موضوع: الواجب النفسی و الغیری
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٨/٥
شماره جلسه : ۲۷
-
خلاصة البحث السابق
-
المسلك الذي يختاره الشهيد الصدر: النحو الرابع (ترك المجموع)
-
التمایز بین «ترك الجمیع» و«ترك المجموع»
-
مناقشة إمكانيّة حمل كلام المحقّق الأصفهاني على هذا النحو
-
تحقيق الشهيد الصدر في علاقة نظرية المحقّق الأصفهاني بمنشأ الوجوب: هل هو العقل أم اللفظ؟
-
المسلك الأوّل: الوجوب حكمٌ عقليٌّ يُنتزَع من الطلب (على مبنى المحقّق النائيني)
-
المسلك الثاني: الوجوب مدلولٌ لفظيٌّ أو منشأٌ بالإنشاء المولويّ
-
المحصّلة التحليليّة
-
مآل نظرية المحقق الأصفهاني على مبنى «الوجوب اللفظي» والرجوع القهري إلى تقرير المحقق الخراساني
-
إعادة نظر في تحقيق الشهيد الصدر: هل يختصّ التهافت بمبنى «الوجوب اللفظي» أم أنّه جارٍ في كلا المبنيين؟
-
التحليل المنقَّح: دور صياغة الترخيص
-
المصادر
-
الجلسة ۱
-
الجلسة ۲
-
الجلسة ۳
-
الجلسة ۴
-
الجلسة ۵
-
الجلسة ۶
-
الجلسة ۸
-
الجلسة ۹
-
الجلسة ۱۰
-
الجلسة ۱۱
-
الجلسة ۱۲
-
الجلسة ۱۳
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
إنّ الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في كتابه «مباحث الأصول» — فضلاً عن تقريره في «البحوث» — وبعد استعراضه للصور الأربع، يختار عمليّاً النحو الرابع منها. ومؤدّى هذا الاختيار أنّ «الترك المرخَّص فيه» ليس هو ترك كلِّ واحدٍ بما هو هو، بل هو عنوان «ترك المجموع». وعلى هذا الأساس، يكون موضوع المبغوضيّة والمؤاخذة أمراً واحداً اعتباريّاً، فيكون العصيان والعقاب — حتّى في فرض ترك الجميع — واحداً لا متعدّداً. وفي هذا الصدد يقول (قدس سره):
الترخيص في ترك المجموع، وهذا لا يلزم منه الانتباه إلى إمكان ثبوت الحكم على عنوان أحدهما، وفي نفس الوقت لا يوجب تعدّد العقاب؛ فإنّ ترك الجميع يزيد على ترك المجموع المرخّص فيه بترك واحد فيوجب عقاباً واحداً. فبفرض هذه الصورة نجيب على الإيراد الخامس. إذن فكلّ هذه الإيرادات غير واردة على هذه النظريّة.[1]
لا ملازمة بين عنوان «ترك الجميع» وعنوان «ترك المجموع». فإنّ عنوان «الجميع» ناظرٌ إلى تعدّد الأفراد وتكثّر التروك، بينما يُلحظ «المجموع» بوصفه وحدةً اعتباريّةً واحدة. وعليه، فإنّ ترك الجميع — من حيث عدد التروك — يزيد على مجرّد ترك المجموع.
