درس بعد

الواجب النفسی و الغیری

درس قبل

الواجب النفسی و الغیری

درس بعد

درس قبل

موضوع: الواجب النفسی و الغیری


تاریخ جلسه : ١٤٠٤/٧/٧


شماره جلسه : ۱۱

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خلاصة البحث السابق

  • النظرية المختارة في تقييم الإيرادات على مبنى المحقق النائيني

  • مجاري الأصول العملية ونسبة النفسية والغيرية إلى الجعل والتقييد

  • محل أثر الأصل العملي في الصورة الأولى: البراءة من التقييد، لا من النفسية والغيرية

  • شمول قاعدة قبح العقاب بلا بيان وحديث الرفع للمؤاخذات المباشرة والتسبيبية

  • مجرى الأصل العملي في الصورة الأولى؛ نقدٌ نهائي على تقرير السيد الروحاني وتقويةٌ لمختار المحقق النائيني

  • تقرير الإمام الخميني في الصورة الأولى ونفي انحلال العلم الإجمالي

  • المصادر

الجلسات الاخرى

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین


خلاصة البحث السابق

في الصورة الأولى، وهي صورة تماثل الوجوبين من حيث الإطلاق والاشتراط، فإنّ المحقق النائيني، بإجرائه لأصالة البراءة عن التقييد في جانب الصلاة، يأخذ بـ«نتيجة الإطلاق» ويلتزم بـ«الانحلال الحكمي» للعلم الإجمالي؛ إذ بنفي تقييد الصلاة بالوضوء، يسقط فرع الغيرية — المتقوِّم بهذا التقييد — عن مدار الأثر. وقد جلّى صاحب «منتقى الأصول» الفارق بين تقريري السيد الخوئي: ففي التعليقة على «أجود التقریرات»، يصوِّر طرفي العلم الإجمالي على أنهما «الوجوب النفسي للوضوء» في قبال «وجوب التقييد»، وهو ما يرتبط مباشرةً بمحل النزاع (وهو لزوم تقييد الصلاة). وأما في «المحاضرات»، فقد أُخِذ الطرفان هما مجرد كون وجوب الوضوء «نفسياً/غيرياً»، وهو تقريرٌ لا يرتبط بأصل التقييد، ولا ينجِّز في نهايته إلا العلم الإجمالي بوجوب الوضوء، لا الصلاة المقيَّدة. كما تبيّن أنّ التمسك بـ«البراءة من الغيرية» لنفي التقييد غير تامّ؛ وذلك لأنّ عدم التقييد ليس أثراً شرعياً مباشراً لهذا الأصل، بل هو من ملازماته، وأصل البراءة لا حجية له في الملازمات. 
وكذلك، فإنّ صياغة «العلمين الإجماليين/الأطراف الثلاثة» لا تنهض بإثبات التعارض؛ وذلك لأنّ عنواني النفسية والغيرية بما هما هما لا أثر إلزامياً مستقلاً لهما حتى يقعا مجرىً للبراءة والمعارضة، كما أنّ أصل وجوب الوضوء مفروغٌ عنه وخارجٌ عن مجرى البراءة؛ وعليه، فإنّ البراءة من التقييد تجري بلا معارض، ويكون الانحلال الحكمي موجَّهاً. ومع ذلك كلّه، فإنّ السيد الروحاني في حكمه النهائي يختار الاحتياط، وإن كان لا من طريق المحقق الخوئي. فالبراءة الشرعية، بناءً على مختاره، لا تجري في الوجوب الغيري (لا سيّما الترشّحي)؛ لأنّ المرفوع في حديث الرفع هو المؤاخذة على نفس العمل. كما أنّ البراءة العقلية لا تجري موضوعاً، لأنّ ترك الغيري بما هو هو ليس مقتضياً للعقاب. وبهذا، فبعد إعادة بناء أطراف العلم الإجمالي على نحو «الوجوب النفسي للوضوء/الوجوب النفسي للتقييد»، ينعقد التعارض بين البراءتين، وتكون أصالة الاحتياط مقتضيةً لتقديم الوضوء والإتيان بالصلاة على نحو التقييد.

