتاب والسنّة، بل ويستتبع في مدرستنا، وبطريقٍ أولى، الإعراضَ عن سنّة أهل البيت(عليهم السلام).
مبنى المحقّق النائيني: المسبّبات التوليديّة وتعيين الأسباب
ينبغي للحوزات العلميّة أن تتّجه نحو أفقٍ تنهض من رحابها فحولٌ في مصافّ العمالقة، كالميرزا النائيني والمحقّق الأصفهاني والمحقّق العراقي. فأيُّ عَلَمٍ غيره نعرف، قد شهد له بالعمق والرسوخ فحلان من أقرانه، وهما في مصافّه وزناً وقدراً؟ أحدهما: المحقّق العراقي الذي وضع تعليقته على «فوائد الأصول»؛ وما وضعُ التعليقة من قِبَل نظيرٍ على أثرِ نظيرِه إلّا إقرارٌ له بتبوُّءِ ذروة التحقيق، وفتحٌ لباب الحوار العلميّ معه نقداً وتكميلاً. والآخر: المحقّق الأصفهاني الذي جعل من تحقيقات الميرزا النائيني محور الارتكاز في كتابه «نهاية الدراية»، فلا يكاد يخلو مبحثٌ من نقل آرائه وجعلها في بؤرة النظر والمناقشة.
ويُنقل عن أستاذنا الأعظم سماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلّه الوارف) نقلٌ جديرٌ بالتأمّل، وهو أنّه لمّا اعتُرِض على المحقق الآخوند الخراساني (قده) كثرةُ اهتمامه بالميرزا النائيني، قال: «وكيف لا أعتني به؟ إنّني أُسلّمه في أوّل الليل عشراتِ الاستفتاءات، فيُعيدها في صبيحة اليوم التالي بأجوبتها المستدلّة. إنّ هذا لشاهدٌ بليغٌ على ما يمتلكه من سرعةٍ ورسوخٍ وإتقانٍ في الاجتهاد.»
ولا ريب أنّ مسألة الاستفتاء وكيفيّة التعاطي معها تُعدُّ مؤشراً جليّاً وميزاناً دقيقاً للكشف عن مرتبة الأعلميّة. فقد كان يُعمَد في السيرة السالفة، عند السعي لتشخيص الأعلم، إلى توجيه مسألةٍ علميّةٍ عويصةٍ في آنٍ واحدٍ إلى عدّةٍ من المراجع الذين هم في مظنّة الأعلميّة، وذلك لكي يُمتحَن بذلك عمقُ أجوبتهم ومدى دقّتها. ولكن ممّا يؤسف له أنّ هذا المعيار لم يَعُد اليوم يحظى بذلك القدر من العناية. وكان والدنا المرحوم (رضوان الله تعالى عليه) ينقل أنّ سماحة آية الله العظمى السيد البروجردي (قده) كان ربّما يبحث المسألة الواحدة على مدى عدّة جلساتٍ في مجلس الاستفتاء الخاصّ به؛ فكان الجوابُ يُدوَّن ويُختَم، ثمّ يأخذ خادمُ البيت تلك الرسالة ليلقيَ بها في صندوق البريد. ولكن ما إنْ يطلع فجرُ اليوم التالي حتّى كان يصدر الأمر باستعادة تلك الرسالة، لا لشيءٍ إلّا لتُضافَ إليها كلمةٌ واحدة! إنّ هذه المرتبة من الدقّة والورع العلميّ لهي ممّا ينبغي أن يبقى حيّاً في الحوزة العلميّة، بوصفها أُسوةً ونبراساً يُهتدى به.
على هذه المرتبة من العظمة العلميّة كان المحقّق النائيني. وينبغي للحوزات العلميّة أن تخطو في هذا الدرب نفسه، لكي تنهض من رحابها فحولٌ في مصافّ أولئك العمالقة: كالميرزا النائيني، وآية الله العظمى البروجردي، والإمام الخميني، والمحقّق الخوئي (قدّس الله أسرارهم). فهم فحولٌ كلُّ واحدٍ منهم، قبل أن يكون مجرّد رصيدٍ للحوزة، هو المحرّكُ الدافع للتحقيقات العلميّة والميزانُ الذي تُقاس به الدقّة في الاستنباط. والمأمول، بدعاء حضرة وليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، أن تمضي الحوزةُ قُدماً في هذا الاتجاه، وأن تقدِّم للعالم الإسلامي جيلاً جديداً من المحقّقين من الطراز الأوّل.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
--------------------
[1]- أنظر: محمدحسین نائینی، فوائد الاُصول، با محمد علی کاظمی خراسانی (قم: جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم، 1376)، ج 1، 163-169.
نظری ثبت نشده است .