مع الإقرار بالدقّة الفنّيّة لهذه الصياغة التحليليّة، لا بدّ من التأكيد على أنّ النحوين الثالث والرابع اللذين صوّرهما الشهيد الصدر يقعان خارج محلّ كلام المحقّق الأصفهاني. فإنّ مبنى المحقّق الأصفهاني — في كلا تقريريه — يرتكز على أنّ كلَّ طرفٍ «واجبٌ تعيينيٌّ» ثبوتاً، وأنّ الترخيص في تركه إنّما هو، بملاك «مصلحة التسهيل»، مشروطٌ بالإتيان بالبديل الآخر، على نسق: «يجوز ترك هذا بشرط الإتيان بذاك». وهذه البنية لا تنسجم مع «الترخيص المتعلِّق بالجامع الانتزاعي أحدها»، ولا مع «تحديد موضوع المؤاخذة بترك المجموع». وحتّى في تقريره الثاني الذي يفترض «الغرض الواحد النوعيّ»، تبقى الخطابات متعدّدة، ويبقى متعلَّق الوجوب هو كلُّ بدلٍ على نحو التعيين. وفي ظلّ هذه البنية، وبناءً على معيار مخالفة الخطاب، فإنّ ترك الجميع يفضي قهراً إلى تكثّر المخالفة والعقاب. وعليه، فإنّ حمل كلام المحقّق الأصفهاني على صورة «حصر موضوع المؤاخذة في ترك المجموع» لا ينسجم مع ظاهر عباراته.
المحصّلة: إنّ للتمايز بين «ترك الجميع» و«ترك المجموع» ثمرةً مباشرةً في تحديد وحدة المؤاخذة وتعدّدها؛ حيث يقتضي الأوّل التكثّر، والثاني يقتضي الوحدة. وعلى الرغم من أنّ صورة «ترك المجموع» تنهض بحلّ الإشكال ثبوتاً، إلّا أنّ حمل بيان المحقّق الأصفهاني عليها لا يصحّ. فما دام أنّنا باقون في إطار «الوجوبات التعيينيّة المشروطة» ومعيار مخالفة الخطاب، فإنّ إشكال تعدّد العقاب في فرض ترك الجميع يبقى قائماً، إلّا أن يُقام دليلٌ مستقلٌّ على أحد التصحيحين المتقدّمين: إمّا «الوجوب الواحد البدليّ» على «الجامع الانتزاعي أحدها»، وإمّا «تحديد موضوع المؤاخذة» في «ترك المجموع».
تحقيق الشهيد الصدر في علاقة نظرية المحقّق الأصفهاني بمنشأ الوجوب: هل هو العقل أم اللفظ؟
فعلىٰ مبنىٰ الميرزا النائيني، تكون صيغة «افعل» موضوعةً لمجرّد «الطلب»، ولا يكون الوجوب مدلولاً لفظيّاً لها، بل إنّ العقل هو الذي ينتزع حكم الوجوب من «الطلب غير المقترن بالترخيص». وعلى هذا الأساس، يمكن تصوير ثلاث صور:
الأولى: أن يوجد طلبان تعيينيّان مستقلّان، من دون اقتران أيٍّ منهما بترخيصٍ في الترك. وفي هذه الحالة، ينتزع العقل من كلِّ طلبٍ وجوباً تعيينيّاً، فتكون المحصّلة هي القول بوجود «وجوبين تعيينيّين».
الثانية: أن يوجد طلبان تعيينيّان، ولكن مع اقتران كلِّ واحدٍ منهما بترخيصٍ مستقلٍّ في الترك. وهنا، وبسبب اقتران الطلب بالترخيص، ينتفي حكم العقل بالوجوب، ويُنتزَع بدلاً عنه حكمٌ بالاستحباب لكلِّ طرف، فتكون المحصّلة هي القول بوجود «استحبابين».
الثالثة: أن يوجد طلبان تعيينيّان، ولكن مع وجود ترخيصٍ في ترك «أحدهما لا بعينه»؛ وهذا الترخيص يكون ناشئاً من ملاك «مصلحة التسهيل» الذي يقتضي الإذن في ترك أحد الطرفين. وفي هذه الحالة، ينتزع العقل من هذه البنية المركّبة حكماً بـ «الوجوب التخييري».