النظرية المختارة في تقييم الإيرادات على مبنى المحقق النائيني

والذي يبدو لنا أنّ النكات التي أثارها السيد الروحاني ذيل إيراد آية الله الخوئي على المحقق النائيني لا تؤثر تأثيراً جوهرياً في محل التحقيق. وتوضيح ذلك: أنّه (قده) ذهب أولاً إلى أنّ «البراءة من النفسية والغيرية لا تجري، لكونهما عنوانين لا أثر إلزامياً لهما». وذهب ثانياً إلى أنّ «البراءة الشرعية والعقلية لا تجري، لأنّ حديث الرفع يرفع المؤاخذة لا الحكم المجعول». وذهب ثالثاً إلى أنّه لو أراد أحدٌ أن يُجري البراءة من جانب نفسية وجوب الوضوء، فإنّ صاحب «المنتقى»، في مقام توضيح مبنى المحقق النائيني، يقول بأنّ هذا الأصل «لا أثر له»؛ وذلك لأنّ أصل وجوب الوضوء — نفسياً كان أم غيرياً — مفروغٌ عنه، والأصل العملي لا يقوى على رفع الإلزام المعلوم؛ فالبراءة من هذه الجهة عديمة الأثر. والتحقيق هو أنّ المسألة ينبغي أن تُبحَث من زاويةٍ أخرى، سنتناول تفصيلها في ما يلي.

مجاري الأصول العملية ونسبة النفسية والغيرية إلى الجعل والتقييد

إنّ النكتة التي ينبغي أن تكون محور التحقيق هي أنّ «النفسية» و«الغيرية» ليستا من مجعولات الشارع، بل هما من كيفيات الجعل ونحو انتساب الحكم إلى المتعلَّق؛ ولهذا، فإنهما لا تقعان مجرىً للأصول العملية. فالأصل العملي — سواء كان براءةً شرعيةً أم عقلية — إنما يكون له معنىً حيثما كان ثمة «جعلٌ» في البين: فإمّا أن يكون نفس الحكم المجعول مورداً للشك، وإمّا أن تكون المؤاخذة المترتبة على مخالفة ذلك الحكم هي محل البحث. وحتى بناءً على مبنى الشيخ الأنصاري في تفسير حديث الرفع بـ«رفع المؤاخذة»، فإنّ قاعدة «لا مؤاخذة بلا مجعول» تبقى حاكمة؛ فالمؤاخذة من دون مجعولٍ أمرٌ غير معقول. وعلى هذا الأساس: فإنّ «أصالة البراءة عن النفسية» و«أصالة البراءة عن الغيرية» بما هما عنوانان انتزاعيان، لا محل لهما من الإعراب؛ وذلك لأنّ هذه العناوين لا توجب أثراً إلزامياً مستقلاً على ذمة المكلف حتى يرفعه الأصل الترخيصي. ومن هنا، فإنّ بناء طرف التعارض على «البراءة من النفسية» غير تامٍّ من الناحية الصناعية.

والمجرى الصحيح للأصل في ما نحن فيه هو «تقييد الصلاة بالوضوء»؛ فالتقييد حيثيةٌ وضعيةٌ قابلةٌ للجعل، والشك في لزومه هو شكٌّ في مجعولٍ قابلٍ للرفع. وعليه، فإنّ «أصالة البراءة عن التقييد» تجري على نحوٍ صحيح، وترفع الأثر الإلزامي الزائد — وهو لزوم الإتيان بالصلاة على وجه التقييد. ولأجل ذلك، فإنّه لو افتُرِض في بعض التقريرات أنّ طرفي التعارض هما «البراءة من النفسية» و«البراءة من التقييد»، لكان ذلك محل إشكال؛ وذلك لأنّ «النفسية» ليست مجعولةً حتى تجري فيها البراءة. فالسؤال: «هل النفسية مجعولة؟» جوابه بالنفي؛ إذ إنّ الجعل إنما يتعلّق بنفس حكم «وجوب الصلاة»، وأما وصف «النفسي/الغيري» فيُنتزَع من كيفيات الجعل ونحو ارتباط الحكم بالغير، لا أنه جعلٌ ثانٍ مستقل.

والقياس البيّن في هذا المقام هو أنّه كما لا يمكن، عند التردد بين استعمال صيغة الإنشاء (كالأمر) والجملة الخبرية في مقام الإنشاء، إجراء «أصالة البراءة عن صيغةٍ دون أخرى» — لكون كليهما من شؤون كيفية الجعل لا من المجعولات — كذلك لا يجري الأصل في النفسية والغيرية. وهذا الأمر أوضح بناءً على مبنى الآخوند والأصفهاني اللذين يعتبران النفسية قيداً عدمياً. وحتى بناءً على المختار عندنا، الذي نعتبر فيه النفسية حيثيةً وجودية، فإنّ هذه الحيثية الوجودية هي الأخرى من سنخ كيفية الجعل لا المجعول المستقل.

فالمتحصّل هو: أنّه في مقام الأصل العملي، لا ينبغي أن تُجعَل النفسية أو الغيرية طرفاً للأصل؛ فالمحل الصحيح للأصل هو التقييد. فالتمسك بـ«البراءة من الغيرية» أو «البراءة من النفسية» لإثبات التقييد أو نفيه إمّا أن يكون عديم الأثر، وإمّا أن يكون من قبيل إثبات الملازمات بالأصل، وهو لا حجية له. وعلى هذا الأساس، يتوجه النقد إلى التقريرات التي جعلت «النفسية» أحد طرفي التعارض. وإلا، فإنّ أصل دعوى المحقق النائيني في الانحلال الحكمي للعلم الإجمالي — بواسطة جريان «البراءة من التقييد» بلا معارض — يكتسب قوةً.

محل أثر الأصل العملي في الصورة الأولى: البراءة من التقييد، لا من النفسية والغيرية

وعليه، فالإشكال الأول هو أنّ التحقيق في محل البحث يكشف عن أنّ «النفسية» و«الغيرية» ليستا مجرىً للأصول العملية؛ وذلك لكونهما لا متعلَّقاً للجعل ولا مجعولاً شرعياً. فهما إنما يُعَدَّان من كيفيات الجعل ونحو انتساب الحكم إلى المتعلَّق. فالأصل العملي — سواء كان براءةً شرعيةً أم عقلية — إنما يكون له معنىً حيثما كان ثمة مجعولٌ في البين: فإمّا أن يكون نفس الحكم المجعول مورداً للتردد، وإمّا أن تكون المؤاخذة المترتبة على ترك ذلك الحكم هي محل البحث. وعلى هذا المبنى، فإنّ إجراء «أصالة البراءة عن النفسية» أو «أصالة البراءة عن الغيرية» يكون لا أثر له؛ وذلك لأنّ هذه العناوين بما هي هي لا توجب إلزاماً مستقلاً على ذمة المكلف حتى يرفعه الأصل الترخيصي.

والمجرى الصحيح للأصل في ما نحن فيه هو «تقييد الصلاة بالوضوء»؛ وذلك لأنّ الشك في لزوم التقييد هو شكٌّ في حيثيةٍ قابلةٍ للجعل، و«أصالة البراءة عن التقييد» ترفع مباشرةً الإلزام الزائد — وهو لزوم الإتيان بالصلاة على نحو التقييد — وتنتج نتيجة الإطلاق في جانب الصلاة. والقياس على باب الأجزاء والشرائط يفتح الآفاق في المقام: ففي الشك في جزئية السورة، وبما أنّ للسورة قابلية الجعل، تجري البراءة. وأما في النفسية والغيرية، فلا جعل جديد في البين. فالمولى له «جعل الصلاة واجبة» مرةً واحدة، وأما وصف النفسي أو الغيري فيُنتزَع من الملاك ونسبة الحكم إلى الغير، لا أنه جعلٌ ثانٍ. وبهذا، فإنّ النزاعات المرتكزة على «الانحلال أو عدمه» بالنسبة إلى النفسية والغيرية تنتفي موضوعاً؛ إذ لا يجري أصلٌ مؤثرٌ في ذلك الجانب أساساً. وعلى هذا الأساس، فالمختار في هذه الصورة هو رأي المحقق النائيني نفسه: وهو البراءة من التقييد والاكتفاء بنتيجة الإطلاق في جانب الصلاة.

شمول قاعدة قبح العقاب بلا بيان وحديث الرفع للمؤاخذات المباشرة والتسبيبية

الإشكال الثاني هو أنّ مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان وحديث «رفع ما لا يعلمون» قد حُصِر في بعض التقريرات في المؤاخذة على نفس ترك ذلك العمل المجعول المجهول، وعلى هذا الأساس ادُّعي أنّه لا تجري في باب الواجب الغيري لا البراءة الشرعية ولا البراءة العقلية. وهذا التحديد لا يمكن الدفاع عنه، ويرد عليه النقد ببيانين:

البيان العقلي: إنّ قيود قاعدة قبح العقاب بلا بيان تنحصر في ركنين اثنين: 1- وجود مقتضٍ للعقاب في المخالفة. 2- وعدم وصول البيان. والعقل لا يفصِّل بين المؤاخذة على ترك نفس العمل المجهول، والمؤاخذة على ترك ذي المقدِّمة التي ينشأ تركها من ترك المقدِّمة. فلو أنّ الشارع، من دون بيان، آخذ على ترك ذي المقدِّمة بسبب ترك المقدِّمة، لكان ذلك قبيحاً بالقدر نفسه الذي يقبح به العقاب على نفس ترك الفعل المجهول الحكم.