والفارق الجوهري بين هذه الصورة وبين صورة الاستحباب واضحٌ، وهو أنّ الترخيص هنا لا يتعلّق بترك كلِّ واحدٍ على نحوٍ مستقلّ، بل يتعلّق بالجامع المعبَّر عنه بـ «ترك أحدهما لا بعينه». وعلى هذا الأساس، يبلغ أحد الطلبين مرتبة الوجوب الفعلي، فإذا ما أتى المكلّف بأحد الطرفين، سقط الطلب عن الطرف الآخر رأساً، لا أنّه يبقى على مرتبة الاستحباب. ويشير الشهيد الصدر (قدس سره) إلى هذا المبنى بقوله:
وأمّا إذا قلنا بأنّ الوجوب نفسه مدلولٌ وضعيٌّ أو إطلاقيٌّ لصيغة «افعل»، أو أنّه منشأٌ مباشرةً بالإنشاء المولوي، فإنّ الجمع بين «الوجوب التعييني المطلق على كلِّ طرف» وبين «الترخيص في تركه» يغدو أمراً متهافتاً عرفاً، كنحو إيجاب الشيء مع الترخيص في تركه في آنٍ واحد. وعليه، فلا محيص لرفع هذا التهافت من أن يكون الترخيص نفسه قيداً في الوجوب، فيقيِّد وجوب كلِّ طرفٍ بـ «ترك الآخر». فتكون النتيجة حينئذٍ قريبةً من تقرير الآخوند الخراساني القائل بالوجوبات التعيينيّة المشروطة، لا من صياغة المحقّق الأصفهاني القائمة على وجود «طلبين تعيينيّين مع ترخيصٍ في ترك أحدهما» كما في المسلك السابق. ويشير الشهيد الصدر (قدس سره) إلى هذا المبنى بقوله:
فعلىٰ مبنىٰ الميرزا النائيني (القائل بالوجوب كحكمٍ عقليٍّ يُنتزَع من الطلب)، تكون نظرية المحقّق الأصفهاني — بصياغتها القائمة على «طلبين تعيينيّين مع ترخيصٍ في ترك أحدهما» — صياغةً معقولةً وجارية؛ إذ ينتزع العقل من هذه البنية المركّبة حكماً بـ «الوجوب التخييري». فلا يترتّب على ذلك وجوبٌ تعيينيٌّ مضاعف، ولا استحباب، بل إنّ المحصّلة الطبيعيّة لتركيبة «الطلب زائد الترخيص في أحدهما» هي الوجوب التخييري نفسه. وأمّا إذا فُرِض أنّ «الوجوب» مدلولٌ لفظيٌّ للأمر أو منشأٌ بالإنشاء مباشرةً، فإنّ صياغة المحقّق الأصفهاني تفقد فاعليّتها. وذلك لأنّ السبيل إلى التصحيح الصناعي — الذي يرتكز على انتزاع العقل من هيئات «الطلب والترخيص» — يكون مغلقاً، والجمع بين «الوجوب التعييني» و«الترخيص في الترك» على صعيد الدلالات اللفظيّة يؤول إلى التهافت أو اللغويّة. وعليه، لا يبقى مفرٌّ من الاتّجاه نحو تقييد الوجوبات (وهو ما يقترب من تقرير الآخوند)، لا نحو تحليل المحقّق الأصفهاني.[4]
فبناءً على المبنى الثاني — وهو القائل بأنّ «الوجوب» مدلولٌ لفظيٌّ للأمر، سواءٌ بالدلالة الوضعيّة أو الإطلاقيّة، أو أنّه منشأٌ بالإنشاء الصريح كنحو «يجب عليك كذا» — يصرّح الشهيد الصدر بأنّ الجمع بين «الوجوبات التعيينيّة المطلقة» على كلٍّ من الأطراف وبين «الترخيص في ترك أحدهما» يغدو أمراً متهافتاً عرفاً. وذلك لأنّ صياغة نظرية المحقق الأصفهاني ترتكز على أنّ كلّ طرفٍ واجبٌ ثبوتاً على نحو التعيين، وأنّ الترخيص في ترك كلٍّ منها إنّما هو مشروطٌ بالإتيان بالبديل الآخر.