البيان الشرعي: بناءً على تفسير «رفع المؤاخذة» في حديث الرفع، فإنّ إطلاق «رُفِعَ ما لا يعلمون» يشمل كل مؤاخذةٍ تنشأ عن ترك المجهول الحكم؛ سواء كانت مؤاخذةً مباشرةً على نفس الترك، أم مؤاخذةً غير مباشرةٍ مترتبةً على ترك ذي المقدِّمة. فتخصيص الرفع بالمؤاخذة المباشرة تخصيصٌ بلا قرينة، وهو مستلزمٌ للتهافت في المبنى؛ إذ لا يمكن من جهةٍ حصر الرفع في المؤاخذة على نفس الترك، ومن جهة أخرى، ومع إنكار المؤاخذة بالأصالة في الغيرية، يُرفَع اليد عن رفع المؤاخذة المترتبة أيضاً.

النتيجة: إنّ تقييد شمول القاعدة العقلية وحديث الرفع بالمؤاخذة المباشرة غير مقبول؛ فإطلاق الحكم العقلي وإطلاق الدليل الشرعي كلاهما يشمل المؤاخذات غير المباشرة أيضاً. ومع ذلك كلّه، فإنّ الضابطة الكلية تبقى قائمة، وهي أنّ مجرى الأصول هو «المجعولية»؛ وعناوين النفسية والغيرية، لكونها من كيفيات الجعل، لا تكون مجرىً للأصل. وعليه، ففي الصورة الأولى، يكون المحل الصحيح للرجوع هو «أصالة البراءة عن التقييد»، لا التمسك بالبراءة في عنواني النفسية والغيرية الانتزاعيين.

مجرى الأصل العملي في الصورة الأولى؛ نقدٌ نهائي على تقرير السيد الروحاني وتقويةٌ لمختار المحقق النائيني

الإشكال الثالث على تقرير صاحب «المنتقى» هو أنّه مع تصريحه بأنّ «إجراء البراءة بالنسبة إلى النفسية عديم الأثر»، فإنه قد التزم بالاحتياط. والحال أنّ الطرف الفاقد للأثر في باب العلم الإجمالي لا يكون منجَّزاً؛ وهو نظير اشتراط الابتلاء في منجِّزية العلم الإجمالي بناءً على مبنى الشيخ الأنصاري: فما هو خارجٌ عن محل الابتلاء، لا يكون منجَّزاً. وفي مقامنا أيضاً، فلو كانت «البراءة من النفسية» عديمة الأثر، لما كانت منشأً للإلزام، ولما كان ينبغي أن تؤول إلى الاحتياط. فالأصل يجب أن يجري في الطرف «ذي الأثر»، وهو «تقييد الصلاة بالوضوء». فالمتحصّل هو أنّ المجرى الصحيح هو «أصالة البراءة عن التقييد».

إنّ الضابطة الكبروية بيّنة: وهي أنّ «أصالة البراءة» لا تجري إلا في مورد الإلزام الزائد. وعنوان «النفسية» بما هو عنوان، لا يوجب إلزاماً إضافياً على «أصل الوجوب المعلوم»؛ ولهذا، فهو لا يكون مجرىً للأصل، ولا يثقل عهدة المكلف بشيء. فالمتحصّل هو أنّ «التقييد» هو وحده مجرى الأصل في هذا النزاع؛ وبإجراء «البراءة من التقييد»، يُنفى إلزام التقييد، وتتحصّل نتيجة الإطلاق في جانب الصلاة.

صلته ببحث الانحلال: لم يرد في «فوائد الأصول» أو «أجود التقریرات» للمحقق النائيني أي حديثٍ عن الانحلال أو عدمه في هذه الصورة أساساً. وبناءً على مبنانا أيضاً، لا تصل النوبة إلى طرح مسألة الانحلال؛ وذلك لأنّه لا تجري أصولٌ في النفسية والغيرية حتى ينعقد تعارضٌ. نعم، لو أنّ أحداً أجرى الأصل في «التقييد» فحسب، أمكنه أن يتحدث عن «الانحلال الحكمي» باعتبار السببية والمسبَّبية؛ إلا أنّ هذا ليس إلا تعبيراً عن جريان الأصل بلا معارض، لا أنه افتقارٌ مستقل إلى مبحث الانحلال.

النتيجة العملية في الصورة الأولى (تماثل الوجوبين): إنّ «أصالة البراءة عن التقييد» هي وحدها الجارية، ولا معارض لها. وعليه، فإنّ المكلف مخيَّرٌ في ترتيب الامتثال: فإمّا أن يقدِّم الوضوء ثم يأتي بالصلاة، وإمّا أن يأتي بالصلاة أولاً ثم — لو ثبت الوجوب النفسي للوضوء — يبادر إلى امتثاله. فالقاعدة المرشدة هي أنّ الأصول العملية، سواء كانت شرعية (كحديث الرفع) أم عقلية (كقبح العقاب بلا بيان)، إنما يكون لها معنىً حيثما كانت ثمة «مجعولية» في البين (سواء لحكمٍ تكليفي أو وضعي أو لأثره). وأما النفسية والغيرية، فلكونها من «كيفيات الجعل» لا من «المجعولات»، فإنّ الأصل لا يجري فيهما. ويكون المجرى الصحيح للأصل في مقامنا هو «التقييد»، الذي هو حيثيةٌ قابلةٌ للجعل وذات أثرٍ إلزامي. وعلى هذا المبنى، فالمختار عندنا في الصورة الأولى هو مختار المحقق النائيني نفسه.

تقرير الإمام الخميني في الصورة الأولى ونفي انحلال العلم الإجمالي

في الصورة الأولى، حيث يُفرَض تماثل الوجوبين من حيث الإطلاق والاشتراط، يختار الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، على خلاف مسلك المحقق النائيني، نتيجة الاحتياط. وصورة العلم عنده هي كالتالي:

إنّ طرفي العلم الإجمالي هما: الوجوب النفسي للوضوء. ووجوب الصلاة المقيَّدة بالوضوء. وفوق ذلك، فإنّ العلم التفصيلي بأصل وجوب الوضوء — الأعمّ من النفسي والغيري — مفروضٌ أيضاً. ويصرّح الإمام (قده) بأنّ هذا العلم الإجمالي لا ينحلّ بوجهٍ من الوجوه؛ لا بواسطة العلم التفصيلي بطبيعيّ وجوب الوضوء، ولا من طريقٍ آخر. بل لو اعتبرنا العلم التفصيلي بالجامع موجباً لانحلال العلم الإجمالي، للزم المحذور؛ إذ إنّ العلم التفصيلي بالجامع لا يرفع الإلزامات المتباينة لطرفي العلم الإجمالي.

وتؤيد ذلك مباني المحقق النائيني نفسه في جريان البراءة العقلية في باب الأقل والأكثر الإرتباطیین: فكما أنّ العلم التفصيلي بالأقل لا ينحلّ العلم الإجمالي بالأقل والأكثر، كذلك فإنّ العلم بطبيعيّ وجوب الوضوء لا ينحلّ العلم الإجمالي المردَّد بين «الوجوب النفسي للوضوء» و«وجوب الصلاة المقيَّدة». وعليه، فمع بقاء العلم الإجمالي، لا يجوز جريان البراءة في جانب الصلاة، ولا تنهض الأصول الترخيصية لإثبات المطلوب. فتصل النوبة إلى أصالة الاحتياط، وتكون الوظيفة الامتثالية هي تقديم الوضوء والإتيان بالصلاة على وجه التقييد. وقد ورد تفصيل هذا التقرير في «مناهج الوصول»:

... ففي هذا القسم يرجع الشكّ إلى تقييد الصلاة بالوضوء، فيكون مجرى البراءة ... و أمّا الوضوء فيجب على أيّ حال ... و فيه إنّ إجراء البراءة في الصلاة غير جائز بعد العلم الإجماليّ بوجوب الوضوء نفسيّا أو وجوب الصلاة المتقيّدة به، و العلم التفصيليّ بوجوب الوضوء الأعمّ من النفسيّ و الغيريّ لا يوجب انحلاله إلاّ على وجه محال كما اعترف به القائل في الأقلّ و الأكثر ... .[1]

و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین

---------------------------
[1]- ‏روح الله خمینی، مناهج الوصول إلى علم الأصول‏ (قم: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني( ره)، 1415)، ج 1، 374-375.

-------------------------
المصادر:
- خمینی، روح الله‏. مناهج الوصول إلى علم الأصول‏. قم: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني( ره)، 1415.

الملصقات :

الوجوب النفسي الوجوب الغيري الأصل العملي العلم الإجمالي أصالة البراءة تماثل الوجوبين حديث الرفع أصالة الاحتياط قبح العقاب بلا بيان المجعول كيفيات الجعل

نظری ثبت نشده است .