ووجه هذا التهافت: أنّه إذا كان الوجوب مدلولاً لفظيّاً، فإنّ مفاد الجعل المولويّ حينئذٍ هو أنّ عدّة خطاباتٍ بـ «الوجوب التعييني المطلق» تتوجّه إلى المكلّف في عرضٍ واحد، ويقترن ذلك في الوقت نفسه بمنح «ترخيصٍ في ترك أحدهما». وهذا الجمع أشبه ما يكون بإيجاب الشيء والترخيص في تركه في آنٍ واحد، وهو ما يُعدُّ تهافتاً عرفيّاً؛ إذ «لا يُعقَل جعلُ وجوبين تعيينيّين مطلقين مع الترخيص بترك أحدهما». فهو نظير أن يقال في شأن فعلٍ واحد: «يجب عليك»، وفي الوقت نفسه: «يجوز لك تركه». فإنّ العقلاء في مقام التشريع والتقنين يرون هذا الجمع ضرباً من التناقض؛ إذ لو كان الفعل واجباً، لكان الترخيص في تركه بما هو واجبٌ، رفعاً لليد عن ذلك الوجوب وإلغاءً له.
سبيل الخروج من هذا المأزق والرجوع إلى تقرير الآخوند: وللخروج من هذا التهافت، لا مناص من نقل الترخيص إلى مستوى «شرط الوجوب»؛ أي: «لا بدّ أن يكون الترخيص مقيِّداً لوجوب كلٍّ منهما بما إذا تُرِكَ الآخر». فتكون النتيجة حينئذٍ هي أنّ وجوب كلِّ طرفٍ لا يكون فعليّاً إلّا في فرض ترك الطرف الآخر. وهذا هو الإطار نفسه الذي قرّره الآخوند الخراساني في باب اشتراط الخطابات عند التزاحم في أصل الخطاب.[5] وعليه، فإنّ صياغة «الوجوبات التعيينيّة المشروطة» عند المحقّق الأصفهاني، إذا ما طُرِحت في ظلّ مبنى «الوجوب اللفظي»، إمّا أن تقع في محذور التهافت، وإمّا أن تؤول إلى تقرير المحقق الخراساني، فلا تكون لها حينئذٍ أيّة مزيّةٍ عليه.
إنّ الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) يربط معقوليّة نظرية المحقّق الأصفهاني بمنشأ الوجوب، فيذهب إلى أنّه علىٰ مبنىٰ «الوجوب اللفظي»، يكون الجمع بين «الوجوبات التعيينيّة المطلقة» وبين «الترخيص في ترك أحدهما» أمراً متهافتاً، فلا مناص حينئذٍ من نقل الترخيص إلى مستوى «شرط الوجوب»، وهو ما يعني الرجوع إلى تقرير المحقق الخراساني. والمدّعىٰ في قبال ذلك هو أنّ التمايز بين المبنيين لا ينهض بنفسه لحلّ إشكال التهافت؛ فإنّ محور النزاع وبؤرته إنّما يكمن في «كيفيّة صياغة الترخيص». وتوضيح ذلك: أنّ «الترخيص في الترك» يفيد مفهوماً رفعَ الإلزام. فإذا لم يكن هناك وجوبٌ مفروضٌ بعدُ (لينتزعه العقل)، فإنّ الترخيص، على نحوٍ معقول، لا بدّ أن يفيد إمّا «رفع الطلب على البدل» (وهو ما يعني تقييداً في نفس الطلب)، وإمّا أن يُبقىٰ في عرض «طلبين تعيينيّين مطلقين»، وهو ما يعود بنا إلى نفس التهافت المذكور.
فإذا آل الترخيص إلى «رفع الطلب على البدل»: فالمحصّلة الصناعيّة إمّا أن تكون هي «الطلب المتعلّق بالجامع الانتزاعي أحدها» (أي الوجوب الواحد البدلي)، وإمّا «تقييد كلِّ طلبٍ بظرف عدم امتثال الآخر» (أي الاشتراط). وإذا أُبقيَ الترخيصُ بصورة «جواز الترك» إلى جانب «الطلبات التعيينيّة المطلقة»: فإنّ التناقض بين الإلزام التعييني وجواز الترك يعود للبروز من جديد — حتّى في إطار مبنى الانتزاع — وذلك لأنّ «الطلب التعييني المطلق»، بحسب التعبير العقلائي، لا يجتمع مع «الترخيص في ترك ذلك الشيء نفسه بما هو مطلوبٌ على نحو التعيين».
النتائج المترتّبة على كلا المبنيين
فبناءً علىٰ مبنى «الوجوب العقلي المنتزَع من الطلب»: إذا فُهِم الترخيص في «ترك أحدهما» بمعنى «رفع الطلب على البدل» أو «اشتراط الطلب»، فإنّ العقل ينتزع من ذلك حكماً بـ «الوجوب التخييري»، ولا يكون هناك أيُّ تهافت. وأمّا إذا أُبقيَ الترخيصُ بصورة «جواز الترك» إلى جانب طلبين تعيينيّين مطلقين، فإنّ نفس ذلك التهافت يعود للبروز.
وأمّا علىٰ مبنى «الوجوب اللفظي»: فإنّ تهافتَ الجمع بين «الوجوب التعييني المطلق» و«جواز الترك» يغدو أكثر وضوحاً وبداهة، ولا يرتفع هذا التهافت إلّا بنقل الترخيص إلى مستوىٰ «شرط الوجوب»، وهو ما يعني الرجوع إلى تقرير الآخوند؛ أو بالعدول عن تكثّر الوجوبات التعيينيّة والقول بـ «وجوبٍ واحدٍ بدليّ» (بحمله على الجامع الانتزاعي).
المحصّلة المنهجيّة
إنّ محور النزاع وبؤرته إنّما هو «صياغة الترخيص»، لا مجرّد كون منشأ الوجوب عقليّاً أو لفظيّاً. فإذا ما أُرْجِعَ الترخيصُ على نحوٍ دقيقٍ إلى «عدم طلب أحدهما عند امتثال الآخر»، فلا يلزم من ذلك أيُّ تهافتٍ في أيٍّ من المبنيين؛ وتكون المحصّلة إمّا «وجوباً واحداً بدليّاً»، وإمّا «الاشتراط» (علىٰ نسق الآخوند). وأمّا إذا أُبقيَ الترخيصُ إلى جانب «الإلزام التعييني المطلق»، فإنّ نفس ذلك التهافت الذي أقامه الشهيد الصدر علىٰ مبنىٰ «الوجوب اللفظي» يعود للبروز في مبنىٰ الانتزاع أيضاً. وعليه، فإنّ الحكم علىٰ معقوليّة نظرية المحقّق الأصفهاني يتوقّف علىٰ كيفيّة تبيين الترخيص أكثر ممّا يتوقّف علىٰ منشأ الوجوب. وفي كلا المبنيين، يبقى السبيلان المنقَّحان للفرار من التهافت مزدوجين: 1- إرجاع البنية إلى وجوبٍ بدليٍّ حقيقيّ (أي وجوب الجامع الانتزاعي «أحدها»). 2- أو القول باشتراط الطلب/الوجوب (وهو إطار المحقق الخراساني).
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
-----------------------
[3]- نفس المصدر.
[4]- تذكرة منهجيّة في متابعة بحث الواجب التخييري: في الدورة السابقة، كنّا قد طرحنا بحث الواجب التخييري في ختام مباحث الأوامر، تبعاً لترتيب «كفاية الأصول». أمّا في هذه الدورة الراهنة، فإنّنا نتابع البحث في هذا الموضع نفسه، اقتداءً بمنهج المحقّق النائيني الذي توسّع في بحث الواجب التخييري في هذا المقام بالذات. ومن الجدير بالذكر أنّنا لا نزال في صغرى المسألة، وهي: هل إطلاق صيغة الأمر يقتضي التعيينيّة أم التخييريّة؟ وعليه، يغدو من المناسب في هذا المقطع بالذات تقديم تعريفٍ دقيقٍ لكلٍّ من الواجب التعييني والواجب التخييري.
إنّ المنهج الذي نتبعه عادةً هو أن نبدأ بمتن «الكفاية»؛ غير أنّنا في هذا الفصل، وتسهيلاً لعمليّة التتبّع، قد جعلنا ترتيب «محاضرات» السيد الخوئي هو الملاك في عرض المطالب. مع ذلك، لا بدّ من التنبيه على أنّ تقديم نظرية المحقّق الأصفهاني على بيان الآخوند الخراساني — كما وقع في «المحاضرات» — لا يتّسم بالدقّة من الناحية التاريخيّة؛ وذلك لأنّ نظرية المحقّق الأصفهاني إنّما تبلورت في سياق تعليقته على كلام الآخوند. وسنجعل هذا الأمر مفروضاً في مقام العرض، ولكنّنا سنلحظ هذه النسبة التاريخيّة بين الأقوال في مقام التقييم والمناقشة. وعلى هذا الأساس، ومع الحفاظ على هذا الإطار المنهجي، سنواصل البحث في مسألة إطلاق صيغة الأمر ونسبتها إلى التخييريّة والتعيينيّة، وذلك على وفق ترتيب «المحاضرات»، مع الإرجاع اللازم إلى «الكفاية» وتعليقات كلٍّ من المحقّق الأصفهاني والمحقّق النائيني.
[5]- إنّ نقل الترخيص إلى مستوىٰ «شرط الوجوب» يعني أن يصبح كلُّ وجوبٍ على نسق: «هذا واجبٌ مشروطاً بترك الآخر» و«ذاك واجبٌ مشروطاً بترك هذا». وعليه، لا يكون هناك أيُّ «وجوبٍ تعيينيٍّ مطلق» قد جُعِل في عرض الآخر، فيرتفع بذلك التهافت. بيد أنّ هذا ليس إلّا عودةً إلى تقرير الآخوند الخراساني نفسه.
ولا يُجدي نفعاً هنا التمسّكُ بالمجاز لتصحيح الموقف، فإنّ المجاز يفتقر إلى العلاقة والقرينة. وفوق ذلك — حتّى في صعيد الثبوت — لا يمكن إعلان شيءٍ «واجباً تعيينيّاً مطلقاً» وفي الوقت نفسه الإتيان بـ«ترخيصٍ في تركه»؛ فإنّ هذا ليس مجرّد رفعٍ للظهور، بل هو نقضٌ لأصل الجعل. كما أنّ تكثير الأطراف لا ينهض بحلّ الإشكال: فلو جُعِلت عشرة أطرافٍ «واجبةً على نحو التعيين»، ثمّ قيل: «يجوز ترك تسعةٍ منها»، فإنّ اللازم القهريّ لذلك هو أنّ «التسعة ليست بواجبة»، وهذا خروجٌ عن أصل الفرض. إنّ فرض المحقّق الأصفهاني كان يرتكز على أنّ «كلَّ واحدٍ منها واجبٌ تعيينيّ»؛ وهذا ما لا ينسجم مع إقحام ترخيصٍ في ترك أحدها، وذلك علىٰ مبنى الوجوب اللفظيّ.
- الصدر، محمد باقر. بحوث في علم الأصول. با محمود هاشمی شاهرودی. ۷ ج. قم: موسسه دائرة المعارف فقه اسلامي بر مذهب اهل بيت عليهم السلام، 1417.
نظری ثبت نشده است .